الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَؤُلَاءِ أَن الله يحب فِي الْأَزَل من كَانَ كَافِرًا إِذا علم مِنْهُ أَن يَمُوت مُؤمنا، فالصحابة / مازالوا محبوبين قبل إسْلَامهمْ، وإبليس وَمن ارْتَدَّ عَن دينه مَا زَالَ الله يبغضه وَإِن كَانَ لم يكفر بعد.
[ورد] ذَلِك: بِأَن هَذَا لَيْسَ مُرَاد السّلف فِي الِاسْتِثْنَاء.
ثمَّ صَار إِلَى هَذَا طَائِفَة غلوا فِيهِ، حَتَّى صَار الرجل مِنْهُم يَسْتَثْنِي فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة يَقُول: صليت إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَنَحْوه، يَعْنِي: الْقبُول، ثمَّ صَار كثير يستثنون فِي كل شَيْء، فَيَقُول أحدهم: هَذَا ثوب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، هَذَا حَبل إِن شَاءَ الله، فَإِذا قيل لَهُم: هَذَا لَا شكّ فِيهِ، يَقُولُونَ: نعم، لَكِن إِذا شَاءَ الله أَن يُغَيِّرهُ غَيره.
المأخذ الثَّانِي: أَن الْإِيمَان الْمُطلق يتَضَمَّن فعل مَا أَمر الله بِهِ عَبده كُله، وَترك مَا نَهَاهُ عَنهُ كُله، فَإِذا قَالَ الرجل: أَنا مُؤمن بِهَذَا الإعتبار فقد شهد لنَفسِهِ أَنه من الْأَبْرَار الْمُتَّقِينَ، القائمين بِجَمِيعِ مَا أَمر بِهِ وَترك مَا نهى الله عَنهُ، فَيكون من أَوْلِيَاء الله المقربين، وَهَذَا من تَزْكِيَة الْإِنْسَان لنَفسِهِ وَلَو كَانَت هَذِه الشَّهَادَة صَحِيحَة؛ لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يشْهد لنَفسِهِ بِالْجنَّةِ إِن مَاتَ على هَذَا الْحَال، وَهَذَا مَأْخَذ عَامَّة السّلف الَّذين كَانُوا يستثنون، وَإِن جوزوا ترك الِاسْتِثْنَاء بِمَعْنى آخر.
ويحتجون أَيْضا -: بِجَوَاز الِاسْتِثْنَاء فِيمَا لَا شكّ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله} [الْفَتْح: 27] ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم َ -
حِين وقف على الْمَقَابِر: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون
".
وَأما من يحرمه فَكل من جعل الْإِيمَان شَيْئا وَاحِدًا، فَيَقُول: أَنا أعلم أَنِّي مُؤمن، كَمَا أعلم أَنِّي تَكَلَّمت بِالشَّهَادَتَيْنِ، [فَقولِي: أَنا مُؤمن] [كَقَوْلي] : أَنا مُسلم، فَمن اسْتثْنى فِي إيمَانه فَهُوَ شَاك، فِيهِ، وَسموا الذيت يستثنون فِي إِيمَانهم: الشكاكة.
وَأَجَابُوا عَن الِاسْتِثْنَاء الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين} [الْفَتْح: 27] ، بِأَنَّهُ يعود إِلَى الْأَمْن وَالْخَوْف، فَأَما الدُّخُول فَلَا شكّ فِيهِ، وَقيل: لتدخلن جميعكم أَو بَعْضكُم؛ لِأَنَّهُ علم أَنه يَمُوت بَعضهم.
وَفِي الْجَواب نظر: فَإِنَّهُم وَقَعُوا فِيمَا فروا مِنْهُ، فَأَما الْأَمْن وَالْخَوْف فقد أخبر أَنهم يدْخلُونَ آمِنين، مَعَ علمه بذلك، فَلَا شكّ فِي الدُّخُول، وَلَا فِي الْأَمْن، وَلَا فِي دُخُول الْجَمِيع أَو الْبَعْض، فَإِن الله تَعَالَى قد علم من يدْخل، فَلَا شكّ فِيهِ أَيْضا، فَكَانَ قَول (إِن شَاءَ الله) هُنَا / تَحْقِيقا للدخول، كَمَا
يَقُول الرجل فِيمَا عزم على أَن يَفْعَله لَا محَالة: وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِن شَاءَ الله، لَا يَقُولهَا لشك فِي إِرَادَته وعزمه.
وَأجِيب بِجَوَاب آخر لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ: أَنه قَالَ ذَلِك تَعْلِيما لنا كَيفَ نستثني إِذا أخبرنَا عَن مُسْتَقْبل، وَكَون هَذَا مرَادا من النَّص فِيهِ نظر.
وَأما من يجوز الِاسْتِثْنَاء وَتَركه باعتبارين، فَهُوَ أسعد بِالدَّلِيلِ من الْفَرِيقَيْنِ.
فَإِنَّهُ يَقُول: إِن أَرَادَ المستثني الشَّك فِي أصل إيمَانه منع من الِاسْتِثْنَاء، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ، وَإِن أَرَادَ أَنه مُؤمن من الْمُؤمنِينَ الَّذين وَصفهم الله فِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} [الْأَنْفَال: 2 - 4]، وَفِي قَوْله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون} [الحجرات: 15] ، فالاستثناء حِينَئِذٍ جَائِز، وَكَذَلِكَ من اسْتثْنى وَأَرَادَ عدم علمه بالعاقبة، وَكَذَلِكَ من اسْتثْنى تَعْلِيقا لِلْأَمْرِ بِمَشِيئَة الله تَعَالَى، لَا شكا فِي إيمَانه) انْتهى.
قَالَ: وَهَذَا غَايَة مَا يكون من التَّحْقِيق.
تَنْبِيه: لَا يجوز الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِسْلَام، فَيَقُول: أَنا مُسلم إِن شَاءَ الله
تَعَالَى، بل يجْزم بِهِ؛ قَالَه ابْن حمدَان فِي " نِهَايَة الْمُبْتَدِئ ".
قَالَ: (وَقيل: يجوز إِن شرطنا فِيهِ الْعَمَل) انْتهى.
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة: الْإِيمَان هَل هُوَ مرادف لِلْإِسْلَامِ، أَو مباين لَهُ، أَو بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه؟
فِيهِ خلاف مَشْهُور، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَكثر السّلف وَغَيرهم أَن بَينهمَا فرقا، وليسا بمتحدين، على مَا يَأْتِي بَيَانه، وَيَأْتِي جمع ابْن رَجَب لذَلِك.
فَقَالَت الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم: هما مُتَرَادِفَانِ، وَقد تقدم أَنهم قَالُوا: الْإِيمَان: فعل الْوَاجِبَات، لِأَنَّهَا الدّين، لقَوْله تَعَالَى:{وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} [الْبَيِّنَة: 5]، وَالدّين: الْإِسْلَام، لقَوْله تَعَالَى:{إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} [آل عمرَان: 19]، وَالْإِسْلَام: الْإِيمَان، لقبُول الْإِيمَان من مبتغيه، وَإِلَّا لم يقبل، لقَوْله الله تَعَالَى: (وَمن يبتغ غير