المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في الترهيب من ترك الجمعة - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٤

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة]

- ‌[الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر]

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في مواضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدي المصلي

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌فصل فى النفل واشتقاقه

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتي عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهرًا ناويًا القيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوي إلى فراشه وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌التَّرْهِيب من صَلَاة الإِنْسَان وقراءته حَال النعاس

- ‌التَّرْهِيب من نوم الإنْسَان إِلَى الصَّباح وَترك قيام شَيْء من اللَّيْل

- ‌التَّرْغِيب فِي آيَات وأذكار يَقُولهَا إِذا أصبح وإذا أَمْسَى

- ‌التَّرْغِيب فِي قَضَاء الْإِنْسَان ورده إِذا فَاتَهُ من اللَّيْل

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة الضُّحَى

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلاة التَّسْبِيح

- ‌[عدة في خدم المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة التَّوْبَة

- ‌[بعض مناقب أبي بكر الصديق]

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة الْحَاجة ودعائها

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلاة الاستخارة وَمَا جَاءَ فِي تَركهَا

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها وما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌في الترهيب من ترك الجمعة

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌فصل يذكر فيه الأغسال المسنونة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير لغير عذر

- ‌التَّرْهِيب من تخطي الرّقاب يَوْم الْجُمُعَة

- ‌التَّرْهِيب من الْكَلَام وَالْإِمَام يخْطب وَالتَّرْغِيب فِي الْإِنْصَات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي قِرَاءة سُورَة الْكَهْف وَمَا يذكر مَعهَا لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وأداء وُجُوبِها

الفصل: ‌في الترهيب من ترك الجمعة

‌في الترهيب من ترك الجمعة

1025 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ أَتَى الْجُمُعَة فاستمع وأنصت غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة الأُخْرَى وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام وَمن مس الحَصَا فقد لَغَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

"لَغَا": قيل مَعْنَاهُ خَابَ من الْأجر وَقيل أَخطَأ وَقيل صَارَت جمعته ظهرًا وَقيل غير ذَلِك.

قوله: عن أبي هريرة، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة" الحديث

(2)

؛ وبه يستدل على أن الغسل ليس بواجب لاقتصاره على الوضوء فيه مع ترتب المغفرة عليه وعلى ما بعده؛ وفيه: استحباب تحسين الوضوء فيه، ومعنى إحسانه: الإتيان به ثلاثا ثلاثًا، ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقدم الميامن والإتيان بسننه المشهورة والذكر عقيبه وتقدم المياثر، وقد أشار إلى ذلك مسلم في صحيحه

(3)

وتقدم الكلام على ذلك أبسط من هذا في الوضوء.

(1)

مسلم (857)، وأبو داود (1050)، والترمذي (498)، وابن ماجه (1090)، وأحمد (9484)، وابن خزيمة (1756)، وابن حبان (1231).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

ينظر: صحيح مسلم (2/ 587).

ص: 508

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت": هما شيئان متمايزان "فاستمع وأنصت" وقد يجمعان، فالاستماع: الإصغاء

(1)

، والإنصات: السكوت في الظاهر

(2)

، وقد يستمع ولا ينصت؛ ولهذا قال الله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} الآية؛ والمراد بالقرآن: الخطبة، سميت قرآنا لأنه يتلى فيها، قال أكثر المفسرين

(3)

: إنها نزلت في الخطبة؛ ولأن المقصود الإتعاظ وهو لا يحصل إلا لمن يسمع، ففيه الحث على الإنصات للخطبة؛ قال القاضي عياض

(4)

: وهو واجب عند مالك

(5)

وأبي حنيفة

(6)

(1)

ينظر: تهذيب اللغة (مادة - سمع)(2/ 74)، أساس البلاغة (مادة - سمع)(1/ 474)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (مادة - سمع)(2/ 220).

(2)

ينظر: الصحاح تاج اللغة (مادة - نصت)(1/ 268)، مقاييس اللغة (مادة - نصت)(5/ 434)، المحكم والمحيط (مادة - نصت)(8/ 296).

(3)

ينظر: تفسير الطبري (10/ 666)، تفسير ابن أبي حاتم (5/ 1646)، التفسير البسيط (21/ 465)، أسباب النزول (ص: 230). وقال ابن عطية في المحرر الوجيز (6/ 196) وأما قول من قال: إنها نزلت في الخطبة، فضعيف.

(4)

هو: القاضي أبو الفضل، عياض بن موسى بن عياض بن عمرو، الأندلسي، ثم السبتي، الفقيه المالكي، الإمام، العلامة، الحافظ، كان من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، وله مصنفات غزيرة العلم نافعة، منها: كتاب مشارق الأنوار على صحاح الآثار، والإكمال في شرح صحيح مسلم، وغير ذلك، وتوفي سنة (544 هـ). ينظر: سير أعلام النبلاء (20/ 212)، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب (2/ 46)، طبقات الحفاظ (ص: 470).

(5)

ينظر: المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 308)، الاستذكار (2/ 21)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 188).

(6)

ينظر: بدائع الصنائع (1/ 264)، تبيين الحقائق (1/ 132)، البناية شرح الهداية (2/ 322).

ص: 509

والشافعي

(1)

وعامة العلماء

(2)

، قلت: ليس مذهبنا كذلك

(3)

وعن أحمد أيضًا فيها روايتان

(4)

، وحكى عن النخعي

(5)

(6)

والشعبي

(7)

وبعض السلف: أنه لا

(1)

ينظر: المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 216)، الوسيط في المذهب (2/ 281)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (2/ 597).

(2)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 242).

(3)

يشير المصنف - رحمه الله تعالى - إلى اختلاف الشافعية في مسألة الإنصات للخطيب يوم

الجمعة إذا كان المأموم يسمعه: هل هو واجب، أو مستحب؟ فعندهم فيها قولان:

أحدهما: يجب، وهو القول القديم عند الشافعي، وبه قال عثمان، وابن عمر، وابن مسعود، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، واختيار ابن المنذر، ووجهه: ما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصت، والإمام يخطب

فقد لغوت".

والثاني: وهو القول الجديد؛ أنه لا يجب، ولكن يستحب، وهو الصحيح في المذهب، ووجهه: ما روي: "أن رجلا دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: متى الساعة؟ فأشار الناس إليه أن اسكت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في الثالثة: "ما أعددت لها؟ " فقال: حب الله وحب رسوله، فقال: "إنك مع من أحببت". ينظر: التهذيب في فقه الشافعي (2/ 340)، البيان في مذهب الشافعي (2/ 598)، كفاية النبيه (4/ 391).

(4)

ينظر: المغني لابن قدامة (2/ 237)، الشرح الكبير على متن المقنع (2/ 215)، المبدع شرح المقنع (2/ 178).

(5)

هو: إبراهيم بن يزيد بن الأسود بن عمرو بن ربيعة النخعي، الفقيه الكوفي، أحد الأئمة المشاهير، يكنى أبو عمار وأبو عمران، وكان من ثقات التابعين، وتوفي سنة (95 هـ) وقيل:(96 هـ). ينظر: الطبقات الكبرى (6/ 279)، طبقات الفقهاء (ص/ 82)، تهذيب الكمال (2/ 233)، سير أعلام النبلاء (4/ 520).

(6)

ينظر: الاستذكار (2/ 21)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 188)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 242).

(7)

هو: عامر بن شراحيل، وقيل: ابن عبد الله بن شراحيل، وقيل: ابن شراحيل بن عبد، الشعبي، أبو أبو عمرو الكوفي، ابن أخي قيس بن عبد، كان ثقة كثير الحديث غير أنه كان معروفًا بالتدليس، =

ص: 510

لا يجب إلا إذا تلى فيها القرآن، أ. هـ، قاله شارح الإلمام.

تنبيه: قوله: "فاستمع وأنصت" كذا هو في أكثر نسخ مسلم، ووقع في بعض الأصول المعتدة "انتصت" بزيادة مثناة من فوق؛ قال القاضي عياض

(1)

: وهو وهم؛ وقال النووي

(2)

(3)

: ليس وهما بل هي لغة صحيحة؛ قال الأزهري

(4)

في شرح ألفاظ المختصر: يقال أنصت وينصت وانتصت ثلاث لغات، والأصح الأول

(5)

.

= وتوفي بعد سنة (100 هـ). ينظر: مشاهير علماء الأمصار (ص: 163)، تاريخ دمشق (25/ 335)، تهذيب الكمال (14/ 28)، سير أعلام النبلاء (4/ 294). ينظر: الاستذكار (2/ 21)، المنتقى شرح الموطأ (1/ 188)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 242).

(1)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 252).

(2)

هو: الإمام يحيى بن شرف بن مري، العلامة، أبو زكريا، محيي الدين، النووي، الحافظ، الفقيه الشافعي، النبيل، محرر مذهب الشافعية ومهذبه، وله تصانيف عظيمة النفع؛ منها: تهذيب الأسماء واللغات، ومنهاج الطالبين، وشرح صحيح مسلم، وغير ذلك الكثير، وتوفي سنة (676 هـ). ينظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/ 395)، طبقات الشافعيين (1/ 909)، طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة (2/ 153).

(3)

شرح النووي على مسلم (6/ 147).

(4)

هو: أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح الأزهري، اللغوي، الأديب، الهروي، الشافعي، كان رأسًا في اللغة، عالمًا بالحديث، عالي الإسناد، وله من التصانيف: التهذيب في اللغة، وتفسير ألفاظ مختصر المزني، والتقريب في التفسير، وشرح شعر أبي تمام، وغير ذلك، وتوفي سنة:(370 هـ). ينظر: سير أعلام النبلاء (16/ 315)، طبقات الشافعية الكبرى (3/ 63)، بغية الوعاة (1/ 19).

(5)

وانظر كلام الأزهري في كتابه الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (ص: 79).

ص: 511

قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام"، وروى:"وفضل ثلاثة أيام" وهو بنصب "زيادة"، و"فضل" على الظرف، قال العلماء: معنى المغفرة له ما بين الجمعتين وثلاثة أيام: إن الحسنة بعشرة أمثالها، فصار يوم الجمعة الذي فعل فيه هذه الأفعال الجميلة في معنى الحسنة التي هي بعشر أمثالها، يريد والله أعلم أن يغفر له ذنوب عشرة أيام وهو محمول على ما عدا الكبائر. وحضور الآدميين كما تقدم في الصلاة والوضوء؛ قال النووي

(1)

: وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ من صلاة الجمعة وخطبتها إلى مثل ذلك الوقت من الجمعة الثانية، قال الإمام: فيدخل فيه النصف الأخير من الجمعة الأولى والنصف الأول من الجمعة الثانية حتى يكون العدد سبعا بلا زيادة ولا نقصان، ويضم إليها ثلاثة أيام فتصير عشرة؛ لأن الله تعالى قال:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}

(2)

، والله أعلم.

تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن مس الحصى فقد لغى" أي: قد أتى لغوا من الفعل أو القول؛ وقال الهروي

(3)

: يعني في الصلاة يوم الجمعة أي تكلم وقيل: لغى عن الصواب باشتغاله بالحصى فصار كالمتكلم، وفيه: النهي عن جميع ما يلهي عن الاستماع والإقبال على الله تعالى، وفيه: أن المراد بمس الحصى، هو تسوية الأرض للسجود

(4)

.

(1)

سورة الأنعام، الآية:160.

(2)

شرح المشكاة للطيبي (4/ 1274).

(3)

الغريبين للهروي (5/ 1694) وعبارته: يعني في الصلاة يوم الجمعة أي تكلم.

(4)

شرح المشكاة للطيبي (4/ 1274).

ص: 512

قال في النهاية

(1)

: كانوا يصلون على حصباء المسجد، ولا حائل بين وجوههم وبينها، فكانوا إذا سجدوا سووها بأيديهم فنهوا عن ذلك، لأنه فعل من غير أفعال الصلاة، والعبث فيها لا يجوز، وتبطل به إذا تكرر؛ صرح بالرخصة في المرة الأولى أصحاب السنن، ولفظهم: فإن كان لابد من مس الحصى فواحدة، أي إن كان لابد من تسوية الحصى في الصلاة فمرة واحدة لا يزاد عليها، رخص له فيها لأنها غير مكررة.

قد تكرر حديث مس الحصى في الصلاة بمعنى حديث ابن مسعود، وسئل عن مس الحصى في الصلاة؟ فقال:"مرة"، وتركها خير من مائة ناقة لمقلة، المقلة: العين، يقول: تركها خير من مائة ناقة يختارها الرجل على عينه ونظره كما يريد؛ ومنه حديث ابن عمر: "خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ ناقةٍ كلُّها أسْودُ المُقْلَةِ"

(2)

، أَي كُلُّ واحِدٍ مِنْهَا أَسْوَدُ العَيْنِ، قاله في النهاية

(3)

. ففيه: النهي عن مس الحصى وغيره من أنواع العبث في حال الخطبة، وفيه: إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة

(4)

.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 393).

(2)

انظر: غريب الحديث للقاسم بن سلام (4/ 285) من حديث عبد الله بن عمرو، وفي الفائق (3/ 367) من حديث ابن عمر، وفي مجموع فيه مصنفات أبي العباس الأصم (ص 77) من حديث ابن مسعود.

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 348).

(4)

شرح النووي على مسلم (6/ 147).

ص: 513

1026 -

وَعنهُ رضي الله عنه: عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ "الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة ورمضان إِلَى رَمَضَان مكفرات مَا بَينهُنَّ إِذا اجْتنبت الْكَبَائِر" رَوَاهُ مُسلم وَغَيره

(1)

.

1027 -

وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من حَدِيث أبي مَالك الأشْعَرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَة كَفَّارَة لما بَينهَا وَبَين الْجُمُعَة الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَة ثَلَاَثة أَيَّام وَذَلِكَ بِأَن الله عز وجل قَالَ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}

(2)

.

1028 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول خمس من عملهن فِي يَوْم كتبه الله من أهل الْجنَّة من عَاد مَرِيضا وَشهد جَنَازَة وَصَامَ يَوْمًا وَرَاح إِلَى الْجُمُعَة وَأعْتق رَقَبَة، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

.

قوله: (وعنه). قوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة" الحديث، وفي آخره:"ما اجتنبت الكبائر"، في معنى الحديث تأويلان، أحدهما: تكفير الصغائر بشرط أن لا يكون هناك كبائر وإن كان كبائر لم يكفر شيئًا لا الصغائر ولا الكبائر؟ والثاني: وهو الأصح المختار، أنها تكفر كل

(1)

مسلم (233)، والترمذي (498)، وابن ماجه (1086)، وابن خزيمة (314)، وابن حبان (1733)، وأحمد (10285).

(2)

الطبراني في الكبير (3459)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 173)، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه، قال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئا، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (685).

(3)

ابن حبان (2771)، وأبو يعلى (1044)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 169)، رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (686).

ص: 514

الذنوب الصغائر، وتقديره: يغفر ذنوبه كلها إلا الكبائر

(1)

، قال القاضي عياض

(2)

: هذا المذكور في الأحاديث من غفران الصغائر دون الكبائر هو مذهب أهل السنة، وأن الكبائر إنما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى.

فإن قيل: قد وقع في هذا الحديث هذه الألفاظ، ووقع في الصحيح غيرها مما في معناها، فإذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة، وإذا كفرت الصلاة، فماذا تكفر الجمعات، ورمضان وصوم عرفة كفارة سنتين، وصوم عاشوراء كفارة سنة، وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه؟ فالجواب: ما أجاب به العلماء: أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير، فإن وجد ما يكفر من الصغائر كفرها، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت له به حسنات، ورفدت له به درجات، وإن صادفت كبيرة أو كبائر، ولم يصادف صغائر رجونا أن يخفف من الكبائر

(3)

، انتهى؛ وتقدم الكلام على شيء من ذلك في الصلاة، والله أعلم.

قوله: عن أبي سعيد الخدري، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضا، وشهد جنازة، وراح إلى الجمعة" الحديث؛ وأصل الروح: هو المشي إلى المساجد، وسيأتي الكلام على كل واحدة من هذه الخصال في بابها إن شاء الله تعالى.

(1)

طرح التثريب (4/ 163).

(2)

إكمال المعلم (2/ 15).

(3)

شرح النووي على مسلم (3/ 113).

ص: 515

1029 -

وَعَن يزِيد بن أبي مَرْيَم صلى الله عليه وسلم: قَالَ لَحِقَنِي عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع رضي الله عنه وَأَنا أَمْشِي إِلَى الْجُمُعَة فَقَالَ أبشر فَإِن خطاك هَذِه فِي سَبِيل الله سَمِعت أَبَا عبس يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله فهما حرَام على النَّار، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(1)

.

وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَعِنْده قَالَ عَبَايَة أدركني أَبُو عبس وَأَنا ذَاهِب إِلَى الْجُمُعَة فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمه الله على النَّار

(2)

.

وَفِي رِوَايَة: "مَا اغبرت قدما عبد فِي سَبِيل الله فَتَمَسهُ النَّار" وَلَيْسَ عِنْده قَول عَبَايَة ليزِيد

(3)

.

قوله: عن يزيد بن أبي مريم قال: لحقني عباية بن رفاعة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة، فقال: أبشر، فإن خطاك هذه في سبيل الله، الحديث.

السبيل: اسم جنس مضاف مفيد للعموم، فيتناول الجمعة

(4)

، وسيأتي الكلام عليه في الجهاد أبسط من هذا.

قوله: سمعت أبا عبس؛ أبو عبس: اسمه عبد الرحمن، وكان من كبار الصحابة، مشى إلى الجمعة راجلًا، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة

(1)

الترمذي (1632)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (686).

(2)

البخاري (907)، وأحمد (15935)، وابن حبان (4605).

(3)

البخاري (2811).

(4)

الكواكب الدراري (6/ 24).

ص: 516

انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أحببت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين

(1)

.

وعباية بفتح العين: بن رفاعة بن رافع بن خديج المدني، روى عن جده وعن أبيه عن جده على خلاف في ذلك، وعن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعن أبي عبس بن جبر وابن عمر وغيرهم، وعنه: يزيد بالمثناة تحت والزاي ابن أبي مريم ويحيى بن سعيد وأبو حيان التيمي وليث وجماعة، وثقه ابن معين

(2)

، أ. هـ.

1030 -

وَعَن أبي أَيُّوب الأنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَمَسّ من طيب إِن كَانَ عِنْده وَلبس من أحسن ثِيَابه ثمَّ خرج حَتَّى يَأْتِي الْمَسْجِد فيركع مَا بدا لَهُ وَلم يؤذ أحدًا ثمَّ أنصت حَتَّى يُصَلِّي كَانَ كفَّارَة لما بَينهَا وَبَين الْجُمُعَة الأخْرَى رَوَاهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه ورواة أَحْمد ثِقَات

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب، إن كان من عنده، ولبس من أحسن ثيابه" الحديث، في هذا الحديث فضيلة الغسل وأنه ليس

(1)

تفسير الماوردى (6/ 10)، والتفسير البسيط (21/ 459) والوسيط (4/ 300)، وتفسير القرطبى (18/ 108).

(2)

تهذيب الكمال (14/ 268 - 269 ترجمة 3149)، وتهذيب التهذيب (5/ 136 ترجمة 235) ووثقه أيضا النسائي.

(3)

أحمد (23571)، وابن خزيمة (1775)، قال الهيثمي (2/ 171)، رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (688).

ص: 517

بواجب لحديث أبي هريرة المتقدم في أول الباب: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت"

(1)

، وفيه: أنه يستحب التطيب، وفيه: وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع

(2)

، والعلة: أنه يوم اجتماع ملائكة وآدميين فيغتسل لإزالة الرائحة الكريهة والتفث، ويتطيب ليذهب أذى عرقه إن كان، أو ليشم منه الملائكة والمؤمنون منه رائحة طيبة، ويستوي في استحباب الطيب كل من أراد حضور الجمعة من الرجال والنساء والصبيان والعبيد إلا النساء، فيكره لمن أرادت منهن الحضور الطيب والزينة وفاخر الثياب، ويستحب لها قطع الرائحة الكريهة، قاله الكمال الدميري

(3)

.

لطيفة: من تطيب يوم الجمعة، ونوى بذلك إتباع السنة وتعظيم بيت الله تعالى واحترام يوم الجمعة ودفع الأذى عن غيره بدفع الرائحة، فقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم:"من تطيب لله جاء يوم القيامة وريحه أطيب من ريح المسك؛ ومن تطيب لغير الله جاء يوم القيامة وريحه أنتن من الجيفة"

(4)

، ومثال التطيب لغير الله: أن يقصد التنعم بلذته أو التفاخر بإظهار ثروته أو التزويق للنساء

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 146).

(2)

زاد المعاد (1/ 365).

(3)

انظر: النجم الوهاج (2/ 495) لكمال الدين الدميري، وهو في المجموع للنووي (4/ 538).

(4)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7933) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة مرسلا.

ص: 518

وإحداث الفساد، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولبس من أحسن ثيابه" الحديث، قلت: التجمل في الصلوات كلها مندوب إليه، روي عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى

(1)

أنه كان يلبس ثوبا جميلا في الصلاة، فسئل عن ذلك فقال: أتجمل لربي عز وجل؛ قال النووي

(2)

: هو الإمام البارع أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد سنة ثمانين من الهجرة، وتوفي ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة، أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان، قال: و كان في زمنه أربع من الصحابة: أنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وسهل بن سعد وأبو الطفيل، ولم يأخذ عن أحد منهم، وهو إمام أصحاب الرأي وفقيه أهل العراق، وسمع خلائق من التابعين، قال الخطيب

(3)

: وهو من أهل الكوفة، نقله أبو جعفر المنصورة إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات، ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران، وقبره هناك ظاهر معروف؛ وعن عبد الله بن عمرو الرقي قال: كلم ابن هبيرة أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فأبى عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط في كل يوم عشرة أسواط وهو على الامتناع، فلما رآه كذلك خلى سبيله، وقال أبو بكر بن عياش: ضُرب أبو حنيفة على القضاء، كان كل يوم يضرب ليدخل في القضاء، ويأبى، فسجنه أمير المؤمنين، وقيل:

(1)

ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 216).

