الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ القَاضِي، وَالْغَزالِيّ: الْأَسْمَاء توقيفية دون الصِّفَات.
قَالَ: وَهَذَا الْمُخْتَار ".
وَاحْتج الْغَزالِيّ: " بالِاتِّفَاقِ على أَنه لَا يجوز أَن يُسَمِّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -
باسم لم يسمه بِهِ أَبوهُ، وَلَا يُسمى بِهِ نَفسه، وَكَذَا كل كَبِير من الْخلق ".
قَالَ: " فَإِذا امْتنع فِي حق المخلوقين، فامتناعه فِي حق الله تَعَالَى أولى ".
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم وَلَا صفة توهم نقصا، وَلَو ورد ذَلِك نصا، فَلَا يُقَال: ماهد
، وَلَا زارع، وَلَا فالق، وَلَا نَحْو ذَلِك، وَإِن ثَبت فِي قَوْله تَعَالَى:{فَنعم الماهدون} [الذاريات: 48]، {أم نَحن الزارعون} [الْوَاقِعَة: 64] ، {فالق الْحبّ والنوى} [الْأَنْعَام: 95] ، وَنَحْوهَا.
وَلَا يُقَال لَهُ: ماكر وَلَا بِنَاء، وَإِن ورد:{ومكر الله} [آل عمرَان: 54]، {وَالسَّمَاء بنيناها} [الذاريات: 47] .
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي: " الْأَسْمَاء تُؤْخَذ توقيفاً من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع "، فَكل اسْم ورد فِيهَا وَجب إِطْلَاقه فِي وَصفه، وَمَا لم يرد لَا يجوز وَلَو صَحَّ مَعْنَاهُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: (لَا يجوز لأحد أَن يَدْعُو الله تَعَالَى بِمَا لم يصف بِهِ نَفسه) .
وَالضَّابِط: أَن كلما أذن الشَّارِع أَن يدعى بِهِ سَوَاء كَانَ مشتقاً أَو غير مُشْتَقّ فَهُوَ من أَسْمَائِهِ، وَكلما جَازَ أَن ينْسب إِلَيْهِ سَوَاء كَانَ مِمَّا يدْخلهُ التَّأْوِيل أَو لَا فَهُوَ من صِفَاته، وَيُطلق عَلَيْهِ اسْما أَيْضا -) انْتهى كَلَام الْحَافِظ.
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور فِي " التَّحْصِيل ": (أجمع أَصْحَابنَا على أَن أَسمَاء الله توقيفية، وَلَا يجوز إِطْلَاق شَيْء مِنْهَا بِالْقِيَاسِ، وَإِن كَانَ فِي معنى الْمَنْصُوص، وَجوزهُ معتزلة الْبَصْرَة.
وَقَالَ: وَأما أَسمَاء غَيره، فَالصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي: جَوَاز الْقيَاس فِيهَا، وَقَالَ بعض أَصْحَابه مَعَ أَكثر أهل الرَّأْي بامتناع الْقيَاس، وَأَجْمعُوا: أَنه لَو حدث فِي الْعَالم شَيْء بِخِلَاف الحوداث كلهَا جَازَ أَن يوضع لَهُ اسْم) انْتهى.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو يعلى من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فِي " الْمُعْتَمد ": (يجوز أَن يُسمى الله تَعَالَى بِكُل اسْم ثَبت لَهُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة، وَدلّ الْعقل والتوقيف عَلَيْهِ، إِلَّا أَن يمْنَع من ذَلِك سمع وتوقيف، وَلَا نقف على جَوَاز تَسْمِيَته " دَلِيلا "، وَأَن يدعى بِهِ على مَا بَينه فِيمَا بعد، وَإِن لم يرد بذلك نَص كتاب
وَلَا سنة وَلَا إِجْمَاع، فَإِن جمَاعَة الْمُتَكَلِّمين يمْنَعُونَ من ذَلِك، وَقد أجَاز أَحْمد تَسْمِيَته بذلك، وَفِي الدُّعَاء " يَا دَلِيل المتحيرين ") .
