الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحكم والمتشابه
المجيب د. سعيد بن ناصر الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
القرآن الكريم وعلومه/علوم القرآن
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
الآية رقم 7 في سورة آل عمران: (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) . تبين الآية وجود بعض العلم غير الواضح لنا تمامًا ويسبب حيرة لنا فيدخل كل ذلك في المتشابهات، هل كلامي الذي فهمته من الآية صحيح؟ وفي سورة الإسراء الآية 85:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً) . فبناءً على هذه الآية فإن مناقشة ماهية الروح، وكيف خلقت، وما العلم الذي وصل إلينا عنها، وخلاف ذلك يدخل في المتشابهات، لأنها لا تدخل في أسس الإيمان وليس عندنا علم تام عنها. فهل ما فهمته من الآية صحيح؟ هل تقولون بأن الحديث عن علم الروح يدخل ضمن المتشابهات للأسباب التي ذكرتها أعلاه؟
الجواب
المحكم هو البين الواضح كما في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[البقرة:83] . فكل أحد من السامعين يعرف المراد بالوالدين ويعرف معنى الإحسان إليهما، أما المتشابه فهو الذي قد يظهر معناه للعالم وقد يخفى بحسب العلم والعمل، وقد يظهر بعض معناه ولا يظهر بعضه الآخر، وقد يخفى المراد منه فلا يعلمه سوى الله تعالى، فمثلاً استواء الله تعالى، على عرشه واضح المعنى، ولكن حقيقته وكنهه وكيفيته من المتشابه الذي لا يعلمه أحد سوى الله تعالى، وكذلك بقية الصفات الحسنى، ومن ذلك المراد بالحروف المقطعة في أوائل بعض السور. وليس كل ما سبب حيرة للإنسان فهو من المتشابه، خاصة إذا كان الذي أصابته الحيرة ليس من أهل العلم الشرعي، فقد تصيب الإنسان الحيرة من أمر يراه خفيًّا عليه وهو جلي واضح بالنسبة لغيره، ومثال ذلك تحير بعض أبناء البلاد الإسلامية أمام الآيات الناصة على وجوب التحاكم إلى شرع الله واضطرابهم في ذلك اضطرابًا هائلًا، مما يدل على حيرتهم، وهي قضية محكمة واضحة جلية عند جميع أهل العلم والإيمان، فقد علم جميع المسلمين وآمنوا بأن الدين الإسلامي له جانبان؛ أحدهما عبادة الله وحده دون سواه، والثاني تحكيم شريعته وحده دون سواه0
وقل مثل ذلك في حيرة بعض الطوائف المبتلاة بحب القبور ودعوة أهلها مع الله أو دون الله في أمور لا يقدر عليها إلا الله، مع أن هذه القضية من قضايا الدين الأصلية الكلية الثابتة المحكمة، فلا تدل حيرتهم على انتقالها من حيز المحكم الواضح إلى حيز المجمل أو المتشابه.
وأما ما ذكر من أمر الروح فلأهل العلم في المراد بالروح في آية الإسراء أقوال منها: أن المراد جبريل عليه السلام. ومنها: أن المراد الروح التي بها يحيا الإنسان. وعلى هذا المعنى ورد سؤال السائل. والحديث عن الروح بهذا المعنى له وجهان أحدهما محكم جلي والآخر متشابه، فمن المحكم أن الروح مخلوقة مستحدثة من العدم، وأنها جسم لطيف، تسري في الأعضاء، وأن هذا الجسم يقبض، ويمسك ويرسل، وينعم ويعذب. ومن المتشابه حقيقة الروح وكنهها وكيفية نفخها في الجسد وكيفية انبثاثها فيه، وكيفية قبضها وإرسالها، وكيفية تنعمها وعذابها، وكيفية علاقتها بالجسد في دار البرزخ، وفي الآخرة، وغير ذلك من الأمور التي قد تظهر للبعض وتخفى عن البعض، وقد تخفى عن الجميع فلا يعلمها إلا الله وحده، أما الحديث عن عالم الروح فبحسب نوع الحديث وصوابه وصحته، فقد يكون من المحكمات كما لو تحدث عن أنها مخلوقة مربوبة تقع تحت تدبير الله تعالى وإرادته. وقد يكون الكلام عن الروح من المتشابه كما لو تحدث عن كيفية قبضها حال النوم وإرسالها، وقد يكون الكلام عن الروح من الباطل والخرافة كما يحصل عند أصحاب تحضير الأرواح، وكما يحدث عند الهنادكة والقائلين بالتناسخ وأصحاب السحر والكهانة والتنجيم. والله أعلم.