الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بعض مناقب أبي بكر الصديق]
قوله: عن أبي بكر الصديق، واسمه عبد الله بن أبي قحافة وهو الذي ذكرنا من أن اسم أبي بكر الصديق عبد الله هو الصحيح المشهور، واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم، أسلم يوم فتح مكة وله صحبة، قال عروة أسلم أبو بكر وله أربعون ألف دينار فأنفقها كلها، قال ابن إسحاق: وأتى أبو بكر بابيه أبي قحافة يقوده وقد كان كف بصره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فلما رآه قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، قال: فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ثم مسح بيده على صدره ثم قال له "أسلم" فأسلم، وكان فتح مكة لعشر بقين من شهر رمضان وكان عدة من شهد الفتح من المسلمين عشرة آلاف وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خمسة عشر ليلة بها يقضى الصلاة، وفيها كانت غزوة حنين والطائف، ومات أبو قحافة في المحرم سنة أربع وعشرة من الهجرة وهو ابن سبع وتسعين سنة
(1)
بعد وفاة ابنه أبي بكر بأشهر، أ. هـ، قاله في تاريخ كنز الدرر
(2)
.
(1)
المستخرج (2/ 418)، ووفيات الأعيان (3/ 68)، وتاريخ مكة المشرفة (ص 322).
(2)
كنز الدرر (3/ 156).
وأسلم على يد أبي بكر الصديق خلائق من الصحابة منهم خمسة من العشرة وهم عثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله، روى الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين واربعين حديثان اتفق البخاري ومسلم منها على ستة وانفرد البخاري بأحد عشر ومسلم بحديث وسبب قلة روايته مع صحبته وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها وهو أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في أحد الأقوال وقيل: أولهم علي بن أبي طالب وقيل: خديجة، وادعى الثعلبي الإجماع فيه وأن الخلاف إنما هو في أولهم بعدها وثبت في الصحيحين عن عائشة قال: لم أعقل أبوي إلا وهم يدينان الدين ولم [يمر] علينا يوم إلا يأتينا [فيه رسول الله]صلى الله عليه وسلم[طرفى النهار بكرة وعشيا]، وهو أول خليفة في الإسلام وأول أمير أرسل علي [الحج] بالناس سنة تسع من الهجرة وكان أبيض نحيفا خفيف [العارضين] معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة يخضب بالحناء والكتم له ولأبويه ولولده وولد ولده صحبة ولم يجتمع هذا لأحد غيره، استخلف يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة إحدى [عشرة] وولد بمكة بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما، ومات بالمدينة [مساء ليلة الثلاثاء] لثمان بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة بعد المغرب وله ثلاث وستون سنة [وقيل اثنان وخمسون سنة] والأول أصح، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس فغسلته وصلى عليه عمر ودفن إلى جانب النبي
- صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه اغتسل في يوم بارد فجم خمسة عشر يوما ومات وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر روى عنه عمر وابن [مسعود وحذيفة] وابن عمر [، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب،] وأبو هريرة [وعقبة بن الحارث،] وعائشة وغيرهم
(1)
أ. هـ قاله في شرح الإلمام.
تنبيه: الألقاب الحسنة لا ينهى عنها، واتفق العلماء على تلقيب الإنسان باللقب الحسن وما لا يكرهه الإنسان كعتيق لقب أبي بكر الصديق، وأبي تراب لقب علي بن أبي طالب، وذو اليدين لقب الخرباق [بن عمرو] وعمر بالفاروق وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله، فهؤلاء صحابيون لقبهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الألقاب وكانوا يحبونها
(2)
والله أعلم.
وما زالت الألقاب الحسنة [في الجاهلية والإسلام قال الزمخشري:] إلا ما أحدثه الناس في زماننا من التوسع [حتى لقبوا السفلة بالألقاب العليا، وهب أن العذر مبسوط فما أقول في تلقيب من ليس من الدين في قبيل ولا دبير بفلان الدين، وهي لعمرو الله القضية التي لا تساغ]
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله تعالى إلى غفر له ثم قرأ هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
(1)
انظر الطبقات (3/ 169 - 274)، ومرآة الزمان (5/ 132 - 162)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 181 - 191).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 12).
