الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة، المقصود يفهمه بالطريقة التي يفهمها، بالسمع، بالفعل، باللمس، الشيء الذي يستطاع.
36 -
مسألة في الصلاة قبل الإسلام
س: هل هناك صلاة قبل الإسلام؟ وما هي يا سماحة الشيخ (1)؟
ج: لا أعرف عن الجاهلية شيئا من صلاتهم، الأنبياء لهم صلاة، جاؤوا بالصلاة، الصلاة جاء بها الأنبياء، لكن كون الجاهلية يصلون صلاة لا أعرف شيئا عن صلاتهم، أما الأنبياء فقد جاؤوا بالصلاة، الصلوات جاء بها إبراهيم، وجاء بها إسماعيل، وجاء بها الأنبياء.
(1) السؤال الواحد والعشرون من الشريط رقم (395).
37 -
كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
س: السائل: حسين من الجزائر، يقول: سماحة الشيخ، كيف كانت صلاة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ وجهونا في ضوء سؤالنا (1)
ج: كانت صلاته صلى الله عليه وسلم تخفيفا في تمام، كما قال أنس رضي الله عنه: «ما صليت خلف أحد أتم صلاة، ولا أتم ولا أخف
(1) السؤال الخامس والعشرون من الشريط رقم (388).
صلاة من النبي عليه الصلاة والسلام، كانت صلاته تخفيفا في تمام (1)» يتم ركوعها وسجودها واعتدالها بعد الركوع وبين السجدتين، ولكن لا يطيل إطالة تمل الناس وتشق عليهم، وهكذا السنة، أن يصلي المؤمن تخفيفا في تمام، الإمام والمنفرد، أما المأموم فهو تابع لإمامه، ويقول صلى الله عليه وسلم:«أيكم أم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف وذا الحاجة (2)» ويقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي (3)» عليه الصلاة والسلام، فالتخفيف أن تتأسى بصلاته صلى الله عليه وسلم، وهي تخفيف في تمام، كان يقرأ في الظهر من أوساط المفصل، وفي العصر أقل من ذلك أخف من الظهر، وفي المغرب من قصاره، وتارة من طواله، وتارة من أوساطه، والغالب في المغرب أن يقرأ بالقصار، وكان يقرأ في العشاء بأوساط المفصل، وفي الفجر بطوال
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة، باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام، برقم (473).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة، برقم (90)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، برقم (466).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631).
المفصل مثل: (ق)، و (الطور) و (الذاريات) ونحوها، وكان يركع ركوعا فيه إتمام وفيه تخفيف، ربما سبح سبع تسبيحات، عشر تسبيحات: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. ويقول في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. وكان إذا اعتدل بعد الركوع يطمئن، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكان يعتدل بعد الركوع حتى يقول القارئ قد نسي، وهكذا بين السجدتين، يعتدل بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني (1)» ولا يعجل، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكان في السجود أيضا يطمئن ويسبح عدة تسبيحات؛ عشر تسبيحات، وكان أنس رضي الله عنه صلى خلف بعض الأئمة، فقال: إنه أشبه صلاة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يعد له في الركوع والسجود عشر تسبيحات، فإذا سبح عشرا أو سبعا أو خمسا فكل هذا حسن: سبحان ربي العظيم. في
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850)، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284)، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898).
الركوع، و: سبحان ربي الأعلى. في السجود. رب اغفر لي: بين السجدتين، لكن مع الطمأنينة، حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، هكذا كان صلى الله عليه وسلم يصلي تخفيفا في تمام، والسنة للأئمة أن يتأسوا به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«صلوا كما رأيتموني أصلي (1)» وهكذا الأفراد، إذا صلى الإنسان فردا لمرض أو غيره يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا النساء يصلون كما كان النبي يصلي عليه الصلاة والسلام، تخفيفا في تمام، وقد سمعت صفة صلاته عليه الصلاة والسلام، كان يتم ركوعه وسجوده وكان يعتدل بين السجدتين ويعتدل بعد الركوع ولا يعجل، وكان يقرأ في الظهر والعصر من أوساط المفصل، لكن العصر أخف، وفي المغرب من قصار المفصل، وربما قرأ من طواله كـ (الطور) وغيرها، وربما قرأ بـ (المرسلات)، عليه الصلاة والسلام، فتارة يطيل في المغرب، وتارة يقصر في المغرب، عليه الصلاة والسلام، وفي العشاء بأوساط المفصل، مثل:(هل أتاك حديث الغاشية) ومثل: (والفجر)، ومثل:(سبح)، ومثل:(والسماء ذات البروج)، وفي الفجر يقرأ بطوال المفصل، مثل:(الذاريات)، و: (ق
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631).
