المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٤

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة]

- ‌[الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر]

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في مواضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدي المصلي

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌فصل فى النفل واشتقاقه

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتي عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهرًا ناويًا القيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوي إلى فراشه وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌التَّرْهِيب من صَلَاة الإِنْسَان وقراءته حَال النعاس

- ‌التَّرْهِيب من نوم الإنْسَان إِلَى الصَّباح وَترك قيام شَيْء من اللَّيْل

- ‌التَّرْغِيب فِي آيَات وأذكار يَقُولهَا إِذا أصبح وإذا أَمْسَى

- ‌التَّرْغِيب فِي قَضَاء الْإِنْسَان ورده إِذا فَاتَهُ من اللَّيْل

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة الضُّحَى

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلاة التَّسْبِيح

- ‌[عدة في خدم المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة التَّوْبَة

- ‌[بعض مناقب أبي بكر الصديق]

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة الْحَاجة ودعائها

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلاة الاستخارة وَمَا جَاءَ فِي تَركهَا

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها وما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌في الترهيب من ترك الجمعة

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌فصل يذكر فيه الأغسال المسنونة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير لغير عذر

- ‌التَّرْهِيب من تخطي الرّقاب يَوْم الْجُمُعَة

- ‌التَّرْهِيب من الْكَلَام وَالْإِمَام يخْطب وَالتَّرْغِيب فِي الْإِنْصَات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي قِرَاءة سُورَة الْكَهْف وَمَا يذكر مَعهَا لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وأداء وُجُوبِها

الفصل: ‌الترغيب في صلاة الاستخارة وما جاء في تركها

‌التَّرْغِيب فِي صَلاة الاستخارة وَمَا جَاءَ فِي تَركهَا

1023 -

عَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من سَعَادَة ابْن آدم استخارته الله عز وجل رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَزَاد وَمن شقوة ابْن آدم تَركه استخارة الله وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد كَذَا قَالَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَلَفظه من سَعَادَة ابْن آدم كَثْرَة استخارة الله تَعَالَى وَرضَاهُ بِمَا قضى الله لَهُ وَمن شقاوة ابْن آدم تَركه استخارة الله تَعَالَى وَسخطه بِمَا قضى الله لَهُ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي حميد وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث وَرَوَاهُ الْبَزَّار وَلَفظه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من سَعَادَة الْمَرْء استخارته ربه وَرضَاهُ بِمَا قضى وَمن شقاء الْمَرْء تَركه الاستخارة وَسخطه بعد الْقَضَاء وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حيَّان فِي كتاب الثَّوَاب والأصبهاني بِنَحْوِ الْبَزَّار

(1)

.

قوله: عن سعد بن أبي وقاص واسمه مالك بن وهب وقيل ابن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يكنى أبا إسحاق أسلم قديما وكف بصره قبل موته، يروى أنه قدم مكة وهو مكفوف البصر فجاءه الناس يهرعون إليه كل يسأله أن يدعو له وكان مجاب الدعوة، قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة،

(1)

أخرجه أحمد 1/ 168 (1444)، والترمذي (2151)، والبزار (1097)، وأبو يعلى (701)، والحاكم (1/ 518). وضعفه الألباني في الضعيفة (1906) و (6212) وضعيف الترغيب (420).

ص: 487

قلت: نعم، فلما طال المجلس قلت له: يا عم أنت تدعوا للناس فلو دعوت لنفسك فرد الله عليك بصرك فتبسم وقال: يا بني قضاء الله عندي أحسن من بصري، وبهذا تمسك بعض الصوفية لما ضاع له ولد ولم يعرف مكانه ثلاثة أيام فقيل له: لو سألت الله أن يرده فقال: اعتراضي عليه فيما قضى اشد علي من ذهاب ولدي، ولما قتل عثمان اعتزل سعد الفتن ولم يقاتل في شيء من تلك الحروب، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأحد وسبعون حديثا

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم استخارته الله عز وجل" زاد الحاكم: "ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله عز وجل" وفي الترمذي: "من سعادة ابن آدم استخارة الله عز وجل في كل أموره ومن شقاوته تركه استخارته في كل أموره" وروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا هممت بأمر فاستخر الله سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبقك في قلبك فإن الخير فيه"

(2)

وفي رواية البزار: "من سعادة المرء استخارته ربه ورضاه بما قضى ومن شقاوة المرء تركه الاستخارة وسخطه بعد القضاء" الحديث، السَخَط والسُخط الكراهية للشيء وعدم الرضى به والاستخارة طلب الخير في الشيء، والخِيَرَة على وزن العنبة فهي

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 213 - 214).

