الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في قيام الليل
904 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: يعْقد الشَّيْطَان على قافية رَأس أحدكم إِذا هُوَ نَام ثَلَاث عقد يضرب على كلّ عقدَة عَلَيْك ليل طَوِيل فارقد فَإِن اسْتَيْقَظَ فَذكر اللّه تَعَالَى انْحَلَّت عقدَة فَإِن تَوَضَّأ انْحَلَّت عقدَة فَإِن صلى انْحَلَّت عقده كلهَا فَأصْبح نشيطا طيّب النَّفس وَإِلَا أصبح خَبِيث النَّفس كسلان" رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة وَقَالَ فَيُصْبِح نشيطا طيّب النَّفس قد أصَاب خيرا وَإِن لم يفعل أصبح كسلا خَبِيث النَّفس لم يصب خيرًا، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه نَحوه وَزَاد فِي آخِره فحلوا عقد الشَّيْطَان وَلَو بِرَكْعَتَيْنِ
(1)
.
قافية الرَّأْس مؤخره وَمِنْه سمي آخر بَيت الشّعْر قافية.
في حديث هشام
(2)
: إن قيام الليل كان واجبا أول الإسلام على النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
أخرجه مالك (486)، والبخاري (1142) و (3269)، ومسلم (207 - 776)، و ابن ماجة (1329)، وأبو داود (1306)، والنسائي في المجتبى 3/ 370 (1623).
(2)
قوله حديث هشام إنما هو حديث سعد بن هشام بن عامر: أخرجه مسلم (139 - 746) عن زرارة أن سعد بن هشام بن عامر، أراد أن يغزو في سبيل الله، وفيه أنه سأل عائشة قال فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت:"ألست تقرأ يا أيها المزمل؟ " قلت: بلي، قالت:"فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة".
والأمة ثم نسخ عنه وعن الأمة، وهي مسألة اختلف العُلماء فيها، فذهبت طائفة يسيرة إلى أنه لم يكن مفروضا والأحاديث ترد هذا المذهب، وذهبت طائفة إلى أنه كان مفروضا على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وأما النسخ في حق الأمة فهو مذهب كافة العُلماء، وذهب الحسن البصري إلى أن فرضية قيام الليل لم تنسخ عن الأمة بل الواجب قيام ما تيسر، وأما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقد اختلفوا في نسخ القيام في حقه، وظاهر حديث عائشة يدلّ على النسخ
(1)
واللّه أعلم، ذكره ابن عقيل في شرح الأحكام.
تنبيه: قال العُلماء: ويسن التهجد وهو متأكد بالكتاب والسنة والإجماع ومداومة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصلاة في الليل بعد النوم لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}
(2)
، وقوله تعالى:{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)}
(3)
والهجوع النوم ليلا
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" رواه مسلم
(5)
، فالجواب عن هذا الحديث أنه محمول على النوافل المطلقة لأن رواتب الفرائض أفضل منها، وعن [أبي إسحاق المروزي] أن صلاة الليل أفضل
(1)
انظر المفهم (7/ 15)، وشرح النووي على مسلم (6/ 26 - 27).
(2)
سورة الإسراء، الآية:79.
(3)
سورة الذاريات، الآية:17.
(4)
مجمل اللغة (ص 899)، والمجموع (4/ 44).
(5)
أخرجه مسلم (202 - 1163) عن أبي هريرة.
[من السنن] الرواتب، [وقواه] النووي: أن كسوف الشمس أفضل من كسوف [القمر وليس] تفضيل أحد العيدين على الآخر [نقل، لكن ذكروا أن تكبير الفطر أفضل من تكبير الأضى على الجديد، والعيد أفضل من الكسوف، ثم الاستقساء بلا خلاف] قاله الكمال الدميري
(1)
، واللّه أعلم.
قيل: إن صلاة الليل كانت فرضا فنسخت، وقد قيل: إن النسخ كان خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى تقدير أن تكون الأمة معه فيه فقد يكون المنسوخ قيام النصف أو نحوه فيفرض دون ذلك، وقد ذهب بعض العُلماء إلى أنه يجب قيام شيء من الليل وإن قل، ومن أغرب ما قيل إن ذلك منسوخ بالصلوات الخمس أ. هـ.
سؤال: ما الحكمة في أن اللّه تعالى ألزم المصطفى صلاة الليل دون أمته؟
الجواب عنه من وجوه: الأول: أنه لما أكرمه في الليل بما لم يكرم به أحدا قبله ألزمه في الليل بما لم يلزم به أحدا سواه، والإكرام الذي أكرمه به هو إنزال القرآن أعليه، قوله عز وجل:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)}
(2)
، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}
(3)
فأخبر أن نزول القرآن بالليل وإنزال التحية والسلام [بالليل وقوله]{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا}
(4)
يعني به
(1)
النجم الوهاج (2/ 308 - 309).
(2)
سورة القدر، الآية:1.
(3)
سورة الدخان، الآية:3.
(4)
سورة القدر، الآية:4.
الليل والعروج به إلى السماء، قوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}
(1)
فلما كانت ليلة السراة وليلة القدر وليلة نزول القرآن وليلة المعراج بما فيهن من الكرامات له خاصة ألزمه أيضًا التهجد بالليالي فتكون هذه المشقة شكرا للفضيلة.
الثاني: إنما ألزمه التهجد بالليل لأن منزلته عند اللّه منزلة المحبة ومناجاة الليل من شعار المحبة، والدليل عليه قوله:"كذب من ادعي محبتي ثم إذا جن عليه الليل نام عني" فلما كانت صفة المحبة مناجاة الليل والنبي صلى الله عليه وسلم كان أوكدهم محبة أوجب أن يستشعر بشعار الصالحين تخفيفا لحكم المحبة
(2)
.
الثالث: ألزمه التهجد بالليل دون غيره لأن الليل أفضل الأوقات وهو أفضل الأنبياء والصلاة أفضل الطاعات فأراد أن يكون أفضل الأفضل، للأفضل من الأفضل [سبحانه] والتهجد في اللغة اسم [لدفع النوم بالتكلف، والهجود: هو النوم] يقال: هجد إذا نام، وتهجد إذا زال النوم وهو في الاصطلاح صلاة التطوع في الليل بعد النوم وكذا قال القاضي حسين [وقال في "الحاوي": إن التهجد] أنه من الأضداد يقال: تهجد إذا سهر وتهجد إذا نام
(3)
.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.
(1)
سورة الإسراء، الآية:1.
(2)
الإحياء (4/ 33)، وجامع العلوم والحكم (2/ 346)، واللطائف (ص 44).
(3)
كفاية النبيه (3/ 343).
قوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد" الحديث، قافية الرأس مؤخره، أ. هـ، كذا فسره الحافظ رحمه اللّه تعالى، وقافية كلّ شيء آخره، ومنه قافية الشعر، قال الخطابي
(1)
: قلت لأعرابي: ورد علينا أين نزلت قال في قافية ذلك المكان وسمي لي موضعا عرفته، واختلف العُلماء في هذا العقد فقيل: هي عقد حقيقة بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من [القيام قال] اللّه تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)}
(2)
فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كما يؤثر السحر، وقيل: يحتمل أن يكون فعلا يفعله كفعل النفاثات في العقد، وقيل: هو من عقد القلب وتصميمه فكأنه يوسوس في نفسه ويحدّثه بأن عليك ليلا طويلا فيتأخر عن القيام، وقيل: هو مجازي كنى به عن تثبيط الإنسان عن قيام الليل
(3)
واللّه أعلم.
قال القرطبي: قوله صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان" الحديث، هذا العقد [الذي] يعقده الشيطان من [باب عقد] السواحر النفاثات في العقد [وذلك] بإنهن [يأخذن] خيطا [فيعقدن] عليه [عقدة من] المسحور [ويتكلمن عليه بالسحر، فيتأثر عند] ذلك [إما بمرض أو تخييل] أو تحريك [قلب] أو تحزين أو غير ذلك، فشبه فعل الشيطان بالنائمة بفعل السواحر، وذلك أن
(1)
معالم السنن (1/ 280).
(2)
سورة الفلق، الآية:4.
(3)
شرح النووي على مسلم (6/ 65).
النائم كلما أراد أن يقوم ليذكر اللّه أو يصلي غره وخدعه بأن يقول له عليك ليل طويل [فارقد فيريه أنه لطول ما بقي عليه من، الليل يمكنه استيفاء [راحته] من النوم وقيامه أبعد، ذلك لحزبه، فيصغى لذلك ويرقد ثم إن استيقظ ثانية فعل به كذلك، وكذلك ثالثة فلا يستيقظ في [من الثالثة إلا] وقد طلع الفجر [فيفوته] ما كان أراد من القيام، وإنما خص العقد بالثلاث لأن أغلب ما يكون انتباه النائم في السحر فإن اتفق له أن يستيقظ ويرجع للنوم ثلاث مرات لم [تتقض النومة] الثالثة في الغالب إلا والفجر قد طلع
(1)
قاله في الديباجة.
لطيفة: قال ابن عقيل في شرح الأحكام قوله: "ثلاث عقد" إن هذه العقد الثلاث لها أسبالب ثلاثة الأكل والشرب والنوم، ومن محاسن ما قالت الصوفية: إن النوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام: نوم باللّه، ونوم للّه، ونوم عن اللّه، فالقسم الأول: نوم العارفين باللّه تعالي، والقسم الثاني: نوم العباد فإنهم يستعينون به على أكمل العبادات، والقسم الثالث: نوم الغافلين عن اللّه وهو نوم أكثر الخلق، أ. هـ.
هذا الحديث يحتمل أن يكون في حق من نام عن الصلاة المفروضة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يضرب على كلّ عقدة عليك ليل طويل فارقد" رواه بعضهم بالرفع على الابتداء والخبر أي: بقى عليك ليل طويل، ويروي بالنصب على
(1)
المفهم (7/ 42 - 43).
الإغراء أي: الزم ليلا طويلا، قال النووي
(1)
: هكذا هو في معظم نسخ بلادنا كصحيح مسلم وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن استيقظ فذكر اللّه تعالى انحلت عقدة وإن صلى انحلت عقده كلها" بها هذا الحديث فوائد منها: الحث على ذكر اللّه تعالى عند الاستيقاظ من النوم وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة بها الصحيح وتقدم بعضها ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر ولكن الأذكار المأثورة فيه أفضل، ومثها: التحريض على الوضوء [حينئذ وعلي] الصلاة وإن قلت، قال النووي بها شرح مسلم: ظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة وهي الذكر والوضوء والصلاة فهو داخل فيمن لم يصبح خبيث النفس كسلان
(2)
، أ. هـ، وقد يقال [إذا جمع بين] الأمور الثلاثة [انتفى عنه] خبث النفس والكسل كاملا [وإذا أتى ببعضها] انتفى عنه بعض خبث النفس والكسل فليس عند من استيقظ فذكر اللّه من خبث النفس والكسل ما عند من لم يذكر اللّه أصلا
(3)
واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فأصبح نشيطا طيّب النفس" قال النووي بها شرح مسلم
(4)
معناه: بسروره بما وفقه اللّه الكريم له من الطاعة ووعده به من ثوابه مع ما يبارك له في
(1)
شرح النووي على مسلم (6/ 65).
(2)
شرح النووي على مسلم (6/ 66).
(3)
طرح التثريب (3/ 88).
(4)
شرح مسلم (6/ 66).
نفسه، وتصرفه في كلّ أموره مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه، قال الإمام أبو عبد اللّه القرطبي
(1)
: نشيطا لما يرد عليه من العبادات لكونه ألَّفها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" معناه: لما عليه من عقد الشيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنه لم يزل ذلك عنه
(2)
؛ وقوله أيضًا: "خبيث النفس" أي: بشؤم تفريطه وبإتمام خديعة الشيطان عليه إذ قد حمله على أن فاته الحظ الأوفر من قيام الليل
(3)
، فعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يقل أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي" أخرجاه
(4)
، و (خبثت) بضم الموحّدة، وإنما كره (خبثت) هربا من لفظ (الخبث) فهذا من الأدب في العبادة أن يتجنب ما فيه بشاعة أو كراهة أو شر ويختار ما فيه عذوبة وتفاؤل، ولهذا استحسنوا الأسماء الحسنة وكرهوا الأسماء السيئة وكنوا عن أمور كالغائط عن المحدّث وأشباهه
(5)
، فإن قيل: فقد قال عليه السلام في الذي ينام عن [الصلاة] فأصبح خبيث النفس كسلان؛ فجوابه: عن ذلك خبر عن صفة غيره وعن شخص مبهم أمذموم، الحلال فلا يمنع إطلاق هذا اللفظ عليه
(6)
واللّه أعلم، أ. هـ، قاله في شرح الإلمام، وكسلان أي متثاقل عن
(1)
المفهم (7/ 43).
(2)
شرح مسلم (6/ 67).
(3)
المفهم (7/ 43).