والقرآن المجيد)، ومثل:(الطور)، ومثل:(اقتربت الساعة)، ومثل:(تبارك الذي بيده الملك)، وأشباه ذلك.
س: الأخ: أ. س. د. من السودان، يقول: الصلاة واجبة على كل إنسان، وهذا أمر مفروغ منه، إلا أنه اختلط لدينا الحابل بالنابل في كيفية أدائها، وذلك من ناحية أقوال العلماء والمشايخ في كيفية الأداء، ولكي يكون الإنسان على علم بذلك، أي الطريقة الصحيحة لأدائها كما يؤديها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بإيضاح ما يلي: أولا: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في أداء الصلاة، الأدعية التي يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد إتمام الركعات في كل صلاة، وقبل التشهد الأخير، ما يقوله الرسول بعد التسليم وطريقة التسليم، الدعاء للميت، أي شيء يتعلق بكيفية الصلوات الخمس، الاعتكاف ووقته وكيفيته، كما أرجو أن يكون ذلك واضحا جليا مختصرا حتى أستطيع تسجيله وفهمه، جزاكم الله عنا خيرا (1)
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (112).
ج: قد كتبنا في هذا رسائل فيما يتعلق بكيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وعظم شأن الصلاة وأداء الصلاة في الجماعة، أرجو أنها وصلت إليك أيها السائل، ولا مانع من إرسالها إليك، أما ما يتعلق بمعرفة ذلك من طريق هذا البرنامج فنوصيك أيها السائل وسائر الإخوة بالعناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومراجعة الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك في الصحيحين، وفي غيرهما وفي مثل:(المنتقى) للمجد ابن تيمية، و:(بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر رحمه الله، ومثل:(عمدة الحديث) للشيخ العلامة عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي رحمه الله، وهكذا الكتب التي جمعت في الحديث الشريف، مثل:(رياض الصالحين) ومثل: (جامع الأصول).
والخلاصة أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام إلى الصلاة كبر، ورفع يديه حيال منكبيه، وربما رفعهما إلى أذنيه عليه الصلاة والسلام، قائلا: الله أكبر. في أول الصلاة، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر والنوافل، يقول: الله أكبر. هذا أول شيء للصلاة، وفي الحديث:«تحريمها التكبير (1)» ثم يأتي الاستفتاح، وهو دعوات يقولها قبل
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، برقم (3)، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء، برقم (61).
القراءة، وربما كانت أذكارا، فمن ذلك:«سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك (1)» وهذا الاستفتاح كله ذكر، ومن ذلك:«اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (2)» وهذا أصح ما ورد في هذا الباب، وكله دعاء، ومنها:«اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم (3)» وهذا من أجمع
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243)، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك اللهم وبحمدك "، برقم (776)، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598).
(3)
أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (770).
أنواع الاستفتاح، وهناك استفتاحات أخرى تجدها في محلها من كتب الحديث، ولكن هذه الثلاثة من أقصرها ومن أثبتها.
ثم بعد هذا تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ الفاتحة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) إلى آخرها، والفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم، وهي ركن الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2)» فيقرؤها الإمام ويقرؤها المنفرد، ويقرؤها المأموم، لكنها في حق الإمام والمنفرد آكد وأوجب، واختلف العلماء في وجوبها على المأموم على أقوال: أحدها: أنها تجب على المأموم مطلقا في السر والجهر.
والثاني: أنها تجب عليه في السرية، لا في الجهرية.
والثالث: أنها لا تجب عليه، لا في السرية، ولا في الجهرية، ويتحملها عنه الإمام.
(1) سورة الفاتحة الآية 2
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، برقم (756)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (394).