(3)
النجم الوهاج (9/ 529).
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}
(1)
الآية" ورواه ابن حبان والبيهقي بلفظ: "ثم يصلي ركعتين" المراد بقوله: "ثم يقوم فيتطهر" الوضوء الشرعي.
واعلم أن معنى الاستغفار سؤال العبد ربه عز وجل أن يغفر له ومعنى مغفرته لذنوب عباده أن يسترها عليهم بعطفه ورأفته بهم وأن لا يكشف أمورهم لخلقه ولا يهتك سترهم بالعقوبة التي سهرهم في عيوبهم، وأصل الغفر الستر والتغطية ومنه يقال لِجُنّةِ الرأس المغفر، أ. هـ قاله الهروي. قوله: ثم قرأ هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ] وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ولم يصروا أي لم [يقيموا ولم] يداوموا، يفهم من الآية أثهم إذا لم يستغفروا أي لم يتوبوا وأصروا على ذنوبهم يكون محل الحذر والخوف قاله الكرماني
(2)
وفي الحديث: "ما أصر من استغفر"
(3)
أي على الشيء يصر إصرارًا إذا لزمه وداومه وثبت عليه وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب يعني من اتبع الذنب [بالاستغفار فليس بمصر عليه وإن تكرر منه
(4)
].
(1)
سورة آل عمران، الآية:135.
(2)
الكواكب الدراري (1/ 188 - 189).
(3)
أخرجه أبو داود (1514)، والترمذي (3559). وضعفه الألباني في ضعيف، المشكاة (2340)، ضعيف أبي داود (267).
(4)
النهاية (3/ 22).
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} ، وشروط التوبة المذكورة مأخوذة من هذه الآية لأن من ذكر الله ندم، والاستغفار يستلزم الإقلاع والعزم على أن لا يعود لأن الاستغفار مع الإصرار توبة الكذابين، والشرط الرابع: هو رد الظلامة إلى صاحبها من عرض أو مال من قوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} لأن من أمسك العين المغصوبة مصر على المعصية فلا تصح توبته حتى يردها على صاحبها ومن شروط التوبة أن لا تطلع الشمس من مغربها وأن لا تبلغ الروح الحلقوم قال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}
(1)
وملك الموت إذا حضر وشاهده المريض شخص بصره ولا تنفع التوبة حينئذ، أ. هـ قاله ابن العماد في شرح العمدة.
1016 -
وَعَن الْحسن يَعْنِي الْبَصْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أذْنب عبد ذَنبا ثمَّ تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ خرج إِلَى برَاز من الأَرْض فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ واستغفر الله من ذَلِك الذَّنب إِلَّا غفره الله لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا
(2)
.
قَوْله البرَاز بِكَسْر الْبَاء وَبعدهَا رَاء ثمَّ ألف ثمَّ زَاي هُوَ الأَرْض الفضاء.
قوله: عن الحسن يعني البصري تقدم الكلام على بعض مناقبه وهو الإمام المشهور المجمع على جلالته في كل شيء، كنيته: أبو سعيد الحسن بن أبي
(1)
سورة النساء، الآية:18.
(2)
أخرجه البيهقي في الشعب (9/ 295 رقم 6679). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (413).
الحسن يسار التابعي البصري ومناقبه كثيرة مشهورة نفعنا الله ببركته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أذنب عبد ذنبا ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى براز الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له" تقدم الكلام على إحسان الوضوء في عدة مواضع من هذا التعليق وتقدم أيضا معنى الاستغفار في الحديث قبله، وفسر الحافظ رحمه الله البراز وضبطه فقال البراز بكسر الباء وبعدها راء ثم ألف ثم زاي هو الأرض الفضاء، أ. هـ.
قال في النهاية: والفضاء الخالي الفارغ الواسع من الأرض، وقد [فضا] المكان [وأفضى] إذا اتسع
(1)
أ. هـ.
قوله: رواه البيهقي مرسلا، تقدم الكلام على الحديث المرسل في اصطلاح المحدثين في مواضع من هذا التعليق أيضًا.