(4)
البخاري (6179)، ومسلم (16 - 2250).
(5)
كشف المشكل (2/ 11)، والميسر (3/ 1043)، وشرح النووي على مسلم (15/ 8) والأذكار (ص 357).
(6)
شرح مسلم (15/ 8).
الخيرات، وربما يحمله ذلك على تضييع الواجبات، وكسلان غير منصرف للألف والنون الزائدتين وهو مذكر كسلى، وقد وقع لبعض رواة الموطأ كسلان مصروف وليس بشيء، ليس في هذا الحديث مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقل أحدكم خبثت نفسي".
905 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا من ذكر وَلَا أُنْثَى إِلَّا على رَأسه جرير مَعْقُود حِين يرقد بِاللَّيْلِ فَإِن اسْتَيْقَظَ فَذكر اللّه انْحَلَّت عقدَة وَإِذا قَامَ تَوَضَّأ وَصلى انْحَلَّت العقد وَأصْبح خَفِيفا طيّب النَّفس قد أصَاب خيرا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقَالَ الْجَرِير الْحَبل رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَيَأْتِي لَفظه
(1)
.
قوله: وعن جابر، تقدم الكلام على جابر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد بالليل" قال ابن خزيمة: الجرير الحبل، وتقدم تفسير ما في الحديث قبله.
906 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أفضل الصّيام بعد رَمَضَان شهر اللّه الْمحرم وَأفضل الصَّلَاة بعد الْفَرِيضَة صَلَاة اللَّيْل" رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَه فِي صَحِيحه
(2)
.
قوله: وعن أبي .. هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.
(1)
أخرجه ابن خزيمة (1133)، وابن حبان (2554) و (2556). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (614).
(2)
أخرجه مسلم (202 و 203 - 1163)، وأبو داود (2429)، والترمذي (438)، والنسائي في المجتبى 3/ 375 (1629)، وابن خزيمة (2076)، وابن حبان (2563) و (3636).
قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللّه المحرم" سيأتي الكلام على هذا الحديث صوم شهر اللّه المحرم في بابه [بياض بالأصل] أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، فيه دليل لما اتفق العُلماء عليه أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار لكن أوسطه أي الليل أفضل، هذا إذا قسمه أثلاثا [لشمول] الغفلة فيه وثقل العبادة حينئذ وأفضل منه السدس الرابع والخامس ثم آخره أي [نصفا أو ثلثا] أفضل من أوله [ثم آخره أي: نصفا أو ثلثا أفضل من أوله؛ لأن اللّه] تعالى حث [على الاستغفار] بالأسحار وهو محل الرحمة والمغفرة أ. هـ قاله الكمال الدميري
(1)
، وفيه حجة لأبي إسحاق المروزي من أصحابنا ومن وافقه أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة، وقال أكثر أصحابنا الرواتب أفضل لأنها تشبه الفرائض والأولى أقوى وأوفق للحديث
(2)
واللّه أعلم، وتقدم ذلك، وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة الليل كلّه، أما نهيه صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل كلّه فهو على إطلاقه وغير مختصر به بل قال أصحابنا يكره صلاة كلّ الليل دائما لكل واحد، وفرقوا بينه وبين صوم الدهر في حق من لا يتضرر به ولا يفوت حقا بأن صلاة الليل كلّه لابد فيها من الإضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر وغن نام نوما ينجبر به سهره فوت بعض الحقوق بخلاف من لا يصلي بعض الليل فإنه يستغني بنوم باقيه وإن نام معه شيئًا في النهار كان يسيرا لا يفوت حق، وكذا من قام ليلة كاملة كليلة العيد أو غيرها لا دائما لا كراهة فيه لعدم
(1)
النجم الوهاج (2/ 314).
(2)
شرح النووي على مسلم (8/ 55).
الضرر
(1)
واللّه أعلم.
907 -
وَعَن عبد اللّه بن سَلام رضي الله عنه: قَالَ أول مَا قدم رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَة انجفل النَّاس إِلَيْهِ فَكنت فِيمَن جَاءَهُ فَلَمَّا تَأَمَّلت وَجهه واستبنته عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كذَّاب قَالَ فَكَانَ أول مَا سَمِعت من كَلَامه أَن قَالَ أَيهَا النَّاس أفشوا السَّلَام وأطعموا الطَّعَام وصلوا الْأَرْحَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَابْن مَاجَة وَالْحَاكِم وَقَالا صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ
(2)
انجفل النَّاس بِالْجِيم أَي أَسْرعُوا ومضوا كلهم.
استبنته أَي تحققته وتبينته.
قوله: وعن عبد اللّه بن سلام، سيأتي الكلام على مناقبه مبسوطا واللّه أعلم.
قوله: أول ما قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه" الحديث، المراد بالمدينة مدينة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم التي هاجر إليها وهي مدينة حسنة وبها قبره وهي في مستوي الأرض وعليها سور حصين قديم وحولها نخل كثير وتمرها في غاية الحسن والحلاوة وللمدينة مخاليف كثيرة وهي الحصون فمن مخالفيها المشهورة وادي العقيق وبه نخل ومزارع وقبائل من العرب ووادي الصفراء وغير ذلك ولها أسماء كثيرة يثرب وطيبة بفتح الطاء وسكون الياء وطابة والدار والطيب إما لخلوصها [من الشرك] أو لطيبها لساكنيها
(1)
شرح النووي على مسلم (8/ 41).
(2)
أخرجه ابن ماجة (1334) و (3251)، والترمذي (2485) والحاكم 3/ 13 و 4/ 159 - 160. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (616) و (949) و (2697).
لأمنهم ودعتهم، وقيل: لطيب عيشهم فيها، وأما تسميتها بالدار فللاستقرار بها، وأما المدينة فهي إما من مدن بالمكان إذا قام به فهي [فعيلة وجمعها مدائن بالهمز] أو من دان أي أطاع أو من دين أي ملك فجمعه مداين بلا همز كقوله تعالى [وجعلنا لكم فيها معايش]
(1)
واللّه أعلم بالصواب.
قوله: انجفل الناس إليه، انجفل بالجيم أي: أسرعوا أو مضوا كلهم إليه.
وقوله: واستبنته، أي: تحققته وتبينته كذا فسره الحافظ.
908 -
وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْجنَّة غرفَة يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا فَقَالَ أَبُو مَالك الأشْعَرِيّ لمن هِيَ يَا رَسُول اللّه قَالَ لمن أطاب الْكَلَام وَأطْعم الطَّعَام وَبَات قَائِما وَالنَّاس نيام رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا
(2)
.
قوله: وعن عبد اللّه بن عمر وتقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقال أبو مالك الأشعري لمن هي يا رسول اللّه قال لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام" وسيأتي الكلام على الغرف في ذكر الجنة إن شاء اللّه تعالى.
909 -
وَعَن أبي مَالك الأشْعَرِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة غرفا يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا أعدهَا اللّه لمن أطْعم الطَّعَام
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 149)، والكواكب الدراري (1/ 163 - 164).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (14/ 80 - 81 رقم 14687)، والحاكم (1/ 80 و 321). وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (617) و (946) و (2692) و (3717).
وَأفْشى السَّلَام وَصلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
وَتقدم حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَفِيه والدرجات إفشاء السَّلَام وإطعام الطَّعَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه
(2)
.
قوله: وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه[هو أبو مالك كعب بن عاصم الأشعري، قال أبو حاتم: سمعتُ إسماعيل بن أبي أويس يقول: أبو مالك الأشعري، كعب بن عاصم، وكذلك قال أبو بكر بن أبي شيبة والبخاري في "التاريخ"، وأبو حاتم. وقال: روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وشريح بن عبيد. وقال أبو حاتم أيضًا: وقيل: اسمه عبد اللّه، وقيل: عمرو، وقيل: عبيد. وقال البخاري في رواية عبد الرحمن بن غنم عنه: حدّثنا أبو مالك أو أبو عامر بالشك. قال ابن المديني: وأبو مالك هو الصَّواب، روى عنه جابر بن عبد اللّه، وعبد الرحمن بن غنم، وخالد ابن أبي مريم. مات في خلافة عمر بن الخطاب
(3)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها اللّه لمن أطعم الطعام وأفشى السَّلام وصلى بالليل والناس نيام" الحديث، اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في العمال فبعضها أعلا من بعض وأرفع وأنها لأهل هذه الخصال الثلاثة.
(1)
أخرجه ابن خزيمة (2137)، وابن حبان (509). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (618) و (947) و (3718) والمشكاة (1232).
(2)
أخرجه الترمذي (3233). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (408).
(3)
جامع الأصول (12/ 812).
910 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قلت يَا رَسُول اللّه إِنِّي إِذا رَأَيْتُك طابت نَفسِي وقرت عَيْني أنبئني عَن كلّ شَيْء قَالَ كلّ شَيْء خلق من المَاء فَقلت أَخْبرنِي بِشَئ إِذا عملته دخلت الْجنَّة قَالَ أطْعم الطَّعَام وأفش السَّلَام وصل الأرْحَام وصل بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدخل الْجنَّة بِسَلام رَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّهَجُّد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَصَححهُ
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله: إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني [أنبئني] عن كلّ شيء؟، قال:"كلّ شيء خلق من الماء" الحديث، فهذا الحديث يدلّ على أن الماء أصل جميع المخلوقات ومادتها وجميع المخلوقات خلقت منه، وقد حكي ابن جرير وغيره عن ابن مسعود وطائفة من السلف أن أول المخلوقات الماء، وقد أخبر اللّه تعالى في كتابه أن الماء كان موجودا قبل خلق السموات والأرض فقال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(2)
وحديث أبي هريرة يدلّ على أن الماء مادة جميع المخلوقات، وقد دل القرآن على أن الماء مادة جميع المخلوقات (الحيوانات) قال اللّه تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}
(3)
وقال اللّه
(1)
أخرجه أحمد 2/ 295 (7932) و 2/ 323 (8295) و 2/ 493 (10399)، وابن أبي الدنيا في التهجد (7)، وابن حبان (508) و (2559)، والحاكم (4/ 192). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع 5/ 16: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا أبي ميمونة، وهو ثقة. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (354).
(2)
سورة هود، الآية:7.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:30.
تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}
(1)
واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أطعم الطعام وأفش السَّلام وصل الأرحام" سيأتي الكلام على هذه الثلاثة في أبوابها.
911 -
وَرُوِيَ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن فِي الْجنَّة لشَجَرَة يخرج من أَعْلَاهَا حلل وَمن أَسْفَلهَا خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در وَيَاقُوت لا تروث وَلَا تبول لهَا أَجْنِحَة خطوها مد الْبَصَر فَيركبهَا أهل الْجنَّة فتطير بهم حَيْثُ شاؤوا فَيَقُول الَّذين أَسْفَل مِنْهُم دَرَجَة يَا رب بِمَا بلغ عِبَادك هَذِه الْكَرَامَة كلهَا قَالَ فَيُقَال لَهُم كانُوا يصلونَ بِاللَّيْلِ وكنتم تنامون وَكانُوا يَصُومُونَ وكنتم تَأْكلُونَ وَكانُوا يُنْفقُونَ وكنتم تبخلون وَكانُوا يُقَاتلُون وكنتم تجبنون رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا
(2)
.
قوله: وروي عن علي رضي الله عنه، تقدم الكلام علي عليّ رضي الله عنه.
قوله: "إن في الجنة خيلا من ذهب لا تروث ولا تبول" الروث بالثاء المثلثة هو الخارج من الآدمي وغيره، والبول معروف.
فائدة: ومن الخيل في الدنيا ما لا يروث ولا يبول ما دام عليه راكبه، ومنها ما يعرف صاحبه ولا يمكن غيره من الركوب عليه، فالفرس أشبه الحيوان بالإنسان لما يوجد فيه من الكرم وشرف النفس [وعلو الهمة] وتزعم العرب
(1)
سورة النور، الآية:45.
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة (238). قال الألباني في موضع: موضوع (355) وفى الآخر: ضعيف (2239) ضعيف الترغيب.
أنه كان وحشيا كسائر الوحوش ولذلك سميت [بالعراب] وركبه إسماعيل عليه السلام فلما [أذن] اللّه تعالى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام برفع القواعد من البيت [قال اللّه عز وجل: إني معطيكما كنزا دخرته لكما]، ثم [أوحى اللّه] تعالى إلى إسماعيل عليه السلام أن [اخرج فادع] بذلك الكنز فخرج إلى [أجياد] وكان لا يدري ما [الدعاء] والكنز فألهمه اللّه عز وجل الدعاء فلم يبق [على وجه الأرض، فرس بأرض العرب [إلا أجابته] فأمكنته من نواصيها وتذللت، ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم:"اركبوا الخيل فإنها من ميراث أبيكم إسماعيل"، وكان لسليمان عليه السلام خيل ذوات أجنحة، أ. هـ قاله الكمال الدميري في حياة الحيوان
(1)
.
