الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جميع المسلمين بالأخذ بالسنة، والاستقامة عليها والسير عليها، والتواصي بها، إنه سميع مجيب.
38 -
بيان صفة الصلاة بدءا من الوضوء إلى التسليم
س: أنا فتاة مسلمة ملتزمة أعمل الخير، وأتجنب الشر، إلا أنني لم أقم الصلاة؛ وذلك بسبب الحيرة، حيث إن في بلادنا ناسا منقسمة إلى قسمين، أي بين المسلمين، وصلاة كل منهم تختلف عن الآخر، وكل منهم يدعي أن صلاتهم هي الأصح، وأنا إن صليت فإن الوسوسة لا تفارقني، لهذا كتبت إليكم لعلكم تنقذوني من حيرتي، وإخباري بالصلاة الصحيحة، بدءا من الوضوء، وأنا أعلم أن هذا سيأخذ وقتا كثيرا من البرنامج، ولكنكم لو تعلمون مدى الفائدة من جوابكم ليس لي فقط، وإنما الكثيرات منا، حتى أتعلمها وأحفظها، ثم إلى غيري من الفتيات. . . وهكذا تستمر سماحة الشيخ إلى أن تقول:
أرجو أن تفيدوني عن الصلاة بدءا من الوضوء وحتى التسليم (1)
ج: أسأل الله لك ولجميع أخواتك في الله التوفيق والهداية، وأوصيك أولا بلزوم ما عليه أهل السنة، وأن يكون الميزان ما قاله الله ورسوله، الميزان هو كتاب الله العظيم، القرآن، وما صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في أحاديثه وسيرته عليه الصلاة والسلام، وأهل السنة هم الأولى بهذا وهم الموفقون لهذا الأمر، فنوصيك بأن تلزمي ما عليه أهل السنة والجماعة، وأن تستقيمي على ذلك، حتى تلقي ربك على طريق السنة والجماعة، أما ما يتعلق بالصلاة فالواجب عليك أن تصلي وليس لك أن تدعيها حيرة، وعليك أن تصلي كما صلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله تعالى عنهم، وعليك أن تحذري التساهل في ذلك، والصلاة عمود الإسلام، وتركها كفر وضلال، فالواجب عليك الحذر من تركها، والواجب عليك وعلى كل مسلم ومسلمة البدار عليها والمحافظة عليها في أوقاتها، كما قال الله عز وجل:
(1) السؤال الخامس من الشريط رقم (64).
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (1)، هكذا في سورة (البقرة)، وقال سبحانه:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (2)، كذا في سورة (البقرة) أيضا، وقال سبحانه:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3) في سورة (النور)، فعليك أن تعتني بالصلاة، وأن تجتهدي في المحافظة عليها، وأن تنصحي من لديك في ذلك، والله وعد المحافظين على الصلاة بالجنة والكرامة، قال سبحانه:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (4){الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (5)، ثم عدد صفات عظيمة لأهل الإيمان، ثم ختمها سبحانه بقوله:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (6){أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} (7){الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (8)، هذا وعد عظيم من الله عز وجل لأهل الصلاة، وأهل الإيمان، في سورة (المعارج):{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} (9){إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} (10){وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} (11){إِلَّا الْمُصَلِّينَ} (12){الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (13)
(1) سورة البقرة الآية 238
(2)
سورة البقرة الآية 43
(3)
سورة النور الآية 56
(4)
سورة المؤمنون الآية 1
(5)
سورة المؤمنون الآية 2
(6)
سورة المؤمنون الآية 9
(7)
سورة المؤمنون الآية 10
(8)
سورة المؤمنون الآية 11
(9)
سورة المعارج الآية 19
(10)
سورة المعارج الآية 20
(11)
سورة المعارج الآية 21
(12)
سورة المعارج الآية 22
(13)
سورة المعارج الآية 23
ثم عدد صفاتهم بعد ذلك، ثم قال عز وجل:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (1){أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} (2) فنوصيك بالصلاة والمحافظة عليها.
وأما ما سألت عنه عن الوضوء وكيفية الصلاة، فهذا جوابه.
أولا: الوضوء شرط للصلاة لا بد منه، قال الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (3)، هكذا أمر الله في سورة (المائدة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقبل صلاة بغير طهور (4)» فلا بد من الوضوء.
