الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رغم أنه ملتزم
…
زوجي لا يهتم بي
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/المشكلات العاطفية
التاريخ 19/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا سيدة، زوجي من أبناء عمومتي، يتَّصف بأخلاق عالية، لديه علم شرعي، سمعته طيبة جداً عند كل الطبقات التي يتعامل معها، المشكلة فيه توزيع الاهتمامات والأولويات، فنحن أسرته في المرتبة بعد العاشرة، والأصدقاء في المرتبة الأولى، هذا ليس مبالغة ولكنه شيء من الحقيقة، جلوسه مع أصدقائه ليس في طلب علم، وإنما مؤانسة وهذا باعترافه، البيت تقريباً للنوم وقضاء حاجاته الفسيولوجية أو للنت، إجازته أشد من أيام عمله، فوقت الظهيرة وأوقات الطعام خارج المنزل في الغالب مع أقربائه، مشكلتي أيها الشيخ الفاضل الإحساس بالوحدة، وعدم وجود من أبوح له بمشاعري، خاصة أني لا أريد من حولي يعرف شيئاً عن حياتي، والأمر الآخر عدم وجود من يلبي طلباتي، فأنا أكره الشعور بالمهانة وطلب شيء من أشخاص آخرين، لا تقل لي عيشي حياتك وقللي من الاعتماد عليه، فقد حاولت ولكن كيف؟ حضور المحاضرات، توفير الكتب والمجلات، توفير احتياجاتي واحتياجات أبنائي، زيارة الأصدقاء والأقارب، كل ذلك أنا في حاجة إليه، أكبر المشكلة هو ما أحسه في الآونة الأخيرة من جمود في مشاعري نحوه، إحساسي بأني آلة لتفريغ شهوته والعناية بحاجياته، جعلني أتهرب من حقوقه الشرعية بأسباب واهية، حتى أصبح هذا الأمر مصدر إزعاج لي وله بعد أن ظننت أني استنفذت جميع طرقي لتوصيل معاناتي له من رسالة أو حوار أو منع مما اعتاده من إغراق بمشاعر فياضة، أنا الآن لا أستطيع إعطاءه أبسط حقوقه، فاهتمامي الأول أصبح أبنائي، أتمنى الرد بأسرع وقت فالأمر يزداد سوءاً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: لقد شعرت بمدى المشكلة التي أنت تعانين منها إنها حقاً "مأساة حقيقية" لكن يبقى هنا أمور منها:
(1)
هل لجأت إلى الله بصدق وإخلاص وذل وانكسار، ودعوت ربك بأن ينهي هذه الأزمة على خير، ويعود إليك زوجك كما كان في سابق عهده من الاهتمام بك وبأولادك، والجلوس معك والعناية بك وبشؤونك على اختلاف تنوعها؟.
(2)
هل قمت بتذكيره بالله بأن لك حقوقاً عليه أنت وأبناؤك، ويجب عليه أن يعطي هذه الحقوق أولى اهتماماته؛ لأنه مسؤول عن ذلك أمام الله، وأن الله استرعاه عليكم، فيجب عليه أن يعطي لهذه الرعية حقها على الوجه الأكمل، وإلا سيحصد ثماراً لا تروق له في الدنيا، فضلاً عما ادخره الله له من الجزاء في الآخرة.
(3)
هل بالفعل أنت غير مقصِّرة في حقه، وما هي الدوافع التي جعلته ينصرف عنك وينشغل عن بيته وأولاده، ويتجه إلى قضاء معظم وقته مع أهله وأقربائه، وأصدقائه؟ فإذا كان عندك بعض الأمور التي قصرت فيها، فالرجاء استدراك ما فاتك، لعل الله أن يرده إليك رداً جميلاً.
(4)
حاولي أن تتجملي له وتتفاني في القيام بخدمته، ولا تجعلي أن يظهر منك نوع من الضيق والضجر لما يفعله، ولكن أشعريه بنوع من العقاب الممزوج بالحب له والشفقة عليه وأنك تحبين قربه، ويشق عليك بعده عنك، وأنك أولى الناس بوقته والأنس به.
(5)
حاولي أن تشغليه بالأولاد وبالحديث عن تربيتهم، وأنهم في وقت هم أحوج إليه وإلى نصحه وتوجيهه، حتى ينشأوا نشأة إسلامية صحيحة يتشرف بهم أمام الناس، ولا يكون ذلك إلا بتوفير وقته لهم، كما أنه يوفر لهم أسباب الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وخلافه من ضروريات الحياة.
(6)
اجعلي الأولاد أنفسهم هم الذين يشغلونه بطرح مشاكلهم أمامه، وأنه يجب عليه أن ينظر في حلها، وأنهم أحق بمن يقضي معهم الوقت ويراعي شؤونهم.