قوله: "وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون" الجبن هو الخوف وعد الإقدام علي الشيء.
912 -
وَرُوِيَ عَن أَسمَاء بنت يزِيد رضي الله عنهما عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ يحْشر النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة فينادي مُنَاد فَيَقُول أَيْن الَّذين كَانُوا تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع فَيقومُونَ وهم قَلِيل فَيدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ثمَّ يُؤمر بِسَائِر النَّاس إِلَى الْحساب رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
(2)
.
(1)
حياة الحيوان (1/ 435) و (2/ 285).
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (175) وعنه المروزي في مختصر قيام الليل (ص 36 - 37)، والبيهقي في الشعب (4/ 538 - 539 رقم 2874). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (356).
قوله: وروي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها. [هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية، إحدى نساء بني عبد الأشهل، تكنى أم عامر، وقيل: أم سلمة، وقيل: اسمها فكيهة، وهي من المبايعات يقال: إنها بنت عم معاذ بن جبل، وهي مدنية من ذوات العقل والدين. شهدت اليرموك، وقتلت تسعة من الكفار بعود فسطاط. روى عنها محمود بن عمرو، ومهاجر أبو محمد، وشهر بن حوشب
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس في صعيد واحد" الصعيد هو الأرض الواسعة المستوية، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في الشفاعة.
قوله: "فينادي مناد فيقول: أين الذين كانوا تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ " الحديث، المراد بهم نوام الليل.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فيقومون وهم قليل فيدخلون الجنة بغير حساب" الحديث، تصير الناس في الحساب على ثلاثة فرق: فرقة لا يحاسبون أصلًا، وفوقة تحاسب حسابا يسيرًا وهما من المؤمنين، وفرقة تحاسب حسابا شديدًا يكون منهم مسلم وكافر.
913 -
وَعَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة رضي الله عنه قَالَ قَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى تورمت قدماه فَقيل لَهُ قد غفر اللّه لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ أَفلا أكون عبدا شكُورًا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَفِي رِوَايَة لَهما وللترمذي قَالَ إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ليقوم أَو ليُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه أَو ساقاه فَيُقَال لَهُ فَيَقُول أَفلا أكون عبدا شكُورًا
(2)
.
(1)
جامع الأصول (12/ 189).
(2)
أخرجه البخاري (1130) و (4836) و (6471)، ومسلم (79 و 80 - 2819)، وابن ماجة (1419)، والترمذي (412)، والنسائي في المجتبى 3/ 399 (1660).
914 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يقوم حَتَّى ترم قدماه فَقيل لَهُ أَي رَسُول اللّه أتصنع هَذَا وَقد جَاءَك من اللّه أَن قد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ أَفلا أكون عبدا شكُورًا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله: وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، كنيته: أبو عبد اللّه، وقيل: أبو عيسى، وقيل: أبو محمد بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بالعين المهملة المفتوحة بن مالك بن عمرو بن سعد بن عوف بن قيس بن منبه فذكره إلى أن قال: بن معد بن عدنان الثقفي الكوفي الصحابي، أسلم عام الخندق، روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة وستة وثلاثون حديثًا، اتفقا منها على سبعة، وللبخاري حديث ولمسلم حديثان، ورى له الجماعة، كان المغيرة موصوفا بالدهاء، قيل: إنه أحصر ثلاثمائة امرأة، وقيل: ألف امرأة
…
، شهد الحديبية وولاه عمر البصرة ثم ولاه الكوفة وأقام بها إلى أن مات عمر فأقره عثمان عليها ثم عزله وشهد اليمامة وفتح الشام وذهبت عينه يوم اليرموك وشهد القادسية وفتح همذان وغيرها، واعتزل الفتنة بعد قتل عثمان واستعمله معاوية على الكوفة، وتوفي وهو عليها سنة خمسين، وقل: إحدى وخمسين وهو أول من وضع ديوان البصرة، قال الشعبي: دهاة العرب أربعة معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أمية، كان كثير النكاح للنساء ينكح أربعا ثم يطلقهن وأحصر أربعا من بنات أبي سفيان، قال: وما غلبني إلا شاب خطبت امرأة فقال: إني رأيتُ رجلًا يقبلها فتركتها فتزوجها الشاب
(1)
أخرجه ابن خزيمة (1184). وقال الألباني: حسن صحيح، صحيح الترغيب (620).
فقلت له، فقال: نعم رأيتُ أباها يقبلها
(1)
.
قوله: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، وفي حديث أبي هريرة:"حتى تورمت أقدامه" وفي رواية الترمذي: "حتى ترم قدماه أو ساقاه" أي: انتفخت من طول قيامه في صلاة الليل، يقال: ورم يرم والقياس يورم وهو أحد ما جاء على هذا البناء قاله في النهاية
(2)
.
قوله: فقيل له: قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تآخر، قال:"أفلا أكون عبدا شكورًا"، وفي رواية الترمذي: فيقال له: فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورًا" أي: بتوفيقه إياي، وفيه: أن قيام المغفور له يحقق العبودية، وبالشكر يحصل المقام المحمود وغيره من الشيم المرضية فقيام الليل مظنة النيل، ولهذا حافظ عليها أكابر المقربين وتفطرت فيها قدما سيد المرسلين الأولين والآخرين، أ. هـ قاله في حدائق الأولياء
(3)
، وقال القاضي عياض: فيقال له في ذلك فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورًا" أي: يقال له في ذلك ما يلام به في إجهاده نفسه وتجشمه من التعب ما تجشمه
(4)
، أ. هـ، وقال بعضهم "أفلا أكون عبدا شكورًا" أي: مثنيا على ربي عز وجل بنعمه ومتلقيا لها بالازدياد من طاعته، والشكر: الثناء على صنع يؤتى للعبد
(5)
، وقيل: الشكر معرفة
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 109 - 110).
(2)
النهاية (5/ 177).
(3)
حدائق الأولياء (1/ 180).
(4)
مطالع الأنوار (5/ 406).
(5)
مطالع الأنوار (6/ 47).
الإحسان والتحدّث به
(1)
، وقيل: الشكر بالقلب وهو التسليم قال اللّه تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}
(2)
وبالعمل وهو الدوام على الطاعة قال اللّه تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} ، {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}
(3)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين عوتب على الإجهاد في العمل: "أفلا أكون عبدا شكورًا"، وقيل: الشكر والحمد سواء، وقيل: الحمد أعم لأن متعلقه الصفات والأفعال جميعها، ومتعلق الشكر الفعل وحده
(4)
، وتقدم الكلام على الشكر والحمد في الخطبة مبسوطا، وقال بعضهم أيضًا في قوله:"أفلا أكون عبدا شكورًا" أي: ليست عبادتي لأجل خوف الذنوب بل لشكر النعم الكثيرة، وقال الغزالي في الإحياء
(5)
في قوله: "أفلا أكون عبدا شكورًا" يظهر من معناه أن ذلك كناية عن زيادة الرتبة فإن الشكر سبب المزيد قال اللّه تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}
(6)
.
915 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يقوم من اللَّيْل حَتَّى تتفطر قدماه فَقلت لَهُ لم تصنع هَذَا وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ أَفلا أحب أَن أكون عبدا شكُورًا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(7)
.
(1)
مطالع الأنوار (6/ 47).
(2)
سورة الضحى، الآية:11.
(3)
سورة سبأ، الآية:13.
(4)
مطالع الأنوار (6/ 47 - 48).
(5)
الإحياء (1/ 353).
(6)
سورة إبراهيم، الآية:7.
(7)
أخرجه البخاري (4837)، ومسلم (81 - 2820).
قوله: عن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام على مناقبها.
قوله: "كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه" الحديث، والتفطر التشقق يقال: تفطرت وانفطرت بمعنى قاله في النهاية
(1)
، والتشقق أبلغ من التورم لأن التورم مبادئه.
قوله: "أفلا أكون عبدا شكورًا"، إشعار بمزية قيام الليل على غيره من العبادات، قاله في الحدائق
(2)
، واعلم أن هذا الحديث يتضمن أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان، قال اللّه تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}
(3)
فالشكر بالأقوال عمل اللسان والشكر بالأفعال عمل الأركان، والقصد الصحيح هو المحصل للمطلوب وهو من أعمال القلوب فلا يكمل الشكر إلا هذه الثلاثة الأمور، قال اللّه تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}
(4)
فنسأل اللّه تعالى أن يجعلنا من الذاكرين ولنعمه من الشاكرين وأن يوفقنا لمراضيه وامتتال أوامره ونواهيه إنه سميع الدعاء لطيف لما يشاء، قاله في تاريخ كنز الدرر.
916 -
وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ أحب الصَّلَاة إِلَى اللّه صَلَاة دَاوُد وَأحب الصّيام إِلَى اللّه صِيَام دَاوُد كَانَ ينَام
(1)
النهاية (3/ 458).
(2)
حدائق الأولياء (2/ 122).
(3)
سورة سبأ، الآية:13.
(4)
سورة سبأ، الآية:13.
نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة وَذكر التِّرْمِذِيّ مِنْهُ الصَّوْم فَقَط
(1)
.
قوله: وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "أحب الصلاة إلى اللّه صلاة داود" الحديث، داود نبي اللّه هو: أبو سليمان هو داود بن أبيشا بهمزة مكسورة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم شين معجمة، ويقال: منشأ بن عويد فذكر نسبه إلى أن قال بن يهود بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن وداود اسم أعجمي قال ابن عباس: هو بالعبرانية القصير العمر، قال مقاتل: ذكر اللّه تعالى داود في اثني عشر موضعا من كتابه، وثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"خفف على داود القرآن" أي: الزبور، وكان يأمر بدابته فتسرج فيقر قبل أن تسرج وكان لا يأكل إلا من عمل يده، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود قال:"كان أعبد البشر"، قال كعب الأحبار ووهب بن منبه: كان داود أحمر الوجه سبط الرأس أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت والخلو طاهر القلب، قيل: ورد عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن عمر داود عليه السلام كان مائة سنة، وقال أهل الكتاب: تسع وتسعون سنة، ومدة ملكه أربعون سنة قال: والنصاري يزعمون أن قبره في الكنيسة الجسمانية ببيت المقدس
(2)
، أ. هـ.
(1)
أخرجه البخاري (3420)، ومسلم (189 و 190 - 1159)، وابن ماجة (1712)، وأبو داود (2448)، والترمذي (770)، والنسائي في المجتبى 3/ 390 (1646) و 4/ 384 (2363).
(2)
مرآة الزمان (2/ 156 - 180) باختصار.
قوله صلى الله عليه وسلم في داود: "كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" الحديث فهمه بعض العُلماء على الترتيب وأنه كان ينام سدس الليل الآخر ليقوم إلى صلاة الصبح بنشاط لكن الذي يظهر أن الواو ليست للترتيب هاهنا، وذلك أن داود صلى الله عليه وسلم لا يظن به أنه كان ينام حين تغرب الشمس لأن هذا لا يفعله الكسالي فضلًا عن ذي العزم والنشاط لاسيما إن كانت صلاة المغرب والعشاء واجبة عليهم وإذا لم يكن هذا الترتيب كان المعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يحيي ثلث الليل إما من أوله أو أوسطه أو آخره، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو والصحابة يقومون من ثلث الليل قبل فريضة الصلاة الخمس كما قال تعالى في سورة المزمل، ويكون المعنى على هذا كان ينام نصف الليل وسدسه ويقوم ثلثه وفرق صلى الله عليه وسلم بين النصف والسدس بالعطف لأن الأمر وقع كذلك في سورة المزمل قال تعالى:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}
(1)
أي: على الثلث، أي أوزد على الثلث السدس فكأنه قال: أو قم الثلثين، فالتخيير ثابت في الزيادة على النصف إلى الثلثين والنقص منه إلى الثلث واللّه أعلم.
917 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن فِي اللَّيْل لساعة لا يُوَافِقهَا رجل مُسلم يسْأَل اللّه خيرا من أَمر الدُّنْيَا وَالآخرَة إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه وَذَلِكَ كلّ لَيْلَة رَوَاهُ مُسلم
(2)
.
(1)
سورة المزمل، الآيتان: 2 - 4.
(2)
أخرجه مسلم (166 و 167 - 757)، وابن حبان (2561).
قوله: وعن جابر، تقدم الكلام على جابر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل اللّه خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كلّ ليلة" الحديث فيه إثبات ساعة الإجابة في كلّ ليلة وأنها ليست مخصوصة ببعض الليالي، ويتضمن الحث على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادقتها واللّه أعلم.
918 -
وَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه: عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ وقربة إِلَى ربكُم ومكفرة للسيئات ومنهاة عَن الإِثْم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الدُّعَاء من جَامعه وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّهَجُّد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم كلهم من رِوَايَة عبد اللّه بن صَالح كَاتب اللَّيْث رحمه الله وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ
(1)
.
