الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقسو عليها ويصدها عن الاستقامة
المجيب د. فاتن بنت محمد المشرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/ضعف الوازع الديني
التاريخ 17/11/1425هـ
السؤال
مررت بحياة قاسية، فقدت والديَّ في لحظة واحدة في حادث سير، ومررت بظروف نفسية صعبة، وأشدّ ما عذَّبني أنني لم أكن بارة بوالديَّ، كما ينبغي، لجهلي، وأمور أخرى كثيرة، ولم أكن أرتدي الحجاب، إنما كنت سافرة متبرجة، وكنت على قدر كبير من الجمال، تزوجت على أمل أن الشخص الذي سأتزوجه سأشعر معه بالأمان والحب والحنان، فجاء الأمر أقسى وأمر، فعشت معه ذليلة، مكسورة، حتى عندما فقدت والديّ، وكان قد مضى على زواجي سنة واحدة، ازداد معي ظلمًا وقسوة، وأصبحت حياتي مملوءة بالمرارة والضيق والألم، وحيدة أعاني همي، إلى أن هداني الله تعالى، وأردت التوبة والإصلاح، وعزمت، وتوكلت على الله، ولم أجد لنفسي مخرجًا غير أن أقرأ القرآن وأحفظه، وأتعلم أمور الدين، التحقت بمعاهد شرعية على الإنترنت، وبدأت رحلة حفظ القرآن- والحمد لله. أنا اليوم أدعو الله تعالى- أن يسامحني والديَّ، وأدعو لهما في كل وقت، وارتديت الحجاب، وحاولت التدين، وسألت الله الصبر والتيسير، ودعوت زوجي للإصلاح بيني وبينه وبين جميع الناس، لكنه كان قاسيًا، يضطهدني وينهرني، ويقلِّل من هذا الأمر- الالتزام والتدين- ولا أجد حتى كلمة طيبة منه تطيب خاطري، واليوم أبكي حسرة وندامة على الماضي، وعلى عمر مضى، مشكلتي اليوم تتحدد في علاقتي بزوجي، فهو يقف ضد التزامي، ورغم أنه يدرك أمورًا كثيرة من الدين إلا أنه غير ملتزم كما ينبغي، ماذا أفعل؟ تعبت كثيرًا ولم أعد قادرة على تحمل جبروته وإهانته، وأدعو الله أن ييسر لي، لكن بلاء الله يشتد، والامتحان صعب، وأنا مجهدة ولا أجد من يعينني على التزامي وتوبتي، فبلادنا يسودها الجهل، وينعدم فيها الوازع الديني، دلني على الطريق، هل أنزوي بنفسي وأعيش ملتزمة متدينة، أم أجامل في أمور في غاية الفجور والفسوق، أحتاج منكم النصيحة والدعاء. وجزاكم الله خيرًا، أنقذوني قبل أن أغرق.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك لكِ- يا أخية- هذا التمسك بدين الله، رغم الظروف القاسية التي تعيشينها، وأذكرك بما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد امتُحن وابتُلي من أقرب الناس إليه، من عمه وقومه، ومن ذلك ما حدث من قبل أهل الطائف، حيث ذهب إليهم يدعوهم، فرموه بالحجارة حتى أدميت قدماه، ويسأله جبريل عليه السلام: هل أطبق عليهم الأخشبين (الجبلين؟) . فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا؛ لَعَلَّ اللهَ أنْ يُخْرِجَ مِن أَصْلابِهِم مَن يَعْبُدُ اللهَ". صحيح البخاري (3231) ومسلم (1795) . وفعلًا، مع مرور الزمن أسلم أهل الطائف، وأخرج الله من أصلابهم من يعبد الله، لذا أقول لك: ِ عليك- يا أختي- التمسك بدين الله وأوامره، وشرائعه، وإن كنت في هذا المجتمع الفاسق، وأيضًا الدعوة إليه، وكما ورد في الحديث:"مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا". أخرجه مسلم (2674) . فإذا استمررتِ أنت في الدعوة إلى الله، فلعل الله أن يهدي على يديك أحدًا منهم، ثم يكون لك أجره وأجر من اهتدى بعده على يديه إلى يوم القيامة، وهذا فضل عظيم من الله، فيكون لك الأجر، وأيضًا يكون عونًا لك في هذا الطريق، واحذري من مشاركتهم في الفجور والفسوق المحرم، والمجاملة على حساب أمور الدين، وعليك اللجوء إلى الله والدعاء، وتحري أوقات الإجابة، كثلث الليل الأخير، وما بين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند فطر الصائم؛ أن يهدي الله زوجك، وأن يرده إليك ردًّا جميلًا، فيكون عونًا لك على الطاعة، وأن يجعل قلبه يميل إليك ويحبك، ويحنو عليك، وما حصل لك فهو من الابتلاء، ويحتاج إلى صبر وتحمل، كما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم.
أما بالنسبة لوالديك- رحمهما الله تعالى- فعليك أولًا التوبة إلى الله من عدم برهما، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، ثم عليك الدعاء لهما دائمًا في كل وقت؛ لأنه كما ورد في الحديث:"إذَا مَاتَ الإنسان ُانقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلاثٍ". وذكر: "أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". أخرجه مسلم (1631) . فادعي الله دائمًا أن يغفر لهما، وأن يرفعهما في عليين، وأن يتقبل توبتك في عدم برهما، وأيضًا من الأمور التي تعمل لهما بعد موتهما: الصدقة عنهما؛ فإخراج المال منك عنهما مما يعوِّض ما حصل منك من قبل، وإخراجه في وجوه الخير، وقد ورد في الحديث:"إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ". أخرجه ابن ماجه (3660) . أعانك الله، وبارك فيك، ونفعك بعلمك.