الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرضي مَنْ وأغضب مَنْ أمي أو زوجي
؟
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/معاملة الوالدين
التاريخ 8/8/1424هـ
السؤال
أنا من عائلة معروفة بتحكُّم النساء فيها على الرجال، يعني الكلمة الأولى والأخيرة للزوجة وتربَّيت على ذلك، هذا غير التفضيل بين الأبناء، فأمي كانت ولازالت تفضل أختي الكبيرة، وأبي حماه الله قال لي في يوم من الأيام: رضاي عليك برضا أختك عليك، وأختي هذه مستبدة تريد أن تكون مثل أمي الكل في الكل، مرت سنوات وأنا على هذا الحال إلى أن طرق بابنا الزوج السعيد إن شاء الله، وتزوجت وعقدت النية أن أعيش حياة زوجية تعوضني الحرمان الذي رأيته في منزل أهلي، وفعلاً وجدت زوجاً رائعاً بكل ما تحمله هذه الكلمة، عوضني الكثير، وهو رجل بمعنى الرجولة يعني لا يحب أن تمشي المرأة كلامها عليه، وأنا بطبيعتي ضعيفة الشخصية، ولما رأيت الخير منه اشتريته بالطاعة العمياء، وبنيت حياتي على كل ما يحبه زوجي، وأبغضت كل ما يبغضه زوجي، ولكن بقيت لي المشكلة الأزلية، لم تتعود أمي وأختي على أن تكون لي حياة خاصة بي لا يعلمون شيئاً عنها، وأنا في بداية حياتي كنت أخبر أمي بأشياء وتفاجأت أنها تخبر أختي الكبيرة بكل شيء، ولما واجهت أمي لم تنكر، وقالت هذه أختك الكبيرة ولا بد أن تعرف عنك كل شيء، بعدها قطعت أخباري الخاصة عن أمي واكتفيت بالحياة العادية، لم تروق حياتي لأمي وأخواتي، على فكرة أراد الله أن تتزوج أختي الكبيرة، لم تستطع أمي أن تغير شيء من نظام حياتي، فبدأت من طريق آخر وهي الأمور الاعتيادية فمثلاً الخروج من المنزل يغضب أمي كثيراً لو علمت أني ذهبت لزيارة إحدى صديقاتي أو جاراتي؛ لأنها تريد أن يكون كل هذا بأمرها، وباستئذان منها شخصياً، تحملت على نفسي فترة من الزمن فأخبرها عند خروجي، ووجدت أن من يروق لها أذنت لي بزيارته، وأما من لا يروق لها حتى لو كانت أعز صديقاتي لا تأذن لي، تضايق زوجي كثيراً من تصرفات أمي؛ لأنني كنت أتأثر كثيراً وأبكي بحرقة، خصوصا لما أرى إخوتي وهن يذهبن حيث أردن، وذلك بمباركة أمي لهن؛ لأنهن سلمن حياتهن وأزواجهن لأمي، وقف زوجي لأمي في السر دون أن تشعر، وصرت أزور صديقاتي بالسر، ثم بدأت أمي حماها الله تتحكَّم في حياتنا وقراراتنا أنا وزوجي، لدرجة أنها منعتني من الحج في إحدى السنوات؛ لأنها ترى أبنائي صغاراً وزوجي يقول أنا أعلم من أمك بأولادي، وزوجي حنون جداً على أبنائنا، ولما لم أستمع إليها وذهبت مع زوجي إلى الحج غضبت ولم تزرني، وغير ذلك، واستمرت حياتي على هذا المنوال طوال الـ 13سنة، هي عمر زواجي، ازداد الأمر سوءاً بتدخل أخواتي مع أمي في حياتي، وكذلك تشكيلهن جبهة موحدة كي يشعر أبي أني منعزلة عن أخواتي، وحتى يذهبن إليه طوال الوقت: انظر يا أبي كلنا مع بعض ونأخذ من بعض، ونهدي الناس مع بعض إلا هي إنها وإنها، وإنها فكانت الطامة الكبرى أن أعلن أبي تبرؤه مني ومقاطعتي، وصارت مشكلة طويلة عريضة، حاول كبار العائلة التدخل، ولكن كما ذكرت سابقاً هناك جبهة قوية تسيطر على أبى وتقنعه بقوة، وأنا في هذه الفترة لازمت الدعاء ولا زلت انتظر فرج رب العالمين، تصالحنا بواسطة رجل كبير وقدير في العائلة لا ترد كلمته تولَّى زمام الأمر وكلمني وحقق معي في ادعاءات أخواتي، فقال لي بالكلمة: يا بنتي هذه غيرة وحسد من أخواتك جعلتهن يتصرفن كذلك، كانت رجعتي