قوله: وعن أبي أمامة الباهلي، تقدم الكلام عليه.
قوله: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم" الحديث، الدأب العادة والشأن [قوله:"قبلكم" أي هي عادة قديمة، واظب عليها] الأنبياء وقد [يحرك] وأصله من دأب في العمل إذا جد وتعب إلا أن العرب حولت معناه إلى العادة والشأن ومنه الحديث "كان دأب ودأبهم" قاله في النهاية
(2)
، وقال
(1)
أخرجه الترمذي عقب حديث (3549)، وأبن أبي الدنيا في التهجد، وابن خزيمة (1135) والطبراني في الكبير (8/ 92 رقم 7466)، والأوسط (3/ 311 - 312 رقم 3253)، ومسند الشاميين (1931)، وابن عدي في الكامل (4/ 207)، والحاكم في المستدرك (1/ 308). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (624).
(2)
النهاية (3/ 95).
الإمام أبو عبد اللّه القرطبي في التذكار
(1)
: روي عن يحيى بن عيسى بن ضرار السعدي وكان قد بكى شوقا إلى اللّه تعالى ستين عاما قال: رأيتُ كأن ضفة نهر تجري بالمسك الإذفر. حافتاه شجر اللؤلؤ، وبيت من قصبان الذهب، فإذا بجوار مزينات يقلن بصوت واحد: سبحان المسبح بكل لسان سبحان الموجود بكل مكان سبحان الدائم في كلّ زمان سبحانه سبحانه، قال: قلت: من أنتن؟. قلن: خلق من خل الرحمن، قال: قلت: ما تصنعن هاهنا؟ فقلن:
ذرأنا
(2)
إله الناس رب محمد
…
لقوم على الأقدام بالليل قُوَّم
كنا جور رب العالمين إلاههم
…
وتسري هموم القوم والناس نُوَّم
فقلت: بخ بخ لهؤلاء من هؤلاء، لقد أقر اللّه أعينهم فقلن: أما تعرفهم فقلت واللّه ما أعرفهم، قلن: هؤلاء المتهجدون بالليل أصحاب السهر، وذكر أبو الوليد النيسابوري: أن المتهجد بشفع في أهل بيته، وروي أن الجنيد رئي في النوم، فقيل له: ما فعل اللّه بك؟ قال: طاحن تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وبنيت تلك العلوم ونفدت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر، أ. هـ واللّه أعلم.
قوله: في آخر حديث أبي أمامة الباهلي في الكلام على الرواة عبد اللّه بن صالح كاتب الليث [على أمواله صالح الحديث وله مناكير].
(1)
التذكار (ص 85).
(2)
[قوله ذرأنا: هو بسكون الهمزة سكونًا مبينًا فيصير ذرى كغزى تخفيفًا للضرورة].
919 -
وَعَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ ومقربة لكم إِلَى ربكُم ومكفرة للسيئات ومنهاة عَن الإِثْم ومطردة للداء عَن الْجَسَد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن أبي الجون وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات من جَامعه من رِوَايَة بكر بن خُنَيْس عَن مُحَمَّد بن سعيد الشَّامي عَن ربيعَة بن يزِيد عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَعَن بِلَال رضي الله عنه وَعبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان أصلح حَالا من مُحَمَّد بن سعيد
(1)
.
قوله: وعن سلمان الفارسي هو: أبو عبد اللّه سلكان الخير مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سئل عن نسبه فقال: أنا سلمان بن الإسلام أصله من فارس من جَيّ بفتح الجيم وتشديد الياء قرية من قرى أصبهان وسبب إسلامه مشهور، واتفق العُلماء على أن سلمان عاش مائتين وخمسين، وتوفي بالمدائن في أول سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة خمس وثلاثين واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم" أي: عادة الأنبياء.
قوله: "ومكفرة للسيئات" أي: سبب سترها، ومكفرة: مفعلة بمعنى اسم فاعل أي مكفرة ونظيرها مطهرة ومرضاة.
قوله: "ومطردة للداء عن الجسد" ففي هذا الحديث أن قيام الليل يوجب صحة الجسد ويطرد عنه الداء وكذلك صيام النهار، ففي الطبراني من حديث
(1)
أخرجه الترمذي (3549)، والطبراني في الكبير (6/ 258 رقم 6154). وضعفه الألباني في الضعيفة (5348) وضعيف الترغيب (357) و (358).
أبي هريرة مرفوعًا: "صوموا تصحوا" وكما أن قيام الليل يكفر السيئات فهو يرفع الدرجات، وقد ذكر أن أهله من السابقين إلى الجنة بغير حساب ذكره في الطائف.
قوله: رواه الطبراني في الكبير من رواية عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون [وهو صويلح ضعفه أبو داود، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به ووثقه دحيم وابن حبان وابن عدي].
920 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم رحم اللّه رجلًا قَامَ من اللَّيْل فصلى وَأَيْقَظَ امْرَأَته فَإِن أَبَت نضح فِي وَجههَا المَاء ورحم اللّه امْرَأَة قَامَت من اللَّيْل فصلت وأيقظت زَوجهَا فَإِن أَبى نضحت فِي وَجهه المَاء رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا لَفظه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(1)
وَعند بَعضهم رش ورشت بدل نضح ونضحت وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم اللّه رجلًا قام من الليل" الحديث، رحم اللّه كلمة دعاء ولا شك في إجابة الدعاء فيا سعادة من دخل في دعوته الجامعة.
(1)
أخرجه ابن ماجة (1336)، وأبو داود (1308 و 1450)، والنسائي في المجتبى 3/ 372 (1626)، وابن خزيمة (1148)، وابن حبان (2567)، والحاكم (1/ 309). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1181) و (1304) وصحيح الترغيب (625).
قوله: "وأيقظ أهله" أي: للصلاة في الليل ففيه إعانة المسلم على الخيرات واحتمال مشقة زوال النوم والراحة لحصول الثواب قاله في شرح الإلمام.
قوله: "فصلى وأيقظ أمرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء" النضح أقل من الرش، وعند بعضهم:"رش في وجهها الماء" بدل نضح ونضحت وهو بمعناه لأن النضح وهو الرش مزيل للنوم المفوت للقيام.
فائدة تتعلق بمعنى الحديث: روى الدَّارقُطْنِي وعبد الحق عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تزوج أحدكم امرأة فكان ليلة البناء بها فليصل ركعتين وليأمرها فتصل خلفه فإن اللّه جاعل في ذلك خيرًا".
قلت: يتصل بهذا الحديث قوله تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}
(1)
الآية، وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وتدخل أمته في عمومه، روى أن عروة بن الزبير كان إذا رأى شيئًا من [الدنيا أتي] منزله فدخله وهو يقرأ هذه الآية ثم ينادي: الصلاة الصلاة يرحمكم اللّه ويصلي [وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يوقظ] أهل داره [لصلاة الليل] ويصلي وهو [يتمثل بهذه] الآية، أ. هـ قاله في الديباجة.
921 -
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي مَالك الأشْعَرِيّ رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا من رجل يَسْتَيْقِظ من اللَّيْل فيوقظ امْرَأَته فَإِن غلبها النّوم نضح فِي وَجههَا المَاء فيقومان فِي بيتهما فيذكران اللّه عز وجل سَاعَة من اللَّيْل إِلَّا غفر لَهما
(2)
.
(1)
سورة طه، الآية:32.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 295/ 3448). قال الهيثمي في المجمع 2/ 263: =
922 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رضي الله عنهما قَالا قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِذا أيقظ الرجل أَهله من اللَّيْل فَصَليَا أَو صلى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كتبا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَات رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ رَوَاهُ ابْن كثير مَوْقُوفا على أبي سعيد وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَأَلْفَاظهمْ مُتَقَارِبَة من اسْتَيْقَظَ من اللَّيْل وَأَيْقَظَ أَهله فَصَليَا رَكعَتَيْنِ زَاد النَّسَائِيّ جَمِيعًا كتبا من الذَّاكِرِينَ اللّه كثيرًا وَالذَّاكِرَات قَالَ الْحَافِظ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، تقدم الكلام عليهما.
قوله: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتبا في الذاكرين اللّه كثيرًا والذاكرات" الحديث، وقال الواحدي: قال مقاتل بن حيان: بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هلا نزل فينا شيء من القرآن قلن: لا فأنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه صلى اللّه عليك إن النساء لفي خيبة وخسار
= رواه الطبراني وفيه محمد بن إسماعيل بن عيَّاش وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (5609) وضعيف الترغيب (359).
(1)
أخرجه ابن ماجة (1335) مرفوعًا، وأبو داود (1359) و (1451)، والنسائي في الكبرى (1312) و (11342)، وابن حبان (2568) و (2569)، والحاكم (1/ 316) و (2/ 416).
قال أبو داود: رواه ابن مهدي، عن سفيان، قال: وأراه ذكر أبا هريرة، قال أبو داود:"وحديث سفيان موقوف". وصححه الألباني في المشكاة (1238)، صحيح أبي داود (1182) و (1305) وصحيح الترغيب (626).
قال: "ومم ذاك؟ " قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما تذكر الرجال فأنزل اللّه عز وجل {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ}
(1)
الآية، وقال الزمخشري: الذاكرون اللّه كثيرًا والذاكرات من لا يكاد يخلوا من ذكر اللّه بقلبه أو بلسانه أو بهما وقراءة القرآن والاشتغال بالعلم من الذكر ويوافقه قول النووي في أول الأذكار أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير [بل] كلّ عامل اللّه بطاعته فهو ذاكر اللّه كذا قاله سعيد بن جبير
(2)
.
923 -
وَعَن عبد اللّه رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فضل صَلَاة اللَّيْل على صَلَاة النَّهَار كفضل صَدَقَة السِّرّ على صَدَقَة الْعَلَانِيَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(3)
.
قوله: وعن عبد اللّه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية" الحديث.
سؤال: الليل أفضل أم النهار أفضل؟ قيل: قال النيسابوري: الليل أفضل لوجوه: أحدها: الليل راحة والراحة من الجنة والنهار تحب والتعب من النار
(1)
سورة الأحزاب، الآية:35.
(2)
الأذكار (ص 9).
(3)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (25)، والدينورى في المجالسة (3544)، والطبراني في الكبير (10/ 179 رقم 10382). قال الهيثمي في المجمع 2/ 251: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (4010) وضعيف الترغيب (360).
وأيضًا فالليل حظ الفراش والنهار حظ اللباس ولأن اللّه تعالى سمى ليلة خير من ألف شهر وليس في الأيام مثلها، وقيل: النهار أفضل لأنه نور، وأيضًا لا يكون في الجنة ليل، وأيضًا النهار للمعاد والمعاش، فإن قيل:[ما الليل] والنهار؟ قيل: هما يخرجان من كفتي ملك في إحدى يديه نور وفي الآخرى ظلمة فيقال: الظلمة دائمة والنهار يجيء ويذهب قاله النيسابوري، ومنه يعلم أن نور الفجر ليس من الشمس قاله في كشف الأسرار
(1)
.
924 -
وَرُوِيَ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه: قَالَ أمرنَا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَن نصلي من اللَّيْل مَا قل أَو كثر ونجعل آخر ذَلِك وترا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار
(2)
.
قوله: وروى عن سمرة هو ابن جندب، تقدم الكلام عليه رضي الله عنه.
قوله: "أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل أو كثر ونجعل آخر ذلك وترا" الحديث، قال العُلماء: والأصح أن الوتر يسمى تهجدًا، وقيل: الوتر غير التهجد.
(1)
كشف الأسرار (لوحة 20).
(2)
أخرجه البزار (4543) و (4544)، والمروزي في قيام الليل (ص 55)، وأبو يعلى في المعجم (208)، والطبراني في الأوسط (4/ 131 رقم 3792) والكبير (7/ 222 رقم 6925). قال البزار: وجعفر بن سعد من ولد سمرة وحديث يونس عن الحسن لا نعلم رواه عن يونس إلا سلام بن أبي خبزة كان رجلًا من أهل البصرة فيه ضعف في القدر. قال الهيثمي في المجمع 2/ 252: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير وأبو يعلى، وللبزار في رواية: أن رسول اللّه كان يأمرنا أن نصلي كلّ ليلة بعد الصلاة المكتوبة نحوه، وإسناده ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (5284) وضعيف الترغيب (361).
925 -
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه يرفعهُ قَالَ صَلَاةِ فِي مَسْجِدي تعدل بِعشْرَة آلَاف صَلَاة وَصَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعدل بِمِائَة ألف صَلَاة وَالصَّلَاة بِأَرْض الرِّبَاط تعدل بألفي ألف صَلَاة وَأكْثر من ذَلِك كُله الركعتان يُصَلِّيهمَا العَبْد فِي جَوف اللَّيْل لَا يُرِيد بهما إِلَّا مَا عِنْد اللّه عز وجل رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حيان فِي كتاب الثَّوَاب
(1)
.