(2)

أخرجه ابن السنى في اليوم والليلة (598). قال النووي في الأذكار (ص 120): إسناده غريب، فيه من لا أعرفهم. وضعفه ابن حجر جدا في نتائج الأفكار (4/ 70). ووهاه الألباني في الضعيفة (6908).

ص: 488

الاسم من قولك اختاره الله

(1)

، ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرة الله من خلقه والخيرة يقال بالفتح والسكون وهي افتعال منه يقول اختر الله يجز لك ومنه دعاء الاستخارة اللهم خر لي أي اختر لي أصلح الأمرين واجعل لي الخيرة فيه فالرضى بالمقدور من سعادة ابن آدم بكل ما قضى الله تعالى له لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المطول:"وأن تؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره" ثم ينظر في المقضي فإن كان في طاعة أو مباحا وجب عليه الرضى بالقضاء والمقضى جميعا وإن كان معصية وجب عليه الرضى بالقضاء دون المقضي فإن الله تعالى لم يرض به قال الله تعالى: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}

(2)

بل يسأل الله تعالى صرفه عنه وأن يحفظه منه، فالرضى بالقضاء من أسباب السعادة والسخط على القضاء من أسباب الشقاوة، وأنه ما ملأ قلبه من الرضى بالقدر ملأ الله صدره غنى وأمنا وقناعة وفرغ قلبه لمحبته والإنابة إليه والتوكل عليه، ومن فاته حظه من الرضى امتلأ قلبه بضد ذلك و اشتغل عما فيه سعادته وفلاحه فالرضى تفرغ القلب لله تعالى والسخط تفرغ القلب من الله تعالى فالرضى يثمر الشكر الذي هو من أعلى مقامات الإيمان بل هو حقيقة الإيمان والسخط يثمر [ضده] وهو كفر النعم وربما أثمر له كفر المنعم وإذا فاته الرضى كان من الساخطين وسلك سبيل الكافرين الشيطان إنما يغفر بالإنسان غالبا عند السخط والشهوة فهنالك يصطاده ولاسيما إذا استحكم

(1)

الكواكب الدراري (6/ 210).

(2)

سورة الزمر، الآية:7.

ص: 489

سخطه فإنه يقول ما لا يرضى الرب ويفعل ما لا يرضيه وينوي ما لا يرضيه، وقال المشايخ: الرضى باب الله الأعظم وجنة الدنيا

(1)

.

واعلم أن العبد لا يكاد يرضى عن الحق إلا بعد أن يرضى عنه الحق لأن الله تعالى قال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}

(2)

، سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: قال تلميذ لأستاذه: هل يعرف العبد أن الله تعالى راض عنه قال: لا كيف يعلم ذلك ورضاه غيب فقال التلميذ: يعلم ذلك، فقال: كيف؟ فقال: إذا وجدت قلبي راضيا عن الله تعالى علمت أنه راض عني، فقال الأستاذ: أحسنت يا غلام

(3)

، قال: وسئل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم أسألك الرضي بعد القضاء، فقال: لأن الرضى قبل القضاء عزم على الرضى، والرضى بعد القضاء هو الرضى، وقال أبو عثمان الخير: منذ أربعين سنة ما أقامني الله في شيء فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته

(4)

، أ. هـ.

وتقدم شيء من ذلك في الأذكار: إذا أصبح وإذا أمسى، وقيل في قوله:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}

(5)

الآية.

(1)

مدارج السالكين (2/ 200 - 202).

(2)

سورة المجادلة، الآية:22.

(3)

الرسالة (2/ 342).

(4)

مدارج السالكين (2/ 175)

(5)

سورة فاطر، الآية:32.

