المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من المرور بين يدي المصلي - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٤

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من رفع البصر إلى السماء في الصلاة]

- ‌[الترهيب من الالتفات في الصلاة وغيره مما يذكر]

- ‌الترهيب من مسح الحصى وغيره في مواضع السجود والنفخ فيه لغير ضرورة

- ‌الترهيب من وضع اليد على الخاصرة في الصلاة

- ‌الترهيب من المرور بين يدي المصلي

- ‌الترهيب من ترك الصلاة تعمدا وإخراجها عن وقتها تهاونا

- ‌فصل فى النفل واشتقاقه

- ‌الترغيب في المحافظة على ثنتي عشرة ركعة من السنة في اليوم والليلة

- ‌الترغيب في المحافظة على ركعتين قبل الصبح

- ‌الترغيب في الصلاة قبل الظهر وبعدها

- ‌الترغيب في الصلاة قبل العصر

- ‌الترغيب في الصلاة بين المغرب والعشاء

- ‌الترغيب في الصلاة بعد العشاء

- ‌الترغيب في صلاة الوتر وما جاء فيمن لم يوتر

- ‌الترغيب في أن ينام الإنسان طاهرًا ناويًا القيام

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن حين يأوي إلى فراشه وما جاء فيمن نام ولم يذكر الله تعالى

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن إذا استيقظ من الليل

- ‌الترغيب في قيام الليل

- ‌التَّرْهِيب من صَلَاة الإِنْسَان وقراءته حَال النعاس

- ‌التَّرْهِيب من نوم الإنْسَان إِلَى الصَّباح وَترك قيام شَيْء من اللَّيْل

- ‌التَّرْغِيب فِي آيَات وأذكار يَقُولهَا إِذا أصبح وإذا أَمْسَى

- ‌التَّرْغِيب فِي قَضَاء الْإِنْسَان ورده إِذا فَاتَهُ من اللَّيْل

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة الضُّحَى

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلاة التَّسْبِيح

- ‌[عدة في خدم المصطفى صلى الله عليه وسلم

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة التَّوْبَة

- ‌[بعض مناقب أبي بكر الصديق]

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلَاة الْحَاجة ودعائها

- ‌التَّرْغِيب فِي صَلاة الاستخارة وَمَا جَاءَ فِي تَركهَا

- ‌كتاب الجمعة

- ‌الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها وما جاء في فضل يومها وساعتها

- ‌في الترهيب من ترك الجمعة

- ‌الترغيب في الغسل يوم الجمعة

- ‌فصل يذكر فيه الأغسال المسنونة

- ‌الترغيب في التبكير إلى الجمعة وما جاء فيمن يتأخر عن التبكير لغير عذر

- ‌التَّرْهِيب من تخطي الرّقاب يَوْم الْجُمُعَة

- ‌التَّرْهِيب من الْكَلَام وَالْإِمَام يخْطب وَالتَّرْغِيب فِي الْإِنْصَات

- ‌الترهيب من ترك الجمعة لغير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي قِرَاءة سُورَة الْكَهْف وَمَا يذكر مَعهَا لَيْلَة الْجُمُعَة وَيَوْم الْجُمُعَة

- ‌كتاب الصدقات

- ‌الترغيب في أداء الزكاة وأداء وُجُوبِها

الفصل: ‌الترهيب من المرور بين يدي المصلي

‌الترهيب من المرور بين يدي المصلي

802 -

عَن أبي الجهم عبد الله بن الْحَارِث بن الصمَّة الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ قَالَ أَبُو النَّضر لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

وَرَوَاهُ الْبَزَّار وَلَفظه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ لِأَن يقوم أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ وَرِجَاله رجال الصَّحِيح

(2)

قَالَ التِّرْمِذِيّ وَقد رُوِيَ عَن أنس أَنه قَالَ لِأَن يقف أحدكُم مائَة عَام خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدي أَخِيه وَهُوَ يُصَلِّي.

قوله: عن أبي الجهم واسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة بكسر الصاد الأنصاري النجاري كذا وقع في صحيح مسلم وقيل هو أبو جهيم بجيم مضمومة وفتح الهاء وزيادة ياء هو راو حديث التيمم بالجدار وحديث

(1)

أخرجه البخاري (510)، ومسلم (261 - 507)، وابن ماجه (945)، وأبو داود (701)، والترمذي (336)، والنسائي في المجتبى 2/ 222 (768) والكبرى (920).