(2)

ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 216) وتاريخ بغداد (15/ 444).

(3)

تاريخ بغداد (15/ 444)، وانظر المصدر السابق.

ص: 519

إنه قعد في القضاء يومين وبعض الثالث، فلما كان بعد يومين اشتكى فمرض ستة أيام، ثم توفي رضي الله عنه؛ وقال أبو جعفر لأبي حنيفة: عمن أخذت العلم؟ قال: عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وعبد الله بن عباس، فقال أبو جعفر: بخ بخ استوفيت يا أبا حنيفَة، قاله في مجمع الأحباب

(1)

وغيره، أ. هـ.

تتمة: في مناقبه: وقال أبو نعيم

(2)

: كان أبو حنيفة حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح حسن المجلس كثير الكرم حسن المواساة لإخوانه؛ وعن الفضيل بن عياض

(3)

قال: كان أبو حنيفة فقيهًا معروفًا بالفقه مشهورًا بالورع واسمع المال معروفا بالإفضال على من يطيق، صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار كثير الصصت قليل الكلام؛ وقال زافر بن سليمان

(4)

: كان أبو حنيفة يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن، وصلى صلاة الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وكان يبكي حتى يرحمه جيرانه، وختم في الموضع الذي مات فيه القرآن سبعة آلاف ختمه؛ وقال ابن المبارك

(5)

: صلى أبو حنيفة خمسًا وأربعين سنة الصلوات الخمس بوضوء واحد؛ وعن زائدة قال: صليت مع

(1)

كتاب مجمع الأحباب وَهُوَ مُخْتَصر الْحِلْية لأبي نعيم فِي مجلدات ألفه الشريف مُحَمَّد بن الْحسن بن عبد الله الْحُسَيْنِي الوَاسِطِيّ (ت:776 هـ).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 218)، والطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 25).

(3)

المصدر السابق (2/ 219).

(4)

المصدر السابق (2/ 219).

(5)

المصدر السابق (2/ 219).

ص: 520

أبي حنيفة في مسجده العشاء ثم قام فافتتح الصلاة فقرأ حتى بلغ هذه الآية {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} فلم يزل يكررها ويبكي حتى أذن المؤذن لصلاة الصبح؛ وقال علي بن عاصم: لو وزن عقل أبي حنيفة بنصف عقل أهل الأرض لرجح بهم، وقال رجل لأبي حنيفة: اتق الله! فانتفض أبو حنيفة انتفاضة رجت كيانه صُرِع واصفر لونه وطأطأ رأسه، وقال: يا أخي، نعم جزاك الله خيرًا بها كذا قل لي، ما أحوج الناس من يقول لهم مثل هذا كل وقت؛ وكان أبو حنيفة إذا سئل عن مسألة يقول: رب سلم رب سلم، وكان يقول لولا الخوف من الله ما أفتيت، وأخوف ما أخاف من الفتوى وكان كثيرًا ما يتمثل بهذا البيت:

كَفَى حَزَنًا أَنْ لا حَيَاةَ هَنِيَّةٍ

وَلا عَمَلٌ يَرْضَى بِهِ اللهُ صَالِحٌ

(1)

وقال عباد بن التمار

(2)

: رأيت أبا حنيفة في المنام فقلت: يا أبا حنيفة، إلى ماذا صرت؟ قال: إلى سعة رحمة الله تعالى، قال: قلت: بالعلم، قال: هيهات، للعلم شروط وآفات، وقل من ينجوا منها، قلت: فبم؟ قال: بقول الناس فِيَّ مَا لَمْ أَكُنْ عَلَيْهِ، وقيل: إن أبا حنيفة رأى رب العزة جل جلاله في المنام تسعة وتسعين مرة، قال: فقلت في نفسي: إن رأيته تمام المائة لأسئلنَّه:

(1)

ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (12/ 215). وكذلك ذكره الصيمري في أخبار أبي حنيفة ص 36.

(2)

جامع بيان العلم وفضله (1/ 705 رقم 1267) لابن عبد البر، ومناقب الإمام أبي حنيفة وصاحبيه (ص 52) وفيهما عباد التمار.

ص: 521

بم ينجو الخلائق من عذاب يوم القيامة؟ قال: فرأيته سبحانه وتعالى، فقلت: يارب عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، بم ينجو عبادك يوم القيامة من عذابك، فقال سبحانه وتعالى: مَنْ قَالَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ: "سُبْحَانَ الأبَدِيِّ الأبَدْ، سُبْحَانَ الْوَاحِدِ الْأَحَدْ، سُبْحَانَ الْفَرْدِ الصَّمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ رَفَعَ السَّمَاءَ بِغَيْرِ عَمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ بَسَطَ الْأَرْضَ عَلَى مَاءٍ جَمَدْ، سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ الْخَلْقَ وَأَحْصَاهُمْ عَدَدْ، سُبْحَانَ مَنْ قَسَمَ الرِّزْقَ وَلَمْ يَنْسَ أَحَدْ، سُبْحَانَ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدْ، سُبْحَانَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدْ نَجَا مِنْ عَذَابِي"

(1)

.

ذكر ابن رجب في كتابه اللطائف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس للخروج للعيدين أجمل ثيابه، فكان له حلة يلبسها العيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين، ومرة بردًا أحمر، وليس هذا الأحمر مصمتا

(2)

كما يظن بعض الناس، فإنه لو كان كذلك لم يكن بردًا

(3)

، وإنما هو بخطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمى أحمر باعتبار ما فيه من ذلك، وقيل: وقد صح عنه من غير معارض النهي عن لبس المعصفر والأحمر، وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما، فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة

(1)

ذكرها الدميرى في حياة الحيوان حكاية عن الإمام أحمد (1/ 58)، وحكاها ابن عابدين عن النجم الغيطى رواية عن الإمام أبي حنيفة (1/ 51).

(2)

مصمتًا: الثوب المصمت: هو الذي لا يخالط لونه لون. القاموس المحيط، ص 199.

(3)

البُردُ: ثوب مخطط، القاموس المحيط، ص 341.

ص: 522

الشديدة ثم يلبسه، والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهيته كراهية شديدة

(1)

، أ. هـ، والله أعلم.

يستحب للإنسان أن يتزين في يوم الجمعة بأحسن ثيابه، ويستحب للإمام أن يزيد على سائر الناس في الزينة لأنه المنظور إليه والمقتدى به، وينبغي أن يتعمم ويرتدي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل؛ وأفضل الثياب البياض لقوله صلى الله عليه وسلم:"البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم" رواه الترمذي

(2)

، فإن لبس مصبوغا فلا بأس؛ وفي الإحياء

(3)

: يكره له لبس السواد، وفي باب الأمر بالمعروف: يكره ولا يستحب؛ وقال في الأحكام السلطانية: ينبغي له لبس السواد

(4)

والظاهر أنه أراد في زمنه وهي الدولة العباسية فإنه كان شعارهم. قال النووي: والصحيح: أنه لا يلبسه إلا أن يظن ترتب مفسدة على تركه. قال الشيخ عز الدين

(5)

: المواظبة على لبس السواد

(1)

هذا كلام ابن القيم في زاد المعاد (1/ 425 - 426).

(2)

أخرجه أبو داود (3878)، و (4061)، والترمذي (994)، وابن ماجة (3566) من حديث ابن عباس، والترمذي (2810)، والنسائي (1896)، و (5322)، و (5323) من حديث سمرة. وصحح الألباني حديثيهما في صحيح الترغيب والترهيب (2026)، و (2027).

(3)

الإحياء (1/ 181) معناه.

(4)

الأحكام السلطانية (ص: 171).

(5)

ينظر: المبسوط (10/ 199) تبيين الحقائق (6/ 228) حاشية الدسوقي (1/ 382) منح الجليل (1/ 436) مغني المحتاج (1/ 563) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 475) الإقناع (1/ 94) الإنصاف (1/ 482) شرح منتهى الإرادات (1/ 160) نيل الأوطار =

ص: 523

بدعة، فإن منع أن يخطب إلا به فليفعل، قاله الكمال

(1)

والله أعلم. قال شارح الإلمام: وأما لباس الخطباء السواد في الخطبة فجائز ولكن الأفضل البياض وإنما لبس العمامة السوداء بيانا للجواز.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم خرج حتى يأتي المسجد ثم يركع ما بدا له"، وفيه: أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب؛ قال النووي

(2)

: وهو مذهبنا وهو مذهب الجمهور؛ وفيه: أن النوافل المطلقة لا حد لها لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ"

(3)

؛ وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد والطبراني: "ثم ركع ما قضي له"

(4)

، وفي رواية:"ما كتب له"

(5)

أي: ما رزقه الله من

= (2/ 117).

(1)

النجم الوهاج للدميري (2/ 495).

(2)

شرح صحيح مسلم (6/ 146).

(3)

أخرجه مسلم (857).

(4)

أخرجه أحمد (5/ 198، رقم 21777)، والطبراني كما في مجمع الزوائد (2/ 171) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء وحرب لم يسمع من أبي الدرداء.

(5)

إسناده صحيح، أخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان (2767). وابن خزيمة في صحيحه (1762). وعنده: يقول أبو هريرة: وثلاثة أيام زيادة، إن الله جعل الحسنة بعشر أمثالها وأخرجه أبو داود في الطهارة (343) والبغوي في شرح السنة (1060) وفيها: وزاد أبو هريرة: وزيادة ثلاثة أيام. وصححه الحاكم (1/ 83) ووافقه الذهبي. وانظر الحديث (6486، 6549) في مسند أبي يعلى الموصلي وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1048).

ص: 524

صلاة السنة.

لطيفة جليلة فيها بشرى: وقت استجابة الدعاء: روى الطبراني في كتاب الدعاء

(1)

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَشْرَ رَكَعاتٍ قَبْلَ خُروجِ الإمام يَقْرأُ فِي كُلِّ رَكعَةٍ فِاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَيَقُولُ فِي آخِرهَا آمين، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} عَشْرَ مَرَّاتٍ، يَقْرأُ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكعَةٍ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحيم، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أثرِ: ذَلِكَ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلهَ إِلَا الله وَاللهُ أَكْبَر، وَلَا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَا بِالله، لَمْ يَسْأَلِ الله عز وجل عَلَى أثر ذَلِكَ شَيْئًا إِلَا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ".

قوله: صلى الله عليه وسلم: "ولم يؤذ أحدًا" أي: بالتخطي، أي: وإذا حضر وقد سبقه القوم لم يتخط إلا أن يأذن له القوم، أو يجد أمامه فرجة، فله التخطي إليها بشرطين، الأول: أن يعلم أن من أمامه عند إقامة الصلاة، فإن علم أنهم يتقدمون إليها لم يجز التخطي، قاله في الشامل؛ الثاني: أن لا يتخطى إلا صفا أو صفين، فإن كان لا يصل إليها إلا بتخطي أكثر من صفين لم يجز، وطريقه أن يصبر إلى إقامة الصلاة فيأمر من أمامه بالتقدم، فإن لم يتقدموا تقدم لتقصيرهم بسد خلل الصفوف، فإن ضاق المسجد ولم يجد مكانًا يجلس فيه أمر من أمامه بالتقدم، وكذلك يأمر كل صف من أمامه بالتقدم إلى الفُرَج، فإن لم يتقدموا تخطوا وإن كانوا أكثر من صفين لتقصيرهم

(2)

، انتهى.

(1)

الدعاء للطبراني (1745) وأخبار الصلاة لعبد الغني المقدسي (115).

(2)

القول التمام (ص 192).

ص: 525

تتمة: ينهى الداخل إلى المسجد يوم الجمعة وغيرها، عن تخطي رقاب الناس من غير ضرورة وظاهر كلام الأكثرين أنه كراهة تنزيه لا تحريم وإن كان إماما ولم يجد طريقا إلى المنبر والمحراب إلا بالتخطي لم يكره لأنه ضرورة نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب، وإن كان غير الإمام ورأى فرجة قدامهم لا يصلها إلا بالتخطي قال الأصحاب: لم يكره التخطي لأن الجالسين وراءها مفرطين بتركها وسواء وجد غيرها أم لا وسواء كانت قريبة أم بعيدة لكن يستحب إن كان له موضع غيرها أن لا يتخطى وإن لم يكن موضع وكانت قريبة بحيث لا يتخطى أكثر من رجلين ونحوهما دخلها وإن كانت بعيدة ورجا أنهم يتقدمون إليها إذا أقيمت الصلاة يستحب أن يقعد موضعه ولا يتخطى وإلا فليتخطّ

(1)

.

فرع: مذهبنا أن التخطي مكروه إلا أن يكون قدامهم فرجة لا يصلها إلا بالتخطي فلا يكره حينئذ وبهذا قال الأوزاعي وآخرون وحكى ابن المنذر كراهته مطلقا عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعيد بن المسيب وعطاء وأحمد بن حنبل، وعن مالك: كراهته، إذا جلس الإمام على المنبر ولا بأس به قبله؛ وقال قتادة: يتخطاهم إلى مجلسه، وعن أبي نصر: جوازه بإذنهم؛ وقال ابن المنذر

(2)

: لا يجوز شيء من ذلك عندي لأن الأذى يحرم قليله وكثيره كما جاء في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن يراه يتخطى: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ،

(1)

المجموع (4/ 546).

(2)

الإشراف على مذاهب العلماء (2/ 110).

ص: 526

وَآنَيْتَ"

(1)

: (وَآنيْتَ) أي: أخرت المجيء؛ قاله في الديباجة.

فرع: قال الشافعي

(2)

: إذا قعد إنسان في الجامع في موضع الإمام، أو في طريق الناس، أمر بالقيام، أ. هـ.

فرع آخر: لا يجوز أن يقيم الداخل رجلا من صفه لما روى الشيخان

(3)

عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه، ثم يجلس فيه"، ولكن يقول:"تفسّحوا، أو توسّعوا"، أ. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم أنصت حتى يصلي"، وفيه: الإنصات للخطبة، قال القاضي عياض

(4)

: قال الإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة العلماء: يجب الإنصات للخطبة، أ. هـ. وليس مذهب الشافعي كذلك، وتقدم ذلك قريبا، قال: واختلفوا إذا لم يسمع الإمام، هل يلزمه الإنصات كما لو سمعه؟ فقال الجمهور

(5)

: يلزمه،

(1)

أخرجه أحمد (4/ 190) وابن خزيمة في صحيحه (1811)، والحاكم 1/ 288 من طريق عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد. وقال الأخير: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أبو داود في السنن (1118)، والنسائي 3/ 103، وابن الجارود في المنتقى (294)، والطحاوي 1/ 366، وابن حبان (2790)، والطبراني في الشاميين (1953)، والبيهقي 3/ 231 من طرق عن معاوية بن صالح، به. وانظر: المجموع (4/ 546 - 547).

(2)

ينظر: روضة الطالبين (2/ 47 - 48).

(3)

البخاري (6269)، مسلم (2177). يراجع المجموع للنووي (4/ 545).

(4)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 242).

(5)

ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 256) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 368) حاشية الجمل على شرح المنهج= فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (2/ 2) شرح منتهى الإرادات= دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (1/ 308).

ص: 527

وقال النخعي والإمام أحمد وأحد قولي الشافعي

(1)

: لا يلزمه، واللّه أعلم.

1031 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم "من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ لبس من أحسن ثِيَابه وَمَسّ طيبا إِن كانَ عِنْده ثمَّ مَشى إِلَى الْجُمُعَة وَعَلِيهِ السكينَة وَلم يتخط أحدا وَلم يؤذه ثمَّ ركع مَا قضى لَهُ ثمَّ انْتظر حَتَّى ينْصَرف الإِمَام غفر لَهُ مَا بَين الجمعتين" رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة حَرْب عَن أبي الدَّرْدَاء وَلم يسمع مِنْهُ

(2)

.

قوله: وعن أبي الدرداء، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة، ثم لبس من أحسن ثيابه ومس طيبا إن كان عنده" تقدم الكلام على هذه الألفاظ في الحديث قبله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة" الحديث، وفي حديث آخر: وعليه السكينة والوقار. والوقار بفتح الواو؛ وقيل: إنه والسكينة بمعنى واحد، وجمع بينهما تأكيدا، والظاهر: أن بينهما فرقا، هو أن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحوه؛ والوقار في غض البصر وخفض الصوت والإقبال على طريقه وأمثاله، وهذا مستحب في الجمعة وغيرها لقوله صلى الله عليه وسلم:

(1)

ينظر: المجموع شرح المهذب (4/ 482)

(2)

أحمد (21729)، كما في مجمع الزوائد (2/ 171)، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء، وحرب لم يسمع من أبي الدرداء. ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (421).

ص: 528

"إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وعليكم السكينة والوقار"

(1)

هذا إذا لم يضق الوقت، فإن ضاق .. ففي "الشرح" و"الروضة"، لا يبعد القول بالسعي، وقال في باب الصيد والذبائح: لا يكلف في هذه الحالة زيادة على طبعه، وقال الماوردي في الإقناع: يمشي بالسكينة وإن ضاق الوقت، قاله الكمال الدميري

(2)

، واللّه أعلم.

1032 -

وَعَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رضي الله عنه قَالَ كَانَ نُبَيْشَة الْهُذلِيّ رضي الله عنه يحدث عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن الْمُسلم إِذا اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة ثمَّ أقبل إِلَى الْمَسْجِد لا يُؤْذِي أحدا فَإِن لم يجد الإِمَام خرج صلى مَا بدا لَهُ وَإِن وجد الإِمَام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حَتَّى يقْضِي الإِمَام جمعته وَكَلَامه إِن لم يغْفر لَهُ فِي جمعته تِلْكَ ذنُوبه كلهَا أَن يكون كلفَّارَة الْجُمُعَة الَّتِي تَلِيهَا، رَوَاهُ أَحْمد وَعَطَاء لم يسمع من نُبَيْشَة فِيمَا أعلم

(3)

.

قوله: وعن عطاء الخراساني؛ هو: أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح، عطاء بن أبي مسلم، واسم أبي مسلم عبد اللّه، ويقال: ميسرة الأزدي الخراساني البلخي، سكن عطاء الشام وهو مولى المهلب بن أبي صفرة؛ وعطاء من التابعين الكبار؛ روى عن معاذ بن جبل وكعب بن عجرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد اللّه بن السعدي مرسلًا،

(1)

البخاري (908)، مسلم (602).

(2)

انظر: النجم الوهاج (2/ 492 - 493).

(3)

أحمد (20721)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 171)، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، خلا شيخ أحمد وهو ثقة. ضعّفه الألباني في ضعيف الترغيب (422).

ص: 529

وسمع ابن المسيب وابن جبير وعكرمة وأبا مسلم وأبا إدريس الخولاني وعطاء بن أبي رباح وغيرهم؛ وهو من التابعين العباد، متفق على توثيقه؛ روينا عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال:"كنا نغازي عطاء الخراساني يُحْيِي اللَّيْلَ صَلَاةً، فَإِذَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ نادى ونحن في فساطيطنا: يا عبد الرحمن بن يزيد، ويا يزيد بن يزيد، ويا هشام بن الغاز، قوموا فتوضؤا وصلوا، قيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من شرب الصديد ومقطعات الحديد، الوحا الوحا ثم النجاء النجاء"

(1)

. النجاء بالقصر التخلص، وكذا النجاة، وقد تمد فيقال نجاء.

قال الجوهري

(2)

: نجوت من كذا نجاء ممدودا ونجاة مقصورًا، ونجوت أيضًا نجاء ممدودًا: أي أسرعت وسبقت وهو منصوب بفعل مضمر أي: أنجو النجاء، أ. هـ.

قوله: كان نبيشة الهذلي يحدث عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة" الحديث، قال الأصحاب: يستحب مع الاغتسال للجمعة أن يتنظف بإزالة أظفار وشعر يحتاج إلى إزالتهما ووسخ ونحوه، وأن يتطيب ويدهن ويتسوك ويلبس أحسن ثيابه كما تقدم، وأفضل ثيابه البيض كغيره، هذا هو المشهور، وذكر الغزالي في الإحياء: كراهة لباس السواد، وقال مثله أبو طالب المكي، وخالفهم الماوردي في الحاوي، ويجوز للإمام لبس البياض

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 334 - 335 ترجمة 410). وتهذيب الكمال (20/ 106).

(2)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (6/ 2501).

ص: 530

والسواد، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخطباء يلبسون البياض، واعتم النبي صلى الله عليه وسلم بعمامة سوداء

(1)

، قال: وأول من أحدث السواد بنو العباس في خلافتهم شعارا لهم؛ لأن الراية التي عقدت للعباس يوم فتح مكة ويوم خيبر كانت سوداء، وكانت رايات الأنصار صفرًا، قال النووي

(2)

: والصحيح أنه يلبس البياض دون السواد إلا أن يغلب على ظنه ترتب مفسدة على ذلك من جهة السلطان أو غيره، قال: وهذه السنن ليست مخصوصة بالجمعة بل يستحب لكل من أراد الجمع من مجامع الناس أن يتزين ويتطيب، كذا نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، وسواء في ذلك الرجال والصبيان والعبيد إلا النساء فيكره لمن أرادت الحضور الزينة وفاخر الثياب، ويستحب لها قطع الرائحة الكريهة وإزالة الظفر والشعور المكروهة، واللّه أعلم

(3)

، قاله في الديباجة.

