الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْهِيب من الْكَلَام وَالْإِمَام يخْطب وَالتَّرْغِيب فِي الْإِنْصَات
1075 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا قلت لصاحبك يَوْم الْجُمُعَة أنصت وَالإِمَام يخْطب فقد لغوت رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة
(1)
.
قَوْله "لغوت": قيل مَعْنَاهُ خبت من الْأجر وَقيل تَكَلَّمت وَقيل أَخْطَأت وَقيل بطلت فَضِيلَة جمعتك وَقيل صَارَت جمعتك ظهرا وَقيل غير ذَلِك.
1076 -
وَعنهُ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا تَكَلَّمت يَوْم الْجُمُعَة فقد لغوت وألغيت يَعْنِي وَالإِمَام يخْطب رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(2)
.
1077 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تكلم يَوْم الْجُمُعَة وَالإِمَام يخْطب فَهُوَ كَمثل الْحمار يحمل أسفارا وَالَّذِي يَقُول لَهُ أنصت لَيْسَ لَهُ جُمُعَة، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ
(3)
.
قوله عن أبي هريرة تقدم الكلام علي مناقبه.
(1)
البخاري (934)، ومسلم (851)، وأبو داود (1112)، والترمذي (512)، والنسائي (3/ 103)، وابن ماجه (1110)، وابن خزيمة (1805).
(2)
ابن خزيمة (1804)، وأحمد (9043)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (719).
(3)
أحمد (2033)، والبزار (644)، والطبراني في الكبير (12563)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 184)، فيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الناس، ووثقه النسائي في رواية.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" قوله: لصاحبك أي من تخاطبه صغيرا كان أو كبيرا أو بعيدا
(1)
.
قوله: أنصت أي اسكت، وإنما ذكر هذه اللفظة لأنها لا تعد من الكلام الكثير
(2)
، قوله: والإمام يخطب، يخرج من الحديث الكلام قبل الخطبة وبعدها فلا يحرم، وقال أبو حنيفة: يجب الإنصات بخروج الإمام
(3)
وعنه قول بكراهة الكلام لا غيره. وقوله: فقد لغوت. قيل: معناه خبتَ من الأجر، وقيل: تكلمت، وقيل أخطأت إلى أخره ومعنى فقد لغوت أي قلت اللغو، وهو الكلام الملغي الساقط الباطل
(4)
، وقال بعضهم: قال أهل اللغة
(5)
يقال: "لَغَا يلْغو" كَغَزا يغزو، ويقال:"لَغِىَ يَلْغَي" كرمى يرمي لغتان الأولى أفصح والروايتان في الصحيح قال أبو الزياد: فقد لغيت هي لغة أبي هريرة
(6)
، قال النووي رحمه الله
(7)
: وظاهر القرآن يوافقها، قال:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}
(8)
وهذا من مِنْ لَغِيَ
(1)
انظر: فتح الباري (2/ 414)، والتعليق الممجد (1/ 605).
(2)
المعلم (1/ 469).
(3)
شرح النووي على مسلم (6/ 139).
(4)
شرح النووي على مسلم (6/ 138).
(5)
لسان العرب (15/ 251).
(6)
شرح النووي على مسلم (6/ 138).
(7)
شرح النووي على مسلم (6/ 138).
(8)
سورة فصلت، الآية:26.
يَلْغَى ولو كان الأول لقال وألغُوا بضم الغين، قال: ابن السكيت
(1)
مصدر الأول اللَّغْوُ وَمَصْدَرُ الثَّانِي اللَّغْيُ ومعنى فقد لغوت، قيل معناه أثمت، قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)}
(2)
وقيل: اللغو واللغي هو رديء الكلام وما لا خير فيه، وقد يطلق على الخيبة، قال النووي رحمه الله
(3)
: ففي الحديث النهي عن جميع أنواع الكلام حال الخطبة ونبّه بهذا صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم على ما سواه من الكلام لأنه إذا رأى شخصا يتكلم فيما لا يعنيه وقال له أنصت وهو في الأصل أمر بمعروف، وسماه لغوا فغيره من الكلام أولى ا. هـ.
ثم قيل: هذا لأن الخطبة أقيمت مقام الركعتين فكما لا يجوز التكلم في المنوب لا يجوز في النائب
(4)
، وقال ابن وهب
(5)
: من لغى كانت صلاته ظهرا وحرم فضل الجمعة انتهى.
سؤال: لم حط من صلاة الجمعة ركعتان؟ قيل: لأن الناس يسعون إليها من بعيد فأراد الله أن يخفف عنهم التعب الذي أصابهم لأن الجمعة عيد المساكين، وصلاة العيد ركعتان ولأنه قيل: الخطبتين بدل عن الركعتين
(6)
والله أعلم.
(1)
لسان العرب (15/ 251) تاج العروس (1/ 50).
(2)
سورة المؤمنون، الآية:3.
(3)
شرح النووي على مسلم (6/ 138).
(4)
شرح المشكاة (4/ 1285)، والكواكب الدراري (6/ 42 - 43).
(5)
تفسير الموطأ (1/ 167)، وشرح الصحيح (2/ 519)، والاستذكار (2/ 22).
(6)
كشف الأسرار (لوحة 41).
وإنما طريقه إذا أراد نهي غيره عن الكلام أن يشير إليه بالسكوت إن فهمه فإن تعذر فهمه فلينهه بكلام مختصر ولا يزيد على أقل ممكن في الكلام
(1)
.
وإذا قلنا بجواز الكلام فيشترط أن يكون بحيث لا يفوتهم السماع للكلمات الواجبة والخلاف جار في الخطبة والأصح القول بالجواز، وقال ابن عقيل في شرح الأحكام: ويحمل اللغو على الكراهة فقد تكلم جماعة من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فلم ينكر عليهم، هكذا قالت الشافعية وفيه نظر، فإن الذين تكلموا إنما لم ينكر عليهم لاحتياجهم إلى الكلام، والكلام المحتاج إليه ليس محلا للنزاع
(2)
ا. هـ.