ص: 490

اعلم أن السابق بالخيرات هو الذي يرضي بالقضاء قبل نزوله، والمقتصد هو الذي يرضي به عند نزوله، والظالم الذي يرضي به بعد نزوله؛ وقال الحسن البصري: السابق بالخيرات هو الذي زادت حسناته على سيئاته والمقتصد هو الذي استوت حسناته وسيئاته والظالم الذي زادت سيئاته على حسناته، وقيل: غير ذلك

(1)

، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم:"يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول إلا ما يرضي الرب"

(2)

فإن موت البنين من العوارض التي توجب للعبد السخط على القدر فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يقول في مثل هذا المقام الذي يسخط أكثر الناس فيتكلمون بما لا يرضي الله عز وجل ويفعلون ما لا يرضيه إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى، ولهذا لما مات ابن الفضيل بن عياض رئي في الجنازة ضاحكًا، فقيل له: تضحك! وقد مات ابنك، فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضي بقضائه فأنكرت طائفة هذا على الفضيل وقالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بكى يوم مات ابنه وأخبر: "إن القلب يحزن والعين تدمع" وهو في أعلا مقامات الرضي فكيف يعد هذا في مناقب الفضيل، والتحقيق أن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتسع لتكميل المراتب من الرضى عن الله تعالى والبكاء رحمة للصبي فكان له مقام الرضى ومقام الرحمة ورقة القلب والفضيل لم يتسع لذلك مغيبة مقام الرضى عن مقام الرحمة فلم يجتمع له الأمران والناس في ذلك على أربع مراتب أحدها: من

(1)

تفسير البغوى (6/ 422) وتفسير ابن عطية (4/ 439) وتفسير القرطبى (14/ 348).

(2)

أخرجه البخاري (1303)، ومسلم (62 - 2315) عن أنس.

ص: 491

اجتمع له الرضا بالقضاء ورحمة الطفل فدمعت عيناه رحمة والقلب راضح الثاني: من غيبة الرضى عن الرحمة فلم يتسع الأمرين؛ الثالث: من غيبته الرحمة والرقة عن الرضى فلم يشهده؛ الرابع: من لا رضى عنده ولا رحمة وإنما كان حزنه لفوات حظه من الميت وهذا حال أكثر الخلق فلا إحسان ولا رضى عن الرحمن والله المستعان

(1)

، أ. هـ قاله في تهذيب النفوس.

فائدة: إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه مارية القبطية، ولدته في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وتوفي في ذي الحجة سنة عشر ولد بالمدينة وتوفي بها وهو ابن سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرًا هكذا في صحيح البخاري على الشك، وفي البخاري أيضًا: لما توفي إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن له مرضعًا في الجنة"

(2)

وسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بولادته كثيرًا وكانت قابلته سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع، وبشر أبو رافع به النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدًا وعق عنه بكبش يوم سابعه وحلق رأسه وتصدق بزنه شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدفن في الأرض وسماه ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قيس ترضعه بالمدينة، قال الزبير: فتنافست الأنصار فيمن ترضعه، كل تنافس على تحصيل البركة بإرضاعه وكي يفرغوا مارة لخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

، وأمه مارية أهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صاجما سكندرية وهو جريج بن مينا في

(1)

مدارج السالكين (2/ 202 - 203).

(2)

البخاري (1316).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 102 - 103).

ص: 492

جملة تحف وهدايا فقبل ذلك منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معها أختها سيرين التي وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت فولدت له ابنه عبد الرحمن بن حسان، ويقال: إن المقوقس أهدى معها غلاما خصيا وأهدى مع ذلك بغلة شهباء اسمها الذلول وكانت مارية من الصالحات الخيرات الحسان حظيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم[وأعجب بها وأنها] كانت جميلة [ملاحة] أى حلوة وهي تشابه هاجر [زوجة] إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه

(1)

، أ. هـ قاله في مختصر مجمع الأحباب، ولما توفي إبراهيم بكى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال:"تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون" قال ابن سعد

(2)

: ومات عند أم بردة وغسلته وحمل من بيتها على سرير صغير، والجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه وكبر أربعا كما في طبقات ابن سعد وغيرها وصلى عليه عند باب المصاعد وهو موضع باب الجنائز وكسفت الشمس يوم وفاته، فقال الناس: كسفت الشمس لموته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" ودفن بالبقيع ورش على قبره الماء

(3)

.

