الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل الخلع يحقق لي السعادة
؟
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/مشكلات الطلاق
التاريخ 12/02/1426هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت موظفة بسيطة، قابلت رجلاً يكبرني في السن بأكثر من عشرين سنة، وأقمنا علاقة جنسية ولمدة طويلة، ثم تزوجنا، هو متزوج من زوجة أخرى، ومع ذلك وافقت، علاوة على أنني كانت لي علاقات سيئة مع رجال أجانب، وقد تزوجت زواجاً عرفياً أكثر من مرة، وقمت بأربع عمليات إجهاض، وغير ذلك من الذنوب والمعاصي والآثام والمنكرات، وطبعاً أهلي لا يعرفون شيئاً عن هذا، وقد حججت أنا وزوجي، لكني لا أصلي ولا ألتزم بالحجاب الشرعي، ومنذ حوالي ثلاث سنوات وأنا أفكر في الطلاق، رغم أنني مازلت أحبه وهو يحبني جداً، أنا أحس أنه يكذب علي كثيراً، أنا متأكدة أنه لا يخونني، ولكن إحساسي يقول لي يوجد شيء خطأ، وهو رافض الطلاق ويحاول أن يجعلني أُصلِّي، ولكني عنيدة، وكلما يسألني صليتِ؟ أقول: لا، هذا أمر بيني وبين ربنا، وأنا لا أحب أي شخص يفرض علي شيئاً، وحتى أجبره ليطلقني أقوم بالخروج من البيت كل يوم لوحدي، أذهب عند أهلي، ونروح سينما، أو أجلس على مقهى، وألبس لبساً ضيقاً، وأعمل مكياجاً جميلاً، وأرجع منتصف الليل، وأذهب إلى المصيف مع البنات لوحدنا، وألبس (المايوه) ، وحتى الآن هو رافض موضوع الطلاق، ويقول غداً ربنا يهديني، والآن أنا أفكر في الخلع، ولكن ليس عندي سبب غير أنني غير مرتاحة، وأنا متأكدة أن مستقبلي سوف يكون أحسن بدون زوجي هذا، صديقة لي قالت: إذا طلبت الخلع سوف يأخذ منك كل شيء مثل الشقة، والسيارة، والذهب، وحتى الملابس من حقه أن يطلبها، وصديقة أخرى قالت: طالما كتب هذه الأشياء باسمك فلا يستطيع، أريد أن أعرف هذه الأشياء حتى أعرف ما أفعل، زوجي لم يضربني مرة واحدة، ولم يسبني أيضاً، ولم يعايرني بالماضي، ولكن أنا لا أريده، علماً أن ظروفه المالية الآن تعتبر حرجة، ولكن ليس هذا هو السبب. ماذا أفعل؟ والسلام عليكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخت السائلة: لقد قرأت كلامك في هذا السؤال أكثر من مرة، ووجدت أنك تكلمت بكل صراحة ووضوح، ولذا فإني أطلب منك أن تفتحي لي قلبك وترعي لي سمعك، وتقرئي ما سأكتبه لك؛ لأني سأتكلم بكل صراحة ووضوح، فأقول:
واضح أنك تبحثين عن الراحة والسعادة، ولكنك والله أخطأت طريقها، واضح أنك غافلة عما خلقت لأجله، قال تعالى:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"[الذاريات: 56] إنك - يا أختي - في أمسّ الحاجة إلى شيء واحد، هو التوبة النصوح مما اقترفتيه من الذنوب، أنت تعلمين أن الصلاة واجبة، بل هي ركن من أركان الإسلام الخمسة، وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" أخرجه الترمذي (2616) ، وغيره من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وأنت تعلمين أن ترك الصلاة حرام، بل هو كفر، قال صلى الله عليه وسلم:"بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة" أخرجه مسلم (82) من حديث جابر رضي الله عنه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة) أخرجه مالك (84) في الموطأ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:(من ترك الصلاة فلا دين له) . فكيف تريدين السعادة والراحة وأنت لا تغتسلين من الجنابة ولا تصلين؟!
إنه يجب عليك أن تتوبي إلى الله -تعالى- من الفواحش التي اقترفتيها بأي اسم سميتيها، فهي الزنا بعينه الذي قال الله عز وجل عنه:"ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً"[الإسراء: 32] ، لقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم حال الزناة والزواني في قبورهم أنهم في تنّور أسفله واسع، وأعلاه ضيق، وهم عراة يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا - أي صاحوا من شدة حرّه-. انظر ما أخرجه البخاري (1386) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه نسأل الله العافية.
عند قوله تعالى: "لها سبعة أبواب" أي لجهنم، قال بعض السلف:(أشد الأبواب غمًّا وحرًّا وكرباً وأنتنها ريحاً للزناة الذين ارتكبوا الزنا بعد العلم) .