(2)

أخرجه البزار (3782). قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 61: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وقد رواه ابن ماجه غير قوله: خريفًا. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (298) والضعيفة (6911).

ص: 44

المرور بين يدي المصلي وحديثه في الصحيحين وهو مشهور بكنيته كما قاله مالك يقال هو ابن أخت أبي بن كعب قال بعضهم هذا هو الصواب وهو غير أبو جهيم صاحب الخميصة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما أبو جهيم فلا يضع عصاه عن عاتقه" واسمه عامر بن حذيفة العدوي كان من المعمرين شهد بنيان الكعبة في الجاهلية وتوفي في خلافة معاوية رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه" الحديث، وأبهمها هنا للتهويل والتعظيم ولم يدري أبو النضر ما هي وقد جاء في مسند البزار بحيث قال أربعين خريفا رواه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة وقالوا فيه لكان أن يقف مائة عام خير له وعن كعب لكان أن يخسف به لكان خيرا له وذلك على سبيل التغليظ عند من يقول بالكراهة والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خير له من أن يمر بين يديه" يجوز نصبه على أنه خبر كان ورفعه على أنه اسمها.

قوله: قال أبو النضر، أبو النضر هذا اسمه سالم بن أبي أمية مولى عبد الرحمن بن عمر [323] بن عبيد الله القرشي التيمي المدني يعد في التابعين وهو شيخ مالك والثوري وابن عيينة، كان ثقة رجلا صالحا كثير الحديث روى له الجماعة، توفي سنة تسع وعشرين ومائة، قال الشيخ أبو جعفر الطحاوي: المراد من الأربعين في حديث أبي جهيم هو الأعوام لا الشهور والأيام معناه والله أعلم: لو يعلم المار ما عليه من الإثم لاختار الوقوف

ص: 45

أربعين علي ارتكاب ذلك الإثم ثم إنما يأثم المار إذا مر في موضع سجوده ولا يكون بينهما حائل ويحاذي أعضاء المار أعضاءه كذا في النهاية، ففي هذا الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك فهو صريح في التحريم، وقد خالف فيه القاضي حسين والغزالي وجماعة فقالوا بالكراهة والتصريح بالإثم يرد عليهم، وفيه دليل على حصول الإثم على المار وسواء أذن له المصلي في ذلك أم لا كما أنه لا يزال في تحريم التفريق بين الم والولد وبين أن ترضي الأم أم لا رعاية لحق الولد، وكأنه لا فرق بين أن يأذن المسلم في رفع بناء الذمي عليه أم لا، قال الشيخ تقي الدين: وبعض الفقهاء قسم ذلك إلى أربع صور، الأولى: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي ولم يتعرض المصلي لذلك فيختص المار بالإثم إن مر.

الثانية: مقابلتها وهو أن يكون المصلي بعرض المرور والمار ليس له مندوحة فيخصص المصلي بالإثم دون المار.

الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة في أثمان، أما المصلي فلتعرضه وأما المار فلمروره مع إمكان أن لا يفعل.

الصورة الرابعة: أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة فلا يأثم واحد منهما انتهي، وحيث قلنا بالتحريم فله شروط، أحدهما: أن يصلي إلى شيء سترة كما سيأتي.

الثاني: قال إمام الحرمين والغزالي: النهي عن المرور لا يشرع الدفع، قال النووي: والصواب أنه لا فرق بين وجود السبيل وعدمه فحديث البخاري

ص: 46

صريح بالمنع ولم يرد شيء يخالفه لا في كتب المذهب لغير الإمام ما يخالفه.

ثالثها: أن لا يكون التخطي لمصلحة الصلاة، فإن كان لمصلحتها بأن وجد الداخل فرجة في الصف السابق فله أن يمر بين يدي الصف الثاني ويقف فيها قاله في الروضة، ونقل في الكفاية عن الشافعي أنه يشق الصفوف ويقف في الفرجة لتقصيرهم، ولأن في سد الفرج ولكمال الصفوف السابقة تكملة لصلاة جميع القوم فالمشي إليها مصلحة لهم والله أعلم قاله في شرح العمدة.