اعلم أنه يستحب لمن خطر بباله السفر أو التزويج أو غيرهما أن يضم على الاستخارة المشاورة فيشاور في ذلك من يعلم من حاله النصيحة

(1)

البداية والنهاية (10/ 32 - 33).

(2)

الطبقات (1/ 144).

(3)

المصدر السابق.

ص: 493

والشفقة والخيرة ويثق بدينه ومعرفته قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}

(1)

ودلائله كثيرة فقد قال بعض السلف: ما خاب من استخار ولا [ندم] من استشار، ولتكن الاستشارة قبل الاستخارة فإذا شاور وظهر أنه مصلحة استخار الله تعالى في ذلك فصلى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة المذكور في حديث جابر هذا

(2)

، قال بعض الحكماء: من أعطى أربعا لم يمنع أربعا: من أعطى الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطى التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطى الاستخارة لم يمنع الخير، ومن أعطى المشورة لم يمنع الصواب

(3)

.

1024 -

وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنَا الاستخارة فِي الأمُور كلهَا كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن يَقُول إِذا هم أحدكم بِالأمر فليركع رَكعَتَيْنِ من غير الْفَرِيضَة ثمَّ ليقل اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وَأَسْأَلك من فضلك الْعَظِيم فَإنَّك تقدر وَلا أقدر وَتعلم وَلا أعلم وَأَنت علام الغيوب اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَن هَذَا الأمر خير لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو قَالَ عَاجل أَمْرِي وآجله فاقدره لي ويسره لي ثمَّ بَارك لي فِيهِ وَإِن كنت تعلم أَن هَذَا الأمر شَرّ لي فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي أَو قَالَ عَاجل أَمْرِي وآجله فاصرفه عني واصرفني عَنهُ واقدر لي الْخَيْر

(1)

سورة آل عمران، الآية:159.

(2)

الأذكار (ص 214).

(3)

الإحياء (1/ 206).

ص: 494

حَيْثُ كانَ ثمَّ أرضني بِهِ، قَالَ ويسمي حَاجته رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا هم أحدكم بالأمر" هم بمعنى عزم عليه، أي: إذا قصد الإتيان بفعله أو تركه فإن الإرادة [بمعنى] الهم

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فليركع ركعتين من غير الفريضة" فيه تقديم العمل الصالح بين يدي قضاء الحوائج ويشهد لهذا قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}

(3)

قال العلماء: وتستحب الصدقة أمام الحاجات

(4)

، أ. هـ، ومعنى غير الفريضة أي نافلة يعني أن الفريضة لا تقوم مقامها ويحتمل أنها تقوم كما في تحية المسجد [بياض بالأصل]

(5)

إنشاء عمل خالص كذلك فإن الفرض لابد منه فلا يكفي كما في صلاة الحاجة والتوبة ونحوهما قاله شارح الإلمام [وقال النووى في الأذكار:] قال العلماء: تستحب الاستخارة بالصلاة بالدعاء المذكور وتكون الصلاة ركعتين من النافلة والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب وبتحية المسجد وغيرها من النوافل ويقرأ في الركعة الأولى [سورة]{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ،

(1)

أخرجه البخاري (2/ 57) و (6382)، وابن ماجه (1383)، وأبو داود (1538)، والترمذي (480)، والنسائي في المجتبى 5/ 455 (3278).

(2)

عمدة القارى (23/ 11).

(3)

سورة المجادلة، الآية:12.

(4)

كفاية النبيه (4/ 516).

(5)

بياض بمقدار نصف سطر.

ص: 495

وفي الثانية بعد الفاتحة قل هو الله أحد

(1)

واستحب بعض العلماء أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة قل يأيها الكافرون وقوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} إلى قوله تعالى: {وَمَا يُعْلِنُونَ}

(2)

وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة الإخلاص وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}

(3)

وهو حسن لائق بالحال

(4)

ولو تعذرت عليه هذه الصلاة استخار بالدعاء ويستحب افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد والصلاة والتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن الاستخارة مستحبة في جميع الأمور كما صرح به نص هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره

(5)

، أ. هـ والله أعلم.

