الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاناتي مع أبي
المجيب عبد الله عبد الوهاب بن سردار
إمام وخطيب جامع العمودي بالمدينة المنورة
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/معاملة الوالدين
التاريخ 04/04/1425هـ
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر الـ20 عاماً، ومشكلتي مع والدي الذي يبلغ تقريبا من العمر 45 عاماً، ولكنه لا يصلي، لا يذكر الله، فظ غليظ، لا أذكر مرة أنه تحدت معي في مشاكلي، أو حدثني، أو آنسني، أو جالسني، أو قبلني، أو عانقني، لا بل كان جليسه الجهاز المرئي، والأفلام الأجنبية، فقد كنت أشعر كأنهم أبناؤه ولست أنا.
والدي رجل مقتدر ويمنع عني المصروف، والأنكى من هذا يمنعني من العمل! لا أشعر اتجاهه بالمشاعر، بل بالعكس، أحس أني بدأت أكرهه!
شيخنا الفاضل! ذات مرة تأخرت عن البيت، ولا أنكر أني أخطأت بعض الشيء، حيث تأخرت عن البيت حوالي الـ 3ساعات، من الساعة 4:30 إلى 7:20 مساءً، وفي هذه الفترة كان أحد اخوتي ينتظرني لإيصاله لعمله، وقد ظننت أن زميلا له سيوصله، وعندما دخلت للبيت قام أبي بضربي بالسوط أمام إخوتي صغاراً وكباراً، وأمام عمتي التي كانت في زيارة لنا، شعرت كأني طفل، والله أني أهنت، ومنعني من الذهاب وصلاة العشاء في المسجد!
فيا شيخي: ارشدني كيف يكون التصرف مع مثل هذا الأب -هداه الله-، هل يجوز لي ترك البيت بنية الفرار بالدين؟ وهل يوجد حل آخر؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
وصلتني رسالتك التي تذكر فيها حال أبيك - حفظه الله -، وعلاقته معك، وقد تعاطفت كثيراً معك، ودعوت الله لك وأنا في بيت من بيوت الله أن يفرج كربتك.
ابني الحبيب: أهنئك على الهداية والاستقامة، وأسأل الله لك الثبات حتى تلقى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ فتشرب من حوضه الشريف شربة هنيئة. ابني العزيز: أوصيك بالوصايا التالية لحل مشكلتك -إن شاء الله-:
الوصية الأولى: الصبر الجميل، اصبر على معاملة والدك لك، وتذكر أن الصابر له الجزاء الذي لم يخطر على بال أحد؛ قال تعالى:"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"، "وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً"، وتذكر دائماً أن الصبر سبب في تفريج الكرب، وتحقيق الأهداف؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:"واعلم أن النصر مع الصبر"، فاصبر وإن طال الأمر العسير، واصبر وإن عظم الكرب، واشتد العسر؛ قال تعالى:"فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا"، فاصبر صبراً جميلاً، وتذكر قول القائل:
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري*** وأصبر حتى يأذن الله في أمري
وأصبر حتى يعلم الصبر أني*** صابر على أَمرَّ من الصَّبِرِ.
الوصية الثانية: أشغل نفسك داخل البيت وخارجه؛ اشتغل بتخصصك الدراسي وبالقراءة النافعة، وبأنواع العبادات، وبغير ذلك من النافع من الأمور، وهذا الانشغال يحقق لك ما يلي:
1-
تخفيف أثر المشكلة على نفسيتك.
2-
استفادتك من وقتك في شيء نافع.
3-
زيادة هدايتك واستقامتك.
4-
انظر الوصية القادمة (الثالثة) .
الوصية الثالثة: الابتعاد عن أسباب الاصطدام بالوالد - حفظه الله-، ابتعد عن كل ما قد يسبب غضبه، ويسبب التوتر بينكما حتى لو كان على حساب بعض آرائك أو رغباتك؛ وهذا سيخفف سخونة الموقف بينكما، وبالتالي ستشعر براحة أكبر.
