الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر]
785 -
عَن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله أَمر يحيى بن زَكَرِيَّا بِخمْس كَلِمَات أَن يعْمل بهَا وَيَأْمُر بني إِسْرَائِيل أَن يعملوا بهَا وَإنَّهُ كَاد أَن يبطئ بهَا قَالَ عِيسَى إِن الله أَمرك بِخمْس كلِمَات لتعمل بهَا وتأمر بني إِسْرَائِيل أَن يعملوا بهَا فإمَّا أَن تَأْمُرهُمْ وَإِمَّا أَن آمرهُم فَقَالَ يحيى أخْشَى إِن سبقتني بهَا أَن يخسف بِي أَو أعذب فَجمع النَّاس فِي بَيت الْمُقَدّس فَامْتَلَأَ وقعدوا على الشّرف فَقَالَ إِن الله أَمرنِي بِخمْس كَلِمَات أَن أعمل بِهن وآمركم أَن تعملوا بِهن أولَاهُنَّ أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَإِن مثل من أشرك بِالله كَمثل رجل اشْترى عبدا من خَالص مَاله بِذَهَب أَو ورق فَقَالَ هَذِه دَاري وَهَذَا عَمَلي فاعمل وأد إِلَيّ فَكَانَ يعْمل وَيُؤَدِّي إِلَى غير سَيّده فَأَيكُمْ يرضى أَن يكون عَبده كَذَلِك وَإِن الله أَمركُم بِالصَّلَاةِ فَإِذا صليتم فَلَا تلتفتوا فَإِن الله ينصب وَجهه لوجه عَبده فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت وأمركم بالصيام فَإِن مثل ذَلِك كَمثل رجل فِي عِصَابَة مَعَه صرة فِيهَا مسك فكلهم يعجب أَو يُعجبهُ رِيحهَا وَإِن ريح الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك وأمركم بِالصَّدَقَةِ فَإِن مثل ذَلِك كَمثل رجل أسره الْعَدو فَأوثقُوا يَده إِلَى عُنُقه وقدموه ليضربوا عُنُقه فَقَالَ أَنا أفدي نَفسِي مِنْكُم بِالْقَلِيلِ وَالْكثير ففدى نَفسه مِنْهُم وأمركم أَن تَذكرُوا الله فَإِن مثل ذَلِك كَمثل رجل خرج الْعَدو فِي إثره سرَاعًا حَتَّى إِذا أَتَى
على حصن حُصَيْن فأحرز نَفسه مِنْهُم كَذَلِك لعبد لَا يحرز نَفسه من الشَّيْطَان إِلَّا بِذكر الله قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَنا آمركُم بِخمْس الله أَمرنِي بِهن السّمع وَالطَّاعَة وَالْجهَاد وَالْهجْرَة وَالْجَمَاعَة فَإِنَّهُ من فَارق الْجَمَاعَة قيد شبر فقد خلع ربقة الْإِسْلَام من عُنُقه إِلَّا أَن يُرَاجع وَمن ادّعى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ من جثاء جَهَنَّم فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله وَإِن صلى وَصَامَ فَقَالَ وَإِن صلى وَصَامَ فَادعوا الله الَّذِي سَمَّاكُم الْمُسلمين الْمُؤمنِينَ عباد الله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَهَذَا لَفظه وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَالنَّسَائِيّ بِبَعْضِه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم
(1)
قَالَ الْحَافِظ وَلَيْسَ لِلْحَارِثِ فِي الْكتب السِّتَّة سوى هَذَا والربقة بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَاحِدَة الربق وَهِي عرى فِي حَبل تشد بِهِ البهم وتستعار لغيره.
وَقَوله من جثاء جَهَنَّم بِضَم الْجِيم بعْدهَا ثاء مُثَلّثَة أَي من جماعات جَهَنَّم.
قوله: عن الحارث الأشعري رضي الله عنه قال المنذري ليس للحارث الأشعري في الكتب الستة سوى هذا الحديث.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن"
(1)
أخرجه الترمذي (2863) و (2864)، والنسائي في الكبرى (8814) و (11461)، وابن خزيمة (1895)، وابن حبان (6233)، والحاكم 1/ 117 - 118 و 118. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في المشكاة (3694)، وصحيح الترغيب (552).
الحديث، هو يحيى بن زكريا وكنية زكريا أبو يحيى صلى الله عليه وسلم وفي زكريا خمس لغات أشهرها زكرياء بالمد والثانية بالقصر وقرئ بهما في السبع الثالثة والرابعة زكريّ وزكري تشديد الياء وتخفيفها حكاهما ابن بريد وآخرون وحكاهما من المتأخرين الجواليقي والخامسة زكر حكاها أبو البقاء، قال أهل التواريخ: كان زكريا عليه السلام من ذرية سليمان بن داود عليهما السلام فهو زكريا بن حناء من ولد سليمان بن داود ويقال زكريا بن أردن وكان هو وعمران أبو مريم قد تزوج أختين إحداهما عند زكريا وهي أم يحيى واسمها أميا بالهمزة والتحتانية والمعجمة أو المهملة وأمها اسمها حنة بفتح المهملة وتشديد النون انتهى.