نبيشة: هو نبيشة بن عمرو بن عوف بن عبد اللّه الهذلي أبو طريف وقيل: نبيشة الخير بن عبد اللّه، يكنى أبا طريف، سكن البصرة ومن مناقبه: أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أسارى، فقال: يا رسول اللّه، إِمَّا أَنْ تُفَادِيَهُمْ، وإِمَّا أَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِمْ، فقال:"أَمَرْتَ بِخَيْرٍ، أَنْتَ نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ"

(4)

.

(1)

صحيح مسلم (1358).

(2)

المجموع شرح المهذب (4/ 538).

(3)

المجموع شرح المهذب (4/ 538).

(4)

أخرجه الحاكم (3/ 524) وانظر: أسد الغابة (5/ 294 ترجمة 5198)، والإصابة (6/ 331).

ص: 531

1033 -

وَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يغْتَسل رجل يَوْم الْجُمُعَة ويتطهر مَا اسْتَطَاعَ من الطّهُور ويدهن من دهنه ويمس من طيب بَيته ثمَّ يخرج فَلَا يفرق بَين اثْنَيْنِ ثمَّ يُصَلِّي مَا كتب لَهُ ثمَّ ينصت إِذا تكلم الإِمَام إِلَا غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة الأُخْرَى، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

وَفِي رِوَايَة للنسائي مَا من رجل يتَطَهَّر يَوْم الْجُمُعَة كَمَا أَمر ثمَّ يخرج من بَيته حَتَّى يَأْتِي الْجُمُعَة وينصت حَتَّى يقْضِي صلَاته إِلَا كَانَ كَفَّارَة لما قبله من الْجُمُعَة

(2)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن نَحْو رِوَايَة النَّسَائيّ وَقَالَ فِي آخِره إِلَّا كَانَ كَفَّارَة لما بَينه وَبَين الْجُمُعَة الأُخْرَى مَا اجْتنبت المقتلة وَذَلِكَ الدَّهْر كُله

(3)

.

وعن سلمان، تقدم الكلام على سلمان.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطهور" المراد بهذا الطهور: قص الشارب وقلم الأظفار وحلق العانة ونتف الإبط وتنظيف الثياب

(4)

.

(1)

البخاري (883).

(2)

النسائي في الكبرى (1664)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (689).

(3)

الطبراني في الكبير (6089)، والنسائي في الكبرى (1665)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 174)، إسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (689).

(4)

المفاتيح شرح المصابيح لـ الحسين بن محمود بن الحسن، مظهر الدين المظهري (2/ 321).

ص: 532

(قوله:)"ويدهن من دهنه" أي: يستعمل الدهن في شعره، وأراد الدهن الذي فيه طيب

(1)

(قوله) ويمس من طيب بيته، قيد بطيب بيته ليؤذن بأن السنة أن يتخذ الطيب لنفسه ويجعل استعماله عادة له، فيدخر في البيت

(2)

.

قوله: ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، هذا كناية عن التبكير أي: عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس

(3)

، واللّه أعلم.

ويجوز في "يمس" فتح الميم وضمها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم ينصت إذا تكلم الإمام" فيه: دليل على وجوب الإنصات والنهي عن الكلام، إنما هو في حال الخطبة؛ قال النووي

(4)

: وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجمهور، وقال الإمام أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام، واللّه أعلم.

1034 -

وَرُوِيَ عَن عَتيق أبي بكر الصّديق وَعَن عمرَان بن حُصيْن رضي الله عنهما قَالا قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة كفرت عَنهُ ذنُوبه وخطاياه فَإِذا أَخذ فِي الْمَشْي كتب لَهُ بِكُل خطْوَة عشرُون حَسَنَة فَإِذا انْصَرف من الصَّلَاة أُجِيز بِعَمَل مِائَتي سنة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط

(5)

.

(1)

شرح المصابيح لابن الملك (2/ 228).

(2)

شرح المشكاة (4/ 1373).

(3)

شرح المشكاة (4/ 1373).

(4)

شرح النووي على مسلم (6/ 139).

(5)

الطبراني في الأوسط (4413)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 174)، فيه الضَّحَّاكُ بْنُ حُمْرَةَ، ضعفه ابن معين والنسائي. والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 107، رقم 3020). =

ص: 533

وَفِي الأوْسَط أَيْضا عَن أبي بكر رضي الله عنه: وَحده وَقَالَ فِيهِ: كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة عمل عشْرين سنة

(1)

.

قوله: وروى عن عتيقٍ أبي بكر الصديق، اسمه: عبد اللّه، وسمى عتيقا لعتاقة وجهه، والعتيق الحسن، كأنه أعتق من الذم والعيب؛ وقيل: سمى عتيقا لأن أمه كانت لا يعيش لها ولد، فنذرت إن ولد لها أن تسميه عبد الكعبة، وتتصدق به عليها، فلما عاش وشب سمى عتيقا كأنه أعتق من الموت

(2)

، وكان رضي الله عنه: يسمى أيضًا عبد الكعبة إلى أن جاء الإسلام فسماه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عبد اللّه؛ وقيل: سمى عتيقا لأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له حين الإسلام: "أنت عتيق من النار"

(3)

؛ وقيل: كان لأبيه ثلاثة من الولد: مُعتِق ومُعَيْتِق وعَتيق وهو أبو بكر؛ وسئل ابن معين عن اسم أم أبي بكر، فقال: أم الخير عند اسمها

(4)

.

= وأورده الدارقطني في العلل (1/ 260، رقم 53). وقال الألباني في ضعيف الترغب (423): موضوع.

(1)

الطبراني في الأوسط (3397).

(2)

انظر: مشارق الأنوار (2/ 66)، ومطالع الأنوار (4/ 375)

(3)

أخرجه الترمذي (3679) وقال: هذا حديث غريب وابن وهب في جامعه (1/ 144) والطبراني في الكبير (1/ 53 - 9) انظر: أسد الغابة (3/ 205)، والحاكم (3/ 424/ 5611)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 22/ 60).

(4)

انظر: الاستيعاب (3/ 963) وألقاب الصحابة (ص 75) للغسانى وتاريخ دمشق (30/ 24). وانظر: الروض الأنف ت. السلامي (2/ 293).

ص: 534

وهي أم الخير بنت صخر بن عمرو، بنت عم أبي قحافة، واسمها سلمى، وتكنى أم الخير، وهي من المبايعات؛ وَأَمّا أَبُوهُ عُثْمَانُ أَبُو قُحَافَةَ فَأُمّهُ قَيْلَةُ - بِيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مَنْقُوطَةٍ مِنْ أَسْفَلَ -

(1)

.

قوله: وعمران بن حصين، وهو: أبو نجيد بضم النون وفتح الجيم عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي البصري، أسلم هو وأبو هريرة رضي الله عنهما عام خيبر سنة سبع من الهجرة؛ روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة وثمانون حديثا اتفقا على ثمانية، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بتسعة، فنزل البصرة وكان قاضيها؛ استقضاه عبد اللّه بن عامر إياها ثم استعفى فأعفاه بها سنة اثنتين وخمسين؛ وكان الحسن البصري يحلف باللّه: ما قدم البصرة راكب خير لهم من عمران؛ وغزى مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غزوات، وبعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة ليفقه أهلها، وكان من فضلاء الصحابة؛ واختلف العلماء في والد عمران

(2)

، هل أسلم وله صحبة أم لا؟ قال ابن الجوزي في التنقيح

(3)

: الصحيح أنه أسلم، ويؤيد ما قاله أن الترمذي روى في كتابه في جامع الدعوات بإسناده عن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: "يا حصين! كم تعبد اليوم إلاهًا؟ " قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال:"فأيهم تعُدُّ لرغبتك ورهبتك؟ " قال: الذي في السماء، قال: "يا

(1)

انظر: نسب قريش (ص 275)، والطبقات (ص 396/ متمم الصحابة)، وانظر: أسد الغابة ت (7436)، الاستيعاب ت (3606)، الروض الأنف (2/ 394).

(2)

البداية والنهاية (8/ 266) عند قوله وفيها توفي عمران بن حصين.

(3)

انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي (ص 130). ونقل عنه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 36).

ص: 535

حصين، أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك" فلما أسلم، قال: يا رسول اللّه علمني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: "قل: اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي" قال الترمذي: حديث حسن غريب

(1)

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة كفرت عنه ذنوبه وخطاياه" تقدم الكلام على الغسل، وتقدم الكلام أيضا على تكفير الذنوب والخطايا، وأن المراد بذلك الصغائر دون الكبائر؛ فإن الكبائر لا تغفر إلا بالتوبة أو عفو اللّه سبحانه وتعالى.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أخذ في المشي كتب له بكل خطوة عشرون حسنة" تقدم الكلام على الخطوة في الصلاة.

1035 -

وَعَن أَوْس بن أَوْس الثَّقَفِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول من غسل يَوْم الْجُمُعَة واغتسل وَبكر وابتكر وَمَشى وَلم يركب ودنا من الإِمَام فاستمع وَلم يلغ كَانَ لَهُ بِكُل خطْوَة عمل سنة أجر صيامها وقيامها، رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ

(3)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 35 - 36 ترجمة 463).

(2)

انظر: سنن الترمذي (3483) والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2355) ومسند البزار (3580) ومسند الروياني (85) والمعجم الأوسط (1985) والأسماء والصفات للبيهقي (894) وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (3483).

(3)

أحمد (16173)، وأبو داود (345)، والترمذي (496)، والنسائي (2760)، وفي الكبرى (1729)، وابن ماجه (1087)، وابن خزيمة (1758)، وابن حبان (2781)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (690).

ص: 536

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط من حَدِيث ابْن عَبَّاس

(1)

.

قَالَ الْخطابِيّ قَوْله عليه الصلاة والسلام: "غسل واغتسل وَبكر وابتكر" اخْتلف النَّاس فِي مَعْنَاهُ فَمنهمْ من ذهب إِلَى أَنه من الْكَلَام المتظاهر الَّذِي يُرَاد بِهِ التوكيد وَلم تقع الْمُخَالفَة بَين المعْنيين لاخْتِلَاف اللَّفْظَيْنِ وَقَالَ: أَلا ترَاهُ يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث وَمَشى وَلم يركب ومعناهما وَاحِد وَإِلَى هَذَا ذهب الأثْرَم صَاحب أَحْمد وَقَالَ بَعضهم قَوْله غسل مَعْنَاهُ غسل الرَّأْس خَاصَّة وَذَلِكَ لِأن الْعَرَب لَهُم لمَم وشعور وَفِي غسلهَا مُؤنَة فَأَرَادَ غسل الرَّأْس من أجل ذَلِك وَإِلَى هَذَا ذهب مَكْحُول وَقَوله: واغتسل مَعْنَاهُ غسل سَائِر الْجَسَد وَزعم بَعضهم أَن قَوْله غسل مَعْنَاهُ أصَاب أَهله قبل خُرُوجه إِلَى الْجُمُعَة ليَكُون أملك لنَفسِهِ وأحفظ فِي طَرِيقه لبصره وَقَوله: وَبكر وابتكر زعم بَعضهم أَن معنى بكر أدْرك باكورة الْخطبَة وَهِي أَولهَا وَمعنى ابتكر قدم فِي الْوَقْت وَقَالَ ابْن الأنْبَارِي معنى بكر تصدق قبل خُرُوجه وَتَأَول فِي ذَلِك مَا رُوِيَ فِي الحَدِيث من قَوْله صلى الله عليه وسلم باكروا بِالصَّدَقَةِ فَإِن الْبلَاء لا يتخطاها

(2)

.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن خُزَيْمَة من قَالَ فِي الْخَبَر غسل واغتسل يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ جَامع فَأوجب الْغسْل على زَوجته أَو أمته واغتسل وَمن قَالَ

(1)

الطبراني في المعجم الأوسط (4414)، والبزار في المسند (631)، قال الهيثمي (2/ 172)، وفيه عطاء بن عجلان وهو كذاب، قلت: قال في التقريب: متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب.

(2)

معالم السنن (1/ 213)، وانظر ضعيف الجامع (2317).

ص: 537

غسل واغتسل يَعْنِي بِالتَّخْفِيفِ أَرَادَ غسل رَأسه واغتسل فضل سَائِر الْجَسَد لخَبر طَاوس عَن ابْن عَبَّاس

(1)

.

ثمَّ روى بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح إِلَى طَاوس قَالَ قلت لِابْنِ عَبَّاس زَعَمُوا أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ اغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة واغسلوا رؤوسكم وَإِن لم تَكُونُوا جنبا وَمَسُّوا من الطّيب قَالَ ابْن عَبَّاس أما الطّيب فَلَا أَدْرِي وَأما الْغسْل فَنعم

(2)

.

قوله: وعن أوس بن أوس الثقفي؛ قال يحيى بن معين: أوس بن أوس، ويقال أويس بن أبي أوس وقال البخاري

(3)

: أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس، وأوس بن حذيفة، الثلاثة اسم لرجل واحد، ووافقه جماعة، وخالفه بعضهم فجعلوهم ثلاثة

(4)

، نزل أوس هذا دمشق، وداره

(5)

بها في درب وقبره بها؛ روى حديثين في الجمعة: "من غسل واغتسل"

(6)

وحديث: "أكثروا

(1)

ابن خزيمة (3/ 239)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (692).

(2)

ابن خزيمة (3/ 129 رقم 1759) وصححه الألباني في صحيح الترغيب (692) وأخرجه البخاري (885).

(3)

التاريخ الكبير للبخاري (1539).

(4)

ممن خالفه الحافظ ابن حجر في التقريب فقال: أوس بن أوس الثقفي صحابي سكن دمشق. وأوس بن أبي أوس، واسم أبي أوس حذيفة الثقفي صحابي أيضًا، وهو غير الذي قبله على الصحيح اهـ. التقريب (577، 578).

(5)

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 398): ودار أوس بن أوس في درب القبلي مما يلي سوق الدقيق.

(6)

وأخرجه النسائي في الكبرى (1729)، مسند أحمد (16172)، وابن خزيمة (1758) الحاكم 1/ 281 - ومن طريقه البيهقي 3/ 227، والحديث حسنه النووي في الخلاصة (2/ 775).

ص: 538

من الصلاة علي في يوم الجمعة"

(1)

وحديثا في الصيام

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من غسل يوم الجمعة واغتسل" الحديث، قد فسره الحافظ رحمه الله

(3)

، ويروى:"عسَّل" بعين مهملة وبالتشديد، ومعناه: كالذي قبله، ومعنى بكَّر: أتى الصلاة في أول وقتها وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه. وأما ابتكر فمعناه أدرك أول الخطبة، وأول كل شيء باكورته، وابتكر الرجل إذا أكل باكورة الفواكه، وقيل معنى اللفظتين واحد، فعل وافتعل، وإنما كرر للمبالغة والتوكيد، كما قالوا جاد مجد ومنه الحديث:"لا تزال أمتي على سنتي ما بكروا بصلاة المغرب"

(4)

أي: أدوها أول وقتها، والحديث الآخر:"بكروا بالصلاة في يوم الغيم"

(5)

الحديث، أي: حافظوا

(1)

أخرجه ابن ماجه (1085) و (1636) وأبو داود (1047) و (1531)، والنسائي في المجتبى (1374)، وفي الكبرى (1666)، مسند أحمد (16162) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1577)، وابن خزيمة (1733) و (1734)، وابن حبان (910).

والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (4/ 214).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 129 ترجمة 79).

(3)

أى المنذرى.

(4)

أخرجه مطولًا ومختصرًا أحمد (17329) و (23534) و (23535) و (23582)، والدولابى في الكنى 1/ 15، والطبراني (4083)، والحاكم 1/ 190، والبيهقي 1/ 370 والشاشي في مسنده (1129)، والطبراني (4058)، والدارقطني (1021) وصححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (2/ 290).

(5)

أخرجه ابن ماجه (694)، وابن المنذر في الأوسط 2/ 366 و 381، وابن حبان (1470)، (1470)، وابن بطة في الإبانة (884)، والبيهقي 1/ 444، والخطيب في موضح أوهام =

ص: 539

عليها وقدموها، قاله في النهاية

(1)

، وقوله في آخره: وزعم بعضهم أن قوله: "غسل" معناه: أصاب أهله قبل خروجه إلى الجمعة ليكون أملك لنفسه وأحفظ في طريقه لبصره

(2)

؛ وقال بعضهم: والحكمة في المجامعة أن يذهب غاضا بصره إلى الجامع لانكسار شهوته بجماع أهله

(3)

، فصلوات اللّه على من أوتي جوامع الكلم وخص ببدائع الحكم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "بكر وابتكر" قد فسره الحافظ

(4)

رحمه الله: فمنهم من ذهب إلى أنه من الكلام المظاهر الذي يراد به التوكيد ولم تقع المخالفة بين المعنيين لاختلاف اللفظين. وقال ألا تراه يقول في هذا الحديث ومشى ولم يركب ومعناهما واحد، وإلى هذا ذهب الأثرم صاحب أحمد وقيل: أول بدعة ظهرت: ترك التبكير إلى الجامع يوم الجمعة غير أنه يستثنى من ذلك الإمام، فلا يستحب له التبكير بل: يأتي حين يصعد المنبر كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ويستثنى من له عذر من مرض ونحوه، ولا يكره له الركوب إليها، هذا في الذهاب إليها؛ أما العود منها فصرح الرافعي وغيره بأن المشي فيه لا يستحب بل يكون مخيرا فيه إذا لم يحصل من الركوب ضرر مستدلين بأن العبادة قد انقضت، والصواب: أن الذهاب كالعود

= الجمع والتفريق 2/ 257، وابن النجار في ذيل تاريخ بغداد 3/ 145، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (2343).

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 148).

(2)

غريب الحديث (1/ 289) لابن قتيبة، ومعالم السنن (1/ 108).

(3)

انظر: النهاية (3/ 367)، وتهذيب الأسماء واللغات (4/ 60)، والمفاتيح (2/ 324).

(4)

أى المنذرى.

ص: 540

وهو وجه حكاه شارح التعجيز، أ. هـ، قاله الكمال

(1)

.

قوله: ودنا من الإمام، فاستمع الحديث، دنا من الإمام بمعنى قرب منه، والإمام هو الخطيب، فيستحب الدنو من الإمام بالإجماع ليحوز فضيلة القعود في الصفوف واستماع الخطبة جميعًا

(2)

.

وقال ابن الأنباري: معنى بكر تصدق قبل خروجه. وتأول في ذلك ما روي في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها"

(3)

الحديث

(4)

، وفي حديث آخر:"إن لكل يوم نحسا فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة"

(5)

فالصدقة تمنع وقوع البلاء بعد انعقاد أسبابه، وكذلك الدعاء

(6)

، والله أعلم.

(1)

انظر: النجم الوهاج (2/ 492). هو كمال الدين محمد بن موسى الدميري.

(2)

المجموع (4/ 546).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 9 رقم 5643) عن علي بن أبي طالب.

وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 110: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن عبد الله بن محمد، وهو ضعيف.

وأخرجه البيهقي في الشعب (5/ 52 - 53 رقم 3082)، والديلمى كما في الغرائب الملتقطة (1136) عن أنس مرفوعًا. وأخرجه في الكبرى (4/ 318 رقم) والشعب (5/ 53 رقم 3083) عن أنس موقوفًا. وقال البيهقي: موقوف، وكان في كتاب شيخنا أبي نصر الفامي مرفوعا، وهو وهم، وروي عن أبي يوسف القاضي، عن المختار بن فلفل مرفوعا. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (522)، وتخريج المشكاة (1887).

(4)

معالم السنن (1/ 108).

(5)

لم أعثر عليه مسندا وذكره السيوطى في الدر المنثور (6/ 707) وعزاه لابن مردويه عن علي بن أبي طالب.

(6)

لطائف المعارف (ص 76).

ص: 541

1036 -

وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من غسل واغتسل ودنا وابتكر واقترب واستمع كانَ لَهُ بِكُل خطْوَة يخطوها قيام سنة وصيامها، رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح

(1)

.

قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من غسل واغتسل ودنا وابتكر واستمع" الحديث، تقدم ذكر ذلك.

1037 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه: قَالَ عرضت الْجُمُعَة على رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ بهَا جِبْرِيل عليه السلام فِي كَفه كالمِرْآة الْبَيْضَاء فِي وَسطهَا كالنكتة السَّوْدَاء فَقَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ هَذِه الْجُمُعَة يعرضهَا عَلَيْك رَبك لتكون لَك عيدا ولقومك من بعْدك وَلكم فِيهَا خير تكون أَنْت الأول وَتَكون الْيَهُود وَالنَّصَارَى من بعْدك وفيهَا سَاعَة لا يَدْعُو أحد ربه فِيهَا بِخَير هُوَ لَهُ قسم إِلَّا أعطَاهُ أَو يتَعَوَّذ من شَرّ إِلَا دفع عَنهُ مَا هُوَ أعظم مِنْهُ وَنحن نَدْعُوهُ فِي الآخِرَة يَوْم الْمَزِيد، الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط بِإِسْنَاد جيد

(2)

.

قوله: وعن أنس بن مالك، تقدم الكلام على أنس.

(1)

أخرجه أحمد (6954)، والحاكم (1/ 282)، والبيهقي (3/ 227)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 171) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (693).

(2)

الطبراني في المعجم الأوسط (2084)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 164)، رجاله ثقات، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (694): حسن صحيح.

ص: 542

قوله: عرضت الجمعة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، جاءه بها جبريل عليه السلام في كفه كالمرآة البيضاء، الحديث.