قوله: وروي عن أنس، تقدم الكلام على أنس. قوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة" سيأتي اللام على الملاة في المسجد الحرام وفي مسجده صلى الله عليه وسلم وكذلك الصلاة بأرض الرباط والكلام الآن في صلاة الليل وتقدم الكلام على صلاة الليل في الأحاديث المتقدمة.
(1)
أخرجه ابن زنكى في الاجتهاد (لوحة 84/ أ) قال: أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي كتابة، أنبأنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق الوليدي، أنا محمد بن عبد الرزاق، أنا جدي، ثنا إبرأهيم بن محمد بن الحسن، ثنا هاشم بن القاسم الحراني، ثنا محمد بن عجلان الملطي، عن سعيد بن ميسرة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صلاة في المسجد الجامع الذي يصلى فيه الجمعة تعدل بخمسين صلاة، وصلاة في مسجد الأحياء تعدل بخمسة وعشرين صلاة، وصلاة الرجل وحده صلاة واحدة، وصلاة في المسجد الأقصى تعدل بألف صلاة، وصلاة في مسجدى يعني مسجد المدينة تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة، والصلاة بأرض الرباط تعدل بألفي ألف صلاة وأكثر من ذلك كلّه الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل لا يريد بهما إلا ما عند اللّه تبارك وتعالى. وضعفه العراقى في تخريج الإحياء (ص 239)، والألباني في ضعيف الترغيب (362) و (812). قلنا: هو منكر بل موضوع ففيه سعيد بن ميسرة متهم بالكذب.
926 -
وَعَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة الْمُزنِيّ رضي الله عنه: أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لا بُد من صَلَاة بلَيْل وَلَو حلب شَاة وَمَا كانَ بعد صَلَاة الْعشَاء فَهُوَ من اللَّيْل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا مُحَمَّد بن إِسْحَاق
(1)
.
قوله: وعن إياس بن معاوية المزني [إياس بن معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني، أبو واثلة البصرى كَانَ ثقة، وكَانَ قاضيا على البصرة، وله أحاديث، وكَانَ عاقلا من الرجال، فطنا، ولجده صحبة وَكَانَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الذَّكَاءِ، وَالدَّهَاءِ، وَالسُّؤْدُدِ، وَالعَقْلِ تُوُفِّي: سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ، كَهْلًا].
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة" الحديث، أي: ولو مقدار حلب شاة وهو بمعنى قوله في الحديث بعده: "فواق حلب ناقة" وهو هنا قدر ما بين رفع يديك عن الضرع وقت الحلب [وضمهما]، وقيل: هو ما بين الحلبتين واللّه تعالى أعلم.
927 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه. قالَ فَذكرت قيام اللَّيْل فَقَالَ بَعضهم إِن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ نصفه ثلثه ربعه فوَاق حلب نَاقَة فوَاق حلب شَاة رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرِجَاله مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَهُوَ بعض حَدِيث
(2)
.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (207)، والطبراني في الكبير (1/ 271 رقم 787). قال الهيثمي في المجمع 2/ 252: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (5285) وضعيف الترغيب (363).
(2)
أخرجه أبو يعلى (2677). قال الهيثمي في المجمع 2/ 252: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (364).
فوَاق النَّاقة بِضَم الْفَاء وَهُوَ هُنَا قدر مَا بَين رفع يَديك عَن الضَّرع وَقت الْحَلب وضمهما.
قوله: وعن ابن عباس تقدم الكلام عليه.
قوله: فذكرت قيام الليل فقال بعضهم إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "نصفه ثلثه ربعه فواق حلب ناقة" الحديث.
928 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ أمرنَا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم بِصَلَاة اللَّيْل وَرغب فِيهَا حَتَّى قَالَ عَلَيْكُم بِصَلَاة اللَّيْل وَلَو رَكعَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط
(1)
.
قوله: وعن ابن عباس، تقدم الكلام أيضًا على ابن عباس.
قوله: أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل ورغب فيها حتى قال: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة" الحديث.
تنبيه: المختار عند أهل الأصول أن قوله: أمر راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك: أمرنا ونهينا، لأن الظاهر انصرافه إلى من له الأمر الشرعي وإلى من يلزم اتباعه، ونص الشافعي رحمه الله في الأم على أن قول الراوي (أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم)[بياض بالأصل] يحمل على الإيجاب، ويحتج
(1)
أخرجه الدارمى (2764)، والعقيلى (1/ 245)، والطبراني في الكبير (11/ 212 رقم 11528 و 11529 و 11530)، والأوسط (7/ 51 رقم 6821). قال الهيثمي في المجمع 2/ 252: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه حسين بن عبد اللّه وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (3912) وضعيف الترغيب (365).
بهذا الحديث من يرى أن المندوب مأمور به، قال النووي في شرح مسلم [أمر بلال هو بضم الهمزة وكسر الميم أي أمره] النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الصَّواب إليّ عليه جماهير [العُلماء] من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدّثين، وشذ بعضهم فقال: هذا اللفظ ونحوه [موقوف] لاحتمال [أن يكون الآمر غير] رسول اللّه صلى الله عليه وسلم[وهذا] خطأ والصواب أنه مرفوع ومثل هذا اللفظ قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا وأمر الناس بكذا ونحوه وكله مرفوع سواء قال ذلك الصحابي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته
(1)
واللّه أعلم.
فائدة: يستحب للتهجد القيلولة وهو النوم قبل الزوال وهو بمنزلة السحور للصائم لقوله صلى الله عليه وسلم: "استعينوا بالقيلولة على قيام الليل" رواه أبو داود وابن ماجة، وقال بعضهم أيضًا: المفهوم من الأحاديث الواردة في الوتر أن جميعها وتر وليس صلاة الليل غير الوتر إلا من صلى الوتر قبل النوم ثم نام وقام وصلى فهو صلاة الليل وكذا من لم يصل الوتر قبل النوم فإذا قام من النوم وصلى أكثر من ثلاث عشرة ركعة يسلم من كلّ ركعتين ثم يصلي ركعة واحدة ويسلمك فإن ما صلى قبل الركعة الأخيرة فهذا صلاة الليل لم يفعل الوتر أكثر من ثلاث عشرة ركعة واللّه أعلم.
929 -
وَعَن سهل بن سعد رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد عش مَا شِئْت فَإنَّك ميت واعمل مَا شِئْت فَإنَّك مَجْزِي بِهِ وأحبب من شِئْت فَإنَّك مفارقه وَاعْلَم أَن شرف الْمُؤمن قيام اللَّيْل وعزه استغناؤه عَن
(1)
شرح النووي (4/ 78).
النَّاس رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَإِسْنَاده حسن
(1)
.
قوله: وعن سهل بن سعد سيأتي الكلام عليه.
قوله: جاء جبريل إلى النبي عفيوّ فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، إلى قوله: واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه واستغناؤه عن الناس، وقيام الليل السعر فيه بالعبادة وترك النوم.
930 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَشْرَاف أمتِي حَملَة الْقُرْآن وَأَصْحَاب اللَّيْل رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ
(2)
.
931 -
وَرُوِيَ عَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من صلى مِنْكُم من اللَّيْل فليجهر بقرَاءَته فَإِن الْمَلَائِكَة تصلي بِصَلَاتِهِ وتستمع لقرَاءَته وَإِن مؤمني الْجِنّ الَّذين يكونُونَ فِي الْهَوَاء وجيرانه فِي مَسْكَنه يصلونَ
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 306 - 307 رقم 4278)، والحاكم (4/ 324)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 253). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 253: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه زافر بن سليمان وثقه أحمد وأبن مَعين وأبو داود وتكلم فيه ابن عدي وابن حبان بما لايضر. وحسنه الألباني في الصحيحة (831) وصحيح الترغيب (627).
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (3)، والطبراني بشطره الأول في الكبير (12/ 125 رقم 12662)، وأبن عدى في الكامل (5/ 444) و (10/ 231)، والرازى في فضائل القرآن (47) والبيهقي في الشعب (4/ 233 - 234 رقم 2447) و (4/ 540 رقم 2977). قال الهيثمي في المجمع 7/ 161: رواه الطبراني، وفيه سعد بن سعيد الجرجاني وهو ضعيف.
وضعفه الألباني في المشكاة (1239) والضعيفة (2416) وحكم عليه بالوضع، وضعيف الترغيب (366).
بِصَلَاتِهِ ويستمعون قِرَاءَته وَإنَّهُ يطرد بقرَاءَته عَن دَاره وَعَن الدّور الَّتِي حوله فساق الْجِنّ ومردة الشَّيَاطِين وَإِن الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن عَلَيْهِ خيمة من نور يَهْتَدِي بهَا أهل السَّمَاء كَمَا يهتدى بالكوكب الدُّرِّي فِي لجج الْبحار وَفِي الأَرْض القفر فَإِذا مَاتَ صَاحب الْقُرْآن رفعت تِلْكَ الْخَيْمَة فتنظر الْمَلَائِكَة من السَّمَاء فَلَا يرَوْنَ ذَلِك النُّور فَتَلقاهُ الْمَلَائِكَة من سَمَاء إِلَى سَمَاء فَتُصَلِّي الْمَلَائِكَة على روحه فِي الأرْوَاح ثمَّ تسْتَقْبل الْمَلَائِكَة الحافظين الَّذين كَانُوا مَعَه ثمَّ تستغفر لَهُ الْمَلَائِكَة إِلَى يَوْم يبْعَث وَمَا من رجل تعلم كتاب اللّه ثمَّ صلى سَاعَة من ليل إِلَّا أوصت بِهِ تِلْكَ اللَّيْلَة الْمَاضِيَة اللَّيْلَة المستأنفة أَن تنبهه لساعته وَأَن تكون عَلَيْهِ خَفِيفَة فَإذا مَاتَ وَكَانَ أَهله فِي جهازه جَاءَ الْقُرْآن فِي صورَة حَسَنَة جميلَة فَوقف عِنْد رَأسه حَتَّى يدرج فِي أَكْفَانه فَيكون الْقُرْآن على صَدره دون الْكَفَن فَإِذا وضعفِي قَبره وسوي وتفرق عَنهُ أَصْحَابه أَتَاهُ مُنكر وَنَكِير عليهما السلام فيجلسانه فِي قَبره فَيَجِيء الْقُرْآن حَتَّى يكون بَينه وَبَينهمَا فَيَقُولانِ لَهُ إِلَيْك حَتَّى نَسْأَلهُ فَيَقُول لا وَرب الْكَعْبَة إِنَّه لصاحبي وخليلي وَلست أخذله على حَال فَإِن كنتما أمرتما بِشَيْء فامضيا لما أمرتما وَدَعَانِي مَكَاني فَإِنِّي لست أفارقه حَتَّى أدخلهُ الْجنَّة ثمَّ ينظر الْقُرْآن إِلَى صَاحبه فَيَقُول أَنا الْقُرْآن الَّذِي كنت تجْهر بِي وتخفيني وتحبني فَأَنا حَبِيبك وَمن أحببته أحبه اللّه ليْسَ عَليْك بعد مَسْالة مُنكر وَنَكِير هم وَلَا حزن فيسأله مُنكر وَنَكِير ويصعدان وَيبقى هُوَ وَالْقُرْآن فَيَقُول لأفرشنك فراشا لينًا ولأدثرنك دثارا حسنا جميلا بِمَا أَسهرت ليلك وأنصبت نهارك قَالَ فيصعد الْقُرْآن إِلَى
السَّمَاء أسْرع من الطّرف فَيسْأَل الله ذَلِك لَهُ فيعطيه ذَلِك فَيَجِيء الْقُرْآن فَينزل بِهِ ألف ألف ملك من مقربي السَّمَاء السَّادِسَة فَيَجِيء الْقُرْآن فيحييه فَيَقُول هَل استوحشت مَا زِدْت مُنْذُ فارقتك أَن كلمت الله تبارك وتعالى حَتَّى أخذت لَك فراشا ودثارا ومصباحا وَقد جئْتُك بِهِ فَقُمْ حَتَّى تفرشك الْمَلَاِئكَة عليهم السلام قَالَ فتنهضه الْمَلَائِكَة إنهاضا لطيفا ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره مسيرَة أَرْبَعمِائَة عَام ثمَّ يوضع لَهُ فرَاش بطانته من حَرِير أَخْضَر حشوه الْمسك الأذفر وَيُوضَع لَهُ مرافق عِنْد رجلَيْهِ وَرَأسه من السندس والإستبرق ويسرج لَهُ سراجان من نور الْجنَّة عِنْد رَأسه وَرجلَيْهِ يزهران إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ تضجعه الْمَلَاِئكَة على شقَّه الأيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة ثمَّ يُؤْتى بياسمين الْجنَّة وتصعد عَنهُ وَيبقى هُوَ وَالْقُرْآن فَيَأْخُذ الْقُرْآن الياسمين فيضعه على أَنفه غضا فيستنشقه حَتَّى يبْعَث وَيرجع الْقُرْآن إِلَى أَهله فيخبرهم كل يَوْم وَلَيْلَة ويتعاهده كَمَا يتَعَاهَد الْوَالِد الشفيق وَلَده بِالْخَيرِ فَإِن تعلم أحد من وَلَده الْقُرْآن بشره بذلك وَإِن كانَ عقبه عقب سوء دَعَا لَهُم بالصلاح والإقبال أَو كَمَا ذكر رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ خَالِد بن معدان لم يسمع من معَاذ
(1)
وَمَعْنَاهُ أَنه يَجِيء ثَوَاب الْقُرْآن كَمَا قَالَ إِن اللُّقْمَة تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة مثل أحد وَإِنَّمَا يَجِيء ثَوَابهَا انْتهى قَالَ الْحَافِظ فِي إِسْنَاده من لا يعرف حَاله وَفِي مَتنه غرابة كَثِيرَة بل نَكَارَة ظَاهِرَة وَقد تكلم فِيهِ الْعقيلِيّ وَغَيره وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيره عَن عبَادَة بن الصَّامِت مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَعَلَّه أشبه.