والمحتاج إليه كما إذا رأى إنسانا يقع في بئر أو عقربا تدب على إنسان أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر فكل ذلك لا يحرم نص عليه الشافعي رحمه الله، واتفق عليه الأصحاب، وإنما النزاع في الكلام الذي لا حاجة إليه والله أعلم. وهل هو التحريم أو التنزيه؟ الصحيح أنه التنزيه
(3)
.
وفيه دليل على أنه يستحب أن يكون الخطيب هو الإمام فلو خالف فخطب وصلى غيره بالناس جاز، ولو كان غير الأفقه فصيحا جهوري الصوت وغيره أفقه منه فينبغي أن يخطب الأفقه ويصلي الأفقه قاله في شرح العمدة.
(1)
شرح النووي على مسلم (6/ 138).
(2)
انظر طرح التثريب (3/ 198 - 199).
(3)
انظر المجموع (4/ 523) وروضة الطالبين (2/ 28) وكفاية النبيه (4/ 397) وطرح التثريب (3/ 198 - 191)، والنجم الوهاج (2/ 474 - 475).
تنبيه: قال البغوي في شرح السنة
(1)
، والخطب المشروعة: خطبتا الجمعة، والعيدين، والكسوفيين، والإستسقاء، وأربع خطب في الحج وكلها سنة بعد الصلاة إلا خطبة الجمعة، وخطبة الحج يوم عرفة يعني بنمرة، وكلها يشرع فيها خطبتان إلا الثلاث الباقية في الحج خطبة يوم السابع، ويوم النحر، والنفر الأول يعني بمنى في أيام التشريق.
قال النووي
(2)
: كلها خطب فردية وبعد صلاة الظهر إلا التي بنمرة فإنها خطبتان، وقيل صلاة الظهر، وبعد الزوال.
تنبيه: أيضا وسميت الخطبة خطبة لأن العرب كانوا إذا ألم بهم الخطب وهو الأمر العظيم خطبوا له ليجتمع بعضهم إلى بعض فيحتالوا في دفعه فاشتق اسم الخطبة من الخطب والله أعلم.
فائدة: شروط أركان الخطبتين خمسة: الأول: حمد الله تعالى ويتعين لفظ الحمد، والثاني: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعين لفظ الصلاة وصيغتها أن يقول: اللهم صلى على محمد ولو قال والصلاة على أحمد أو على النبي أو أتى بالضمير فقال: صلى الله عليه لم يكف على الصحيح.
الثالث: الوصية بالتقوى ولا يتعين لفظ الوصية ولا يجب في الموعظة كلام طويل بل لو قال: أطيعوا الله كفى، وقال إمام الحرمين
(3)
: ولا خلاف
(1)
شرح السنة للبغوي (4/ 200)
(2)
ينظر: المجموع شرح المهذب (4/ 532)
(3)
ينظر: نهاية المطلب في دراية المذهب (2/ 477).
أنه لا يكفي التحذير من الاغترار بالدنيا وزخرفها لأن ذلك قد لا يتواصى به منكرو الشرائع بل لابد من الحث على طاعة الله تعالى والتحذير من المعاصي.
واختلف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين على قولين أصحهما المنع وأن الجمعة ليست ظهرا مقصورا بل صلاة على حيالها فعلى هذا فيجب تيممان تيمم للخطبة و تيمم للصلاة على الأصح في الروضة في التيمم وقال الشيخ تقي الدين هذا اللفظ ذكره المصنف يعني النووي
(1)
لم أقف عليه بهذه الصيغة في الصحيحين قلت: لكنه بمعنى ما في الصحيحين
(2)
.
الشرط الرابع: قراءة آية في إحداهما ولابد أن تكون الآية تفيد معنى منطوق فلا يكفي مثل قوله {ثُمَّ نَظَرَ (21)}
(3)
.
الخامس: الدعاء للمؤمنين في الثانية
(4)
والله أعلم.
(1)
قوله يعنى النووي وهم فإن كلام الحافظ تقى الدين بن دقيق العيد عن حديث ذكره صاحب العمدة وهو عبد الغنى المقدسى ولفظه: عن جابر رضي الله عنه: قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس". انظر الإحكام (1/ 334).
(2)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 406): وغفل صاحب العمدة فعزا هذا اللفظ للصحيحين، ورواه أبو داود بلفظ: كان يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب.
(3)
سورة المدثر، الآية:21.
(4)
انظر نهاية المطلب (2/ 537 - 538)، وعمدة السالك (ص 83)، والنجم الوهاج (2/ 466/ 471).
فائدة: يستحب أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين
(1)
والحكمة في قرائتهما: اشتمالهما على وجوب الجمعة وغير ذلك وقراءة سورة المنافقون لتوبيخ حاضريها منهم وتنبيههم على التوبة وغير ذلك فما فيها من فوائد لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس أكثر من اجتماعهم فيها
(2)
والله أعلم.
فرع: لو قرأ المنافقين في الأول، قرأ الجمعة في الثانية ولو قرأ في الأولى غيرهما قرأهما في التانية نص عليه الشافعي
(3)
قاله في مختصر الكفاية.
قوله: وروي عن ابن عباس تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا"
(4)
والذي يقول له "أنصِتْ" ليس له جمعة أي كاملة.
1078 -
وَعَن أبي بن كعْب رضي الله عنه. أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ يَوْم الْجُمُعَة تبَارك وَهُوَ قَائِم يذكر بأيام الله وَأَبُو ذَر يغمز أبي بن كَعْب فَقَالَ مَتى أنزلت هَذِه السُّورَة إِنِّي لم أسمعها إِلَى الآن فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَن اسْكُتْ فَلَمَّا انصرفوا قَالَ سَأَلتك مَتى أنزلت هَذِه السُّورَة فَلم تُخبرنِي فَقَالَ أبي لَيْسَ لَك من صَلَاتك
(1)
أخرجه مسلم (64 - 879) عن ابن عباس.
(2)
انظر الأذكار (ص 113 و 115)، وروضة الطالبين (2/ 45)، وشرح النووي على مسلم (6/ 166).