(7)
لا يمنع أن تصارحي زوجك بالحالة التي أنت وصلت إليها من جمود المشاعر، والإحساس بالملل والضيق وأنت تخشين على نفسك أن يسوء الحال بينكما أكثر من ذلك، وأن هذا يؤثر على مستقبل الأولاد والذين هم حصيلتكم من هذه الحياة.
(8)
لا يمنع أن تكلمي أحد محارمك الثقات العقلاء ممن يستطيع أن يتفهم الأمر، ويقدر على عرض القضية بوضوح وفطنه وذكاء على زوجك، ولا بد أن يصلا إلى حل يرضي الجميع، وخصوصاً أنك تطالبين، بحق من حقوقك، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير ويصرف عنا وعنك كل مكروه وشر اللهم آمين. والله أعلم.
همسة في أذن الزوج:
أيها الزوج الطيب أود أن أهمس في أذنك ببعض الكلمات فهل يتَّسع لها صدرك، وتنشرح نفسك لسماعها، أرجو ذلك فأرعني سمعك يا رعاك الله، إني لك محب وعليك مشفق ولك ناصح ومذكر، فأنت - كما علمت - صاحب دين وخلق وعلم، وتتمتع بسيرة طيبة بين الناس.
أخي الكريم: أليس لأهلك عليك حق أوجبه الله عليك ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد استرعاك الله عليهم، وهو سائلك عن هذه الرعية، هل أديت الأمانة المنوطة بك أم قصرت في أدائها؟
أليس من حق زوجتك عليك أن تعطيها حيزاً كبيراً من اهتماماتك، وتوفر لها جزءاً ليس بالقليل من وقتك؟
أليس من حق زوجتك أن تبث إليك مشاعرها وشكواها وهمومها، وكل ما يعتريها في حياتها، فإن لم تجدك فإلى من تذهب؟ الأمر خطير.
أليس من حق زوجتك بأن تشعر بأن زوجها يحبها ويحرص عليها ويهتم بها ويلبي لها طلباتها، ويغذي مشاعرها كزوجة وأنثى أصبحت حكراً عليك أنت، وأنت فقط؟
أليس من حق أولادك أن تجلس إليهم وتسمع منهم وتتفقد مشاكلهم، وتغمرهم بعطفك وحنانك وتوجيهاتك ونصحك وإرشادك؟
لا تقول لي بأنك موفر لهم عيشة طيبة من مأكل ومشرب ومسكن ومركب وخلافه، معذرة هذه الأمور متوفرة لكثير من الناس، ولا أحب أن أقول لكثير من الدواب فصاحب الدواب يوفر لها المأكل والمشرب، والمسكن، والعلاج إلى غير ذلك ويهتم بها كثيراً؛ لأن ذلك هو رأس ماله.
أما أبناؤك - وهم فلذة كبدك وربيع عمرك، ومهجة فؤادك ورياحين قلبك - فمحتاجون إلى جلوسك معهم، تحن عليهم ترفق بهم، توجههم ترشدهم تقدم لهم النصح، لا بد وأن يشعروا بوجودك معهم في كل كبيرة وصغيرة، وخصوصاً إذا كانوا في مثل هذا السن، وإلا ستجني ثماراً لا يحمد عقباها، وعندها تعض أصابع الندم، ولكن في وقت لا ينفع فيه الندم ولات حين مندم.
ألم تقرأ عن الحقوق الزوجية؟ أظنك قد قرأت الكثير.
ألم تقرأ حديث النبي صلى الله عليه وسلم "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" أخرجه الترمذي (3830) من حديث عائشة رضي الله عنها وقال هذا حديث حسن غريب صحيح.
ألم تقرأ قول أمنا عائشة رضي الله عنها وهي تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: "كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله أو في خدمة أهله" أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/158) فليكن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة.
أنا لا أقول لك لا تجلس مع أصدقائك، ولا تزور أهلك وأقربائك، ولا تروِّح عن نفسك مع خلانك، ولكن أقول كن متوازناً في حياتك، وأعط كل ذي حق حقه، والحقوق تعطى على حسب وجوبها وأهميتها، فأهلك هم الأولى بأداء حقوقهم بعد أدائك للحقوق الشرعية الأخرى التي فرضها الله عليك، كأداء الصلاة وغيرها.
أخي الكريم: أرجو ألاّ تكون غضبت من كلامي، فالله يعلم أني أحب لك الخير، وأدعو لك بظهر الغيب، لكن ما أردت من ذلك كله إلا نصحك وتذكيرك، "فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" [الذاريات:55] هذا والله أعلم.
وصلِ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.