بشروط أن لا أذهب ولا أخرج من بيتي وكل صغيرة وكبيرة في حياتي أخبر بها أمي وأخواتي، رأيت الفرحة العارمة بالانتصار في وجه أخواتي فأبيت على نفسي أن لا أهدم عش الزوجية، وقررت أن أستمر على نفس نظامي وهو: زيارة أسبوعية لأبي وأمي، إهداء أمي وأبي في العيد وبعض المناسبات، أن تكون علاقتي بأخواتي في إطار الرسميات حتى أتجنب المشاكل، لم يرق هذا الحال لأمي طبعا، وعادت لعادتها القديمة، والوضع الجديد الآن هو أن المصادمات انتقلت من أخواتي إلى أمي، وأصبحت معها في صراع مستمر لدرجة أنها تغضب لأتفه الأسباب وتتوعدني في أولادي، وأنت عاقة لوالديك، والله تعبت وأنا أحاول أن أكسب رضاها، ولكن رضاها لا يأتي إلا بشيء واحد فقط، وهو ما تأكدت منه طوال الأعوام الماضية وهو: أن تكون حياتي أنا وزوجي كلها تحت تصرفها المطلق، وأن لا نعمل شيئاً إلا بعد مشورتها مع الأسف، أنا أحمِّل أبي الذنب؛ لأنه ترك لأمي التحكٌّم فيه فأصبحت لا تريد أحد يخرج من سيطرتها، وأمي إنسانة مزاجية، يعني مثلاً علاقاتها بأخواتها وإخوانها ليست على ما يرام، وأنا على عكسها فأخوالي وخالاتي يعزوني جداً، لذا تمنعني من الذهاب لهم إلا معها، ولقد كانت لها محاولات في فرض السيطرة على إخوانها، ولكن بعد ما كبروا وتزوجوا لم يستمعوا لها، علماً أن أخوالي وخالتي يشتكون نفس شكواي في أمي، حيث إن جدتي هداها الله لا تأتمر إلا بأمر أمي ودائما تغضب على من يغضب أمي، علما أن أحد أخوالي علاقة زوجته مع أمي ليست على ما يرام، لذا تجد جدتي دائمة الغضب عليه، اعذروني على الإطالة ولكن قلبي يحترق، فأنا أعيش بين نارين إما طاعة زوجي وغضب أمي، أو طاعة أمي وغضب زوجي ومعناه طلاقي، ما هو الحل في رأيكم؟ وهل تصرفي في حياتي واختياري لزوجي صحيح أم لا؟. بارك الله فيكم، وجزاكم خير الجزاء.
ملاحظة: الرجاء عدم عرض سؤالي في الموقع بأي حال من الأحوال.
الجواب
أجاب عن السؤال الشيخ/ خالد حسين عبد الرحمن
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إلى الأخت السائلة: أزال الله عنا وعنها الحيرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوم الاتصال والمراسلة عبر الموقع.
لقد قرأت رسالتك وسرني جداً ثناؤك على زوجك، نسأل الله أن يديم بينكما الحب والود والرحمة والوفاق، إنه على ذلك قدير.
ولقد ساءني جداً موقف أمك المتسلّط هداها الله، وكذلك أخواتك. والذي زاد الطين بلاً هو الموقف السلبي والسيئ في نفس الوقت وهو موقف والدك المحترم - هدانا الله - وإياه للحق، وبكل صراحة أمك وأبوك واقعان في مخالفات شرعية كثيرة، منها التفريق بين الأولاد وتمييز البعض على الآخر، وهذا الأمر قد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، لأن هذه الأشياء تولِّد الحقد والضغينة والكره بين الإخوان، بدلاً من المحبة والمودة والرحمة فيما بينهم، ومن قرأ قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته عليهم السلام علم ذلك، فالذي حملهم على ما فعلوا مع أخيهم هو تمييز أبيهم -وهو سيدنا يعقوب- ليوسف على إخوته عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام، فماذا كانت النتيجة؟ حقد وحسد وبغض وكره، أدى بهم أن يفعلوا بأخيهم ما أخبر به ربنا في كتابه العزيز في سورة يوسف، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن أعطى أحد أبنائه عطية أو هدية، ولم يعط باقي أولاده:"اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما البخاري (2586) ، ومسلم (1623) .