والأرجح أنها واجبة عليه في السر والجهر؛ لعموم الأحاديث الدالة على ذلك، لكن إذا لم يأت إلا والإمام في الركوع فإنه تجزئه الركعة؛ لأنه لم يحضر وقت القيام، فهو معذور لما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري – رحمه الله – أن أبا بكرة الثقفي جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع، فركع ثم دخل في الصف، ركع وحده ثم دخل في الصف من الحرص، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«زادك الله حرصا، ولا تعد (1)» يعني: لا تعد في الركوع دون الصف، بل اصبر حتى تدخل في الصف، ولم يأمره بقضاء الركعة، احتج العلماء وهم الأئمة الأربعة على أنها تجزئه هذه الركعة؛ لأن الرسول لم يأمره بالإعادة، فدل على سقوط الفاتحة عمن جاء والإمام راكع، وهكذا لو نسي المأموم، أو جهل سقطت عنه، فليس مثل الإمام والمنفرد، والفاتحة لها شأن عظيم كما تقدم، فإنها أعظم سورة في كتاب الله عز وجل، فالمشروع للمؤمن عند قراءتها أن يتدبرها، ويتعقلها في الصلاة وخارجها، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «يقول الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف، برقم (783).
عبدي نصفين - يعني الفاتحة سماها الصلاة - فإذا قال: قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: قال الله سبحانه: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل -، يعني: حق الله، حاجة العبد يستعين بربه - فإذا قال: قال الله سبحانه: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل (9)» يعني: هذا سؤال من عبدي يطلب الهداية، وله ما سأل، وهذا وعد من الله أن يعطيه الهداية، وهذا أشرف
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم (395).
(2)
سورة الفاتحة الآية 2 (1){الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
(3)
سورة الفاتحة الآية 3 (2){الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
(4)
سورة الفاتحة الآية 4 (3){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
(5)
سورة الفاتحة الآية 5 (4){إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
(6)
سورة الفاتحة الآية 5 (5){إِيَّاكَ نَعْبُدُ}
(7)
سورة الفاتحة الآية 5 (6){وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
(8)
سورة الفاتحة الآية 6 (7){اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}
(9)
سورة الفاتحة الآية 7 (8){صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}
مطلوب: الهداية، فينبغي لك أيها القارئ أيها المؤمن، أيتها المؤمنة، ينبغي لكل منكما تدبر هذه السورة والعناية بها، والخشوع فيها والإقبال عليها عند قراءتها، وهكذا عند قراءة جميع القرآن، كما قال الله سبحانه:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1)، وإذا قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} (2) قال: آمين. سواء كان في الصلاة أو في خارجها، السنة أن يقول: آمين. الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة وخارجها – آمين معناها: استجب يا ربنا – ثم بعد ذلك يقرأ الإمام والمنفرد سورة بعد الفاتحة أو آيات بعد الفاتحة، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام، ويطيل في الفجر مثل سورة (ق)، مثل:(والطور)، (والنجم إذا هوى)، (اقتربت الساعة)، المسبحات، وما أشبه ذلك من السور. والظهر كذلك قريب من الفجر، يطيل في الأولى والثانية، وتكون الثانية أقصر من الأولى بعض الشيء، وتكون العصر أخف من الظهر، يقرأ سورة أو آيات بعد الفاتحة في الظهر والعصر، في الأولى والثانية، لكن تكون العصر أخف من الظهر، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وفي
(1) سورة ص الآية 29
(2)
سورة الفاتحة الآية 7
الثالثة والرابعة يقرأ الفاتحة فقط، الثالثة والرابعة في الظهر والعصر والعشاء الفاتحة فقط، وفي المغرب في الثالثة يقرأ الفاتحة فقط، وربما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر زاد على الفاتحة في الثالثة والرابعة، فإذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة بعض الآيات، أو بعض السور القصيرة فهو حسن ومستحب في بعض الأحيان، تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فقد ثبت عنه هذا في صحيح مسلم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم يركع رافعا يديه مثل ما رفع عند الأولى، يرفعهما حيال منكبيه أو حيال أذنيه، تارة وتارة تأسيا برسول الله عليه الصلاة والسلام، ثم يسوي ظهره ورأسه في ركوعه، ويضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جنبيه لا يلصقهما في جنبيه، خاشعا لربه مطمئنا، يقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وإذا زاد على ذلك فقالها خمسا أو ستا أو سبعا، أو أكثر من ذلك فهو حسن، لكن لا يطيل إذا كان إماما إطالة تشق على المأمومين، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يطيل الركوع والسجود، جاء عن غير أنس أيضا، وجاء في بعض أحاديث أنس: أنه كان يعد له في الركوع والسجود ما يقرب من عشر تسبيحات،