قوله: "ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك" والاستخارة طلب الخيرة أي أطلب منك الخيرة ملتبسا بعلمك بخيري وبشري، ويحتمل أن تكون الباء للاستعانة أو للقسم

(6)

، أ. هـ؛ وتقدير الكلام أطلب منك الخيرة فيما هممت به، والخير: كل معنى زائدة نفعه على ضره

(7)

.

(1)

الأذكار (ص 120) والايضاح (ص 47).

(2)

سورة القصص، الآية: 68 - 69.

(3)

سورة الأحزاب، الآية:36.

(4)

النجم الوهاج (2/ 357).

(5)

الأذكار (ص 120) والإيضاح (ص 47).

(6)

الكواكب الدراري (6/ 210)، والكوثر الجارى (3/ 219).

(7)

التوضيح (9/ 156).

ص: 496

قوله: "وأستقدرك بقدرتك" أي: أطلب منك أن تجعل لي قدرة بقدرتك وهذا دليل على أن العبد لا يكون قادرا إلا مع الفعل لا قبله كما يقوله القدرية

(1)

.

قوله: "وأسألك من فضلك العظيم" أي: الزيادة على ما أريده وكل عطاء الله تعالى فضل فإنه ليس لأحد عليه في [نعمة حق]

(2)

.

[قوله]: "فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم" هذا تصريح باعتقاد أهل السنة فإنه نفى العلم عن العبد والقدرة والصواب أنهما لله تعالى ليس للعبد في ذلك شيء إلا ما خلق [الله له] فهو يقول: أنت يا رب تقدر قبل أن تخلق لي القدرة وتقدر مع خلق القدرة وتقدر بعد ذلك، وأنا على الحقيقة محل لمقدوراتك وكذلك في العلم

(3)

.

قوله: "وأنت علام الغيوب" معناه: أنا أطلب أمرًا مستأنفًا لا يعلمه إلا أنت فهب لي منه ما ترى أنه خير لي في ديني ومعيشتي وعاجل أمري وآجله وهي أربعة أقسام، الأول: خير يكون للعبد في دينه ولا يكون فيدنياه؛ والثاني: يكون له في دنياه خاصة؛ والثالث. يكون له خير في العاجل؛ والرابع: يكون في الانتهاء خير وذلك أولاه وأفضله ولكن إذا اجتمعت الأربعة فهو الذي ينبغي للعبد أن يسأل ربه فيه

(4)

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم أصلح

(1)

التوضيح (9/ 156).

(2)

المسالك (3/ 488 - 489).

(3)

المسالك (3/ 489).

(4)

المسالك (3/ 489) والتوضيح (9/ 157 - 158).

ص: 497

أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي"

(1)

.

قوله: "اللهم إن كنت تعلم أن والأخيرة في الجزء الأول من المخطوطة المغربية هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي" إلى قوله: "وعاقبة أمري أو قال: عاجل أمري" هو شك من الراوي

(2)

.

قوله: "فأقدره لي" بضم الدال وكسرها أي: اجعله مقدورا لي أو قدره لي، وقيل معناه: يسره لي وقال الشهاب في كتاب أنوار البروق: يتعين أن يراد بالتقدير هنا التيسير فمعناه فيسره لي

(3)

، وقال بعضهم: أي الذي سبق [لى] في الأزل اجعله مقدورا لي واستعملني فيه قاله في شرح الإلمام.

قوله: "وبارك لي فيه" أي: أدمه وضاعفه

(4)

[وقوله] فاصرفه عني واصرفني عنه أي: فلا تخلفه واصرفني عنه أي لا تعلق بالي به وطلبه

(5)

، قال ابن العربي: وكان بعض شيوخي الفقراء يأخذ هذا المعنى في دعائه فيقول اللهم لا تتعب بالي في طلب ما تقدره

(6)

.

قوله: "ثم ارضني به" وفي بعض النسخ: "ثم رضني" أي: اجعلني من

(1)

مسلم (2720).

(2)

الكواكب الدراري (22/ 169)، والتوضيح (9/ 158).

(3)

أنوار البروق (4/ 290)، والكواكب الدراري (6/ 210).

(4)

التوضيح (9/ 158).

(5)

التوضيح (9/ 158).

(6)

التوضيح (9/ 158).

