الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صحة حديث دعوة الصائم عند فطره
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 9/9/1422
السؤال
ما صحة حديث: ((ثلاثة لا تردّ دعوتهم
…
)) وذكر منهم: ((والصائم حتى يفطر)) ؟
الجواب
حديث: " ثلاثة لا ترد دعوتهم
…
":
هذا الحديث رواه الإمام (الترمذي 4/580) كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها ح (2526) فقال:
حدثنا أبو كريب، حدثنا محمد بن فضيل، عن حمزة الزيات، عن زياد الطائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله، مالنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، وكُنَّا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك فآنسنا أهالينا، وشممنا أولادنا أنكرنا أنفسنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك، لزارتكم الملائكة في بيوتكم، ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلقٍ جديد كي يذنبوا فيغفر لهم "، قال: قلت يا رسول الله ممّ خُلِق الخلق؟ قال: "من الماء "، قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: " لبنة من فضة ولبنة من ذهب، ومِلاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من دخلها ينعم ولا ييأس، ويُخلَّد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم"،ثم قال:" ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين ".
قال أبو عيسى: هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسنادٍ آخر عن أبي مُدلَّة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقبل أن ذكر الكلام عليه مفصلاً، أذكر خلاصة الحكم، فأقول:
1-
الحديث مداره ـ على الراجح ـ على أبي مدلة، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
2-
إن أبا مدلة في عداد المجاهيل، ولم يتابعه أحد فيما وقفت عليه.
3-
أنه قد ورد معنى هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه وفيه ضعف ـ كما سأبينه ـ.
4-
أن الأحاديث الواردة في إجابة دعوة المسافر ـ وإن كانت ضعيفة ـ إلا أن ذلك لا يعني ترك الصائم للدعاء، فإن الدعاء مشروع في كل وقت، بل دعاء الإنسان عند تلبسه بالعبادة أرجى في الإجابة، والله أعلم.
تخريجه:
*أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(380) ح (1075) عن حمزة الزيات، عن سعد الطائي، عن رجلٍ، عن أبي هريرة به بنحوه، فسمَّى شيخ حمزة: سعداً.
*وأخرجه (الترمذي 5/539) في الدعوات، باب في العفو والعافية ح (3598) من طريق عبد الله بن نمير، و (ابن ماجة 1/557) باب الصائم لا ترد دعوته ح (1752) ، و (أحمد 2/443،477) من طريق وكيع، و (الدارمي في 2/789) ح (2717) عن أبي عاصم النبيل، ثلاثتهم (ابن نمير، ووكيع، وأبو عاصم) عن سعدان بن بشر، والطيالسي ص (337) ، وأحمد 2/304 عن أبي كامل، وأبي النضر، وأحمد 2/305 عن حسن بن موسى، والطبراني في "الدعاء"(3/1414) ح (315) من طريق أحمد بن يونس، و (ابن حبان 8/214) ح (3428) ، وفي 16/396 ح (7387) من طريق فرح - بالحاء المهملة - ابن رواحة، ستتهم (الطيالسي، وأبو كامل، وأبو النضر، وحسن، وأحمد بن يونس، وفرح) عن زهير بن معاوية، و (ابن خزيمة 3/199) ح (1901) من طريق محمد بن عبد الرحمن المحاربي، عن عمرو بن قيس الملائي، ثلاثتهم (سعدان، وزهير، وعمرو) عن أبي مجاهد سعد بن عبيد الطائي، عن أبي مدلّة، عن أبي هريرة به بنحوه، إلَاّ أن وكيعاً، والطيالسي، وعمرو بن قيس اقتصر حديثهما على قوله: (ثلاثة لا ترد دعوتهم
…
الخ) ، وفي الموضع الثاني - عند (أحمد 2/477) - قال وكيع في حديثه:(الصائم لا ترد دعوته) فحسب، وفي الموضع الأول عند أحمد عن وكيع (1/443) اقتصر حديثه على قوله:(الإمام العادل لا ترد دعوته) فحسب، ولفظ حديث فرح في الموضع الأول نحو حديث الطيالسي وعمرو الملائي، واقتصر حديث أبي عاصم على صفة بناء الجنة.
*وأخرجه (البزار 4/38) ح (3139) - كشف - من طريق إبراهيم بن خيثم بن عراك بن مالك، عن أبيه، عن جده، عن أبي هريرة بنحوه، إلَاّ أنه قال:"والمسافر حتى يرجع" بدلاً من "الإمام العادل".
الحكم عليه:
وقد تبين من التخريج أن الحديث رواه عن أبي هريرة اثنان، وهما: زياد (أو سعد) الطائي - كما سيأتي تحريره - وأبو مدلة، ولكن عند التأمل والنظر يتبين أنهما واحد، وبيان ذلك أن يقال:
إن محمد بن فضيل، رواه عن حمزة الزيات، عن زياد الطائي، عن أبي هريرة، وخالفه ابن المبارك، فرواه عن حمزة عن سعد الطائي - الذي هو أبو مجاهد - حدثه، عن رجل، عن أبي هريرة فذكره بنحوه، ورواية ابن المبارك أرجح من وجهين:
الأول: أن ابن المبارك ثقة ثبت فقيه عالم - كما في التقريب (320) ، وابن فضيل ليس في منزلته، على أن في روايته مخالفةً أخرى ـ كما سيأتي ـ.