(1)
أخرجه البزار (2655)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 20 - 21). وقال الألباني: موضوع ضعيف الترغيب (367).
قوله: روى عن معاذ بن جبل تقدم الكلام على معاذ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته فإن الملاتكة تصلي بصلاته وتستمع لقراءته" الحديث، قال الشيخ أبو الفتح بن سيد الناس: وهذا الذي ذكره في الحديث من أمر الملائكة والجن يقتضي ترجيح الجهر، وقد ثبت في الصحيح ما يؤيده من حديث خيثمة، فينبغي أن لا يخل بصلاة الليل وإن قلت: يستحب لمن قام يتهجد أن يوقظ من يطمع في التهجد إذا لم يخفف ضررا، والصح في نوافل الليل التوسط بين الجهر والإسرار، وقال المتولي: يستحب فيها الجهر إلا إذا كان عنده مصلون أم نيام يشوش عليهم فيسر، ويستثنى التراويح فيجهر فيها، وروي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفي صوته بالقراءة في صلاته ويقول: أنا أناجي ربي عز وجل وقد علم حاجتي وكان عمر رضي الله عنه يرفع صوته ويقول: أنا أزجر الشيطان وأوقظ الوسنان فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}
(1)
فأمر أبا بكر أن يرفع صوته قليلا، وعمر أن يخفض صوته قليلا، وأما الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار" فقال ابن الصلاح: إنه موضوع ظنه ثابت بن موسى الزاهد حديثا فأسنده وإنما هو من كلام السلف، وقال في البحر: أراه به في نهار يوم القيامة، أ. هـ والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن البيت الذي يقرأ فيه القرآن عليه خيمة من نور ويهتدي بها أهل السماء كما يهتدي بالكوكب الدري في لجج البحار وفي الأرض القفر"
(1)
سورة الإسراء، الآية:110.
الدري: هو الكوكب العظيم، قيل: سمي دريا لإضاءته، وقل: لبياضه كالدري وقيل: لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم كالدر أرفع من الجوهر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فتصلي الملائكة على روحه في الأرواح" الصلاة في اللغة الدعاء وهي من الملائكة بمعنى الاستغفار وتقدم ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا مات صاحب القرآن" أي: حامله.
قوله: "وكان أهله في جهازه" الجهاز بفتح الجيم وكسرها.
قوله: "جاء بالقرآن في صورة حسنة فوقف عند رأسه "معناه:
أنه يجب ثواب القرآن كما قال: "إن اللقمة تجيء يوم القيامة مثل أحد" وإنما يجيء ثوابها.
قوله: "أتاه منكر ونكير عليهما السلام" هما اسما ملكين يسئلان العبد في قبره.
قوله: "فيجيء القرآن حتى يكون بينه وبينهما" يعني: ثواب القرآن.
قوله: "ثم ينظر القرآن على صاحبه" زاد الحافظ في هذا الحديث فيقول: "اسكن وأبشر فإنك ستجدني من الجيران جار صدق ومن الأخلاء خليل صدق ومن الأصحاب صاحب صدق " فيقول له من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي كنت تجهر بي وتخفيني" الحديث.
قوله: "ولأدثرنك دثارا حسنا جميلًا" زاد غيره "جزاء لك".
قوله في الحديث: "بما أسهرت ليلك وأنصبت نهارك" النصب هو التعب.
قوله: "فتنهضه الملائكة إنهاضا لطيفا" زاد في حديث غيره "لينا".
قوله: "حشوه المسك الأذفر" بالذال المعجمة والتحريك الطيب الريح.
قوله: "ويوضع له مرافق عند رجليه ورأسه من السندس والإستبرق" والمرافق جمع مرفق، والسندس والاستبرق نوع من الحرير وهو الغليظ منه، فجيد الحرير هو الديباج ورديئه هو الاستبرق.
قوله: "ثم يؤتى بياسمين الجنة" الياسمين فارسي معرب سينه مكسورة وهي الذي يتخذ منه الزئبق قال ابن الجواليني: الياسمين والياسمون إن شئت أعربته بالياء والواو وإن شئت جعلت الإعراب في النور لغتان ذكره النووي في تحريره.
قوله: "فيضعه على أنفه غضا" الغض هو الطري.
قوله: "ويرجع القرآن إلى أهله فيخبرهم بذلك كل يوم وليلة" تقدم معناه.
قوله: عن خالد بن معدان، هو الكلاعي بفتح الكاف مات سنة أربعين ومائة.
وقوله: العقيلي [أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي المكي ذكره مسلم بن قاسم، فقال: ثقة جليل القدر عظيم الخطر، عالم بالحديث، ما رأيت أحدا من أهل زماننا، أعرف بالحديث منه، ولا أكثر جمعا. وكان حسن التأليف، عارفا بالتصنيف. وذكر أنه امتحنه مع جماعة من أصحابه، في أحاديث من مروياته، بدلوا فيها ألفاظا، وزادوا ألفاظا، وتركوا منها أحاديث صحيحة، فلما قرأها عليه، فطن لذلك، وأخذة منه الكتاب والقلم، وأصلحها من حفظه، توفى في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة بمكة، كما ذكر ابن زبر في وفياته، وذكر أنه شهد جنازته].
932 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من بَات لَيْلَة فِي خفَّة من الطَّعَام وَالشرَاب يُصَلِّي تراكضت حوله الْحور الْعين حَتَّى يصبح رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(1)
.
قوله: وروى عن ابن عباس [هو أبو العباس الهاشمى، الصحابى ابن الصحابى المكى، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كنى بابنه العباس، وهو أكبر أولاده، وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية وتقدمت ترجمته].
قوله صلى الله عليه وسلم: "من بات ليلة في خفة من الطعام والشراب يصلي تراكضت حوله الحور العين حتى يصبح" تراكضت: أي وقعت مأخوذ من [الركض وهو الضرب بالرجل والإصابة بها، كما تركض الدابة وتصاب بالرجل].
933 -
وَعَن عمرو بن عنبسة رضي الله عنه سمع النّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول أقرب مَا يكون الرب من العَبْد فِي جَوف اللَّيْل الآخر فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون مِمَّن يذكر الله فِي تِلْكَ السَّاعَة فَكُن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقَالَ التَّرْمِذِيّ حدِيث حسن صحِيح غَرِيب
(2)
.
قوله: وعن عمرو بن عنبسة، تقدم.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 326 رقم 11891). قال الهيثمي في المجمع 2/ 255: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أصرم بن حوشب وهو متروك. وقال الألباني موضوع ضعيف الترغيب (369).
(2)
أخرجه الترمذي (3579) وابن خزيمة (1147). وصححه الألباني في المشكاة (1229) وصحيح الترغيب (628).
قوله صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر" وفيه: تنبيه على أن آخر الليل للصلاة والدعاء والاستغفار وغيرها من الطاعات أفضل من أوله والله أعلم.
934 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا خيب الله امْرأ قَامَ فِي جَوف اللَّيْل فَافْتتحَ سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَفِي إِسْنَاده بَقِيَّة
(1)
.
قوله: وعن عبد الله بن مسعود، تقدم الكلام على عبد الله بن مسعود.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما خيب الله امرأ قام في جوف الليل فافتتح سورة البقرة وآل عمران" قرأ بهما في قيامه.
تنبيه: وقد اختلف العلماء هل خلق الله عز وجل الليل قبل النهار أو النهار قبل الليل على قولين أصحهما أن الليل أسبق لأن النهار من ضوء الشمس.
935 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله ويضحك إِلَيْهِم ويستبشر بهم الَّذِي إِذا انكشفت فِئَة قَاتل وَرَاءَهَا بِنَفسِهِ لله عز وجل فإمَّا أَن يقتل وَإِمَّا أَن ينصره الله عز وجل ويكفيه فَيَقُول انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا كيفَ صَبر لي بِنَفسِهِ وَالَّذِي لَهُ امْرَأَة حَسَنَة وفراش لين حسن فَيقوم من اللَّيْل فَيَقُول يذر شَهْوَته ويذكرني وَلَو شَاءَ رقد وَالَّذِي إِذا كَانَ فِي سفر وَكَانَ مَعَه ركب
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 214 - 215 رقم 1772). قال الهيثمي في المجمع 2/ 254: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ليث بن أبي سليم وفيه كلام وهو ثقة مدلس. وضعفه الألباني في الضعيفة (4440) وضعيف الترغيب (370).
فسهروا ثمَّ هجعوا فَقَامَ من السحر فِي ضراء وسراء رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن أبي الدرداء تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يحبهم الله" ومحبة الله سبحانه وتعالى عبارة عن [رحمته لهم، ورضاه عنهم، وإرادته لهم، وفعله بهم في ذلك فعل المحب بحبيبه، ومراده له من الخير].
قوله: "ويضحك إليهم ويستبشر" قال القاضي عياض رحمه الله تعالى
(2)
: الضحك في حقنا هنا استعارة في حق الله تعالى لأنه لا يجوز عليه سبحانه وتعالى الضحك المعروف في حقنا لأنه إنما يصح في الأجسام وممن يجوز عليه تغير الحال والله تعالى منزه عن ذلك أ. هـ؛ فالضحك صفة من صفات الله تعالى يجب الإيمان بها كما يليق به تعالى مجتنبا عن التشبيه، وإنما المراد به الرضي بفعلهما والثواب عليه وحمد فعلهما ومحبته وتلقي رسل الله لهما بذلك لأن الضحك من أحدنا إنما يكون عند موافقة ما يرضاه وسروره به وبره لمن يلقاه، قال: ويحتمل أن يكون المراد هنا ضحك ملائكة الله الذي
(1)
أحرجه الطبراني كما في جامع المسانيد (9/ 302 - 303 رقم 11904)، والحاكم (1/ 25)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 471 - 472). قال الهيثمي في المجمع 2/ 255: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (629) والصحيحة (3478).
(2)
إكمال المعلم (1/ 558).
يوجههم لقبض روحه وإدخاله الجنة كما قيل: قتل السلطان فلانا أي: أمر بقتله
(1)
، أ. هـ قاله في الديباجة، قال العلماء: ضحك الله سبحانه وتعالى هو رضاه بفعل عهده ومحبته إياه وإظهار نعمته عليه وإيجابها له
(2)
والله أعلم. ومن فضائل التهجد أن الله تعالى يحب أهله ويباهي بهم الملائكة، ويستجيب دعاءهم.
936 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ عجب رَبنَا تَعَالَى من رجلَيْنِ رجل ثار عَن وطائه ولحافه من بَين أَهله وحبه إِلَى صلَاته فَيَقُول الله جلّ وَعلا انْظُرُوا إِلَى عَبدِي ثار عَن فرَاشه ووطائه من بَين حبه وَأَهله إِلَى صلَاته رَغْبَة فِيمَا عِنْدِي وشفقة مِمَّا عِنْدِي وَرجل غزا فِي سَبِيل الله وَانْهَزَمَ أَصْحَابه وَعلم مَا عَلَيْهِ فِي الانهزام وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوع فَرجع حَتَّى يهريق دَمه فَيَقُول الله انْظروا إِلَى عَبدِي رَجَعَ رَجَاء فِيمَا عِنْدِي وشفقة مِمَّا عِنْدِي حَتَّى يهريق دَمه رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(3)
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَوْقُوفا بِإِسْنَاد حسن وَلَفظه إِن الله ليضحك إِلَى رجلَيْنِ رجل قَامَ فِي لَيْلَة بَارِدَة من فرَاشه ولحافه ودثاره
(1)
شرح النووي (13/ 36).
(2)
شرح النووي (3/ 24).