فهذا يدل على أن السنة الطمأنينة وعدم العجلة في الركوع والسجود، فيقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. في الركوع، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (1)» متفق عليه، ثم يرفع من الركوع رافعا يديه حيال منكبيه، أو حيال أذنيه كما فعل عند الركوع، وكما فعل عند الإحرام قائلا: سمع الله لمن حمده، إن كان إماما أو منفردا، ثم بعد هذا يقول: ربنا ولك الحمد. بعد انتصابه قائما، أو يقول: ربنا لك الحمد. بدون واو، أو: اللهم ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. كله جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يكمل: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد. هذا هو الأفضل، ولو اقتصر على: ربنا ولك الحمد. كفى لكن كونه يكمل أولى وأفضل، ويطيل هذا الركن ولا يعجل؛ لأن الرسول كان يطيله عليه الصلاة والسلام، حتى يقول القائل:
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
قد نسي. وزاد في بعض الأحاديث بعد: وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. كل هذا وهو واقف بعد الركوع، هذا هو الكمال إذا انتصب قائما، الإمام والمنفرد بعد قوله: سمع الله لمن حمده، يقول:«ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1)» وإن اقتصر على البعض كفاه ذلك، أما المأموم فعند الرفع يقول: ربنا ولك الحمد. أو: ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد. أو: اللهم ربنا ولك الحمد. يقول هذا تارة وهذا تارة كله حسن؛ لأن الرسول عليه السلام قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد (2)» ولم يأمر أن يقولوا: سمع الله لمن
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، برقم (796)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب التسميع والتمجيد والتأمين، برقم (409).
حمده. بل يقولون: ربنا ولك الحمد. قال بعض أهل العلم: إنه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. يجمع بينهما كالإمام، ولكن هذا قول ضعيف مرجوح، والصواب أن المشروع أن يقول: ربنا ولك الحمد. ولا يحتاج إلى أن يقول: سمع الله لمن حمده، بل هذا خاص بالإمام والمنفرد، ثم يكمل بعد انتصابه يقول: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وإن كبر إمامه قبل أن يكمل كبر مع إمامه، وترك الباقي، إذا كبر الإمام قبل أن يكمل كبر وركع مع إمامه.
س: سماحة الشيخ عبد العزيز، نبدأ هذه الحلقة لو تكرمتم بالعودة إلى إجابة أخينا: أ. س. د. من السودان، حيث سأل عن الكيفية الصحيحة للصلاة، وقد شرعتم جزاكم الله خيرا وبينتم الوصف الذي يحسن بالمسلم أن يسير عليه، ووصلتم إلى القيام من الركوع، فحبذا لو تفضلتم وأكملتم ما بدأتم، جزاكم الله خيرا (1)
(1) السؤال الرابع من الشريط رقم (112).
ج: قد سبق لنا أن تكلمنا على صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، تحقيقا لما سأل عنه السائل المذكور، وانتهينا إلى ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم بعد رفعه من الركوع، وما كان يقوله عليه الصلاة والسلام، وانتهينا إلى أن المأموم إذا رفع يقول: ربنا ولك الحمد. ولا يزيد: سمع الله لمن حمده. هذا هو المختار، هذا هو الأرجح، ويكمل الحمد، فيقول:«حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1)» إن تيسر له ذلك، فإن كبر الإمام تابعه وترك البقية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وإذا ركع فاركعوا (2)» ثم بعد ذلك الإمام والمنفرد والمأموم إذا فرغوا من هذا القيام، ومن ذكر هذا القيام يخرون سجدا، فيكبر كل منهم عند السجود، يقول: الله أكبر. الإمام والمأموم والمنفرد عند السجود، بعد القيام بعد الركوع، وذكر القيام الذي تقدم بعد ذلك، يخر الإمام ساجدا،
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة، برقم (734)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (414).
