المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌قَوْله: {فصل}   {مَا لَا يتم [الْوُجُوب] إِلَّا بِهِ لَيْسَ بِوَاجِب مُطلقًا - التحبير شرح التحرير - جـ ٢

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ عَن التَّضْحِيَة بالعوراء والعرجاء) انْتهى.وَنَحْوه: النَّهْي عَن الدُّبَّاء، والحنتم، والمقير، فَإِنَّهُ ينصب إِلَى مَا يلْزم مِنْهُ، وَهُوَ النَّبِيذ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ قَالَ لوفد عبد الْقَيْس: " آمركُم بِأَرْبَع: الْإِيمَان بِاللَّه، وَهل تَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه؟ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَان، وَأَن تعطوا من الْمَغَانِم الْخمس) .وَفِيهِمَا / عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي

- ‌ أَنه قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن…" الحَدِيث

- ‌ بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، وَأدْخل الْأَعْمَال فِي مُسَمّى الْإِسْلَام، دون مُسَمّى الْإِيمَان.قَالَ الْعَلامَة ابْن رَجَب فِي " شرح النووية ": (وَجه الْجمع بَين النُّصُوص الْمُتَقَدّمَة، وَبَين حَدِيث سُؤال جِبْرِيل، يَتَّضِح بتقرير أصل، وَهُوَ:

- ‌ فسر الْإِيمَان عِنْد ذكره مُفردا فِي حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس، بِمَا فسر بِهِ الْإِسْلَام المقرون بِالْإِيمَان، فِي حَدِيث جِبْرِيل، وَفسّر فِي حَدِيث آخر الْإِسْلَام بِمَا فسر بِهِ الْإِيمَان، كَمَا فِي " الْمسند " عَن عَمْرو بن عبسة، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي

- ‌ الْإِيمَان أفضل الْإِسْلَام وَأدْخل فِيهِ الْأَعْمَال. - قَالَ ابْن رَجَب وَبِهَذَا التَّفْصِيل يظْهر تَحْقِيق القَوْل فِي مَسْأَلَة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام، هَل هما وَاحِد، أَو مُخْتَلِفَانِ؟) .وَيَأْتِي ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌ فِي كل أَمر ديني علم مَجِيئه بِهِ ضَرُورَة، فَيكون من الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة نَظِير الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيق خَاص) انْتهى.وَقَالَت الْجَهْمِية، والشيعة، أَبُو الْحُسَيْن الصَّالِحِي / من الْقَدَرِيَّة، وَغَيرهم: الْإِيمَان: الْمعرفَة، وَذكره بعض أَصْحَابنَا عَن الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر

- ‌ حِين وقف على الْمَقَابِر: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون

- ‌ عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالْإِحْسَان، وَتَفْسِير كل وَاحِد بِغَيْر مَا فسر بِهِ الآخر

- ‌ اللَّهُمَّ لَك أسلمت وَبِك آمَنت ".وَقد قَالُوا فِيمَا تقدم: إِن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ، ثمَّ قَالُوا: الْإِيمَان وَالْإِسْلَام شَيْء وَاحِد، فَيكون الْإِسْلَام هُوَ التَّصْدِيق، وَهَذَا لم يقلهُ أحد من أهل اللُّغَة، وَإِنَّمَا هُوَ الانقياد وَالطَّاعَة، وَفسّر الْإِسْلَام بِالْأَعْمَالِ

- ‌[أَلا وَإِن] فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله أَلا وَهِي الْقلب "، فَلَا يتَحَقَّق الْقلب / بِالْإِيمَان إِلَّا وسعت الْجَوَارِح فِي أَعمال الْإِسْلَام، وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا، فَإِنَّهُ قد يكون الْإِيمَان ضَعِيفا فَلَا يتَحَقَّق الْقلب بِهِ تحققاً تَاما

- ‌ أَو مُسلم ". انْتهى كَلَام ابْن رَجَب، وَقد أَجَاد وأشفى الغصة، وَقد أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي أهل لذَلِك

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌{الِاشْتِقَاق}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌{الْحُرُوف}

- ‌ من حلف على يَمِين "، أَي: يَمِينا.وَأنكر سِيبَوَيْهٍ وُقُوع زيادتها.فَائِدَة: اخْتلف فِي " على "، هَل تكون اسْما أم لَا؟ على مَذَاهِب

- ‌ واشترطي لَهُم الْوَلَاء "، أَن المُرَاد: عَلَيْهِم

- ‌ قَالَ فِي سَالم مولى أبي

- ‌ فِي بنت أم سَلمَة: " لَو لم تكن ربيبتي فِي حجري مَا حلت لي، إِنَّهَا لابنَة أخي من الرضَاعَة "، فَإِن لتحريمها سببين: كَونهَا ربيبته، وَكَونهَا ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة.الثَّالِث: أَن يكون أدون مِنْهُ، وَلَكِن يلْحق بِهِ لمشاركته فِي الْمَعْنى، كَقَوْلِك فِي أُخْت النّسَب

- ‌ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما قَالَ: تزوجت: " أولم وَلَو بِشَاة ": (المُرَاد بِالشَّاة هُنَا وَالله أعلم للتقليل، أَي: وَلَو بِشَيْء قَلِيل كشاة) انْتهى.قلت: فِيهِ شَيْء، لدلَالَة الْحَال، فَإِن عبد الرَّحْمَن رضي الله عنه لما قدم الْمَدِينَة وَتزَوج هَذِه الْأَنْصَارِيَّة، كَانَ فَقِيرا

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ باسم لم يسمه بِهِ أَبوهُ، وَلَا يُسمى بِهِ نَفسه، وَكَذَا كل كَبِير من الْخلق ".قَالَ: " فَإِذا امْتنع فِي حق المخلوقين، فامتناعه فِي حق الله تَعَالَى أولى ".وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم وَلَا صفة توهم نقصا، وَلَو ورد ذَلِك نصا، فَلَا يُقَال: ماهد