(3)
انظر الأم (7/ 215)، والأذكار (ص 115)، وروضة الطالبين (2/ 45)، وكفاية النبيه (4/ 363 - 362)، ومختصر الكفاية (لوحة / 340 خ 2175 ظاهرية).
(4)
سبق تخريجه.
الْيَوْم إِلَّا مَا لغوت فَذهب أَبُو ذَر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأخْبرهُ بِالَّذِي قَالَ أبي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبي رَوَاهُ ابْن مَاجَه بإِسْنَاد حسن
(1)
.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن أبي ذَر رضي الله عنه: أَنه قَالَ دخلت الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخْطب فَجَلَست قَرِيبا من أبي بن كعْب فَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سُورَة بَرَاءَة فَقلت لأبي مَتى نزلت هَذِه السُّورَة قَالَ فتجهمني وَلم يكلمني ثمَّ مكثت سَاعَة ثمَّ سَأَلته فتجهمني وَلم يكلمني ثمَّ مكثت سَاعَة ثمَّ سَأَلته فتجهمني وَلم يكلمني فَلَمَّا صلى النَّبِي صلى الله عليه وسلم قلت لابي سَأَلتك فتجهمتني وَلم تكلمني قَالَ أبي مَا لَك من صَلَاتك إِلَّا مَا لغوت فَذَهَبت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا نَبِي الله كنت بِجنب أبي وَأَنت تقْرَأ بَرَاءَة فَسَأَلته مَتى نزلت هَذِه السُّورَة فتجهمني وَلم يكلمني ثمَّ قَالَ مَا لَك من صَلَاتك إِلَّا مَا لغوت قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم صدق أبي
(2)
.
قَوْله: فتجهمني مَعْنَاهُ قطب وَجهه وَعَبس وَنظر إِلَيّ نظر الْمُغْضب الْمُنكر. قوله: وعن أبي بن كعب تقدم الكلام عليه.
قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم يذكر بأيام الله" رواه ابن ماجه ورواه ابن خزيمه صحيحه
(3)
عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة براءة
(1)
أخرجه ابن ماجه (1111)، قال البوصيري في الزوائد (1/ 371): هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.
(2)
ابن خزيمة (1807)، قال الذهبي: ما أحسب عطاء أدرك أبا ذر، قلت: وكذا قال الحافظ في إتحاف المهرة (14/ 172)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (720).
(3)
أخرجه سنن ابن ماجه (1111) وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (21287) وابن خزيمة (1807) و (1808)، والبيهقي 3/ 219 - 220. وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.
الحديث. ففيه أن السورة المسئول عنها سورة براءة وهذا هو الصواب فإنها من آخر ما نزل، وفي حديث جابر أن السائل عبد الله بن مسعود. رواه ابن حبان في صحيحه وأبو يعلى
(1)
وسيأتي حديث جابر بذلك قريبا آخر الباب.
اتفق الأصحاب على أنه يستحب الإنصات ولا يجب ولا يحرم الكلام. وفي تحريم الكلام على الخطيب طريقان أصحهما لا يحرم والأولى اجتناب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكلم لحاجة كل هذا في كلامهم لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ، فلو رأى أعمى يقع في بئر كما تقدم فهذا ليس بحرام بلا خلاف نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، لكن قالوا يستحب أن يقتصر على الإشارة إن حصل بها المقصود
(2)
. وحيث حرمنا الكلام فتكلم أثم ولا تبطل جمعته بلا خلاف، والحديث الوارد فلا جمعة له معناه جمعة كاملة
(3)
والله أعلم قاله في الديباجة.
قوله: فتَجَهَّمَنِي وَلَمْ يُكَلِّمْنِي قد ضبطه الحافظ وفسره، فقال: معناه قطَّب وجهه وعبس، ونظر إليَّ نظرَ المغضَب المنكِر. ا. هـ. ومنه حديث الدعاء "إلى من تكلني إلى عدو يتهجمني" أي يلقاني بالغلظة والوجه الكريه قاله ابن الأثير
(4)
.
1079 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه: قَالَ جلس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا على الْمِنْبَر فَخَطب النَّاس وتلا آيَة وَإِلَى جَنْبي أبي بن كعْب فَقلت لَهُ يَا أبي وَمَتى أنزلت
(1)
سبق تخريجه.
(2)
انظر المجموع (4/ 523).
(3)
المجموع (4/ 524).
(4)
النهاية (1/ 323).
هَذِه الآيَة قَالَ فَأبى أَن يكلمني ثمَّ سَأَلته فَأبى أَن يكلمني حَتَّى نزل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أبي مَا لَك من جمعتك إِلَّا مَا لغيت فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جِئْته فَأَخْبَرته فَقلت أَي رَسُول الله إِنَّك تَلَوت آيَة وَإِلَى جَنْبي أبي بن كَعْب فَقلت لَهُ، مَتى أنزلت هَذِه الآيَة فَأبى أَن يكلمني حَتَّى إِذا نزلت زعم أبي أَنه لَيْسَ لي من جمعتي إِلَّا مَا لغيت فَقَالَ صدق أبي إِذا سَمِعت إمامك يتكلَّم فأنصت حَتَّى يفرغ رَوَاهُ أَحْمد من رِوَايَة حَرْب بن قيس عَن أبي الدَّرْدَاء
(1)
وَلم يسمع مِنْهُ. قوله عن أبي الدارداء تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ" الحديث قال التيمي: في استماع الملائكة للخطبة حض على الاستماع لها والإنصات إليها، قال مجاهد: لا يجب الإنصات للقرآن إلا في الصلاة، وفي الخطبة، وقال مالك: الإنصات واجب لمن سمعها، ولمن لم يسمعها، وقال أحمد
(2)
: لابد من أن يذكر الله، ويقرأ القرآن من لم يسمعها، وقال أبو حنيفة، والشافعي
(3)
: يجب الإنصات للخطبة سمعها أم لا، وقال أحمد: لا يلزمه إذا
(1)
أحمد (21730)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 185)، رواه أحمد الطبراني في الكبير، ورجال أحمد موثقون.
(2)
ينظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 308) المغني لابن قدامة (2/ 250).
