الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاف مصاحف الصحابة رضي الله عنهم
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
تعرضت لموقف أصابني بالحيرة والدهشة معاً، فأنا أعرف شخصاً إنجليزياً أعطاني ورقة مطبوعة من موقع على الإنترنت، وفيها شبهات كثيرة على الإسلام، فالورقة عبارة عن ترجمة لمجموعة من الأحاديث في البخاري ومسلم بأرقامها، مترجمة باللغة الإنجليزية، ويقوم الموقع بشرحها بطريقة توحي لمن يقرؤها أن القرآن الكريم قد تم تحريفه، وأنه كان هناك مصاحف خاصة لبعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم، بالتحديد
عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه، تختلف عن مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، والذي اتفق عليه المسلمون أجمعون، والذي هو موجود بأيدينا الآن، فمثلا: هناك حديث في البخاري مكتوب في الورقة بأنه في المجلد السادس، حديث رقم
(468)
، عن أن قوماً من الصحابة رضي الله عنهم ذهبوا لأبي الدرداء- رضي الله عنه، فسألهم عمن يستطيع قراءة سورة الليل كما كان يقرؤها عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؟ فأشاروا إلى علقمة، الذي قرأ "والذكر والأنثى" بدلا من "وما خلق الذكر والأنثى"، وقال إنه لن يتبع من يقرأها بغير هذا، وأيضا حديث آخر في البخاري، مكتوب بأنه حديث رقم (60) ، صفحة (46) ، في المجلد السادس، عن
ابن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عن أن هناك آية في سورة البقرة قد تم تغييرها بآية أخرى، أعتقد أنهم يقصدون آية عن الذين يتوفون ويتركون زوجاتهم،- عذراً فأنا لا أحفظ الآية - فإجابه عثمان رضي الله عنه بأن يترك الآية مكانها، فهو لن يغير أي شيء عن مكانه، والعديد من الأقوال الأخرى عن أشياء من هذا القبيل، وعن وجود اختلاف بين المسلمين وقت جمع القرآن، أرجو من سيادتكم التكرم بالرد علي، حيث إنني قد فوجئت وقتها ولم أستطع أن أرد على هذا الشخص، وأنا لا أريد أن يكون في قلبي أي شبهة على ديني، ولا أريد أن يوسوس لي الشيطان بأشياء تبعدني عن الله، أفيدوني بإجابة سريعة بالله عليكم عن كل نقطة ذكرتها في سؤالي، ومعذرة للإطالة.
وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد: أخي في الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم - وفقك الله وحفظك- أن القرآن الكريم كتاب الله المقدَّس، ودستوره المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وقد وصلنا كاملاً غير منقوص، لم يخرم منه حرف واحد، كيف وقد قال الله:"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"[الحجر:9] ، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن الذي بين أيدينا هو القرآن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بتمامه وكماله، من غير زيادة ولا نقصان.
وقد كان لبعض الصحابة رضي الله عنهم مصاحف خاصة بهم، كتبوها لأنفسهم بقصد الحفظ والمذاكرة، ورتبوها باجتهادهم الخاص أحياناً وليس في ذلك مانع شرعي؛ لأن القرآن في مصاحفهم جميعاً، وهو لم يتغير، أو يتبدل، وإن اختلف الترتيب.
أرأيت لو أن إنساناً اليوم أراد حفظ سورة البقرة، وسورة النساء فكتبها أو صورها، وجمعها في ملزمة واحدة، فهل يقول أحد بالتحريم؟!.
أو هل يزعم أحد بوجود تناقض بين ما صفه هذا الإنسان من الجمع والترتيب مع المصحف العثماني المعروف؟!
الجواب: كلا فليس ثمة حرمة أو تناقص، ثم اعلم أن عثمان رضي الله عنه حين جمع القرآن أقره كل الصحابة رضي الله عنهم على فعله، وأجمعوا عليه بما فيهم ابن مسعود، وأبو الدرداء- رضي الله عن الجميع.
وأما ما نقل عن ابن مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهما من قراءة "الذكر والأنثى" فالإسناد إليها من أصح الأسانيد، والرواية أخرجها الشيخان كلاهما وليس البخاري فقط. ففي البخاري (6278) ومسلم (824) بيد أنها قراءة منسوخة لإمكانية النسخ شرعاً وعقلاً، قال الله: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير أو مثلها
…
" [البقرة:106] ، ولعل النسخ لم يبلغ هذين الصحابيين الجليلين رضي الله عنهما.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ولعل هذا مما نسخت تلاوته، ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه رضي الله عنهم، والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود رضي الله عنه وإليها تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت، ا. هـ الفتح (8/707) .
وأما الآية الأخرى التي سألت عنها فهي قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج
…
" [البقرة:240] . وهي آية منسوخة حكماً باقية تلاوة؛ لأن النسخ أنواع منها:
(1)
أن ينسخ اللفظ والحكم.
(2)
أن ينسخ اللفظ ويبقى الحكم.
(3)
أن ينسخ الحكم ويبقى اللفظ مثل عدة المتوفى زوجها في الآية السابقة، فقد كانت العدة حولاً كاملاً، فنسخت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، كما في قوله تعالى:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً.." الآية وكلتاهما في البقرة [الآية:234] .
وبهذه المناسبة أنصح الأخ السائل وغيره ألا يرتادوا تلك المواقع المشبوهة في شبكة الإنترنت، أو غيرها مما سخره أعداء الدين لإلقاء الشبهة وتشكيك الشباب وغيرهم في دينهم، واقتناص الفرص لبلبلة الأذهان وترويج الشائعات المغرضة، والآراء المسمومة.
وليس للعامة من أبناء الأمة إقحام أنفسهم في أتون تلك المواقع، أو قراءة ما يكتبه الملاحدة والكفرة والمنافقون بقصد التشكيك والإفساد حفاظاً على دينهم ورعاية لعقائدهم. والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا، ويكبت عدونا إنه سميع قريب. وفقك الله وأعانك والسلام عليكم.