جبريل: اسم ملك يتوسط بين اللّه تعالى ورسله، واسم جبريل عليه السلام سريانى، ومعناه: عبد الرحمن أو عبد العزيز، هكذا جاء عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا أيضًا، والموقوف أصح، وأكثر الناس على أن آخر الاسم منه هو اللّه، وهو: إيل، ذكره السهيلي

(1)

، وقال غيره: قيل: هو جبر بمعنى عبد، أضيف إلى أيل بمعنى اللّه، قال النووي

(2)

: قال جماعات من المفسرين وصاحب المحكم والجوهري وغيرهم من أهل اللغة في جبريل وميكائيل: إن جبريل وميكائيل: اسمان أضيفا إلى أيل وآل، قالوا: وأيل وآل اسمان للّه تعالى، وجبر وميك: معناه بالسريانية عبد، فتقديره: عبد اللّه، قال أبو علي الفارسي: هذا الذي قالوه خطأ من وجهين، أحدهما: أن أيل وآل لا يعرفان في أسماء اللّه تعالى، والثاني: أنه لو كان كذلك لم ير له وجه آخر في وجه العربية، ولكنا آخره مجرورا أبدا كعبد اللّه؛ (قال النووي) وهذا الذي قاله أبو علي هو الصواب، وما زعموه باطل لا أصل له

(3)

، واللّه أعلم.

فيه تسع لغات: حكاهن ابن الأنبارى وابن الجواليقى: جبريل، وجبريل بكسر الجيم وفتحها، وجبرئل، بفتح الجيم وهمزة مكسورة وتشديد اللام،

(1)

الروض الأنف (2/ 402).

(2)

المجموع شرح المهذب (3/ 20).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 144).

ص: 543

وجبرائل بعدها ياء، وجبراييل بياءين بعد الألف، وجبرئيل بهمزة بعد الراء وياء، وجبرئل بكسر الهمزة وتخفيف اللام مع فتح الجيم والراء، وجبرين وجبرين بفتح الجيم وكسرها، وهكذا ضبطها النووي في تهذيب الأسماء واللغات

(1)

.

قوله: (في كفه كالمِرْآة الْبَيْضَاء فِي وَسطهَا كالنكتة السَّوْدَاء) والنكتة: بضم النون وبالتاء المثناة فوق هِيَ نقطة شبه الوسخ في المرآة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيدًا ولقومك من بعدك "قال الشيخ زين الدين بن رجب الحنبلي في كتابه اللطائف

(2)

: للمؤمنين في الدنيا ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة مرة من غير تكرر في السنة، فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مرتب على إكمال الصلوات المكتوبات، فإن اللّه عز وجل فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات، وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما كمل دور أسبوع من أيام الدنيا، واستكمل المسلمون صلواتهم فيه شرع لهم شرع في يوم استكمالهم عيد وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق، وفيه: خلق آدم وأدخل الجنة وأخرج منها، وفيه: ينتهي أمر الدنيا فتزول وتقوم الساعة؛ فالجمعة من الاجتماع على سماع الذكر والموعظة وصلاة الجمعة، وجعل ذلك لهم عيدًا، ولهذا نهي عن إفراده بالصيام؛ وفي

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 144).

(2)

لطائف المعارف لابن رجب (ص: 275 - 276).

ص: 544

شهود الجمعة شبهٌ من الحج؛ وروى في الحديث: "إنها حج المساكين"

(1)

؛ وقال سعيد بن المسيب: شهود الجمعة أحب إلي من حجة نافلة؛ والتبكير إليها يقوم مقام الهدي على قدر السبق، فأولهم كالمُهدِي بدنة ثم بقرة ثم كبشا ودجاجة ثم بيضة، وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر، كما أن الحج المبرور مكفِّر ذنوب تلك السنة إلى الجمعة الأخرى، وقد روي:"إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام"

(2)

، وقد روي:"أن اللّه تعالى يغفر يوم الجمعة لكل مسلم"

(3)

؛ وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في يوم الجمعة: "هو أفضل عند اللّه تعالى من يوم

(1)

انظر: مسند الشهاب للقضاعي (78)، معجم ابن الأعرابي (2378) وانظر: طرح التثريب (3/ 159) وضعفه الالباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (2659)

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 288)، وابن حبان في المجروحين (2/ 140 - 141)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 140)، وابن الجوزي في الموضوعات (1128) وقال الألباني في الضعيفة (2565): موضوع.

(3)

أخرجه ابن الأعرابى (147)، والطبراني في الأوسط (5/ 109 رقم 4817) وابن عدى (5/ 58)، عن أنس بلفظ:"إن اللّه ليس بتارك أحدا من المسلمين يوم الجمعة إلا كفر له". قال الطبراني: لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ. وَأَبُو عُرْوَةَ عِنْدِي: مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وَأَبُو عَمَّارٍ زِيَادٌ النَّمَرِيُّ وقال ابن عدى: ولزياد بن أبي عمار غير ما ذكرت من الحديث، عن أنس، ولا أعرف له عن غير أنس، وأحاديثه مقدار ما يرويه لا يتابعه أحد عليها. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 164: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني. وقال الألباني في الضعيفة (297): موضوع.

ص: 545

الفطر ويوم الأضحى"

(1)

فهذا عيد الأسبوع وهو متعلق بإكمال الصلوات المكتوبات وهو أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكم فيها خير، تكون أنت الأول، وتكون اليهود والنصارى من بعدك" الحديث؛ وإنما عرف النصارى بهذا الاسم؛ لأن مبدأ دينهم كان من ناصرة قرية بالشام، فاشتق اسمهم منها، كما اشتق اسم اليهود من يهود بن يعقوب عليه السلام

(3)

، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد"، فيوم الجمعة سيد الأيام؛ له أسماء كثيرة: يوم المزيد كما في الحديث، ويوم العيد، واليوم الأغر، واليوم الأزهر

(4)

، ويوم الزينة، ويوم الجمعة، المشهور أن سبب تسميتها جمعة: لاجتماع الناس فيها

(5)

، وتقدم ذلك في أول الباب، وقيل: لأنه جمع فيها خلق آدم

(6)

، وقيل: لأن المخلوقات اجتمع خلقها وفرغ منها يوم

(1)

أخرجه أحمد 3/ 430 (15548)، وابن ماجه (1084) عن أبي لبابة. وحسنه الألباني في المشكاة (1363) وضعفه في ضعيف الترغيب (424).

(2)

ذكر هذا الكلام ابن رجب في لطائف المعارف (ص: 275) وفي شرحه للبخاري (2/ 464).

(3)

الروض الأنف (3/ 391).

(4)

جاء في حديث أبي هريرة: أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 83 رقم 241) بلفظ: "أكثروا الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأزهر، فإن صلاتكم تعرض علي". قال الهيثمي في المجمع 2/ 169: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد المنعم بن بشير الأنصاري وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (2253).

(5)

المجموع المغيث (1/ 350)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 54).

(6)

جاء ذلك من حديث سلمان: أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 304 و 305 و 308)، وأحمد =

ص: 546

الجمعة، حكاه في المشارق

(1)

"وقيل: لاجتماع آدم عليه السلام مع حواء في الأرض، حكاه الحاكم في مستدركه؛ قال ذو النسبتين صاحب "العلم المشهور"

(2)

، وروى فيه حديثًا مرفوعًا، وأنا أبرأ من عهدته لأنه موضوع ونصه: أنها سميت بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء، يعني في الأرض

(3)

؛ وقيل: لأن قريشا كانت تجتمع فيه إلى قصي في دار الندوة، حكاه في المحكم عن ثعلب، فهذه خمسة أقوال في سبب تسميتها بيوم الجمعة؛ واعلم أن يوم الجمعة هو الاسم الذي سماه اللّه تعالى به

(4)

قال اللّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ

= 5/ 439 (23718) و 5/ 440 (23729)، والمروزي في كتاب الجمعة (49 و 50)، والبزار (2526)، وابن خزيمة (1732)، والحاكم 1/ 277 عن سلمان بلفظ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وروى الخطيب في تاريخ بغداد 2/ 397 من حديث سلمان مرفوعًا: إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْجُمُعَةُ لِأنَّ آدَمَ جُمِعَ فِيهَا خَلْقُهُ. وضعفه الألباني في الضعيفة (3224).

(1)

مشارق الأنوار (1/ 153)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 54)، وطرح التثريب (3/ 158).

(2)

هو: أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي .. ابن دحية الكلبي قال الذهبي: الشيخ العلامة المحدث الرحال المتفنن. وقال: وكان يكتب لنفسه: ذو النسبتين بين دحية والحسين. له كتب كثيرة منها: "الْآيَات البَيِّنات فِي أَعْضَائِهِ عليه السلام"، و"مرج الْبَحْرين فِي فَوَائِد المشرقين والمغربين"، و"العَلَم الْمَشْهُور فِي فَضَائِل الْأيام والشهور"، و"خَصَائِص الْأَعْضَاء" وَغَيرهَا من مؤلفاته المفيدة. وكتابه العلم المشهور مطبوع. وتوفي سنة: 633 هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 389).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (4/ 405 رقم 2725)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (915) عن سلمان بلفظ: هو اليوم الذي جمع الله فيه بين أبويكم. وقال البيهقي: الأول أصح يعنى لفظ: هو اليوم الذي جمع فيه أبوك أو أبويكم.

(4)

طرح التثريب (3/ 58 - 159).

ص: 547

آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}، وكان يسمى في الجاهلية يوم العَرُوبَة بفتح العين المهملة، قال أبو جعفر النحاس: ومعناه اليوم الْبَيِّنِ الْمُعَظَّمِ، مأخوذ من قولهم: أعرب إذا بين

(1)

، أ. هـ.

هو اسم قديم لها وكأنه ليس بعربي، يقال: يوم عروبة، ويوم العروبة، والأفصح أن يدخلها الألف واللام، وعروبًا اسم السماء السابعة، أ. هـ، قاله في النهاية

(2)

، وقيل: يوم الرحمة، قال الشاعر:

نَفْسِي الفِدَاءُ لأقْوَامِ هُمُ خَلَطُوا

يَوْمَ العَرُوبَةِ أَوْرادًا بأَوْرادِ

(3)

قال: ولم يزل يوم الجمعة معظما عند كل أهل ملة

(4)

، قال بعض العلماء: لم تعرفه الأمم المتقدمة، وأول من هدي له هذه الأمة، ومن أسمائه أيضًا: حربة، حكاه أبو جعفر النحاس، أي مرتفع عال كالحربة

(5)

، قال: وقيل من هذا اشتق المحراب، ومن أسمائه أيضًا حج المساكين سماه بعضهم بذلك

(6)

، وورد ذلك في حديث ضعيف

(7)

.

(1)

عمدة الكتاب (ص 92) وصناعة الكتاب (ص 80)، وطرح التثريب (3/ 159).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 203).

(3)

النجم الوهاج (2/ 443)، والبيت قاله القطامى الأزمنة (ص 36).

(4)

عمدة الكتاب (ص 92) وصناعة الكتاب (ص 80)، وطرح التثريب (3/ 159).

(5)

عمدة الكتاب (ص 92) وصناعة الكتاب (ص 80)، وطرح التثريب (3/ 159).

(6)

هو الضحاك بن مزاحم كما في أخبار مكة (1/ 377).

(7)

طرح التثريب (3/ 159). والحديث لفظه: الجمعة حج المساكين. أخرجه ابن الأعرابى (2378)، والقضاعى في مسند الشهاب (78) عن ابن عباس. وضعفه العراقى كما في طرح التثريب والألباني في ضعيف الجامع (2659).

ص: 548

سؤال: ما معنى تسميتهم بأنها حج المساكين؟ قيل: لما فيها من الاجتماع والفضيلة، وقال اللّه تعالى في الحج:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} ، وقال في الجمعة:{فَإِذَا قُضِيَتِ} ، وقال في الحج:{أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} ، وقال في الجمعة {وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} ، والحج لا يجب إلا في وقت خاص، وكذلك الجمعة، وكان الحج لا يجب إلا على المستطيع وكذلك الجمعة، ولأن الاجتماع فيها واجب كما أن الاجتماع بعرفة واجب والدعاء فيها في الخطبة واجب كما أن الدعاء بعرفة وغيرها مطلوب. واللّه أعلم.

1038 -

وَعَن أبي لبَابَة بن عبد الْمُنْذر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن يَوْم الْجُمُعَة سيد الأيام وَأَعْظَمهَا عِنْد اللّه وَهُوَ أعظم عِنْد اللّه من يَوْم الأضْحَى وَيَوْم الْفطر وَفِيه خمس خلال خلق اللّه فِيهِ آدم وأهبط اللّه فِيهِ آدم إِلَى الأرْض وَفِيه توفى اللّه آدم وَفِيه سَاعَة لا يسْأَل اللّه فِيهَا العَبْد شَيْئا إِلَا أعطَاهُ إِيَّاه مَا لم يسْأَل حَرَامًا وَفِيه تقوم السَّاعَة مَا من ملك مقرب وَلا سَمَاء وَلا أَرض وَلا ريَاح وَلا جبال وَلا بَحر إِلَّا وَهن يشفقن من يَوْم الْجُمُعَة، رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه بِلَفْظ وَاحِد

(1)

، وَفِي إسنادهما عبد اللّه بن مُحَمَّد بن عقيل وَهُوَ مِمَّن احْتج بِهِ أَحْمد وَغَيره وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا وَالْبَزَّار من طَرِيق عبد اللّه أَيْضا من

(1)

أحمد (15548)، وابن ماجه (1084)، والطبراني في الكبير (4512) والبيهقي في شعب الإيمان (2973)، قال البوصيري في الزوائد (1/ 360): هذا إسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (695).

ص: 549

حَدِيث سعد بن عبَادَة، وَبَقِيَّة رُوَاته ثِقَات مَشْهُورُونَ

(1)

.

قوله: وعن أبي لبابة بن عبد المنذر البدري الأنصاري المدني صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، اسمه: رفاعة، قاله أحمد بن حنبل ويحيى وابن إسحاق، وقيل: بشير، قاله ابن عقبة وابن شهاب وخليفة

(2)

، قال الحاكم

(3)

: يقال شهد بدرا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويقال: رده رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى بدر من الروحاء واستعمله على المدينة، وضرب له بسمهم وأجره، وكان كمن شهدها، ولهذا عده جماعة من البدريين؛ وقال أبو عمر

(4)

: شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا وما بعدها، توفي أبو لبابة في خلافة عمر رضي الله عنه، قاله في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند اللّه، وهو أعظم عند اللّه من يوم الأضحى ويوم الفطر" الحديث؛ السيد يطلق على الفاضل والشريف والكريم والرب والمالك والحليم، ومتحمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم، وأصله من ساد يسود فهو سيد، فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها، ثم أدغمت

(5)

، ومثل هذه قوله صلى الله عليه وسلم: "رمضان سيد

(1)

أخرجه أحمد 3/ 430 (22457)، وابن ماجه (1084)، والبزار في المسند (3738).

وحسنه الألباني في المشكاة (1363) وفي صحيح ابن ماجه وفي صحيح الجامع (4043) وضعفه في ضعيف الترغيب (424).

(2)

انظر: تهذيب الكمال (34/ 232 ترجمة 7591).

(3)

يعنى أبو أحمد كما في تهذيب الكمال (34/ 233).

(4)

الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 1740).

(5)

النهاية (2/ 418).

ص: 550

الشهور"

(1)

وهذا الحديث جاء في معناه حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة"

(2)

"سيد الأيام يوم الجمعة، هو شاهد" أى هو شهد لمن حضر صلاته، وقيل: في قوله {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} إن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة، لأن الناس يشهدونه، أي: يحضرونه ويجتمعون فيه، ومنه: حديث الصلاة فإنها مشهودة، مكتوبة، أي: تشهدها الملائكة وتكتب أجرها للمصلي

(3)

، أ. هـ

فسيد الأيام يوم الجمعة يريد به الأيام السبعة، والأيام أيضًا الوقت قال اللّه تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}

(4)

(5)

، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام، وللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي: أن كل خير نالته أمته في الدنيا وفي الآخرة فإنما نالته على يده صلى الله عليه وسلم، يجمع اللّه لأمته بين خير الدنيا والآخرة، وأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في

(1)

أخرجه البزار (960/ كشف الأستار)، وابن منده في مجلس من إملائه (205)، والبيهقي في الشعب (5/ 242 رقم 3364) و (5/ 310 رقم 3479) عن أبي سعيد الخدرى. قال البزار: يزيد فيه لين، وقد روى عنه جماعة. وقال الهيثمي في المجمع (3/ 140): رواه البزار، وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي. وضعفه الألباني في الضعيفة (3727).

(2)

أخرجه مسلم (17 و 18 - 854) عن أبي هريرة.

(3)

النهاية (2/ 513).

(4)

سورة آل عمران، الآية:140.

(5)

المجموع المغيث (3/ 535).

ص: 551

الجنة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو عيدهم في الدنيا، ويوم فيه يشفعهم اللّه لطلباتهم وحوائجهم، ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأدنى القليل في حقه صلى الله عليه وسلم أن تكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته

(1)

.

لطيفة فيها بشرى: في سنن البيهقي بإسناد جيد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ يوم الجمعة فمن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"

(2)

، وقالله صلى الله عليه وسلم:"أقربكم مني في الجنة أكثركم صلاة عليّ، فأكثروا الصلاة عليّ في الليلة الغراء أو اليوم الأزهر"

(3)

؛ قال الإمام الشافعي

(4)

: الليلة الغراء: ليلة الجمعة، واليوم الأزهر يومها، قال أبو طالب المكي: وأقل ذلك ثلاثمائة مرة؛ وروى الدارقطني

(5)

عن أبي هريرة

(1)

زاد المعاد (1/ 364).

(2)

أخرجه البيهقي في سننه (3/ 249)، وحسّنه الألباني، انظر صحيح الجامع برقم (1220)، وأورد له شواهد كثيرة، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1407).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (241) والبيهقي في شعب الإيمان (2772) ومعرفة السنن والآثار (6672) وقال الهيثمي في المجمع (2/ 169): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد المنعم بن بشير الأنصاري وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (1105).

(4)

الأم للشافعي (1/ 239).

(5)

قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (ص: 220): أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة ابْن الْمسيب قَالَ أَظُنهُ عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ حَدِيث غَرِيب، وَقَالَ ابْن النُّعْمَان حَدِيث حسن.

وقال الألباني في الضعيفة (1/ 382):

إن الحديث ذكره السخاوي في مكان آخر - يعني =

ص: 552

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفر له ذنوب ثمانين سنة" قيل: يا رسول اللّه: كيف الصلاة عليك، قال:"يقول: اللهم صلى على عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي" وتعقد واحدة؛ قال الشيخ أبو عبد اللّه بن النعمان

(1)

: أنه حديث حسن، أ. هـ، قاله الكمال

(2)

. وعليه، فيستحب الإكثار من الصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وليلتها كما رواه أبو نعيم في الحلية عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة جاء يوم القيامة ومعه نور، ولو قسم ذلك النور بين الخلق كلهم لوسعهم"

(3)

أ. هـ، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وفيه خمس خلال: خلق اللّه فيه آدم، وأهبط اللّه فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفي آدم" الحديث، وفيه: تقوم الساعة، وفيه: أهبط آدم إلى الأرض، أي: بوعد ربه حيث قال سبحانه: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}

= كتابه في القول البديع - (ص 147) من رواية الدارقطني يعني عن أبي هريرة مرفوعًا، ثم قال: وحسنه العراقي، ومن قبله أبو عبد الله بن النعمان، ويحتاج إلى نظر.

(1)

وفي كشف الخفاء ط القدسي (1/ 167): وهو حسن كما قاله العراقي. وقاله أيضا ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (2/ 478) وكذلك الشربيني في مغني المحتاج (1/ 565).

(2)

النجم الوهاج (2/ 498 - 499).

(3)

أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 47) وقال: غريب. وانظر تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (1/ 446). نقل احد الإخوة في الشاملة (إرشيف أهل الحديث): قال عنه العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز: هو من كذب الكذابين.

ص: 553

فلما سبق الوعد به حققه له في ذلك اليوم وهو فضل عظيم

(1)

.

فإن قيل: فقد جعل لمحمد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، قلنا: يكون ذلك أيضًا فضلا مشتركا مع يوم الجمعة، ويبقى ليوم الجمعة فضله الذي أعطاه اللّه زائدا على سائر أيام الجمعة

(2)

.

قوله: "وفيه تقوم الساعة"، فلأن يوم القيامة أفضل الأيام فجعل اللّه قدومه في أفضل الأوقات، وكان يوما مخصوصا بالفضل خصه اللّه بصلاة الجمعة لأن اللّه تعالى جمع فيه الصلاة عبادات الملائكة كلهم، إذ منهم قائم لا يبرح في قيامه وراكع كذلك وساجد كذلك، فجمع اللّه لبني آدم عبادات الملائكة في عبادة واحدة

(3)

؛ وقد جاء في الحديث: "إنَّ الْعَبْدَ إذَا نَامَ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللّهُ بِهِ مَلَاِئكَتَهُ، يَقُولُ: يَا مَلاِئكَتِي، انظروا عَبْدِي، رُوحُهُ عِنْدِي، وَبَدَنُهُ فِي طَاعَتِي"

(4)

أ. هـ.

فأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن خلق آدم كان يوم الجمعة، وأمر اللّه تعالى الملائكة بالسجود لآدم قبل أن يدخل الجنة في يوم الجمعة بعد الظهر، واستمروا ساجدين إلى العصر، فصار ذلك وقتا للصلاة، قاله الكسائي

(5)

، وصار أول

(1)

أحكام القرآن (3/ 172) لابن العربي.

(2)

أحكام القرآن (3/ 172) لابن العربي.

