الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
{لَا مُنَاسبَة ذاتية بَين اللَّفْظ ومدلوله، وَخَالف عباد المعتزلي} .
ذهب أهل الْعلم من الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم: إِلَى أَنه لَا مُنَاسبَة طبيعية بَين اللَّفْظ ومدلوله، لما تقدم من الْمُشْتَرك للشَّيْء وضده، كالقرء والجون وَنَحْوهمَا، وللشيء ونقيضه، ولاختلاف الِاسْم لاخْتِلَاف الْأُمَم مَعَ اتِّحَاد الْمُسَمّى، وَإِنَّمَا اخْتصَّ كل اسْم بِمَعْنى بِإِرَادَة الْفَاعِل الْمُخْتَار.
وَخَالف فِي ذَلِك عباد بن سُلَيْمَان [الصَّيْمَرِيّ] المعتزلي، أَبُو سهل، من معتزلة الْبَصْرَة، من أَصْحَاب هِشَام بن عَمْرو، وَكَانَ الجبائي يصفه
بالحذق فِي الْكَلَام.
و [صيمرة] : كورة من كور الْجبَال الْمُسَمّى بعراق الْعَجم، وَالنِّسْبَة " صيمري " بِفَتْح الصَّاد وَالْمِيم.
قَالَ المطرزي: (وَضم الْمِيم خطأ) .
[وصميرة] أَيْضا بلد صَغِير من تِلْكَ الْبِلَاد.
وَوَافَقَ عباداً أَرْبَاب علم الْكسر وَهُوَ الرياضي، وَاتَّفَقُوا على أَن وضع
الْأَعْلَام يَكْتَفِي فِيهِ بالإرادة، قَالَه ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي " أُصُوله ".
وَاخْتلف النَّقْل عَن عباد حَيْثُ أثبتها.
{فَقيل: أَرَادَ: أَن الْمُنَاسبَة حاملة للوضع} ، وَهُوَ مُقْتَضى نقل الْآمِدِيّ عَنهُ.
{وَقيل: أَرَادَ: أَنَّهَا كَافِيَة فِي دلَالَة اللَّفْظ على الْمَعْنى} من غير وضع، وَهُوَ مُقْتَضى نقل الرَّازِيّ عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي صَححهُ الْأَصْفَهَانِي، وَالْأول أقرب مِنْهُ، وَحَكَاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن الْمُحَقِّقين، نَقله عَن الزَّرْكَشِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ".
قلت: وَإِلَيْهِ ميل الشَّيْخ شمس الدّين ابْن الْقيم الجوزية فِي كتبه كالهدي، وَغَيره.
وَاحْتج لعباد: بِأَن الْمُنَاسبَة لَو لم تعْتَبر لَكَانَ اخْتِصَاص اللَّفْظ بذلك الْمَعْنى تَرْجِيحا من غير مُرَجّح.
جَوَابه على نقل الرَّازِيّ -: أَنه ترجح بِإِرَادَة الْوَاضِع، وَلَو كَانَت ذاتية لما اخْتلفت باخْتلَاف النواحي، ولاهتدى كل أحد إِلَى معرفَة كل اللُّغَة، ولكان الْوَضع للضدين إِذا قُلْنَا: يجوز الِاشْتِرَاك، محالاً.
وعَلى نقل الْآمِدِيّ: يكون الْمُرَجح لَيْسَ الْبَاعِث الْعقلِيّ، وَإِلَّا لما اخْتلف الْعَرَب والعجم فِيهِ، لَكِن إِرَادَة الْوَاضِع، أَو إلهام الله تَعَالَى إِيَّاه، إِن قُلْنَا: الْوَاضِع الْبشر، أَو حُضُوره ببالهم.
قَوْله: {فَائِدَة: يجب حمل اللَّفْظ على حَقِيقَته دون مجازه
…
إِلَى آخِره} .
