الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أكره أمي وأحتقرها
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/معاملة الوالدين
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
علاقتي بأمي مضطربة، بل وأكثر من ذلك! أنا أكرهها، وأحتقرها كثيراً؛ تعاملني أنا وجميع إخوتي بقسوة، وجفاف، دائماً تحاول أن تكرهني في عماتي، وبنات عمي، منذ فترة بسيطة بدأت أشعر بصداع لا يحتمل، وعندما أستيقظ من النوم أرى بأنني جرحت نفسي، وقطعت يديَّ في أثنائه، دائماً أحلم بالكوابيس، وإذا جلست في مكان وكانت أمي موجودة فيه أحس بضيق في التنفس، فأرجو إرشادي إلى الحل، علماً بأنني جربت وحاولت بجميع الطرق أن أكسبها إلا أنني لم أستطع، ويئست منها!!.
الجواب
أجاب عن السؤال الشيخ/ خالد بن حسين بن عبد الرحمن
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على ما لا نبي بعده، أما بعد:
إلى الأخت السائلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كم آلمني هذا الكلام السيئ الذي وصفتي به حالك مع أمك، أتدرين عمَّن تتكلمين؟ تتكلمين عمن حملت بك تسعة أشهر، وكلما زاد الحمل زاد الضعف، والتعب، ورغم ذلك يزداد مع هذا التعب، والضعف الفرحة بقدومك إلى هذه الحياة، وعندما اقترب موعد الولادة وبلغ بها الضعف مبلغاً عظيماً، تدعو الله من أعماق نفسها أن يسلمك من كل شر، واقتربت ساعة قدومك إلى هذه الحياة، وازداد الأمر سوءاً، وهي مع ذلك متحملة ومتصبرة؛ لأنها في أشد الشوق إلى لقائك، وعندما قدمت إلى هذه الحياة، ورأتك بجوارها تبكين تارة، وتلعبين أخرى، نسيت جميع الآلام التي أصابتها عندما نظرت إلى محياك الجميل، كم كانت سعيدة بك، كم أزالت عنك الأذى، وأنت ضعيفة لا حول لك ولا قوة، كم مرة سهرت من أجل راحتك! كم مرة بكت عندما أصابك مكروه! كم مرة فرحت عندما تراك في سعادة! كم كانت فرحتها وهي تنظر إليك تكبرين أمام ناظريها يوماً بعد يوم! كم ضحت من أجلك! كم حرمت نفسها من أمور كثيرة وبذلت لك كل شيء! كم..وكم..! وبعد هذا كله تأتين يا مسكينة وتقولين بأنك تكرهين أمك وتحتقرينها!! - سبحانك- ربي هذا ظلم عظيم، لماذا تحملين لأمك كل هذا الكره؟ وتقولين: لأنها تعاملك بقسوة، ما هي الأسباب التي تدفعها لهذا المعاملة؟ لا بد وأنه يصدر منك ما يستدعي ذلك، لعلك تقولين: يا شيخ أنا لم أفعل شيئاً، ولكنها تعاملني بهذه القسوة دون أي خطأ مني، أقول: لعلها مريضة، أو مصابة بحالة نفسية، أو لأي سبب آخر، فكان ينبغي عليك أنت وإخوانك أن تسعوا في علاجها، وبذل قصارى جهدكم في ذلك، وكان ينبغي عليكم دعاء الله لها بالشفاء إذا كانت مريضة، أو دعاء الله بأن يفتح على قلبها وتعاملكم معاملة طيبة، ولكنك لم تجدي حرجاً في أن تشتكي منها، وزين الشيطان لك كرهها واحتقارها، والله ثم والله ثم والله، إن لم يكن معروف أسدته إليك أمك سوى حملها بك، وتحمل المشاق من أجلك حتى جئت إلى هذا الوجود لكفى، مهما أساءت لك باقي الحياة.
يا بنيتي: أنا أشفق عليك من غضب الله عليك؛ لأني أخشى عليك عاقبة العقوق، فقد توعد الله عاق والديه بحرمانه من دخول الجنة؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يدخلون الجنة، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه...." الحديث أخرجه أحمد في المسند (6145)، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة منَّان، ولا عاق لوالديه، ولا مدمن خمر" أخرجه أحمد (6843) .
فيا بنيتي: عليك ببر أمك، والإحسان إليها، فقد أمرنا ربنا بذلك في محكم التنزيل، فقال -تعالى-:"وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغنك عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهم أُفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً وخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي أرحمهما كما ربياني صغيراً"[الإسراء: 23-24]، وقال -تعالى-:"وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً"[لقمان: 15] ، فهذا أمر الله ينطق بالحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فربنا يأمر الأبناء ببر آبائهم حتى وإن أمر الوالدين أو أحدهما الابن بالكفر أو الشرك، - والعياذ بالله- ليس بعد الكفر ذنب، فما بالك بما دون ذلك؟ ولا أظن أن أمك وصلت معك إلى هذا الحد، وحتى إذا وصلت جدلاً فعليك بالإحسان إليها، والبر بها، فهذا حكم الله جل جلاله،وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما بأن تبر أمها على رغم من أن أمها مشركة، فقال لها صلى الله عليه وسلم:"صِلي أمك" متفق عليه، فلا يسعك بعد ذلك أن تستجيبي لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببر أمك، والإحسان إليها، وأن ما يعتريك من هذه الكوابيس أثناء النوم فهذه أضغاث أحلام، وينبغي عليك معرفة السنة، والهدى النبوي في مسألة النوم، فينبغي عليك إذا أويت إلى فراشك أن تكوني على وضوء، وتنامي على شقك الأيمن، واضعة يدك اليمنى على خدك الأيمن، وبعد ذلك تقولي أذكار النوم، فعند ذلك ستنامين نوماً هادئاً بدون كوابيس - بإذن الله تعالى- وما ينتابك من ضيق في النفس عندما تتواجدين أنت وأمك في مكان واحد، فهذا كله من الرواسب التي أوغل بها الشيطان صدرك تجاه أمك، فعليك بتقوى الله في أمك، وأكثري من الدعاء لها، ولك بأن يصلح الله شأنكما، ويزيل هذا البغض من قلبك لها، ويحل محله الحب والود، والرحمة لها، والشفقة عليها.
ولكن كون أمك تحاول أن تكرهك في عماتك، وبنات عمك، فلا يحق لها إلا إذا كانت هناك أسباب شرعية لذلك، بأن تحذرك منهن لأمور شرعية أيضاً، أما غير ذلك فلا، ولكن هذا كله لا يسوغ لك أن تكرهي أمك إلى هذه الدرجة، وتحتقريها.
يا بنيتي: تذكري بأنه إذا طال بك العمر ستصبحين أُماً - إن شاء الله تعالى- فاتقي الله في أمك، بريها حتى يبرك أبناؤك بعد ذلك، والجزاء من جنس العمل، واعملي ما شئت كما تدينين تدانين، اللهم قد بلغت فاللهم فاشهد. هذا، والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.