الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متاعب الحياة تشغلها عن الطاعات
المجيب عبد الله العيادة
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القصيم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية /اجتماعية أخرى
التاريخ 19/06/1426هـ
السؤال
في ظل هذه الحياة العصيبة من الناحية المادية، فإن الواحد منا لا يستطيع فعل الكثير من الطاعات. فما الحل؟.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
أخي الكريم: نشكر لك تواصلك مع موقعك (الإسلام اليوم) . وجواباً عن سؤالك أقول:
دائماً عندما تلم بالمسلم حالة طارئة تخرجه عن مسار حياته المعتاد، لأي سبب، فإنه بلا شك يبحث عن منفذ ومخرج لهذه الحالة، وتختلف حالات الناس تبعاً لاختلاف عقولهم، وتحمل قلوبهم، ودرجات التحمل المغروسة أصلاً في نفوسهم، فعنصر الصبر موجود عند الناس، لكن يختلفون في تطبيقه عند الأحداث الطارئة، وتجد بعضهم تعصف به الأحداث بينما تجد غيره يقف كالطود الشامخ، والريح تعصف به وهو لا يتحرك، ويسير في مساره لا يحيد عنه.
فلو تأملت صفحات التراث الإسلامي المجيدة، تجد أمثلة تشدك لتأمل سيرها، فقد يقدم أحدهم لقطع رأسه في سبيل الله وهو صابر محتسب، بل يتلذذ بذلك، على سبيل المثال الصحابي الجليل خبيب بن عدي، ما الذي جعله يقف تلك الوقفة، ويعلنها مدوية للعالم؟ إذاً ما هو الشيء الذي أهم من الحياة؟
والصحابي الآخر حرام بن ملحان، يعلنها صرخة قوية، بعدما طعن وهو يلفظ أنفاسه ودمه يتقلب، وهو يقول: فزت ورب الكعبة، ترى بماذا فاز؟ وعروة بن الزبير رضي الله عنه، يصاب برجله، فلا علاج لها إلا القطع، ويتجاوز المحنة، فقط بدخوله في الصلاة.
إذاً هناك سر عظيم -يا صاحبي- هو الذي جعل هؤلاء يصمدون عند المحن، فالنفس تحيط بها الهموم العواصف، بدرجات متفاوتة، حسب الأشخاص أنفسهم، ويشكو كثير من الناس ما تشكو منه، نتيجة الأحداث العاصفة التي تمر بالأمة اليوم، وأهمها فقدان الهوية الذي جعل أفراد الأمة كقطعان تسير في ليلة مطيرة، حيث تجد كثيراً منهم بدأ يتوارى الأنظار مخافة أن يوصم بالتدين، وبعضهم بدأ يتنازل عن بعض الشعائر التعبدية، من أجل أن يقال هو متفتح وعصري.
أما السؤال الذي يبحث عن إجابة، فهو كيف الخروج من هذا المأزق؟ وهو فكرة سؤالك. ولا أكتمك سراً إذ أقول لك إن سؤالك هيج مشاعري، وكوامن نفسي، فجاءت هذه الخواطر عبر إجابة سؤالك، فالواحد منا قد تمر عليه هذه الخواطر التي تجعل سحائب الفتور تخيم على نفسه، فإذا عرفنا أن حياتنا أصلاً -منذ بلوغ سن التكليف إلى الممات- هي عبادة لله سبحانه وتعالى، فأنت إذا عرفت هذا وأيقنت به تغير مسار حياتك، فهذا الهم الذي تحس به هو عبادة تقربك إلى الله؛ لأنك ستلجأ إليه تطلب منه المعونة، والدعاء عبادة، فأنت تثاب مرتين للدعاء واللجوء إليه.
ثم إنك إذا تأملت منطوق التكاليف الشرعية تجدها بنيت على الاستطاعة والمقدرة، فالله سبحانه وتعالى لا يطلب منك إلا ما تستطيع تأديته، على حسب الحالة التي أنت فيها (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286] ، (فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن: 16] تعطيك هذه النصوص مساحة من الطمأنينة تجعلك تمشي الهوينا، ولا تضطرب وتتأثر في ممارسة الشعائر التعبدية بسبب موقف ألم بك؛ لأن حياتك كلها أصلاً عبادة، والغاية من إيجادنا في هذه الحياة أصلاً هو العبادة، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56] إذاً ما تحصل عليه من إمكانات وغيرها إنما هي عوامل مساعدة لك لتأدية هذه العبادة بيسر وسهولة، فإذا أقبلت عليك النعم تسلك طريق الشكر والثناء والحمد، وإذا أحاطت بك النقم وأسرتك الهموم والأوجاع سلكت طريق الصبر، والشكر والصبر هما من أروع العبادات.
فإذا أصابتك الهموم وجعلتك قلقاً حائراً، ولا تدري ماذا تفعل، فعليك بالفرائض تمسك بها بأنيابك وأسنانك، لأنها هي الأصل، والمحاسبة معولة على إتمام الفرائض، نقصاً أو إتماماً، أما النوافل فإنك تثاب على فعلها الأجر العظيم، ولا تحاسب على تركها، فإذا هبت عليك نسائم الربيع فعليك بها، أي النوافل أدها وأكثر منها، حسب ما تطيق منها، أو تجد نفسك فيه ولو كان قليلاً، لكن تفطن للمداومة، كما قال عليه الصلاة والسلام:"أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". أخرجه البخاري (5983) ، ومسلم (1302) ، هذه وصيتي لك على حالتك التي أنت فيها، تشبث وتمسك بفرائض الله، وعض عليها بأسنانك، وانشب أظفارك فيها، فهي المخرج والنجاة، وعليها مدار الفلاح. أعانك الله، وفرج الله همك.