- ‌ بَين مُرَاده فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَلنَا أَلْفَاظ نقطع بمدلولها بمفردها، وَتارَة بانضمام قَرَائِن، أَو شَهَادَة الْعَادَات، ثمَّ يمْنَع مُعَارضَة الدَّلِيل الْعقلِيّ الْقطعِي للدليل الشَّرْعِيّ.وَقَوْلهمْ: الْمَوْقُوف على المظنون مظنون، بَاطِل، لِأَن الْمَوْقُوف على الْمُقدمَات الظنية قد يكون

- ‌قَوْله: {فصل فِي الْأَحْكَام}

- ‌قَوْله: {فصل شكر الْمُنعم}

- ‌ وشرعها) .وَقَالَ: (وعَلى هَذَا يخرج وجوب معرفَة الله تَعَالَى، هَل هِيَ وَاجِبَة

- ‌قَوْله: {فصل]

- ‌(من أعظم الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم محرملأجل مَسْأَلته ") ، وَقَوله

- ‌ من الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ وَحي، وَتَقْرِير لَهُ فِيمَا اجْتهد بِهِ) انْتهى.وَقَالَ ابْن عقيل أَيْضا -: (الْأَلْيَق بمذهبه أَن يُقَال: لَا نَدْرِي مَا الحكم)

- ‌ اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله ".وَقَوله

- ‌ شَهَادَة قلبه بِلَا حجَّة أولى من الْفَتْوَى، فَثَبت أَن الإلهام حق، فَإِنَّهُ وَحي بَاطِن، إِلَّا أَن العَبْد إِذا عصى ربه وَعمل بهواه حرم هَذِه الْكَرَامَة.وَلَا حجَّة فِي شَيْء من ذَلِك، لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد الْإِيقَاع فِي الْقلب بِلَا دَلِيل، بل الْهِدَايَة إِلَى الْحق بِالدَّلِيلِ، كَمَا قَالَ عَليّ

- ‌قَوْله: {فصل الحكم الشَّرْعِيّ}

- ‌ لَكِن خطاب الْمَلَائِكَة، وخطاب الرَّسُول دلّت على خطاب الله تَعَالَى.فخطاب جنس، وَهُوَ مصدر خَاطب، لَكِن المُرَاد بِهِ هُنَا الْمُخَاطب بِهِ، لَا معنى الْمصدر الَّذِي هُوَ تَوْجِيه الْكَلَام لمخاطب، فَهُوَ من إِطْلَاق الْمصدر على اسْم الْمَفْعُول.وَخرج: خطاب غير الشَّارِع؛ إِذْ لَا

- ‌ وكالحكم بِشَهَادَة

- ‌ صلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر "؛ فَإِنَّهُ [إِخْبَار بِخلق] الْعَمَل، لَا أنشأ مُتَعَلق بِالْعَمَلِ اقْتِضَاء أَو تخييراً؛ لِأَن الِاقْتِضَاء: هُوَ الطّلب للْفِعْل جزما، أَو غير جزم، أَو التّرْك جزما، أَو غير جزم، بنهي مَقْصُود أَو غَيره، [والتخيير: الْإِبَاحَة]

- ‌ استاكوا

- ‌ إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فَأحْسن وضوءه، ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يشبك بَين أَصَابِعه فَإِنَّهُ فِي / صَلَاة " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن

- ‌ لَا يمسك ذكره وَهُوَ يَبُول ".وَإِن ورد الْخطاب بالتخيير فَهُوَ الْإِبَاحَة، كَقَوْلِه

- ‌قَوْله: { [فصل] }

- ‌قَوْله: { [فصل] }

- ‌ قَالَ: " يَقُول الله تَعَالَى: مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ

- ‌ فَرضهَا "، فسوى بَينهمَا، وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَرْوذِيّ: (ابْن عمر يَقُول: " فرض رَسُول الله

- ‌ غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم "، كَمَا قَالَ القَاضِي، وَتقول: حَقك عَليّ وَاجِب.قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة ": (وَذهب طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِلَى أَنَّهَا تحْتَمل توكيد الِاسْتِحْبَاب) انْتهى

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم " مُتَّفق عَلَيْهِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فَإِنَّهُ

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .وَفرض الْكِفَايَة: كالجهاد وَنَحْوه، وَهُوَ كثير، وَقد حصره وعده جمَاعَة من الْعلمَاء.وَسنة الْكِفَايَة: كابتداء السَّلَام، وتشميت الْعَاطِس على قَول

- ‌ شَاتين أَو عشْرين درهما "، وَمثل الْوَاجِب فِي الْمِائَتَيْنِ من الْإِبِل: " أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون "، وكالتخيير بَين غسل الرجلَيْن فِي الْوضُوء للابس الْخُف أَو الْمسْح عَلَيْهِ، وَنَحْوهَا

- ‌وَقَوله: {فصل}

- ‌ أَوله وَآخره وَقَالَ: " الْوَقْت مَا بَينهمَا "، وَقَالَهُ لَهُ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: [فصل فِي الشَّخْص الْوَاحِد ثَوَاب وعقاب}

- ‌قَوْله " { [فصل}

- ‌ وَالْمُسْتَحب: مَا فعله مرّة أَو مرَّتَيْنِ. - وَألْحق بذلك بَعضهم: مَا أَمر بِهِ، وَلم ينْقل أَنه فعله والتطوع: مَا لم يرد فِيهِ بِخُصُوصِهِ نقل) .ورده أَبُو الطّيب فِي " منهاجه ": (بِأَن النَّبِي

- ‌ وَالْمُسْتَحب: مَا أَمر بِهِ، سَوَاء فعله، أَو لَا، أَو فعله وَلم يداوم عَلَيْهِ) .وَقيل: (السّنة: مَا ترتبت، كالراتبة مَعَ الْفَرِيضَة، وَالنَّفْل وَالنَّدْب: مَا زَاد على ذَلِك) .وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: (مَا أَمر الشَّرْع بِهِ وَبَالغ فِيهِ سنة، وَأول الْمَرَاتِب تطوع ونافلة