تنبيه: يستثني من تحريم المرور بين يدي المصلي إذا كان المصلي في حاشية المطاف بمكة فلا يحرم الطواف بين يديه والله أعلم؛ ومذهب الإمام أحمد بن حنبل أنه لا يكره المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام، وإن الصلاة بمكة لا يقطعها شيء ولو كان المار امرأة بخلاف مذهبنا حكاه القاضي أبو يعلى في الأحكام السلطانية، ونقل ذلك عن مالك وعبد الرزاق.

فرع: المرور بين يدي المصلي حرام فيجب على الإنسان إذا رأى من يريد الدخول بين يدي المصلي أن يمنعه بالقول فإن أبي فبالفعل ولا يمكنه من ارتكاب هذا المحرم ما استطاع والله أعلم.

[وهو معنى قول النووى رحمه الله ويدفعه دفع الصائل بالأسهل ثم الأسهل ويزيد بحسب الحاجة وإن أدى إلى قتله فإن مات منه فلا ضمان فيه كالصائل

(1)

.

(1)

المجموع (3/ 249)، وشرح النووي على مسلم (4/ 223).

ص: 47

فرع آخر: من الكبائر المرور بين يدى المصلى كذا عده ابن القيم فى الكبائر وهو حرام على الصحيح كما تقدم قال النووى: قال أصحابنا يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه فإن أبي فبأشدها وإن أدى إلى قتله فلا شئ عليه

(1)

].

802 -

م - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ مَا لَهُ فِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ، مُعْتَرِضًا فِي الصَّلَاةِ، كَانَ لَأَنْ يُقِيمَ مِائَةَ عَامٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْخَطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما، واللفظ لابن حبان

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم أحدكم ماله في أن يمشي بين يدي أخيه معترضا وهو يناجي ربه لكان أن يقف في ذلك المقام مائة عام" الحديث وتقدم معنى المناجاة في مواضع من هذا التعليق.

804 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا صلى أحدكُم إِلَى شَيْء يستره من النَّاس فَأَرَادَ أحد أَن يجتاز بَين يَدَيْهِ فليدفع فِي نَحره فَإِن أَبى فليقاتله فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان. وَفِي لفظ آخر إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ وليدرأه مَا اسْتَطَاعَ فَإِن أَبى فليقاتله فَإِنَّمَا هُوَ

(1)

تنبيه الغافلين (ص 267).

(2)

أخرجه ابن ماجه (946)، وابن خزيمة (814)، وابن حبان (2365). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (299).

ص: 48

شَيْطَان" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد نَحوه قَوْله وليدرأه بدال مُهْملَة أَي فليدفعه بوزنه وَمَعْنَاهُ

(1)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره" في هذا الحديث دلالة على دفع المار عند وجود السترة فإن صلى إلى غير سترة أو صلى إلى سترة وتباعد عنها أكثر من ثلاثة أذرع لم يحرم حينئذ المرور بين يديه ولكن الأولى تركه وليس له هذا في هذه الحالة الدفع على الأصح، واتفقوا أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس"

(2)

والله أعلم.

لطيفة: قال ابن المنذر: كان مالك يصلي متباعدا عن السترة فمر رجل لا يعرفه فقال له أيها المصلي ادن من سترتك فجعل يتقدم ويقول وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا

(3)

.

[روى ذلك الطبراني في الحديث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن

(1)

أخرجه البخاري (509) و (3274)، ومسلم (258 و 259 - 505)، وابن ماجه (954)، وأبو داود (697) و (700)، والنسائي في المجتبى 7/ 440 (4906) والكبرى (7238).

(2)

انظر: شرح الصحيح (2/ 136)، وشرح السنة (2/ 456)، والكواكب الدراري (4/ 162).

(3)

الأوسط (5/ 87)، والنجم الوهاج (2/ 235).

ص: 49

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة، فليدن منها، لا يمر الشيطان بينه، وبينها" فى معجمه الكبير

(1)

وعن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته" رواه ابن قانع فى معجمه

(2)

والله أعلم].

فائدة: يستحب للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار أو سارية وفي معنى السترة بسط شيء كسجادة ومنديل ونحو ذلك ويدنو من ذلك بحيث لا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع أو كان في صحراء غرز عصا أو نحوها أو جمع شيئا من رجله أو متاعه وليكن قدر مؤخرة الرحل ومؤخرة الرحل ثلثا ذراع وقيل ذراع

(3)

.