(3)

أحكام القرآن (3/ 172 - 173) لابن العربي.

(4)

الزهد والرقائق لابن المبارك والزهد لنعيم بن حماد (1213) تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي (299) أمالي ابن سمعون الواعظ (59) فوائد تمام (1670) سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (953).

(5)

قصص الأنبياء (ص 27) للكسائى.

ص: 554

وقت إجابة الدعاء، قال الثعلبي في قصص الأنبياء

(1)

: وأكثر العلماء ذهبوا إلى أن المأمورين بالسجود جماعة من الملائكة لا كل الملائكة، وأول من سجد من الملائكة إسرافيل، ولذلك جوزي بولاية اللوح المحفوظ، قاله محمد بن الحسن النقاش

(2)

، وفيه: أهبط اللّه آدم يعني من الجنة، قال سُليم الرازي في الغربيين

(3)

، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "دخل أبونا آدم الجنة بعد العصر، وأهبط منها قبل غروب الشمس، وعاش أبونا آدم ألف سنة، وفي يوم الجمعة تِيب على آدم عليه السلام

(4)

، يعني: من خطيئته، وهذا ثابت قد نطق به التنزيل الذي لا يجوز عليه التحريف والتبديل، ولكن ليس في القرآن أن ذلك كان يوم الجمعة

(5)

، وهذا من لفظ الحديث لأنه مُبين لكتاب اللّه مفسر له، وقال يحيى بن آدم: لا يحتاج مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد، وإنما كان

(1)

عرائس المجالس (ص 31 - 32).

(2)

نقله ابن حجر في فتح الباري (6/ 308). وذكره النجاد في الرد على من يقول القرآن مخلوق (73) عن عبد العزيز بن هلال بلفظ: بلغني أن أول من سجد من الملائكة يعني لآدم إسرافيل فأثابه الله عز وجل أن كتب القرآن في جبهته.

(3)

هو: أبو الفتح سُليم بن أيوب الرازي (ت:447 هـ)، وقد سكن الشام مرابطا محتسبا لنشر العلم والسنة والتأليف (تاريخ الإسلام 9/ 694). له كتاب: تقريب الغريبين اختصر فيه كتاب الغريبين (طبع في 6 مجلدات من دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الهند) لأحمد بن محمد الهروي. الجزء الأول من هذا الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم 1017 تفسير، يبتدئ بحرف الهمزة وينتهي بحرف الصاد (198 ورقة). انظر: فهرسة ابن خير الإشبيلي ط. دار الغرب (ص: 245)، وفتح المغيث للسخاوي (4/ 29).

(4)

لم نقف عليه مسندا، ينظر: تفسير ابن كثير (1/ 237).

(5)

التمهيد (23/ 40).

ص: 555

يقال سنة النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بكر وعمر ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عليها

(1)

واللّه جلت قدرته قد شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم شرائع لم يبينها في كتابه منها: رجم الزاني المحصن وتحريم أكل ذي ناب من السباع وأشباه ذلك، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"أوتيت الكتاب ومثله معه"

(2)

ومعناه: من السنن التي شرعها اللّه تعالى علي معه، أ. هـ، قاله في العلم المشهور

(3)

.

في يوم الجمعة: توفي آدم عليه السلام وفي يوم الجمعة تقوم الساعة، الساعة: هو يوم القيامة، والساعة في الأصل: تطلق بمعنيين، أحدهما: أن يكون عبارة عن جزء من أربعة وعشرين جزءا وهي مجموع اليوم والليلة؛ والثاني: أن تكون عبارة عن جزء قليل من النهار أو الليل، يقال: جلست عندك جماعة من النهار، أي: وقتا قليلا منه، ثم استعير لاسم يوم القيامة

(4)

: قال الزجاج

(5)

: معنى الساعة في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة، يريد: أنها ساعة حقيقية يحدث فيها أمر عظيم، فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سماها ساعة

(6)

، واللّه أعلم.

(1)

معرفة علوم الحديث للحاكم (ص: 84) والفقيه والمتفقه (ص 537).

(2)

أبو داود (4604) واحمد في المسند (17174) والطبراني في الشاميين (1061)، والبيهقي في دلائل النبوة 6/ 549، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 89، وصححه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الألباني (ص: 171).

(3)

العلم المشهور (163).

(4)

النهاية (2/ 422).

(5)

معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 421).

(6)

النهاية (2/ 422).

ص: 556

لطيفة: عن كعب أنه رأى رجلا يظلم رجلا يوم الجمعة فقال: ويحك تظلم رجلا يوم القيامة، والقيامة تقوم يوم الجمعة!

(1)

، ففيه من الفقه دليل على إباحة الحديث عما يكون ويأتي، وهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه عز وجل مما كان فيه عن الأنبياء الذين يجوز عليهم إدراك بعضه من جهة الرسالة، قال اللّه عز وجل:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} وقيام الساعة من الغيب الذي لم يطلع عليه أحد، ونحن الذين ثبت عندنا بما حدثنا العدول عن نبينا أن الساعة تقوم يوم الجمعة فلم يعلم نبينا وسيدنا وشفيعنا ولا نحن أي جمعة هي، وقد سأله الروح الأمين جبريل عن الساعة بمحضر أصحابه، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"ما المسئول عنها بأعلم من السائل"

(2)

وقد قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي}

(3)

وقال تعالى جل من قائل: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً}

(4)

(5)

وسميت ساعة لأنها، لم تعرف العرب في المدد أقصر من الساعة، وكانت عندهم عبارة عن أقصر جزء من الزمن

(6)

، ذكره صاحب "العلم المشهور"، فيه: ساعة الإجابة، وسيأتي الكلام على ساعة الإجابة إن شاء اللّه تعالى قريبا.

(1)

النهاية (5/ 124)، ولسان العرب (2/ 628)، ومجمع بحار الأنوار (4/ 794).

(2)

مسلم (8).

(3)

سورة الأعراف، الآية:187.

(4)

سورة الأعراف، الآية:187.

(5)

التمهيد (23/ 40 - 41).

(6)

مطالع الأنوار (5/ 524).

ص: 557

قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة"، الإشفاق: الخوف، يقال: أشفقت أشفق إشفاقا، وهي اللغة العالية، وحكى ابن دريد

(1)

: شفقت أشفق شفقًا، قاله في النهاية

(2)

، واللّه أعلم.

1039 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه. قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم خير يَوْم طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق اللّه آدم وَفِيه أَدخل الْجنَّة وَفِيه أخرج مِنْهَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(3)

.

وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَلَفظه قَالَ مَا طلعت الشَّمْس وَلا غربت على يَوْم خير من يَوْم الْجُمُعَة هدَانَا اللّه لَهُ وضل النَّاس عَنهُ فَالنَّاس لنا فِيهِ تبع فَهُوَ لنا وَالْيَهُود يَوْم السبت وَالنَّصَارَى يَوْم الأحَد إِن فِيهِ لساعة لا يُوَافِقهَا مُؤمن يُصَلِّي يسْأَل اللّه شَيْئا إِلَا أعطَاهُ فَذكر الحَدِيث

(4)

.

قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة" وهذا على الإطلاق والعموم، وفيه من الفقه: دليل على أن الأيام بعضها أفضل من بعض،

(1)

وحكاه عنه ابن منظور في لسان العرب (10/ 180).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 487).

(3)

مسلم (854)، وأبو داود (1046)، والترمذي (488)، والنسائي (3/ 89)، وفي الكبرى (1662)، وأحمد (9207).

(4)

ابن خزيمة (1726)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (697).

ص: 558

والفضائل لا تدرك بقياس ولا تعرف إلا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم

(1)

، قاله في "العلم المشهور"

(2)

.

وقال القرطبي

(3)

في قوله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة" معناه: أن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت شمسه، ثم كون الجمعة أفضل الأيام لا يرجع ذلك إلى عين اليوم لأن الأيام متساوية في أنفسها، وإنما يفضل بعضها بعضًا بما يختص به من أمر زائد على نفسه، ويوم الجمعة قد خص من جنس العبادات بهذه الصلاة المعهودة يجتمع لها الناس وتتفق هِمَمُهم ودواعيهم ودعواتهم فيها، ويكون حالهم فيها كحالهم في يوم عرفة فيستجاب لبعضهم في بعض ويغفر لبعضهم ببعض، ولذلك قال عليه السلام:"الجمعة حج المساكين"

(4)

، أي: يحصل لهم ما يحصل لأهل عرفة، ثم إن الملائكة يشهدونهم ويكتبون ثوابهم، لذلك سمي هذا اليوم: بيوم مشهود، ثم تحصل لقلوب العارفين فيه من الألطاف، والزيادات بحسب ما يدركونه من ذلك، ولذلك سمى بيوم المزيد، ثم إن اللّه تعالى قد خصه بالساعة التي فيه، وخصه بأن أوقع فيه هذه الأمور العظيمة، وهي خلق آدم الذي هو أصل البشر، ومن ولده الأنبياء والأولياء والصالحون، ومنها: إخراجه

(1)

هذا كلام ابن عبد البر في التمهيد (19/ 18).

(2)

العلم المشهور (163).

(3)

المفهم (2/ 489 - 491).

(4)

سبق تخريجه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2659).

ص: 559

من الجنة الذي حصل عند إظهار معرفة الله تعالى وعبادته في هذا النوع الآدمي؛ ومنها: توبة الله عليه التي بها ظهر لطفه تعالى ورحمته لهذا النوع الآدمي مع إجترامه ومخالفته؛ ومنها: موته الذي وصل به إلى مأمنه ورجع إلى المستقر الذي خرج منه، ومن فهم هذه المعاني فهم فضيلة هذا اليوم وخصوصيته بذلك فحافظ عليه وبادر إليه

(1)

، أ. هـ، قاله في الديباجة

(2)

.

قوله: "فيه خلق آدم"، فأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن خلق آدم كان يوم الجمعة يعني جمع فيه خلقه ونفخ فيه الروح، وهذا فَضْلٌ بَيِّن.

قوله: "وفيه دخل الجنة، وفيه الخروج منها" الحديث.

فائدة: وكان خروج آدم من الجنة خروج كرامة لا خروج طرد وندامة، أخرجه الله تعالى ليجعله خليفة في الأرض كما وعده لقوله تعالى {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} ، وقيل: إخراجه ليميز من أولاده الخبيث من الطيب، فإنهم لو ولدوا كلهم في الجنة لم يخرج منها أحد، واللّه أعلم.

قال القاضي عياض

(3)

رحمه اللّه تعالى: الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلة يوم الجمعة لأن إخراج آدم عليه السلام وقيام الساعة لا يُعَدُ فضيلة، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة اللّه، ودفع نقمه، هذا كلام القاضي.

(1)

هذا كله كلام القرطبى في المفهم (2/ 490 - 491).

(2)

كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه لم يطبع.

(3)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 247)

ص: 560

وقال أبو بكر بن العربي في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي

(1)

: الجميع من الفضائل وخروج آدم من الجنة هو سبب وجود الذرية، وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأنبياء، ولم يخرج منها طردا بل لقضاء أوطار ثم يعود إليها، وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم؛ لأن قيام الساعة وهو يوم القيامة أفضل الأيام فجعل اللّه قدومه من أفضل الأوقات، وكان يومًا مخصوصًا بالفضل، خصه اللّه تعالى لأن اللّه تعالى جمع في الصلاة عبادات الملائكة كلهم إذ منهم قائم لا يبرح في قيامه وراكع كذلك وساجد كذلك، فجمع اللّه تعالى لبني آدم عبادات الملائكة في عبادة واحدة، وقد جاء في الحديث:"إذا نام في سجوده باهى اللّه به ملائكته فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي روحه عندي وبدنه في طاعتي"

(2)

أ. هـ.

وفي هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام، وفيه: دليل لمسألة غريبة حسنة، وهي: لو قال لزوجته أنت طالق في أفضل الأيام، وفيه: وجهان لأصحابنا، أصحهما: تطلق يوم عرفة، والثاني: يوم الجمعة، لهذا الحديث؛ وهذا إذا لم يكن له نية، فأما إذا أراد أفضل أيام السنة فيتعين يوم عرفة، وإن أراد أفضل أيام الأسبوع فيتعين الجمعة، ولو قال: أفضل ليلة

(1)

انظر: (2/ 25)، وشرح النووي على مسلم (6/ 142).

(2)

سبق تخريجه. وقال ابن العربي في القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (1/ 137): وهذا ضعيف لا أصل له، وذكر هذا الكلام أيضًا في أحكام القرآن (3/ 173).

ص: 561

تعينت ليلة القدر، وهي عند أصحابنا والجمهور منحصرة في العشر الأواخر من لثمهر رمضان، فإن كان هذا القول قبل مضي ليلة من العشر طلقت في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر، وإن كان بعد مضي ليلة من العشر أو أكثر لم تطلق إلا في أول جزء من مثل تلك الليلة من السنة الثانية؛ وعلى قول من يقول: هي منتقلة لا تَطْلُق إلا في أول جزء من الليلة الأخيرة من الشهر

(1)

، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن خزيمة: "ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة" المشهور من مذهب الإمام الشافعي

(2)

: أن أفضل أيام السنة يوم عرفة، وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة على أن يوم الجمعة أفضل من عامة الأيام لا أنه أفضل من كل فرد فرد، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "هدانا الله له، وضل عنه الناس، فالناس لنا فيه تبع"، التبع: جمع التابع، كالخدم والخادم.

قوله: "فهو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد" الحديث، اختلف العلماء في أي يوم ابتدأ اللّه عز وجل، خلق السموات والأرض على ثلاثة أقوال:

(1)

انظر: شرح النووي على مسلم (6/ 142).

(2)

ينظر: المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية (ص: 176) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 535) حاشية الصاوي على الشرح الصغير= بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 493).

ص: 562

القول الأول: يوم السبت لما روى عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق اللّه عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة أخر الخلق في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما بين العصر إلى الليل"، هذا قول صحيح لا قول فيه ولا مقال، أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب القيامة والجنة والنار

(1)

، و"خُلِقَ المكروهُ يوم الثَّلاثاءِ، وخُلِقَ النُّورُ يومَ الأرْبعاء" قال في النهاية

(2)

، أَرادَ بالمَكْرُوهِ ههنا الشرَّ لقوله "وخلق النور يوم الأربعاء" والنور خيرًا، وإنما سمي الشر مكروهًا لأنه ضد المحبوب، أ. هـ.

القول الثاني: يوم الأحد، قال ابن حبيب: قال ابن عباس

(3)

وغيره: ابتدأ اللّه عز وجل خلق الخلق يوم الأحد وفرغ منه كله يوم الجمعة، فاشتق جميع ما خلق من عظمته ومن تصاريف قدرته، كما قال تعالى في محكم تنزيله:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}

(4)

يعني: أن

(1)

أخرجه مسلم (2789).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 169).

(3)

انظر تاريخ الطبرى (1/ 45) وهو قول ابن سلام وكعب الأحبار كما في تاريخ الطبرى (1/ 44).

(4)

سورة الجاثية، الآية:13.

ص: 563

جميع ما خلق مبدؤه ومنشؤه منه عز وجل، وما رواه ابن عباس أن اليهود سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن خلق السموات والأرض فقال: أن اللّه تعالى ابتدأ خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين

(1)

؛ قال الطبري: هذا أولى الأقوال، واللّه أعلم.

القول الثالث: يوم الاثنين، قال ابن إسحاق

(2)

: وهو قول أهل الإنجيل، قال ابن الجوزي

(3)

: القول الأول هو الصحيح، لمكان الحديث الوارد، وكيف يقدم على حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قول غيره وفرغ اللّه تعالى من جميع ما خلق في الأرض في السموات يوم الجمعة فجميع ما خلق اللّه تعالى من خلقه الذي أسكنه في أرضه وسمائه من ستة أشياء من التراب والماء والنور، فخلق الملائكة والشمس والقمر، وكل ما خلق اللّه في السموات من النور وخلق كل ما دب على الأرض أربع أو على رجلين من الثرى وخلق كل ما جار في تراب الماء وحيتانه من الماء، فلذلك سمي يوم الجمعة لأن اللّه تعالى فيه جمع خلقه وأتم فيه أمره، وكان آخر ما يخلق من خلقه آدم وزوجته حواء عليهما السلام، فذلك قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}

(4)

يعني الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس

(1)

انظر: تاريخ الطبرى (1/ 45) والعظمة لأبى الشيخ (878 و 879 و 881 و 883).

(2)

ينظر: تاريخ الطبري (1/ 44).

(3)

انظر: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/ 124).

(4)

سورة يونس، الآية:3.

ص: 564

والجمعة، وهي من الأيام التي قال اللّه تعالى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}

(1)

ثم استوي على العرش يوم الجمعة حين فرغ من خلقه كله، ثم أخذ يوم السبت في تحميده وتمجيده، أ. هـ، قاله ابن الفرات الحنفي تاريخه

(2)

.

تنبيه: فالقرآن يدل على أَن خلق الْأَشيَاء فِي ستَّة أَيَّام، وَهَذَا الحَدِيث يدل على أَنَّهَا فِي سَبْعَة.

فالجواب: أَن السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا خلق فِي ستَّة أَيَّام، وَخلق آدم من الأَرْض، وَالْأُصُول خلقت فِي سِتَّة، وآدَم كالفرع من بَعْضهَا

(3)

.

ففي هذا الحديث الصحيح علوم جمة، منها: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين أن أول الأيام التي خلق فيها الخلق السبت، فآخر الأيام الستة إذا الخميس، فالجمعة سابع وهو وتر، واللّه يحب الوتر لأنه من أسمائه على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوتر الذي لا شفع له من جنسه ولا من غير جنسه، فهدى اللّه له هذه الأمة، وكان اليهود إنما اختاروا السبت كأنهم اعتقدوه اليوم السابع، ثم زادوا في كفرهم أن الله استراح فيه، حكى ذلك عنهم جماعة منهم ابن قتيبة في المعارف

(4)

، وكذبوا، قال اللّه العظيم جل ثناؤه: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ

(1)

سورة الحج، الآية:47.

(2)

ينظر: البداية والنهاية (1/ 16)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (1/ 124).

(3)

كشف المشكل (3/ 580).

(4)

المعارف (1/ 11).

ص: 565

لُغُوبٍ}

(1)

لأن أول بدء الخلق عندهم الأحد، وآخر الستة الأيام التي خلق فيها الخلق الجمعة، وهو أيضًا مذهب النصارى فاختاروا الأحد لأنه أول الأيام بزعمهم، وَقَدْ شهِدَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على الفريقين بإضلال اليوم

(2)

، وقد هدى الله له هذه الأمة لفضل نبيها محمد عليه أفضل الصلاة وأشرف التسليم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن فيه لساعة لا يوافقها مؤمن يصلي يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه" الحديث، سيأتي الكلام على ساعة الإجابة قريبا إن شاء اللّه تعالى.

1040 -

وَعَن أَوْس بن أَوْس رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن من أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة فِيهِ خلق اللّه آدم وَفِيه قبض وَفِيه النفخة وَفِيه الصعقة فَأَكْثرُوا من الصَّلَاة عَليّ فِيهِ فَإِن صَلَاتكُمْ يَوْم الْجُمُعَة معروضة عَليّ قَالُوا وَكَيف تعرض صَلَاتنَا عَلَيْك وَقد أرمت أَي بليت فَقَالَ إِن اللّه عز وجل وَعلا حرم على الأرْض أَن تَأْكُل أجسامنا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَهُوَ أتم وَله عِلّة دقيقة امتاز إِلَيْهَا البُخَارِيّ وَغَيره لَيْسَ هَذَا موضعهَا وَقد جمعت طرقه فِي جُزْء

(3)

.

(1)

سورة ق، الآية:38.

(2)

انظر الروض الأنف (4/ 57).

(3)

أخرجه أبو داود (1047)، والنسائي في الكبرى (1666)، وابن ماجه (1085)، وابن حبان (910)، وأحمد (16162)، وابن خزيمة (1733)، والدارمي (1613)، والطبراني في الكبر (589)، والحاكم (1/ 278)، والبيهقي (3/ 248)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه أيضا الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (698).

ص: 566

"أرمت": بِفَتْح الرَّاء وَسكُون الْمِيم أَي صرت رميما وَرُوِيَ أرمت بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم.

قوله: وعن أوس بن أوس الثقفي، تقدم الكلام على أوس بن أوس قريبًا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه: خلق آدم، وفيه: قُبض، وفيه: النفخة، وفيه: الصعقة" فيوم الجمعة خير أيام الأسبوع.

قوله: "وفيه: النفخة"، أي: النفخة الثانية.

قوله: "وفيه: الصعقة" وهي: الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله

(1)

، والمراد بها النفخة الأولى، وقيل: هي صعقة موسى عليه السلام، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا في كتاب البعث وأهوال القيامة.

فيوم الجمعة خير أيام الأسبوع، وعرفة خير أيام السنة، وخص بعظائم الأمور التي منها مبدأ النوع الإنساني وتكريمه بالجنة، وإخراجه إلى دار التشريف بخطاب التكليف، قاله في حدائق الأولياء

(2)

، وروى فيه كعب الأحبار: سبعة أشياء: خلق آدم وإدخاله الجنة وإخراجه منها والتوبة عليه وقيام الساعة وبعث موسى وإخراج يوسف من السجن، ذكره في حدائق الأولياء

(3)

.

تنبيه: في يوم الجمعة سبع فضائل، أولها: أن من حضر فيه إملاك رجل مسلم كان كمن صام يوما في سبيل اللّه، واليوم بسبعمائة، ثانيها: أنه أفضل من

(1)

تحفة الأبرار (1/ 385).