فاحذري أختي المسلمة أن يحدث ذلك لأولادك حتى لا تتكرر هذه المأساة التي أنت تعانين مرارتها وتعيشين قسوتها مع أهلك.
وقبل أن أشرع في تناول حل المشكلة أود أن أهمس في أذنك ببعض الكلمات أخاطب بها قلبك الطيب، فأرعني سمعك يا رعاك الله، واستمعي إليّ بأذن قلبك لا بأذن رأسك فمستعيناً بالله أقول:
اعلمي وفقني الله وإياك لكل خير وبر، وصرف عنا وعنك كل سوء وشر أن لوالديك فضلاً عظيماً عليك وبرهما واجب عليك، والإحسان بهما والعطف عليهما، والتودد إليهما مهما حدث منهما، فهذا الحق أوجبه الله عليك ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء ذلك مستفيضاً في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، والسمع والطاعة لهما ما لم يكن ذلك معصية، أو يترتب عليه معصية أو إحداث خلل في حياتك مع زوجك، ففي هذه الحالة لا سمع ولا طاعة لهما في معصية الله، وهذا لا يعد من العقوق إن شاء الله تعالى.
أما بالنسبة لحل مشكلتك فأقول:
(1)
عليك بالبر بهما والإحسان إليهما بقدر استطاعتك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
(2)
ما أنت عليه من الزيارة الأسبوعية والإهداء لهما في المناسبات، إلى غير ذلك لا شيء فيه، بل هو عين الصواب بالنسبة لحالتك هذه، ولكن يمكن أن تكثري من الاتصال عليهما إن لم يترتب على ذلك مشاكل.
(3)
عليك بطاعة زوجك وعدم إغضابه؛ لأن في ذلك عرضة لأن تتعرض لغضب الله وملائكته الكرام، كما جاء ذلك في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فزوجك حقه عظيم عليك، فكما أن والديك باب لك إلى الجنة فكذلك زوجك هو الآخر باب لك إلى الجنة، وذلك بإرضائه، والقيام بحقوقه الشرعية التي أوجبها الله عليك ما لم يكن في ذلك أيضاً معصية لله ورسوله، وهنا لا سمع ولا طاعة في معصية الله؛ لأن الطاعة في المعروف كما ثبت الحديث بذلك.
(4)
لا تهتمي بما يحدثه أخواتك من تكوين جبهة عليك عند والديك، وكذلك لا تهتمي بتوعُّد أمك في أولادك، وأن هذا عقوق وسيحدث لك من أبنائك مثل ما يحدث منك لأمك على حد زعمها، فهذا ليس بعقوق فلا تلتفتي لذلك.
(5)
لا تغفلي عن الدعاء والاستغفار واكثري من ذلك وتحري ساعات الإجابة وأبشري بالخير، قال تعالى:"وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"[البقرة: 186] .
وقال تعالى: "أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"[النمل: 62] ، هذا والله أعلم.
والله أسأل أن يكشف همك وينفس كربك، ويزيل غمك، ويصلح شأنك في الدنيا والآخرة، ويهدي والديك وأخواتك إلى الحق والعمل به.
(6)
لا يمنع أن تحضري بعض الرسائل الدعوية والأشرطة الإسلامية، والتي تتناول مثل هذه المواضيع وتعطيها إياهم لعل الله يفتح على قلوبهم.
(7)
لا يمنع أن يتدخل أحد المشايخ أو الدعاة وطلبة العلم لفض هذا النزاع وتوضيح الأمر الشرعي لأهلك، وأن ما هم عليه من هذا التسلُّط لا يجوز لهم بحال من الأحوال.