(3)
ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 256) المحيط البرهاني في الفقه النعماني (2/ 62) العناية شرح الهداية (2/ 49) حاشية الجمل على شرح المنهج= فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب (2/ 2) حاشية البجيرمي على الخطيب= تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/ 180).
لم يسمعها، والمشهور من مذهب الشافعي أن الإنصات سنة لا واجب والله أعلم، قاله الكرماني
(1)
.
قوله: رواه أحمد
(2)
من رواية حرب بن قيس [عن أبي الدرداء ولم يسمع منه، وهو حرب بن قيس مولى طلحة من أهل المدينة، روى عن أبي الدرداء، مرسلا، وروى عن نافع وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخارى: قال ابن أبي مريم، عن بكر بن مضر، قال: زعم عمارة بن غزية، أن حربا كان رضا
(3)
].
1080 -
وَرُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه: قَالَ قَالَ سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه لرجل لا جُمُعَة لَك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يَا سعد؟ قَالَ: لأنه كَانَ يتكلَّم وَأَنت تخْطب فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: صدق سعد، رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار
(4)
.
قوله: وروى عن جابر هو ابن عبد الله تقدم.
قوله: قال سعد بن أبي وقاص لرجل: لا جمعة لك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لِمَ يا
(1)
الكواكب الدراري (6/ 39).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
التاريخ الكبير (3/ 61)، والجرح والتعديل (3/ 249)، والثقات لابن حبان (6/ 230)، وتعجيل المنفعة (1/ 439 - 440).
(4)
أخرجه أبو يعلى (708)، والبزار (642)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 185): رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَفِيهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ النَّاسُ، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ. قال السخاوي في الأجوبة المرضية بتحقيقنا (1/ 163): بسند ضعيف. وكذلك ضعفه ابن الملقن في التوضيح (7/ 600)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (443).
سعد؟ قال: لأنه كان يتكلم وأنت تخطب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سعد". الحديث.
اختلف العلماء رضي الله عنهم في الكلام والإمام يخطب هل هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه؟ وهما قولان للشافعي جديد، وقديم، أصل القولين أن الإنصات إلى سماع الخطبة هل يجب؟ الأصح الجديد أنه لا يجب لأنه صلى الله عليه وسلم "كان يخطب فدخل داخل فقال: متى الساعة؟ يا رسول الله! فأشار إليه الناس أن اسكت فكرر ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عند الثالثة ما أعددت لها؟ فقال: ما أعددت لها شيئا غير إني أحب الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب"
(1)
.
وجه الدلالة منه أنه لم ينكر عليه فلو وجب الإنصات لأنكر عليه ولم ينكر أيضا على الذي سأله الاستسقاء وهو يخطب ولأنها عبادة لا يفسدها الكلام فلم يحرم فيها كالطواف
(2)
ووجه مقابله وهو نص الشافعي في القديم والإملاء وقطع به بعضهم خبر أبي هريرة وهو قوله: فقد لغوت فإن اللاغي آثم قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)}
(3)
(4)
وتقدم الكلام على ذلك.
(1)
أخرجه مسلم (2639)(161) وأحمد (12013) وأخرجه ابن المبارك في الزهد (718) وحسين المروزي في زوائده (1019) والترمذي (2385)، وابن حبان (105) و (7348)، والخطيب 4/ 259، والبغوي (3479).
(2)
الحاوى (2/ 431)، وكفاية النبيه (4/ 391).
(3)
سورة المؤمنون، الآية:3.
(4)
كفاية النبيه (4/ 391).
1081 -
وَعَن جَابر أَيْضا رضي الله عنه: قَالَ دخل عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخْطب فَجَلَسَ إِلَى جنب أبي بن كعْب فَسَألهُ عَن شَيْء أَو كلمه بِشَيْء فَلم يرد عَلَيْهِ أبي فَظن ابْن مَسْعُود أنَّهَا موجدة فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم من صلَاته قَالَ ابْن مَسْعُود يَا أبي مَا مَنعك أَن ترد عَليّ قَالَ إِنَّك لم تحضر مَعنا الْجُمُعَة قَالَ لم قَالَ تَكَلَّمت وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخْطب فَقَامَ ابْن مَسْعُود فَدخل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبي صدق أبي أطع أَبَيَا رَوَاهُ أَبُو يعلى بِإِسْنَاد جيد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
1082 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه: قَالَ كفى لَغوا أَن تَقول لصاحبك أنصت إِذا خرج الإِمَام فِي الْجُمُعَة رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفا بِإِسْنَاد صَحِيح
(2)
. وَتقدم فِي حَدِيث عَليّ الْمَرْفُوع وَمن قَالَ يَوْم الْجُمُعَة لصَاحبه أنصت فقد لَغَا وَمن لَغَا فَلَيْسَ لَهُ فِي جمعته تِلْكَ شَيْء.
قوله: وعن جابر تقدم. قوله: دخل عبد الله بن مسعود المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس على جنب أبي بن كعب فسأله عن شيء أو كلمه بشيء فلم يرد عليه أبي، فظن ابن مسعود أنها مؤجلة فذكر الحديث إلى أن قال: إنك لم
(1)
أبو يعلى (1799)، وابن حبان (2794)، والبيهقي في شعب الإيمان (2996)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 185)، رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه، وفي الكبير باختصار، ورجال أبي يعلى ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (721).
(2)
الطبراني في الكبير (9543)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 186)، ورجاله رجال الصحيح.
تحضر معنا الجمعة قال: لِمَ؟ قال: تكلمت والنبي صلى الله عليه وسلم فلا جمعة لك. وفي أخرى: صدق أبي صدق أبي أو قال أطع أبيا، والمراد به نفي الكمال أى لا جمعة لك كاملة، لا أنها باطلة.
وإن قلنا أنه حرام فإن ابن مسعود لم يؤمر بالإعادة وكما يحرم الكلام تحرم الصلاة أيضا صرح به أبو الطيب در المتولي
(1)
.
