الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زوجي يضربني، فهل أطلب الطلاق
؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/سوء العشرة
التاريخ 6/10/1424هـ
السؤال
هل يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق إذا كان زوجها يضربها (ليس دائماً، مرة أو مرتين في السنة في حالة غضب) مع العلم أن زوجها يحس بالندم كلما ضربها، وهذا الزوج مسلم يحافظ على صلاته، لكن عنده بعض المخالفات الشرعية كحلق اللحية وغير ذلك.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنَّا سيئ الأخلاق، فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، والصلاة والسلام على المنعوت بأحسن الأخلاق نبينا محمد الذي وصفه ربه بقوله:"وإنك لعلى خلق عظيم"[القلم: 4]، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
إلى الأخ السائل: - حفظه الله تعالى- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
أخي الكريم: لقد قرأت رسالتك وهذا جوابها:
(1)
اعلم يا رعاك الله أن الزواج نعمة عظيمة، ومنحة من الله جسيمة، وقد امتن الله بها على كثير من عباده، وذلك من أجل عمارة الأرض، ومن أجل راحة الزوجين في هذه الحياة، قال تعالى ممتناً على عباده:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"[الروم: 21] .
فمن أهداف الزواج وأغراضه النبيلة السكن بين الزوجين، والمودة والرحمة المتبادلة بينهما، أما إذا تحولت الحياة بين الزوجين إلى خصام وعتاب ونكد وإيذاء من كلا الطرفين فعندئذ يفقد الزواج الغرض الذي شرع من أجله، ومن ثم ينهدم بيت الزوجية، وتنتهي الحياة الأسرية، مما يكون لذلك الأثر السيئ على الفرد والمجتمع والأمة.
(2)
الزواج رباط شرعي مقدس، قد سماه الله سبحانه وتعالى الميثاق الغليظ، ولذلك أحاطه الله سبحانه وتعالى بحصون منيعة كثيرة تمنعه من السقوط والاهتزاز، وأمرنا جميعاً أن نتعاون فيما بيننا، ونعمل على حماية هذا الصرح الشامخ من الانهيار، وذلك بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لنا، وأن نتجاوز عن كثير من المشاكل والعقبات التي يمكن لنا غض الطرف عنها، والتي بدورها قد تؤدي إلى انهيار هذا البناء الأسري، ومن هذه الوسائل المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، قال تعالى:"وعاشروهن بالمعروف"[النساء:19] .
(3)
لقد وضع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نظاماً للبيت المسلم، والذي به يضمن استمرارية الحياة الزوجية بين الطرفين، فقد جعل حقوقاً للزوجة على زوجها، وللزوج على زوجته، وأمر كلاً من الطرفين أن يعطي للآخر حقه ولا يقصر فيه، فمن حقوق الزوج على زوجته السمع والطاعة له ما لم يكن في معصية، وأن لا تعمل على إغضابه وإثارته، وأن تتجنب حدوث المشاكل التي تحدث بينهما قدر الإمكان، وإن حدثت بعض المشاكل فيجب أن تحل بأيسر الطرق وأحكمها.
وكذلك من حقوق الزوجة على زوجها، أن يحسن معاشرتها وأن يعاملها بالمعروف، وأن يتجاوز عن بعض الأخطاء ويعالجها بشكل شرعي، فمثلاً قضية ضرب الزوج لزوجته، وهي بيت القصيد في رسالتك، فقد وضع الله علاجاً قرآنياً لهذه القضية والذي غفل عن هذا العلاج كثير من المسلمين اليوم إلا من رحم ربي، وإن شئت فقل كثير من المسلمين اليوم أخذ بنهاية العلاج وهو الضرب.
قال تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً"[النساء: 34] ، فعلى الزوج العاقل أن يتبع هذا التوجيه الرباني إذا صدر من زوجته ما يدعو لتأديبها، فيبدأ بالوعظ، فإن لم يؤثر انتقل إلى الهجر ويكون في المضجع، فإن لم يؤثر انتقل إلى الضرب فما هو صفة الضرب إذاً، اقرأ هذا الحديث ليوضح لك صفة الضرب الذي تتخذه مع زوجتك، عن عمرو بن الأحوص- رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يقول بعد حمد الله تعالى، وأثنى عليه وذكّر ووعظ، ثم قال:"ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك؛ إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" أخرجه الترمذي (1163)، وقال: حديث حسن صحيح.
فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "واضربهون ضرباً غير مبرح" أي لا تكسر ضلعاً، ولا تسبب عاهة، ولا تترك أثراً. واقرأ هذا الحديث الآخر: عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" أخرجه أبو داود (2142) ، وابن ماجة (1850) ، وغيرهما، وقال النووي: حديث حسن. وعلى ذلك فنقول لكل من الزوجين:
(1)
على الزوجين الكريمين أن يراعى كل منهما حق الله في صاحبه.
(2)
على الزوجة أن تبتعد عن كل ما يغضب الزوج ويثيره، حتى لا يؤدي ذلك إلى تصرف الزوج معها تصرفاً سيئاً كالضرب ونحوه.
(3)
وعلى الزوج إذا فعلت زوجته أمر ما أغضبه أن يتبع التوجيه الرباني والهدى النبوي في التأديب على نحو ما قد بيناه آنفاً.
(4)
على الطرفين أن يذكِّر كل منهما الآخر بالحقوق الشرعية التي فرضها الله ورسوله عليهما، وخصوصاً إذا ظهر من أحد الطرفين تقصير في حق الآخر.
(5)
على الزوجة أن تعلم بأن الضرب ليس سبباً من أسباب طلب المرأة الطلاق، وعليها أن تعلم كذلك بأن زوجها يحبها حباً كثيراً، بدليل أنه يندم إذا ضربها، وكذلك كونه يضربها مرة أو مرتين في السنة لا يعد هذا ضرباً إذا قورن بحال الآخرين، فهناك من الرجال من يضرب زوجته في اليوم مرات عدة، نسأل الله العفو والعافية، فعلى الزوجة أن تحمد الله على أن رزقها زوجاً يحبها.
(6)
على الأخ الزوج أن يملك نفسه عند الغضب، ويحاول أن يبتعد عن المكان الذي حدث فيه الغضب أو ينهي الموضوع الذي يسبب ذلك، أو أي طريقة أخرى المهم أنه يسيطر على نفسه عند الغضب، فلا يجعل للشيطان عليه سبيلا.
(7)
على الزوج أن يقلع عن كل المخالفات الشرعية المتلبس بها كحلق اللحية وغيرها، ونحمد إليه الله على أنه مواظب ومحافظ على الصلاة، فهذا خير عظيم ودليل على صلاحه إن شاء الله.
(8)
على الزوجين أن يلجآ إلى الله بالدعاء في كل وقت، وخصوصاً في وقت الأزمات والمشاكل، ويسألاه أن ينهي المشاكل التي تحدث بينهما على خير.
هذا والله أعلم، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.