وهكذا المأموم وهكذا المنفرد، لكن المأموم يخر بعد إمامه، فإذا انتهى إمامه ساجدا سجد بعده، قائلا كل منهم: الله أكبر. عند سجوده من دون رفع اليدين، ليس في هذا رفع لليدين، بل يخر كل منهم ساجدا من دون رفع اليدين، كما فعل عليه الصلاة والسلام، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى. كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. والواجب مرة واحدة، وهكذا في الركوع الواجب مرة: سبحان ربي العظيم. فإذا كرر ثلاثا فهو قد أدى الكمال والمستحب، وإن زاد خمسا أو سبعا أو عشرا كله مستحب، والإمام يراعي عدم المشقة على الناس، والمأموم تبع لإمامه، والمنفرد لا حرج عليه في الزيادة التي لا تشق عليه، ولا تسبب له نعاسا أو أفكارا لا تناسب، ويستحب للإمام والمنفرد والمأموم أن يقولوا في السجود: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. كالركوع؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي (1)» ويكثر من الدعاء أيضا في السجود، يقول عليه الصلاة والسلام: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
أن يستجاب لكم (1)» يعني: حري أن يستجاب لكم. ويقول عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2)» فيشرع للمؤمن والمؤمنة في السجود الإكثار من الدعاء، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا، يدعو بما تيسر من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك:«اللهم اغفر لي ذنبي كله؛ دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (3)» هذا من دعائه عليه الصلاة والسلام، ومن الدعاء الذي يحسن في هذا المقام ما ثبت في الصحيحين عن الصديق رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول في صلاته: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم (4)» هذا من أفضل الدعاء في الجلوس بين السجدتين وفي آخر الصلاة، وفي غير الصلاة. الصديق سأل النبي قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي. وفي
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(3)
أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، برقم (834)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم (2705).
رواية: وفي بيتي. قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم (1)» ، فإذا دعا بهذا في السجود أو بين السجدتين، أو في آخر الصلاة فكله حسن، ومن الدعاء أيضا الحسن في هذا المقام:«اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (2)» و: «يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك (3)» كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة، كان هذا من دعائه المعروف، اللهم صل عليه وسلم، فإذا دعا به الإنسان في السجود، أو في آخر الصلاة، وهكذا في خارجها هو دعاء عظيم، والعبد في أشد الحاجة إليه، ويدعو الإنسان بما يتيسر له من الدعوات الطيبة، حتى يرفع إمامه إن كان مأموما، والإمام يدعو على وجه لا يشق على المأمومين، والمنفرد كذلك، والسنة للساجد أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، يكون معتدلا في السجود ويرفع ذراعيه عن الأرض، يعتمد على
(1) صحيح البخاري التوحيد (7388)، صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2705)، سنن الترمذي الدعوات (3531)، سنن النسائي السهو (1302)، سنن أبي داود الصلاة (760)، سنن ابن ماجه الدعاء (3835)، مسند أحمد (1/ 7).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم (2140)، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (3834).
(3)
أخرجه أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها، برقم (9420).
كفيه، يبسط كفه في الأرض، يمد أصابعه إلى جهة القبلة ضاما بعضها إلى بعض، رافعا ذراعيه مفرجا عضده عن جنبه، رافعا بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، هكذا السنة، معتمدا على بطون الأصابع، أصابع رجليه، مادا الأصابع إلى جهة القبلة، هكذا كان يسجد النبي عليه الصلاة والسلام، والواجب عليه أن يسجد على الأعظم السبعة، يعني على وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، هذا ركن لا بد منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم قال: الجبهة - وأشار إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين (1)» فلا بد من هذا في السجود للرجل والمرأة، للإمام والمأموم والمنفرد جميعا، أما كيف ينحط للسجود فقد جاء في هذا سنتان عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إحداهما:«أنه ينحط على ركبتيه، ثم يضع يديه ثم جبهته وأنفه في الأرض (2)» هذا جاء من حديث وائل بن حجر عند أهل السنن بإسناد
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم (812)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر، برقم (490).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود، برقم (268)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (838)، والنسائي في المجتبى في كتاب التطبيق، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، برقم (1089).