(1)

أخرجه البزار (3438)، والطبراني في الكبير (2/ 139 رقم 1588). قال البزار: لا نعلم أحدًا قال فيه: عن محمد بن جبير، عن أبيه، غير أمية بن صفوان، ولا نحفظه إلا من هذا الوجه. قال الهيثمي في المجمع 2/ 59: رواه البزار والطبراني في الكبير، إلا أنه قال:"فليدن منها لا يمر الشيطان بينه وبينها"، وفي إسناد البزار محمد بن عبد الله بن عمير وهو ضعيف، وفي إسناد الطبراني سليمان بن أيوب الصريفيني ولم أجد من ذكره، وبقية رجال الطبراني ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (1386).

(2)

أخرجه أبو داود (695)، والنسائي في المجتبى 2/ 214 (760) والكبرى (912)، وابن خزيمة (803)، وابن قانع (1/ 269)، وابن حبان (2373)، والحاكم (1/ 251)؛ والبيهقي (2/ 386 رقم 3476). قال البيهقي: قد أقام إسناده سفيان بن عيينة، وهو حافظ حجة. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. اهـ. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (692) والمشكاة (782).

(3)

المجموع (3/ 247) والروضة (1/ 294)، والنجم الوهاج (2/ 233 - 234).

ص: 50

واعلم أن مقصود هذه الأحاديث السترة للمصلي وهي سنة عند الجمهور، وعن الإمام أحمد بن حنبل وتبعه جماعة ومؤخرة الرحل بهمزة ساكنة على الواو وكسر الخاء ويجوز كسر الهمزة وتشديد الخاء والرحل بالحاء المهملة وذلك قدر ثلثي ذراع وقيل ذراع كما تقدم فإن لم يجد شيئا شاخصا خط بين يديه خطا أو بسط مصلى قال إمام الحرمين والغزالي لا عبرة للخط والصحيح الاكتفاء به

(1)

وحكمه حكم الشاخص في منع المرور وجواز الدفع

(2)

.

[ففى الحديث عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم فليصل إلى شيء، فإن لم يكن شيء فعصا، وإن لم يكن عصا، فليخطط خطا، ثم لا يضره ما مر بين يديه" رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان وابن ماجه

(3)

].

واختلف في صفة الخط على أوجه أحدها إن جعلوا كهيئة الهلال. والثاني يمد خطأ مستويا يمينا وشمالا من المشرق إلى المغرب ليكون على صورة المحراب واختاره البغوي، والثالث يمد طولا إلى جهة القبلة كقول أبي داود

(1)

روضة الطالبين (1/ 294).

(2)

النجم الوهاج (2/ 234).

(3)

أخرجه أحمد 2/ 249 (7392 و 7393 و 7394) و 2/ 255 (7461) و 2/ 266 (7615)، وابن ماجه (943)، وأبو داود (689) و (690)، وابن خزيمة (811) و (812)، وابن حبان (2361) و (2376). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (107)، والضعيفة (5813)، والمشكاة (781).

ص: 51

واختاره النووي وهو الأصح

(1)

.

قوله: في حديث أبي سعيد "فليدفع في نحره" وهذا الأمر بالدفع أمر ندب وهو ندب متأكد ولا أعلم أحد من العلماء أوجبه قال النووي بل صرح أصحابنا وغيرهم أنه مندوب غير واجب

(2)

.

تنبيه: فإن قيل فهلا وجب بالدفع إزالة المنكر فإن المار مرتكب للمحرم قلنا إنما لم يجب لانشغال المصلي بالصلاة لأن في الاشتغال بالدفع ذهاب خشوعه وإزالة المنكر إنما يتوجه إذا لم يخش فوات مصلحة أخرى انتهى.

قال القاضي عياض: وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح كالسيف ونحوه ولا ما يؤدي إلى هلاكه ولا بما يفسد صلاته لأنه إن فعله كان أضر على نفسه من المار

(3)

فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء وهل يجب عليه دية أم يكون هدرا فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك

(4)

قاله ابن عقيل فيشرح الأحكام، ويحتج بقوله فليقاتله فإنما هو شيطان من يرى أنه لو قتله فلا شيء عليه وروي أن عثمان رضي الله عنه دفع إليه رجل كسر أنف آخر في الدفع فلم يلزمه الدية

(1)

المجموع (3/ 247 - 248)، والروضة (1/ 294 - 295)، وشرح النووي على مسلم (4/ 216).

