الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زوجتي ليست بكراً
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/الشك
التاريخ 19/12/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ: أنا شاب مسلم، وأعمل في دولة من دول الخليج، سافرت قبل شهرين وتزوجت في بلدي، واكتشفت أول يوم في الزواج بأنها ليست بكراً، ولم أتأكد بهذا إلا بعد مضي حوالي شهر، حيث إنني كنت أشك فقط وكنت أتجادل معها حتى صارحتني بعد شهر بأنه كان لها علاقة مع أحد الناس، وأنها أخطأت معه، وباشرها أكثر من ست مرات، ومن يومها لا أعرف ماذا أفعل؟ هل أطلقها؟ ولكني أحبها لدرجة كبيرة جداً، بالرغم مما أشعر به من مرارة، وبالرغم من الشك الذي لا يجعلني أنام، وخصوصاً وأنا في بلد غريب وتركتها وحدها، فلو طلقتها فلن تتوب، ولقد أقنعتها بلبس الحجاب وقامت بذلك بالفعل، بالله عليك دلني لأفضل عمل أقوم به في نظر الإسلام، ولك شكري.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
إلى الأخ الكريم: - حفظه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في الحقيقة أشعر بمدى الأسى والحزن والحيرة والشك الذي تعيش فيه ويسيطر عليك، وحق لك ذلك، فإن مصابك ليس بالهين، فجرحك عميق، وأن ما تعانيه أمر مؤذٍ وشيء محرج للغاية، ولا يمر بإنسان هذا الموقف إلا ويصيبه مثلما أصابك، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لكن أخي الكريم أود أن ألفت نظرك لعدة أمور منها:
(1)
أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً بطبعه ذكراً كان أو أنثى، وخلقه مجبولاً على الخطأ والنقص، وهذا الأمر متأصل في الإنسان منذ بداية الخليقة، فهذا أبونا آدم عليه السلام كان يعيش في جنة الخلد، ومع ذلك لم يسلم من الخطأ وإغواء الشيطان له والقصة معروفة، فيا أخي الكريم كلنا ذو خطأ وخير الخطائين التوابون.
وأنا أقول لك هل هناك إنسان لم يخطئ أبداً؟ أنت نفسك عندك من الخطايا والذنوب والآثام ما الله به عليم، وكلنا كذلك.
من الذي ما ساء قط *** ومن له الحسنى فقط
فليس هناك أحد معصوم من الخطأ والزلل إلا الأنبياء - صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعاً - حتى الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم جميعاً- لم يسلموا من هذه الأخطاء، وتلك الذنوب، وما حديث المرأة الغامدية رضي الله عنها التي زنت وذهبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يقيم عليها الحد عنك ببعيد، وكذلك حديث ماعز رضي الله عنه الذي زنى هو الآخر، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم عليه الحد، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم كل من الغامدية وماعز رضي الله عنهما حتى قال صلى الله عليه وسلم عن الغامدية رضي الله عنها:"لقد تابت توبة لو قُسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟! " أخرجه مسلم (1696) ، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما فالله سبحانه وتعالى أرحم بعباده، فقد جعل لهم مخرجاً ومنفذاًُ إذا وقعوا في الخطأ، وذلك بالتوبة والاستغفار وفعل الخير، لذلك قال - تعالى -:"إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين"[هود: 114]، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها لما رماها المنافقون بالزنا - وحاشها ذلك- قال لها:"يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه وتاب إلى الله تاب الله عليه" رواه البخاري (4750) .
(2)
هل كان اختيارك لهذه الزوجة على أساس ديني أم ماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك" متفق عليه عند البخاري (5090) ، ومسلم (1466) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:"تربت يداك" أي فزت وربحت لاختيارك صاحبة الدين على من سواها، فهل كان اختيارك لهذه الفتاة على هذا الاختيار أم ماذا؟.
(3)
الزواج نعمة عظيمة ومنحة من الله جسيمة، فهو رباط شرعي مقدَّس، وقد سماه الله سبحانه وتعالى ميثاقاً غليظاً، وقد أحاطه الله سبحانه وتعالى بحصون كثيرة تمنعه من الاهتزاز والسقوط، وأمرنا جميعاً أن نتعاون فيما بيننا ونعمل على حماية هذا الصرح الشامخ، وذلك بكل الوسائل المحكمة والمتاحة لنا، وأن نتجاوز عن كثير من المشاكل والعقبات التي قد تؤدي إلى انهيار هذا البناء، قال -تعالى -:"وعاشروهن بالمعروف"[النساء: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم:"استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" متفق عليه عند البخاري (5184) ، ومسلم (1468) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فبناء على ما تقدم أرى أن عليك الآتي:
(1)
إذا تابت هذه المرأة من هذا الذنب العظيم توبة نصوحا، ً وأحسستَ منها صدق التوبة فليس لك عليها سبيل فامسكها وأحسن إليها، أما إذا كانت باقية على هذا الذنب فلا يحل لك البقاء معها؛ لأن الله حرم ذلك على المؤمنين قال -تعالى-:"الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين"[النور: 3] .
(2)
إذا تابت هذه المرأة فينبغي عليك أن تنسى هذا الأمر بالكلية، وتعيش معها حياة طيبة وكأن شيئاً لم يكن.
(3)
عليك أن تزيل هذه الوساوس من نفسك، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلاً، فلا تجعل من نفسك أرضاً خصبة للشيطان يرتع فيها ويجول، ودع عنك هذه الوساوس والشكوك؛ لأن هذه الوساوس والشكوك إذا تحكمت منك جعلت حياتك جحيماً، وحدث ما لا يحمد عقباه.
(4)
إذا كنت لا تستطيع أن تسيطر على نفسك، وقد تحكمت الشكوك والوساوس في نفسك فالأولى والأفضل لك ولها الانفصال؛ حتى لا تظلمها ولا تؤذيها، وعسى الله أن يبدلك خيراً منها ويبدلها خيراً منك.
(5)
عليك بالاستخارة والإكثار من الدعاء وصدق اللجوء إلى الله أن ييسر أمرك، ويريح نفسك، ويهدئ روعك، ويذهب غيظ نفسك، ويبعد عنك وساوس الشيطان، وأن يبدل هذه الشكوك إلى ثقة واطمئنان.
(6)
حاول واسع جاهداً ألا تبتعد عن زوجتك مدة طويلة؛ فأنت شاب وحديث عهد بعرس، وكذلك زوجتك والشيطان حريص على إضلال العباد وإفسادهم، فكن على حذر منه، فاجتهد بأن تأتي بزوجتك عندك في البلدة التي تعمل فيها، ويكون ذلك أدعى لذهاب هذه الوساوس والشكوك التي تعتريك وتنغص عليك حياتك، ويكون ذلك سبباً في إنقاذك من الحيرة التي أنت تعاني منها.
هذا والله أعلم، نسأل الله أن يوفقنا وإياك لكل خير وبر، ويصرف عنا وعنك كل سوء وشر، ويقر عينك بصلاح زوجك اللهم آمين، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.