- ‌ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ، ولعصى بِتَرْكِهِ.رد: المُرَاد بهَا أَمر الْإِيجَاب، وَلِهَذَا قَيده بالمشقة، وَكَذَا خبر بَرِيرَة الْآتِي فِي أَن الْأَمر للْوُجُوب

- ‌ كَانَ يَنْوِي صَوْم التَّطَوُّع ثمَّ يفْطر "، رَوَاهُ مُسلم وَغَيره

- ‌ قد أبطل تطوعه كَمَا سبق

الفصل: ‌ ‌قَوْله: {فصل}   {مَا لَا يتم [الْوُجُوب] إِلَّا بِهِ لَيْسَ بِوَاجِب مُطلقًا

‌قَوْله: {فصل}

{مَا لَا يتم [الْوُجُوب] إِلَّا بِهِ لَيْسَ بِوَاجِب مُطلقًا إِجْمَاعًا} .

سَوَاء قدر عَلَيْهِ الْمُكَلف: كاكتساب المَال لِلْحَجِّ، وَالْكَفَّارَات، وَنَحْوهمَا.

قَالَ ابْن عقيل وَغَيره: (وإرغاب العَبْد سَيّده فِي كِتَابَته بِمَال كثير) .

أَو لم يقدر عَلَيْهِ: كَالْيَدِ فِي الْكِتَابَة، وَحُضُور الإِمَام وَالْعدَد الْمُشْتَرط فِي الْجُمُعَة، فَإِنَّهُ لَا صنع للمكلف فِيهِ.

قَوْله: {وَمَا لَا يتم الْوَاجِب الْمُطلق إِلَّا بِهِ وَهُوَ مَقْدُور للمكلف، فَوَاجِب عندنَا، وَعند الشَّافِعِيَّة، وَالْأَكْثَر} .

ص: 923

مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ لَا يَخْلُو، إِمَّا أَن يكون جُزْءا للْوَاجِب، أَو خَارِجا عَنهُ: كالشرط، وَالسَّبَب.

فَإِن كَانَ الأول فَهُوَ وَاجِب اتِّفَاقًا، لِأَن الْأَمر بالماهية المركبة، أَمر بِكُل وَاحِد من أَجْزَائِهَا ضمنا، فَالْأَمْر بِالصَّلَاةِ مثلا، أَمر بِمَا فِيهَا من رُكُوع وَسُجُود وَتشهد وَغير ذَلِك.

وَإِن كَانَ الثَّانِي، فَهُوَ مَحل الْخلاف.

فأقسام مَا لَا يتم الْوَاجِب الْخَارِج إِلَّا بِهِ وَهُوَ الْمُسَمّى بالمقدمة المتوقف عَلَيْهَا سِتَّة، مَحل الْخلاف فِيهَا لَا غير، وَهِي: السَّبَب، وَالشّرط، وكل وَاحِد مِنْهُمَا إِمَّا شَرْعِي، أَو عَقْلِي، أَو عادي، فَهَذِهِ سِتَّة أَقسَام.

مِثَال السَّبَب الشَّرْعِيّ: صِيغَة الْعتْق فِي الْوَاجِب من كَفَّارَة أَو نذر، وَكَذَا صِيغَة الطَّلَاق حَيْثُ وَجب.

وَمِثَال السَّبَب الْعقلِيّ: النّظر الْموصل إِلَى الْعلم.

وَمِثَال السَّبَب العادي: السّفر إِلَى الْحَج.

وَمِثَال الشَّرْط الشَّرْعِيّ: الطَّهَارَة للصَّلَاة وَنَحْوهَا.

وَمِثَال الشَّرْط الْعقلِيّ: ترك أضداد الْمَأْمُور بِهِ.

وَمِثَال الشَّرْط العادي: غسل الزَّائِد على حد الْوَجْه فِي غسل الْوَجْه، ليتَحَقَّق غسل جَمِيعه. فَالشَّرْط الشَّرْعِيّ: مَا جعله الشَّارِع شرطا، وَإِن أمكن وجود الْفِعْل بِدُونِهِ.

ص: 924

وَالشّرط الْعقلِيّ: مَا لَا يُمكن وجود الْفِعْل بِدُونِهِ عقلا.

وَالشّرط العادي: مَا لَا يُمكن عَادَة.

إِذا علم ذَلِك؛ فَالصَّحِيح من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيَّة وَالْأَكْثَر، وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن الْمُعْتَزلَة: أَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ وَاجِب، إِذا كَانَ مَقْدُورًا للمكلف، ثمَّ اخْتلف فِي كَون وجوب الْمُقدمَة متلقى من نفس صِيغَة الْأَمر بِالْأَصْلِ، أَو من دلَالَة الصِّيغَة، قَولَانِ لَهُم، الثَّانِي قَول الْجُمْهُور.

قَالَ ابْن برهَان: (لِأَن المتلقى من الصِّيغَة، مَا كَانَ مسموعاً مِنْهَا) .

وينحل ذَلِك إِلَى أَن الدّلَالَة عَلَيْهِ بالتضمن أَو بالإلتزام، وَصرح بِالْأولِ أَبُو الْمَعَالِي فِي " الْبُرْهَان "، و " التَّلْخِيص ".

وَتَقْرِيره: أَنه إِذا تقرر التَّوَقُّف ثمَّ جَاءَ الْأَمر، كَانَ كَأَنَّهُ مُصَرح بِوُجُوب الْمَجْمُوع بِهِ.

