الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة]
780 -
عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَال أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي صلَاتهم فَاشْتَدَّ قَوْله فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ لينتهن عَن ذَلِك أَو لتخطفن أَبْصَارهم" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(1)
.
قوله: "عن أنس هو ابن مالك رضي الله عنه" تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم" الحديث، فقوله:"ما بال أقوام" أي حالهم وإنما أبهم الواقع يعني سره ولم يقل ما بال فلان لئلا ينكسر خاطره إذ النصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة وسيأتي الكلام على هذه اللفظة مبسوطا في كتاب النكاح في قوله: "ما بال أقوام" إن شاء الله تعالي، ففي هذا الحديث النهي الوكيد والوعيد الشديد عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة وأجمعوا أن ذلك منهي عنه انتهى.
قلت: فهل منه أن يكون حرامًا؟
قلت: لولا الإجماع على عدم حرمته لوجب القول بذلك فحمل على الكراهة قاله الكرماني.
(1)
أخرجه البخاري (750)، وابن ماجه (1044)، وأبو داود (913)، والنسائي في المجتبى 3/ 17 (1206) والكبرى (1208).
قوله: "فاشتد قوله في ذلك حتى قال لينتهن عن ذلك" بضم الهاء وذلك إشارة إلى رفع البصر.
قوله: "أو لتخطفن أبصارهم" هو بفتح الفاء وأو هنا للتخير وهو خبر في معنى الأمر والمعنى ليكونن منكم الانتهاء عن الرفع أو خفض الأبصار عند الرفع من الله تعالى والخطف استلاب الشيء وأخذه بسرعة يقال خطف الشيء يخطفه واختطفه يختطفه ويقال خطف يخطف وهو قليل ومنه حديث أحد "إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا" أي تستلبنا وتطير بنا وهو مبالغة فلا الهلاك ومنه حديث الجن "يختطفون السمع" أي يسترقونه ويستلبونه قاله في النهاية.
قال القاضي عياض: واختلفوا في كراهية رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة فكرهه شريح وآخرون وجوزه الأكثرون وقالوا لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة فلا يكره رفع الأبصار إليها كما لا يكره رفع الأيدي إليها في الدعاء قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)}
(1)
وقال الإمام الغزالي في الإحياء: يستحب أن يرمق بصره إلى السماء في الدعاء بعد الوضوء.
781 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَرفعُوا أبصاركم إِلَى السَّمَاء فتلتمع يَعْنِي فِي الصَّلَاة"رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(1)
سورة الذاريات، الآية:22.
ورواتهما رُوَاة الصَّحِيح وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله: "وعن ابن عمر رضي الله عنهما" تقدم الكلام على فضائله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء فتلتمع يعني في الصلاة" فسره الحافظ في حديث أبي سعيد بعده أي يذهب به.
782 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لينتهين أَقوام عَن رفعهم أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء عِنْد الدُّعَاء فِي الصَّلَاة أَو لتخطفن أَبْصَارهم" رَوَاهُ مسلم وَالنَّسَائِيّ
(2)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء عند الدعاء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم" الحديث أي يذهب بالبصر ومثله يخطفان البصر ويخطفه الطير مثله ومعنى الحديث أي لتسلبن بالسرعة فيكره رفع البصر في الصلاة إلى السماء وهذا مجمع عليه في الصلاة كما تقدم وأما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة في الدعاء فاختلفوا في كراهته فكرهه شريح وآخرون وتقدم ذلك على حديث أنس.
(1)
أخرجه ابن ماجه (1043)، وأبو يعلى (5509)، وابن حبان (2281)، والطبراني في الأوسط (5/ 273 رقم 5294)، والكبير (12/ 287 رقم 13139). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (548).
(2)
أخرجه مسلم (118 - 429)، والنسائي في المجتبى 3/ 76 (1292) والكبرى (1292).
783 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذا كَانَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلَا يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء لَا يلتمع" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدثهُ وَلم يسمعهُ
(1)
يلتمع بَصَره بِضَم الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت أَي يذهب بِهِ.
قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء لا يلتمع" أي لا تختلس يقال ألمعت بالشيء إذا اختلسته واختطفته بسرعة ومنه حديث أبي سعيد رأى رجلا شاخصا ببصره إلى السماء فقال ما يدري هذا لعل بصره يلتمع قبل أن يرجع إليه انتهى قاله في النهاية.
قوله: ورواه النسائي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن رجلًا من
(1)
أما حديث أبي سعيد الخدرى:
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 103 رقم 319) والكبير (6/ 35 رقم 5436). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الزهري، عن عبيد الله، عن أبي سعيد إلا يزيد بن أبي حبيب، تفرد به: ابن لهيعة.
وقال الهيثمي في المجمع 2/ 82: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (550).
وأما حديث رجل من الصحابة:
أخرجه عبد الرزاق (3258)، وأحمد 3/ 441 (15652) و 5/ 295 (22516)، والنسائي في المجتبى 3/ 17 (1207) والكبرى (1209). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (550).
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه ولم يسمعه انتهي، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود روى عن أبيه
…
وأبو هريرة وزيد بن خالد وابن عباس وغيرهم وهو معلم عمر بن عبد العزيز، قال أبو زرعة: تفقهنا منه وكان مالك كان كثير العلم وقال ابن شهاب
…
فقتل علي بن الحسين حمل جنازة ونقل المزني عن البخاري أنه مات قبل علي بن الحسين سنة أربع أو خمس وتسعين وقيل ثمان وقيل تسع وتسعين قاله في شرح الإلمام.
784 -
وَعَن جَابر بن سَمُرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لينتهين أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة أَو لَا ترجع إِلَيْهِم رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَلأبي دَاوُد دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِد فَرَأى فِيهِ نَاسا يصلونَ رافعي أَيْديهم إِلَى السَّمَاء فَقَالَ لينتهين رجال يشخصون أَبْصَارهم فِي الصَّلَاة أَو لَا ترجع إِلَيْهِم أَبْصَارهم
(1)
.
قوله: وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم" الحديث، اعلم أن رفع البصر في الصلاة مكروه قال الذهبي وهذا نص في التحريم أقول هو مبالغة في الكراهة لأنه يبنى على الخشوع وتقدم أنه سنة فلهذا يكره لأنه التفات عن الصلاة ولأنه يشغل عن القراءة والتدبر وربما اعتقاد الجهة تعالى الله عنها أو إنما يرفع يديه في الدعاء إليها في
(1)
أخرجه مسلم (117 - 428)، وابن ماجه (1045)، وأبو داود (912).
غير الصلاة وكذلك بصره عند الأكثرين لأنها قبلة الدعاء وهو كالمستعطي فناسب ذلك في الدعاء أيضا والجمهور على خلافه، قال الخطابي رحمه الله: قد جرت عادة المسلمين برفع الأيدي إلى السماء.
قال القرطبي: لما كانت السماء محلا كريما ومكانا شريفا وهو موضع التفضيل والتقدير وكان التوجه بالدعاء إليه كالصلاة إلى القبلة قاله في شرح الإلمام.