الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْهِيب من صَلَاة الإِنْسَان وقراءته حَال النعاس
949 -
عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا نعس أحدكم فِي الصَّلَاة فليرقد حَتَّى يذهب عَنهُ النّوم فَإِن أحدكم إِذا صلى وَهُوَ ناعس لَعَلَّه يذهب يسْتَغْفر فيسب نَفسه رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَلَفظه إِذا نعس أحدكُم وَهُوَ يُصَلِّي فلينصرف فَلَعَلَّهُ يَدْعُو على نَفسه وَهُوَ لا يدْرِي
(1)
.
قوله: عن عائشة تقدم الكلام على عائشة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم" الحديث، وفي رواية النسائي:"إذا نعس أحدكم وهو يصلي" الحديث، قال الكرماني: سماه النبي صلى الله عليه وسلم مصليا حالة النعاس فعلم أن النعاس ليس بحديث، وقال: وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم العلة الموجبة لقطع الصلاة، وذك انه خاف عليه السلام أنه إذا غلبه النوم أن يخلط الاستغفار بالسب، قال: ومن [بياض بالأصل] أن يستغفر ربه فسب نفسه فقد جعل من فقد العقل بمنزلة من لا يعلم ما يقول من سكر الخمر التي نهى الله عن مقاربة الصلاة فيها بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}
(2)
الآية، ومن كان كذلك لا تجوز صلاته لأنه فقد العقل الذي خاطب إليه أهله بالفرائض
(1)
أخرجه مالك (309)، والبخاري (212)، ومسلم (222 - 786)، وابن ماجه (137)، وأبو داود (1310)، والترمذي (355)، والنسائي في المجتبى 1/ 345 (167).
(2)
سورة النساء، الآية:43.
فرفع التكليف عنه، ودل الحديثان لأنه لا ينبغي للمصلي أن يقرب الصلاة مع شاغل له عنها أو حائل بينه وبينها ليكون همه واحد لا هم له غيرها؛ نعس: بفتح العين والنعاس الوسن، يقال: نعس بفتح العين ينعس نعاسا والصرف ناعس ولا يقال نعسان، قال الشيخ جمال الدين بن نباتة:
الطرف منه وسنان
…
ولا أقول نعسان
فيه الحث على الإقبال على الصلاة بخشوع وفراغ قلب ونشاط، وفيه أمر الناعس بالنوم أو نحوه مما يذهب عنه النعاس، قال النووي: وهذا عام في صلاة الفرض والنفل في الليل والنهار، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور لكن لا يخرج فريضة عن وقتها، قال القاضي عياض: وحمله مالك وجماعة على نفل الليل لأنه محل النوم غالبا [فلو علم أنه إذا نام بعد ذلك الوقت يستغرقه النوم حتى يخرج الوقت أو ظن ذلك حرم عليه النوم حتى يفعلها بخلاف من دخل عليه الوقت وهو نائم ولم يستيقظ حتى خرج].
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه" الحديث، قال القاضي عياض: لعله يذهب يستغفر، معني يستغفر هنا يدعو، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فيسب نفسه" يجوز في قوله: "فيسب" الرفع عطفا على "يذهب" والنصب جوابا للترجي كما في قوله تعالى {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ}
(1)
على قراءة حفص بالنصب والباقون بالرفع، ومن الحكمة في الأمر بالنوم عند النعاس ما صرح به مسلم بأنه لعله يستغفر
(1)
سورة غافر، الآيتان: 36 - 37.
فيسب نفسه، وإنما خيف عليه المؤاخذة بذلك لأنه متسبب فيه بعد نومه حينئذ، وأما الأمر بافتتاح. القيام بركعتين خفيفتين، فلما في ذلك من انبساط النفس بهما لما قعدهما، وليتدرب على ترك مألوفها من النوم والراحة، أ. هـ.
950 -
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذا نعس أحدكُم فِي الصلَاة فلينم حَتَّى يعلم مَا يَقْرَؤُهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ إِلَا أَنه قَالَ إِذا نعس أحدكُم فِي صلَاته فلينصرف وليرقد
(1)
.
قوله: وعن أنس، تقدم الكلام على أنس.
قوله: "إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرؤه" الحديث، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين" أخرجه مسلم؛ النوم: استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، وقيل: النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل وهو ناقض للوضوء وما عدا النوم مفيش عليه لأن الذهول معها أبلغ من النوم والنوم الناقض للوضوء هو الذي يزول معه الشعور بخلاف النعاس الذي يسمع فيه كلام الحاضر وإن لم يفهم معناه وأجمع الفقهاء على ان القليل من النوم الذي لا يزيل العقل الذي لا ينقض الوضوء إلا المزني وحده، فإنه جعل قليل النوم وكثيره حدثا وخرق الإجماع، أ. هـ.
(1)
أخرجه البخاري (213) والنسائي في المجتبى 1/ 544 (449).
واعلم أن النوم على قسمين أحدهما: نوم راحة الجسد وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يشارك فيه البشر، والثاني: هو غفلة القلب وهو الذي كان يفارق فيه البشر لأن قلبه صلى الله عليه وسلم كان محروسا متيقظا سليما من الغفلة لاحتمال نزول الوحي عليه في منامه.
فإن قيل: قد نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مسه حر الشمس وقضى صلاة الصبح. فالجواب: إنما وقع هذا ليشرع لأمته ما يفعلونه إذا حصل لهم مثل ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنسي لأسن" وكان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن وضوءه لا ينتقض بالنوم مضطجعا، ففي الصحيحين أنه نام حتى سمع غطيطه ثم صلى، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن عيني تنامان ولا ينام قلبي" ولا معارضة بينه وبين حديث الوادي لأن طلوع الشمس ونحوها مما يدرك بالبصر لا بالقلب، أ. هـ؛ فنوم المصلي في صلاته لا ينقض الوضوء على القديم، ولو كان ساجدا لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا نام العبد في سجوده باهي الله بين الملائكة فيقول: انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده بين يدي" رواه البيهقي، ولقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)}
(1)
فأخرجه مخرج المدح والأصح الانتقاض في غير المتمكن مقعدته من الأرض وهذا هو القول الجديد، أ. هـ.