ص: 925

وَاخْتلف أَيْضا فِي الْإِيجَاب، هَل هُوَ شَرْعِي أَو عَقْلِي؟

فِيهِ خلاف، وَلَعَلَّ مأخذه مَا سبق فِي كَونه مأخوذاً من الْأَمر، أَو من دلَالَة الْأَمر، وَهل هُوَ بالتضمن أَو بالالتزام؟

{وَقيل: إِن كَانَ سَببا} بأقسامه وَجب، وَإِلَّا فَلَا: كالنار للإحراق فِيمَا إِذا وَجب إحراق شخص، فَإِنَّهُ يتَوَقَّف على وجود النَّار، الَّتِي هِيَ سَبَب للإحراق، بِخِلَاف الشَّرْط فَإِنَّهُ لَا يجب، ويعزى هَذَا القَوْل للشريف المرتضى، وَصَاحب المصادر من الْمُعْتَزلَة.

بِخِلَاف الشَّرْط: كَالْوضُوءِ للصَّلَاة، فَلَا يجب لوُجُوب مشروطه.

ص: 926

وَالْفرق: أَن السَّبَب لاستناد الْمُسَبّب إِلَيْهِ، أَشد ارتباطاً من الشَّرْط بالمشروط.

{وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَابْن برهَان، وَابْن الْحَاجِب، وَابْن حمدَان، والطوفي: أَو شرطا شَرْعِيًّا} .

يَعْنِي: أَن هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة، أوجبوا مَا كَانَ سَببا بأقسامه كالقول الَّذِي قبله وَزَادُوا، فأوجبوا أَيْضا من الشُّرُوط الشَّرْط الشَّرْعِيّ: كالطهارة للصَّلَاة وَنَحْوه، وَلم يوجبوا الشَّرْط الْعقلِيّ وَلَا العادي.

ص: 927

{و} حُكيَ {عَن الْمُعْتَزلَة: [أَنه] لَيْسَ بِوَاجِب} ، سَوَاء كَانَ سَببا بأقسامه، أَو شرطا بأقسامه.

{قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ( [لَا يجب] إمْسَاك جُزْء من اللَّيْل} فِي الصَّوْم، {فِي [أصح الْوَجْهَيْنِ] ) } .

لَكِن كَلَامه مَا يَشْمَل إِلَّا عدم اشْتِرَاط الشَّرْط العادي، وَقد يكون قَائِلا بِوُجُوب الشَّرْط الشَّرْعِيّ.

قلت: قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": (لَا يجب إمْسَاك جُزْء من اللَّيْل فِي أَوله وَآخره، فِي ظَاهر كَلَام جمَاعَة، وَصرح بِهِ كثير، وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ أَنه أصح الْوَجْهَيْنِ، خلافًا لمَالِك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، وَقطع جمَاعَة بِوُجُوبِهِ فِي أصُول الْفِقْه وفروعه، وَأَنه مِمَّا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ، وَذكره فِي " الْفُنُون "، وَأَبُو يعلى " الصَّغِير "، وفَاقا فِي صَوْم يَوْم لَيْلَة الْغَيْم، وَهُوَ

ص: 928

يُنَاقض مَا ذَكرُوهُ هُنَا، وَذكره القَاضِي فِي الْخلاف فِي النِّيَّة من اللَّيْل ظَاهر كَلَام أَحْمد، وَأَنه مَذْهَبنَا؛ لِئَلَّا يفوت بعض النَّهَار عَن النِّيَّة، وَالصَّوْم يدْخل فِيهِ بِغَيْر فعله فَلَا يُمكنهُ مُقَارنَة النِّيَّة حَال الدُّخُول، بِخِلَاف الصَّلَاة، [كَذَا قَالَ] ، وَسبق فِي النِّيَّة من اللَّيْل) انْتهى.

وَحكى ابْن الْحَاجِب: أَنه لَا خلاف فِي السَّبَب بأقسامه.

وَحكى شَيْخه الأبياري: أَنه لَا خلاف فِي الشَّرْط الشَّرْعِيّ.

ويردهما حِكَايَة الْخلاف.

ص: 929

اسْتدلَّ للْمَذْهَب الأول وَهُوَ الصَّحِيح بِمَا اعْتمد عَلَيْهِ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَغَيره: أَن الْأَمر بالشَّيْء مُطلقًا، يسْتَلْزم وُجُوبه فِي كل أَحْوَاله الممكنة، فَيَقْتَضِي وجوب لَازمه، وَإِلَّا كَانَ وَاجِبا حَال عَدمه، وَهُوَ محَال.

وتقييده بِوَقْت وجود لَازمه خلاف ظَاهر الْأَمر، لِأَنَّهُ مُطلق، وَاللَّازِم لَا يَنْفِيه اللَّفْظ، لعدم دلَالَته عَلَيْهِ، فَلَا مُخَالفَة لظاهره.

وَقَالَ ابْن عقيل: مَا عرف من اطراد الْعَادة كالملفوظ، وَلِأَنَّهُ لَو لم يجب الشَّرْط لم يكن شرطا لجَوَاز [تَركه] .

وَاسْتدلَّ أَيْضا -: لَو لم يجب صَحَّ الْفِعْل دونه، وَإِلَّا لزمَه تَكْلِيف الْمحَال بِتَقْدِير عَدمه، وَلما وَجب التَّوَصُّل إِلَى الْوَاجِب.

ورد: إِن أُرِيد بِالصِّحَّةِ وَالْوُجُوب: مَا لَا بُد مِنْهُ، فَمُسلم، [وَلَا] يلْزم أَنه مَأْمُور بِهِ، وَإِن أُرِيد، مَأْمُور بِهِ، فَأَيْنَ دَلِيله؟ وَإِن سلم أَن التَّوَصُّل وَاجِب فَفِي الْأَسْبَاب المستلزمة لمسبباتها، لَا لنَفس الْأَمر بِالْفِعْلِ.

قَالُوا: {لَو وَجب لزم تعقل] الْمُوجب لَهُ، وَلم يكن تعلق الْوُجُوب لنَفسِهِ لتوقف تعلقه على تعلقه بملزومه، والطلب لَا يتَعَلَّق بِغَيْر الْمَطْلُوب، ولامتنع التَّصْرِيح بِغَيْر وُجُوبه، ولأثم بِتَرْكِهِ، ولانتفى الْمُبَاح، ولوجبت نِيَّته.