قَالَ فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (وَيجوز أَن يُقَال: يَا قديم الْإِحْسَان، وَيَا دَلِيل الحيارى دلَّنِي على طَرِيق الصَّالِحين، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، فَإِنَّهُ كالخالق والرازق والرب فِي الْقدَم) انْتهى.
وَسَماهُ: دَالا، فَقَالَ: الدَّال الله، على مَا تقدم، لِأَن معنى الدَّلِيل وَالدَّال: المرشد.
قلت: وَكَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي " اللمع " لَهُ: (الدَّال: الناصب للدليل، وهوالله عز وجل انْتهى.
وَنقل الْمَرْوذِيّ عَن أَحْمد أَنه قَالَ: (لَا يُوصف الله تَعَالَى بِأَكْثَرَ مِمَّا وصف بِهِ نَفسه، وَلَا نتعدى الْقُرْآن والْحَدِيث) .
وَظَاهر هَذَا: أَنه لَا يجوز تَسْمِيَته إِلَّا بِمَا سمى بِهِ نَفسه، أَو سَمَّاهُ رَسُوله.
وَهَذَا مَحْمُول على أَنه لَا يجوز تَسْمِيَته بِغَيْر ذَلِك مِمَّا لَا يثبت لَهُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة وَقد منع مِنْهُ السّمع.
وَقد ورد الشَّرْع بِإِطْلَاق أَسمَاء وصفات عَلَيْهِ يحِيل الْعقل مَعَانِيهَا فِي اللُّغَة، وَردت على طَرِيق الْجَزَاء.
وَمن ذَلِك: أَنه وصف نَفسه بِأَنَّهُ يُؤْذى بقوله تَعَالَى: {يُؤْذونَ الله وَرَسُوله} [الْأَحْزَاب: 57]، وبمحارب بقوله تَعَالَى:{إِنَّمَا جزاؤا الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} [الْمَائِدَة: 33]، ومحارب بقوله تَعَالَى:{فأذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله} [الْبَقَرَة: 279]، وساخر بقوله:{سخر الله مِنْهُم} [التَّوْبَة: 79]، وماكر بقوله:{ومكروا ومكر الله} [آل عمرَان: 54]، ومستهزئ بقوله تَعَالَى:{الله يستهزئ بهم} [الْبَقَرَة: 15]، وَكَاتب بقوله:{وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} [الْأَنْبِيَاء: 105]، {وكتبنا لَهُ فِي الألواح} [الْأَعْرَاف: 145] ، وباني بقوله تَعَالَى:{وَالسَّمَاء بنيناها بأييد} [الذاريات: 47] .
[فَهَذِهِ] تستحيل مَعَانِيهَا فِي اللُّغَة، وَإِنَّمَا وَردت على طَرِيق الْجَزَاء) .
انْتهى كَلَام القَاضِي فِي " الْمُعْتَمد ".
فَالَّذِي قدمْنَاهُ: هُوَ ظَاهر رِوَايَة الْمَرْوذِيّ، وَهُوَ ظَاهر اخْتِيَار أبي الْبَقَاء فِي " إعرابه "، وَقطع بِهِ فِي " نِهَايَة المبتدئين " عَن الإِمَام أَحْمد، وَإِنَّمَا حكى الثَّانِي وَجها.
لمعْرِفَة اللُّغَة طرق:
أَحدهَا: النَّقْل، وَهُوَ قِسْمَانِ: تَوَاتر، وآحاد.
فالتواتر: مَا لَا يقبل تشكيكاً كالسماء، وَالْأَرْض، وَالْجِبَال، وَنَحْوهَا، ولغات الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث من هَذَا الْقسم.
والآحاد: غير ذَلِك، وَهُوَ أَكثر اللُّغَة، فيتمسك بِهِ فِي الْمسَائِل الظنية دون القطعية.
وَالثَّانِي: الْمركب مِنْهُ وَمن الْعقل، وَهُوَ استنباط الْعقل من النَّقْل، مِثَاله: كَون الْجمع الْمُعَرّف ب " أل " للْعُمُوم، فَإِنَّهُ مُسْتَفَاد من مقدمتين نقليتين، حكم الْعقل بواسطتهما.