حسن، وله شاهد من حديث أنس، وله شاهد من حديث أبي هريرة في النوع الثاني. والنوع الثاني: أنه ينحط على يديه أولا، ثم ركبتيه بعد ذلك، وهذا جاء في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه (1)» قال جماعة من العلماء: معناه أنه يبدأ بيديه؛ لأن البعير يبدأ بركبتيه وهي في يديه، فهذه سنة، وهذه سنة، ولا مشاحة في ذلك، إن سجد على ركبتيه فحسن، وإن سجد على يديه فحسن؛ لمجيء الحديثين بذلك، لكن الأظهر والأقرب أن الأفضل السجود على ركبتيه، ثم يديه فجبهته وأنفه، هذا هو الأفضل والأقرب، وهو المخالف لأيادي البعير، وهو الموافق لأول الحديث، أي: لا يبرك كما يبرك البعير. . . الحديث؛ لأن بروك البعير يبرك على يديه، إذا قدم المؤمن يديه فقد شابه البعير، فالأفضل أن يقدم ركبتيه التي في رجليه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه، هذا هو الأفضل، وهذا هو الأرجح في السنتين، وأما القول في حديث أبي هريرة، «وليضع يديه قبل ركبتيه (2)» هذا صريح، لكن قال بعض أهل العلم: لعله
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
وقع فيه انقلاب، وأن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه. فانقلب على بعض الرواة، وهو محتمل؛ لأن آخره لا يوافق صدر الحديث، العجز لا يوافق الصدر، فإن في الصدر:«لا يبرك كما يبرك البعير (1)» والبعير يبرك على يديه، وقوله:«وليضع يديه قبل ركبتيه (2)» في آخره مخالفة صدر الحديث، فيظهر من هذا أن الحديث فيه انقلاب، وهو أن الصواب: وليضع ركبتيه قبل يديه. فيكون بهذا موافقا لحديث وائل، وينتهي الخلاف والإشكال، وبكل حال فالحمد لله الأمر واسع، إن سجد على ركبتيه كما دل عليه حديث وائل فحسن، وإن سجد على يديه فالأمر واسع في ذلك، والحمد لله، ولا ينبغي في هذا المشاحة والمشاقة والنزاع، ولكن الأفضل والأرجح والأقرب أنه يسجد على ركبتيه، ثم يديه ثم جبهته وأنفه على حديث وائل، والأقرب والأظهر أن حديث أبي هريرة لا يخالف حديث وائل، ولكنه يوافقه في المعنى، ولكن حصل في عجزه انقلاب، ويظهر أن الحديث: وليضع ركبتيه قبل يديه. وبهذا يجتمع الحديثان، وهذا أظهر قولي العلماء في الموضوع.
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
ثم يرفع من السجود جالسا على رجله اليسرى ناصبا رجله اليمنى بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني. يدعو بما تيسر، ومن ذلك: رب اغفر لي، رب اغفر لي، «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني، واجبرني وارزقني (1)» كما جاء في الأحاديث، يفرش اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، هذا هو الأفضل، وكيف ما قعد أجزأ، وإن جلس على عقبيه بأن فرش رجليه وجلس على عقبيه فلا بأس، كما جاء في حديث ابن عباس، وهذا إقعاء لا بأس بالجلوس عليه، هو إقعاء خاص وهو الجلوس على العقبين، ولكن الأفضل وهو الذي جاء في الأحاديث الكثيرة، أنه يفرش اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى هذا هو الأفضل، ويضع يديه على فخذيه وأطرافهما على ركبتيه، يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني، كيفما دعا بالمغفرة جاز: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم اغفر لي وللمسلمين، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا. إلى آخره. كان النبي يطيل هذه الجلسة كما كان يطيل ما بعد الركوع، عليه الصلاة
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850)، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284)، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898).