فروع: الأول: إذا قيل بالقديم فالداخل أثناء الخطبة لا يسلم فإن سلم حرمت إجابته باللفظ ويستحب بالإشارة، وتشميت العاطس حرام على الصحيح المنصوص
(2)
.
الفرع الثاني: لا خلاف أنه لا يحرم على من دخل ما لم يجد مكانا الكلام قبل الشروع في الخطبة وبعد فراغها وقبل الصلاة، قال في المرشد
(3)
: حتى في حال الدعاء للأمراء، أو في جلوسه بين يدي الخطبتين ففي الشامل و غيره إجراء القولين فيه وفي المهذب والوسيط القطع بالجواز
(4)
.
[فرع] يجوز للداخل في أثناء الخطبة أن يتكلم ما لم يجلس، والقولان فيما بعد قعوده لأن له أن يصلي التحية ويقرأ فيها وهو مناقض للإنصات وقد
(1)
كفاية النبيه (4/ 392).
(2)
روضة الطالبين (2/ 28 - 29)، وكفاية النبيه (4/ 396 - 397)، وطرح التثريب (3/ 199 - 200).
(3)
المرشد: كتاب في الوقف والابتداء، للمقرئ الحسن بن علي بن سعد أبي محمد العماني، قال ابن الجزي: له في الوقوف كتابان: أحدهما:
…
والآخر: المرشد، وهو أتم منه وأبسط، أحسن فيه وأفاد. غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 223) وكشف الظنون (2/ 1654).
(4)
كفاية النبيه (4/ 393) وكفاية الأخيار (ص 147).
كلم عمر عثمان قبل جلوسه وظاهر كلام صاحب التنبيه طرد القولين فيه
(1)
والله أعلم.
فرع: قال القاضي أبو الطيب
(2)
. ولو قال الخطيب {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}
(3)
الآية فضج الناس بالصلاة عليه كره لأنه يقطع عن الخطبة وسماعها وفي الروضة أنه يجوز رفع الصوت بذلك نقل الروياني عن الأصحاب أنه يجب أن يكون كالتشميت لأن كليهما سنة
(4)
والله أعلم.
فائدة: اختلف العلماء فيمن دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب فمذهب الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب يستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب له أن يتجوز فيهما ليستمع بعدهما الخطبة وحكى هذا المذهب عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين
(5)
قال القاضي
(6)
وقال مالك والليث بن سعد و أبو
(1)
كفاية النبيه (4/ 396).
(2)
ينظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 368) حاشية الصاوي على الشرح الصغير = بلغة السالك لأقرب المسالك (1/ 493) النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات (1/ 451).
(3)
سورة الأحزاب، الآية:56.
(4)
كفاية النبيه (4/ 397 - 398)، ومختصر الكفاية (لوحة 8/ خ 2176 ظاهرية).
(5)
شرح النووي على مسلم (6/ 164).
(6)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 21).
حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين: لا يصليهما وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنه وحجتهم الأمر بالإنصات للإمام
(1)
.
فإن قيل: تحية المسجد تفوت بالجلوس فكيف أمر في حديث سليك الغطفاني أن يصلي ركعتين وقد جلس، قيل: حمل بعضهم ذلك على سنة الجمعة التي قبلها وهي لما تفوت بالجلوس ويدل على ذلك أنه ورد في رواية "أصليت قبل أن تجئ؟ " قال: لا، قال:"فقم فاركع ركعتين"
(2)
وفي رواية "فصل ركعتين"
(3)
وفي الحديث الآخر "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما"
(4)
فهذا دليل على تحريم الزيادة على الركعتين لأن التجوز معناه الإسراع فيقتضي ذلك، وقال الكرماني
(5)
: أن التحية لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل بحكمها ا. هـ.
ولأنه كان يجهل حكمها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة وكلمه وأمره أن يصلي التحية فلولا شدة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم هذا الاهتمام
(6)
، قال النووي في شرح المهذب
(7)
: قال أصحابنا إذا جلس الإمام
(1)
شرح النووي على مسلم (6/ 164).
(2)
سبق.
(3)
سبق
(4)
سبق.
(5)
ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (6/ 5).
(6)
شرح النووي على مسلم (5/ 226).
(7)
المجموع شرح المهذب (4/ 551).
الإمام على المنبر وأذن المؤذنون امتنع ابتداء النافلة ونقلوا الإجماع فيه وممن نقله الماوردي، وقال الشافعي
(1)
: إذا جلس الإمام على المنبر وأذن المؤذنون فقد انقطع الركوع، وقال الشافعي أيضا في الأم
(2)
: خروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام، وقد روي عن ثعلبة بن أبي مالك قال: قعود الإمام يعني على المنبر يقطع من التحية وكلامه يقطع الكلام
(3)
، وقال في الروضة
(4)
: إذا صعد المنبر فينبغي لمن ليس في صلاة أن لا يفتتحها سواء كان صلى السنة أو لا، وقال صاجا الحاوي
(5)
: إذا جلس الإمام على المنبر حرم على من في المسجد أن يبتدئ في صلاة نافلة وإن كان في صلاة خفف، ونقل عن الماوردي وإن كان في صلاة جلس
(6)
قاله في هادي النبيه
(7)
وقد أطلق الأصحاب فواتها بالجلوس وهو محمول على العالم بأنها بأنها سنة أما الجاهل فيتداركها على قرب لحديث سليك الغطفاني.
ويستنبط من هذا الحديمث أن تحية المسجد لا تترك في أوقات النهى عن الصلاة وأنها ذات سبب تباح في كل وقت ويلحق بها ذوات الأسباب كقضاء
(1)
مختصر المزنى (8/ 121).
(2)
الأم (1/ 227).
(3)
الأم (1/ 227).
(4)
انظر المجموع (4/ 551).
(5)
الحاوى (2/ 429)، والمجموع (4/ 551).
(6)
الحاوى (2/ 429).
(7)
هادى النبيه (لوحة 64/ خ 2121 ظاهرية).
