الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة إلى عاق
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/
معاملة الوالدين
التاريخ 11/03/1427هـ
السؤال
ما حكم الابن الذي يشتم والدته، ويقول لها كلامًا بذيئًا وغير لائق أخلاقيًّا، ويهددها بإدخالها السجن، وإخراجها من المنزل، ويتمنى لها الموت، وقد سبق أنْ رفع دعوى قضائية في المحكمة علينا وعلى والدته التي هي والدتنا جميعًا، فهل من نصيحة لأمثال هذا؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن صح ما ذكره السائل من شتم أخيه لوالدته وتهديدها بالسجن
…
الخ فإن هذا العمل من كبائر الذنوب، قال تعالى:"وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"[العنكبوت:8] . وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[الأحقاف:15] . وقال تعالى: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"[النساء:36] . وقال تعالى: "قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"[الأنعام:151] . وقال تعالى: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"[الإسراء:23] . وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"[لقمان:14] .
ففي هذه الآيات يبين الله تعالى عظم حق الوالدين، حيث قرنه بعبادته سبحانه مما يظهر المنزلة العالية التي جعلها الله تعالى لهما، قال القرطبي -رحمه الله تعالى-:"وبالوالدين إحساناً" أي وأمرناهم بالوالدين إحساناً، وقرن الله عز وجل في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد؛ لأن النشأة الأولى من الله، والنشء الثاني وهو التربية من جهة الوالدين، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره، فقال (أن أشكر لي ولوالديك) والإحسان إلى الوالدين معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرهما" ا. هـ تفسير القرطبي (2/13) وقال -رحمه الله تعالى-:"قوله تعالى وبالوالدين إحساناً إلى الوالدين برهما وحفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرق عنهما وترك السلطنة عليهما" ا. هـ التفسير (7/132) .
وتوعد المقصرين في حقوقهم، فقال تعالى:"وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ"[الأحقاف:117-18] .
وحق الأم أعظم من حق الأب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن الصحبة؟ قال صلى الله عليه وسلم "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك" رواه مسلم (2548) .
والأم إن كانت كبيرة في السن فهي في عمر تكون أحوج ما تكون لبر أولادها ويتأكد البر في هذا السن جداً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف) قيل: من يا رسول الله؟ قال (من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة) رواه مسلم (2551) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وعن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: (ويحك أحية أمك) ؟ قلت: نعم قال: (ارجع فبرها)، أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال (ويحك أحية أمك) قلت: نعم يا رسول الله قال (فارجع إليها فبرها)، ثم أتيته من أمامه فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة قال: (ويحك أحية أمك) قلت: نعم يا رسول الله قال: (ويحك ألزم رجلها فثم الجنة) رواه عبد الرزاق (9290) ، وأحمد (3/429) ، وابن أبي عاصم (3/59) ، وابن ماجه (2781) ، واللفظ له.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألك والدة)، وفي رواية ابن قتادة (أما لك والدة) قال: لا. قال: (ألك خالة) قال: نعم قال: (فبرها) . رواه الترمذي (1904) وابن حبان (435) والحاكم (4/171) وصححه. والبيهقي في الشعب (7864) واللفظ له. وروي عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً قال له: قتلت نفساً؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال: فأبوك؟ قال نعم. قال فبره وأحسن إليه، ثم قال عمر: لو كانت أمه حية فبرهما وأحسن إليها رجوت أن لا تطعمه النار أبدا. (جامع العلوم والحكم/173)، وقال رجل لعبد الله: إني قتلت نفساً فهل لي من توبة؟ قال: ألك أبوان؟ قال: أمي حية. قال: ألزمها وبرها واجعل التراب على رأسك وابك على نفسك، وإياك أن تيأس من رحمة الله فإنك إن أيست من رحمة الله كان أعظم عليك من هذا الذنب الذي ركبته. رواه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (702) ونحوه عند ابن أبي شيبة (5/434) .
ومع الأسف أن قضايا عقوق الوالدين قد كثرت في هذا الزمان؛ لضعف الديانة وقلة الرادع، لذا فإني أهيب بالمسئولين في كل دولة بإيجاد مؤسسة مختصة بقضايا الوالدين المرفوعة ضد أولادهم بسبب العقوق أو الاعتداء والاستعجال في البت فيها مما سيحد كثيراً من قضايا العقوق، فالله تعالى يزع بالسلطان من ما لا يزع بالقرآن.