والسلام، حتى يقول القائل: قد نسي. ولكن يلاحظ الإمام أن لا يشق على الناس، لكن لا ينبغي أن يفعل مثل بعض الناس من جهة العجلة، بعض الناس يعجل ولا يستقر بعد الركوع، ولا بين السجدتين، هذا غلط، المشروع أن يطمئن ولا يعجل بين السجدتين، وبعد الركوع حال قيامه بعد الركوع، اقتداء بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، متأسيا به عليه الصلاة والسلام، ثم يسجد الثانية قائلا: الله أكبر. من دون رفع اليدين في السجود، فيسجد كما سجد في الأولى، ويضع يديه حيال منكبيه، أو حيال أذنيه، مادا أصابعهما إلى القبلة، ضاما بعضها إلى بعض، رافعا بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ومجافيا عضديه عن جنبيه كما تقدم، في هذه السجدة كالتي قبلها ويقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو بما تيسر في سجوده كما تقدم، وناسب هنا: ربي الأعلى؛ لأنه حال خضوع وذل وتسفل، حتى وضع وجهه على الأرض، فناسب أن يقول: سبحان ربي الأعلى. الذي فوق العرش سبحانه وتعالى، فوق جميع الخلق، وهو فوق العرش، وعلمه في كل مكان سبحانه وتعالى، وهو في جهة العلو عند أهل السنة والجماعة، فوق جميع الخلق، كما قال سبحانه:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1)، وقال سبحانه وتعالى:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (2)، وقال:{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} (3)، وقال:{يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (4)، وقال:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (5) في آيات كثيرة، كلها دالة على علوه سبحانه وتعالى فوق جميع الخلق فوق العرش، وأنه استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، والاستواء هو العلو والارتفاع، وعند أهل السنة أنه استواء يليق بالله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (6)، وقال:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (7)، وفي الركوع يقول: سبحان ربي العظيم، لما كان الركوع حال ذل وخضوع، ناسب أن يقول: سبحان ربي العظيم، الذي هو أعظم شيء
(1) سورة طه الآية 5
(2)
سورة البقرة الآية 255
(3)
سورة غافر الآية 12
(4)
سورة آل عمران الآية 55
(5)
سورة النساء الآية 158
(6)
سورة الشورى الآية 11
(7)
سورة الإخلاص الآية 4
سبحانه وتعالى، هو العزيز، هو الجبار، هو العظيم، هو القدوس، فناسب في الركوع أن يقول: سبحان ربي العظيم، تنزيه لربه عن الذل، وأنه العزيز الذي لا أعز منه سبحانه وتعالى، العظيم الذي لا أعظم منه، وفي السجود يقول: سبحان ربي الأعلى؛ لأنه العالي فوق جميع الخلق سبحانه وتعالى، ثم يرفع إلى الركعة الثانية، ويفعل كما فعل في الأولى كما تقدم، لكن ليس فيها استفتاح، والاستفتاح في الأولى فقط، أما هذه فيرفع ثم يقرأ الفاتحة، يسمي الله ويقرأ الفاتحة، وإن تعوذ فلا بأس، والاستعاذة الأولى كافية، لكن إن أعاد الاستعاذة فلا بأس، ثم يسمي ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة أو آيات دون الأولى كما تقدم، ثم يركع كما ركع في الأولى، ويرفع كما رفع في الأولى كما تقدم، ثم يجلس، ثم يسجد سجدتين كما تقدم، ثم يجلس للتشهد الأول على رجله اليسرى، ينصب اليمنى مثل جلوسه بين السجدتين، ويقرأ التحيات: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وإن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا بأس، جاء هذا وهذا، جاء ذكر: وحده لا شريك له، وجاء أحدها: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، فإن شاء رفع، وإن صلى على النبي فهو أفضل، يصلي على النبي، ثم يرفع للثالثة؛ لأن الأحاديث عامة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض أهل العلم قال: يكتفي بالشهادة ويقوم، ولكن الأفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول:«اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1)» ثم يرفع قائلا: الله أكبر ويرفع يديه مثل ما رفع عند الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، يرفع يديه قائلا: الله أكبر، إلى الثالثة، ثم بعد استتمامه قائما يقرأ الفاتحة وحدها ثم يركع، كما فعل في السابق، ثم يسجد كما فعل في السابق، هكذا، وهكذا في الرابعة من الظهر والعصر والعشاء، وفي الثالثة في المغرب، يقرأ الفاتحة ويركع كما تقدم، ويقول في الركوع كما تقدم، ويرفع كما تقدم، ويقول في الرفع كما تقدم، ويسجد كما تقدم، ويقول في السجود كما تقدم، سواء بسواء، لكن في الظهر والعصر والعشاء ركعتين، بعد التشهد الأول، وفي المغرب ركعة
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370).