رد الأول: إِنَّمَا يلْزم لَو وَجب أصلا لَا تبعا، ثمَّ ينْتَقض بِالشُّرُوطِ.

ورد الثَّانِي: بِأَنَّهُ أَرَادَ التَّعَلُّق بِالْأَصَالَةِ مَعَ انْتِفَاء التَّالِي، فَإِن تعلق

ص: 930

الْوُجُوب باللازم فرع تعلقه بملزومه، وَإِلَّا فَتعلق الْوُجُوب النَّاشِئ من وجوب الأول يتَعَلَّق باللازم لذاته، ثمَّ ينْتَقض بِالشّرطِ.

ورد الثَّالِث: بِمَنْع الْمُلَازمَة فِي الْقَادِر على غسل الْوَجْه دون غسل جُزْء من الرَّأْس، وَنفي التَّالِي فِي الْعَاجِز.

وَبِه يُجَاب عَن الرَّابِع.

ثمَّ تَركه يُوجب ترك الْوَاجِب أصلا، ثمَّ ينْتَقض بِالشّرطِ.

ورد الْخَامِس: بِأَنَّهُ يلْزم نفي الْمُبَاح لَو تعين ترك الْحَرَام بِهِ.

ورد السَّادِس: يلْزم لَو وَجب أصلا لَا تبعا، وَتسقط الْوَسِيلَة تبعا.

تَنْبِيه: هَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ الْمعبر عَنْهَا فِي الْأُصُول: بِمَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ وَاجِب، وَرُبمَا قيل: مَا لَا يتم الْمَأْمُور إِلَّا بِهِ يكون مَأْمُورا بِهِ، وَهُوَ أَجود وأشمل من حَيْثُ إِن الْأَمر قد يكون للنَّدْب، فَتكون مقدمته مَنْدُوبَة، وَرُبمَا كَانَت وَاجِبَة: كالشروط فِي صَلَاة التَّطَوُّع، إِلَّا أَنه لما وَجب الْكَفّ عَن فَاسد الصَّلَاة عِنْد إِرَادَة التَّلَبُّس بِالصَّلَاةِ مثلا وَجب مَا لَا يتم الْكَفّ مَعَ التَّلَبُّس إِلَّا بِهِ، فَلم يخرج عَمَّا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب.

وَإِذا اتَّضَح الْأَمر فِي مُقَدّمَة الْوَاجِب عدي إِلَى الْمَنْدُوب بِمَا يَلِيق بِهِ من الْأَمريْنِ.

تَنْبِيه آخر: تقدم أَن مَا لَا يتم بِهِ الْوَاجِب تَارَة يكون جُزْءا

ص: 931

للْوَاجِب، وَتارَة يكون خَارِجا عَنهُ كالشرط وَالسَّبَب، وَأَن الأول وَاجِب اتِّفَاقًا؛ لِأَن الْأَمر بالماهية المركبة، أَمر بِكُل وَاحِد من أَجْزَائِهَا ضمنا، لَكِن يشْتَرط أَن يكون مَقْدُورًا لَهُ، قطعا، للْحَدِيث:" إِذا أَمرتكُم بِأَمْر فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم "، فَلَو سقط وجوب الْبَعْض المعجوز هَل يبْقى وجوب الْبَاقِي [الْمَقْدُور] عَلَيْهِ؟

قَاعِدَة الْمذَاهب فِي الأَصْل الْبَقَاء، للْحَدِيث الْمُوَافق لقَوْله تَعَالَى:{فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} [التغابن: 16]، وَقد ذكر أَصْحَابنَا: أَن من سقط عَنهُ النُّطْق فِي الصَّلَاة لعذر لم يلْزمه تَحْرِيك لِسَانه، خلافًا للْقَاضِي من أَصْحَابنَا، وَأكْثر الشَّافِعِيَّة، لوُجُوبه ضَرُورَة: كجزء من اللَّيْل فِي الصَّوْم، وشروط الصَّلَاة.

ص: 932

قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَيتَوَجَّهُ الْخلاف، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: يسْتَحبّ فِي قَول من اسْتحبَّ غسل مَوضِع الْقطع فِي الطَّهَارَة، وَكَذَا إمرار الموسى فِيمَن لَا شعر لَهُ، ورد.

وَقَالَ ابْن عقيل فِي " عمد الْأَدِلَّة ": (يمر الموسى وَلَا يجب، ذكره شَيخنَا، وَأما كَلَام الإِمَام أَحْمد فخارج مخرج الْأَمر، لكنه حمله شَيخنَا على النّدب) انْتهى.

وَقَالَ القَاضِي فِي " التَّعْلِيق "، وَغَيره - فِي وَطْء الْمظَاهر -:(إِن الْأَمر بِالصَّلَاةِ مُتَضَمّن لِلْأَمْرِ بِالطَّهَارَةِ، وَإِن التَّابِع يسْقط بِفَوَات الْمَتْبُوع: كالطهارة للصَّلَاة) انْتهى.

وَلنَا فروع كَثِيرَة شَبيهَة بذلك: كوجوب الْقيام على من عجز عَن الرُّكُوع وَالسُّجُود لعِلَّة فِي ظَهره، وواجد بعض مَا يَكْفِيهِ لطهارته من المَاء، وَبَعض صَاع فِي الْفطْرَة.

وَرُبمَا خرج عَن الْقَاعِدَة فروع، الرَّاجِح خلاف ذَلِك، لمدارك فقهية محلهَا الْفِقْه.

تَنْبِيه آخر: قَوْله: (وَمَا لَا يتم الْوَاجِب الْمُطلق) .

قَالَ الْقَرَافِيّ: (فَمَعْنَى قَوْلنَا: " مُطلقًا "، أَي: أطلق الْوُجُوب فِيهِ، فَيصير معنى الْكَلَام: الْوَاجِب الْمُطلق إِيجَابه.

