الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصيام في شدة الحر
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
أريد صيام يوم الاثنين القادم وهو حسب التقويم الموجود لدي أطول نهاراً في هذه السنة. وقد قرأت أنّه من صام في يوم طويل شديد الحرارة إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم وقاه الله تعالى حر الموقف يوم القيامة، وأظله وسقاه بصيامه هذا اليوم الحار، وأدخله جنته برحمته. سؤالي:
(1)
كيف يكون العمل إيماناً واحتساباً؟
(2)
هل ما قرأت عنه وارد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أم أنه تقوّل عنه؟
(3)
إذا كان صحيحاً فكيف تكون نية الصيام لأكون قد صمت إيمانا واحتسابا؟. ولكم جزيل الشكر وأرجو لكم دوام التقدم والنجاح.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
أقول: أما بالنسبة للحديث المشار إليه في السؤال، فلم أعثر عليه في كتب السنة بهذا اللفظ، ولا بهذا المعنى، وإنما جاء بنحوه بسند ضعيف - في مستدرك الحاكم (3/530) من طريق عبد الله بن المؤمل عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل أبا موسى على سرية البحر، فبينما هي تجري بهم في البحر في الليل، إذ ناداهم مناد من فوقهم: ألا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه، أنه من يعطش لله في يوم صائف، فإن حقاً على الله أن يسقيه يوم العطش الأكبر" ثم قال الحاكم في المستدرك (3/530) : "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" أهـ فتعقبه الإمام الذهبي في التخليص، وقال:"إن المؤمل ضعيف" أ. هـ وهو كما قال، ولا سيما فيما انفرد به كما قاله ابن حبان في المجروحين (2/27-28)، وعبارته: "عبد الله بن المؤمل المخزومي شيخ من أهل مكة كان قليل الحديث، منكر الرواية، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد
…
"أهـ ثم ذكر من رواياته هذا الحديث، وقال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب (ص: 384) : "ضعيف الحديث " كما في ترجمته برقم (3648) .
ومع هذا، فقد ذكر المنذري في الترغيب والترهيب (2/51) هذا الحديث من رواية البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً بدون إسناد، ثم قال:"رواه البزار بإسناد حسن - إن شاء الله - ورواه ابن أبي الدنيا من حديث لقيط عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه بنحوه، إلا أنه قال فيه: "قال: إن الله تعالى قضى على نفسه أنه من عطش نفسه لله في يوم حار، كان حقاً على الله أن يرويه يوم القيامة، قال: وكان أبو موسى- رضي الله عنه يتوخى اليوم الشديد الحر، الذي يكاد الإنسان أن ينسلخ فيه حراً، فيصومه" أ. هـ. وقد علق الهيثمي في مجمع الزوائد (3/183) على رواية البزار بقوله:"رواه البزار، ورجاله موثوقون" أهـ ولم أعثر على هذا الحديث في مسند البزار المطبوع، للنظر في إسناده، وبكل حال، فالأحاديث الصحيحة الواردة في فضل الصيام كثيرة، ومنها قول نبينا صلى الله عليه وسلم "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" أخرجه البخاري (2840)، ومسلم (1153) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وفي صحيح البخاري (2/671) ومسلم (2/808) عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم...." الحديث، قال العيني في عمدة القاري (10/262) في معرض تفسيره للفظ (الريان) ما نصه: "
…
مشتق من الري الكثير، الذي هو ضد العطش وسمي بذلك: لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم، واكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، وأفرد لهم هذا الباب إكراماً لهم، واختصاصاً؛ وليكون دخولهم الجنة غير متزاحمين، فإن الزحام قد يؤدي إلى العطش" أهـ.
وهذا بالنسبة للحديث المشار إليه وما يتعلق به من أحاديث، وبهذا يتبين أن اللفظ المذكور "
…
إيماناً واحتساباً
…
لا وجود له في ذلك الحديث، فيما وقفت عليه.
وقد جاء هذا اللفظ في أحاديث أخرى صحيحة، ومنها ما أخرجه البخاري (2/672) ومسلم (1/523) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه
…
" الحديث.
ومعنى قوله: "إيماناً واحتساباً" أي: تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه، وطلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه كما أشار إلى هذا المعنى الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/251) وبهذا يعلم أن نية الصيام تكون بالقلب، وذلك بأن يكون قصده من الصيام التقرب إلى الله سبحانه بهذا العمل الصالح، وهو الصيام لأجل كسب رضا الله سبحانه وما يترتب عليه من ثواب في الآخرة، والله أعلم.