(2)

شرح النووي على مسلم (4/ 223).

(3)

شرح الصحيح (2/ 136) لابن بطال، وإكمال المعلم (2/ 419)، وشرح النووي على مسلم (4/ 223)، والكواكب الدراري (4/ 162).

(4)

إكمال المعلم (2/ 419)، وشرح النووي على مسلم (4/ 223).

ص: 52

وروى إسماعيل القاضي أن أبا سعيد الخدري مر بين يديه ابن لمروان وهو يصلي فضربه فقال له مروان لم ضربت ابن أخيك؟ قال ما ضربت إلا شيطانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر الحديث

(1)

، قال القاضي عياض وكذلك اتفقوا على أنه لا يجوز له المشي في موضعه ليرده وإنما يدفعه ويرده من موقفه لأن مفسدة الشيء في صلاته أعظم من مرور من بعد بين يديه وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه ولهذا أمر بالقرب من سترته وإنما يرده إذا كان بعيدا منه بالإشارة أو التسبيح قال وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مرورا ثانيا، روي عن بعض السلف أنه يرده وتأوله بعضهم وهو كلام نفيس والذي قاله الأصحاب أنه يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه فإن أبي فبأشدها وإن أدى إلى قتله فليس عليه شئ كالصائل عليه لأخذ ماله أو نفسه وقد أباح له الشرع مقاتلته والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها

(2)

، ولو مر مار بينه وبين السترة فهو حرام أو يكره وجهان أصحهما التحريم

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فليقاتله فإنما هو شيطان" الحديث، فليقاتله بكسر اللام الجازمة وبسكونها، والمراد بالمقاتلة الدفع بالقهر لا جواز القتل فليس كل قتال بمعنى القتل ومنه حديث السقيفة: "قاتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة

(1)

المحلى (11/ 154 - 155).

(2)

إكمال المعلم (2/ 419)، وشرح النووي على مسلم (4/ 223).

(3)

النجم الوهاج (2/ 235).

ص: 53

وشر" أي: دفع الله شره إشارة إلى ما كان منه في حديث الإفك

(1)

.

تنبيه: قال القرطبي وأجمعوا على أنه لا يجوز مقاتلته بالسلاح لأن ذلك مخالف لما علم من قاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والكون فيها لما علم من تحريم دم المسلم وعظم حرمته ولا يلتفت عنه لخرق متاجر لم يفهم سرا من أسرار الشريعة ولا قاعدة من قواعده

(2)

انتهى.

قال القاضي عياض: معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان، وقيل: معناه يفعل فعل الشيطان لأن الشيطان بعيد من الخير وقول السنة، وقيل: المراد بالشيطان الفريق قيل المراد معه الشيطان وقيل هو من شياطين الإنس، وقيل: فيه إنه كالشيطان في أنه شغل قلبه عن مناجاة ربه، وقيل فيه: إنه يجوز أن يقال للرجل إذا فتن في الدين شيطان

(3)

، وفيه: أن الحكم للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المار شيطانا للمرور بين يديه

(4)

، وفيه: إذا دفع الأمور وإنما هو بالأسهل فالأسهل كالصائل فإذا انتهى إلى قتله كان هدرا، وقال في شرح المهذب ظاهر الحديث اقتضى وجوبه لكن لا أعلم أحدا من العلماء قال به

(5)

، وفيه إن في المنازعة

(1)

النهاية (4/ 13).

(2)

المفهم (5/ 35).

(3)

شرح الصحيح (2/ 137)، وإكمال المعلم (2/ 420)، وشرح النووي على مسلم (4/ 223 - 224)، والمفاتيح (2/ 101).

(4)

شرح الصحيح (2/ 137) لابن بطال، وعمدة القارى (4/ 292).

(5)

المجموع (3/ 249)، والنجم الوهاج (2/ 236).

ص: 54

لا بد من الرفع إلى الحاكم ولا ينتقم الخصم بنفسه

(1)

، وفيه: دليل على أن الفعل الكثير لمصلحة الصلاة لا يبطلها وإن توالى الضرب كما لا تبطل بتوالي الضرب حال المسابقة.