1017 -
وَعَن عبد الله بن بُرَيْدَة رضي الله عنه عَن أَبِيه قَالَ أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَال بِمَ سبقتني إِلَى الْجنَّة إِنِّي دخلت الْجنَّة البارحة فَسمِعت خشخشتك أَمَامِي فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا أذنت قطّ إِلَّا صليت رَكْعَتَيْنِ وَمَا أصابني حدث قطّ إِلَّا تَوَضَّأت عِنْدهَا وَصليت رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(2)
وَفِي رِوَايَة مَا أذنبت
(3)
وَالله أعلم.
(1)
النهاية (2/ 456).
(2)
أخرجه أحمد 5/ 354 (22996) و 5/ 360 (23040)، والترمذي (3689)، والحاكم 3/ 285 و 313. وصححه الألباني في المشكاة (1326) وصحيح الترغيب (201).
(3)
أخرجه ابن خزيمة (1209). وصححه الألباني في ضعيف الترغيب (414).
قوله: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، واسم أبيه الحصيب عن عبد الله بن الحارث الأسلمي أسلم قبل بدر ولد يشهدها نزل البصرة ثم مرو، وقبره بها، روى عنه ابناه عبد الله وسليمان وتقدم الكلام على ترجمته.
قوله: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فدعا بلالا فقال: "يا بلال، بم سبقتني على الجنة؟ " هكذا في الأصول الصحيحة من المسند على الصواب "بم سبقتني؟ " بغير ألف بعد الميم ووقع في سماعنا من الترمذي بما بإثبات الألف وهو ضعيف والصواب الأول، وهي لغة القرآن في قوله تعالى:{لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}
(1)
و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}
(2)
قاله في شرح الأحكام
(3)
.
فإن قيل: ما معنى رؤياه صلى الله عليه وسلم لبلال أمامه في الجنة كلما دخل مع كونه صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة فكيف معنى تقدم بلال عليه في هذه الرؤيا. فالجواب: أنا نتلقاه بالقبول والتصديق ولا يدل على أن أحدًا يسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجنة وإنما تقديم بلال بين يديه صلى الله عليه وسلم في الجنة فلأن بلال كان يدعوا إلى الله أولا بالأذان فتقدم دخوله بين يديه كالحاجب والخادم، وقد روي في حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث يوم القيامة وبلال بين يديه بالأذان تقدمه بين يديه كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم وإظهار لشرفه وفضله لا سبقا من بلال له بل هذا السبق من جنس سبقه إلى الوضوء
(1)
سورة سورة التوبة، الآية:43.
(2)
سورة النبأ، الآية:1.
(3)
طرح التثريب (2/ 60).
ودخول المسجد ونحوه قاله في حادي الأرواح
(1)
، فإنه لم يقل في هذه الرواية أنه يدخلها قبله في القيامة، وإنما رآه أمامه في منامه وأما الدخول حقيقة فهو صلى الله عليه وسلم أول من يدخلها مطلقًا
(2)
، فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من يفتح له باب الجنة يوم القيامة، وأما قبل ذلك فيدخلها الأنبياء قبله، ففي صحيح مسلم من حديث سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آتي باب الجنة يوم القيامة فليستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك"
(3)
ورواه الطبراني بزيادة فيه قال: "فيقوم الخازن فيقول: لا أفتح لأحد قبلك ولا أقوم في خدمة أحد بعدك"
(4)
بل خزنة الجنة يقومون في خدمته وهو كالملك عليهم، وقد أقامه الله في خدمة عبده ورسوله حتى مشي إليه وفتح له الباب
(5)
، أ. هـ؛ وأما هذا الدخول يعني في النوم فالمراد به سريان الروح في حالة النوم فلا إشكال في ذلك
(6)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي"، قال النووي: يقال جرى الليلة كذا وإن كان بعد الصبح وهكذا يقال الليلة إلى
(1)
حادي الأرواح (ص 116).
(2)
طرح التثريب (2/ 58).
(3)
أخرجه مسلم (333 - 197).
(4)
لم أهتد إليه.
(5)
حادي الأرواح (ص 110).
(6)
طرح التثريب (2/ 58).
