الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شبهة حول نزول عيسى عليه السلام
-
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات أشكلت
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
أحد المنكرين لرجوع عيسى عليه السلام، في آخر الزمان أرسل إليّ رسالة طويلة فيها شبهات تقلقني ولا أستطيع الرد عليها. أرجو من فضيلتكم أن تجيبوا عن هذه الشبهات. ومنها: يقول الله: (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون. أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون)[سورة النحل: 21، 22] . وهذا يعني أن كل من اتخذهم الناس آلهة من دون الله- ومن ضمنهم كريشنا وبوذا وعيسى عليه السلام فإنهم قد ماتوا كما مات سائر الأكوان. وهذا من الأدلة التي تثبت أنهم ليسوا آلهة. ولو كان عيسى عليه السلام حيًّا لكان ذلك يعارض الآية. ومن يزعم أن الآية خاصة بالأصنام فيقال له: إن الأصنام لا تموت ولا تُبْعَث بعد الموت.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قال الله تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)[القصص: 88] . (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن:26، 27] . فهذه الآيات عامة بموت جميع الخلق حتى الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين بما فيهم المسيح عليه السلام، ومعنى أموات في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[سورة النحل: 21، 22] . ليس معناها ماتوا في الماضي، كما في قوله تعالى:(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)[الزمر: 30، 31] . فهذه الآية نزلت في السنة الثالثة من الهجرة فهل معناها أنها نزلت والرسول صلى الله عليه وسلم ميت!!.. وإنما المعنى أن قانون الموت سارٍ عليهم وهذا أسلوب العرب الذي نزل به القرآن، يعبرون عن الشيء المتحقق الوقوع في المستقبل بصيغة الماضي، وعلى هذا عند فهم القرآن لا بد من فهم أسلوبه العربي وحمل بعضه على بعض.
ولو كان هذا الفهم الذي فهمه السائل أن كل من اتخذهم الناس آلهة من دون الله- ومن ضمنهم كريشنا وبوذا وعيسى عليه السلام - أنهم قد ماتوا كما مات سائر الأكوان. فهذا يعنى لو ادّعى أحد في الوقت الحاضر الألوهية ودعا الناس إلى عبادة نفسه لصح ذلك لأنه حيٌّ والمنهي في الإسلام عنه هو عبادة الأموات!! وهذا فهم بعيد جدًّا.
ونظير ذلك كما في لغة الكتاب المقدس أنهم يعبرون عن الجزء من اليوم بيوم كامل، كما في مسألة صلب المسيح وكم جلس في القبر، ولو كان المقصود يومًا كاملًا لكان جلس أقل من ثلاثة أيام، وهذا يخالف الشريعة المسيحية، ولكن لغة اليهود في ذلك الوقت تعتبر أن غالب اليوم أو جزءًا منه يوم كامل وعلى هذا بقي المسيح ثلاثة أيام بين الأموات وهذه معروفة في معتقد المسيحيين، لكن القصد التنبيه على فهم اللغة التي نزل بها القرآن وكيف فهمه المخاطبون به، وأيضًا كيف فهم اليهود تعاليم المسيح المخاطبين بها فهذا الفهم من الجميع مع الإقرار به من جهة المشرع حجة. ومثال ذلك:
قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران: 144] .
وهذه الآية تلاها أبو بكر لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم انظر صحيح البخاري (3670) - فقد تبين فعلًا وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأنه واحد من الأنبياء، وتدل الحادثة التاريخية أيضًا أن الشك ارتفع عن الصحابة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كباقي الرسل بما فيهم المسيح، ولم تحفظ كتب الحديث أو التاريخ أنه حصل اعتراض من الناس الذين سمعوا أبا بكر يتلو هذه الآية بإيراد كون المسيح لم يمت، وهذا يدل أنهم فهموا من الآية كما هو ظاهرها، وكون المسيح حيًّا لا يعني عدم موته في آخر الزمان. فقد قال الله تعالى:(إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)[آل عمران: 55] . أي: متوفيك بعد الرفع وبعد نزولك إلى الأرض في آخر الزمان. لأن الواو في لغة العرب، كما هو معروف، لا تقتضي الترتيب، أو: متوفيك وفاة عند تمام أجلك. إعلامًا له بأن اليهود لا تتولى قتله، كما يدل عليه قوله تعالى في نفس الآية:(وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)[آل عمران: 55] .
وأما إيراد السائل بمن يزعم أن الآية خاصة بالأصنام فيقال له: إن الأصنام لا تموت ولا تُبْعَث بعد الموت.
فيقال لما تقرر بيانه في أول الجواب أن الآية عامة سواء في الأصنام وغيرها، ومن قال إن الأصنام لا تموت ولا تبعث فيقال إن الأصنام تبعث يوم القيامة وتنطق وتتبرأ من عابديها إيغالًا في إقامة الحجة على المشركين. وإذا كان المسيح له القدرة على إرجاع الروح في الأجساد التي فارقتها روحها فإن الله له القدرة على إيجاد الروح في الأجسام التي ليس فيها روح أصلًا، كما هو ظاهر القرآن. وأيضًا ظاهر الكتاب المقدس أن الأب أعظم وأقدر من الابن.