واحدة، وفي الفجر الصلاة ركعتان فقط، ليس فيها التشهد الأول أو الآخر، بل ليس فيها إلا تشهد واحد: الفجر والجمعة والعيد والاستسقاء، كل منها ركعتان ليس فيها إلا تشهد واحد، يأتي بالتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو، وهكذا في التشهد الأخير في المغرب والعشاء والظهر والعصر، يأتي بالتحيات كما تقدم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقدم، ثم يدعو، يتعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال كما جاء به الخبر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بذلك أيضا، فقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ويدعو بما أحب، ومنها: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر. كل هذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة، وعلم النبي معاذا أن يقول:
«اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (1)» لما قال: «يا معاذ، إني لأحبك (2)» يقول له صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ، إني لأحبك، فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك (3)» . ويستحب هذه الأدعية في آخر الصلاة لكل مصل، مأموم أو إمام أو منفرد، رجل أو امرأة هذا المشروع، والواجب قراءة التحيات مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب، هذا الفرض هذا الركن، وما زاد فهو سنة مستحب، وبعض أهل العلم أوجب التعوذ بالله من أربع، لكن الذي عليه جمهور أهل العلم أنها سنة، ولكن ينبغي أن لا يدعها، ينبغي للمسلم وللمسلمة أن لا يدع هذه التعوذات الأربع:«اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (4)» ؛ لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام أمر بها، وكان يفعلها بنفسه عليه الصلاة والسلام، يقول:
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، برقم (1522)، والنسائي في كتاب السهو نوع آخر من الدعاء، برقم (1303).
(2)
سنن النسائي السهو (1303)، سنن أبي داود الصلاة (1522)، مسند أحمد (5/ 247).
(3)
سنن النسائي السهو (1303)، سنن أبي داود الصلاة (1522)، مسند أحمد (5/ 247).
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588).
«صلوا كما رأيتموني أصلي (1)» فالأولى بالمؤمن وبالمؤمنة أن لا يدع كل منهما هذه الدعوات الطيبة، ويدعو معها بما تيسر من الدعوات، ويداه على فخذيه وأطرافها على ركبتيه، ويؤشر بالسبابة في التشهد الأول والثاني، يرفع السبابة ويقبض الجميع إشارة للتوحيد، وإن حلق الإبهام مع الوسطى، وقبض الخنصر والبنصر، ورفع السبابة فكله حسن، هذا سنة وهذا سنة، وعند الدعاء يحرك سبابته قليلا عند الدعاء، هذا جاءت به السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يسلم عن يمينه وشماله تسليمتين: السلام عليكم ورحمة الله - هذا المحفوظ - السلام عليكم ورحمة الله. ورد في بعض الروايات: وبركاته. لكن اختلف العلماء في صحتها، فالأولى والأفضل أن يقتصر على: السلام عليكم ورحمة الله، فقط، هذا هو المحفوظ من حديث ابن مسعود، ومن حديث جابر بن سمرة، وأحاديث أخرى فيها الدلالة على أن يقول:«السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله (2)» يلتفت يمينا
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، برقم (631).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، تفريع كتاب الركوع والسجود، باب في السلام، برقم (996)، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما جاء في التسليم في الصلاة، برقم (295)، والنسائي في المجتبى، باب التطبيق، باب التكبير عند الرفع من السجود، برقم (1142).
وشمالا ويبالغ في السلام، يبالغ في الالتفات، هذا هو الأفضل، ثم يقول بعد السلام: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. ثلاث مرات، ثم يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام. ثبت هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنه كان يقوله إذا سلم ثم ينصرف إلى الناس، يعطيهم وجهه إذا كان إماما، وإذا أعطاهم وجهه يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. يقوله الإمام والمأموم والمنفرد، ويستحب للجميع أيضا أن يأتوا بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثا وثلاثين مرة، ويختم المائة بقوله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. ويستحب مع هذا أن يقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة، و (قل هو الله أحد) والمعوذتين:(قل أعوذ برب الفلق)، و (قل أعوذ برب الناس) مرة واحد، بعد الظهر والعصر والعشاء، وثلاث مرات بعد المغرب والفجر، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يوفق