يَأْتِي أَلْفَاظ لَهَا مَعْنيانِ أَو أَكثر، وَلَكِن الأَصْل فِيهَا معنى، وَالْمعْنَى
الآخر طَار، فَيقدم مَا كَانَ هُوَ الأَصْل عِنْد احْتِمَال التَّعَارُض، فَإِن احتفت قَرَائِن بِإِرَادَة غير ذَلِك اتبع، وَقد ذكر ذَلِك الْعلمَاء من أهل الْأُصُول وَغَيرهم، وَلكنه مفرقاً، كل مَسْأَلَة فِي محلهَا، وَرَأَيْت الْقَرَافِيّ تبعه ابْن قَاضِي الْجَبَل جمعهَا فِي مَوضِع وَاحِد، فتبعتهما، وزدت بعض مسَائِل.
فَمن ذَلِك: إِذا دَار اللَّفْظ بَين كَونه حَقِيقَة أَو مجَازًا مَعَ الِاحْتِمَال، كالأسد مثلا للحيوان المفترس حَقِيقَة، وللرجل الشجاع مجَاز، فَإِذا أطلق وَلَا قرينَة كَانَ للحيوان المفترس، لِأَن الأَصْل الْحَقِيقَة، وَالْمجَاز خلاف الأَصْل.
فَإِن أُرِيد بِالْأَصْلِ الْغَالِب، فالمخالف فِيهِ ابْن جني كَمَا تقدم، وَإِن أُرِيد بِهِ الدَّلِيل، فَالْمُرَاد: أَن الْمجَاز على خلاف الدَّلِيل، وَتقدم حكم الْمجَاز الرَّاجِح والحقيقة المرجوحة وَالْخلاف فِي ذَلِك.
وَكَذَلِكَ إِذا دَار الْأَمر فِي اللَّفْظ بَين جَرَيَانه على عُمُومه أَو تَخْصِيصه، فَالْأَصْل بَقَاء الْعُمُوم، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ} [النِّسَاء: 23]، يدْخل فِي عُمُومه: الحرتين، والأمتين، وَإِذا كَانَت إِحْدَاهمَا أمة وَالْأُخْرَى حرَّة، فَيحمل على عُمُومه وَلَا يخصص بالحرتين.
وَكَذَلِكَ الْمسَائِل الْبَاقِيَة تحمل على مَا قُلْنَا، وَيعرف ذَلِك بِأَدْنَى تَأمل لمن عِنْده أدنى تَمْيِيز.
وَقد مثل الْقَرَافِيّ لكل مَسْأَلَة مِثَالا فِي " شرح التَّنْقِيح ".
قَوْله: {وَيحمل اللَّفْظ على عرف الْمُتَكَلّم مُطلقًا، وَتَأْتِي تتمته} .
وَقد تقدم فِي الْمَسْأَلَة: إِذا احْتمل اللَّفْظ مَعْنيين فَأكْثر وَلَا قرينَة حمل على الأَصْل، فَإِن وجد قرينَة وَدَلِيل رَاجِح ترك الأَصْل وَعمل بذلك فِي الْجُمْلَة، فَإِذا كَانَ للمتكلم بذلك عرف رَجَعَ فِي ذَلِك إِلَى عرفه، كالفقيه مثلا يرجع إِلَى عرفه فِي كَلَامه ومصطلحاته، وَكَذَلِكَ الأصولي، والمحدث، والمفسر، واللغوي، وَنَحْوهم من أَرْبَاب الْعُلُوم، وَكَذَلِكَ إِذا سمع من الشَّارِع شَيْئا، حمله على عرفه من مَدْلُول اللَّفْظ.
قَوْله: (وَتَأْتِي تتمته) .
يَأْتِي اللَّفْظ اللّغَوِيّ والشرعي فِي آخر الْمُجْمل، فِيمَا إِذا كَانَ للفظ حَقِيقَة لغوية وَحَقِيقَة شَرْعِيَّة أَو عرفية، كَالصَّلَاةِ مثلا وَالدَّابَّة، هَل هُوَ الشَّرْعِيّ، أَو غَيره، أَو مُجمل؟