والوضوء أولا: الاستنجاء إذا كان الإنسان قد أتى الغائط أو البول،
(1) سورة المعارج الآية 34
(2)
سورة المعارج الآية 35
(3)
سورة المائدة الآية 6
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (224).، وقال عليه الصلاة والسلام: /32 لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ /32 أخرجه البخاري في كتاب الحيل، باب في الصلاة برقم (6954)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (225).
يستنجي بالماء من بوله وغائطه، أو يستجمر باللبن أو بالحجارة، أو بالمناديل الخشنة الطاهرة عما خرج منه ثلاث مرات، أو أكثر حتى ينقي محل الدبر، والذكر أو القبل، حتى ينقي الفرجين من آثار الغائط والبول، بالحجر باللبن بالمناديل، حتى ينقي المحل ثلاث مرات فأكثر، والماء أفضل، وإذا جمع بينهما استجمر واستنجى بالماء كان أكمل، ثم بعد ذلك يتوضأ الوضوء الشرعي، فيغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات، ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت الشعر فوق إلى الذقن أسفل، وعرضا إلى فروع الأذنين، وهكذا يغسل الوجه، ثم يغسل يديه وذراعية من أطراف الأصابع إلى المرافق، مفصل الذراع من العضد، والمرفق يكون مغسولا اليمنى، ثم اليسرى الرجل والمرأة، ثم بعد ذلك يمسح الرأس والأذنين الرجل والمرأة، ثم بعد يغسل رجله اليمنى ثلاثا مع الكعبين، ثم اليسرى ثلاثا مع الكعبين، حتى يشرع في الساق، الكعبان مغسولان، والسنة ثلاثا ثلاثا، في المضمضة والاستنشاق والوجه، واليدين والرجلين ثلاثا ثلاثا، أما الرأس فمسحة واحدة مع أذنيه، هكذا السنة، وإن لم يغسل الوجه إلا مرة عمه بالماء ثم عم يديه بالماء مرة مرة، وهكذا الرجلان عمهما بالماء مرة مرة، أو مرتين مرتين أجزأ ذلك، ولكن الأفضل ثلاثا ثلاثا،
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ في بعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، فالأمر واسع بحمد الله، والواجب مرة يعم كل العضو بالماء، يعم وجهه بالماء مع المضمضة والاستنشاق، ويعم يده اليمنى بالماء حتى يغسل المرفق، وهكذا اليسرى يعمها بالماء، وهكذا يمسح رأسه وأذنيه يعم رأسه بالماء، ثم الرجلين يغسل اليمنى مرة يعمها بالماء، واليسرى كذلك يعمها بالماء مع الكعبين، هذا الواجب، وإذا كرر ثنتين كان أفضل، وإذا كرر ثلاثا كان أفضل، وبهذا ينتهي الوضوء.
ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء (1)» رواه مسلم في صحيحه.
وزاد الترمذي بإسناد
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الذكر المستحب عقب الوضوء، برقم (234)
حسن بعد ذلك: «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين (1)» فهذا يقال بعد الوضوء، يقوله الرجل وتقوله المرأة خارج الحمام، ويبدأ الوضوء بالتسمية، يقول بسم الله عند بدء الوضوء، هذا هو المشروع، وأوجبه جمع من أهل العلم، أن يقول بسم الله عند بدء الوضوء، وبهذا عرفت الوضوء، وهو مفتاح الصلاة، مفتاح الصلاة الطهور.
ثم الصلاة كيفيتها:
يبدؤها بالتكبير: الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يقول: الله أكبر. الرجل والمرأة، ثم يقول:«سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك (2)» هذا الأفضل، أو يقول:«اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (3)» إن فعل هذا أو هذا كله صحيح.
وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتى بواحد منها صح، ولكن استعمال هذين الاستفتاحين من أكثرها، فإذا
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما يقال بعد الوضوء، برقم (55)
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243)، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك اللهم وبحمدك "، برقم (776)، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598).
فعلها رجل أو امرأة كفى، وهو مستحب وليس بواجب، لو شرع في القراءة حالا بعد التكبير أجزأ، لكن كونه يأتي بهذا الاستفتاح، وهو:«سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (1)» هذا أفضل، أو يأتي بقوله:«اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد (2)»
وهذا أصح شيء ورد في الاستفتاح، ثم يقول الرجل أو المرأة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. بعد هذا الاستفتاح، ثم يقرأ الفاتحة، وهي:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (3){الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (4){الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (5){مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (6){إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (7){اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (8){صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (9).
