الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عدم كتابة (البسملة) في سورة التوبة
المجيب عبد الحكيم بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
القرآن الكريم وعلومه/علوم القرآن
التاريخ 09/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة وبركاته.
لماذا لم تكتب بسم الله الرحمن الرحيم في أول سورة التوبة؟ وما السبب في ذلك؟. ودعائي لكم بدوام التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
للعلماء رحمهم الله في توجيه عدم كتابة البسملة أول سورة التوبة وجوه، منها:
الأول: أن البسملة رحمة وأمان، و"براءة" نزلت بالسيف، فليس فيها أمان، وهذا القول مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسفيان بن عيينة، والمبرد -رحمهما الله-، ورجحه أبو القاسم الشاطبي رحمه الله حيث قال: ومهما اتصلت أو بدأت براءة تنزيلها بالسيف لست مبسملا.
الثاني: أن ذلك على عادة العرب إذا كتبوا كتابا فيه نقض عهد أسقطوا منه البسملة، فلما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه ليقرأها عليهم في الموسم قرأها ولم يبسمل، على عادة العرب في شأن نقض العهد.
ولا يخفى ضعف هذا؛ لأن القرآن يؤخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن الصحابة رضوان الله عليهم، فلو أقرأ النبي صلى الله عليه وسلم علياً بالبسملة فإنه سيقرؤها ولا شك.
الثالث: أن الصحابة رضي الله عنهم لما اختلفوا: هل براءة والأنفال سورة واحدة؟ أو سورتان؟ تركوا بينهما فرجة؛ لقول من قال: إنهما سورتان، وتركوا البسملة من المصحف؛ لقول من قال: هما سورة واحدة، فرضي الفريقان، وثبتت حجاجهما في المصحف، قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما.
وهذا القول يضعفه ما نقل عن السلف من أسماء السورة: فهي تسمى براءة والتوبة، والمقشقشة، والمنقرة، والفاضحة، وسميت بغير ذلك.
الرابع: أنه لما لم يتبين لهم أنها سورة مستقلة، واشتبهت مع الأنفال في قصتها وموضوعها ضمت إليها، ويصلح دليلاً على هذا ما رواه ابن عباس – رضي الله عنهما فقال: قلت لعثمان بن عفان- رضي الله عنه: (ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا –قال ابن جعفر: بينهما - سطراً: بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال؟ ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم-مما يأتي عليه الزمان ينزل عليه من السور ذوات العدد، وكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده يقول: "ضعوا هذا في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " وينزل عليه الآيات فيقول: "ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " وينزل عليه الآية فيقول: "ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا " وكانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة، وبراءة من آخر القرآن، فكانت قصتها شبيهة بقصتها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها وظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطراً: بسم الله الرحمن الرحيم، قال ابن جعفر: ووضعتها في السبع الطول) .
وهذا القول رجحه ابن العربي في أحكام القرآن، والشنقيطي في أضواء البيان.
والأثر الذي استدلا به رحمهما الله: رواه أحمد (1/57 و69) ، وأبو داود (786و787) ، والترمذي (3086) ، والنسائي في الكبرى (8007) ، والبزار (344) ، وابن أبي داود في المصاحف (ص 39) ، وابن حبان (43) ، والحاكم (2/221و330) ، والبيهقي (2/42) .
وهو نص في الموضوع، وقد صححه ابن حبان والحاكم، ولكن الصواب أنه ضعيف كما قال الشيخ أحمد شاكر والألباني وشعيب الأرناؤط وغيرهم.
والسبب في التضعيف: انفراد عوف بن أبي جميلة بروايته عن يزيد الفارسي، ويزيد هذا مختلف في تحديده هل هو ابن هرمز أم غيره، واشتبه تحديده على مثل: عبد الرحمن بن مهدي وأحمد والبخاري، فهو في عداد المجهولين، وذكره البخاري في الضعفاء، ونقل البخاري في التاريخ الكبير (8/367) والضعفاء (ص122) عن يحيى القطان: أنه لم يعرفه وأنه كان يكون مع الأمراء، وعده ابن حجر في (تقريب التهذيب) مقبولاً. ينظر تحقيق المسند (1/460-462) .
وتفرد الراوي عن شيخه وهو خفيف الضبط يعتبر علة توجب رد الرواية عند أئمة علماء علل الحديث المتقدمين، فالحديث معلول، وأين أصحاب ابن عباس عنه؟.
الخامس: أن سورة براءة نسخ أولها فسقطت معه البسملة، وهذا القول مروي عن مالك وابن عجلان كما ذكر ابن العربي، وروي عن عثمان ذكره القرطبي بدون إسناد.
السادس: قال القرطبي -نقلا عن عبد الملك القشيري النيسابوري صاحب التفسير الكبير المتوفى 465هـ -: والصحيح أن البسملة لم تكن فيها؛ لأن جبريل ما نزل بها فيها، وروي معناه عن أبي بن كعب بدون إسناد ذكره ابن العربي.
وهذا هو الأظهر -والله أعلم- أن السورة هكذا أنزلت، والصحابة رضوان الله عليهم كتبوا القرآن على التجريد أي تجريد كلام الله عن غيره، ولما سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها بدون بسملة لم يكتبوها.
والمسألة سهلة يسيرة؛ إذ إنها لا ترتبط بآيات السورة، بل بالبسملة في أولها، والبسملة على الصحيح آية مستقلة في كل سورة، إلا في براءة فقد أجمع القراء على عدم القراءة بها فيها. والله أعلم.