الفائتة وسجود التلاوة وصلاة الجنازة ونحو ذلك
(1)
قاله في الديباجة وهذا إجماع. هذا كلام صاحب الحاوي وهو صريح في تحريم الصلاة بمجرد جلوس الإمام على المنبر وأنه مجمع عليه والمشهور المنع من الصلاة مطلقا سواء أوجبنا الإنصات أم لا فإن خرج الإمام وهو في صلاة استحب تخفيفها بلا خلاف ولا تبطل واتفق الأصحاب على أن النهي عن الصلاة ابتداء وقته بجلوس الإمام على المنبر ولبقى حتى يفرغ من صلاة الجمعة ولو دخل المسجد في آخر الخطبة وغلب على ظنه أنه إن صلى التحية فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصل التحية بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد لئلا يكون جالسا في المسجد قبل التحية وإن أمكنه الصلاة وأدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام صلى التحية قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَرَى الْإِمَامَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِصَلَاتِهِمَا ويزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ إكْمَالُهُمَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يفعل كرهت ذلك له ولا شيء عَلَيْهِ هَذَا نَصُّهُ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ
(2)
ا. هـ، قاله في شرح العمدة.
فرع: يحرم إطالة النافلة التي يشرع فيها قبل صعود الإمام قاله الشيخ نصر في المقصود
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (6/ 164 - 165).
(2)
المجموع (4/ 551).
(3)
هادى النبيه (لوحة 64/ خ 2121 ظاهرية).
1083 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة وَمَسّ من طيب امْرَأَته إِن كانَ لَهَا وَلبس من صَالح ثِيَابه ثمَّ لم يتخط رِقَاب النَّاس وَلم يلغ عِنْد الموعظة كانَ كفَّارَة لما بَينهمَا وَمن لَغَا وتخطى رِقَاب النَّاس كانَت لَهُ ظهرا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عَمْرو
(1)
.
وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِهِ وَتقدم.
1084 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحضر الْجُمُعَة ثَلَاثَة نفر فَرجل حضرها بلغو فَذَلِك حَظه مِنْهَا وَرجل حضرها بِدُعَاء فَهُوَ رجل دَعَا الله إِن شَاءَ أعطَاهُ وَإِن شَاءَ مَنعه وَرجل حضرها بإنصات وسكوت وَلم يتخط رَقَبَة مُسلم وَلم يؤذ أحدا فَهِيَ كفَّارَة إِلَى الْجُمُعَة الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام وَذَلِكَ أَن الله يَقُول {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(2)
.
وَتقدم فِي حَدِيث عَليّ فَمن دنا من الإِمَام فأنصت واستمع وَلم يلغ كانَ لَهُ كفلان من الأجر الحَدِيث.
قوله: وعن عبد الله عمرو بن العاص تقدم.
(1)
أبو داود (347)، وابن خزيمة (181)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (723).
(2)
أبو داود (1113)، وابن خزيمة (1813)، وأحمد (6701)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (725).
قوله عليه السلام: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها وليس من صالح ثيابه ثم لم يتخطى رقاب الناس" الحديث تقدم الكلام عليه والتخطي مأخوذ من الخطا والخُطا جَمْعُ الْخُطْوَةِ فِي الكَثْرة، وَفِي القلَّة خُطْوَات بِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ "وَكثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ" وخُطُوَات الشَّيْطَانِ قاله في النهاية والْخُطْوَةُ بِالضَّمِّ: بُعْد مَا بَيْنَ القَدَمين فِي المشْي، وَبِالْفَتْحِ المَرَّةُ
(1)
.
قوله عليه السلام: "ومن لغى وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا" الحديث.
اختلف العلماء
(2)
هل الجمعة ظهر مقصور أو صلاة مستقلة؟ وهما قولان للشافعي الصحيح الجديد أنها صلاة مستقلة، وهذا الحديمت يدل له. ويبني للأصحاب على هذا الخلاف مسائل كثيرة:
منها: من لا عذر له إذا صلى الجمعة لم تصح ظهره على الجديد وهو الأظهر ويصح على القديم
(3)
، قال الأصحاب: القولان مبنيان على الفرض الأصلي يوم الجمعة، ماذا؟ فالجديد إنه الجمعة، والقديم إنه الظهر، وأن الجمعة بدل
(4)
والله أعلم، قال صاحب التقريب
(5)
: فعلى الأول يكفيه نية
(1)
النهاية (2/ 51).
(2)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 256) العناية شرح الهداية (2/ 49).
(3)
العزيز (2/ 307)، والمجموع (4/ 612)، والروضة (2/ 40).
(4)
انظر التعليق السابق.
(5)
صاحب التقريب المذكور هو ابن القفال الشاشي، واسمه القاسم بن محمد بن علي أبو الحسن، جليل القدر صاحب طريقة في المذهب، وكتابه التقريب في شرح مختصر المزني =
الجمعة، وعلى الثاني إذا نوى الجمعة هل يجب التعرض للقصر؟ فيه وجهان أصحهما لا ولو نوى ظهرا مقصورا ولم يتعرض للجمعة فعلى الأول لا يصح وعلى الثاني وجهان أصحهما الصحة لأنه نوى حقيقتها والله أعلم، قاله في مختصر الكفاية
(1)
.
قوله: وعنه تقدم الكلام عليه.
قوله د: "يحضر الجمعة ثلاث نفر" تقدم الكلام على النفر في أول هذا التعليق مبسوطا.
قوله عليه السلام: "فرجل حضرها يلغو فذلك حظه منها، ورجل حضرها بإنصات و سكون ولم يتخطى رقبة مسلم ولم يؤذ فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام" تقدم الكلام على اللغو والإنصات والتخطي في الأحاديث قبله.
فروع: الأول: ما يفعله بعض الجهال من قراءة بعض {الم} السجدة في الأولى وبقيتها في الثانية أو يقرأ سجدة من سجدات القرآن وقد نبه عليها النووي في الروضة وشرح المهذب وفي الأذكار والتبيان
(2)
وقد كان بعض
= في فروع الفقه. انظر تهذيب الأسماء واللغات (2/ 325) وطبقات الشافعية (3/ 472 - 473).
(1)
انظر: المجموع (4/ 632)، وكفاية النبيه (4/ 274)، ومختصر الكفاية (لوحة 326/ خ 2175 ظاهرية).