(3)
أخرجه أحمد 1/ 416 (3949) وابن حبان (2558)، والطبراني في الكبير (10/ 179 رقم 10383)، أبو نعيم في الحلية (4/ 167). قال الهيثمي في المجمع 2/ 255: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. وصححه الألباني في المشكاة (1251) وحسنه في صحيح الترغيب (630).
فَتَوَضَّأ ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَيَقُول الله عز وجل لملائكته مَا حمل عَبدِي هَذَا على مَا صنع فَيَقُولُونَ رَبنَا رَجَاء مَا عنْدك وشفقة مِمَّا عنْدك فَيَقُول فَإِنِّي قد أَعْطيته مَا رجا وآمنته مِمَّا يخَاف وَذكر بَقِيَّته
(1)
.
قوله: وعن ابن مسعود، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عجب ربنا من رجلين" الحديث، أي: عظم ذلك عنده وكبر لديه، وقيل: معناه رضى وأثاب فسماه بذلك عجبا على سبيل التجوز لأن حقيقته محال على الله تعالى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاته" الحديث، ثار أي فارق وانبعث.
قوله: "وطائه" الفراش اللين.
قوله: "من بين حبه" الحب بكسر الحاء المحبوب.
قوله: "رغبة فيما عندي" أي: من الثواب فيه إشارة إلى قيامه بنشاط وعزم في بعض الآثار أن جبريل عليه السلام ينادي كل ليلة: أقم فلانا وأنم فلانا، قام بعض الصالحين في ليلة باردة وعليه ثياب رثة فضربه البرد فبكى فهتف به هاتف: أقمناك وأنمناهم ثم تبكي علينا، ذكره في كتاب اللطائف
(2)
.
قوله: "شفقة مما عندي" أي: خوفا وخشية، وقال بعض الصوفية:
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 101 رقم 8532). قال الهيثمي في المجمع 2/ 255: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (630).
(2)
اللطائف (ص 46).
الإشفاق رقة الخوف وهو خوف برحمة من الخائف لمن يخاف عليه فنسبته إلى الخوف كنسبة الرأفة إلى الرحمة فإنها ألطف الرحمة وأرقها ولهذا قال صاحب المنازل الإشفاق دوام الحذر مقرونا بالترحم
(1)
والله أعلم.
قوله: "مما عندي" أي: من العذاب.
قوله: "ورجل غزى في سبيل الله وانهزم أصحابه" وعلم ما عليهم من الانهزام أي من الإثم.
937 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الرجل من أمتِي يقوم من اللَّيْل يعالج نَفسه إِلَى الطّهُور وَعَلِيهِ عقد فَإِذا وضأ يَدَيْهِ انْحَلَّت عقدَة وَإِذا وضأ وَجهه انْحَلَّت عقدَة وَإِذا مسح رَأسه انْحَلَّت عقدَة وَإِذا وضأ رجلَيْهِ انْحَلَّت عقدَة فَيَقُول الله عز وجل للَّذين وَرَاء الْحجاب انْظروا إِلَى عَبدِي هَذَا يعالج نَفسه يسألني مَا سَألني عَبدِي هَذَا فَهُوَ لَهُ رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ
(2)
.
قوله: وعن عقبة بن عامر تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يقوم الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد" الحديث، المراد بالطهور الوضوء، ويجوز فتح الطاء وضمها كما في الوضوء وتقدم ذلك مرات فمعالجة الوضوء في جوف الليل للمتهجد
(1)
مدارج السالكين (1/ 514).
(2)
أخرجه أحمد 4/ 159 (17458) و 4/ 201 (17791)، وابن حبان (1052) و (2555). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (631).
موجب لرضى الرب ومباهاة الملائكة، ففي شدة البرد يتأكد ذك، وفي حديث عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يضحك إلى ثلاثة نفر، رجل قام من جوف الليل فأحسن الطهور ثم صلى" قال أبو سليمان: كنت في ليلة باردة في المحراب فأقلقني البرد فخبأت إحدى يدي من البرد وبقيت الأخرى ممدوة فغلبتني عيني فهتف بي هاتف يا أبا سليمان قد وضعنا في هذه ما أصابها ولو كانت الأخرى ما فيها، قال: فآليت أن أدعو إلا ويداي خارجتان حرا كان أو بردا" وفي الحديث الصحيح أن ابن عمر رأى في منامه كأن آتيا أتاه فانطلق به إلى النار حتى رأها ورأ فيها رجالا يعرفهم معلقين بالسلاسل فأتاه ملك فقال له: لن ترع لست من أهلها فقص ذلك على أخته حفصة فقصته حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" فكان ابن عمر لا ينام بعد ذلك من الليل إلا قليلا" ورأى بعض السلف خياما ضربت فسأل لمن هي؟ فقيل: للمتهجدين بالقرآن فكان بعد ذلك لا ينام [بياض بالأصل] شعر [بياض بالأصل]:
فما لي بعيد الدار لم أقرب الحمى
…
وقد نصبت للسائرين خيام
علامة طرب طول ليلى نائم
…
وغيري يرى أن المنام حرام
ومن الصالحين من كان يلطف به في الحر والبرد كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه أن يذهب عنه الحر والبرد فكان رضي الله عنه يلبس في الشتاء ثياب الصيف وفي الصيف ثياب الشتاء ولا يجد حرا ولا بردا، كان بعض التابعين يشتد عليه الطهور في الشتاء فدعا الله عز وجل فكان يؤتى بالماء في الشتاء وله بخار من
حره، ورأى أبو سليمان في طريق الحج في شدة البرد شيخا عليه خلقان وهو يرشح عرقا فعجب منه وسأله عن حاله فقال: إنما الحر والبرد خلقان لله عز وجل فإن أمرهما أن يغشياني أصاباني وإن أمرهما أن يتركاني، وقال: أنا في هذه البرية من ثلاثين سنة يلبسني في البرد فيحا من محبته ويلبسني في الصيف بردا من محبته، شعر، وأنشد آخر يقول:
ويحسن ظني أنني في جنابه
…
وهل أحد في كنه يجد البردا
وأما من يجد البرد وهم عامة الناس فإنه يشرع لهم دفع أذاه بما يدفعه من لباس وغيره وقد امتن الله تعالى على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها ما فيه دفء لهم ومنافع ومنها يأكلون قال الله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا}
(1)
الآية، ذكره في كتاب اللطائف
(2)
.
938 -
وَعَن أبي عُبَيْدَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ عبد الله إِنَّه مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة لقد أعد الله للَّذين تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجع مَا لم ترَ عين وَلم تسمع أذن وَلم يخْطر على قلب بشر وَلا يُعلمهُ ملك مقرب وَلا نَبِي مُرْسل قَالَ وَنحن نقرؤها {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}
(3)
الآيَة رَوَاهُ الْحَاكم وَصَححهُ
(4)
(1)
سورة النحل، الآية:80.
(2)
اللطائف (ص 330).
(3)
سورة السجدة، الآية:17.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (34503) و (34568)، والطبراني في الكبير (9/ 212 رقم 9539)، والحاكم (2/ 414). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وقال الهيثمي في المجمع 7/ 90: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (371).
قَالَ الْحَافِظ أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من عبد الله بن مَسْعُود وَقيل سمع.
قوله: وعن أبي عبيدة [هو أبو عبيدة، عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي. وقد تقدم تمام نسبه عند ذكر أبيه. وهو تابعي مشهور، روى عن أبيه، روى عنه أبو إسحاق السبيعي، وعمرو بن مرة].
قوله: قال عبد الله: إنه مكتوب في التوراة: (لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن" قال الحافظ شرف الدين الدمياطي في كتابه المتجر الرابح في العمل الصالح: قال يوسف بن مهران: بلغني أن تحت العرش ملكا في سورة ديك براثنه من لؤلؤ وصيصته من زبرجد أخضر، فإذا مضى ثلث الليل الأول ضرب بجناحه وزقا وقال: ليقم القائمون، فإذا مضى نصف الليل ضرب بجناحه وزقا وقال: ليقم المتهجدون، فإذا مضى ثلثا الليل ضرب وقال: ليقم المصلون فإذا طلع الفجر ضرب وقال: ليقم الغافلون وعليهم أوزارهم، قال: وقد روى هذا مرفوعًا.
قوله: "براثنه"، البراثن هي أظفار الرجلين وهي المخاليب.
قوله: "وصيصته" هي العقدة التي خلف رجليه بمنزلة العقب.
قوله: "وزقا" أي: صاح وتكلم، ذكر هذا التفسير شيخ الإسلام ومحدث الأنام العسقلاني الشهير بان حجر في بعض فتاويه.
939 -
وَعَن عبد الله بن أبي قيس رضي الله عنه قَالَ قَالَت عَائِشَة رضي الله عنها لا تدع قيام اللَّيْل فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يَدعه وَكَانَ إِذا مرض أَو كسل صلى قَاعِدا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله: وعن عبد الله بن أبي قيس [هو أبو الأسود، عبد الله بن أبي قيس الشامي. مولى عطية بن عازب، ويقال: مولى غطيف بن عازب، وقيل: هو عبد الله بن أبي موسى وقيل: عبد الله بن قيس. والصحيح الأول. يعد في تابعي الشاميين، روى عن عائشة. روى عنه محمد بن زياد الألهاني، ويزيد بن خمير، وعتبة بن ضمرة].
قوله: "لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا" الحديث، الكسل الفتور عن الشيء والتواني فيه وهو ضد النشاط هذا محمول على صلاة النافلة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد" كما أخرجه البخاري محمول على النفل عند القدرة، وقال عمران بن الحصين: كانت بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه البخاري، زاد النسائي:"فمستلقيا، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وأجمع الأمة على ذلك وهو معلوم من الدين بالضرورة، ومن استحله من غير عذر كفر إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام يعني صلاة الفرض مع القدرة على القيام.
(1)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (850)، وأبو داود (1307)، وابن خزيمة (1137) والحاكم في المستدرك (1/ 308). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1185) وصحيح الترغيب (632).
940 -
وَعَن طَارق بن شهَاب أَنه بَات عِنْد سلمَان رضي الله عنه: لينْظر مَا اجْتِهَاده قَالَ: فَقَامَ يُصَلِّي من آخر اللَّيْل فَكَأَنَّهُ لم ير الَّذِي كَانَ يظنّ فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ سلمَان حَافظُوا على هَذِه الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُنَّ كفَّارَات لهَذِهِ الْجِرَاحَات مَا لم تصب المقتلة فَإِذا صلى النَّاس الْعشَاء صدرُوا عَن ثَلَاث منَازِل مِنْهُم من عَلَيْهِ وَلا لَهُ وَمنْهُم من لَهُ وَلا عَلَيْهِ وَمِنْهُم من لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَرجل اغتنم ظلمَة اللَّيْل وغفلة النَّاس فَركب فرسه فِي الْمعاصِي فَذَلِك عَلَيْهِ وَلا لَهُ وَمن لَهُ وَلا عَلَيْهِ فَرجل اغتنم ظلمَة اللَّيْل وغفلة النَّاس فَقَامَ يُصَلِّي فَذَلِك لَهُ وَلا عَلَيْهِ وَمن لا لَهُ وَلا عَلَيْهِ فَرجل صلى ثمَّ نَام فَلَا لَهُ وَلا عَلَيْهِ إياك والحقحقة وَعَلَيْك بِالْقَصْدِ وداومه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ وَرَفعه جمَاعَة.
(1)
الْحَقْحَقَةُ بحاءين مهملتين مفتوحتين وقافين الأولى سَاكِنة وَالثَّانِيَة مَفْتُوحَة هُوَ أَشد السّير وَقيل هُوَ أَن يجْتَهد فِي السّير ويلح فِيهِ حَتَّى تعطب رَاحِلَته أَو تقف وَقيل غير ذَلِك.
قوله: وعن طارق بن شهاب أنه بات عند سلمان الفارسي لينظر ما اجتهاده، تقدم الكلام على طارق بن شهاب وسلمان الفارسي "ما لم تصبه المقتلة" وقد فسر الحافظ: الحقحقة.
قوله: "وعليك بالقصد ودوامه" القصد هو التوسط في الأمور، وتقد هذا الحديث في الصلاة.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (148) و (4737) ومن طريقه الطبراني في الكبير (6/ 217 رقم 6051)، وأبو داود في المراسيل (256). وصححه الألباني موقوفا كما في صحيح الترغيب (632).
941 -
وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه: قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لنا لَيْسَ فِي الدُّنْيَا حسد إِلَا فِي اثْنَتَيْنِ الرجل يغبط الرجل أَن يُعْطِيهِ الله المَال الْكثير فينفق مِنْهُ فيكثر النَّفَقَة يَقُول الآخر لَو كَانَ لي مَال لأنفقت مثل مَا ينْفق هَذَا وَأحسن فَهُوَ يحسده وَرجل يقْرَأ الْقُرْآن فَيقوم اللَّيْل وَعِنْده رجل إِلَى جنبه لا يعلم الْقرَآن فَهُوَ يحسده على قِيَامه وعَلى مَا علمه الله عز وجل من الْقُرْآن فَيَقُول لَو عَلمنِي الله مثل هَذَا لقمت مثل مَا يقوم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِي سَنَده لين
(1)
.