والأخت الأخرى عند عمران وهي أم مريم ولما ولدت مريم كفلها زكريا لموت أبيها عمران وقيل بل لضعف أبيها عن كفالتها ولما بلغ زكريا الكبر رزقه الله يحيى وزوجته كانت عاقرا لم تلد ولم يرزق ولدا سواه وولدت مريم عيسى عليه السلام بعد ولادة يحيى بثلاث سنين وقيل بستة أشهر فاتهم بنو إسرائيل زكريا بمريم وهمو به فاختفى منهم في جوف شجرة فنشروها بالمنشار وزكريا في داخلها هذا قول وهب وقال ابن إسحاق.
ذكر لي بعض أهل العلم أن زكريا مات موتا سويا وإنما يحيى هو ابن خالة أم عيسى ويقال ابن أختها وكان حصورا لا يعرف النساء، وقتل زكريا عد قتل يحيى ابنه صلاة الله وسلامه عليهما، وقال أرباب السير منهم الحافظ الخطيب البغدادي: أتى الصقر رجلًا فقتل بسبب يحيى بن زكريا خمسة
وسبعين ألفا ويقال إن الله عز وجل أوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني قتلت يحيى بن زكريا سبعين ألفا ولأقتلن بالحسين ابن بنتك سبعين ألفًا وسبعين ألفا قاله في مجمع الأحباب.
قوله: "ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها" بنو إسرائيل هم أولاد يعقوب عليه السلام.
قوله: "قال عيسى إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها" الحديث أم عيسى هي مريم ابنت عمران فإنها عند كثير من العُلماء نبية نزل إليها جبريل عليه السلام بالوحي كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم ولا قيل عن الأنبياء غيرهم ومن قال إنها لم تكن نبية جعل قوله تعالى: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}
(1)
مخصوصا بنساء زمانها.
قوله: "فجمع الناس في بيت المقدس" المقدس فيه لغتان مشهورتان فتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المخففة، وضم الميم وفتح القاف وكسر الدال المشددة والمشدد معناه المطهر والمخفف لا يخلوا إما أن يكون مصدرا أو مكانا ومعناه بيت المكان الذي جعل الله فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها أو من الذنوب، ثم إنه من باب إضافة الموصوف إلى صفته نحو مسجد الجامع.
تتمة تتعلق ببيت المقدس: في سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة فتح بيت المقدس على يد السلطان صلاح الدين بن يوسف بن أيوب والسبب في ذلك
(1)
سورة آل عمران، الآية:42.
أنه لما فتح عسقلان والأماكن المحيطة به واجتمعت إليه العساكر التي كانت متفرقة في السواحل وقعت إليه رقعة مكتوب فيها:
يا أيها الملك الذي لقواعد الإسلام أسس
…
يا من سطا بحسامه ومعالم الصلبان نكس
جاءت إليك رسالة تسعى من البيت المقدس
…
كل الأماكن طهرت وأنا على شرفي منجس
فقصد ذلك مستعينًا بالله فكان نزوله إليه في خامس عشر شهر رجب فنزل بالجانب الغربي وكان مشحونا بالمقاتلة من الخيالة والرجالة فكان فيه على ما يزيد عن ستين ألف مقاتل ما عدا النساء والصبيان ثم انتقل لمصلحة رآها إلى الجانب الشمالي في العشرين من الشهر المذكور ونصب عليه المنجنيقات وضايقه بالزحف والقتال وكثرة الرماة حتى ثقب السور مما يلي وادي جهنم فلما رأى العدو ذلك استكانوا وطلبوا الأمان وكتبت المراسلة بين الطائفتين إلى أن سلمه يوم الجمعة السابع والعشرين من الشهر المذكور وهي الليلة التي عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم فيها من بيت المقدس فانظر إلى هذا الاتفاق العجيب كيف سهل الله تعالى عوده إلى أيدي المسلمين في مثل زمان الإسراء بنبيهم صلى الله عليه وسلم وكان فتوحًا عظيمًا شهده من أهل العلم خلقا كثير لم يتخلف معروفه بالعلم عنه والله أعلم قاله في الديباجة.
قوله: "إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أولاهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وإن مثل من أشرك باللّه كمثل رجل
اشترى عبدًا من خالص ماله بذهب أو ورق" الحديث الذهب معروف والورق قال أهل اللغة يقال ورق وورق بكسر الواو وإسكانها وأهل اللغة على أنه مختص بالدراهم المضروبة واختلف أهل اللغة في أصله فقيل يطلق في الأصل على جميع الفضة وقيل هو حقيقة للمضروب دراهم ولا يطلق على غير الدراهم إلا مجازًا وهو قول كثير من أهل العلم وبالأول قال ابن قتيبة وهو مذهب الفقهاء والله أعلم.