ثم يقول: آمين وآمين ليس من الفاتحة، مستحبة كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة، في الجهرية والسرية، معناها: اللهم استجب. ثم يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة، في الأولى من الظهر والثانية من
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، برقم (243)، وأبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك اللهم وبحمدك "، برقم (776)، والنسائي في المجتبى، كتاب الافتتاح نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة، برقم (899).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم (744)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، برقم (598).
(3)
سورة الفاتحة الآية 1
(4)
سورة الفاتحة الآية 2
(5)
سورة الفاتحة الآية 3
(6)
سورة الفاتحة الآية 4
(7)
سورة الفاتحة الآية 5
(8)
سورة الفاتحة الآية 6
(9)
سورة الفاتحة الآية 7
الظهر، والأولى من العصر والثانية من العصر، والأولى من المغرب والثانية من المغرب، والأولى من العشاء والثانية من العشاء، وفي الثنتين كلتيهما من الفجر، يقرأ مع الفاتحة سورة أو آيات، بعد ما يقرأ الفاتحة يقرأ سورة أو آيات، والأفضل في الظهر أن يكون أوساط المفصل، مثل:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (1)، مثل:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (2) مثل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (3)، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (4)، {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (5)، وما حول ذلك، وفي العصر مثل ذلك أو أخف منه قليلا.
وفي المغرب كذلك، يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السور، أو أقصر منها، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في بعض الأحيان بـ (الطور)، وقرأ في بعض الأحيان بـ (المرسلات)، وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة (الأعراف)، قسمها في ركعتين، ولكن في الأغلب يقرأ أقل من ذلك كقراءة:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (6) و {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} (7) أو {إِذَا زُلْزِلَتِ} (8) أو (القارعة) أو (العاديات)، لا بأس بهذا، ولكن في بعض الأحيان يقرأ أطول كما تقدم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ أطول في المغرب كـ (الطور)(والمرسلات) ونحوهما، وفي العشاء يقرأ مثل ما قرأ في الظهر والعصر، يقرأ الفاتحة وزيادة معها في الأولى مثل:
(1) سورة الغاشية الآية 1
(2)
سورة الليل الآية 1
(3)
سورة عبس الآية 1
(4)
سورة التكوير الآية 1
(5)
سورة الانفطار الآية 1
(6)
سورة الغاشية الآية 1
(7)
سورة البلد الآية 1
(8)
سورة الزلزلة الآية 1
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} (1)، {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (2)، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} (3)، {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (4)، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (5) وما أشبه ذلك، أو آيات بمقدار ذلك في الأولى والثانية.
وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادة، لكن أطول من الماضيات، يكون في الفجر أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، يقرأ في الفجر: مثل (ق)، مثل:(اقتربت الساعة)، وأقل من ذلك مثل:(التغابن)، و (الصف)، و:(تبارك الذي بيده الملك)، مثل:(قل أوحي إلي)، و (المزمل)، وما أشبه ذلك في الفجر، يقرأ أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ولو قرأ أقل وأقصر لا حرج عليه فإنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قرأ في بعض الأحيان بأقل من ذلك، لكن كونه يقرأ بالطوال في الغالب يكون أفضل تأسيا بالرسول عليه الصلاة والسلام، أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء فيكفي الفاتحة، يقرأ الفاتحة ثم يكبر للركوع، الفاتحة (الحمد) يعني يقرؤها ثم يكبر للركوع، لكن ورد في فضله ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بعض الأحيان قد يقرأ زيادة في الظهر، في الثالثة والرابعة، فإذا قرأ في بعض الأحيان في الظهر، في الثالثة زيادة على الفاتحة والرابعة بعض الشيء فهو حسن، تأسيا به عليه الصلاة والسلام.
هذه صفة القراءة في الصلاة
(1) سورة البروج الآية 1
(2)
سورة الطارق الآية 1
(3)
سورة الغاشية الآية 1
(4)
سورة عبس الآية 1
(5)
سورة التكوير الآية 1
ثم يركع ويطمئن في ركوعه، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويسوي رأسه بظهره، ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أما الركوع فعظموا فيه الرب (1)» وكان يقول في ركوعه: «سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم (2)»
قالت عائشة رضي الله عنها: كان يكثر في الركوع: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (3)» فهذا كله مستحب، فالواجب: سبحان ربي العظيم مرة، وإن كررها ثلاثا كان أفضل أو خمسا وإذا زاد على ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحان ذي الجبروت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح. في بعض الأحيان فحسن.
