الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير قوله تعالى: " إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا
"
المجيب أ. د. سعود بن عبد الله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات أشكلت
التاريخ 01/10/1425هـ
السؤال
يقول الله تعالى- في آخر سورة فاطر: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) .
أورد ابن كثير- رحمه الله في تفسيره، عن أبي وائل، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، فقال: من أين جئت؟ قال: من الشام. قال: من لقيت؟ قال: لقيت كعبًا. قال: ما حدَّثك؟ قال: حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك. قال: أصدّقتَه أو كذبتَه؟ قال: ما صدقتُه ولا كذبتُه. قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها، كذب كعب، إن الله تعالى يقول:(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ) . وهذا إسناد صحيح إلى كعب وابن مسعود، رضي الله عنهما.
نأمل تفسير الآية، وشرح المفردات التالية: أن تزولا، الزوال، الحركة، الدوران، التسخير في قوله تعالى:(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ)[الأعراف:54] . مع التمثيل لكل منهما، وهل هناك فرق في الدلالة بين المعطوف والمعطوف عليه، أي:(السماوات والأرض) ؟ وهل ينطبق مدلول الآية أو مفهومها على الشمس والقمر والنجوم والأرض؟ وما هي أسماء الثوابت من النجوم؟ وهل تدخل في معنى التسخير؟ وخلاصة القول: ألا يعتبر القول بدوران الأرض مخالفًا للآية أم لا؟
الجواب
الجواب عن تفسير آية فاطر: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ
إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [فاطر:41] . التفسير الموجز لمعنى الآية هو أن الله سبحانه خالقَ السماوات والأرض هو الممسكُ لها أن تتغير عن موضعها الذي قدرها الله فيه، ولو فرض عقلاً زوالها عن مكانها، فلا يمكن لأحد غيره أن يمسكها ويعيدها في مكانها كما كانت، ولن يكون هذا التغيير إلا له- سبحانه- يوم القيامة، حين يختل نظام هذا الكون المترابط، فتتحطم الكواكب، وتتناثر النجوم، وتُسعَّر البحار بالنار، وتبعثر القبور
…
إلخ.
معاني المفردات:
الزوال: هو التغيُّر والتصرُّف والتفرُّق والميل عن المكان، وفي أصل وضع هذه الكلمة (الزوال) لا تقع أو تستعمل إلا في شيء من حقه الثبات. نقول: زال الجبل أو أزيل بعد أن كان ثابتًا. ومنه قوله تعالى: (وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إبراهيم:46] . وتقول: زالت الغشاوة عن البصر بعد أن كانت
موجودة. ويستعمل الزوال حقيقة في الواقع الفعلي وفي الاعتقاد، مثال الثاني: قولنا: زالت الشمس. ومعلوم أن الشمس متحركة دائمًا ولا ثبات لها، وإنما جاز استعمال هذا اللفظ؛ لأن المعتقد أن الشمس وقت الظهيرة ثابتة في كبد السماء كما يبدو للعين المجردة، قال العرب ذلك؛ لأنهم كانوا يقيسون حركة الشمس بحركة ظل أي شاخص، وفي لحظة من قائم الظهيرة لا يوجد للشاخص ظل فاعتقدوا أن الشمس زالت.
الحركة: الحركة ضد السكون، ولا تكون إلا للجسم المحسوس، ومنه قوله تعالى:(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)[القيامة:16] .
الدوران: مصدر للفعل الثلاثي دار يدور دورانًا، ومنه الدائرة، وهي الخط المحيط بالشيء، وقيل للدار: دارٌ. باعتبار الحائط الذي يحيط بها، وعليه فالسماوات تقع داخل الدائرة (الفلك) الخاص بها، لا تخرج عنه بحال إلا حين اختلال هذا الكون بانقضاض أفلاكه وكواكبه ونجومه، ولا يكون ذلك إلا بتقدير الله يوم القيامة.
التسخير: مصدر للفعل سخَّر الرباعي، والتسخير سوق الشيء ودفعه إلى هدف معين عن طريق القهر والغلبة، ومنه تسخير السماوات والأرض وما فيها للعباد. قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) [الجاثية:13] . وقوله: (وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ)[الأعراف: 54] . أي: سير النجوم (دورانها) في أفلاكها زمانًا ومكانًا هو بتسخير الله وتقديره.
أما الأثر عن كعب الأحبار الذي ذكره ابن كثير عند تفسير الآية، فهو من الأحاديث الإسرائيلية المردودة والتي لا تقبل؛ لمخالفتها لشرعنا، فإن وضع السماوات والأرض- كما في قول كعب، رضي الله عنه على كتف ملك من الملائكة، مخالف للواقع والحس، فضلاً عن أن الشرع لا يدل عليه. يدل على هذا تكذيب عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، لقول كعب، رضي الله عنه. هذا، ولو كان مثل هذا صحيحًا لجاءنا بحديث صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولما لم يأتنا تبيَّن كذبه وبطلانه، وقد ذكر ابن جرير الطبري بعد رد عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، زيادة بعد تلاوته الآية، وهي:(كفى بها زوالاً أن تدور) . أي: أنها إذا زالت كيف تدور؟ فكأن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، يشير بقوله هذا إلى مخالفة هذا الأثر للواقع العقلي، وليس هناك فرق بين المعطوف والمعطوف عليه (السماوات والأرض) من حيث الدوران، غير أن المراد بالسماوات: الأفلاك والنجوم، الثابت منها والمتحرك. وليس المراد بالسماء ذات الأبواب والحرس التي فيها الأنبياء والملائكة والجنة وفوقها عرش الرحمن جل وعلا، فإن هذه السماوات عالم غيبي تعرف بالخبر عن الصادق المصدوق، بخلاف السماوات ذات النجوم والشهب والكواكب، فطريق معرفتها الحس والمشاهدة، وهي المقصودة المرادة في آية فاطر هذه.
ومن المعلوم، كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله أن الأفلاك كلها مستديرة (مكوَّرة) وكلها في السماء، والسماء على الأرض مثل القبة، وإذا كان ما في هذه السماء من كواكب ونجوم ومجرات تدور في أفلاكها (سمائها) ، فإن الأرض تدور كذلك؛ لأن السماء محيطة بها.
وعلى هذا فإن دلالة الآية على الدوران، كلٌّ بحسبه (الشمس والقمر والنجوم) ، وهي كلها في السماء يدور كل منها على نفسه وفي مداره، فينتج عن ذلك الليل والنهار، وكذلك للأرض دورة حول الشمس ينتج منها فصول السنة الأربعة، وصدق الله العظيم:(لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)[يس:40] .