(2)
الأذكار (ص 108) والتبيان (رقم: 453)، والمجموع (3/ 385)، والروضة (1/ 248).
العلماء الذين أدركناهم يفتى ببطلان صلاة هؤلاء، وإنما السنة أن يقرأ في الأولى {الم} بتمامها وفي الركعة الثانية {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} بتمامها وليست قراءة {الم} لأجل السجدة وإنما أتت السجدة فيها ضمنا
(1)
والله أعلم.
تنبيه: قيل للفقيه عماد الدين بن يونس أن العامة صاروا يرون قراءة السجدة يوم الجمعة واجبة وينكرون على من تركها فقال: تقرأ في الوقت وتترك في وقت ليعرفوا أنها غير واجبة وفي فضائل الأوقات للبيهقى عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أفضل الصلاة عند الله تعالى صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة"
(2)
ا. هـ.
(1)
انظر: مجموع الفتاوى (24/ 205 - 206)، وزاد المعاد (1/ 364 و 408)، وتنبيه الغافلين (ص 443).
(2)
النجم الوهاج (2/ 130). والحديث:
أخرجه البزار (1279) والطبراني في الأوسط (1/ 65 - 66 رقم 184) والكبير (1/ 156 رقم 366) وابن عدى في الكامل (7/ 236) عن أبي عبيدة بن الجراح بلفظ: "إن أفضل الصلوات صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة، وما أحسب شهدها منكم إلا مغفورا له".
قال البزار: ولا نعلم روى هذا الكلام إلا أبو عبيدة بن الجراح بهذا الإسناد.
قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي عبيدة إلا بهذا الإسناد، تفرد به: يحيى بن أيوب. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 168: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط كلهم من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد وهما ضعيفان.
وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (1221).
وأخرجه أبو نعيم في الحلية (7/ 207)، والبيهقي في الشعب (4/ 441 رقم 2783 =
الفرع الثاني: ما أحدثوه من كتابة الحروز
(1)
في أخر جمعة من شهر رمضان حال الخطبة والإنصات إليها وقد نهى عن العبث بالحصى في وقت الخطبة لأنه يشتغل عن سماعها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "ومن مس الحصى فقد لغى ومن لغى فلا جمعة له"
(2)
الحديث. لأن مس الحصى في الصلاة منهي عنه أنه يتشاغل به عن الخشوع وحضور القلب
(3)
.
الرابع: ما أحدثوه الناس من وقوف الدواب على أبواب المساجد سِيَّمَا فِي الْجُمَعِ وَالأَعْيَادِ وهو بدعة ينبغي إنكارها، لأنهم يضيقون طرق المسلمين ويروثون ويبولون على أبواب المساجد وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبال بأبواب المساجد، ولأن الداخل إلى المسجد قد يتنجس قدَمُه أو ثوبُه فشق عليه غسله إن تنبَّه له، وإن لم يتنبه له صلى بنجاسة، وقد يتنجس نعله فلا يجوز له أن يدخل به المسجد وقد يحصل منه رفص أو كدم فيقع الضرر فيكون
= وفضائل الأوقات (288) عن ابن عمر باللفظ الذي ذكره المؤلف. قال أبو نعيم: تفرد به خالد مرفوعا، ورواه غندر موقوفا.
وقال الدارقطني في العلل (3127): يرويه يعلى بن عطاء، وقد اختلف عنه
…
وكذلك قال هشيم، عن يعلى بن عطاء، موقوفا، وهو الصحيح.
وصححه الألباني في الصحيحة (1566).
(1)
الحرز: هو الموضع الحصين، ويسمى التعويذ حرزًا، لأنه يتحصن به من الأمراض والأسقام. انظر: الصحاح للجوهري (3/ 873). وذلك بدعة سيما وهو يترك بسببه ما وجب عليه من سماع الخطبة والإنصات إليها.
(2)
سبق تخريجه. هكذا في المخطوط لم يذكر المؤلف الثالث بل ذكر بعد الثاني الرابع.
(3)
تنبيه الغافلين (ص 440).
أصحابها السبب في ذلك
(1)
والله أعلم.
الفرع الخامس: لو دخل السقاء إلى المسجد يسبِّل الماء الذي معه جاز بشرط أن لا يتخطى رقاب الناس و أن لا يلوث المسجد بقدمه لأنه في الغالب يكون حافيا ورجلاه وسختين وأن لا يرش من ماءه شيء على ثياب الناس وأن لا يرفع صوته بقوله الماء للسبيل وأن لا يبل موقعه من المسجد بألا يمنع الصلاة وأن لا يضرب بناقوسه في المسجد فإن فُقِدَت هذه الشروط جاز
(2)
والله أعلم.
الفرع السادس: تعليق قناديل الذهب والفضة في المسجد وهو بدعة محرمة لما ذكر من استعمال أواني الذهب والفضة وفي الفضة التي بباب الكعبة خلاف والصحيح التحريم
(3)
والله أعلم.
فرع: ما اعتاده كثير من الجهال إذا قال الخطيب: الحمد لله سيَّما في الخطبة الثانية باسوا أيديهم ووضعوها على رؤوسهم حتى ربما يُسمع صوت بوسهم أياديهم من خارج المسجد وهذا سخافة عقل وبدعة شنيعة ليس لها أصل في الشرع ولم يفعلها أحد من السلف الصالح ولا ممن يرجع إليه فينبغي إنكارها وتعريف أنها بدعة ليس لها أصل
(4)
.
(1)
تنبيه الغافلين (ص 440).
(2)
تنبيه الغافلين (ص 437 - 438)
(3)
الحاوى الكبير (3/ 276)، والعزيز شرح الوجيز (12/ 402)، والمجموع (4/ 445)، وتنبيه الغافلين (ص 440).
(4)
تنبيه الغافلين (441).
فرع آخر: من الصغائر البيع يوم الجمعة بعد الأذان الثاني إذا تأخر بسببه لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا}
(1)
الآية قال النووي
(2)
وغير البيع من الصنايع والعقود في معنى البيع قاله ابن النحاس في تنبيهه
(3)
والله تعالى أعلم.