ص: 933

فَفرق بَين قَول السَّيِّد لعَبْدِهِ: اصْعَدْ السَّطْح، وَبَين قَوْله: إِذا نصب السّلم اصْعَدْ السَّطْح، فَالْأول مُطلق فِي إِيجَابه، فَهُوَ مَوضِع الْخلاف، وَالثَّانِي مُقَيّد فِي إِيجَابه، فَلَا يجب تَحْصِيل الشَّرْط فِيهِ إِجْمَاعًا) انْتهى.

وَقَالَ الكوراني: (قد فسر الْوَاجِب الْمُطلق بِمَا يجب فِي كل وَقت وعَلى كل حَال، فَانْتقضَ بِالصَّلَاةِ، فَإِن صَلَاة الظّهْر مثلا [لَا تجب] فِي كل وَقت، فزيد: فِي كل وَقت قدره الشَّارِع، فنقض بِصَلَاة الْحَائِض فزيد: لَا لمَانع، وَهَذَا لَا يَشْمَل غير المؤقتات، وَلَا مثل الْحَج وَالزَّكَاة فِي إِيجَاب مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ من الشُّرُوط.

فَالْوَاجِب الْمُطلق: هُوَ الَّذِي لَا يكون بِالنّظرِ إِلَى تِلْكَ الْمُقدمَة الَّتِي [يتَوَقَّف] عَلَيْهَا مُقَيّدا، وَإِن كَانَ مُقَيّدا بقيود أخر فَإِنَّهُ لَا يُخرجهُ عَن الْإِطْلَاق، كَقَوْلِه تَعَالَى:{أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} [الْإِسْرَاء: 78] ، فَإِن وجوب الصَّلَاة فِي هَذَا النَّص [مُقَيّد] بالدلوك، وَغير مُقَيّد بِالْوضُوءِ والاستقبال) انْتهى.

قَوْله: {وَغير الْمَقْدُور من الْمحَال} .

لِأَنَّهُ فَرد من أَفْرَاده: كالقدرة وَالْيَد فِي الْكِتَابَة، لِأَنَّهُمَا مخلوقتان لله تَعَالَى، فَلَيْسَ ذَلِك فِي وسع الْمُكَلف [وطاقته] .

ص: 934

{تَنْبِيه: ظَاهر من أوجبه يُعَاقب بِتَرْكِهِ، وَقَالَهُ القَاضِي، والآمدي، [وَجمع] } .

صرح بِهِ القَاضِي أَبُو يعلى فِي الْحَج عَن الْمَيِّت من الْمِيقَات؛ لِأَن الْوَاجِب هُوَ الَّذِي يُعَاقب على تَركه كَمَا يُثَاب على فعله.

{و} قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين {فِي " الرَّوْضَة ": لَا يُعَاقب، [وَقَالَهُ] الشَّيْخ} تَقِيّ الدّين.

قَالَ: (إِلَّا أَن يُقَال: قد تكون عُقُوبَة من كثرت واجباته أَكثر) .

{وَقَالَ أَيْضا -: (وُجُوبه عقلا وَعَادَة لَا يُنكر، [وَالْوُجُوب] العقابي لَا يَقُوله فَقِيه، و [الْوُجُوب] [الطلبي] مَحل النزاع} .

قَالَ ابْن مُفْلِح وَابْن قَاضِي الْجَبَل: {وَفِيه نظر} .

ص: 935

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا -: (وَإِذا نسخ الْأَمر بالملزوم، أَو تبين عدم وُجُوبه اسْتدلَّ بِهِ على اللوازم، فَعِنْدَ أَصْحَابنَا اللوازم كالأجزاء، وصرحوا بِأَنَّهُ كالعموم إِذا خص مِنْهُ صُورَة، وَأَن الْكَلَام فِي قُوَّة أَمريْن، وَأَن اللَّازِم مَأْمُور بِهِ أمرا مُطلقًا، ويشبهها الْأَمر بهئية أَو صفة [لفعل] يحْتَج بِهِ على وُجُوبه، ذكره أَصْحَابنَا، وَنَصّ أَحْمد عَلَيْهِ لتمسكه لوُجُوب الِاسْتِنْشَاق بِالْأَمر بالمبالغة، وَهُوَ يشبه: نسخ اللَّفْظ نسخ لفحواه.

قَالَ: وَقَول الْمُخَالف مُتَوَجّه، وسرها، هَل هُوَ كأمرين أَو أَمر بفعلين، أَو بِفعل ولوازمه ضَرُورَة؟) انْتهى كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين.

قَوْله: {فَائِدَة: يجوز النَّهْي عَن وَاحِد لَا بِعَيْنِه كملكه أُخْتَيْنِ [و] وطئهما} .

ص: 936

بِمَعْنى: كوطئه وَاحِدَة بعد وَاحِدَة قبل تَحْرِيم الأولى، فَإِنَّهُ يحرم وَطْء إِحْدَاهمَا قبل تَحْرِيم الْأُخْرَى، فَهُوَ مَمْنُوع من [إِحْدَاهمَا] لَا بِعَينهَا.

قَالَ ابْن حمدَان: (وكما لَو أسلم على أَكثر من أَربع نسْوَة، وأسلمن مَعَه، أَو كن كتابيات) .

وَهُوَ صَحِيح؛ فَإِنَّهُ مَمْنُوع من الزَّائِد على الْأَرْبَع لَا بِعَيْنِه.

إِذا علم ذَلِك؛ فقد قَالَ أهل السّنة: يجوز تَحْرِيم وَاحِد لَا بِعَيْنِه، وَيكون النَّهْي عَن وَاحِد على التَّخْيِير.

قَوْله: {وَله فعل أَحدهَا عِنْد [أَصْحَابنَا] وَالْأَكْثَر} .