قوله: "وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت" الحديث، الالتفات المنهي عنه في الحديث قسمان أحدهما التفات القلب عن الله لغير الله.
الثاني التفات البصر وكلاهما منهي عنه ولا يزال الله مقبلا على عبده ما دام العبد مقبلا على صلاته، ومثال من يلتفت في صلاته ببصره أو قلبه مثل رجل قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يمينا وشمالا وقد انصرف قلبه عن السلطان ولا يفهم ما يخاطب به السلطان لأن قلبه ليس حاضرا معه فما ظن خهذا الرجل أن يفعل به السلطان، أفليس أول المراتب في حقه أن يصرف بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينه فهذا المصلي لا يستوي والحاضر القلب المقبل على الله في صلاته الذي أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتلأ قلبه من هيبته وذلت عنقه له واستحيا من ربه أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين صلاتهما كما قال حسان بن عطية: إن الرجلين يكونان في الصلاة
الواحدة وإن بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض فذلك بأن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل والآخر ساه غافل، وقد روي أن العبد إذا قام يصلي قال الله عز وجل أن نحوا الحجب فإذا التفت قال أرخوها وقد فسر هذا الالتفات بالتفات القلب عن الله عز وجل إلى غيره فإذا التفت إلى غيره أرخى الحجاب بينه وبين العبد فدخل الشيطان وعرض عليه أمور الدنيا وأراه إياه في صوت المرأة وإذا أقبل على الله تعالى بقلبه ولم يلتفت لم يقدر الشيطان على أن يتوسط بين الله وبين ذلك القلب وإنما يدخل الشيطان إذا رفع الحجاب فإن فر إلى الله وأحضر قلبه فر الشيطان فإن التفت حضر الشيطان فهو هكذا شأنه وشأن عدوه في الصلاة قاله ابن قيم الجوزية في بعض مصنفاته.
قوله: "وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة" العصابة بكسر العين وبالصاد المهملتين الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين.
قوله: "وأمركم الصيام وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" فسيأتي الكلام عليه مبسوطا في بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: "وأمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في إثره سراعا" أثره بفتح الهمزة والثاء المثلثة ويجوز كسر الهمزة وسكون الثاء المثلثة لغتان مشهورتان وسراعا معناه مسرعين.
قوله: "حتى إذا أتى على حصن حصين" الحصن واحد الحصون وهي القصور والقلاع لكي يتحصن فيها وحصين فعيل للمبالغة أي شديد المنع
لمن فيه والله أعلم.
قوله: "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة" والمراد بالطاعة طاعة أولوا الأمر أي طاعة السلطان والأمير ومن له ولاية والمراد بالسمع سماع كلمة الحق من أمير المؤمنين والجهاد سيأتي الكلام عليه في بابه وتقدم الكلام على الهجرة مبسوطا في أول هذا التعليق والجماعة المراد بها سواد الناس وما اجتمعوا عليه في الإمارة هذا هو الظاهر وقيل: المراد بالجماعة اتباع إجماع المسلمين وقيل: هم العلماء وهو أصح.
قوله: "فإنه من فارق الجماعة قيد شبر" والمراد بمفارقة الجماعة ترك السنة واتباع البدعة ومعنى الحديث كل جماعة عقدت عقدا يوافق الكتاب والسنة فلا يجوز لأحد أن يفارقهم في ذلك العقد فإن خالفهم فيه استحق الوعيد، وقيل شبر معناه قدر شبر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه" الربقة بكسر الراء وسكون الباء الموحدة وفتح القاف واحدة الربق وهي عرى حبل يشد به إليهم وقال بعض العلماء ربقة الإسلام عهد الإسلام فاستعارها للإسلام وتجمع الربقة على ربق مثل كسرة وكسر ويقال للحبل الذي فيه الربقة ربق وتجمع على رباق وأرباق قاله في النهاية والمعنى أن من خرج على الجماعة ونزع اليد من الطاعة ولو بشيء يسير فقد نقض عهد الإسلام ونبذ ذمة الله اللازمة للأعناق ولزوم الربقة شبه النبي صلى الله عليه وسلم ما لزم الأعناق من ذمة الإسلام وحق الدين
بالربقة بالربقة التي تجعل في أعناق البهم من حيث أنه يقيد المؤمن فتمنه أن يتخطى الحدود قاله في التنقيح.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن ادعى دعوى الجاهلية" أي دعى عصبة واستعان بهم فيما ينويه من الأمور كعادة أهل الجاهلية ولم يرض بالشرع.
