الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث مسح ظهر آدم
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها
التاريخ 14/09/1426هـ
السؤال
قرأت حديثاً أن الله -تعالى- مسح ظهر آدم عليه السلام.
وهناك أسانيد كثيرة لهذا الحديث، لكنني أعلم أن جميع هذه الروايات ضعيفة. فهل هناك أي حديث صحيح في هذه المسألة؟ أو على الأقل هل مجموع هذه الروايات تجعله حسناً لغيره؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
فقد أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، قال عز وجل:(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)[الأعراف:172] .
واختلف المفسرون في معنى الإشهاد المذكور في الآية على قولين:
1-
أن الإشهاد في الآية هو أن الله فطرهم على التوحيد، وجبلهم على الإيمان وجعل لديهم الاستعداد لقبوله، قال سبحانه وتعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الروم:30] ، وفي الصحيحين [البخاري (1385) ، ومسلم (2658) ] من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ".
وفي صحيح مسلم (2865) من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا
…
" الحديث.
2-
تفسير الإشهاد بما ورد في بعض الأحاديث والآثار الدالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وأشهدهم أنه ربهم ومعبودهم، ففي الصحيحين [البخاري (3334) ، ومسلم (2805) ] من حديث أنس رضي الله عنه: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ". ووردت أحاديث فيها تفصيل هذا الإشهاد الذي أُخذ على بني آدم حينما اسْتُخِرجوا من صلب آدم عليه السلام، وهذه الأحاديث لا تخلو من كلام، ومن تلك الأحاديث ما يأتي:
1-
حديث ابن عباس رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ (يَعْنِي عَرَفَةَ) ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ". أخرجه أحمد (2327) ، عن حسين بن محمد، عن جرير بن حازم، عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورجال هذا الإسناد ثقات، ولكن الحديث أُعل بالوقف، قال الحافظ ابن كثير: " وقد رواه عبد الوارث، عن كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فوقفه.
وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع، عن ربيعة بن كلثوم بن جبر، عن أبيه، به.
وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت والله أعلم" [تفسير ابن كثير (2/347) ] .
وقال النسائي بعد إخراجه للحديث في السنن الكبرى (6/347) : "وكلثوم هذا ليس بالقوي، وحديثه ليس بالمحفوظ"
2-
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ)، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ:"إِنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّة، ً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّه، ِ فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللَّهَ عز وجل إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ". أخرجه مالك في الموطأ (1395) ، ومن طريقه أبو داود (4081) ، والترمذي (3001) ، وأحمد (311) ، عن زيد بن أبي أنيسة، أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
…
".
وهذا الإسناد ضعيف، مسلم بن يسار الجهني لم يسمع من عمر، ولم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، ولم يرو عنه غير عبد الحميد بن عبد الرحمن فهو في عداد المجاهيل.
وذكر في بعض الطرق بين مسلم بن يسار رجل وهو: نعيم بن ربيعة، وهو مجهول الحال. وقال ابن عبد البر في التمهيد (6/3) : "هذا الحديث منقطع بهذا الإسناد؛ لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم قال: زيادة من زاد في هذا الحديث نعيم بن ربيعة ليست حجة؛ لأن الذي لم يذكره أحفظ، وإنما تقبل الزيادة من الحافظ المتقن.
وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس إسناده بالقائم؛ لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة كليهما غير معروفين بحمل العلم، ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ثابتة يطول ذكرها".
3-
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم، قال: "أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: (ألست بربكم قالوا بلى)، قالت الملائكة:(شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) . أخرجه ابن جرير في تفسيره (6 /110) من طريق أحمد بن أبي طيبة، عن سفيان بن سعيد، عن الأجلح، عن الضحاك، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وأُعل هذا الحديث بالوقف، قال الحافظ ابن كثير: "أحمد بن أبي طيبة هذا هو: أبو محمد الجرجاني، قاضي قومس كان أحد الزهاد، أخرج له النسائي في سننه، وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه، وقال ابن عدي: حدث بأحاديث كثيرة غرائب.
وقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن حمزة بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو.
وكذا رواه جرير، عن منصور، به، وهذا أصح، والله أعلم".
وقال أيضاً بعد أن ساق عدداً من الأحاديث والآثار الواردة في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام، قال:"فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان، كما تقدم، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف: إن المراد بهذا الإشهاد، إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع، وقد فسر الحسن الآية بذلك، قالوا: ولهذا قال: (وإذ أخذ ربك من بني آدم) ، ولم يقل من آدم (من ظهورهم) ، ولم يقل من ظهره (ذريتهم) أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن، كقوله تعالى: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) ، وقال: (ويجعلكم خلفاء الأرض) ، وقال: (كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين) ، ثم قال (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له حالاً وقالاً والشهادة تارة تكون بالقول، كقوله: (قالوا شهدنا على أنفسنا) الآية، وتارة تكون حالا كقوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك، وكذا قوله تعالى: (وإنه على ذلك لشهيد) كما أن السؤال تارة يكون بالقال، وتارة يكون بالحال، كقوله: (وآتاكم من كل ما سألتموه) . قالوا: ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل هذا الإشهاد حجة عليهم في الإشراك، فلو كان قد وقع هذا -كما قال من قال- لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه، فإن قيل: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم به كاف في وجوده، فالجواب: أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره، وهذا جعل حجة مستقلة عليهم فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد، ولهذا قال: (أن تقولوا) أي لئلا تقولوا يوم القيامة (إنا كنا عن هذا) أي التوحيد (غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا) "[ينظر: تفسر ابن كثير (2/345- 347) ] .