الثاني: أن الرواة الآخرين عن أبي مجاهد رووه كذلك عنه عن أبي مدلة، فعاد حديث حمزة إلى رواية الجماعة.
وثمة مخالفة أخرى من ابن فضيل لابن المبارك في إسناده، وهو أن ابن فضيل قد أسقط الواسطة بين أبي هريرة وزياد الطائي، بينما رواه ابن المبارك بذكر الواسطة.
وقد سئل الدارقطني ـ كما في (العلل 11/235) ـ عن هذا الحديث فقال - بعد إشارته إلى الرواة عن أبي مجاهد الذين سبق ذكرهم -: "ورواه حمزة الزيات، عن سعد الطائي أبي مجاهد، وقال: عن رجل، عن أبي هريرة، وأحسبه لم يحفظ كنيته، فقال: عن رجل، وأراد أبا مدلَّة، والله أعلم، والحديث محفوظ" اهـ.
فالإمام الدارقطني، لم يشر إلى مخالفة ابن فضيل في إسناده، فكأنه لم يلتفت إليها، وإنما أشار إلى رواية ابن المبارك فحسب، وإلى هذا أشار الترمذي بقوله عن الطريق التي رواها ابن فضيل:" هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مدلَّة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فكأنه يقول رحمه الله: إن هذا هو المحفوظ في حديث أبي مدلة عن أبي هريرة، وأن تسمية زياد وهْم، وبهذا يمكن أن تفسر كلمة الدارقطني بقوله:"والحديث محفوظ" أي من حديث أبي مدلة عن أبي هريرة، والله أعلم.
وإذا تبين أن مدار الحديث على أبي مجاهد، عن أبي مدلة، عن أبي هريرة، فقد حسنه الترمذي ح (3598) ،وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وحسنه ابن حجر - كما في "الفتوحات الربانية" لابن علان (4/338) -.
وابن خزيمة رحمه الله قد صحح الحديث من طريق محمد بن عبد الرحمن المحاربي عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي مجاهد به، وقد قال الدارقطني - كما في (أطراف الغرائب 5/297) -:" تفرد به المحاربي محمد بن عبد الرحمن، عن عمرو بن قيسٍ بطوله، وروي عن قُرَّان بن تمام، عن عمر بعضه" اهـ.
وأبو مدلَّة - الذي مدار الحديث عليه - قال عنه ابن المديني - كما في (تهذيب التهذيب 12/204) -: " أبو مدلة مولى عائشة لا يعرف اسمه، مجهول، لم يرو عنه غير أبي مجاهد" اهـ.
وفي التقريب (671) : مقبول، ومثل هذا لا يحسن حديثه، خاصةً وأنه لم يتابع - فيما وقفت عليه - والله أعلم.
وفيما يتعلق بالطريق التي أخرجها البزار، فهي لا تصلح، لأن في إسنادها إبراهيم بن خيثم، قال عنه النسائي:"متروك" كما في "الميزان" 1/30.
وهذا الحديث قد اشتمل على عدة فقرات، إلَاّ أنني لم أجد ما يشهد له بهذا السياق، وأما المعنى الذي لأجله ذكر الحديث ههنا هذا الحديث وهو قوله: "ثلاث دعوات
…
ومنها: والصائم حتى يفطر" فقد وقفت على حديث أخرجه (البيهقي 3/345) ، والضياء في (المختارة 6/74) ح (2057) من طريق إبراهيم بن بكر المروزي، عن عبد الله بن بكر السهمي، عن حميد الطويل، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم: " ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر ".
وفي إسناده إبراهيم بن بكر، لم أظفر له -بعد البحث - بترجمة، مع أنه في طبقة الإمام أحمد بن حنبل؛ لأن عبد الله بن بكر السهمي في طبقة شيوخ أحمد، فقد توفي سنة 208هـ، كما في التقريب (293) ، ومثل هذا لو كان مشهوراً، أو له عناية بالحديث لترجمه الأئمة أو بعضهم، ولكن لم أجد شيئاً من هذا، إلَاّ أن ابن الجوزي قال - كما نقله عنه الذهبي في "الميزان" 1/24 -:"وإبراهيم بن بكر ستة، لا نعلم فيهم ضعفاً سوى هذا " يعني الشيباني الأعور، قال الذهبي معلقاً:" قلت: ولو سماهم لأفادنا، فما ذكر ابن أبي حاتم منهم أحداً " اهـ، فكلمة الذهبي فيها ردٌ لكلمة ابن الجوزي؛ لأنهم لو كانوا معروفين بحمل العلم لترجمهم الأئمة.
وفي الإسناد أيضاً عنعنة حميد، وهو كثير التدليس حتى قيل إن معظم ما يرويه عن أنس، رواه بواسطة ثابت وقتادة - كما في تعريف أهل التقديس (133،134) - ولم أقف على غير هذا الحديث.