قوله "فإنه من جثاء جهنم" بضم الجيم بعدها ثاء أي من جماعات جهنم قاله المنذري وقال الهروي واحدتها جثوة بضم الجيم وهي الشيء المجموع وروي من جثي جهنم بكسر الثاء المثلثة وتشديد الياء آخر الحروف وهي جمع جاث وهو الذي يجلس على ركبتيه من قوله تعالى {حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}
(1)
قاله في التنقيح.
786 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن التلفت فِي الصَّلَاة فَقَالَ اختلاس يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة
(2)
.
قوله: عن عائشة، تقدم الكلام على بعض مناقبها.
قوله: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التلفت في الصلاة فقال: اختلاس يختلسه الشيطان) الحديث، الاختلاس هو أشخذ الشيء بسرعة واختطاف
(1)
سورة مريم، الآية:68.
(2)
أخرجه البخاري (751) و (3291)، وأبو داود (910)، والترمذي (590)، والنسائي في المجتبى 3/ 19 (1209) والكبرى (1211)، وابن خزيمة (484) و (931)، وابن حبان (2287).
على سبيل المخاتلة، قاله عياض، قال بعض العلماء أيضًا: الاختلاس السلب أي سلب يستلبه الشيطان من صلاة العبد، وقال بعضهم أيضًا: الاختلاس الأخذ بخفية كالسرقة، ويحتمل ذلك هنا، والمراد بالاختلاس نقص الكمال فإن الالتفات إن كان بالعنق فإنه مكروه إلا لحاجة، ففي هذا الحديث كراهة الالتفات في الصلاة يمينا وشمالا إلا إذا لم يتحول صدره، وفي التتمة أنة حرام، ومما وصف به أبو بكر أنه كان لا يلتفت في صلاته، والدليل على ذلك أنه كان عليه السلام يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلوي عنقه خلف ظهره رواه الترمذي، وفي رواية "يلتفت" بدل يلحظ، وقد اختلف العلماء رضي الله عنهم فيمن تكرر منه الالتفات فذهبت طائفة من العلماء إلى بطلان صلاته والجمهور على الكراهة دون البطلان، أما الالتفات لحاجة فلا بأس به لما روي أبو داود في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره إلى الغزو صلى وجعل يلتفت إلى الشعب، وهذا الحديث سيأتي في الجهاد مطولا إن شاء الله تعالي، وروى مسلم عن جابر قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا، وقال ابن بطال: الالتفات في الصلاة مكروه، وذلك أنه إذا أومأ ببصره وثنى عنقه يمينا وشمالا لا ترك الإقبال على الصلاة وقارن الخشوع المأمور به في الصلاة، ولذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم اختلاسا، وفيه: الحض على إحضار المصلى قلبه لمناجاة ربه تبارك، وأما نظره صلى الله عليه وسلم إلى الخميصة بحيث قال: شغلني إعلامها فهو مما لا يستطاع دفعه، قال الطيبي: المعنى من التفت ذهب عنه الخشوع فاستعير
لذهابه أو اختلاس الشيطان تصوير القبح لشكك الفعلة أو أن المصلي يستغرق في مناجاة ربه تبارك وتعالى وأنه تعالى يقبل عليه والشيطان كالراصد ينتظر فوات تلك الحالة عنه، فإذا التفت المصلي اغتنم الفرصة فيختلس منه قاله الكرماني.
واعلم أن الإعراض عن المناجاة بالقلب أو القالب سوء أدب ولكن الله تعالى بكرمه لا يؤاخذ الغافل أو الساهي وإنما يفوته الخير العظيم بالتفاته عن ذلك، وقد فسر قوله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)}
(1)
أي: لم يلتفتوا.
787 -
وَعَن أبي الْأَحْوَص عَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يزَال الله مُقبلا على العَبْد فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت فَإِذا صرف وَجهه انْصَرف عَنهُ رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصَححهُ
(2)
.
قَالَ المملي الْحَافِظ عبد الْعَظِيم رضي الله عنه وَأَبُو الْأَحْوَص هَذَا لَا يعرف اسْمه لم يرو عَنهُ غير الزُّهْرِيّ وَقد صحّح لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَغَيرهمَا.
(1)
سورة المعارج، الآية:23.
(2)
أخرجه أحمد 5/ 172 (21508)، والدارمي (1463)، وأبو داود (909)، والنسائي في المجتبى 3/ 18 (1208) والكبرى (1210)، وابن خزيمة (482)، والحاكم 1/ 236.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (843/ م) وصحيح الترغيب (554).
قوله: عن أبي الأحوص، قال الحافظ: أبو الأحوص لا يعرف اسمه لم يرو عنه غير الزهري انتهي، وأبو الأحوص هو عوف بن مالك بن فضلة الجشمي، وثقه ابن معين وغيره، يقال: قتله الخوارج في أيام الحجاج وفيه نظر، هل هو العرض الذي قاله المنذري أو غيره.