هذا في الركوع، وحين يركع يقول: الله أكبر. ويعتدل في الركوع، ويطمئن ولا يعجل، ثم يرفع ويقول: سمع الله لمن حمده إن كان إماما أو منفردا عند الرفع، يقول:
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2)
أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم (772)
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
سمع الله لمن حمده ثم يقول بعد: سمع الله لمن حمده: «ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد (1)» هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وأقر شخصا سمعه يقول: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. أقره على ذلك وقال: «إنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبادر ليكتبها ليرفعها (2)» أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أنه إذا رفع من الركوع إذا كان إماما، أو منفردا يقول: سمع الله لمن حمده ثم يقول – وهو منتصب واقف-: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (3)» وهكذا في بقية الركعات يقول هكذا حين يرفع رأسه من الركوع
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب يطول في الصلاة، برقم (799)
(3)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
س: ما هي صفة الصلاة من الوضوء حتى التسليم؟ في تكملة سؤال سابق، قد أجاب الشيخ على بعضه (1)
ج: قد سبق الكلام على الوضوء، وبينا الكيفية الشرعية للوضوء، وسبق الكلام في أول الصلاة وانتهينا إلى الركوع، فالذي شرعه الله جل وعلا في الركوع أن المصلي إذا انتهى من القراءة يكبر رافعا يديه، راكعا يرفع يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى حيال أذنيه، ويكبر قائلا: الله أكبر. ثم يسوي ظهره كما تقدم، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة جميعا، ويشرع أن يقول فيه مع ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. والأفضل أن يكرر التسبيح ثلاثا، فيقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم. وإن كرر أكثر فهو أفضل ما لم يشق على المأمومين إذا كان إماما، ويستحب أن يقول في ذلك: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم
(1) السؤال الأول من الشريط رقم (65)
اغفر لي (1)»
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبوح قدوس رب الملائكة والروح (2)» فإذا قال مثل هذا فحسن؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع قائلا: سمع الله لمن حمده. إذا كان إماما أو منفردا، يقول عند الرفع: سمع الله لمن حمده. ويرفع يديه مثل ما فعل عند الركوع حيال منكبيه، أو حيال أذنيه عند قوله: سمع الله لمن حمده. ثم بعد انتصابه واعتداله يقول: «ربنا ولك الحمد (3)» أو: «اللهم ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد (4)»
هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله عليه الصلاة والسلام، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة، وإن زاد على هذا فقال: «أهل الثناء والمجد،
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود برقم (487)
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به، برقم (689)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام، برقم (411)
(4)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (1)» وذلك حسن؛ لأن الرسول كان يقوله في بعض الأحيان عليه الصلاة والسلام، ومعنى: ولا ينفع ذا الجد منك الجد يعني: ولا ينفع ذا الغنى منك غناه، فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، والجد هو الحظ والغنى، وأما إذا كان مأموما فإنه يقول: ربنا ولك الحمد. عند الرفع، ويرفع يديه أيضا حيال منكبيه، أو حيال أذنيه عند الرفع قائلا: ربنا ولك الحمد أو: اللهم ربنا ولك الحمد. أو: اللهم ربنا لك الحمد، كل هذا مشروع للإمام والمأموم أو المنفرد جميعا لكن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده. أولا، وهكذا المنفرد.
ثم يأتي بالحمد بعد ذلك، أما المأموم فإنه يقول هذا عند ارتفاعه من الركوع، يقول: ربنا ولك الحمد. ولا يأتي بالتسميع، لا يقول: سمع الله لمن حمده. على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والواجب الاعتدال في هذا الركن، لا يعجل متى رفع يعتدل ويطمئن قائما، ويضع يديه على صدره، هذا هو الأفضل. قال بعض أهل العلم: يرسلها. لكن الصواب أنه يضعها على
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، برقم (477)
صدره، يضع كف اليمنى على كف اليسرى على صدره، كما فعل قبل الركوع وهو قائم.
هذا هو السنة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان قائما في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره، ثبت هذا من حديث وائل بن حجر، وثبت هذا أيضا من حديث قبيصة بن هلب الطائي عن أبيه، وثبت مرسلا من حديث طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا هو الأفضل وهو السنة، وإن أرسل يديه فلا حرج في صلاته، صلاته صحيحة لكنه ترك السنة، ولا ينبغي للمؤمنين المشاقة في هذا والمنازعة، بل المؤمن يعلم السنة.