فائدة: ما الحكمة في قراءة السجدة وهل أتى على الإنسان في يوم الجمعة؟ عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر {الم تَنْزِيلُ} السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} " وزاد الطبراني في معجمه الكبير والصغير: "يديم على ذلك"
(4)
وهي ترد على من كرهها [وهي رواية أشهب] من
(1)
سورة الجمعة، الآية:9.
(2)
ينظر: المجموع شرح المهذب (4/ 500).
(3)
تنبيه الغافلين (ص 318 - 319)، والمجموع (4/ 500).
(4)
أخرجه البخاري (891) و (1068) ومسلم (66 - ) عن أبي هريرة. وأما زيادة يديم على قرائتها: أخرجها الطبراني الصغير (2/ 178 رقم 698)، وابن مردويه في جزء ما انتقاه على الطبراني (125). وقال: لم يروه عن عمرو بن قيس إلا ثور، ولا عن ثور إلا الوليد بن مسلم تفرد به دحيم، ولا كتبناه إلا عن محمد بن بشر. قال الحافظ في الفتح (2/ 378) في إسناد الطبراني: ورجاله ثقات، لكن صوب أبو حاتم إرساله. وقال في نتائج الأفكار (1/ 371): هذا حديث حسن، رواته ثقات. ولهذه الزيادة شاهد من حديث ابن عباس بلفظ كل جمعة، أخرجه الطبراني في الكبير. وأخرجه الطبراني في الكبير (12/ 43 رقم 12422) عن ابن عباس بلفظ:"يقرأ في كل جمعة في صلاة الغداة الم تنزيل، وهل أتى على الإنسان". قال الهيثمي في المجمع (2/ 168): رواه الطبراني في الكبير وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف جدًّا.
المالكية في [صلاة] الفرض [خشية] التخليط على المأمومين وخص بعضهم [الكراهة] بما إذا أسر قالوا وربما أدى اعتقاد وجوبها من الجهال فسددنا الذريعة ومشهور مذهب مالك أن من [مذهبه حسم مادة الذرائع] وأشار ابن دقيق العيد إلى أنها [إذا انتهى الحال إلى أن تقع هذه المفسدة فينبغي] أن تترك في بعض الأوقات ولعله رحمه الله لم يطلع على رواية الطبراني (بديمومة ذلك، ولو اطلع عليها لم يذكر ما قاله).
وأما مناسبة قراءة هاتين السورتين في يوم الجمعة (لما اشتملتا عليه من ذكر المبدأ والمعاد، وخلق) أدم (، ودخول الجنة والنار، وذلك مما كان ويكون في) يوم الجمعة أفكان يذكر الأمة في هذا اليوم أن فيه، تقوم الساعة (ولهذا كان يقرأها لما) احتوى على ذكر القيامة وأحواله وصفة الجنة والنار (وكيف تعرض) أعمالهم وغير ذلك وقال في: العلم المشهور: الحكمة في قراءة [هاتين] السورتين لما في السورتين من ذكر الستة الأيام وإتباعها بذكر خلق أدم من طين تنبيها منه صلى الله عليه وسلم على الحكمة وتذكرة للقلوب بهذه الموعظة وأن الله تعالى خلق فيه أدم وجعل فيه بدء هذا الجنس وهو البشر وجعل أيضا فيه فناءهم إذ فيه تقوم الساعة كما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم وأمته وسماه الجمعة مأخوذ من الإجتماع
(1)
فقف بقلبك على حكمة الله تعالى في تعبد الخلق به لما فيه من التذكرة بإنشاء هذا الجنس ومبدئه ولما فيه من التذكرة بأحدية الله سبحانه وتعالى وانفراده قبل الخلق بنفسه فإنك إذا
(1)
العلم المشهور (لوحة 169).
كنت في الجمعة وتفكرت في كل جمعة قبله حتى [يترقى وهمك] إلى الجمعة التي خلق فيها أبوك أدم ثم فكرت في الأيام الستة التي قبل تلك الجمعة وجدت في كل يوم منها جنسا من المخلوقات
(1)
ا. هـ.
فائدة أخرى: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين"
(2)
، وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد قرأ بهما أيضا في الصلاة أخرجهما مسلم
(3)
قال في المفهم: والحكمة (في قراءتها) أنه يذكرهم بأمر الجمعة ويبين تأكدها وأحكامها وأما قراءة المنافقين فالتوبيخ من حضرها منهم لأنه قل من كان يتأخر عن الجمعة منهم إذ قد كان يهدد عن التخلف عنها بتحريق البيوت على من فيها ولعل هذا والله أعلم كان في
(1)
العلم المشهور (لوحة 169) وتتمة كلامه: موجودا إلى السبت ثم انقطع وهمك فلم تجد في الجمعة التي تلي ذلك السبت وجودا إلا للواحد الصمد الوتر، فقد ذكرت الجمعة من تفكر بوحدانية الله وأوليته وإنظر كيف أمرنا الشارع (د) بالإجتماع في منزل واحد يخطب لنا خطيب واحد يذكر بوحدانية الله وبفناء الخلق وذهابهم ورجوعهم إلى ربهم ووقوفهم لحسابهم وأما قراءته (د) في الركعة الثانية {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} فلما في هذه السورة من ذكر السعي وشكر الله تعالى عليه كما قال جل من قائل {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} وقال جل من قائل في يوم الجمعة {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فنبه بقراءته إياها على الباعث للسعى المشكور عليه والله أعلم انتهى. وهو بنحوه في الروض الأنف (4/ 108 - 109).
(2)
أخرجه مسلم (879) أحمد (1993) وأبو داود (1075)، الترمذي (520).
(3)
صحيح مسلم (877).
أول الأمر فلما عقل الناس أحكام الجمعة وحصل توبيخ المنافقين عدل عنها إلى قراءة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {الْغَاشِيَةِ} لما تضمنتا من الوعد والوعيد و التذكير
(1)
ا. هـ قاله في شرح الإلمام.
(1)
المفهم (7/ 146).