الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لماذا يقاطعوني وزوجتي
؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/معاملة الوالدين
التاريخ 06/02/1426هـ
السؤال
بعد التحية.
زوجان متزوجان حديثاً جداً، والمشكلة هي أن الزوجة قررت ارتداء النقاب والزوج أيضا ملتح، والعائلتان ترفضان ذلك، وقاطعوا الزوجين مقاطعة تامة، وطلباتهم أن يحلق الزوج لحيته، وتخلع الزوجة النقاب، وتكتفي بارتداء الخمار أو الحجاب، أي ستر الشعر فقط مع كشف الوجه، والزوجة لا تريد إغضاب أمها، وحريصة على علاقاتها معها، كما أن الزوج لا يريد إغضاب أبيه أيضاً، كما أنه يعمل معه، وقد اشترط والده لاستمراره في العمل أن يحلق لحيته، وإن لم يحلقها فلا عمل له، وهو زوج حديث ومحتاج للعمل لإعالة زوجته، فبماذا تنصح هذين الزوجين؟ وماذا ترى فضيلتكم أن يتعين عليهما أن يقوما به.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على إمام الهدى نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
إلى الأخ الفاضل: - سلمه الله تعالى-، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد قرأت رسالتك الطيبة المباركة، وكم شعرت بالسعادة والسرور وأنا أرى شاباً حديث عهد بعرس يسلك طريق الاستقامة والخير هو وعروسه، فبداية أقول: بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير، والله أسأل أن يجعل لكما من كل بلاء عافية، ومن كل ضيق سعة، ومن كل هم فرجاً، ومن كل حزن فرحاً، ومن كل كرب نجاة.
أخي الحبيب: إن ما تعاني منه يعاني منه فئام كثيرة من البشر، بل لقد عانى منه الأنبياء والرسل - صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعاً- وكذلك من سار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، قال تعالى:"الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"[العنكبوت1 -3] ، فإن ما أنت فيه بلاء عظيم، واختبار من الله لك ولزوجك؛ لينظر مدى صدقكما في الاستقامة على شرع الله، وهذا البلاء سنة الله في خلقه، قال تعالى:"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"[البقرة:155] ، إذاً يجب عليكما الصبر على هذا البلاء، والتمسك بدين الله، وأبشرا بالعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، فهذا وعد الله للصابرين بالبشرى، ولن يخلف الله وعده أبداً، يقول صلى الله عليه وسلم:"ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم؛ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها خطاياه" متفق عليه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري: البخاري (5642) ، ومسلم (2573) رضي الله عنهما، ويقول صلى الله عليه وسلم:"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط" أخرجه الترمذي (2396)، وابن ماجه (4031) من حديث أنس رضي الله عنه وقال الترمذي: حديث حسن. وقد ثبت عَنْ سَعْدٍ أَنهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ.." الحديث
…
أخرجه الترمذي (2398) ، وابن ماجه (4023)
فيا - أخي الكريم- اثبت على ما أنت عليه، وتذكر أنبياء الله ورسله، وفي مقدمتهم نبينا محمد - صلى الله عليه وعليهم جميعاً- كم لاقوا من الأذى والتعب، والنصب من قومهم وذويهم، بل من أقرب الأقربين، ولكنهم ما ضعفوا ولا استكانوا، وتمسكوا بالدين، فكانت العاقبة الطيبة لهم ولمن تبعهم إلى يوم الدين، فاحرص على أن تكون أنت وزوجك مع هذا الركب المبارك.
فإن أصر والدك على موقفه فلا تضعف، وسيعوضك الله خيراً مما فقدته من أبيك، قال صلى الله عليه وسلم:"إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا أعطاك الله خيراً منه" أخرجه أحمد (20739) .
وكذلك زوجتك لا يضرها موقف أهلها وأمها، فيجب عليكما أن تقدما ما يحبه الله ويرضاه على ما يحبه أهلوكم، ومع الأيام سترون النتيجة الطيبة والتي تكون في صالحكما، قال صلى الله عليه وسلم:"من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" أخرجه ابن حبان (276) .
وإني أقدم لك ولزوجك بعض النصائح فاتبعاها:
(1)
عليكما بتقوى الله في السر والعلن، فتقوى الله أساس كل خير، وفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
…
" [الطلاق: 2-3] .
(2)
عليكما بكثرة الاستغفار والذكر؛ قال تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً *وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً"[نوح:10-12] .
(3)
عليكما بحسن الظن بالله والثقة فيما عنده؛ فإن الله عند حسن ظن عبده به، فليظن العبد بربه ما شاء.
(4)
عليكما بالصبر على هذا البلاء، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-:(إن للرب على العبد عبوديتان: عبودية في الرخاء وهي الشكر، وعبودية في الشدة والبلاء وهي الصبر) أ. هـ، وقد تعبدنا الله بالصبر في أكثر من آية من كتابه العزيز.
(5)
عليكما بكثرة الدعاء والتضرع إلى الله بصدق أن يكشف الله عنكما هذا البلاء، وأبشرا بالخير؛ فهو سبحانه تكفل بإجابة الدعاء، قال تعالى:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"[البقرة:186]، وقال تعالى: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ
…
" [النمل: من الآية62] ، فأنتما المضطران، وهو سبحانه المجيب.
(6)
عليكما بتحري أوقات الإجابة، مثل ما بين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل؛ حيث النزول الإلهي، ودبر كل صلاة، وفي الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وعند نزول المطر، وعند الإفطار، وأثناء السفر، إلى غير ذلك من الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء.
(7)
عليكما بالإكثار من قراءة القرآن وتدبر معانيه، وكذلك قراءة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وغيرهم من علماء السلف، ففي قصصهم عبرة لأولي الأبصار.
(8)
عليكما بتوسيط أحد الدعاة أو الأقارب ممن يكون له تقدير عند أهليكم؛ حتى يوضح لهم خطأ ما هم عليه، وصواب ما أنتما عليه.
(9)
إذا بارت الحيل ونفدت السبل فلا تخافا الضيعة -يا أخي-.
والزم يديك بحبل الله معتصماً، فإنه الركن إن خانتك أركان.
ولا تظن بأن الله سيتخلى عنكما، بل سيفتح لكما من أبواب الرزق ما لم يكن في الحسبان ولم يخطر لكما على بال؛ فهو سبحانه القائل:" وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ"[الطلاق: من الآية3] .
وأخيراً أقول لك:
يا صاحب الهم إن الهم منفرج
…
أبشر بخير فإن الفارج الله
وإذا بُليت فثق بالله وارض به.... إن الذي يكشف البلوى هو الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة
…
لا تجزعن فإن الصانع الله
والله ما لك غير الله من أحد
…
فحسبك الله في كل لك الله
هذا والله أعلم، ونحن في انتظار رسالتك للاطمئنان عليك، وصلِّ الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.