الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى كتب القرآن الكريم
؟
المجيب د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري
المشرف العام على شبكة التفسير والدراسات القرآنية
القرآن الكريم وعلومه/مسائل متفرقة
التاريخ 27/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا سؤال هام: أنا أعيش في أمريكا، وقد سألني سائل إذا كان القرآن كتب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أم بعد وفاته؟ أرجو تقديم جواب مفصل؛ لكي أقنع هذا الشخص بالدخول في الإسلام.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن الكريم كله كُتِبَ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان ظهور الإسلام في مكة إيذاناً بنهضة كتابية عظيمة، تتمثل في حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تدوين القرآن الكريم منذ بدء نزوله، وتعلم الصحابة رضي الله عنهم للكتابة.
والأدلة على أن القرآن الكريم كتب كله بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة على ذلك منها:
1-
في قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه ذهب لبيت أخته فاطمة بنت الخطاب وهي مع زوجها رضي الله عنهما، يقرأُ لهما سورة طه خباب بن الأرت رضي الله عنه من صحيفة مكتوبة، وهي صحيفة من صحف كثيرة كان يكتب فيها القرآن الكريم في أول الإسلام في مكة، ثم بعد ذلك في المدينة.
2-
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة غير القرآن في أحاديث كثيرة، منها ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (3004) :"لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلَاّ الْقُرْآنَ فَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ " وهذا لفظ أحمد (11142) . وهذا حث من النبي صلى الله عليه وسلم -وأمر بكتابة القرآن، ودليل على عناية الصحابة رضي الله عنهم بكتابة الوحي، وأنهم قد تجاوزوا تدوين القرآن إلى تدوين كلام النبي صلى الله عليه وسلم مما دعاه عليه الصلاة والسلام أن ينهاهم عن كتابة شيء غير القرآن.
3-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال؟
فقال عثمان- رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وإذا نزلت عليه الآية فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا) . أخرجه الترمذي (3086) وأبو داود (786) والنسائي في السنن الكبرى (8007) والبيهقي في السنن الكبرى (2/42) وأحمد (376) . فهذا دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابة كل ما ينزل عليه من القرآن مباشرة.
4-
أخرج أبو داود (2507) وغيره عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فما وجدت ثقل شيء أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سُرِّي عنه فقال:"اكتب". فكتبت في كتف: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" "والمجاهدون في سبيل الله
…
" إلى آخر الآية [النساء:95] . فقام ابن أم مكتوم رضي الله عنه وكان رجلا أعمى لما سمع فضيلة المجاهدين فقال يا رسول الله فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ثم سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"اقرأ يا زيد". فقرأت: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"غير أولي الضرر.." الآية كلها. قال زيد رضي الله عنه فأنزلها الله وحدها فألحقتها والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ فِي كَتِف
…
) .
وفي الصحيحين البخاري (2831)، ومسلم (1898) عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:" لما نزلت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا رضي الله عنه فجاء بكتف فكتبها وشكا ابن أم مكتوم رضي الله عنه ضرارته فنزلت: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر
…
" الآية [النساء:95] .
وهذا دليل صريح على أن القرآن كان يكتب مباشرة بعد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم.
5-
آيات كثيرة تدل على معرفة العرب للكتابة وشيوعها بينهم، فقد وردت مادة كتب وما اشتق منها في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة (300) ، ووردت مادة قرأ وما اشتق منها نحواً من ثمانين مرة (80)، ووردت مادة خط وأسماء أدوات الكتابة: القلم، والصحف، والقرطاس، والرق. مما يعني أن كل هذه الأمور مما يعرفه العرب المخاطبون بالقرآن الكريم، وليست مجرد معرفة ساذجة كما يزعم بعض الباحثين، بل معرفة شائعة بينهم.
6-
بلغ عدد الذين يكتبون للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وأربعين كاتباً، وكان بعضهم منقطعاً لكتابة القرآن خاصة، ومن أشهرهم: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وحنظلة بن الربيع رضي الله عنهم جميعاً -. وكان أول من كتب للنبي صلى الله عليه وسلم من قريش هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح رضي الله عنه وأول من كتب له من الأنصار أبي بن كعب رضي الله عنه.