قوله: عن أبي ذر، واسمه جندب على الصحيح، توفي بالربذة سنة اثنين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود، وكان أبو ذر عظيما طويلا متقللا من الدنيا وكان مذهبه أنه يحرم على الإنسان إدخار ما زاد على حاجته، وكان قوالا بالحق وتقدم الكلام علي بعض مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يوال الله مقبلا على البعد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف الله عنه" والمراد بالإقبال في حق الله تعالى رضاه، والمراد بالانصراف ضد الإقبال، والمراد بالالتفات لي العنق ويدل عليه حديث أبي هريرة الذي يأتي بعد هذا، وفيه:"نهاني عن ثلاث وفيها: والتفات كالتفات الثعلب" ويحتمل أن يكون المراد التفات القلب، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الباب:"إن العبد إذا قام إلى الصلاة فالتفت يقول الله تعالى إلى من يلتفت! إلى خير مني! أقبل إليّ" والأولى حمل الالتفات على أي معانيه فيتناول الجسمي والقلبي قاله الحافظ العسقلاني ابن حجر.
788 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ أَوْصَانِي خليلي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاث ونهاني عَن ثَلَاث نهاني عَن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الْكَلْب والتفات كالتفات الثَّعْلَب رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَإسْنَاد أَحْمد حسن وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة وَقَالَ
كإقعاء القرد
(1)
مَكَان الْكَلْب الإقعاء بِكَسْر الْهمزَة قَالَ أَبُو عبيد هُوَ أَن يلزق الرجل أليتيه بِالْأَرْضِ وَينصب سَاقيه وَيَضَع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ كَمَا يقعي الْكَلْب قَالَ وَفَسرهُ الْفُقَهَاء بِأَن يضع أليتيه على عَقِبَيْهِ بَين السَّجْدَتَيْنِ قَالَ وَالْقَوْل هُوَ الأول.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "نهاني خليلي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث، عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب" ورواه ابن أبي شيبة، وقال "كإقعاء القرد" مكان الكلب، وتقدم مطولا معنى قوله:"عن نقرة كنقرة الغراب" يريد بنقرة الغراب تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله.
وقوله: "وإقعاء كإقعاء الكلب" ضبطه الحافظ رحمه الله وفسره فقال: الإقعاء بمكسر الهمزة قال أبو عبيدة: هو أن يلزق الرجل إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديد بالأرض كما يقعي الكلب، قال: وفسَّره الفقهاء
(1)
أخرجه الطيالسي (2716)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 255 رقم 2932)، وأحمد 2/ 265 (7595)، والبيهقي في الكبرى (2/ 173 رقم 2741). وأخرجه أحمد 2/ 311 (8106)، وأبو يعلى (2619)، والطبراني في الأوسط (5/ 266 رقم 5275).
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن جبير إلا حبيب بن أبي ثابت، ولا عن حبيب إلا ليث، ولا عن ليث إلا موسى بن أعين، تفرد به: المعافى بن سليمان. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 79 - 80: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وإسناد أحمد حسن. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (555).
بأن يضع اليتيه بالأرض على عقب السجدتين، قال: والقول هو الأول. انتهى. وإنما نهى عن ذلك لشبهه الكلاب والقردة وهذا الإقعاء منهي عنه في جميع الصلاة، ومن الإقعاء نوع مستحب عند النووي وابن الصلاح والبيهقي، ونص عليه البويطي وصوبه النووي وهو أن يفرش رجليه ويضع إليتيه على عقبيه كما ثبت في صحيح مسلم عن طاووس، قال ابن عباس في الإقعاء على القدمين قال هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وروى مالك عن العبادلة وجعله الرافعي أحد الأوجه في الإقعاء المكروه، وليس المراد به كونه سنة أنه أفضل من غيره بل الإفتراش أفضل منه لكثرة رواته ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ويكره أيضًا أن يقعد مادًّا رجليه. انتهي، والله أعلم انتهى. قاله الكمال الدميري
(1)
.
وقال بعض العلماء: الإقعاء أن يضع إليتيه على عقبيه كما هو عادة الناس عند الأمراء والتفات كالتفات الثعلب، وتقدم معنى الالتفات في الحديث قبله.
فائدة: في الحكم في الثعلب، نص الشافعي رحمه الله على حل أكله، وقال ابن الصلاح ليس في حله حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تحريمه حديثان في سندهما ضعف، واعتمد الشافعي رحمه الله في ذلك على عادة العرب فيندرج في عموم قوله تعالى:{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ}
(2)
وقال بحله
(1)
في النجم الوهاج في شرح المنهاج (2/ 101).
(2)
سورة المائدة، الآية:4.
