الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير ابن عباس لقوله تعالى: (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 22/11/1425هـ
السؤال
ما صحة نسبة هذه الآثار إلى ابن عباس، رضي الله عنهما:
1-
في قول الله تعالى: (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)[الذاريات:47] . قال: أي بقوة عظيمة. (رواه الطبري وذكره سفيان الثوري وقتادة) .
2-
في قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[النور:35] . أولها ابن عباس بالهادي الذي يخلق الهداية. (رواه الطبري) .
3-
في قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ)[القلم:42] . أولها ابن عباس، رضي الله عنهما، باشتداد الأمور في يوم القيامة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
هذه الآثار الثلاثة مما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، ومن المعلوم أن علي بن أبي طلحة له نسخة مشتملة على تفسير ابن عباس، رضي الله عنهما، وقد أثنى عليها العلماء؛ لأنها من أجود الطرق وأصحها عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال الإمام أحمد: بمصر صحيفة في التفسير، رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدًا، ما كان كثيرًا.
وقال الحافظ ابن حجر: وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرًا فيما يعلقه عن ابن عباس.
وقال الحافظ السيوطي: وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يحصى كثرة، وفيه روايات وطرق مختلفة، فمن جيدها طريق علي بن أبي طلحة عنه.
وتنظر هذه الآثار في صحيفة علي بن أبي طلحة التي جمعها بعض الباحثين (ص: 375، 466، 496) ، وليس ما جاء عن ابن عباس من باب التأويل، بل فهم منها ابن عباس، رضي الله عنهما، أنها ليست نصًّا في الصفات، إذ لا يعرف عن الصحابة، رضي الله عنهم، تأويل شيء من نصوص الصفات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة، رضي الله عنهم، اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، رضي الله عنهم، وما رووه من الحديث، ووقفت من ذلك على ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مائة تفسير فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة، رضي الله عنهم، أنه تأوَّل شيئًا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف.... وتمام هذا أنى لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى:(يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ) . فروى عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وطائفة أن المراد به الشدة، أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات؛ للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال:(يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ) . نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف. ينظر: مجموع الفتاوى (6/394) . وقال أيضًا: ثم قول من قال من السلف: هادي أهل السموات والأرض. لا يمنع أن يكون في نفسه نورًا، فإن من عادة السلف في تفسيرهم أن يذكروا بعض صفات المُفسَّر من الأسماء أو بعض أنواعه، ولا ينافى ذلك ثبوت بقية الصفات للمسمَّى بل قد يكونان متلازمين ولا دخول لبقية الأنواع فيه..... فقول من قال:(نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) : هادى أهل السماوات والأرض. كلام صحيح، فإن من معاني كونه نور السماوات والأرض أن يكون هاديًا لهم، أما أنهم نفوا ما سوى ذلك فهذا غير معلوم، وأما أنهم أرادوا ذلك فقد ثبت عن ابن مسعود أنه قال: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور السماوات من نور وجهه. وقد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر نور وجهه، وفى رواية (النور) ما فيه كفاية. ينظر: مجموع الفتاوى (6/390) . والحاصل أن بعض الآيات والأحاديث يفهم من سياقها والقرائن المحتفة بها أنها ليست نصًّا في الصفات، فتفسر بما يفهم من المقصود بها مثل قوله تعالى:(فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)[البقرة:115] . ومثل قوله تعالى: (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ)[الزمر:56] . وقوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ)[يس:71] .
قال الحافظ ابن رجب- معلقًا على قوله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا) : وليس المراد هنا الصفة الذاتية- بغير إشكال- وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم عليه السلام. فتح الباري لابن رجب (1/7) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها: القطع بالطريقة الثابتة كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله سبحانه وتعالى فوق عرشه، ويعلم طريقة الصواب في هذا وأمثاله، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك؛ دلالة لا تحتمل النقيض، وفى بعضها قد يغلب على الظن ذلك مع احتمال النقيض، وتردد المؤمن في ذلك هو بحسب ما يؤتاه من العلم والإيمان، (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور:40] . ينظر: مجموع الفتاوى (5/117) . هذا والله أعلم.