قَالَ ابْن برهَان: (وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء والمتكلمين) ؛ لِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة كَمَسْأَلَة الْوَاجِب الْمُخَير، إِلَّا أَن التَّخْيِير هُنَا فِي التّرْك، وَهُنَاكَ فِي الْفِعْل، فَكَمَا أَن للمكلف أَن يَأْتِي بِالْجَمِيعِ، وَأَن يَأْتِي بِالْبَعْضِ وَيتْرك الْبَعْض البقي فِي الْوَاجِب الْمُخَير، لَهُ أَن يتْرك الْجَمِيع، وَأَن يتْرك الْبَعْض دون الْبَعْض هُنَا، عِنْد أَصْحَابنَا وَالْأَكْثَر، وكما لَا يجوز الْإِخْلَال بجميعها، بل عَلَيْهِ فعل

ص: 937

شَيْء مِنْهَا فِي الْوَاجِب الْمُخَير، لَا يجوز لَهُ الْإِخْلَال بِالتّرْكِ جَمِيعًا هُنَا، بل يجب عَلَيْهِ ترك شَيْء مِنْهَا.

وَلِأَنَّهُ الْيَقِين وَالْأَصْل، وَتقدم التَّخْيِير فِي الْمَأْمُور بِهِ، وَيَأْتِي التَّخْيِير فِي المنهى عَنهُ.

فَأهل السّنة جوزوا النَّهْي عَن وَاحِد لَا بِعَيْنِه، وجوزوا فعل أَحدهمَا على التَّخْيِير، وَمَا دَامَ لم يعين، لَا يجوز لَهُ الْإِقْدَام على شَيْء مِنْهَا.

وبماذا يكون التَّعْيِين؟ يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ.

وعَلى هَذَا يَأْتِي الْخلاف السَّابِق فِي كَون الْمحرم [وَاحِدًا] لَا بِعَيْنِه، أَو الْكل، أَو معينا عِنْد الله تَعَالَى، أَو غير ذَلِك كَمَا تقدم.

وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: لَا يُمكن ذَلِك فِي النَّهْي، يل يجب اجْتِنَاب كل وَاحِد، وَبَنوهُ على أصلهم: أَن النَّهْي عَن قَبِيح، فَإِذا نهي عَن أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه ثَبت الْقبْح لكل مِنْهُمَا، فيمتنعان جَمِيعًا، وَلَو ورد ذَلِك بِصِيغَة التَّخْيِير، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تُطِع مِنْهُم ءاثماً أَو كفوراً} [الْإِنْسَان: 24] .

ص: 938

وَمن أمثلتها: لَو ملك أُخْتَيْنِ ووطئهما حرمت إِحْدَاهمَا لَا بِعَينهَا حَتَّى تخرج الْأُخْرَى عَن ملكه كَمَا تقدم.

وَتقدم تَمْثِيل ابْن حمدَان.

وَمثله بعض الشَّافِعِيَّة: بِتَحْرِيم الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ أَو بَين الْأُم وبنتها فِي النِّكَاح، وَنَحْو ذَلِك، وَلَيْسَ بجيد، لِأَن التَّحْرِيم مُنْتَفٍ حَتَّى ينْكح إِحْدَاهمَا، بِخِلَاف مَا مثلنَا بِهِ، فَإِن التَّحْرِيم وَقع فَتَأَمّله.

{ [وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ وَأَبُو الْبَقَاء من أَصْحَابنَا -] والقرافي [وَمَال إِلَيْهِ ابْن قَاضِي الْجَبَل] } كالمعتزلة { [فَيمْنَع] من الْجَمِيع} لِلْآيَةِ.

ص: 939

وَقَالَ أبوالبقاء فِي " إعرابه " فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو كفوراً} -: (" أَو " هُنَا على بَابهَا عِنْد سِيبَوَيْهٍ، وتفيد فِي النَّهْي الْمَنْع من الْجَمِيع، لِأَنَّك إِذا قلت فِي الْإِبَاحَة -: جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين، كَانَ التَّقْدِير: جَالس أَحدهمَا فَإِذا نهى فَقَالَ: لَا تكلم زيدا أَو عمرا، فالتقدير: لَا تكلم أَحدهمَا، فَأَيّهمَا كَلمه كَانَ أَحدهمَا، فَيكون مَمْنُوعًا مِنْهُ) انْتهى.

ورد ذَلِك: بِأَن الآثم والكفور يأمران بالمعصية، فَلَا طَاعَة.

قَالُوا: لَا تُطِع زيدا أَو عمرا، للْجَمِيع بِإِجْمَاع أهل اللُّغَة.

رد: بِالْمَنْعِ.

قَالُوا: لتساويهما فِي الْقبْح.

رد: مَبْنِيّ على أصلهم كَمَا تقدم عَنْهُم -، ثمَّ إِنَّمَا خَيره لعلمه بِتَرْكِهِ الْقَبِيح وَفعله الْحسن.

قَالُوا: فِيهِ احْتِيَاط. فألزمهم القَاضِي بِالْوَاجِبِ الْمُخَير.

وَقَالَ ابْن عقيل: ( [إِنَّمَا نمْنَع] من اعْتِقَاد ذَلِك، وَلَا احْتِيَاط فِيهِ) ، ورد.

ص: 940

تَنْبِيه: الْجِرْجَانِيّ وَأَبُو الْبَقَاء والقرافي، وَإِن كَانُوا قد وافقوا الْمُعْتَزلَة على الْمَنْع، لَكِن لَا من حَيْثُ [التقبيح] الْعقلِيّ، بل من حَيْثُ إِن تَحْرِيم أَحدهمَا يلْزم مِنْهُ تَحْرِيم الْكل، كَمَا تقدم عَن أبي الْبَقَاء.

وَفرق الْقَرَافِيّ بَينه وَبَين الْوَاجِب الْمُخَير: (بِأَن الْأَمر بِمَفْهُوم أَحدهمَا قدر مُشْتَرك، وَمحل التَّخْيِير الخصوصيات، فَلَا يلْزم من إِيجَاب الْمُشْتَرك إِيجَاب الخصوصيات، كَمَا فِي إِيجَاب رَقَبَة مُطلقَة فِي الْعتْق، لَا يلْزم مِنْهُ إِيجَاب رَقَبَة مُعينَة) .