طاووس وعطاء وقتادة وغيرهم، ونقل في فرائد رحلته عن أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي الإمام في الحديث والفقيه تلميذ البويطي أن الثعلب حرام وكره أبو حنيفة ومالك أكله وأكثر الروايات عن الإمام أحمد تحريمه لأنه سبع انتهى.
789 -
وَرُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ الرجل فِي الصَّلَاة أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَإِذا الْتفت قَالَ يَا ابْن آدم إِلَى من تلْتَفت إِلَى من هُوَ خير لَك مني أقبل إِلَيّ فَإِذا الْتفت الثَّانِيَة قَالَ مثل ذَلِك فَاِذا الْتفت الثَّالِثَة صرف الله تبارك وتعالى وَجهه عَنهُ رَوَاهُ الْبَزَّار
(1)
.
قوله: عن جابر بن عبد الله تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام الرجل في الصلاة أقبل الله تعالى عليه بوجهه" الحديث تقدم معنى الإقبال أنه في حق الله تعالى رضاه، والمراد بوجه الله تعالى جملة الذات لقوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}
(2)
.
قوله: "فإذا التفت يقول الله تعالى: يا ابن آدم إلى من تلفت إلى من هو خير لك مني" تقدم معنى الالتفات وأنه يشمل القلبي والجسمي كما ذكر الحافظ
(1)
أخرجه البزار (552/ كشف الأستار). قال البزار: لا نعلم رواه إلا جابر، ولا عنه إلا ابن المنكدر، ولا عنه إلا الفضل، والفضل خال المعتمر بن سليمان بصري قصاص، وأحسب أنه كان يذهب إلى القدر، ولا نكتب عنه إلا ما لم نجده عند غيره. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 80: رواه البزار وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وقد أجمعوا على ضعفه. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (1024) و (2694) وضعيف الترغيب (288).
(2)
سورة القصص، الآية:88.
العسقلاني أنه الأولى.
تنبيه: قال العلماء في كتب الفقه: وإن فكر في الصلاة أو التفت فيها كره ولم تبطل صلاته أي فكر في أمور الدنيا أو في مسألة فقهية ونحوا أو التفت فيها من غير حاجة يمينا وشمالا ولم يحول قدميه عن القبلة كره وأجزأته صلاته إذ ليس فيها إلا الإخلاء بالخشوع وهو يثبت الكراهة دون البطلان لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام فقال: "ألهتني أعلام هذه" ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أعاد الصلاة، هذا هو المذهب ولو فكر في أمور الآخرة فلا بأس، فإن حول قدميه عمدا بطلت صلاته، وكذا سهوا إن طال الزمان وإن قصر فلا لأنه عمل يسير وسجد للسهو وهو ناسخ لما تمسك به الإمام أحمد بن حنبل والله أعلم.
قوله: في حديث جابر: "فإذا التفت الثالثة صرف الله تبارك وتعالى وجهه عنه" وفي رواية: "فإذا التفت أعرض عنه ومن أعرض الله عنه فقد تعرض لسخطه".
790 -
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن العَبْد إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة أَحْسبهُ قَالَ فَإِنَّمَا هُوَ بَين يَدي الرَّحْمَن تبارك وتعالى فَإِذا الْتفت يَقُول الله تبارك وتعالى إِلَى من تلْتَفت إِلَى خير مني أقبل يَا ابْن آدم إِلَيّ فَأَنا خير مِمَّن تلْتَفت إِلَيْهِ رَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضًا
(1)
.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (506)، والبزار (9332)، والأصبهاني في الترغيب (1908). قال البزار: وهذا الحديث رواه طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن أبي هريرة =
قوله: عن أبي هريرة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا قام إلى الصلاة أحسبه قال: فإنما هو بين يدي الرحمن" الحديث، تقدم معناه في الحديث قبله.
791 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا بني إياك والالتفات فِي الصَّلَاة فَإِن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة هلكة الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة عَليّ بن زيد عَن سعيد بن الْمسيب عَن أنس وَقَالَ حَدِيث حسن وَفِي بعض النّسخ صَحِيح قَالَ المملي وَعلي بن زيد بن جدعَان يَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَرِوَايَة سعيد عَن أنس غير مَشْهُورَة
(1)
.
قوله: عن أنس بن مالك، تقدم.
قوله: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة" الحديث، أي: طاعة للشيطان وطاعة الشيطان هلكة، والالتفات في صلاة النفل أسهل من الالتفات في الفرائض، لأن زوال كمال النوافل أسهل والله أعلم.
قوله: ورواه الترمذي من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب، هو:
= رضي الله عنه، موقوفًا. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 80: رواه البزار وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (1024) وضعيف الترغيب (289).