ص: 498

الراضين بوجوده إن وجد أو بعدمه إن عدم وارزقني الرضى بسكون النفس إلى القدر والقضاء

(1)

، روى ابن السني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا هممت بأمر فاستخر الله سبع مرات ثم انظر إلى الذي يبقى في قلبك فإن الخير فيه"

(2)

.

قوله: "ويسمي حاجته" مثل أن يقول من السفر أو التزويج أو غير ذلك وتعافى ثانيًا وثالثًا كذا صرح ابن الصلاح

(3)

والله أعلم.

تتمة: وجملة أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذكور ثلاثة، أولهم: القاسم وبه كان يكنى، ولد بمكة قبل النبوة ومات بها، وهو ابن سبعة عشر شهرًا، وقال قتادة: عاش حتى سن وهو أكبر أولاده وهو أول من مات من أولاده صلى الله عليه وسلم، قال السهيلي

(4)

: وبلغ القاسم المشي غير أن رضاعه لم يكمل، الثاني: ولده عبد الله ويسمي الطيب والطاهر لأنه ولد في الإسلام، قال الحافظ: عبد الغني وغيره، قيل: عن الطيب والطاهر غير عبد الله، والصحيح الأول كما قاله الزبير وغيره من المحققين

(5)

، والثالث: إبراهيم بن مارية بنت شمعون القبطية أهداها له المقوقس وهي من كورة (أنصنا) بفتح الهمزة وإسكان النون بعدها صاد مهملة مكسورة ونون، [كلمة غير واضحة] ويقال: إنها

(1)

التوضيح (9/ 158).

(2)

عمل اليوم والليلة (598).

(3)

الكواكب الدراري (22/ 170).

(4)

الروض الأنف (2/ 243).

(5)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 26).

ص: 499

كانت مدينة السحرة وهي قريبة منها يقال لها حفن بفتح الحاء وإسكان الفاء كذا ذكره أبو عبيد البكري

(1)

، وأبوها شمعون بالشين المعجمة قيده كذلك أبو نصر [البكري]، ووصلت مارية المدينة سنة ثمان، قال الواقدي وكانت مارية بيضاء جميلة فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأختها سيرين على أم سلمة ودخل عليهما فعرض عليهما الإسلام فأسلمتا هناك، وروى ابن عبد الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى مارية وأختها أعجبتاه، وكره أن يجمع بينهما وكانت إحداهما أشبه الأخرى فقال:"اللهم اختر لنبيك فاختار له مارية"

(2)

وذلك أنه قال لهما قولا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فبادرت مارية فتشهدت وآمنت قبل الأخرى، ومكثت أختها ساعة ثم تشهدت وآمنت

(3)

[فوطئ مارية] بالملك وحولها إلى مال له بالعالية فكان يأتيها هناك

(4)

، وكانت حسنة الدين توفيت سنة خمس وعشرة وصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع، وقال خليفة بن خياط وغيره: توفيت سنة [ست] عشرة.

قوله: عن جابر بن عبد الله تقدم الكلام على مناقبه.

قوله [صلى الله عليه وسلم]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، الحديث، في هذا الحديث الانقياد لله تعالى في كل

(1)

المسالك والممالك (2/ 617).

(2)

فتوح مصر (ص 69).

(3)

المصدر السابق.

(4)

الطبقات (1/ 134).

ص: 500

الأمور والتبرى من الحول والقوة ومعرفة الحق لأهل

(1)

.

وقوله: كما يعلمنا السورة من القرآن يدل على التأني في تعليم السنن

(2)

.

آخر الجزء الأول علقه مؤلفه سامحه الله وأعانه على تكملة الباقي [بياض بالأصل]، انتهى ما وجد منه سالما من البتر والتحريق بحمد الله تعالى وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما على يد كاتبه عبيد ربه سبحانه وتعالى محمد بن محمد بن عبد الرحمن الدلائي، ختم الله له بالحسنى ولطف به في الدارين منتصف رجب الفرد عام عشرين ومائتين وألف، ونسأله تعالى أن يغفر لنا ولوالدينا ولسائر المسلمين والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.

* * *

(1)

بياض في الأصل بمقدار سطر ونصف.

(2)

بياض في الأصل بمقدار سطر ونصف.

ص: 501