وطالب العلم يعلم السنة في إخوانه، ولكن لا يشنع على من أرسل، ولا يكون بينه وبينه العداوة والشحناء؛ لأنها سنة نافلة، ولا ينبغي للإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء، بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه، كما يحب لنفسه، هكذا ينبغي في هذه الأمور، وجاء في حديث سهل بن سعد الصحيح في البخاري قال:«كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة (1)» قال أبو حازم
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (740)
الراوي عن سهل: لا أعلمه إلا يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. فدل ذلك على أنه في الصلاة إذا كان قائما يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، والمعنى على كفه وطرف ذراعه؛ لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر، فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعه على الذراع؛ لأن الساعد من الذراع فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى، وعلى الرسغ والساعد، كما جاء مصرحا به في حديث وائل.
وهذا يشمل القيام الذي قبل الركوع والقيام الذي بعد الركوع، وهذا الاعتدال من أركان الصلاة، لا بد منه، بعض الناس قد يعجل من حين يرفع ينزل ساجدا، وهذا لا يجوز، بل الواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل، قال أنس رضي الله عنه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل، ويقف طويلا حتى يقول القائل: قد نسي. وهكذا بين السجدتين، يطول حتى يقول القائل: قد نسي (1)» فالواجب على المصلي في الفريضة وفي النافلة ألا يعجل، بل يطمئن بعد الركوع طمأنينة واضحة يأتي فيها بالذكر
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع، برقم (800)
المشروع، وهكذا بين السجدتين لا يعجل يطمئن ويعتدل بين السجدتين، ويقول بينهما: رب اغفر لي، رب اغفر لي. كما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدا قائلا: الله أكبر. من دون رفع اليدين؛ لأن الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام فيسجد على أعضائه السبعة جبهته وأنفه هذا عضو، وكفيه وعلى ركبتيه وعلى أصابع رجليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين (1)» هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب على الرجال والنساء جميعا؛ أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة، الجبهة والأنف هذا عضو، واليدين يعني الكفين يبسطهما ويمدهما إلى القبلة، ضاما بعضهما إلى بعض، والركبتين وأطراف القدمين يعني على أصابع القدمين، باسطا لها على الأرض، ومعتمدا عليها، وأطرافها إلى القبلة، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود، هذا هو الأفضل، وذهب بعض أهل العلم
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب السجود على الأنف، برقم (812)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب /1 L1582 L1536 أعضاء السجود /1 والنهي عن كف الشعر، برقم (490).
إلى أنه يقدم يديه، ولكن الأرجح هو أنه يقدم ركبتيه ثم يديه؛ لأنه ثبت هذا من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه (1)» وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه (2)» فأشكل هذا على كثير من أهل العلم، فقال بعضهم: يضع يديه قبل ركبتيه، وقال آخرون بل يضع ركبتيه قبل يديه وهذا هو الذي يخالف بروك البعير؛ لأن بروك البعير يبدأ بيديه، فإذا برك المؤمن على ركبتيه خالف البعير، وهذا هو الموافق لحديث وائل.
وهذا هو الصواب أن يسجد على ركبتيه أولا، ثم يضع يديه على الأرض، ثم يضع جبهته وأنفه على الأرض، هذا هو المشروع، فإذا رفع رفع جبهته أولا ثم يديه، ثم نهض، هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الجمع بين الحديثين، وأما قوله في حديث أبي هريرة:«وليضع يديه قبل ركبتيه (3)» الظاهر – والله أعلم – أنه انقلاب، كما ذكر ابن القيم رحمه الله
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، كتاب تفريع استفتاح الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم (840).
وإنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله، وحتى يتفق مع حديث وائل وما جاء في معناه، وفي هذا السجود يقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويكرر ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك، لكن يراعي الإمام المأمومين، إذا كان إماما يراعيهم حتى لا يشق عليهم، أما المنفرد فهذا لا يضره لو أطال بعض الشيء، كذلك المأموم تابع لإمامه، فيسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1)» يعني: حري أن يستجاب لكم. وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا (2)» .
فالركوع والسجود ما فيه قراءة، لا يقرأ في الركوع ولا في السجود، وإنما القراءة في حال القيام في حق من قدر، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد، أما السجود والركوع فليس فيهما قراءة، وإنما فيهما تسبيح الرب وتعظيمه، وفي
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479)
(2)
سنن الترمذي الصلاة (264)، سنن النسائي الزينة (5318)، مسند أحمد (1/ 155)، موطأ مالك النداء للصلاة (177).