قَالَ الْقَرَافِيّ: (أما النَّهْي، فَيلْزم من تَحْرِيم أَحدهمَا الَّذِي هُوَ قدر مُشْتَرك تَحْرِيم الخصوصيات) .

ثمَّ أجَاب عَن الْمِثَال السَّابِق وَنَحْوه: (بِأَن التَّحْرِيم إِنَّمَا يتَعَلَّق بِمَجْمُوع الموطوءتين بعد أَن وطئهما لَا بالمشترك بَينهمَا، [فالمقصود] : أَن لَا يدْخل مَاهِيَّة مَجْمُوع الوطأين فِي الْوُجُود، والماهية المركبة تنعدم بانعدام جزئها) .

ص: 941

قَالَ العلائي: (وَالظَّاهِر أَن هَذَا مُرَاد أهل السّنة بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة، لَا الْمَعْنى الَّذِي رده الْقَرَافِيّ، وَهُوَ الْكُلِّي الْمُشْتَرك، لِأَن من الْمحَال عقلا أَن يُوجد الجزئي وَلَا يُوجد الْكُلِّي فِيهِ لِأَن الكلى ينْدَرج فِي الجزئي بِالضَّرُورَةِ قَالَ: لَكِن يشكل على هَذَا، إلحاقهم الْمَسْأَلَة بِالْأَمر الْمُخَير) انْتهى.

وَلأبي الْخطاب فِي " التَّمْهِيد " فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كلامان.

فَقَالَ فِي بَاب النَّهْي: (مَسْأَلَة: إِذا نهي عَن شَيْء بِلَفْظ التَّخْيِير مثل أَن يَقُول: لَا تكلم زيدا أَو عمرا، اقْتضى الْمَنْع من كَلَام أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، خلافًا للمعتزلة فِي قَوْلهم: يَقْتَضِي الْمَنْع من كَلَام الْجَمِيع) ، ثمَّ نصب الْخلاف مَعَهم.

وَقَالَ فِي بَاب الْحُرُوف، فِي حرف " أَو "، - وَذكر لَهَا معَان ثمَّ قَالَ -:(الثَّالِث: يدْخل فِي النَّهْي تَارَة للْجمع، وَتارَة للتَّخْيِير، فالتخيير: لَا تدخل إِلَّا هَذِه الدَّار [أَو هَذِه الدَّار] ، وَأما الْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تُطِع مِنْهُم ءاثماً أَو كفوراً} [الْإِنْسَان: 24] ، مَعْنَاهُ: آثِما وكفوراً) انْتهى.

ص: 942

وَكَذَا لِابْنِ حمدَان فِيهَا كلامان، فَقَالَ فِي بَاب النَّهْي:(الْفَصْل الْخَامِس: قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُطِع مِنْهُم ءاثماً أَو كفوراً} [الْإِنْسَان: 24] يَقْتَضِي مَنعه من طَاعَة أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، وَقيل: بل طاعتهما) انْتهى. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يجوز أَن يكون الْمحرم أحد أَمريْن غير معِين، لَكِن التَّخْيِير بقتضي منع الْجَمِيع) انْتهى. قَوْله:{وَلَو اشْتبهَ محرم بمباح وَجب الْكَفّ، وَلَا يحرم الْمُبَاح} .

وَهُوَ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَأَصْحَابه، لِأَن الْمُبَاح لم يحرم، أَكثر مَا فِيهِ: أَنه اشْتبهَ فمنعنا لأجل الِاشْتِبَاه، لَا أَنه محرم، فَإِذا تبين زَالَ ذَلِك، فوجوب الْكَفّ ظَاهرا لَا يدل على شُمُول التَّحْرِيم، وَلِهَذَا لَو أكلهما لم يُعَاقب إِلَّا على أكل ميتَة وَاحِدَة.

{وَقَالَ الْمُوفق} فِي " الرَّوْضَة "، {والطوفي} فِي " مُخْتَصره، { [تبعا للغزالي] } فِي " الْمُسْتَصْفى "، وَغَيرهم:{ [حرمتا] } ، إِحْدَاهمَا بِالْأَصَالَةِ، وَالْأُخْرَى بِعَارِض الِاشْتِبَاه.

ص: 943

ثمَّ قَالَ الطوفي: (وَلَعَلَّ الْقَائِل بِعَدَمِ التَّحْرِيم [يَعْنِي] : أَن التَّحْرِيم أَحدهمَا عرضي، وَتَحْرِيم الآخر أُصَلِّي، فَالْخِلَاف إِذن لَفْظِي) ، وَهُوَ وَالله أعلم كَذَلِك، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي التَّسْمِيَة.

قَوْله: { [وَلَو طلق إِحْدَى امرأتيه مُبْهمَة أَو مُعينَة وأنسيها وَجب الْكَفّ إِلَى الْقرعَة] } .

نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَأكْثر أَصْحَابه.

{وَقَالَ الْمُوفق} وَجمع: {حرمتا إِلَى التبين} ، وَهِي كَالَّتِي قبلهَا، وَالَّذِي يظْهر أَن الْخلاف فِي الْعبارَة لَا فِي الْمَعْنى، كَمَا تقدم فِي الَّتِي قبلهَا.

تَنْبِيه: وَجه تَفْرِيع هَذَا الْفَرْع وَالَّذِي قبله على هَذَا الأَصْل السَّابِق: أَن الْكَفّ عَن الْمحرم وَاجِب، وَلَا يحصل الْعلم بِهِ إِلَّا بالكف عَن الْمُبَاح فِي الأَصْل، وَترك مَا لَا يتم ترك الْحَرَام إِلَّا بِتَرْكِهِ وَاجِب، [فهما] من تعلقات الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة.

ص: 944