(2)

ينظر: حدائق الأولياء لعمر بن الملقن سراج الدين (2/ 93) فصل في يوم الجمعة وفضائله.

(3)

حدائق الأولياء (2/ 94).

ص: 567

يوم عرفة في وجه؛ ثالثها: أن ليلته أفضل من ليلة القدر في رواية عن أحمد؛ رابعها: أن صلاته أحب إلى ابن عباس وسعيد بن جبير من حج التطوع فيما رواه عنهما ابن عساكر بإسناده

(1)

؛ خامسها: أن من مات فيه أو في ليلته وُقِيَ فتنة القبر وعذابه ولقي اللّه لا حساب عليه واعتق من النار؛ سادسها: أن من صلى فيه على رسول اللّه ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة؛ سابعها: أن فيه ساعة الإجابة، وفيها سبعة وعشرون قولًا

(2)

، وسيأتي الكلام على بعض هذه الأقوال، والحكمة في إخفاء هذه الساعة ليشتغل الناس بالعبادة في جميع يوم الجمعة رجاء أن يوافق دعاؤهم تلك الساعة كما في إخفاء ليلة القدر

(3)

، واللّه تعالى أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فأكثروا عليّ من الصلاة فيه"، قال الشيخ تاج الدين عمر بن الفاكهانى، روى ابن وهب بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سلم عليّ عشرًا فكأنما أعتق رقبة"

(4)

، قال: قلت: ومن أعتق رقبة أعتق اللّه بكل عضو منها

(1)

لم أجده في التاريخ.

(2)

حدائق الأولياء (2/ 93 - 94).

(3)

المفاتيح (2/ 315).

(4)

ينظر: مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا (1085). وقال القاري في شرحه للشفاء (2/ 139): وروى ابن وهب بسند منقطع. وقد روي بلفظ: "من سلم علي عشرًا من المسلمين فكأنما أعتق رقبة، فإن مات من يومه وجبت له الجنة". أخرجه ابن شاهين في الترغيب (489) والدارقطني في المؤتلف والمختلف (1/ 141) عن ابن عمر. قال الدارقطني لم يسنده غير أحمد (يعنى ابن عبد الرحمن بن وهب) عن عمه، عن عمرو.

ص: 568

عضوًا منه من النار حتى الفرج بالفرج، كما ثبت في الحديث؛ وعن أبي بكر الصديق:"أن الصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمحق للذنوب من الماء البارد للنار، والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عتق الرقاب"

(1)

.

فإن قلت: وإنما كان أفضل من عتق الرقاب، واللّه أعلم؛ إن عتق الرقاب في مقابلة العتق من النار ودخول الجنة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في مقابلته سلام اللّه تعالى، وسلام اللّه تعالى أفضل من ألف حسنة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن صلاتكم معروضة عليّ"، ومعنى معروضة عليّ: موصلة إلى توصل الهدايا، وقد كان أشد الناس مكافأة، فماذا يكافئ، هكذا ذكره في الحدائق

(2)

، وقال صاحب "العلم المشهور": فهذا من شرف المصلي عليه صلوات اللّه وسلامه عليه، وإنما تعرض على روحه المقدس.

قوله [صلى الله عليه وسلم]: (وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ أَرَمْتَ)، قد ضبطه الحافظ وفسره، فقال

(3)

: بفتح الراء وسكون الميم أو صرت رميما، وروي (أرمت) بضم الهمزة وكسر الراء، وقال بعض العلماء: - لعله الكرماني - وَقَدْ أَرَمْتَ بِوَزْنِ ضَرَبْتَ، أَصْلُهُ أَرْمَمْتَ، فَحَذَفُوا أَحَدَ الْمِيمَيْنِ كَمَا قَالُوا

(1)

بستان الواعظين (ص: 306) لابن الجوزى، ونزهة المجالس ومنتخب النفائس (2/ 87) للصفوي، ولم نجده مسندًا.

(2)

حدائق الأولياء (1/ 19).

(3)

أى المنذرى.

ص: 569

أَحَسْتُ في أَحْسَست

(1)

، وقيل: يجوز أن يكون أرمت بضم الهمزة بوزن أمرت من قولهم: أَرَمِت الْإِبِلُ تَأرِمُ إِذَا تناَوَلَت العَلَف وقَلعَتْه مِنَ الْأَرْضِ

(2)

" قُلْتُ: أَصْلُ هَذ الْكَلِمَةِ مِنْ رَمَّ الميّتُ، وأَرَمَّ إِذَا بَلِيَ. والرِّمَّةُ: العظْمُ البالِي، وَالْفِعْلُ الْمَاضِي مِنْ أَرَمَّ لِلْمُتكلِّمِ والمُخاطب أَرْمَمْتُ

(3)

، أ. هـ؛ وَحكى فِيهِ ابْن دحْيَة فتح الْهمزَة وَكسر الرَّاء من قَوْلهم أرمت الْإِبِل

(4)

، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه عز وجل حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء"، وفي رواية:"حرم على الأرض أن تأكل أجسادنا"

(5)

، وعن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أكثروا عليّ من الصلاة يوم الجمعة، فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدًا لن يصلي عليّ إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها" قال: قلت: وبعد الموت، قال:"وبعد الموت"، "إن اللّه حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فنبي الله حي يرزق"

(6)

، قال الشيخ تاج الدين عمر بن

(1)

قاله العينى كما في شرح أبي داود (4/ 366) وسبقه ابن الأثير في النهاية (2/ 266).

(2)

شرح أبي داود (4/ 366) وانظر النهاية (2/ 266).

(3)

النهاية (2/ 266).

(4)

انظر: سلاح المؤمن في الدعاء (ص: 44) وكشف المناهج (1/ 501).

(5)

سبق تخريجه.

(6)

ابن ماجه (1637) والمزي في ترجمة زيد بن أيمن من تهذيب الكمال 10/ 23، والحديث ضعفه الالباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته (1116) وكذا ابن كثير كما في: الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره (651).

وقال في البداية (8/ 164): وَهَذَا مِنْ أَفْرَادِ ابْنِ مَاجَهْ رحمه الله. قال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 545): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع في موضعين: عبادة بن نسي =

ص: 570

الفاكهى: لكن ثبت بالإجماع أن الأرض لا تعدوا على أجساد الأنبياء، زاد بعضهم: العلماء والشهداء والمؤذنين، وذكره السهيلي في شرح سيرة ابن هشام

(1)

، فقال: وهي زيادة غريبة لم تقع في مسند، ذكرها أبو جعفر الداوودي في "كتاب الناس"، قال: والداوودي من أهل الثقة والعلم.

وفي المسند من طريق أنس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: الأنبياء أحياء يصلون في قبورهم

(2)

انفرد به ثابت البناني عن أنس

(3)

، والبُناني: بضم الباء منسوب إلى بنانة قبيلة معروفة، وَقَدْ رُوِيَ أَنّ ثَابِتًا اُلْتُمِسَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَمَا دُفِنَ فَلَمْ يُوجَدْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَبِنْتِهِ. فَقَالَتْ كَانَ يُصَلّي فَلَمْ تَرَوْهُ لِأَنّي كُنْت أَسْمَعُهُ إذَا تَهَجّدَ بِاللّيْلِ يَقُولُ "اللهُمّ اجْعَلْنِي مِمّنْ يُصَلّي فِي قَبْرِهِ بَعْدَ

= روايته عن أبي الدرداء مرسلة، قاله العلائي؛ وزيد بن أيمن عن عبادة بن نسي مرسلة، قاله البخاري. ا. هـ. وعليه فتجويد المنذري سنده غير جيد. وقال العراقي: إن إسناده لا يصح. القول البديع (ص 164). راجع التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 535) فيه كلام نفيس. يُنظر: [التاريخ الكبير (3/ 387)، جامع التحصيل (ص 206)، تحفة التحصيل (ص 139، 228)، إرواء الغليل (1/ 35). وحياة الأنبياء للبيهقي.

(1)

ذكره السهيلى في الروض الأنف (1/ 115).

(2)

أخرجه البزار (6391) و (6888)، وأبو يعلى (3425)، وتمّام في الفوائد (58) والبيهقي في البعث (1 و 2). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا تابع الحسن بن قتيبة على روايته عن حماد وإنما يروى، عن أنس من حديث ثابت وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت موسى يصلي في قبره. وقال الدارقطني كما في الأطراف: تفرد به المستلم بن سعيد عن حجاج الأسود عن ثابت. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 211: رواه أبو يعلى والبزار، ورجال أبي يعلى ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (621).

(3)

إلى هنا انتهى كلام السهيلى في الروض الأنف (1/ 115).

ص: 571

الْمَوْتِ"

(1)

؛ وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مررت بموسى صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في قبره"

(2)

، ذكر ذلك كله في الروض الأنف

(3)

على السيرة المذكورة.

سؤال: ما الحكمة في أن اللّه تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وأجساد الشهداء؟ قيل: لأن التراب يمر على جسد الإنسان فيطهره، والأنبياء لا ذنوب لهم فلم يحتاجوا إلى تطهير أجسادهم بالتراب، وكذلك الشهداء، ولهذا لم يحتج الشهيد إلى الصلاة عليه لأنه مغفور له

(4)

.

حكاية تتعلق بهذا الحديث ذكرها الشيخ تقي الدين الحصني في كتابه سير السلوك

(5)

: قال سفيان الثوري رحمة اللّه عليه

(6)

: بينا أنا أطوف يعني بالكعبة وإذا أنا برجل لا يرفع قدما ولا يضع قدما أخرى إلا وهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا هذا إنك تركت التسبيح والتهليل وأقبلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فهل عندك من هذا شيء، قال: من أنت عافاك اللّه، قلت: أنا سفيان الثوري، فقال: لولا أنك غريب في أهل زمانك لما أخبرتك عن حالي ولا اطلعت

(1)

هَذَا وَمَا قبله لَا يصح نقلا، وَلَا مَعَ الْعقل الصَّرِيح، إِنَّمَا هُوَ خرافات يُرَاد بهَا ربط النَّاس بالموتى، لَا بالحي القيوم.

(2)

أخرجه مسلم (2375)(165).

(3)

الروض الأنف (1/ 212 - 213).

(4)

كشف الأسرار (14).

(5)

لم نقف عليه.

(6)

ينظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (6/ 371) سير أعلام النبلاء للذهبي (13/ 263) تهذيب الكمال للمزي (11/ 167) الوافي بالوفيات (5/ 89).

ص: 572

على سيرتي، ثم قال: خرجت أنا ووالدي حاجين إلى بيت اللّه عز وجل الحرام حتى إذا كنت في بعض المنازل مرض والدي فعالجته، فلما مات اسود وجهه، فقلت: إنا للّه وإنا إليه راجعون، وغطيت وجهه ثم غلبتني عيناي فنمت، فإذا أنا برجل لم أر أجمل منه ولا أنظف ثوبًا منه ولا أطيب ريحًا منه، فدنا من والدي وكشف عن وجهه وأمرّ يده عليه فعاد وجهه أبيض، ثم ذهب، فتعلقت بثوبه، وقلت له: يا عبد اللّه، من أنت الذي من اللّه عز وجل بك عليّ وعلى والدي في دار الغربة، فقال: أما تعرفني، أنا محمد بن عبد اللّه صاحب القرآن، أما إن والدك كان مسرفا على نفسه ولكن كان كثير الصلاة عليّ، فلما نزل به ما نزل استغاث بي وأنا غياث من أكثر الصلاة علي، فانتبهت فإذا وجه والدي قد ابيض؛ فانظر وفقك اللّه عز وجل لإجلاله وتعظيمه كيف أغاث من استغاث به حتى في البرزخ

(1)

.

حكاية تتعلق بحديث أوس بن أوس المذكور، قال صاحب "العلم المشهور": وهو كتاب جليل في فضائل الشهور، قال مؤلفه ذو النسبين: وقرأت هذا الحديث - يعني حديث أوس في فضل الجمعة وفي الصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - بمدينة أصبهان في معجم الإمام أبي القاسم الطبراني، وعندي منه أصله في مائتين واحد وثلاثين جزءا يحتوي على ستين

(1)

ذكره السفيري في المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية صلى الله عليه وسلم من صحيح الإمام البخاري (1/ 80) والسمرقندي في تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين (ص: 410). وابن الجوزي في بستان الواعظين ص: 405 وقد ذكروها بدون إسناد، وهي غير ثابتة، وفيها محذور عقدي، فالاستغاثة بالنبي شرك، وبمثل هذه الحكاية وقع الشرك في الناس.

ص: 573

ألف حديث وهو أكبر مسانيد الدنيا قرأته كله، وفيه هذا الحديث على الشيخ محمد بن أحمد بن نصر سبط حسين بن مندة، وقد قارب التسعين، والطبراني من طبرية الشام مجمع على حفظه وفضله وعمله وديانته وتحفظه وإتقانه ورزانته وحلمه وحسن سيرته واشتغاله بنشر ما سمعه من أحاديث رسولى اللّه صلى الله عليه وسلم في المدائن والأمصار بعلو أسانيد الأخبار، ولد رضي الله عنه سنة ستين ومائتين، وتوفي يوم السبت، ودفن يوم الأحد لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة، وله مائة سنة، ودفن بباب جي بتيرة بجنب حُمَمَة بن أبي حُمَمَة صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم

(1)

.

1041 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لا تطلع الشَّمْس وَلا تغرب على أفضل من يَوْم الْجُمُعَة وَمَا من دَابَّة إِلَا وَهِي تفزع يَوْم الْجُمُعَة إِلَا هذَيْن الثقلَيْن الْجِنّ وَالإِنْس رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحهمَا

(2)

.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيره أطول من هَذَا وَقَالَ فِي آخِره: وَمَا من دَابَّة إِلَا وَهِي مُصِيخَةٌ يَوْم الْجُمُعَة من حِين تصبح حَتَّى تطلع الشَّمْس شفقا من السَّاعَة إِلَّا الإِنْس وَالْجِنّ

(3)

.

(1)

العلم المشهور (53) والآيات البينات (ص 259). انظر ترجمة الطبراني في سير أعلام النبلاء (16/ 119).

(2)

ابن خزيمة (1727)، وابن حبان (2770)، وأحمد (7687)، وعبد الرزاق (5563)، وعبد بن حميد (1443)، والبغوي في شرح السنة (1062)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (699).

(3)

أبو داود (1046)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (697).

ص: 574

"مصيخة": مَعْنَاهُ مستمعة مصغية تتَوَقَّع قيام السَّاعَة.

قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تطلع الشمس ولا تغرب على أفضل من يوم الجمعة" تقدم الكلام على ذلك، وفي الإحياء في فضل الجمعة

(1)

: يقال إن الطير والهوام يلقي بعضها بعضا في يوم الجمعة فيقول: سَلَام سَلَام، يَوْم صَالِح وهو كذلك في قوت القلوب أيضا، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَا وَهِي تَفْزَعُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، إِلَا هَذَيْنِ الثَّقَلَيْنِ، الْجِنِّ وَالإِنْسِ" وفي رواية أبي داود

(2)

وغيره: "وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الإنس والجن" تقدم معنى الإشفاق أنه الخوف مسيخة بالسين ومصيخة بالصاد، معناه: مصغية مستمعة تتوقع قيام الساعة، أ. هـ.

وقال في النهاية

(3)

: يروي بالصاد وهو الأصل، ومسيخة بالسين والياء آخر الحروف، والخاء المعجمة، يقال: أصاخ وأساخ بمعنى واحد، قال في "العلم المشهور": والدابة: هو اسم موضوع لكل ما دب، ثم غلب عليه عرف الاستعمال في نوع من الحيوان دون غيره، والإصاخة، أصل هذه الكلمة في اللغة الاستماع، والإصاخة في الحديث الكريم استماع حذر وإشفاق خشية

(1)

إحياء علوم الدين (1/ 178). والحديث أخرجه البيهقي في الشعب (8864).

(2)

وأبو داود (1046)، والترمذي (491) وقال: حديث حسن صحيح، وأحمد (10303)، وابن حبان (2772).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 433).

ص: 575

البغتة وعموم الموت الذي هو مر المذاق، وفي قوله: هذا دليل على أن الإنس والجن لا يعلمون من معنى الساعة ما يعرف غيرهم من الدواب

(1)

.

قال ابن عبد البر في كتاب التمهيد

(2)

: وهذا أمر تقصر عنه أفهامنا، ومن هذا الجنس من العلم لم يؤت الناس منه إلا قليلًا.

قال ذو النسبين: وقد نظرت في كتاب اللّه العظيم وحديث رسوله محمد الكريم فلاح لي السر في تخصيص الدواب دون غيرهم، فأقول واللّه الموفق للصواب، أما إصاخة البهائم توقيا للساعة التي في يوم الجمعة كما ثبت عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فإصاختها محمول على إلهام اللّه تعالى إياها في ذلك اليوم على ما جبلها عليه من توقيها لما يضرها وانقيادها لما ينفعها جبلة لا عقلا وإحساسا حيوانيًا لا إدراكا فهميا، وإليه أشار صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث: شفقا من الساعة، والشفق الخوف، وإذا جبل اللّه عز وجل النملة على حمل قوتها وإدخاره لزمن الشتاء محاذرة من مضرة تكون فيه على أجسامها، فجبلة البهيمة على الإصاخة لمحاذرة يوم تكون فيه الساعة المؤذنة بهلاكها وهلاك العالم أقرب وأولى، وهذا شيء لا يتكرر إلا يحمل بنظره في عجائب المصنوعات، ولم يطلع على حكمة اللّه تعالى في الموجودات، ولم يدر معنى قول خالق الأرض والسموات، ومن استقرأ أحوال الحيوانات رأى حكمة اللّه تعالى فيها لما سلبها العقل جعل لها حسا تفرق به بين الضار لها والنافع

(1)

العلم المشهور (164) والآيات البينات (ص 294) وكلاهما لابن دحية.

(2)

التمهيد (23/ 42) والاستذكار (2/ 44).

ص: 576

وجبلها على أشياء، وألهمها إياها لا توجد في الإنسان إلا بعد التعلم وتدقيق النظر، وقد ظهرت من البهائم الصنائع العجيبة والأفاعيل الغريبة، ولم يسلبها رب العالمين سوى العبارة عن ذلك والتلفظ به، ولو شاء أنطقها كما أنطق النملة في عهد سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام

(1)

.

سؤال: ما الحكمة في إصاخة الدواب في يوم الجمعة دون الإنس والجن؟

الجواب: وإنما لم تصخ الإنس والجن، قال بعضهم: لأجل عمارة الدنيا، وقال ذو النسبين: وإنما لم يسمع الإنس لحكمة وهو أنهم لو سمعوا صار الإيمان بالغيب مشاهدة، وذهب معنى التكليف، فتبليغ الصادق صلى الله عليه وسلم ينوب عن سماعنا، وهذه معانٍ لم أسبق إليها ولا هجمت من قبله الخواطر عليه

(2)

، واللّه أعلم، أ. هـ.

1042 -

وَعَن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم تحْشر الأَيَّام على هيئتها وتحشر الْجُمُعَة زهراء منيرة أَهلهَا يحفونَ بهَا كالعروس تهدى إِلَى خدرها تضيء لَهُم يَمْشُونَ فِي ضوئها ألوانهم كالثلج بَيَاضًا وريحهم كالمسك يَخُوضُونَ فِي جبال الكافور ينظر إِلَيْهِم الثَّقَلَان لا يطرقون تَعَجبا حَتَّى يدْخلُونَ الْجنَّة لا يخالطهم أحد إِلَّا المؤذنون المحتسبون، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقَالَ إِن صَحَّ هَذَا الْخَبَر فَإِن فِي النَّفس من هَذَا الإِسْنَاد شَيْئا

(3)

.

(1)

العلم المشهور (لوحة 165) والآيات البينات (ص 295 - 296) وكلاهما لابن دحية. وحياة الحيوان الكبرى للدميري (1/ 231).

(2)

المصدرين السابقين.

(3)

الطبراني في الكبير (2/ 164)، وفي مسند الشاميين (1557)، وابن خزيمية (1730)، =

ص: 577

قَالَ الْحَافِظ: إِسْنَاده حسن وَفِي مَتنه غرابة

(1)

.

قوله: وعن أبي موسى الأشعري، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تحشر الأيام على هيئتها وتحشر الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى خدرها" إلى قوله "ينظر إليهم الثقلان لا يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة" الثقلان في اللغة

(2)

: هما الإنس والجن، سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض، وقيل: لشرفهما وكل شريف يقال له ثقيل، وقيل: لأنهما مثقلان بالذنوب

(3)

، واللّه أعلم.

1043 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ إِن اللّه تبارك وتعالى لَيْسَ بتارك أحدا من الْمُسلمين يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا غفر لَهُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط مَرْفُوعا فِيمَا أرى بِإِسْنَاد حسن

(4)

.

= والحاكم (1/ 277)، والبيهقي في شعب الإيمان (3041)، قال الهيثمي في المجمع، عن الهيثم بن حميد، عن حفص بن غيلان وقد وثقهما قوم وضعفهما آخرون، وهما محتج بهما، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (700).

(1)

وقال الحافظ الدمياطي في المتجر الرابح (ص 151): حديثٌ غريبٌ، رواه ابن خزيمة بإسنادٍ حسن.

(2)

ينظر: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (4/ 1647) مجمل اللغة لابن فارس (ص: 160) لسان العرب (11/ 88) تاج العروس (28/ 156) المعجم الوسيط (1/ 98).

(3)

حياة الحيوان (1/ 260). وانظر كذلك: معالم التنزيل (4/ 231)، والجامع لأحكام القرآن (17/ 169).

(4)

الطبراني في الأوسط (4817)، وابن عدي في الكامل (7131)، قال الهيثمي (2/ 164)، رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني. وقال الألباني في ضعيف الجامع، (1652): موضوع.

