الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه الأم، هل تستحق البر
؟!
المجيب يوسف صديق البدري
داعية إسلامي وخطيب مسجد الريان بالمعادي ومستشار اللغة العربية بوزارة التعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/مشكلات أسرية
التاريخ 04/07/1426هـ
السؤال
أنا فتاه والحمد لله متدينة، ولكن مشكلتي هي أمي، فهي غريبة الطباع فلا أشعر منها بأي حنان، فهي قاسية للغاية، دائماً ما تدعو علي أنا وإخوتي، وهي بجانب كل ذلك تسيء معاملة والدي جداً، ولا تحترم مشاعره أبداً، فأنا لا أتذكر لها أي ذكرى جميلة، وأنا -والله- أحاول كثيراً أن أمسك نفسي من الوقوع معها في مشاكل، ولكن أحيانا لا أستطيع أن أتحمل، وبالتالي أقول أشياء دون رغبتي. أحوالها غريبة جداً معنا ومع أهلها -وبالأخص والدتها- ومع كل الناس، فهي لا تحب أحداً، أرجو منكم أن ترشدوني ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الهدى رسول الله، وبعد:
فمرحباً بك ـ فتاتنا الكريمة ـ على موقع " الإسلام اليوم" ونرجو أن يكون فيه ما يسرك..نعم.. هناك ـ للأسف ـ من الأمهات من لا تعرف "فقه الأمومة"، ولا تقدر خطورة المسئولية الملقاة على عاتقها، ولا ترعاها حق رعايتها، فتدفع أبناءها بسوء تصرفاتها وعنفها وقسوتها معهم إلى عقوقها والتمرد عليها، فينهدم صرح الأمومة في البيت، ويتصدع جدار البر الواجب على الأبناء، فتعيش أسرة هذا حالها في جو مشحون بالعنف والغضب والكراهية والتربص وسوء الظن. وفي الحديث "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" صحيح البخاري (893) صحيح مسلم (1829) .
ومشكلة أمك ـ يا بنيتي ـ أنها ربما تعاني من آثار قسوة ذاقت مرارتها في طفولتها أو صباها ـ والله أعلم ـ، أو أنها لم تتشبع بمفهوم الأمومة السوية، فالأم في البيت هي الراعية، والحانية، والحادية، والحادبة، والبانية.. وقد تكون (الجانية) إن هي فقدت المكونات النفسية والاجتماعية للأمومة. ولذا فإن علماء الاجتماع يحللون نفسية الأم العنيفة القاسية على أولادها، فيرجعون قسوتها تلك إلى عدة أسباب فيقولون:" والأسباب ذات الجذور القديمة تكون نابعة من مشكلات سابقة أو عنف سابق، سواء من قبل الآباء أو أحد أفراد العائلة، أما الأثر الحاضر فتكون جذوره مشكلة حالية، على سبيل المثال خلاف الأم مع زوجها، قد يدفعها إلى ممارسة العنف على أولادها، وبالتالي فإن الشخص الذي ينحدر من أسرة مارس أحد أفرادها العنف عليه، ففي أغلب الأحيان أنه سيمارس الدور نفسه، لذا من الضروري معرفة شكل علاقة الأم المعتدية على أولادها بوالدتها في صغرها، وفي الغالب تكون تعرضت هي نفسها للعنف، لذا فبالنسبة لها تعتقد أن ما تقوم به من عنف تجاه أولادها هو أمر عادي كونه مورس عليها، ومن حقها اليوم أن تفعل الشيء نفسه رغم معاناتها منه سابقاً.
إن الوالدين الفاقدين للحنان والحب منذ الصغر غير قادرين على إمداد الحنان والرعاية لأطفالهما.
وفي بعض الحالات ينصب عنف الأم على ابنة محددة؛ نتيجة تدليل الأب أو الحماة لها أو تشبيهها بهم، وهذا يكون مع تردي العلاقة مع الزوج أو الحماة، ومن جهة أخرى تحفز غيرة الأم من ابنتها ممارسة العنف ضدها، فهناك أم تغار من نجاح ابنتها وتفوقها بالدراسة، لذا تلجأ إلى أساليب كثيرة كي تعيق تفوقها، أو تغار من جمال ابنتها، فتفتعل معها المشكلات وتضربها لدرجة الأذى كي تشوّه جمالها.
كما يرى البعض أن المشكلة تكمن في عدم وعي الأمهات لمتطلبات المراحل العمرية للأبناء والتي تتغير باستمرار، وبمدى أهمية توفير العاطفة قبل المادة للأولاد. وهذه الحالة تدفع الفتيات خاصة إلى البحث عن بديل يمدها بالعاطفة والحنان الذي تحتاجه، مما يؤدي إلى غيرة الأم، من هنا يبدأ الشرخ في العلاقة بين الأم وابنتها"
ولعل من آثار هذا الشرخ النفسي لدى الأم تفضيل بعض الأولاد على بعض، أو تفضيل الولد على البنت ـ كما في حالتكِ أنتِ ـ وهي مخالَفة شرعية يقع فيها بعض الآباء أو الأمهات دون أن يدروا، وفي هذا ورد في صحيح البخاري (2586) ، وصحيح مسلم
(1623)
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أمه سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها، فالتوى بها سنة، ثم بدا له، فقالت: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني، فأخذ أبي بيدي، وأنا غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أم هذا -بنت رواحة- أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ ". قال: نعم، فقال:" أكلهم وهبت له مثل هذا؟ ". قال: لا، قال:" فلا تشهدني إذاً، فإني لا أشهد على جور"
وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: " سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء" أخرجه البيهقي في السنن (6/177) وحسن إسناده الحافظ ابن حجر.
لكن ـ يا بنيتي ـ عليك أن تذكري بأن غداً ـ بإذن الله ـ ستكونين أمًّا، فإياك ثم إياك أن تعقي أمك، بل برّيها على ما فيها من قسوة، وذكريها بالله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأحسني صحبتها ولا تيأسي من روح الله فبيده قلوب الخلق ونفوسهم يقلبها كيف يشاء، ومهما يكن من أمرها معكم فعليك حسن صحبتها؛ ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم:يا رسول الله أي الناس أحق مني بحسن الصحبة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمك". قال: ثم من؟ قال صلى الله عليه وسلم:"ثم أمك" قال: ثم من؟ قال صلى الله عليه وسلم: "ثم أمك" قال: ثم من؟ قال صلى الله عليه وسلم:"ثم أبوك" صحيح البخاري (5971) وصحيح مسلم (2548) .
وما كنت أود منك ـ غفر الله لك ـ أن تقولي عن أمك ـ رغم قسوتها عليك ـ! "لا أذكر لها أي ذكرى جميلة"!!
لماذا.. ألم تذكري أنها كانت سبباً في وجودك، وأن بطنها كانت لك وعاء، وثديها كان لك سقاء؟
ألم تسهر على رعايتك وتربيتك حتى صرتِ شابة تملئين السمع والبصر؟ مهما قلتِ.. فتلك منزلتها التي منحها الله إياها ووصى الأبناء ببرها، من أجل هذا قال تعالى:" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن"[لقمان:14] .
هوني على نفسك، واعلمي أن البر لا يبلى، وأن الصبر ضياء، وكوني قريبة من أبيك، وعوضيه بتدينك وحسن خلقك ما قصرت فيه أمك، وأكثري من الدعاء لوالديك بصلاح الحال والمآل.. وأسأل الله لك صلاح الحال وهدوء النفس وراحة البال.. والله أعلم