(1)
أخرجه الترمذي (589)، والطبراني في الأوسط (6/ 123 - 125) والصغير (2/ 101 - 103). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وضعفه الألباني في المشكاة (997) وضعيف الترغيب (290).
عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ جُدْعَان، قال الدَّارَقُطْنِيّ: ضعيف
(1)
.
792 -
وَرُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه: قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ صلى رَكعَتَيْنِ فَدَعَا ربه إِلَّا كَانَت دَعوته مستجابة مُعجلَة أَو مؤخرة إيَّاكُمْ والالتفات فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا صَلاة لملتفت فَإِن غلبتم فِي التَّطَوُّع فَلا تغلبُوا فِي الْفَرِيضَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ في الْكَبِير
(2)
وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قَامَ فِي الصَّلَاة فَالْتَفت رد الله عَلَيْهِ صلَاته
(3)
.
قوله: عن أبي الدرداء، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فدعى ربه إلا كانت دعوته مستجابة" الحديث، تقدم الكلام على إحسان الوضوء وعلى صلاة الركعتين بعده ينوي بهما سنة الوضوء.
(1)
انظر: العلل (5/ 346)، والسنن (1/ 77).
(2)
أخرجه أحمد 6/ 442 (27497)، والمحاملى (71). قال الهيثمي في المجمع 2/ 278: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه ميمون أبو محمد قال الذهبي: لا يعرف. وقال في 2/ 80: رواه الطبراني في الكبير وفيه: عطاء بن عجلان وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (291).
(3)
أخرجه الطبراني كم في جامع المسانيد (9/ 334 رقم 11985). قال الهيثمي في المجمع 2/ 81: رواه الطبراني في الكبير وفيه يوسف بن عطية وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (291).
قوله: "وإياكم والالتفات في الصلاة فإن لا صلاة للملتفت، فإن غلبتم في التطوع فلا تغلبوا في الفريضة" تقدم الكلام على الالتفات في الصلاة، وأن المراد به لي العنق كما تقدم، وأنه لا صلاة للملتفت أي كاملة فإنه ناقصة في الأجر والثواب لعد الخشوع فيها، والالتفات عدم الإقبال عليها، والالتفات في صلاة النفل أسهل من الالتفات في الفرائض كما تقدم في حديث أنس الذي قبله فإن الالتفات في الصلاة هلكة.
793 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ لَا يزَال الله مُقبلا على العَبْد بِوَجْهِهِ مَا لم يلْتَفت أَو يحدث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبير مَوْقُوفا عَن أبي قلَابَة عَن ابْن مَسْعُود وَلم يسمع مِنْهُ
(1)
.
قوله: عن ابن مسعود، تقدم.
قوله: "لا يزال الله مقبلا على العبد بوجهه ما لم يلتفت أو يحدث" تقدم الكلام على الإقبال في الأحاديث قبله وعلى الحديث في انتظار الصلاة مبسوطًا.
794 -
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قَامَ أحدكُم إِلَى الصَّلَاة فليقبل عَلَيْهَا حَتَّى يفرغ مِنْهَا وَإِيَّاكُم والالتفات فِي الصَّلَاة فَإن أحدكُم يُنَاجِي ربه مَا دَامَ فِي الصَّلَاة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط
(2)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 395 رقم 4534)، والطبراني في الكبير (9/ 369 رقم 9345). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 81: رواه الطبراني في الكبير، وأبو قلابة لم يسمع من ابن مسعود. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (292).
(2)
أخرجه الحارث في المسند (154)، والطبراني في الأوسط (4/ 187 - 188 رقم 3935).
وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن رومان إلا نافع بن ثابت، تفرد به: =
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والالتفات في الصلاة فإن أحدكم يناجي ربه ما دام في الصلاة" أي: بكلامه وذكره وعائه بالإخلاص والحضور، وفيه: تعظيم أمر الغفلة فإنها تفوت هذه المرتبة العظيمة من المناجاة.
795 -
وَعَن أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة رضي الله عنها زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَت كَانَ النَّاس فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ الْمُصَلِّي يُصَلِّي لم يعد بصر أحدهم مَوضِع قَدَمَيْهِ فَتوفي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَكَانَ النَّاس إِذا قَامَ أحدهم يُصَلِّي لم يعد بصر أحدهم مَوضِع جَبينه فَتوفي أَبُو بكر رضي الله عنه فَكَانَ عمر رضي الله عنه فَكَانَ النَّاس إِذا قَامَ أحدهم يُصَلِّي لم يعد بصر أحدهم مَوضِع الْقبْلَة ثمَّ توفّي عمر رضي الله عنه فَكَانَ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه وَكَانَت الْفِتْنَة فَتلفت النَّاس يَمِينا وَشمَالَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه
(1)
بِإِسْنَاد حسن إِلَّا أَن مُوسَى بن عبد الله بن أبي أُميَّة المَخْزُومِي لم يخرج لَهُ من أَصْحَاب الْكتب السِّتَّة غير ابْن مَاجَه وَلَا يحضرني فِيهِ جرح وَلَا تَعْدِيل وَالله أعلم.