ص: 578

قوله: وعن أنس بن مالك، تقدم الكلام على مناقبه، ومن بعض مناقبه أيضا ما روى البخاري من حديث أنس رضي الله عنه: قال: قالت أمي خادمك أنس، ادع له، قال:"اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أتيته"، قال أنس: إن مالي كثير وإن ولدي وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة، وما أعلم أحدًا من رخاء العيش أصاب مثل ما أصبت، ولقد دفنت يداي هاتان مائة من ولدي، لا أقول سقطا ولا ولد ولد

(1)

، قال ابن قتيبة في المعارف

(2)

: ثلاثة من أهل البصرة لم يموتوا حتى رأى كل واحد منهم مائة ذكر من صلبه: أنس بن مالك وأبو بكرة وخليفة بن بدر؛ روى البخاري في تاريخه

(3)

عن قتادة قال: لَمَّا مَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ مُوَرِّق:"ذَهَبَ اليَوْمَ نِصْفُ العِلْمِ". قِيلَ: "كَيْفَ ذَاكَ؟ " قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ، إِذَا خَالَفَنَا فِي الحَدِيثِ، قُلْنَا: تَعَالَ إِلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وتوفي أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، وتوفي سعيد بن المسيب بعد بسنتين مات سنة خمس وتسعين، ومناقبه كثيرة رضي الله عنه.

قوله: في آخر حديث أنس، رواه الطبراني في الأوسط

(4)

مرفوعا فيما أرى، أرى: بضم الهمزة أي أظن.

(1)

البخاري (6334) مختصرا، ومسلم (2481).

(2)

المعارف (1/ 308).

(3)

التاريخ الكبير (2/ 28). وأخرجه الطبراني في الكبير (719) وقال الهيثمي في المجمع (9/ 325): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

(4)

سبق تخريجه.

ص: 579

1044 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة رضي الله عنهما قَالا قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أضلّ اللّه تبارك وتعالى عَن الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا كَانَ للْيَهُود يَوْم السبت والأحد لِلنَّصَارَى فهم لنا تبع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة نَحن الآخرُونَ من أهل الدُّنْيَا والأولون يَوْم الْقِيَامَة المقضى لَهُم قبل الْخَلَائق رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَزَّار ورجالهما رجال الصَّحِيح إِلَا أَن الْبَزَّار قَالَ نَحن الآخرُونَ فِي الدُّنْيَا الأولونَ يَوْم الْقِيَامَة المغفور لَهُم قبل الْخَلَائق

(1)

، وَهُوَ فِي مُسلم بِنَحْوِ اللَّفْظ الأول من حَدِيث حُذَيْفَة وَحده

(2)

.

قوله: وعن أبي هريرة وحذيفة، تقدم الكلام عليهما رضي الله عنهما.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أضل اللّه تبارك وتعالى عن الجمعة من كان قبلنا". الضلال: ضد الهدى، ففيه دَلَالَة لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْهُدَى وَالْإِضْلَالَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ كُلَّهُ بِإِرَادَةِ اللّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِعْلُهُ خِلَافًا للمعتزلة.

قوله: "كَانَ للْيَهُود يَوْم السبت والأحد لِلنَّصَارَى فهم لنا تبع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة"، الحديث؛ قال الكرماني

(3)

: قيل معنى الاِخْتِلَاف فِيهِ أَنه فرض يَوْم للْجمع لِلْعِبَادَةِ، ووكل إِلَى اختيارهم فمالت الْيَهُود إِلَى السبت وَالنَّصَارَى إِلَى الْأَحَد، وهدانا اللّه إِلَى يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي هُوَ أفضل الْأَيَّام، أ. هـ.

(1)

أخرجه ابن ماجه (1084)، والبزار (617)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (701).

(2)

انظر: مسلم (856).

(3)

الكواكب الدراري (14/ 110).

ص: 580

ومعنى قوله: (كان لليهود يوم السبت) أي: كان عندهم يوم السبت وللنصارى الأحد، قال القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام

(1)

في قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ}

(2)

أي: في تعظيمه، وَرُوِيَ أَنَّ مُوسَى قَالَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ: تَفَرَّغُوا إلَى اللّهِ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فِي يَوْمٍ تَعْبُدُونَهُ، وَلَا تَعْمَلُونَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا؛ فَاخْتَارُوا يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَمَرَهُمْ مُوسَى بِالْجُمُعَةِ، فَأَبَوْا إلَّا السَّبْتَ، فَجَعَلَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ.

رُوِيَ أَنَّ عِيسَى أَمَرَ النَّصَارَى أَنْ يَتَّخِذُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِيدًا، فَقَالُوا: لَا يَكُونُ عِيدُنَا إلَّا بَعْدَ عِيدِ الْيَهُودِ، فَجَعَلُوهُ الْأَحَدَ، وقالت اليهود يوم السبت أفضل الأيام؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى فرغ من الخلق يوم الجمعة فهو يوم الراحة، وقالت النصارى أفضلها يوم الأحد، لأن اللّه سبحانه وتعالى ابتدأ فيه خلق الأشياء فرد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أنَهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللّهُ لَهُ

(3)

" وهذا يدل على أن كل فريق منهما عرض عليه يوم الجمعة، فاختار كل واحد ما ظهر له، وَاخْتَارَ اللهُ لَنَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقِبَلِنَا خِيرَةَ رَبِّنَا لَنَا، وَعَرَفْنَا مِقْدَارَ فَضْلِهِ أ. هـ.

(1)

أحكام القرآن (3/ 168).

(2)

سورة النحل، الآية:124.

(3)

أخرجه البخاري (6624) و (7036)، ومسلم (855)(21)، وأبو عوانة (4/ 445)، وابن حبان (2784)، والبيهقي (3/ 171)، والبغوي (1045) عن أبي هريرة واقتصر البخاري وأبو عوانة على أوله.

ص: 581

اختارت اليهود يوم السبت للاشتغال بالذكر والعبادة فيه لأنه يوم فراغ وقطع عمل فإن اللّه تبارك وتعالى فرغ فيه عن خلق السموات والأرض، فقالوا: ينبغي أن ينقطعن ينق الناس عن أعمالهم ويتفرغوا للعبادة والشكر، واختارت النصارى يوم الأحد أنه يوم بدء الخلق الموجب للشكر والعبادة وهدى اللّه تعالى المسلمين ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة وقالوا: إن اللّه تعالى خلق الإنسان للعبادة، وكان خلقه يوم الجمعة فكانت العبادة فيه أولى، ولما كان يوم الجمعة مبدأ دور الإنسان، وأول أيامه كان المتعبد فيه باعتبار العبادة متبوعا، والمتعبد في اليومين اللذين بعده تابعًا، فهم لنا تبع في ذلك

(1)

، واللّه أعلم، ذكره في شرح مشارق الأنوار

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة" قال العلماء: الآخرون من أهل الدنيا بكسر الخاء معناه: الآخرون في الزمان والوجود وإعطاء الكتاب، والأولون يوم القيامة أي: بالفضل ودخول الجنة وفضل القضاء، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم، وقد صرح بذلك في قوله في رواية مسلم، "ونحن أول من يدخل الجنة"

(3)

، وقال الخطابي

(4)

: نحن الآخرون، يريدون في الزمان من مدة أيام الدنيا، والسابقون في الكرامة

(1)

تحفة الأبرار (1/ 384).

(2)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 154).

(3)

صحيح مسلم (855).

(4)

ينظر: معالم السنن (4/ 336)، والكواكب الدراري (6/ 3).

ص: 582

والفضل في الآخرة، قال الكرماني

(1)

: قال التيمي: يريد بقوله: "نحن الآخرون السابقون" أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأمته يسبقون سائر الأمم يدخلون الجنة فيوم الجمعة دخره لهذه الأمة، وهداهم لها ففضلت به على سائر الأمم، أ. هـ.

1045 -

وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن يَوْم الْجُمُعَة وَلَيْلَة الْجُمُعَة أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَاعَة لَيْسَ فِيهَا سَاعَة إِلَّا وَللّه فِيهَا سِتّمائَة ألف عَتيق من النَّار قَالَ فخرجنا من عِنْده فَدَخَلْنَا على الْحسن فَذَكرنَا لَهُ حَدِيث ثَابت فَقَالَ سمعتة وَزَاد فِيهِ كلهم قد استوجبوا النَّار رَوَاهُ أَبُو يعلى

(2)

. وَالْبَيْهَقِيّ بِاخْتِصَار وَلَفظه: للّه فِي كل جُمُعَة سِتّمائَة ألف عَتيق من النَّار

(3)

.

قوله: وروى عن أنس، تقدم الكلام على أنس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربعة وعشرون ساعة ليس فيها ساعة إلا وللّه فيها ستمائة عتيق من النار" الحديث.

فائدة: مجموع الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، قال علماء المواقيت: والساعة على قسمين، زمانية ومستوية، فأما الزمانية: فهي التي تختلف باختلاف الزمان، وإنما يختلف مقدارها ولا تختلف أعدادها، وأما الساعة المستوية فهي ثلاث من الدور، وتختلف أعدادها، ولا يختلف مقدارها، وهذه الأربعة

(1)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (6/ 3).

(2)

أبو يعلى، (3484)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 165)، عن أم عوام البصري، ولم أجد من ترجمهما، قلت: في إسناده عبد الواحد بن زيد البصري وهو متروك.

(3)

البيهقي في شعب الإيمان، (3042)، وقال: وفي إسناده ضعف.

ص: 583

وعشرين ساعة وثلاثمائة وستون درجة، ومقدار إلى الدرجة بقدر قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بالبسملة ستين مرة مع عدم العجلة تقريبا، وهي اتفاقية وقعت لبعضهم كما أخبر به بعض مشايخي أن لكل مرة من هذه القراءة يسمى دقيقة، وكل دقيقة ستون ثانية، يعني: تقسم الدقيقة ستين جزءًا، فكل جزء منها يسمى ثانية، والثانية: ستون ثالثة، يعني تقسم الثانية ستين جزءًا، فكل جزء منها يسمى ثالثة

(1)

، وهكذا على هذا الترتيب إلى ما لا نهاية، واللّه أعلم.

1046 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر يَوْم الْجُمُعَة فَقَالَ فِيهَا سَاعَة لا يُوَافِقهَا عبد مُسلم وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يسْأَل اللّه شَيْئا إِلَا أعطَاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(2)

.

وَأما تعْيين السَّاعَة فقد ورد فِيهِ أَحَادِيث كثِيرَة صَحِيحَة وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهَا اخْتِلَافا كثيرا بسطته فِي غير هَذَا الْكتاب وأذكر هُنَا نبذة من الأحَادِيث الدَّالَّة لبَعض الأقْوَال.

قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: "فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل اللّه شيئًا إلا أعطاه" وأشار بيده يقللها - الحديث؛ وفي رواية "وهي ساعة خفية"

(3)

، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم "وهو قائم

(1)

انظر: مفتاح العلوم (ص: 240).

(2)

البخاري (935)، والنسائي (3/ 113)، وفي الكبرى (1748)، وابن ماجه (1137).

(3)

أخرجه البخاري (6400)، ومسلم (852) (14) بلفظ: وقَالَ بِيَدِهِ، قُلْنَا: يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا

ص: 584

يصلي" قال بعض أهل اللغة كما حكاه ابن عبد البر في التمهيد

(1)

، ونقله من خطه: أن قائما قد يكون بمعنى مقيما، قالوا: ومن ذاك قوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} يعني: مقيمًا، أي: ملازمًا ومواظبًا، ومعنى قوله:"وهو يصلي" أي يدعو اللّه، الصلاة في اللغة: الدعاء، قال اللّه تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} الآية، أي: ادع لهم، والمراد بقوله:"قائم يصلي" من ينتظر الصلاة فكأنه في الصلاة، فإنه في صلاة.

فيه من الفقه: أن هذه الساعة أفضل من غيرها، وإذا جاز أن يكون يوم أفضل من يوم جاز أن تكون ساعة أفضل من ساعة، فيه من الفقه: دليل أن كل مشتغل بسبب من أسباب أعمال الخير فله من الثواب عليه نحو الذي له منه على اشتغاله بعمله تفضلا من اللّه جل جلاله على عبده.

وقوله: "وأشار بيده يقللها"، أي: أشار بيده إلى أنها ساعة لطيفة خفيفة قليلة، ومنه حديث:"على أنك لزهيد" والزهيد القليل والضيق، وقال في "العلم المشهور" لابن دحية الكلبي

(2)

: "وأشار بيده يقللها" يزهدها، وقال في حديث آخر:"وقال بيده، ووضع أنملته على بطن السبابة الوسطى والخنصر"

(3)

الأنامِلُ مُنتهى المفاصلِ الأوائلِ منْ كلِّ إصبعٍ من اليدينِ والرِّجلينِ، والواحدة: انملة بفتح الميم وضمها وجهان، وقال بعض العلماء:

(1)

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (19/ 18).

(2)

العلم المشهور (لوحة 160).

(3)

صحيح البخاري (5294).

ص: 585

الأنملة بفتح الهمزة والميم، وضمها وفتح الهمزة، وضم الميم وكسر الهمزة، وكسر الهمزة وفتح الميم أربع لغات، أ. هـ، قال في "العلم المشهور"

(1)

: قلت: والزهيد: القليل يقال قل الرجل إذا قل ماله، فمعنى يقللها تفسير قوله يزهدها، فالحديث ثابت بإجماع، أ. هـ.

وقال بعض العلماء

(2)

: "وقال بيده" أي: أشار بها، ويحتمل أن يكون وضع الأنملة على الوسطى إيماء إلى أن تلك الساعة في وسط النهار، وعلى الخنصر إلى أنها في آخر النهار، ويزهدها من التزهيد وهو التقليل، أ. هـ.

وقيل: هي مخفية في اليوم كله كليلة القدر، وقال القاضي عياض

(3)

: وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لها بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم "وأشار بيده يقللها" تفسير قوله: يزهدها فالحديث ثابت بإجماع، قال الحافظ رحمه الله

(4)

: وقد اختلف العلماء فيها اختلافًا كثيرًا على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار، قال العراقي في شرح تقريب الأسانيد

(5)

: وقد بلغت الأقوال في ساعة يوم الجمعة إلى إحدى وعشرين قولًا، وتقدم أنه بلغت إلى سبع وعشرين قولا، ذكره في حدائق الأولياء

(6)

، وتقدم ذلك قريبًا.

(1)

العلم المشهور (لوحة 160).

(2)

الكواكب الدراري (19/ 212).

(3)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 245).

(4)

فتح الباري لابن حجر (4/ 262).

(5)

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 213).

(6)

حدائق الأولياء (2/ 94). وذكرها النووي في شرح المهذّب (4/ 42).

ص: 586

1047 -

وَعَن أبي بردة بن أبي مُوسَى الأشْعَرِيّ رضي الله عنه: قَالَ قَالَ لي عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أسمعت أَبَاك يحدث عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فِي شَأْن سَاعَة الْجُمُعَة قَالَ قلت نعم سمعته يَقُول سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول هِيَ مَا بَين أَن يجلس الإِمَام إِلَى أَن تقضى الصَّلَاة رَوَاهُ مسلم وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ يَعْنِي على الْمِنْبَر وَإِلَى هَذَا القَوْل ذهب طوائف من أهل الْعلم

(1)

.

قوله: وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، بضم الباء الموحدة وسكون الراء وبالدال المهملة، اسمه: الحارث ويقال عامر، ويقال: اسمه كنيته

(2)

.

قوله: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ" رواه مسلم وأبو داود، وقال: يعني على المنبر، أ. هـ. تقضى الصلاة: هي بالتاء المثناة فوق المضمومة، أ. هـ؛ وإلى هذ القول ذهب طوائف من أهل العلم، أ. هـ؛ وهو أصح حديث جاء فيها، وهو نص صريح وحديث صحيح فلا يعدل عنه إلى غيرها، وقد روى البيهقي

(3)

بسنده عن مسلم رحمه الله أنه قال: هذا الحديث أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة وهو القول الصحيح الذي صححه النووي في الروضة، وكذا في الأذكار وشرح المهذب

(4)

، واللّه أعلم!

(1)

مسلم (853)، وأبو داود (1049).

(2)

هو: عَامِرُ بن عَبْدِ اللِّهِ بنِ قَيْسٍ، أَبو بُرْدَةَ بن أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيّ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (4/ 343) وتهذيب الكمال (3/ 1578).

(3)

في السنن الكبرى (3/ 250).

(4)

انظر: الروضة (2/ 46)، والمجموع (4/ 549)، والأذكار (ص 300)، والتوضيح شرح الجامع الصحيح (7/ 614)، وسلاح المؤمن في الدعاء (ص: 164).

ص: 587

1048 -

وَعَن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي الْجُمُعَة سَاعَة لا يسْأَل اللّه العَبْد فِيهَا شَيْئا إِلَا آتاهُ اللّه إِيَّاه قَالُوا يَا رَسُول الله أَيَّة سَاعَة هِيَ قَالَ هِيَ حِين تُقَام الصَّلَاة إِلَى الانْصِرَاف مِنْهَا، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه كلَاهُمَا من طَرِيق كثير بن عبد اللّه بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن غَرِيب

(1)

.

قَالَ الْحَافِظ: كثير بن عبد اللّه واه بِمرَّة وَقد حسن لَهُ التِّرْمِذِيّ هَذَا وَغَيره وَصحح لَهُ حَدِيثا فِي الصُّلْح فانتقد لَهُ الْحفاظ تَصْحِيحه لَهُ بل وتحسينه

(2)

. وَاللّه أعلم.

قوله: وعن عمرو بن عوف المزني هو أبو عبد اللّه عمرو بن عوف بن زيد بن مليحة، بضم الميم، وقيل: ملحة، بضمها أيضًا، ابن عمرو بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزنى.

كان قديم الإسلام، يقال: هاجر مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك الذين نزل فيهم قوله تعالى:

(1)

أخرجه الترمذي (490)، وابن ماجه (1138)، والبيهقي في شعب الإيمان (2981)، وابن قانع في الصحابة (2/ 198) والطبراني في الكبير (17/ 14) وفي الدعاء (182) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1890). وقال في ضعيف الترغيب (429): ضعيف جدًا.

(2)

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 38): حديث لم يروه فيما علمت إلا كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وليس ممن يحتج به.

وقال النووي في المجموع (4/ 550): رواه الترمذي وقال: حديث حسن وليس كما قال فإن مداره على كثير بن عبد اللّه وقد اتفقوا على ضعفه وترك الاحتجاج به.

ص: 588

{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}

(1)

. توفى في آخر خلافة معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم اثنان وستون وقال البرقي جاء عنه نحوا من ثلاثين حديثا. ومزينة التي ينسبون إليها هي أم أولاد عثمان بن عمرو

(2)

).

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في يوم الجمعة ساعة لا يسأل اللّه فيها العبد شيئًا إلا أتاه اللّه إياه" قالوا: يا رسول اللّه: أي ساعة هي؟ قال: "هي حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها" قال الحافظ: كثير بن عبد اللّه واه بمرة وقد حسن له الترمذي هذا وغيره وصحح له حديثا في الصلح فانتقد له الحفاظ تصحيحه له بل وتحسينه. قال أبو عمر بن عبد البر: هو حديث لم يروه فيما علمت إلا كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده، وليس هو ممن يحتج بحديثه

(3)

.

1049 -

وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ التمسوا السَّاعَة الَّتِي ترجى فِي يَوْم الْجُمُعَة بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى غيبوبة الشَّمْس رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب

(4)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة وَزَاد فِي آخِره وَهِي قدر هَذَا يَعْنِي قَبْضَة وَإِسْنَاده أصلح من إِسْنَاد التِّرْمِذِيّ

(5)

.

(1)

سورة التوبة، الآية:92.

(2)

تلقيح فهوم أهل الأثر (ص 169 و 265) وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 33 الترجمة 456)

(3)

الاستذكار (2/ 38) والتمهيد (19/ 21).

(4)

الترمذي (489)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (703).

(5)

الطبراني في الكبير (747)، وفي الأوسط (136)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 166)، فيه ابن لهيعة، واختلف في الاحتجاج به، وبقية رجاله وُثِّقوا، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (703).

ص: 589

قوله: وعن أنس، تقدم الكلام على أنس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس"، ورواه الطبراني

(1)

وزاد: "في آخره" وهي قدر هذا يعني قبضة، وفي حديث عبد اللّه بن سلام عند ابن ماجه "أو بعض ساعة"

(2)

وذلك يدل على قصر زمانها وأنها ليست مستغرقة لما بين جلوس الإمام على المنبر وآخر الصلاة ولا لما بين العصر والمغرب بل المراد على هذين القولين وعلى جميع الأقوال أن تلك الساعة لا تخرج عن هذا الوقت وأنها لحظة لطيفة، وبهذا يقول أحمد وإسحاق، قال أحمد: أكثر الحديث أنها بعد العصر، وترجى بعد زوال الشمس

(3)

.

1050 -

وَعَن عبد الله بن سَلام رضي الله عنه قَالَ: قلت وَرَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم جَالس إِنَّا لنجد فِي كتاب اللّه تَعَالَى فِي يَوْم الْجُمُعَة سَاعَة لا يُوَافِقهَا عبد مُؤمن يُصَلِّي يسْأَل اللّه بهَا شَيْئا إِلَا قضى اللّه لَهُ حَاجته قَالَ عبد اللّه فَأَشَارَ إِلَى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَو بعض سَاعَة فَقلت صدقت أَو بعض سَاعَة قلت أَي سَاعَة هِيَ قَالَ آخر سَاعَات النَّهَار قلت إِنَّهَا لَيست سَاعَة صَلَاة قَالَ بلَى إِن العَبْد إِذا صلى ثمَّ جلس لم يجلسه إِلَّا الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَإِسْنَاده على شَرط الصَّحِيح

(4)

.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

وهو الحديث الآتي في الترغيب.