أنت تعلمين أنه يجب عليك أن تتحجبي، وقد ذكرت أنك حاولت ولم تفعلي كيف لا تفعلين ذلك، وقد أمرك ربك وخالقك والذي شق سمعك وبصرك، وأصحّ بدنك، ورزقك العافية بقوله سبحانه وتعالى:"وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن"[النور: 31] ، فيأمر الله -تعالى- المؤمنات -أسأل الله أن يجعلك منهن- ألا ينظرن بأبصارهن إلى ما حرم الله، ويحفظن فروجهن من الزنا والفواحش، ولا يظهرن زينتهن إلا ما ظهر منها، ولا يمكين سترة من الثياب والعباءة ونحوها، وليرخين بخمرهن -أي حجابهن- على جيوبهن أي أعلا صدورهن، ولا يظهرن زينة إلا للمحارم ثم ذكرهم وهم: (الزوج، والأب، والابن
…
إلخ..) ، وقال تعالى:"وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب"[الأحزاب: 53]، وقال تعالى:"وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى"[الأحزاب: 33] ، أتدرين ما هو تبرج الجاهلية الأولى الذي نهى الله عز وجل عنه؟ إنه خروج المرأة ومشيها بين الرجال متكشفة -كما هو حالك الذي ذكرتيه في السؤال-، وقال تعالى:"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً"[الأحزاب: 59] ، فهذا أمر الله -تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء بإدناء أي تقريب جلابيبهن، والمراد بها العباءة أن تقربها من رأسها وبدنها حتى تسترها وتتميز المرأة الحرّة بذلك.
يا أختي الكريمة: إن الحجاب للنساء عبادة وفطرة وحياء، وطهارة، وعفة، وكرامة، وسعادة، فإذا كنت تريدينها فدعي عنك التبرج والتهتك والتفسخ، ولا عذر لك في ذلك. إنني أنصحك بالبقاء مع زوجك هذا ما دام يحبك وتحبينه، وتتوبي إلى الله أنت وإياه مما اقترفتموه سابقاً، وتنجبون الأولاد، وتعيشون حياة هانئة سعيدة، إنه زوج فيه خير كثير، يأمر بالصلاة، ولا يعيرك، ولا يسبك، ويحبك، وأنت متأكدة أنه لا يخونك، فكيف تفرطين فيه؟ إن سبب ذلك هو ما تعيشينه من غفلة عما خلقت له حتى ظننتي أن السعادة في الحرية من كل شيء، لا تريدين أحداً يفرض عليك شيئاً، كأنك تريدين أن تعودي لما كنت عليه سابقاً من علاقات كثيرة، وزواج عرفي، وفساد، وهذا والله هو الضياع والتعاسة؛ ولذا أنت تقولين:(إن إحساسي بيقول فيه حاجة غلط، (إنني غير مرتاحة) ، (وأنا متأكدة أن مستقبلي سوف يكون أحسن بدون زوجي هذا) ، وأنا والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه سبحانه وتعالى متأكد أن حالك سيكون أشد تعاسة إذا طلقك زوجك وبقيت على حالة الغفلة التي أنت فيها.
إنه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب مقنع -كما هو حالك-، قال صلى الله عليه وسلم:"أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غيرما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" أخرجه الترمذي (1187) ، وأبو داود (2226) ، وابن ماجة (2055) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن المختلعات هنّ المنافقات" أخرجه الترمذي (1186) ، وأبو داود (2226) ، وابن ماجة (2055) من حديث ثوبان رضي الله عنه، إنني أكرر عليك مرة أخرى بأن تتوبي إلى الله -تعالى- وتعودي إليه، فإنه يحب التوابين ويفرح بهم، ويغفر ذنوبهم، ويستر عيوبهم، ويسعدهم مهما كانت الذنوب عظيمة، فإن الله يغفرها لمن تاب. قال عز وجل:"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم"[الزمر: 53] . احمدي الله -تعالى- أنه أمهلك إلى الآن ولم يقبضك وأنت على تلك الفواحش والعظائم، واستدركي حالك قبل أن يفاجئك الموت فتندمي ولا ينفع الندم، إنك مع الإيمان والتوبة النصوح والعمل الصالح، وتلاوة القرآن الكريم وتدبره، تسعدين وينشرح صدرك، وستقولين أين أنا من هذه السعادة، وعند الموت تعودين إلى ربك الذي وعد المؤمنين بالروح والريحان، ودخول الجنان، والنجاة من النيران، كم ستعيشين؟ مائة سنة؟ ثمانين سنة؟ سبعين سنة؟ أقل؟ أكثر؟ وكلها مليئة بالمنكرات والمنغصات، ثم تنتقلين إلى الآخرة، وهناك السعادة الأبدية أو التعاسة والشقاوة السرمدية. إن تلك السنوات المعدودة لا تساوي شيئاً عند حياة أبدية لا تنقطع، فلا تضيعيها بشهوة عابرة وضحكة ساخرة، وضياع وغفلة، قال تعالى:"يا قومي إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار"[غافر: 39] .
أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب أن يشرح صدرك، ويتوب عليك، ويمن عليك بالسعادة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.