الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير قوله تعالى: (يخرج من بين الصلب والترائب)
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات أشكلت
التاريخ 25/10/1426هـ
السؤال
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الطارق: "فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب". والصلب هو ظهر كل من الجنسين، والترائب هي صفائح الصدر لكل من الجنسين، ونحن نعلم أن الحيوانات المنوية تتكون على مستوى الخصيتين، وأن البويضات تتكون على مستوى المبيض، فكيف ذلك؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقول مستعينا بالله القادر، سائله تعالى التوفيق والسداد:
من مآثر علماء السلف رحمهم الله جميعاً- في تناولهم للكتاب العزيز اعتبار دلالة السياق والقرائن وبلوغ قاعدة في التفسير تعالج دلالة النص، مع ما يشترك معه في نفس الموضوع وفق القول المشهور:"القرآن يفسر بعضه بعضا"، وفي قوله تعالى:"فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلَا نَاصِرٍ"[الطارق 5-10] .
(مّآءٍ دَافِقٍ) وصف للمني العديد المكونات بالماء العديد النطف أو القطرات مبينة تحركها ذاتيا بنشاط باسم الفاعل (دافق) قبل أن يعاين كثرتها وحركتها تحت المجهر إنسان، ويناسب تنكير لفظ (ماء) تعدد خصائص المني بتعدد الأفراد، وضمير الفعل (يخرج) يحتمل رجوعه لأحد المذكورين: إما (الماء الدافق) أو (الإنسان) بنوعيه من الذكر والأنثى، ولا عبرة بأقرب المذكورين إذا دلت قرائن السياق على رجوعه للأبعد وهو (الإنسان) ، خاصة أنه موضوع الحديث وفق التعبير (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ) ، وكافة الضمائر سواه تصلح أن تعود على (الإنسان) ، ولا تصلح أن تعود على (الماء) بقرينة التعبير (يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ) ، وهو باتفاق يوم القيامة؛ لأن المني لا يصح وصفه بإمكان إعادته حيا ليحاسب في التعبير (إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) وإنما يصلح الوصف للإنسان، ولا يصح أن يوصف بأنه فاقد القوة الذاتية ونصرة الأهل والعشيرة أو الصحبة والأنصار في التعبير (فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) وإنما يصلح للإنسان، ولا خلاف في عودة ضمير (مِمّ خُلِقَ) وضمير (خُلِقَ) على (الإنسان) ، والأصل عند المحققين عدم تشتيت مرجع الضمائر.
والتعبير (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ) يدعو لتأمل أصل الإنسان، فيرجع به نحو الماضي الأقرب ومنه إلى الأصل الأبعد، وأصله الأقرب من الجين الأسبق يبينه التعبير (خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ) ، والأصل الأبعد عند تكون أعضاء أجنة الجين الأسبق بناء على المعرفة الطبية تكوين بدايات الخصية والمبيض كعضوي إنجاب الذرية في الظهر، وخروجها في الجنسين من بين عظام الظهر أو الصلب وعظام الصدر أو الترائب لينزل المبيض للحوض والخصية لكيس الصفن قبل الولادة، فيصلح أن يكون التعبير (يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ) وصفا لموضع خروج الإنسان من ظهور الآباء باعتبار أصله، خاصة أن فعل الخروج ورد كثيراً في القرآن للإنسان بيانا لخروجه من بطون الأمهات ويوم البعث للحساب، بينما لم يرد قط للمني، وحينئذ يستقيم المعنى، ويزول الإشكال، وتتطابق دلالة النص الشريف مع أدق وأثبت معطيات العلم الحديث، والله تعالى أعلم.