ويجب التفريق بين كتابة القرآن وتدوينه كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبين جمعه في مصحف واحد بعد وفاته، أما عن التدوين فالقرآن كله كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وأما عدم تدوين القرآن الكريم في مصحف جامع فهذا يرجعه العلماء إلى عدم الحاجة إليه في هذا العصر لوجود النبي صلى الله عليه وسلم مرجعا للناس، إضافة إلى نزول القرآن مفرقاً منجماً بحسب الوقائع والأحداث، وما قد يعتريه من النسخ. وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن للصحابة رضي الله عنهم القراء مرجع سوى المحفوظ في صدر النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الأصل الذي يُرجع إليه عند التنازع، أما ما كان مكتوبًا في الرقاع وغيرها فلم يكن مما يرجع إليه الناس، مع وفرته وصحته وصوابه، وكذلك في عهدي أبى بكر وعمر -رضى الله عنهما- كان الاعتماد على الحفظ في الصدور هو المعول عليه دون الكتابة؛ لأنها كانت مفرقة، ولم تكن مجموعة، ولذلك استنكر أبو بكر على عمر رضي الله عنهما عندما أشار عليه بجمع القرآن. وكانت حظوظ الصحابة- رضي الله عنهم، من حفظ القرآن متفاوتة، فكان منهم من يحفظ القدر اليسير، ومنهم من يحفظ القدر الكثير، ومنهم من يحفظ القرآن كله. وهم جمع كثيرون مات منهم في موقعة اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه سبعون حافظًا للقرآن- رضي الله عنهم، وكانوا يسمون حفظة القرآن بـ (القُرَّاء (.
ولما قتل سبعون رجلاً من حُفَّاظِه دعت الحاجة إلى جمع ما كتب مفرقًا في مصحف واحد في منتصف خلافة أبي بكر رضي الله عنه باقتراح من عمر رضي الله عنه.وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه تسلم المصحف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبعد وفاته ظل المصحف في حوزة ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وفي هذه الفترة كان حفظ القرآن في الصدور هو المتبع كذلك. وانضم إلى حُفَّاظه من الصحابة رضي الله عنهم بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، التابعون من الطبقة الأولى، وكانت علاقتهم بكتاب الله هي الحفظ بتفاوت حظوظهم فيه قلة وكثرة، وحفظًا للقرآن كله، وممن اشتهر منهم بحفظ القرآن كله التابعي الكبير الحسن البصري رضي الله عنه وآخرون. كان هذا أول جمع للقرآن، والذي تم فيه هو جمع الوثائق التي كتبها كتبة الوحي في حضرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم،بمعنى تنسيق وثائق كل سورة مرتبة آياتها على نسق نزولها، ولا معنى لهذا الجمع إلا هذا، وإطلاق وصف المصحف عليه إطلاق مجازي. والغاية منه أن يكون مرجعًا موثوقًا به عند اختلاف الحفاظ.
ومما يجب التنبيه إليه مرات أن الجمع في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما لم يضف شيئًا أو يحذفه من تلك الوثائق الخطية، التي تم تدوينها في حياة النبي عليه الصلاة والسلام إملاءً منه على كتبة وحيه الأمناء الصادقين. فالجمع في عهد أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما لم يُدْخِِِِِلا على رسم الآيات ولا نطقها أي تعديل أو تغيير أو تبديل، وفي كل الأماكن والعصور واكب حفظ القرآن تدوينه في المصاحف، وبقي السماع هو الوسيلة الوحيدة لحفظ القرآن على مدى العصور حتى الآن وإلى يوم الدين ومع كثرة انتشار الطباعة اليوم، وكثرة المصاحف، إلا أن هذا لا يغني عن الأخذ عن القراء المتقنين، وهذا من خصائص القرآن الكريم.
وينبغي أن ينبه إلى أن هذا التدوين أو الجمع المبكر للقرآن كان وما يزال هو الأصل الثابت الذي قامت على أساسه كل المصاحف فيما بعد، حتى عصرنا الحالي. وهذه الفترة الراشدة التي سبقت جمع القرآن في خلافة أبي بكر -رضى الله عنه-، لم تكن فترة إهمال للقرآن، كما يزعم بعض خصوم القرآن من المبشرين والمستشرقين والملحدين بل العكس هو الصحيح، كانت فترة عناية شديدة بالقرآن اعتمدوا فيها على السماع من الحفظة المتقنين لحفظ القرآن وتلاوته، والحفظ المتقن في الصدور والسماع هما أقدم الوسائل لحفظ وتلاوة كتاب الله العزيز. وسيظلان هكذا إلى يوم الدين. والله أعلم.