(3)

شرح السنة (4/ 209) وطرح التثريب (3/ 216).

(4)

أخرجه ابن ماجه (1139)، قال البوصيري في الزوائد (1/ 380): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (704).

ص: 590

قوله: وعن عبد اللّه بن سلام، كان عبد اللّه بن سلام من بني إسرائيل، ومن ولد يوسف الصديق عليه السلام، وكان منشأه بالمدينة وبلاد الحجاز، وكان رضي الله عنه: فصيحًا، وقد بشره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالجنة، ذكر ذلك الإمامان البخاري ومسلم في المناقب

(1)

، وهذا اللفظ معروف في كلامهم موجود في أشعارهم

(2)

، وسيأتي الكلام عليه مبسوطا إن شاء اللّه تعالى قوله: فأشار إليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة، فذكره إلى أن قال:"آخر ساعات النهار" الحديث، قال عبد اللّه بن سلام

(3)

: هي بين العصر إلى المغرب لأنه وقت تعاقب ملائكة الليل وملائكة النهار، ووقت عرض الأعمال على اللّه تعالى فيوجب اللّه تعالى مغفرته للمصلحين من عباده، وَلِذَلِكَ شَدَّدَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَتِهِ بَعْدَ الْعَصرِ

(4)

.

وقال الفقهاء: يكون فيها اللعان والقسامة

(5)

، وروي أن عبد الله لما قال بذلك، قال له أبو هريرة: ألم تسمع قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "وهو قائم يصلي"،

(1)

انظر: صحيح البخاري (3812)، صحيح مسلم (2483).

(2)

كذا هو الأصل ولعله تفسير لإشارة النبي لابن سلام تنبيها على غلطه وأنه قال له كذبت بمعنى توهمت فهذا الكلام المذكور أعلاه من تعليق ابن عبد البر على معنى كذبت في حديث عائشة انظر التمهيد (9/ 289).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

أخرجه البخاري (2369) و (2672) و (7212) و (7446)، ومسلم (173 و 174 - 108) عن أبي هريرة.

(5)

وذلك لأن كلاهما أيمان.

ص: 591

فقال: ألم يقل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من جلس ينتظر الصلاة فهو في الصلاة" فقال أبو هريرة: "بلى"

(1)

، فقال ذاك، قاله الكرماني

(2)

، واللّه أعلم.

1051 -

وَعَن أبي هرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي شَيء يَوْم الْجُمُعَة قَالَ لِأن فِيهَا طبعت طِينَة أَبِيك آدم وفيهَا الصعقة وفيهَا الْبعْثَة وفيهَا البطشة وَفِي آخر ثَلَاث سَاعَات مِنْهَا سَاعَة من دَعَا اللّه فِيهَا اسْتُجِيبَ لَهُ رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن أبي هُرَيْرَة وَلم يسمع مِنْهُ وَرِجَاله مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي شيء يوم الجمعة، قال:"قيل للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أَي شَيْء يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: لأن فيها طبعت طينة أبيك آدم"؛ آدم: هو أبو البشر صلى الله عليه وسلم، كنيته: أبو البشر، ويقال: أبو محمد، خلقه اللّه عز وجل بيده، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، واصطفاه وكرم ذريته، وعلمه جميع الأسماء، وجعله أول الأنبياء، وعلم ما لم تعلمه الملائكة المقربون وجعل من نسله الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين، قال اللّه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ}

(4)

(1)

أخرجه أبو داود (1046)، والترمذي (491)، أحمد (10303)، وابن حبان (2772) وصححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (961).

(2)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (6/ 43).

(3)

أحمد (8102)، قال الهيثمي (2/ 164)، بعد ذكر رواية أخرى

ورجالهما رجال الصحيح.

(4)

سورة آل عمران، الآية:33.

ص: 592

الآية، ثبت في صحيح مسلم عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن اللّه تعالى قال:"خلق آدم يوم الجمعة"

(1)

واشتهر في كتب الحديث والتواريخ أنه عاش ألف سنة، وتقدم ذلك، وروينا معناه في حديث مرفوع، وروينا في تاريخ دمشق

(2)

في حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أَنَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِأَبِي آدَمَ عليه السلام وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام أَشْبَهَ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا".

فأما اشتقاق اسمه صلى الله عليه وسلم، فقال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي

(3)

: قال ابن عباس رضي الله عنه: سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، قال: وهكذا قاله أهل اللغة فيما حكاه الزجاج، قال الزجاج

(4)

: قال أهل اللغة: آدم مشتق من أديم الأرض لأنه خلق من تراب، وأديم الأرض: وجهها، قال: وقال النضر بن شميل

(5)

: سمي آدم لبياضه، وهذا كله تصريح منهم بأن آدم اسم عربي مشتق، قال أبو إسحاق الزجاج

(6)

: اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم، في موضع:{خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}

(7)

، وفي موضعٍ: {مِنْ

(1)

صحيح مسلم (854).

(2)

انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (3/ 363)، ودلائل النبوة لأبي نعيم (1/ 640).

(3)

التفسير البسيط (2/ 342).

(4)

انظر: معاني القرآن للزجاج (1/ 80) وانظر: تفسير الثعلبي (1/ 63)، تفسير القرطبي (1/ 240) زاد المسير (1/ 62)، والطبري 1/ 214، وتهذيب اللغة (1/ 134)، القرطبي في تفسيره (1/ 240).

(5)

لسان العرب (12/ 12).

(6)

انظر: معاني القرآن للزجاج (1/ 80).

(7)

سورة آل عمران، الآية:59.

ص: 593

{مِنْ طِينٍ لَازِبٍ}

(1)

، وفى موضعٍ:{مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}

(2)

، وفى موضع:{مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}

(3)

، وهذه الأَلفاظ راجعة إِلى أَصل واحد، وهو التُّراب الذي هو أَصل الطِّين، فأعلمنا اللّه عز وجل أنه خُلِقَ من تراب جُعِلَ طينًا، ثمّ انتقل فصار كالحَمَأِ المَسْنُون، ثمّ انتقل فصار صَلْصالًا كالفخّار. ولقد أحسن الزجاج رحمه الله؛ قال الإمام أبو إسحاق الثعالبي

(4)

في قول اللّه عز وجل إخبارًا أن إبليس قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}

(5)

قال الحكماء: أخطأ عدو اللّه في تفضيله النار على الطين لأن الطين أفضل منها من أوجه، أحدها: أنه من جوهر الطين الرزانة، والسكون، والوقار، والحلم، والأناة، والحياء، والصبر، وذلك سبب توبة آدم وتواضعه وتضرعه، فأورثه المغفرة، والاجتباء، والهداية. وجوهر النار الخفة، والطيش، والحدة، والارتفاع، والاضطراب، وذلك سبب استكبار إبليس فأورثه اللعنة والهلاك.

والثاني: أن الجنة موصوفة بأن ترابها مسك، ولم ينقل أن فيها نارًا؛ الثالث: أنها سبب العذاب بخلاف الطين؛ الرابع: أن الطين مستغن عن النار وهي محتاجة إلى مكان وهو التراب؛ الخامس: أن الطين سبب جمع الأشياء، وهي سبب

(1)

سورة الصافات، الآية:11.

(2)

سورة سورة الحجر، الآية:26.

(3)

سورة الرحمن، الآية:14.

(4)

انظر: لسان العرب (12/ 12)، تهذيب اللغة (1/ 134).

(5)

سورة الأعراف، الآية:12.

ص: 594

تفريقها وباللّه التوفيق، ذكره النووي في تهذيب الأسماء واللغات

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي آخر ثلاث ساعات، منها: ساعة من دعا اللّه فيها استجيب له "الحديث" في "ههنا تجريدية، إذ الساعة هي نفس آخر ثلاث الساعات، كما في قولك: في البيضة عشرون رطلا من حديد، والبيضة نفس الأرطال

(2)

، وقال المحب الطبري: قوله: في آخر ثلاث ساعات يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون المراد الساعة الأخيرة من الثلاث الأول، ثانيهما: أن يكون المراد أن في آخر كل ساعة من الثلاث ساعة إجابة فيكون فيه تجوز لإطلاق الساعة على بعض الساعة

(3)

.

قوله في آخر الحديث: رواه أحمد

(4)

من رواته علي بن أبي طلحة عَن أبي هُرَيْرَة وَلم يسمع مِنْهُ وَرِجَاله مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح.

1052 -

وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ السَّاعَة الَّتِي يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء يَوْم الْجُمُعَة آخر سَاعَة من يَوْم الْجُمُعَة قبل غرُوب الشَّمْس أغفل مَا يكون النَّاس رَوَاهُ الأصْبَهَانِيّ

(5)

.

قوله: روي عن أبي سعيد الخدري: تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الساعة التي يستجاب الدعاء فيها يوم الجمعة آخر ساعة من

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 97). وذكرها كذلك الفيروزآبادي في البصائر (6/ 24).

(2)

شرح المشكاة (4/ 1268 - 1269).

(3)

فتح الباري (2/ 418).

(4)

سبق تخريجه.

(5)

الأصبهاني في الترغيب والترهيب (907).

ص: 595

يوم الجمعة قبل غروب الشمس أغفل ما تكون الناس". (وهذا القول مال إليه ابن عبد البر).

(1)

1053 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه: عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْم الْجُمُعَة اثْنَتَا عشرَة سَاعَة لا يُوجد عبد مُسلم يسْأَل اللّه عز وجل شَيْئا إِلَّا آتاهُ إِيَّاه فالتمسوها آخر سَاعَة بعد الْعَصْر رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم وَهُوَ كَمَا قَالَ

(2)

.

قال التِّرْمِذِيّ: وَرَأى بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَغَيرهم أَن السَّاعَة الَّتِي ترجى بعد الْعَصْر إِلَى أَن تغرب الشَّمْس وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق وَقَالَ أَحْمد أَكثر الحَدِيث فِي السَّاعَة الَّتِي ترجى فِيهَا إِجَابَة الدعْوَة أنَّهَا بعد صَلَاة الْعَصْر، قَالَ وترجى بعد الزَّوَال ثمَّ روى حَدِيث عَمْرو بن عَوْف الْمُتَقَدّم.

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْمُنْذر

(3)

اخْتلفُوا فِي وَقت السَّاعَة الَّتِي يُسْتَجَاب فِيهَا الدُّعَاء من يَوْم الْجُمُعَة فروينا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ هِيَ من بعد طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس وَمن بعد صَلَاة الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة هِيَ عِنْد زَوَال الشَّمْس وَفِيه قَول ثَالِث وَهُوَ أَنه إِذا أذن

(1)

في الأصل بياض لعل المحذوف ما أثبته انظر التمهيد (4/ 63).

(2)

أخرجه أبو داود (1048)، والنسائي في الكبرى (1697)، والحاكم (1/ 279)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (705).

(3)

الإشراف على مذاهب العلماء، لابن المنذر (2/ 82).

ص: 596

الْمُؤَذّن لصَلَاة الْجُمُعَة رُوِيَ ذَلِك عَن عَائِشَة وروينا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هِيَ إِذا قعد الإِمَام على الْمِنْبَر حَتَّى يفرغ وَقَالَ أَبُو بردة هِيَ السَّاعَة الَّتِي اخْتَار اللّه فِيهَا الصَّلَاة وَقَالَ أَبُو السوار الْعَدوي كانُوا يرَوْنَ الدُّعَاء مستجابا مَا بَين أَن تَزُول الشَّمْس إِلَى أَن يدْخل فِي الصَّلَاة وَفِيه قَول سَاج وَهُوَ أَنَّهَا مَا بَين أَن تزِيغ الشَّمْس يُشِير إِلَى ذِرَاع وروينا هَذَا القَوْل عَن أبي ذَر وَفِيه قَول ثامن وَهُوَ أنَهَا مَا بَين الْعَصْر إِلَى أَن تغرب الشَّمْس كَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَبِه قَالَ طَاوس وَعبد اللّه بن سَلام رضي الله عنه وَاللّه أعلم.

قوله: وعن جابر، تقدم الكلام على جابر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد عبد مسلم يسأل اللّه شيئا إلا أتاه اللّه إياه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر" الحديث، وكان سعيد بن جبير إذ صلى العصر يوم الجمعة لم يتكلم إلى غروب الشمس

(1)

، قال: وهي الساعة التي أخبرنا الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم أن آدم خلق فيها كما هو مذكور في الحديث عن أبي هريرة قال: أخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: "خلق اللّه عز وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد" فذكر الحديث إلى أن قال: "وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة" وتقدم هذا الحديث بتمامه.

قوله: "فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر"، فإن قيل: جاء "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل اللّه خيرًا إلا أعطاه" الحديث، ومعنى يصادفها: يلاقيها، والصلاة بعد العصر ممنوعة، قيل: قد فسر عبد اللّه بن سلام الصلاة

(1)

انظر: التمهيد (23/ 45).

ص: 597

بانتظارها، فإن العبد في صلاة ما انتظر الصلاة، فإن قيل:"جاء وهو قائم يصلي" قيل: أراد بالقيام الملازمة لقوله تعالى: {مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}

(1)

وتقدم حديث عبد اللّه بن سلام، وتقدم معنى تفسيرها في الأحاديث المتقدمة، واللّه أعلم.

فائدة مهمة: روى الحافظ المنذري

(2)

في جزء جمعه في غفران ما تقدم من الذنوب وما تأخر من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ إذا سلم الإمام يوم الجمعة قبل أن يثني رجليه (فاتحة الكتاب) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدُ) و (المعوذتين) سبعًا سبعًا غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطي من الأجر بعدد كل من آمن باللّه ورسوله"

(3)

وقال أبو طالب المكي

(4)

: يستحب له بعد الجمعة أن يقول: يا غني يا حميد يا مبدئ يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، فيقال: من واظب على

(1)

انظر: التمهيد (23/ 45).

(2)

قاله الدميري في النجم الوهاج (2/ 484).

(3)

أخرجه أبو الأسعد القشيرى في الأربعون السباعيات (مخ 18/ عمرية/ لوحة 210 الحديث العاشر) فيه الحسين بن داود البلخى قال الخطيب: ولم يكن الحسين بن داود ثقة، فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، أكثرها موضوع تاريخ بغداد (8/ 575). وانظر: فتح الباري (4/ 252) والنجم الوهاج للدميري (2/ 484).

(4)

قوت القلوب (1/ 126)، والنجم الوهاج للدميري (2/ 484).

ص: 598

هذا الدعاء أغناه اللّه تعالى عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب

(1)

، أ. هـ.

فائدة أيضًا: كان عمرو بن قيس الملائي يقول: بلغني أن من صام يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ثم شهد الجمعة مع المسلمين، ثم ثبت في مكانه بعد سلامه مع الإمام، ثم مدّ يديه وقرأ: فاتحة الكتاب، وقل هو اللّه أحد، عشر مرات، ثم قال: اللهم إني أسألك باسمك العلي العلي العلي الأعلى الأعلى الأعلى، العظيم الأعظم الأعظم، الأكرم الأكرم الأكرم، الأجل الأجل الأجل، لم يسأل اللّه شيئا إلا أعطاه إياه عاجلا وآجلا، ولكنكم تستعجلوه

(2)

، قاله في الديباجة في شرح ابن ماجه.

فائدة أيضًا: قال النووي

(3)

: روينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قرأ بعد صلاة الجمعة قل هو اللّه أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس سبع مرات أعاذه اللّه عز وجل من السوء إلى الجمعة الأخرى"

(4)

، واللّه أعلم.

(1)

النجم الوهاج (2/ 484).

(2)

أخرجه ابن السنى في اليوم والليلة (377). وفيه تقديم وتأخير والنقص اليسير. وقال صاحب كتاب عُجالةُ الرّاغِب المُتَمَنِّي في تخريج كِتابِ عَمَلِ اليَوم وَالليلة لابن السُّنِّي: إسناده ضعيف؛ لأنه مرسل أو معضل.

(3)

الأذكار (ص 300 - 301).

(4)

أخرجه ابن السنى (375) وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (472).

قال الحافظ ابن حجر؛ كما في الفتوحات الربانية (4/ 232 - 233): سنده ضعيف

وله شاهد من مرسل مكحول: أخرجه سعيد بن منصور في السنن عن فرج بن فضالة

وفرج ضعيف - أيضًا -. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5764).

ص: 599

قوله: وقال الحسن البصري وأبو العالية: هي عند زوال الشمس، تقدم الكلام على الحسن البصري؛ وأما أبو العالية: قال أبو الفرج بن الجوزي: أبو العالية اسمه: ربيع، اعتقته امرأة من بني رياح، قال أبو العالية

(1)

: دخلت المسجد مع مولاتي، فلما رأت الإمام على المنبر أخذت بيدي وقالت: اللهم إني أدخره عندك ذخيرة، فاشهدوا يا أهل المسجد أنه سائبة للّه عز وجل، قال أبو العالية

(2)

: كُنَّا نَعُدُّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنَامُ عَنْهُ حَتَّى يَنْسَاهُ، توفي في شوال سنة تسعين.

قوله: وقال أبو السِّوَارِ العَدوَيُّ: كَانُوا يَرَوْنَ الدُّعَاءَ مُسْتَجَابًا مَا بَيْنَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصلَاةِ.

أبو السوار: هو بفتح السين المهملة وتشديد الواو وآخره راء، اسمه: حسان بن حريث العدوي، ذكره النووي

(3)

.

قال صاحب كتاب سلاح المؤمن

(4)

: وقد اختلف في ساعة الإجابة، أي وقت هي من يوم الجمعة على أقوال كثيرة، وتقدمت الأحاديث في ذلك، قال: ويحتمل أنها تدور في أيام الجمع على الأوقات المذكورة في الأحاديث،

(1)

انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 207) الطبقات الكبرى (7/ 79).

(2)

انظر: سير أعلام النبلاء (4/ 207) الطبقات الكبرى (7/ 79). وقال الحافظ في الفتح (9/ 76): إسناده جيد، موقوفا على أبي العالية.

(3)

ينظر: شرح النووي على مسلم (6/ 130).

(4)

سلاح المؤمن (ص: 166).

ص: 600

فيوما تكون ما بين أن يجلس الإمام، أي للخطبة إلى أن تقضى الصلاة كما هو مذكور في حديث أبي بردة؛ ويوما حين تقام الصلاة إلى السلام؛ ويوما تكون فيما بين العصر إلى غروب الشمس؛ ويوما تكون في آخر ساعة، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد سئل عن ذلك في أوقات متفرقة، فأجاب عن ذلك بما أجاب.

قال صاحب سلاح المؤمن

(1)

: ورأيت غير واحد من الأئمة جنح إلى هذا، واللّه أعلم بحقيقة ذلك، وقيل: إنها مبهمة في جميع اليوم حكمة من اللّه تعالى ليعكف الداعي على مراقبتها، ويجتهد في الدعاء في جميع اليوم، أ. هـ

قال العراقي

(2)

: ولو عُرِفت لخصوها بالدعاء وأهملوا ما سواها، وهذا كما أنه تعالى أخفى اسمه الأعظم في أسمائه الحسنى ليسأل بجميع أسمائه الحسنى، وأخفى ليلة القدر في أوتار العشر الأخير، أو في جميع شهر رمضان، أو في جميع السنة على الخلاف في ذلك، وكما أخبر ساعة الإجابة في الليل، وكما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس ليجتهد الناس في هذه الأوقات كلها، وأخفى أولياءه في جملة المؤمنين حتى لَا يَخُصُّ بِالْإِكْرَامِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ، وقد ورد فيها ما ورد في ليلة القدر من أنه أُعْلِمْتهَا ثُمَّ أُنْسِيتهَا.

رواه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه، ولعل هذا يكون خيرًا للأمة

(1)

سلاح المؤمن (ص: 166). وهناك أقوال أخرى كثيرة، استقصاها الحافظ في الفتح (2/ 345 - 351) فبلغت ثلاثًا وأربعين قولًا .. وقال: وقد صح اتفاق الصحابة أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، فلا يجوز مخالفتهم.

(2)

طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 214).

ص: 601

ليجتهدوا في سائر الأيام؛ قال شيخ الإسلام ولي الدين العراقي: قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي: وإن كان مطلبه خطيرًا عظيمًا كسؤال المغفرة والنجاة من النار ودخول الجنة ورضى اللّه تعالى عنه، لجديرٌ أن يستوعب جميع عمره بالطلب والسؤال، فكيف لا يسهل على طالب مثل ذلك سؤال يوم واحد، كما قال عبد اللّه بن عمر: أن طلب حاجة في يوم يسير، واللّه أعلم، أ. هـ.

تنبيه: يستحب إذا صلى الإنسان الجمعة أن يقيم في المسجد حتى يصلي العصر، فقد روى الحاكم عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لكم في كل جمعة حجة وعمرة، فالحجة: الهجير إلى الجمعة، والعمرة: انتظار العصر بعد الجمعة"

(1)

، واللّه أعلم.

(1)

أخرجه البيهقي في السّنن الكبرى (3/ 241) وقال: وروي ذلك عن أبي معشر عن نافع عن ابن عمر، وفيهما جميعا ضعف. وأحد رواته: القاسم بن عبد اللّه: ذكره ابن عرّاق في: (تنزيه الشّريعة 1/ 97 ت/ 4) في الوضّاعين، والكذّابين. وذكر الذّهبيّ في (الميزان 4/ 292) حديثه هذا، وقال: هذا موضوع، باطل. وانظر: الضعيفة (6208).

ص: 602