الوصية الرابعة: حاول أن تكون سبباً في تغيير والدك - رعاه الله- ولكن دون أن تكون أنت في الواجهة أمامه، ولكن بطرق غير مباشرة؛ كما يقال - من وراء الكواليس-، وهناك وسائل كثيرة: أذكر لك منها ما يلي:
1-
توفير بعض المواد الإعلامية الدعوية، وتوصيلها إلى الوالد - وفقه الله- بطريقة مناسبة عن طريق شخص كبير؛ مثل: الوالدة - حفظها الله-، أو بعض الأقرباء، أو إمام المسجد، واحرص على اختيار المادة المناسبة واستشعر بعض الدعاة الموجودين حولك، وقد اخترت لك - على عجل- بعض المواد التي تجمع بين المتعة والطرافة والفائدة:
أ- الشريط الإسلامي النافع المؤثر مثل أشرطة السيرة النبوية للدكتور/ طارق السويدان أو غيره، أشرطة التاريخ الإسلامي للدكتور/ أحمد الدعيج، إضافة إلى بعض أشرطة التربية.
ب- الكتيبات الصغيرة.
ج - أشرطة الفيديو: مثل أشرطة بعض حفلات الجوالة الطريفة، وكذلك أشرطة التربية، وكذلك أشرطة فلسطين مثل (أبطال الانتفاضة) ، (أطفال سطروا التاريخ بدمائهم) .
د - المجلات الهادفة: مثل: (مجلة الأسرة - مجلة مساء) ، ومجلة (ولدي) .
2-
طلب المساعدة من بعض الكبار ليكونوا عوناً في حصول الخير- للوالد الكريم حفظه الله - مثل الوالدة، إمام المسجد، بعض الأقرباء، أو أي شخص آخر يكون مناسباً، واحرص على السرية التامة حتى لا يعرف الوالد- سدده الله- ذلك الأمر.
3-
الدعاء له بكثرة وإلحاح وصدق في أوقات الإجابة؛ لعل الله أن يجعل ذلك سبباً في حصول الخير لوالدك الكريم- رعاه الله- وأذكر لك هنا قصة صغيرة واقعية:
كان أحد الشباب الصغار يعاني من بعد والده عن الله، فجعل يجتهد في الدعاء لأبيه، وظل على ذلك وقتاً طويلاً حتى أنه كان يقوم الليل ويدعو لوالده، وفي إحدى الليالي قام الأب من نومه في آخر الليل ليقضي بعض حاجته، فسمع صوتاً يصدر من غرفة ابنه، فلما اقترب، وإذا بالابن قائم يصلي ويدعو الله لأبيه، ويبكي مع دعائه، فتأثر الأب، وكان ذلك سبباً في هداية الأب.
الوصية الخامسة: يجب عليك- حفظك الله - أن تعرف أن كل الوسائل ستنفع أباك أكثر وأكثر إذا كان معها أداؤك الحقوق الواجبة عليك؛ مثل طاعة الأوامر وتنفيذ المطلوب منك، ومثل عرض الخدمة عليه، وإن لم يطلب منك شيئاً معيناً ومثل معاملته بأدب واحترام وإجلال بأن تجمع بين الأدب القولي والأدب العملي.
الوصية السادسة: تذكر دائماً أن والدك - حفظه الله - هو جنتك أو نارك، فلا تفقده مهما حصل.
الوصية السابعة: احذرك من الخروج والفرار من البيت؛ لأن ذلك سيزيد المشكلة، ويعقدها، وسيخسر الجميع الراحة والأمان، وربما تكون أنت الخاسر الأكبر.
وختاماً: أسأل الله عز وجل أن يعينك ويحفظك ويثبتك، وأن يجعل أباك من خير الناس مع الله ثم معكم جميعاً، تحيتي العطرة لشخصك الكريم، وأنا معك بقلبي ودعائي.