الزوال وبعد الزوال يقال البارحة
(1)
، أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "فسمعت خشختك أمامي" وقال في غير هذا الحديث: "فأتيت على قصر مشرف من ذهب" فقلت: "لمن هذا القصر؟ "، قالوا: لرجل عربي، قلت:"أنا عربي، لمن هذا القصر؟ " قالوا لرجل من قريش، قلت:"أنا قرشي، لمن هذا القصر" قالوا لرجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قلت أنا محمد لمن هذا القصر قالوا لعمر بن الخطاب، والخشخشة: بخاءين وشينين معجمتين، قيل: هو صوت يحدث من تحرك الأشياء اليابسة واصطكاكها كما أن الخضخضة صوت يحدث من تحرك الأشياء الرطبة وتموجها
(2)
، فإن قلت: هذا السماع لا بد أن يكون في النوم إذ لا يدخل أحد الجنة إلا بعد الموت.
قلت: يحتمل [كونه في حال اليقظة وقد صرح في أول كتاب الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم دخل فيها ليلة المعراج] وأما بلال فلا يلزم منه أنه دخل فيها إذ في [الجنة" ظرف للسماع] والدف بين يديه قد يكون خارجا عنها
(3)
وهذا لا يدل على تفضيل بلال على واحد من الصحابة العشرة فضلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما مشى بين يديه للخدمة كما تقدم.
قول بلال يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث
(1)
شرح النووي على مسلم (6/ 43).
(2)
تحفة الأبرار (3/ 568).
(3)
الكواكب الدراري (6/ 203).
قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين، الحدث معروف وهو الذي يوجب الوضوء للصلاة وغيرها كمس المصحف وغيره أ. هـ.
وإطلاقه في هذا الحديث دليل على استحباب الركعتين في كل وقت بعد الوضوء وإن كان من الأوقات المكروهة
(1)
والله أعلم، وفي هذا الحديث حجة لمذهب أهل السنة أن الجنة مخلوقة موجودة الآن خلافا لمن أنكر ذلك من المعتزلة
(2)
، وفيه منقبة عظيمة لبلال رضي الله عنه، وإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بلال بذلك ليطيب قلبه ويكون مداوما وما على ما هو عليه من الطاعة وليظهر رغبة من يسمع الحديث في الطاعة وليصير أداء الصلاة بعد الوضوء سنة ويسمى بشكر الوضوء، وتقدم الكلام على مناقب بلال وعلى معنى الحديث أيضا وفيه: ما أذنت قط إلا صليت ركعتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [بهذا]، أخرجه ابن خزيمة ورواه الترمذي وحكم بصحته، أقول وأخرجه أحمد وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة وجابر يعنى [حديث "رأيتنى دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبى طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك"، فبكى عمر، وقال: بأبى وأمى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعليك أغار، وقوله في رواية لابن خزيمة ما أذنبت].
(1)
الميسر (1/ 326).
(2)
إكمال المعلم (6/ 306)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 363)، وشرح النووي على مسلم (13/ 31).
وليس المراد به الشذوذ فإنه ينافي الصحة وإنما هو باعتبار عدم الشهرة والله أعلم قاله في شرح الإلمام.
خاتمة: صلاة التوبة
(1)
يصليها الإنسان في مكان خال بتذلل وافتقار وندم وانكسار ويدعو بما شاء من الدعاء المبارك ومنه: يا مجلي عظائم الأمور يا منتهى [يا منتهى همة] المهمومين يا من إذا أراد أمر فإنما يقول له كن فيكون أحاطت بنا ذنوبنا وأنت المذخور لها يا مذخورًا لكل شدة كنت أدخرك لهذه الساعة فتب علي إنك أنت التواب والرحيم وفرج عني وعن المسلمين ما ضاقت به السبل [اذقنى برد عفوك وحلاوة مغفرتك] يا أرحم الراحمين ثلاث مرات وهكذا في كل في عاء وهذه الصلاة بآدابها يحصل [بها] التوبة والأهم الواجب هو الندم والعزم على الترك وعدم الإصرار وأداء الحقوق والاستحلال وتقدم في أول الباب ذلك والله أعلم.
(1)
منهاج العابدين (ص 80 - 81).