805 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذا كَانَ أحدكُم يُصَلِّي فَلَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ فَإِن أَبى فليقاتله فَإِن مَعَه القرين" رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح وَابْن خُزَيْمَة في صَحِيحه

(2)

.

قوله في حديث عبد الله بن عمر بعده "فإن أبي فليقاتله فإن معه القرين" والقرين يكون في الخير والشر ومنه الحديث "ما من أحد إلا وكل به قرين" أي يصاحبه من الملائكة والشياطين وكل إنسان فإن معه قرينا منهما فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه وقينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه قاله في النهاية

(3)

، وقال المفسرون في قوله تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}

(4)

أي هيئنا لهم شياطين وهذا تصريح في تكذيب القدرية بأن الله تعالى أضاف إلى نفسه تسبيب الشياطين له حتى أضلوهم وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)}

(5)

(6)

قاله في الديباجة.

(1)

عمدة القارى (4/ 292).

(2)

أخرجه مسلم (260 - 506)، وابن ماجه (955)، والبزار (6147)، وابن خزيمة (800) و (820).

(3)

النهاية (4/ 54).

(4)

سورة فصلت، الآية:25.

(5)

سورة الزخرف، الآية:36.

(6)

انظر: الغريبين (5/ 1601)، ولسان العرب (7/ 225).

ص: 55

فائدة: لا تبطل الصلاة بمرور شيء بين يدي المصلي وهو قول أكثر الفقهاء وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف وفي مسند الإمام أحمد أحاديث مصرحة بجواز المرور بين يدي المصلي ووردت أحاديث معارضة لذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود"

(1)

وفي الحديث "قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال با ابن أخي سألت النبي صلى الله عليه وسلم عمنا سألتني فقال الكلب الأسود شيطان" رواه الأربعة

(2)

وفي رواية "يقطع الصلاة اليهودي والمجوسي والنصراني والخنزير"

(3)

وقال الإمام أحمد بن حنبل يقطعها الكلب الأسود، قال وفي قلبي من المرأة والحمار شيء وأجاب الشافعي وغيره بأن المراد القطع عن الخشوع، وتأول الجمهور ذلك أيضا على المراد بالقطع نقص الصلاة من الأجر كشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها وادعى بعض أصحابنا نسخه

(1)

أخرجه مسلم (266 - 511)، وابن ماجه (950) عن أبي هريرة.

(2)

أخرجه مسلم (265 - 510)، وابن ماجه (952 و 3210)، وأبو داود (702)، والترمذي (338)، والنسائي في المجتبى 2/ 216 (762) والكبرى (914).

(3)

أخرجه أبو داود (704) عن ابن عباس. قال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء كنت أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أر أحدا جاء به عن هشام ولا يعرفه، ولم أر أحدا يحدث به عن هشام وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة يعني محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم، والمنكر فيه ذكر المجوسي، وفيه على قذفة بحجر، وذكر الخنزير، وفيه نكارة، قال أبو داود: ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة وأحسبه وهم لأنه كان يحدثنا من حفظه. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (110).

ص: 56

بحديث ابن عباس في مرور الأتان ترتع بين يدي الصف وكان ذلك في حجة الوداع وادعى في الكفاية نسخه بحديث أبي سعيد الخدري المرفوع "لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم"

(1)

رواه أبو داود

(2)

والدرء الدفع، هذان الحديثان ناسخان لما تمسك به الإمام أحمد.

806 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ لِأَن يكون الرجل رَمَادا يذرى بِهِ خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدي رجل مُتَعَمدا وَهُوَ يُصَلِّي رَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد مَوْقُوفًا

(3)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يكون الرجل رمادا يذرى به خير له من أن يمر بين يدي رجل متعمدًا" يذرى بالذال المعجمة ومنه قوله تعالى: {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}

(4)

وتقدم الكلام على المرور في الأحاديث المتقدمة مبسوطا والله أعلم.

(1)

أخرجه أبو داود (719). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (115)، والمشكاة (785).

(2)

المجموع (3/ 251) وشرح النووي على مسلم (4/ 227)، النجم الوهاج (2/ 237).

(3)

أخرجه الفاكهي في الفوائد (20)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 417) و (2/ 123)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 149). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (562).

(4)

سورة الكهف، الآية:45.

ص: 57