السجود زيادة على ذلك الدعاء، فيقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده، يقول:«اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (1)» فيدعو بهذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه مسلم في الصحيح.
وثبت في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء (2)» هذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد، فيدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح، مع قوله: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ومع قوله: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين: البخاري ومسلم –رحمة الله عليهما – قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي (3)» ويشرع مع هذا
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482)
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم (794)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (484).
الدعاء والجد في الدعاء في المهمات من أمر الدنيا والآخرة.
ولا حرج يدعو لأمور دنياه مثل أن يقول: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو تقول المرأة: اللهم ارزقني زوجا صالحا، أو ذرية طيبة، أو مالا حلالا. أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا، ويدعو بما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر وهو الأهم، كأن يقول:«اللهم اغفر لي ذنبي كله: دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره (1)» اللهم أصلح قلبي وعملي، وارزقني الفقه في الدين، اللهم إني أسألك الهدى والسداد، اللهم إنني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار. وما أشبه هذا الدعاء، يكثر في سجوده من الدعاء لكن من غير إطالة تشق على المأمومين، بل يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم إذا كان إماما، وإن قال مع ذلك في سجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي. كما تقدم مرتين أو ثلاثا، كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم يرفع من السجدة قائلا: الله أكبر. ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة، باسطا أصابعه على ركبته، ويضع يده اليسرى
(1) أخرجه مسلم كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم (483)
على فخده اليسرى أو على ركبته، ويبسط أصابعه على ركبته، هكذا السنة في الجلسة بين السجدتين، ويقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي. كما كان النبي يقوله صلى الله عليه وسلم، ويستحب أن يقول مع هذا:«اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وعافني (1)» يروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مع قوله: «رب اغفر لي، رب اغفر لي (2)» «اللهم اغفر لي، وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني (3)»
وإن دعا بزيادة فلا بأس كأن يقول: اللهم اغفر لي ولوالدي، اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار، اللهم أصلح قلبي وعملي. ونحو ذلك لا بأس، ولكن يكثر من طلب المغفرة فيما بين السجدتين؛ اقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، ثم بعد ذلك يسجد
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850)، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284)، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898).
(2)
أخرجه أحمد في مسند الأنصار، ومن حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، برقم (22866)، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم، (874)، والنسائي في كتاب التطبيق، باب ما يقول في قيامه ذلك برقم (1069)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (897)
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب الدعاء بين السجدتين، برقم (850)، والترمذي في كتاب الأذان، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (284)، واللفظ له، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقول بين السجدتين، برقم (898).
للثانية قائلا: الله أكبر ويسجد للثانية على جبهته وأنفه وعلى كفيه، وعلى ركبتيه وعلى أطراف قدميه، كما فعل في السجدة الأولى، ويعتدل يرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، لا يبرك بروكا كالبهيمة، لا بل يعتدل في السجود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب (1)» وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا سجد أحدكم فليضع كفيه وليرفع مرفقيه (2)»
فالسنة أن يعتدل ويكون واضعا كفيه على الأرض، رافعا ذراعيه عنها، ولا يبسطها كالكلب أو الذئب ونحو ذلك، لا بل يرفعها ويرفع بطنه عن فخذيه، ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود، ويكون مرتفعا معتدلا واضعا كفيه على الأرض، رافعا ذراعيه عن الأرض، كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم، وكما فعل عليه الصلاة والسلام، ثم يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى. ويدعو كما تقدم في السجود الأول ويقول: سبحانك اللهم ربنا
(1) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب لا يفترش ذراعيه في السجود، برقم (822)
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب الاعتدال في السجود ووضع الكفين على الأرض، برقم (494)
وبحمدك، اللهم اغفر لي. مثل ما قال في السجود الأول، ثم يكبر رافعا ناهضا إلى الركعة الثانية.
والأفضل أن يجلس بعد السجود الثاني جلسة خفيفة، يسميها بعض الفقهاء جلسة الاستراحة، يجلس على رجله اليسرى مفروشة، وينصب اليمنى مثل حاله في السجدتين، لكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء هذا هو الأفضل، وإن قام ولم يجلس فلا حرج، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض أهل العلم: إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض، ولكن الصحيح أنها سنة في الصلاة مطلقا، ولو كان المصلي شابا وصحيحا فهي مستحبة على الصحيح، لكنها غير واجبة، وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء، يجلس على اليسرى وينصب اليمنى مثل جلوسه بين السجدتين.