فائدة: قال النووي: واختلفوا في النوم على مذاهب، أحدها: أنه لا ينقض الوضوء على أي حال كان وعليه أبو موسى الأشعري وابن المسيب
(1)
سورة الفرقان، الآية:64.
وغيرهما وإليه ذهب الشيعة.
والثاني: أنه ناقض بكل حال وهو مذهب الحسن البصري والمزني وابن راهويه وابن المنذر، وروي عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة وهو قول غريب للشافعي.
الثالث: كثيره ينقض بكل حال وقليله لا ينقض بحال، وبه قال مالك.
والرابع: أنه إذا نام على هيئة من هيئات المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوءه سواء كان في الصلاة أو لا وهو مذهب أبي حنيفة وداود.
الخامس: أنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، وروي عن الإمام أحمد.
السادس: لا ينقض إلا نوم الساجد وروي أيضا عنه.
السابع: لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيف للشافعي.
الثامن: أنه إذا نام ممكنا مقعدته من الأرض لم ينتقض وإلا انتقض سواء قل أو كثر سواء في الصلاة أو خارجها وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، وعنده أن النوم ليس حدثا في نفسه إنما هو دليل على الحدث فإنه إذا نام غير ممكن غلب على الظن خروج ريح فجعل الشرع هذا الغالب كالمحقق، وأما إذا كان ممكنا فلا يغلب عليه الخروج، والأصل بقاء الطهارة، أ. هـ والله أعلم قاله الكرماني.
فائدة: وللحدث أسباب، أحدها: ما خرج من قبل أو دبر أو ثقبة منفتحة تحت المعدة مع انسداد الأصلي إلا المني.
الثاني: زوال العقل والنوم ممكن المقعدة وهو يحصل بأمور، أحدها: الجنون وهو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء القوة والحركة في الأعضاء.
وثانيها: الإغماء وهو زوال الشعور مع فتور الأعضاء،
وثالثها: السكر وهو خبل في العقل مع طرب واختلاط نطق.
الثالث: أن تلتقي بشرتا الرجل والمرأة إلا محرما على الأظهر والمراد بالبشرة الجلد.
الرابع: مس قبل الآدمي ببطن الكف وكذا حلقة الدبر في الجديد، وينقض محل الجب، والذكر الأشل وفرج الصغير وكذا اليد الشلاء في الأصل، وفي فرج البهيمة قولان القديم أنه كمس فرج الآدمي قال في المهمات، وهذا القول جديد لا قديم نقله جماعة من العلماء الفوراني والداوودي والقاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي وصاحب العمدة والله أعلم.
فرع: لو نام متمكنا فسقطت يده على الأرض لم ينتقض وضوءه ما لم تزل إليته عن التمكن، ويستحب الوضوء من النوم متمكنا للخروج من الخلاف.
فائدة: اختلف العلماء في انتقاض الوضوء بأكل لحوم الإبل فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينتقض به فممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربع أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء
وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير من التابعين ومالك أبو حنيفة والشافعي وأصحابهم، وذهب إلى انتقاض الوضوء به الإمام أحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى وابن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي وهو مذهب الشافعي القديم" وعن الإمام أحمد في أكل سنامها روايتان ولأصحابه في شرب ألبانها وجهان والله أعلم قاله الكمال الدميري في حياة الحيوان.
951 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَامَ أحدكُم من اللَّيْل فاستعجم الْقُرْآن على لِسَانه فَلم يدر مَا يَقُول فليضطجع رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه رَحِمهم الله تَعَالَى
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول" استعجم بفتح التاء والجيم أي: استغلق [عليه، والقرآن فاعل، والمعنى: صارت قراءته كالعجمة لاختلال حروف النائم وعدم بيانها] ولم ينطق به لسانه لغلبة النعاس أي أدمج عليه فلم يقدر أن يقرأ كأنه صار به عجمة، وكل من لم يفصح بشيء فقد أعجمه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فليضطجع" الأمر بالاضطجاع في هذه الصور هل هو على سبيل الاستحباب أو الإيجاب، قال الشيخ ولي الدين العراقي
(2)
: ظواهر
(1)
أخرجه مسلم (223 - 787)، وابن ماجه (1372)، وأبو داود (1311)، النسائي في الكبرى (7995).
(2)
طرح التثريب (3/ 90).
الأحاديث تقتضي وجوب ذلك فأما من حيث المعنى فإن كان النعاس خفيفا بحيث يعلم المصلي الناعس أنه أتى بواجبات الصلاة فإن صلاته صحيحة لا يجب عليه الخروج منها، ثم إن ذهب عنه النوم بأمر آخر غير الاضطجاع من تبرد بماء أو غير ذلك فلا شك أنه لا يجب ذلك لأنه وسيلة إلى ذهاب النوم، وقد ذهب محل هذا الأمر ما إذا لم يكن فريضة قد ضاق وقتها، فإن ضاق الوقت بأن لم يبق منه إلا زمن يسع صلاة الفرض فليس له الخروج منها، كذا حمله القاضي عياض على ذلك، وقال إنه يصلي ما أمكنه ويجاهد نفسه ويدافع النوم جهده ثم إن تحقق أنه أداها وعقلها أجزأته وإلا أعادها والله أعلم.