الْحَسَد يُطلق وَيُرَاد بِهِ تمني زَوَال النِّعْمَة عَن الْمَحْسُود وَهَذَا حرَام بالِاتِّفَاقِ وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الْغِبْطَة وَهُوَ تمني حَالَة كحالة المغبط من غير تمني زَوَالهَا عَنهُ وَهُوَ المُرَاد فِي هَذَا الحَدِيث وَفِي نَظَائِره فَإِن كَانَت الْحَالة الَّتِي عَلَيْهَا المغبط محمودة فَهُوَ تمن مَحْمُود وَإِن كَانَت مذمومة فَهُوَ تمن مَذْمُوم يَأْثَم عَلَيْهِ المتمني.
قوله: وعن سمرة، تقدم الكلام على سمرة بن جندب.
قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لنا ليس في الدنيا حسد إلا في اثنتين" وقد فسر الحافظ الحسد، وتقدم أيضا معناه.
(1)
أخرجه البزار (4668)، والطبراني في الكبير (7/ 261 رقم 7064). قال الهيثمي في المجمع 2/ 256: رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده بعض ضعف، ورواه البزار بإسناد ضعيف. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (634).
942 -
وَعَن عبد الله رَضِىَ اللهُ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا حسد إِلَا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار رَوَا مسلم وَغَيره
(1)
.
قوله: وعن عبد الله هو ابن مسعود تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار" والآناء الساعات ممدود الأول مسعود الأول، والآخر على وزن أفعال في الجمع وأحدها أتى مفتوح الهمزة مقصور منون وأتى بكسر الهمزة أيضًا مثله وأتى بكسر الهمزة وسكون النون مثل قدر قاله عياض.
943 -
وَعَن يزِيد بن الأخْنَس وَكَانَت لَهُ صُحْبَة رَضِىَ اللهُ عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تنافس إِلَا فِي اثْنَتينِ رجل أعطَاهُ الله قُرْآنًا فَهُوَ يقوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار فَيَقُول رجل لَو أَن الله أَعْطَانِي مَا أعْطى فلَانا فأقوم بِهِ كَمَا يقوم وَرجل أعطَاهُ الله مَالا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ وَيتَصَدَّق فَيَقُول رجل مثل ذَلِك رَوَاهُ الطَّبَرَانيّ فِي الْكَبِير وَرُوَاته ثِقَات مَشْهُورُونَ
(2)
وَرَوَاهُ أَبُو يعلى من حَدِيث أبي سعيد نَحوه بِإِسْنَاد جيد
(3)
.
(1)
أخرجه البخاري (5025) و (7529)، ومسلم (266 و 267 - 815)، وابن ماجه (4209)، والترمذي (1936).
(2)
أخرجه أحمد 4/ 104 (16966)، والطبراني في الأوسط (2/ 375 رقم 2271) والصغير (1/ 93 رقم 125) والكبير (22/ 239 رقم 626) والشاميين (1212)، وأبو الشيخ في الأمثال (199)، والبيهقي في الشعب (3/ 360 - 361 رقم 1820). قال الهيثمي في المجمع 2/ 256: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (636).
(3)
أخرجه أحمد 2/ 479 (51021)، وأبو يعلى (1085). قال الهيثمي في المجمع 2/ 257: رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح ورواه البزار بنحوه. وقال في 3/ 108: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (637).
قوله: وعن يزيد بن الأخنس وكانت له صحبة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنافس إلا في اثنتين رجل أعطاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل والنهار" والتنافس هو [الرغبة في الشيء والانفراد به، وهو من الشيء النفيس الجيد في نوعه. ونافست في الشيء منافسة ونفاسا، إذا رغبت فيه].
944 -
وَعَن فضالة بن عبيد وَتَمِيم الدَّارِيّ رَضِىَ اللهُ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَرَأَ عشر آيَات فِي لَيْلَة كتب لَهُ قِنْطَار وَالْقِنْطَار خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول رَبك عز وجل اقْرَأ وارق بِكُل آيَة دَرَجَة حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى آخر آيَة مَعَه يَقُول الله عز وجل للْعَبد اقبض فَيَقُول العَبْد بِيَدِهِ يَا رب أَنْت أعلم يَقُول بِهَذ الْخلد وبهذه النَّعيم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِإِسْنَاد حسن وَفِيه إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن الشاميين وَرِوَايَته عَنْهُم مَقْبُولَة عِنْد الأكْثَرين
(1)
.
قوله: وعن فضالة بن عبيد وتميم الداري، وتميم هذا هو تميم بن أوس بن خارجة بن سويد أبو رقية أسلم سنة تسع من الهجرة، روى له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر حديثا وسيأتي ذكره مبسوطا.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (23)، والطبراني في الأوسط (8/ 218 - 219 رقم 8451) والكبير (2/ 50 رقم 1253). قال الهيثمي في المجمع 2/ 267: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه إسماعيل بن عياش ولكنه من روايته عن الشاميين وهي مقبولة.
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (638).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ عشرة آيات في ليلة كتب له قنطار" والقنطار خير من الدنيا وما فيها. قوله: يقول ربك: اقرأ وارق لكل آية درجة، والرقي الصعود.
945 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ بِعشر آيَات لم يكْتب من الغافلين وَمن قَامَ بِمِائَة آيَة كتب من القانتين وَمن قَامَ بِأَلف آيَة كتب من المقنطرين رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه كِلَاهُمَا من رِوَايَة أبي سَرِيَّة عَن أبي حجيرة عَن عبد الله بن عَمْرو وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة إِن صَحَّ الْخَبَر فَإِنِّي لَا أعرف أَبَا سَرِيَّة بعدالة وَلَا جرح وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من هَذِه الطَّرِيق أَيْضا إِلَا أَنه قَالَ وَمن قَامَ بِمِائَتي آيَة كتب من المقنطرين
(1)
.
قَوْله من المقنطرين أَي مِمَّن كتب لَهُ قِنْطَار من الْأجر.
قَالَ الْحَافِظ من سُورَة تبَارك الَّذِي بِيَدهِ الْملك إِلَى آخر الْقُرْآن ألف آيَة وَالله أعلم.
قوله: وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين" أي: من قرأ في صلاته عشر آيات على التدبر والتأني لم يكن من الغافلين لأن من فعل هذا لم يكن غافلا.
(1)
أخرجه أبو داود (1398)، وابن خزيمة (1144)، وابن حبان (2572). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1264)، الصحيحة (642)، وصحيح الترغيب (639).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قام بمائة آية كتب من القانتين" أي: المطيعين والمطولين القيام لأن معنى القنوت الطاعة وطول القيام أي: كتب من المواظبين على الطاعة، وللقنوت معان أخر تقدمت.
قوله: "ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين" قال الحافظ: أي ممن كتب له قنطار من الأجر، وقال غيره: أي المكثرين من الثواب وأغنياء الثواب كأغنياء المال أي يكثر الثواب والقنطار سبعون ألف دينار، وقيل: المال الكثير، قاله في شرح المصابيح.
قوله: "ومن قام بمائة كتب من القانتين" الحديث.
قوله: رواه ابن خزيمة من رواية سويد عن ابن حجيرة، ابن حجيرة: اسمه عبد الرحمن، وكان قاضيا، قاله العسقلاني.
946 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ القنطار اثْنَا عشر ألف أُوقِيَّة الأوقِيَّة خير مِمَّا بَين السَّمَاء وَالأرْض رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "القنطار اثنا عشر ألف أوقية، الأوقية خير مما بين السماء والأرض" قال أبو عبيدة: القناطير واحدها قنطار ولا تجد العرب تعرف وزنه ولا واحد للقنطار من لفظه، وقال ثعلب: المعمول عليه عند العرب الأكثر أنه أربعة آلاف دينار، فإذا قالوا قناطير مقنطرة فهي اثنا عشر ألف دينار،
(1)
أخرجه أحمد 2/ 363 (8758)، وابن حبان (2573). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (373).
وقيل: إن القنطار ملء جلد ثور ذهبا، وقيل: ثمانون ألفا، وقيل: هو جملة كثيرة مجهولة من المال، ومنه الحديث أن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه أي صار له قنطار من المال، أ. هـ قاله في النهاية
(1)
؛ وقال أهل اللغة: الأوقية: بضم الهمزة وتشديد الياء على المشهور كأثقية وأثاقي وبختية وبخاتي ويجوز تخفيف الياء وتشديدها في جميع ذلك، ويجوز وقية وهي لغة صحيحة والأشهر أوقية، وجمعها أواقي بتشديد الياء وتخفيفها وأواق بحذفها، وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون جزءا ويختلف باختلاف اصطلاح البلاد، قاله ابن الأثير
(2)
، وقال الجوهري
(3)
: الأوقية في الحديث أربعون درهما فأما اليوم فيما يتعارفها الناس اليوم فهي دون عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم والله أعلم؛ وخرج ابن شاهين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين ومن أربعمائة آية أصبح وله قنطار من الأجر، القنطار مائة مثقال، المثقال عشرون قيراطا، القيراط مثل أحد" وفي حديث آخر: "القيراط منه مثل التل العظيم" ذكره مكي في كتاب الرعاية لتجويد القراءة، وخرج الوائلي عن أبي أمامة قال: من قرأ مائة آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ مائتي آية كتب من القانتين ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار
(1)
النهاية (4/ 116)
(2)
النهاية (1/ 80).
(3)
الصحاح (6/ 2524 - 2525).
من الأجر القيراط من ذلك القنطار لا تقوم به دنياكم، ذكره [الإمام القرطبي] في كتابه التذكار
(1)
.
947 -
وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه. قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ عشر آيَات فِي لَيْلَة لم يكْتب من الغافلين وَمن قَرَأَ مائَة آيَة كتب لَهُ قنوت لَيْلَة وَمن قَرَأَ مِائَتي آيَة كتب من القانتين وَمن قَرَأَ أَرْبَعمِائَة آيَة كتب من العابدين وَمن قَرَأَ خَمْسمِائَة آيَة كتب من الحافظين وَمن قَرَأَ سِتّمائَة آيَة كتب من الخاشعين وَمن قَرَأَ ثَمَانمِائَة آيَة كتب من المخبتين وَمن قَرَأَ ألف آيَة أصبح لَهُ قِنْطَار وَالْقِنْطَار ألف وَمِائَتَا أُوقِيَّة وَالأوقِية خير مِمَّا بَين السَّمَاء وَالأرْض أَو قَالَ خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وَمن قَرَأَ ألفي آيَة كَانَ من الموجبين رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
(2)
الْمُوجب الَّذِي أَتَى بِفعل يُوجب لَهُ الْجنَّة وَيُطلق أَيْضا على من أَتَى بِفعل يُوجب لَهُ النَّار.
قوله: وروى عن أبي أمامة تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قرأ مائة آية كتب له قنوت ليلة" القنوت المراد به القيام في الصلاة وتقدم.
قوله: "ومن قرأ مائة آية كتب من المخبتين" المخبت هو الكثير الخشوع [هنا بياض يسير قدر ثلاث كلمات].
(1)
التذكار (ص 104).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 180 رقم 7748) والشاميين (892). قال الهيثمي في المجمع 2/ 267: رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف. ووهاه الألباني جدا في الضعيفة (6624) وضعيف الترغيب (374) و (974).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قرأ ألف آية أصبح له قنطار والقنطار ألف ومائتا أوقية والأوقية خير مما بين السماء والأرض" الحديث تقدم الكلام على الأوقية.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن قرأ ألفي آية كان من الموحدين" قد فسر الحافظ رحمه الله الموجب أنه الذي أتى بفعل يوجب له الجنة ويطلق أيضا على من أتى بفعل يوجب له النار، أ. هـ.
948 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من حَافظ على هَؤُلاءِ الصَّلَوَات المكتوبات لم يكن من الغافلين وَمن قَرَأَ فِي لَيْلَة مائَة آيَة لم يكْتب من الغافلين أَو كتب من القانتين رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَلَفظه وَهُوَ رِوَايَة لِابْنِ خُزَيْمَة أَيْضا قَالَ من صلى فِي لَيْلَة بِمِائَة آيَة لم يكْتب من الغافلين وَمن صلى فِي لَيْلَة بِمِائَتي آيَة كتب من القانتين المخلصين وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم وَفِي رِوَايَة لَهُ قَالَ فِيهَا على شَرط مُسلم أَيْضا من قَرَأَ عشر آيَات فِي لَيْلَة لم يكْتب من الغافلين
(1)
.
(1)
أخرجه المروزي في قيام الليل (ص 164)، وابن خزيمة (1142) و (1143)، والحاكم (1/ 555 و 556). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في الصحيحة (657)، وصحيح الترغيب (640) و (1437).