إِحْدَاهمَا: أَنه يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء.
وَالثَّانيَِة: أَن الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج [بعض] مَا تنَاوله اللَّفْظ.
فَحكم الْعقل عِنْد وجود هَاتين المقدمتين بِأَنَّهُ للْعُمُوم.
وَلَا اعْتِبَار بِمَا يُخَالف ذَلِك، مِمَّن يَقُول: إِذا كَانَت المقدمتان نقليتين، كَانَت النتيجة أَيْضا نقلية، وَإِنَّمَا الْعقل تفطن لنتيجتها.
لأَنا نقُول: لَيْسَ هَذَا الدَّلِيل مركبا من نقليتين، لعدم تكَرر الْحَد الْأَوْسَط فيهمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مركب من مُقَدّمَة نقلية، وَهِي: الِاسْتِثْنَاء إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله اللَّفْظ، ومقدمة عقلية لَازِمَة لمقدمة أُخْرَى نقلية، وَهِي: أَن كل مَا دخله الِاسْتِثْنَاء عَام، لِأَنَّهُ لَو لم يكن عَاما لم يدْخل الِاسْتِثْنَاء فِيهِ، ثمَّ جعلت هَذِه الْقَضِيَّة كبرى للمقدمة الْأُخْرَى النقلية، فَصَارَ صُورَة الدَّلِيل هَكَذَا: الْجمع الْمحلى ب " أل " يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء، وَكلما يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء عَام، ينْتج: أَن الْمحلى ب " أل " عَام.
الثَّالِث: الْقَرَائِن، قَالَه [ابْن جني]، فَقَالَ فِي " الخصائص ": (من
قَالَ: إِن اللُّغَة لَا تعرف إِلَّا نقلا، فقد أَخطَأ؛ فَإِنَّهَا تعرف بالقرآئن أَيْضا، فَإِن الرجل إِذا سمع قَول الشَّاعِر:
( [قوم] إِذا الشَّرّ أبدى ناجذيه لَهُم
…
طاروا إِلَيْهِ زرافات ووحدانا)
علم أَن زرافات بِمَعْنى: جماعات) انْتهى.
قَوْله: {قَالَ الشَّيْخ وَغَيره: [والأدلة] القولية قد تفِيد الْيَقِين} .
يَعْنِي: تفِيد الْقطع بالمراد، وَهَذَا الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة السّلف وَغَيرهم.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: ( { [عِنْد] السّلف لَا يُعَارض الْقُرْآن [غَيره] بِحَال، وَحدث مَا قيل: أُمُور قَطْعِيَّة عقلية تخَالف الْقُرْآن) } انْتهى.
وَقد حكوا فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: أَنَّهَا تفيده مُطلقًا.
وَالثَّانِي: لَا تفيده مُطلقًا، قَالُوا: لتوقف الْيَقِين فِيهَا على أُمُور لَا طَرِيق إِلَى الْقطع بهَا، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ فِي " الْأَبْكَار "، والرازي فِي " الْمَحْصُول "، و " الْأَرْبَعين ".
[وَالثَّالِث] : أَنَّهَا قد تفِيد إِذا انْضَمَّ إِلَيْهَا تَوَاتر [أَو غَيره] من الْقَرَائِن الحالية، وَلَا عِبْرَة بِالِاحْتِمَالِ، فَإِنَّهُ إِذا لم ينشأ عَن دَلِيل لم يعْتَبر، وَإِلَّا لم يوثق بمحسوس. انْتهى.
قَالَ الكوراني: (الْأَدِلَّة اللفظية النقلية بِدُونِ قرينَة لَا تفِيد الْقطع بالحكم، لاحْتِمَال مجَاز، أَو اشْتِرَاك، أَو غير ذَلِك مِمَّا يخل بالتفاهم، وَأما مَعَ انضمام قرينَة قَطْعِيَّة كالتواتر على أَن المُرَاد ذَلِك قطعا، وَلذَلِك لَا يجوز