ثم ينهض إلى الثانية مكبرا قائلا: الله أكبر. من حين ينهض من سجوده جالسا جلسة الاستراحة، أو حين يفرغ من سجوده، ينهض يقول: الله أكبر. فإن بدأ بالتكبير جلس فينبه الجماعة ألا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة، وإن جلسها قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة، فإن أتى بالتكبير قبلها وجه المأمومين حتى لا يسبقوه في جلوسها، وإن جلس أولا ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التوجيه إلا من باب التعليم
بالسنة، ثم يفعل في الثانية كما فعل في الأولى، يقرأ الفاتحة، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي الله، وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الأولى فلا بأس، وإن أعاده فهو أفضل؛ لأنه مع قراءة جديدة، فيتعوذ بالله من الشيطان، ويسمي ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات، كما فعل في الأولى، لكن تكون السورة في الثانية أقصر من الأولى، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى، كما تقدم.
وإذا انتهى يرفع من الركعة الثانية ويجلس للتشهد الأول، إذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء، أو ثلاثية كالمغرب يأتي بالتشهد: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وإن أتى بغير هذا مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى، لكن هذا أثبتها، هذا اللفظ الذي نقلناه لكم هذا هو أثبتها.
ثم بعد هذا يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد
كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (1)» ثم ينهض إلى الثالثة وإن لم يأت بالصلاة على النبي، بل نهض بعد الشهادة فلا بأس، حين قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. لو نهض ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس؛ لأن جملة من أهل العلم قالوا: لا تستحب هنا، وإنما هي مشروعة بعد التشهد الأخير، ولكن ظاهر الأحاديث الصحيحة أنها تشرع هنا وهناك، فيأتي بها أفضل هنا، لكن ليست واجبة عليه هنا، وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم.
فإذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – لأنه أفضل أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح – ينهض بعده مكبرا قائلا: الله أكبر. رافعا يديه كما ثبت هذا من حديث عمر عند البخاري رحمه الله، فيرفع يديه مكبرا عند نهوضه من التشهد الأول حتى يأتي بالثالثة في المغرب، وحتى يأتي بالثالثة والرابعة في العشاء والظهر والعصر، ويقرأ الفاتحة، هذا هو الأفضل وتكفي الفاتحة لا زيادة، كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370).
وهكذا الأخيرة من المغرب، وإن قرأ زيادة في الظهر بعض الأحيان فحسن، قد ثبت من حديث أبي سعيد رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخريين من الظهر (1)»
وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة، فإذا قرأ زيادة فلا بأس، بل هو حسن في بعض الأحيان، وفي بعض الأحيان يقتصر على الفاتحة، في الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعا بين حديث أبي سعيد، وحديث أبي قتادة، فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر فهذا على حديث أبي سعيد، وإذا ترك هذا على حديث أبي قتادة، فيفعل هذا تارة وهذا تارة، أما في الثالثة والرابعة من العصر، والثالثة والرابعة من العشاء، والثالثة من المغرب فليس فيها إلا قراءة الفاتحة فقط، لا يقرأ زيادة لعدم الدليل على ذلك، ثم بعد فراغه من الفاتحة في الثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء ينحط ساجدا قائلا: الله أكبر. فيسجد سجدتين، مثل ما فعل في الركعة الأولى والثانية.
أما الفجر فليس فيها ثالثة ولا رابعة، هي ركعتان، وهكذا الجمعة ركعتان، وهكذا العيد ركعتان، يقرأ فيهما
(1) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر، برقم (452)
الفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم، كما هو معلوم من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء، والثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة، ونحو ذلك إذا فرغ من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة جلس للتحيات، كما قرأ في التشهد الأول يقرؤها أخيرا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سألوه، قالوا: ماذا نقول في صلاتنا إذا صلينا؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد. . . . . . - إلى آخره - قال: والسلام كما علمتم (1)» أي في قول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فدل على أن هذا يقال في الصلاة.
وبعد هذه الصلاة يدعو بالدعوات المشهورة، ويتعوذ بالله من أربع، اللاتي تعوذ منهن النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول:«اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال (2)» هذه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلا برقم (3370).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر، برقم (1377)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، برقم (588).