= الواقدي. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 80: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الواقدي وهو ضعيف. وقال البوصيري في إتحاف الخيرة 2/ 240: هذا إسناد ضعيف لضعف الواقدي. قال الألباني: موضوع الضعيفة (2689) وضعيف الترغيب (293).
(1)
أخرجه ابن ماجه (1634)، والطبراني في الأوسط (4/ 368 - 369 رقم 4456) و (9/ 49 رقم 9104). وقال الطبراني: لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد، تفرد به إبراهيم بن المنذر. وضعفه الألباني في الضعيفة (1040) وضعيف الترغيب (294).
قوله: عن أم سلمة، هي أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم، سيأتي الكلام على مناقبها في كتاب النوافل مبسوطًا.
قول أم سلمة: كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر أحدهم عن موضع قدميه، الحديث، قال العلماء رضي الله عنهم: ومن هنا أخذ الشافعي والجمهور أن المصلي يستحب له أن ينظر في موضع سجوده ولا يجاوزه في جميع الصلاة لما روي أنه صلى الله عليه وسلم فعله، وروي أيضا أنه أمر به، وبه قال الشافعي والسادة الصوفية بأسرهم فإنه أحضر القلب وأجمع الفكر، قال النووي في منهاجه: قلت: من إدامة نظره إلى موضع سجوده لأن جمع البصر في مكان واحد أقرب إلى الخشوع، وقال مالك: ينظر المصلي تلقاء وجهه، وقال في موضع آخر: ينظر أمامه فإنه إذا حنى رأسه ذهب بعض القيام المفروض عليه في الرأس وهو أشرف الأعضاء، وقال بعضهم: يكره تغميض عينيه، قال النووي: قلت لا يكره إلا أن يخاف ضررا، وروى محمد بن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينظر إلى السماء في صلاته فأنزل الله تعالى:{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)}
(1)
فجعل ينظر حيث يسجد، وقد روى أن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح لم ينظر إلا إلى موضع سجوده، كذا هو في المهذب، ورواه البيهقي عن أنس ولم يصح شيء من ذلك حديث صحيح أن هذا في جميع الصلاة، وقيل: ينظر في القيام إلى موضع سجوده، وفي
(1)
سورة المؤمنون، الآية:2.
الركوع إلى ظهر قدميه، وفي السجود إلى أنفه وفي القعود إلى حجره، لأن امتداد البصر يلهي فإذا قصره كان أولى ولأن ترديد البصر من مكان إلى مكان يشغل القلب ويمنع كمال الخشوع، وبهذا جزم البغوي والمتولي وحكاه القاضي حسين أيضا، والأول أصح، وحكي المحب الطبري وجهان أن الذي بالمسجد الحرام نظره إلى الكعبة أولى لكنه صحح الأول، والسنة للتشهد أن لا يجاور بصره إشارته قاله في مختصر الكفاية، وذكره غيره، وقال الزركشي في كتابه الذي ألفه في فضل المساجد.
اعلم أن نظر المصلي إلى موضع سجوده أفضل مما سواه فلو كان يصلي بمكة بالمسجد الحرام، فهل الأولى النظر إلى الكعبة لترتيب الثواب على مجرد النظر وإن لم يكن في صلاة أو المحافظة على النظر إلى موضع السجود لأنه مجمع القلب، والنظر يلهي عن الخشوع الذي هو مقصود الصلاة، ويشترط في صحتها على وجه عندنا أو يفضل بين من يلهو بالنظر ومن غيره، هذا محل نظر، وظاهر كلام ابن الصيف اليمني: أن المشاهدة أولى وبذلك جزم الماوردي والروياني وهو نقل غريب، وقال المحب الطبري في شرح التنبيه: إن كان يشاهد الكعبة ينظر إليها مع توفر الخشوع فحسن، قال: والمذهب أنه ينظر إلى موضع سجوده لأنه لا يأمن ما يشغله.
قول أم سلمة رضي الله عنها: فلما كان عثمان بن عفان وكانت الفتنة فالتفت الناس يمينا وشمالًا، أشارت أم سلمة رضي الله عنها بذلك إلى تغير الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر وبعد عمر وعثمان رضي الله عنهم، واجتمع العُلماء على
استحباب الخشوع في الصلاة وغض البصر عما يلي وعلى كراهة الالتفات في الصلاة من غير حاجة، والالتفات في الصلاة من غير حاجة مكروه، وتقدم الكلام على ذلك مرات عديدة في أحاديث الباب والله أعلم.
قوله: إلا أن موسى بن عبد الله بن أمية المخزومي، لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل.