المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٧

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمه وما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن

- ‌الترغيب في تعاهد القرآنه وتحسين الصوت به

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمران وما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولها أو عشر من آخرها

- ‌التَّرْغِيب فِي قِرَاءَة سُورَة يس وَمَا جَاءَ فِي فَضلهَا

- ‌الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك

- ‌الترغيب في قراءة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما يذكر معها

- ‌الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها

- ‌الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر

- ‌الترغيب في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌الترغيب في قراءة المعوذتين

- ‌كتاب الذكر والدعاء

- ‌الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرا وجهرا

- ‌الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى

- ‌الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في كلمات يكفرنا لغط المجلس

- ‌الترغيب في قول لا إله إلا الله وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له

- ‌الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه

- ‌الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌الترغيب في قول لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء

- ‌الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل

- ‌الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما

- ‌الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها

- ‌الترغيب في الاستغفار والإكثار منه في الليل والنهار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌[الترهيب من استبطاء الإجابة وقوله دعوت فلم يستجب لي]

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترهيب من تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم كثيرا دائما

- ‌كتاب البيوع(1)وغيرها

- ‌مشروعية البيع:

- ‌التَّرْغِيب فِي الاكْتِسَاب بِالْبيع وَغَيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وفيه وما جاء في نوم الصبحة

- ‌[الترغيب في ذكر اللّه تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة]

الفصل: ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

‌كتاب قراءة القرآن

‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

2184 -

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ". رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائيُّ، وابن ماجه، وغيرهم

(1)

.

قوله: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" الحديث، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة، علم الناس القرآن وتعلمه، فإنك إن مت وأنت كذلك زارت الملائكة قبرك كما يزار البيت العتيق، وعلم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجعة فلا تحدث في دين الله حديثا برأيك"

(2)

(1)

البخاري (5027)، وأبو داود (1452)، والترمذي (2907)، والنسائي (8039)، وابن ماجه في المقدمة (211)، وأحمد (412)، وابن الضريس في فضائل القرآن (133)، وابن حبان (118)، والدارمي (3381)، والطيالسي (73)، وعبد الرزاق (5995)، وعلي بن الجعد (489)، والبزار (396)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 193)، والبيهقي في شعب الإيمان (2205).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (6/ 37) والسلفي في الأربعين البلدانية (ص 156) ومعجم السفر (1231)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 264). =

ص: 5

قال الإمام أبو عبد الله القرطبي

(1)

: قال علماؤنا تعليم القرآن من أفضل الأعمال لأن فيه إعانة على الدين فهو كتلقين الكافر الشهادة ليسلم ومن استحقر معلما لأجل تعليمه خيف عليه يعني من سوء الخاتمة وقد بعث الله جبريل عليه الصلاة والسلام ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم وقال سبحانه: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}

(2)

وما تعلمه أول ما تعلمه من الأمة إلا من النبي صلى الله عليه وسلم وفي الخبر عن حذيفة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم "قال إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب الحمد لله رب العالمين فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة"

(3)

ذكر الشيخ أبو عبد الله في تفسيره

(4)

حديثا قال: خير الناس وخير من يمشي على جديد الأرض المعلمون كلما خلق الدين جددوه أعطوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم فإن المعلم إذا قال للصبي قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال

= هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غطى بعض الرواة عواره بأن قال حدثنا أبو همام القرشي وهذا عندي من أعظم الخطأ أن يهرج بكذاب. واسمه محمد بن مجيب، قال يحيى بن معين: كذاب عدو الله. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (265). وقال أبو حاتم الرازي: ذاهب الحديث.

(1)

ينظر: تفسير القرطبي (1/ 335).

(2)

سورة النجم، الآية:5.

(3)

أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان عن تفسير القرآن (1/ 90). قال الشربيني الشافعي في السراج المنير (1/ 14)، والمناوي في الفتح السماوي (1/ 119)، والسيوطي في نواهد الأبكار (1/ 252)، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 251): موضوع.

(4)

تفسير القرطبي (1/ 336).

ص: 6

الصبي بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله براءة للصبي وبراءة للمعلم وبراءة لأبويه من النار

(1)

. قاله في المدخل

(2)

.

وعن أبي بن كعب قال: علمت رجلا القرآن فأهدى إلي قوسا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار" فرددتها. انفرد به ابن ماجه

(3)

والرجل الذي أقرأه السورة أو قال القرآن هو [الطفيل] ابن عمرو الدوسي كذا في الأطراف

(4)

.

(1)

أخرجه ابن الجوزي في التحقيق من طريق ابن مردويه (1578) عن ابن عباس. قال ابن الجوزي: وهذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به لأنه من عمل أحمد بن عبد الله الهروي وهو الجويباري وكان كذابا يضع الحديث أجمع أهل النقل على ذلك احتجوا بحديثين.

وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (4/ 187): هذا الحديث موضوع، وقد سقط بين هشام وابن أبي مليكة رجل، أما ابن جريج أو غيره. وقال الذهبي في التنقيح (2/ 131): موضوع.

(2)

المدخل (2/ 308).

(3)

أخرجه ابن ماجه (2158). وصححه الألباني في الإرواء (1493).

(4)

تحفة الأشراف (1/ 35). وجاء ذكره في حديث أبي السالف من رواية الطفيل بن عمرو عند حنبل في جزئه (45) والطبراني في الأوسط (1/ 139 رقم 439)، والبغوى في معجم الصحابة (1370).

قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن الطفيل بن عمرو إلا بهذا الإسناد، تفرد به: إسماعيل بن عياش.

قال أبو القاسم البغوي: والذي روى عنه إسماعيل بن عياش هذا الحديث عبد ربه واسمه ابن زيتون أحسبه من أهل حمص ولم يسمع من الطفيل بن عمرو وهو حديث غريب وللطفيل بن عمرو رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا، ويقال: إن الطفيل قتل يوم اليمامة. =

ص: 7

وقال الخطابي

(1)

في حديث القوس: اختلف الناس في معنى هذا الحديث وتأويله فذهب قوم من العلماء إلى ظاهره ورأوا أن أخذ الأجرة والعوض على تعليم القرآن غير مباح [قال في] التبيان: [وروينا عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله: خيركم، من تعلم القرآن وعلمه" وفي رواية "خياركم" رواه البخاري وقال الترمذي بعد روايته: قال أبو عبد الرحمن: "فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، وعلم القرآن في زمن عثمان حتى بلغ الحجاج بن يوسف" وأبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة بالتصغير الكوفي القارئ روى عن جماعة من الصحابة كان يقرئ القرآن بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج بن يوسف، قال أبو إسحاق السبيعي أقرأ أبو عبد الرحمن السلمي القرآن في الكوفة أربعين سنة وصام ثمانين رمضانا وكان ضريرا مقرئا كوفي تابعي ثقة، قال عبد الباقي بن قانع مات سنة خمس ومائة وهو ابن تسعين سنة اهـ قاله في الديباجة

(2)

.

ففي هذا الحديث تنبيه على فضيلة تعلم القرآن وتعليمه.

تنبيه: اختلف العلماء في أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعليمه

(3)

فمنع

= قال الهيثمي في المجمع 4/ 95: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عبد الله بن سليمان بن عمير، ولم أجد من ترجمه، ولا أظنه أدرك الطفيل.

(1)

معالم السنن (3/ 99).

(2)

كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه (ص 107 - 111/ رسالة علمية).

(3)

الألباني ذكر في الصحيحة حديثين في هذا الموضوع وهما حديث: من أخذ على تعليم القرآن قوسًا، قلده الله قوسًا من نار يوم القيامة. وحديث عبادة بن الصامت قال: علمت ناسًا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسًا فقلت ليست بمال =

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسًا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، قال: إذ كنت تحب أن تطوق طوقًا من نار فاقبلها. وذكر أحاديث شواهد لهذا المعنى يعضد بعضها بعضًا فأفادت عنده الثبوت وكان يفتي بحرمة الأجرة على تعليم القرآن محتجًا بهذه الأحاديث وبأن الأصل في العبادات أن تكون خالصة، ولكنه عارضه أهل العلم بما يفيد من النصوص إباحة أخذ العوض مقابل تعليم القرآن، والمسألة مختلف فيها عند أهل العلم على أقوال:

فذهبت طائفة من العلماء إلى منعه مطلقًا وقصر حديث الإباحة على الرقية أو الدواء وهذا هو مذهب الحنفية وهو معتمد مذهب الحنابلة، وذهبت طائفة أخرى إلى التفصيل فقالت: لا تجوز الإجارة على تعليم القرآن ولا على الأذان، ولا يقع ذلك إلا قربة لفاعله، ولكن يجوز أخذ رزق من بيت المال، أو من الوقف على عمل يتعدى نفعه، كتعليم القرآن ونحوه، لأنه من المصالح التي تفيد المسلمين، وليس المأخوذ بعوض، بل هو رزق للإعانة على الطاعة، ولا يخرجه ذلك عن كونه قربة، ولا يقدح في الإخلاص وإلا لما استحقت الغنائم، وأسلاب القتلى وبعضهم يقول بجوازه من غير اشتراط وعدمه إن اشترط وفرق قوم بين من تعين عليه ومن لم يتعين عليه وعن بعضهم أنه يباح للمحتاج دون غيره.

وهناك طائفة ثالثة تقول: بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم، لأنه استئجار على عمل معلوم بعوض معلوم وهذا هو مذهب الشافعية والمالكية والظاهرية وهو رواية عن أحمد وبه يفتي متأخرو الحنفية، وهذا المذهب الأخير هو الأرجح عند كثير من المحققين ولا سيما عند الحاجة والتفرغ.

وقال الإمام النووي في كتابه التبيان في آداب حملة القرآن: وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقد اختلف العلماء فيه فحكى الإمام أبو سليمان الخطابي منع أخذ الأجرة عليه من جماعة من العلماء منهم الزهري وأبو حنيفة وعن جماعة أنه يجوز إن لم يشترطه وهو قول الحسن البصري والشعبي وابن سيرين وذهب عطاء ومالك والشافعي وآخرون إلى=

ص: 9

من ذلك الزهري وذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهوية وقالوا لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب والإخلاص فلا يؤخذ عليها أجر كالصلاة والصيام

(1)

واحتجوا من الأثر بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "معلموا صبيانكم شرارهم أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين"

(2)

واحتجوا بالحديث المتقدم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "بلغوا عني ولو آية"

(3)

فأوجب على

= جوازها إن شارطه واستأجره إجارة صحيحة وقد جاء بالجواز الأحاديث الصحيحة واحتج من منعها بحديث عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة القرآن فأهدى له قوسا فقال: له النبي إن سرك أن تطوق بها طوقًا من نار فاقبلها وهو حديث مشهور رواه أبو داود وغيره وبآثار كثيرة عن السلف وأجاب المجوزون عن حديث عبادة بجوابين أحدهما أن في إسناده مقالًا والثاني أنه كان تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئًا ثم أهدي إليه على سبيل العوض فلم يجز له الأخذ بخلاف من يعقد معه إجارة قبل التعليم. والله أعلم. انتهى.

(1)

معالم السنن (3/ 99)، والمفهم (18/ 69) والتذكار (ص 114).

(2)

أخرجه ابن عدى في الكامل (4/ 507)، والجورقانى في الأباطيل والمناكير (728)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 222 - 223). قال ابن عدى: وهذا حديث منكر موضوع وقد اتفق في هذا الحديث ثلاثة من الضعفاء فرووه عبيد بن إسحاق الكوفي العطار يلقب عطار المطلقات ضعيف وسيف بن عمر الضبي كوفي وسعد الإسكاف كوفي ضعيف، وهو أضعف الجماعة فأرى والله أعلم أن البلاء من جهته.

قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع بلا شك، وفيه جماعة مجروحون، وأشدهم في ذلك سيف وسعد فكلاهما متهم بوضع الحديث.

(3)

أخرجه البخاري (3461) عن عبد الله بن عمرو.

ص: 10

أمته التبليغ كما أوجب الله عليه التبليغ فكما لم يجز للنبي صلى الله عليه وسلم أخذ الأجرة فكذلك لا يجوز لأمته

(1)

والله أعلم.

وأفتى بعض مشايخ الحنفية المتأخرين بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن

(2)

وأجازها مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء رضي الله عنهم لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس حديث الرقية "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله عز وجل" خرجه البخاري

(3)

وهو نص يرفع الخلاف فينبغي أن يعول عليه واحتجوا أيضا بحديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي خطب المرأة فلم يجد لها مهرا "زوجتكها بما معك من القرآن"

(4)

، وتأولوا حديث القوس على أنه كان تبرع به ونوى الاحتساب فيه ولم يكن قصده وقت التعلم أي طلب عوض ونفع فحذره النبي صلى الله عليه وسلم إبطال أجره وتوعده عليه ولو أنه طلب لذلك أجرة قبل أن يفعله حسبة كان ذلك جائزا، وقال بعض أهل العلم أخذ الأجرة على تعليم القرآن له حالات: فإذا كان في المسلمين غيره ممن يقوم أخذ الأجرة عليه لأن فرض ذلك لا يتعين عليه وإن كان في حال أو موضع لا يقوم به غيره لم يحل له أخذ الأجرة وعلى هذا

(1)

بستان العارفين (ص 317).

(2)

انظر المحيط البرهاني (5/ 368 - 369) و (7/ 479) وتبيين الحقائق (5/ 124) والغرة المنيفة (ص 118)، والعناية (9/ 98).

(3)

أخرجه البخاري (5737).

(4)

أخرجه البخاري (5029) و (5132)، ومسلم (77 - 1425).

ص: 11

يتأول اختلاف اللأخبار فيه

(1)

اهـ.

ولأنه لو لم يجز ذلك في زماننا [لهجر] الكتاب من [معظم] المسلمين، وأما ما احتج به المخالف من القياس على الصلاة والصيام ففاسد لأنه في مقابلة النص، ثم إن بينهما فرقا وهو أن الصلاة والصوم عبادات مختصة بالعامل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم فتجوز الأجرة على محاولة النقل كتعليم كتابة القرآن قال ابن المنذر

(2)

وأبو حنيفة: يكره تعليم القرآن بالأجرة ويجوز أن يستأجر الرجل يكتب له لوحا أو شعرا أو غناء معلوما بأجر معلوم فيجوز الأجرة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة

(3)

.

فائدة: قال الإمام القرطبي: وإنما استنقص الناس المعلمين لمعنيين أحدهما أنهم يقصرون زمانهم على معاشرة الصبيان الذين لا عقول لهم فيؤثر ذلك على تطاول الأيام في عقولهم كما يزاد عقل من عاشر

(1)

معالم السنن (3/ 99 - 100)، والتذكار (1/ 114) والمفهم (18/ 70)، والتبيان (ص 58 - 57)، وشرح النووي على مسلم (9/ 214 - 215).

(2)

كذا في التذكار (ص 114 - 115) والذى في الإشراف جوازه قال ابن المنذر في الإشراف (6/ 294): القول الأول أصح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أجاز أن يأخذ الرجل على تعليم القرآن عوضًا في باب النكاح، ويقوم ذلك مقام المهر: جاز أن يأخذ المعلم على تعليم القرآن الأجر، والنعمان يجيز أن يستأجر الرجل الرجل على أن يكتب له نوْحًا، أو شعرًا، أو غناء معلومًا، بأجر معلوم، فيجيز الإجارة على ما هو معصية، ويبطلها فيما هو طاعة لله، ومما قد دلت السنة على إجازته.

(3)

التذكار (ص 114 - 115)، والمفهم (18/ 70).

ص: 12

الحكماء والوجه الآخر: ما يجري منهم من الأطماع الكاذبة وأخذ الأشياء من الصبيان فلم يوقروا الوجود الشره منهم والله أعلم ذكر ذلك كله القرطبي في كتاب التذكار

(1)

.

2185 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ حرفا من كتاب الله فَلهُ بِهِ حَسَنَة والحسنة بِعشر أَمْثَالهَا لَا أَقُول الم حرف وَلَكِن ألف حرف وَلَام حرف وَمِيم حرف رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صحِيح غَرِيب

(2)

.

قوله: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" الحديث قال الإمام القرطبي: وأنبأنا ابن رواح عن الحافظ السلفي فذكره إلى أن قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: من قرأ القرآن زوجه الله عز وجل بكل حرف زوجتين من الحور العين وليس الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف

(3)

، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من جمع القرآن متعه الله بعقله حتى يموت"

(4)

.

(1)

التذكار (ص 111).

(2)

الترمذي (2910)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6469).

(3)

التذكار (ص 101 - 102).

(4)

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (1150) وابن عدي في الكامل (4/ 83)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (117)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (155). =

ص: 13

فائدة: أسند أبو بكر محمد الأنباري قال حدثنا فذكره إلى أن قال عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن فلم يعربه وكل به ملك يكتب له كما أنزل بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه وكل به ملكان يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة فإن أعربه وكل به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة"

(1)

، وخرج ابن شاهين أبو حفص عمر قال حدثنا عبد الله بن عثمان فذكره إلى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن على أي حال قرأه فله بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه ولحن بعضه كتب له بكل حرف عشرين حسنة فإن أعربه كتب له بكل حرف أربعون حسنة"

(2)

ذكره القرطبي في كتابه التذكار في فضائل القرآن.

(3)

.

سؤال: ما الحكمة من إنزال القرآن متفرقا؟ قيل لوجوه:

= قال ابن عدي: لا يرويه عن رشدين وقال يحيى رشدين ليس بشيء وقال النسائي متروك وكاتب الليث ليس بثقة. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (271).

(1)

أخرجه ابن الأنباري في إيضاح الوقف والابتداء (10)، وابن حبان في المجروحين (3/ 160) والرازي في فضائل القرآن (110). قال الذهبي في الميزان (5/ 257): قال ابن معين: أبو الطب الحربي سمع من معمر، كذاب خبيث. وروى عباس، عن ابن معين قال: كان أبو الطيب من الأبناء، وكان في الحديث كذابًا. وقال الألباني في الضعيفة (6584): موضوع.

(2)

أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (203) والبيهقي في الشعب (3/ 549 رقم 2097). وفيه أبو عصمة نوح بن أبي مريم كذبوه متهم بالوضع.

(3)

التذكار (ص 106).

ص: 14

أحدها: تفضيلا لنبيه صلى الله عليه وسلم أراد أن تكون الرسالة بينه وبين متصلة في كل وقت ويكون الحبيب على علم منه في كل ساعة.

والثاني: لو أنزله مرة لم يقدر على حفظه ألم تر إلى قوله {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)}

(1)

.

الثالث: فيه الناسخ والمنسوخ فلو أنزله دفعة واحدة لكان الناسخ والمنسوخ في دفعة واحدة وهو لا يجوز لفوات فائدة النسخ ومراعاة المصالح بحسب الأزمنة المتعاقبة.

الرابعة: لو أنزله مرة واحدة لثقل عليه استعمال ما فيه من التكاليف كما ثقل على قوم موسى فأراد أن يكون عليهم يسيرا لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

(2)

.

الخامس: أراد أن يكون معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم في أخبار الكوائن فكلما أرادوا شيئا نزل جبريل عليه السلام ببيانه فأخبر عما يكون فكان كما أخبر.

السادس: من قضاء الحوائج وإجابة المسائل فكلما سئلوا منه شيئا نزل جبريل بإجابة سؤالهم ليرتفع مرادهم وأيضا لا يقنطوا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويعلموا أنه باق ما لم يتم القرآن.

والسابع: أنزله متفرقا لئلا يستوحش النبي صلى الله عليه وسلم وهذا معنى قوله: {لِنُثَبِّتَ بِهِ

(1)

سورة القيامة، الآية:17.

(2)

سورة البقرة، الآية:185.

ص: 15

فُؤَادَكَ}

(1)

ويكون أنسا له في كل ساعة. ذكره في كتاب كشف الأسرار

(2)

.

سؤال آخر: فإن قيل لم أنزل القرآن ليلا؟ قيل لوجوه:

أحدها: أن أكثر الكرامات تنزل باليل.

وأيضا: الأحباء يتناجون ليلا.

وأيضا: ليكون أهيب على قلوب سامعه.

وأيضا: ليكون أحفظ للقلوب لأن القلب بالليل أفرغ.

وأيضا: أهل الليل يتلذذون بالمناجاة ما لا يتلذذون بالنهار.

ذكره أيضا في كشف الأسرار

(3)

.

2186 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا اجْتمع قوم فِي بَيت من بيُوت الله يَتلون كتاب الله وَيَتَدَارَسُونَهُ فِيمَا بَينهم إِلَّا نزلت عَلَيْهِم السكينَة وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَة وَذكرهمْ الله فِيمَن عِنْده رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا

(4)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه

(1)

سورة الفرقان، الآية:32.

(2)

كشف الأسرار (لوحة 11).

(3)

كشف الأسرار (لوحة 11).

(4)

مسلم (2699)، وأبو داود (1455)، وابن ماجه في المقدمة (225)، وأحمد (7427)، والترمذي (2945).

ص: 16

فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" الحديث.

قوله "إلا نزلت عليهم السكينة" والسكينة المذكورة في قوله تعالى: {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}

(1)

قيل إنه حيوان له وجه كوجه الإنسان مجتمع وسائرها خلق رقيق كالريح والهواء

(2)

وقيل هي صورة كالهرة كانت معهما في جيوشهم فإذا ظهرت انهزم أعدأئهم

(3)

.

وقيل ما كانوا يسكنون إليه من [الآيات] التي أعطيها موسى عليه السلام

(4)

، وقيل روح من الله تعالى يكلمهم ويبين لهم ما اختلفوا فيه

(5)

، وقيل الرحمة

(6)

وقيل الوقار والطمأنينة

(7)

.

قوله "وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة" أي أطافوا بهم واستداروا

(1)

سورة البقرة، الآية:248.

(2)

يروى عن علي بن أبي طالب تفسير الطبري (4/ 467 و 468) وابن أبي حاتم (2474).

(3)

يروى في وجه عن ابن عباس تفسير ابن أبي حاتم (2475) ووهب بن منبه (4/ 469).

وفي وجه ثان لابن عباس والسدى قال: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء تفسير الطبري (4/ 470).

(4)

قاله عطاء كما في تفسير الطبري (4/ 471)، والحسن كما تفسير ابن أبي حاتم (2480).

(5)

قاله وهب بن منبه كما في تفسير الطبري (4/ 470 - 471)، وتفسير ابن أبي حاتم (2479).

(6)

قاله ابن عباس كما في تفسير ابن أبي حاتم (2481)، والربيع كما في تفسير الطبري (4/ 471).

(7)

قاله قتادة كما في تفسير الطبري (4/ 471). وانظر لهذه الأقوال المجموع المغيث (2/ 108).

ص: 17

حولهم قال الله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}

(1)

الآية

(2)

واستدل الأكثرون على استحباب الاجتماع لدراسة القرآن في الجملة بالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع على الذكر والقرآن أفضل أنواع الذكر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الذين يجلسون في بيت الله يتدارسون كتاب الله أربعة أشياء [أحدها: تنزل السكينة عليهم]

(3)

.

قوله: "تتنزل عليهم السكينة" وفيها أحاديث كثيرة وحديث أسيد بن حضير

(4)

وفي حديث "فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم"

(5)

. والثاني: غشيان

(1)

سورة الزمر، الآية:75.

(2)

كشف المناهج (2/ 265).

(3)

جامع العلوم والحكم (2/ 302 - 303 و 304).

(4)

أخرجه البخاري (5018)، ومسلم (242 - 796) عن أسيد بن حضير، قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوطة عنده، إذ جالت الفرش فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء، حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقر أيا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير، قال فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال:"وتدري ما ذاك؟ "، قال: لا، قال:"تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم".

(5)

أخرجه ابن المبارك الزهد (943) عن سعد بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مجلس، فرفع نظره إلى السماء، ثم طأطأ نظره، ثم رفعه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "إن =

ص: 18

الملائكة. والثالث: أن الملائكة تحف بهم. والرابع: أن الله تعالى يذكرهم عنده وهذه الخصال الأربع لكل المجتمعين على ذكر الله تعالى كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد كلاهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن لأهل ذكر الله أربعا تتنزل عليهم السكينة وتغشاهم الرحمة وتحف بهم الملائكة ويذكرهم الرب فيمن عنده"

(1)

وقد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}

(2)

وذكر الله تعالى لعبده هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين الملائكة لمباهاته بهم وتنويهه بذكره ذكره ابن رجب الحنبلي

(3)

.

2187 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَنحن فِي الصّفة فَقَالَ أَيّكُم يحب أَن يَغْدُو كل يَوْم إِلَى بطحان أَو إِلَى العقيق فَيَأْتِي مِنْهُ بناقتين كوماوين فِي غير إِثْم وَلَا قطيعة رحم فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كلنا نحب ذَلِك قَالَ أَفلا يَغْدُو أحدكُم إِلَى الْمَسْجِد فيتعلم أَو فَيقْرَأ آيَتَيْنِ من كتاب الله عز وجل خير لَهُ من ناقتين وَثَلَاث وَأَرْبع خير لَهُ من أَربع وَمن أعدادهن من الْإِبِلِ رَوَاهُ مُسلم.

وَأَبُو دَاوُد وَعِنْده كوماوين زهراوين بِغَيْر إِثْم لله عز وجل وَلَا قطيعة رحم

= هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله تعالى - يعني أهل مجلس أمامه - فنزلت عليهم السكينة

" وهو مرسل.

(1)

أخرجه مسلم (39 - 2700).

(2)

سورة البقرة، الآية:152.

(3)

جامع العلوم والحكم (2/ 302 - 303 و 304 و 305 و 306 - 307).

ص: 19

قَالُوا كلنا يَا رَسُول الله قَالَ فَلِأَن يَغْدُو أحدكُم كل يَوْم إِلَى الْمَسْجِد فَيعلم آيَتيْنِ من كتاب الله خير لَهُ من ناقتين وَإِن ثَلَاث فَثَلَاث مثل أعدادهن من الإبل

(1)

.

بطحان بِضَم الْبَاء وَسُكُون الطَّاء مَوضِع بِالْمَدِينَةِ.

والكوماء بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الْوَاو وبالمد هِيَ النَّاقة الْعَظِيمَة السنام.

قوله: وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة" قال النووي

(2)

: أهل الصفة هم زهاد من الصحابة فقراء غرباء كانوا رضي الله عنهم يأوون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت لهم في آخره صفة وهي مكان منقطع من المسجد مظلل عليه يبيتون فيه وكانوا يقلون تارة ويكثرون أخرى ففي وقت كانوا سبعين وفي وقت غير ذلك يتزيدون بمن ولد بينهم وينقصون بمن يموت ويسافر ويتزوج وقيل سموا بأصحاب الصفة لأنهم كانوا يصفون على باب المسجد لأنهم غرباء لا مأوى لهم قاله الكرماني

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم" الحديث، قال الحافظ رحمه الله

(4)

: بطحاء بضم الباء وسكون الطاء وبالحاء المهملة هكذا عند أكثر الرواة في

(1)

مسلم (803)، وأبو داود (1456)، وأحمد (17408)، والطبراني في الكبير (799)، وابن الضريس في فضائل القرآن (46).

(2)

شرح النووي على مسلم (13/ 47).

(3)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 237).

(4)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 573).

ص: 20

رواياتهم وتقييدهم ورواه الحافظ أبو موسى بفتح الباء وعن أهل اللغة أنه بفتح الباء وكسر الطاء ولم يجيزوا غير هذا وكذا نقله صاحب البارع وأبو عبيد والبكري وهو اسم واد بالمدينة

(1)

، سمي بذلك لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط

(2)

قاله الكرماني

(3)

.

وفيه دليل على أنه لا تكره الصلاة في سائر الأودية سوى الوادي الذي نام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو والصحابة وهو الأصح في الروضة

(4)

أ. هـ.

قوله: "أو إلى العقيق" والعقيق بفتح العين المهملة وبقافين الأولى مكسورة وبينهما ياء آخر الحروف والمراد به العقيق الأصغر وهو واد على ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: على ميلين عليه أموال أهلها

(5)

، وقال في النهاية

(6)

: هو واد من أودية المدينة مسيل للماء وهو الذي ورد ذكره أنه واد بالمدينة مبارك، أ. هـ.

وفيه بئر رومة وإنما خصصها بالذكر لأنها أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة

(7)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 132).

(2)

شرح المشكاة (5/ 1634) للطيبي.

(3)

الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (4/ 210).

(4)

المجموع (3/ 162)، والروضة (1/ 278).

(5)

مطالع الأنوار (5/ 65) والميسر (2/ 486).

(6)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 278)

(7)

الميسر (2/ 486) وشرح المصابيح (3/ 8).

ص: 21

قوله صلى الله عليه وسلم: "فيأتي منه بناقتين كوماوين زهراوين" والكوماء بفتح الكاف وسكون الواو وبالمد هي الناقة العظيمة السنام المشرفة قاله الحافظ، وقال غيره: والكوماء الناقة العظيمة السنام المشرفة أيقال ناقة كوماء أي طويلة السنام، وإنما ضرب المثل بها لأنها خيار مال العرب وأحبها إليهم

(1)

.

وقوله: "في غير إثم ولا قطيعة رحم" معناه: في غير ما يوجب إثما كغصب وسرقة، سمي موجب الإثم إثما مجازا

(2)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خير له من ناقتين" أي هما خير له من ناقتين.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن أعدادهن من الإبل" متعلق بمحذوف أي ثلاث خير من ثلاث وأربع خير من أربع، وأكثر من أربع خير من أعدادهن من الإبل على هذا القياس، ووجه القرآن بين الآية والناقة الكوماء في باب المخايرة وإن كانت الآية الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها هو أن هذا القول صدر منه صلى الله عليه وسلم على وفق ما كان المخاطب يغتنمه ويبتغيه حيازته من المال فبين أن اشتغالهم بأمر الدين خير لهم مما يكدحون فيه من طلب الرزق، أو المراد أنها خير لهم في أمر المعاش الذي يتوخونه من ناقة كوماء وأما في أمر المعاد فإنها خير من الدنيا وما فيها، كذا في الميسر وشرح القاضي البيضاوي على المصابيح

(3)

.

(1)

الميسر (2/ 486) وشرح المصابيح (3/ 8).

(2)

شرح المصابيح (3/ 8).

(3)

الميسر (2/ 486)، وشرح المشكاة (5/ 1634)، وشرح المصابيح (3/ 8 - 9).

ص: 22

2188 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من اسْتمع إِلَى آيَة من كتاب الله كتبت لَهُ حَسَنَة مضاعفة وَمن تَلَاهَا كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ أَحْمد عَن عباد بن ميسرَة وَاخْتلف فِي توثيقه عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة وَالْجُمْهُور على أَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة

(1)

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة" قال الليث بن سعد رحمه الله: يقال: ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع القرآن لقول الله عز وجل {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}

(2)

(3)

قال الإمام أبو عبد الله القرطبي

(4)

: وإذا كان هذا الثواب لمستمع القرآن فكيف بتاليه، وفي الخبر أنه يدفع عن مستمعه بلوى الدنيا وعن تاليه بلوى الآخرة، وقال النخعي: أوحى الله إلى القبر أن لا يأكل لحم حامل القرآن فقال يا رب كيف آكله وقد قرأ كتابك؟

(5)

وقال الفضيل يعني ابن عياض: لو كان هذا القرآن آية

(1)

أحمد (8494)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5408).

(2)

سورة الأعراف، الآية:204.

(3)

التذكار (ص 100 - 101).

(4)

التذكار (ص 101).

(5)

أخرجه الديلمي كما في الغرائب الملتقطة (482) من طريق أحمد بن يعقوب، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات حامل القرآن أوحى الله إلى الأرض أن لا تأكلي لحمه، قالت: إلهي كيف آكل لحمه وكلامك في جوفه". =

ص: 23

بالمشرق وآية بالمغرب لكان للرجل حكم أن يذهب فيستمع كلام ربه عز وجل، وقال ثابت البناني: دخلت على مطرف عند النزع فأغمي عليه فسطع منه ثلاثة أنوار نور من رأسه ونور من صدره ونور من رجله، فلما أفاق سألته عن ذلك قال: هو نور السجدة ويس وتبارك

(1)

والله أعلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له ألف حسنة مضاعفة ومن تلا آية من كتاب الله عز وجل كانت له نورا يوم القيامة" خرجه الوائلي أبو نصر

(2)

.

قوله: في حديث الباب: رواه أحمد عن عباد بن ميسرة [هو عباد بن ميسرة المنقري التميمي البصري المعلم، ذكره ابن حبان في جملة الثقات قال: وكان من العباد وقال أبو داود: ثنا [أحمد بن وكيع] عنه ونحن نكتب حديثه، وقال الساجي: ليس حديثه بالقوي لكنه يكتب، وقال ابن عدي: وهو ممن

= قال الذهبي في لسان الميزان (1/ 177): أحمد بن يعقوب البلخي عن سفيان بن عيينة وغيره أتى بمناكير وعجائب.

(1)

أخرجه بنحوه ابن أبي الدنيا في من عاش بعد الموت (46)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 206).

(2)

لم نقف عليه مسندا وأخرجه أحمد (8475): عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنة مُضَاعَفَةٌ، وَمَنْ تَلَاهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". ضعيف الجامع الصغير وزيادته (5408).

وذكره القرطبي في التذكار (ص 101) وقال: خرجه الوايلي أبو نصر من حديث إسماعيل بن عياش عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس فذكره.

ص: 24

يكتب حديثه، وذكره العقيلي وأبو العرب في جملة الضعفاء، وابن شاهين وابن خلفون في الثقات زاد: وهو عندي في الطبقة الرابعة من المحدثين وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه].

2189 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الرب تبارك وتعالى من شغله الْقُرْآن عَن مَسْألتي أَعْطيته أفضل مَا أعطي السَّائِلين وَفضل كَلَام الله على سَائِر الْكَلَام كفضل الله على خلقه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب

(1)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" الحديث، وهذا الحديث نص في الباب لا يحتمل التأويل وهو يفسر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:"من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"

(2)

فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه من قرأ القرآن

(1)

الترمذي (2926)، والدرامي في مسنده (3399)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 49)، والبيهقي في الأسماء والصفات (507)، والطبراني في الدعاء (1851)، وابن حبان في المجروحين (2/ 277)، وابن أبي حاتم في العلل (2/ 82)، وقال أبو حاتم: هذا حديث منكر، ومحمد بن الحسن ليس بالقوي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6435).

(2)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 115) وخلق أفعال العباد (ص 109)، والبزار (137)، والطبراني في الدعاء (1850)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (154) عن عمر.

قال ابن كثير في مسند الفاروق (1/ 240 - 241): هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولم يخرجوه. =

ص: 25

واشتغل به عن الدعاء أعطاه الله عز وجل أفضل سؤال سأله أحد من خلقه، وروي:"من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفضل ثواب الشاكرين" خرجه ابن شاهين أبو حفص عمر بن أحمد

(1)

، وذكر الوابلي عن عطية بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تكلم العباد بكلام أحب إلى الله تعالى من كلامه، وما ورد إلى الله عز وجل أحب إليه من كلامه"

(2)

ذكره القرطبي في كتابه التذكار

(3)

.

2190 -

وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الأترجة رِيحهَا طيب وطعمها طيب وَمثل الْمُؤمن الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل التمرة لَا ريح لهَا وطعمها حُلْو وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الريحانة رِيحهَا طيب وطعمها مر وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كمثل الحنظلة لَيْسَ لهَا ريح وطعمها مر.

= وقال العراقي في تخريج الإحياء (ص 350): أخرجه البخاري في التاريخ والبزار في المسند والبيهقي في الشعب من حديث عمر بن الخطاب وفيه صفوان بن أبي الصفا ذكره ابن حبان في الضعفاء وفي الثقات أيضًا. وضعفه الألباني في الضعيفة (4989).

(1)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 48)، وقاضي المارستان (350) عن أبي سعيد الخدري.

قال العقيلي: لا يتابع عليه. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (1335).

(2)

أخرجه العبسي في نسخة وكيع (5) مرسلا، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (527) موقوفًا. وفيه سويد بن سعيد وبقية وأبو بكر بن أبي مريم. قال القرطبي في التذكار (ص 50): قال الوايلي: هذا حديث فيه إرسال، وعطية من التابعين تابعي، ولكن الرواة مشاهير، وبقية إذا روى عن المشهورين كان حجة.

(3)

التذكار (ص 49 - 50).

ص: 26

وَفِي رِوَايَة مثل الْفَاجِر بدل الْمُنَافِق رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

2191 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الأترجة رِيحهَا طيب وطعمها طيب وَمثل الْمُؤمن الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل التمرة لَا ريح لَهَا وطعمها طيب وَمثل الْفَاجِر الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن كمثل الريحانة رِيحهَا طيب وطعمها مر وَمثل الْفَاجِر الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل الحنظلة طعمها مر وَلَا ريح لَهَا وَمثل الجليس الصَّالح كَمثل صَاحب الْمسك إِن لم يصبك مِنْهُ شَيْء أَصَابَك من رِيحه وَمثل الجليس السوء كَمثل صَاحب الْكِير إِن لم يصبك من سوَاده أَصَابَك من دخانه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

قوله: وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب" الأترجة: بضم الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق وضم الراء المهملة وتشديد الجيم، واحدة الأترج، وحكى أبو زيد: ترنجة بغير همزة مع ضم التاء وزيادة نون، في هذا الحديث فضيلة حافظ القرآن واستحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد وإنما يضرب المثل لكشف الغطاء وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب العرب بما يفهمونه.

(1)

البخاري (5059)، ومسلم (797)، وابن ماجه في المقدمة (214)، وأحمد (19549)، والترمذي (2865)، وابن حبان (771).

(2)

أبو داود (4829)، والقضاعي (1381)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5839).

ص: 27

قوله: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن" إلى آخره، ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل للمؤمن بالأترجة لطيب طعمها وريحها عبارة عن طيب الظاهر [بالذكر والباطن] بالاعتقاد وضرب [للمنافق مثلا] بالريحان لأن ظاهره طيب [الريح] وإذا اختبرت باطنه وجدته [مرا] وضرب المثل للكافر بالحنظلة لخبث ظاهره وباطنه والله أعلم قاله في الديباجة

(1)

.

تنبيه: لم يوجد من الثمار الشجرية التي أنشأتها العرب في بلادهم أبلغ من هذا المعنى من الأترجة لكونها أفضل الثمار وأجدى لأسباب كثيرة منها كبر الجرم وحسن المنظر ومنها أنها طيبة الطعم لين الملمس ذكي الأرج ناقع لونها تسر الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول يفيد أكلها بعد الالتذاذ طيب نكهة وقوة هضم وأجزاؤها تنقسم طبائع، فإن قشرها حار يابس ولحمها حار رطب أو بارد رطب وحماضها بارد يابس وبزرها حار فتخفف ويدخل بهذه الأجزاء في الأدوية للأدواء المزمنة والأوجاع المقلقة مائة ثمرة تبلغ هذا المبلغ في كمال الخلقة وشمول المنفعة ثم إنه صلى الله عليه وسلم أشار في ضرب هذا المثل إلى معان منها: أنه ضربه بما يخرجه من الشجر للمشابهة التي بينه وبين الأعمال فإنها من ثمرات النفوس وإن ضرب المؤمن نفسه فإن العبرة فيه بالعمل الذي يصدر منه لأنه الكاشف عن حقيقة الحال ومنها: أنه ضرب مثل المؤمن بما تخرجه الشجر وضرب مثل المنافق بما تنبته الأرض تنبيها على علو شأن المؤمن وارتفاع عمله و دوام ذلك ما لم تيبس الشجرة وتوفيقا

(1)

الديباجة (ص 122/ رسالة علمية).

ص: 28

على ضعة شأن المنافق وإحباط عمله وقلة جدواه وسقوط منزلته ومنها أن الأشجار المثمرة لا تخلوا عمن يغرسها ويسقيها ويربيها وكذلك المؤمن يقيض الله له من يؤدبه ويعلمه ويهذبه، ولا كذلك الحنظلة المهملة المتروكة بالعراء كذا في الميسر

(1)

ذكره شارح مشارق الأنوار

(2)

.

لطيفة: الخواص لا تدخل الجن بيتا فيه الأترج، روينا عن الإمام أبي الحسن علي بن الحسن بن الحسين الخلعي نسبة إلى بيع الخلع وهو من أصحاب الشافعي وقبره معروف بالقرافة بإجابة الدعاء وكان يقال قاضي الجن أنه أخبر أنهم كانوا يأتون إليه ويقرؤون عليه وأنهم أبطأوا عنه جمعة ثم أتوه فسألهم عن ذلك فقالوا: كان في بيتك شيء من هذا الأترج وإنا لا ندخل بيتا هو فيه، قال الحافظ أبو الطاهر السلفي: وكان الخلعي إذا سمع عليهم الحديث يختم مجالسه بهذا الدعاء وهو اللهم ما مننت به فتممه وما أنعمت به فلا تسلبه وما سترته فلا تهتكه وما علمته فاغفره، توفي في شوال سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

(3)

.

قلت: ولهذا ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل للمؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة لأن الشيطان يهرب من قلب المؤمن القارئ للقرآن فناسب ضرب المثل به بخلاف سائر الفواكه، وفي المستدرك في تراجم الصحابة من حديث أحمد بن

(1)

الميسر (2/ 488 - 489).

(2)

حدائق الأزهار للأرزنجاني (لوحة 177 و 178/ خ 87781 كتابخانة).

(3)

حياة الحيوان (1/ 306 - 307).

ص: 29

حنبل عن عبد القدوس عن بكير بن حبيش بإسناده إلى مسلم بن صبيح

(1)

قال: دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف وهي تقطع له الأترج وتطعمه له بالعسل فقالت: هذا ابن أم مكتوم الأعمى عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم ما زال هذا له من آل محمد صلى الله عليه وسلم

(2)

، وفي تخصيصه بالأترج والعسل ما لا يخفى على متأمل

(3)

والله أعلم.

وفي معجم الطبراني عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة الأنماري، عن أبيه، عن جده، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "يعجبه النظر إلى الأترج وكان يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر"

(4)

والله أعلم ذكره الشيخ كمال الدين الدميري في

(1)

هذا خلط بين إسنادين الأول إنما رواه من طريق عبد الله بن أحمد عن أبيه نا أبو الجهم عبد القدوس بن بكر بن خنيس، عن مسعر، عن أبي البلاد، عن الشعبي والثاني من طريق أحمد بن بشير الهمداني، ثنا أبو البلاد، عن مسلم بن صبيح، وسيأتي تخريجهما.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 155 رقم 9404)، والحاكم (3/ 634 - 635)، وأبو نعيم في الطب (164) و (796)، والبيهقي في الشعب (10/ 477 رقم 7829) من طريق أحمد بن بشير الهمداني، ثنا أبو البلاد، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي البلاد، عن مسلم بن صبيح إلا أحمد بن بشير تفرد به أبو موسى الأنصاري.

وأخرجه الحاكم (3/ 634) أبو نعيم في الحلية (9/ 223)، والبيهقي في الشعب (10/ 477 - 476 رقم 7828) من طريق أحمد بن حنبل ثنا أبو الجَهْم عبد القدوس بن بكر بن خُنَيس ثنا مسعر به. قال البيهقي عقبه:(كذا قال في إسناده عن الشعبي، وقد خولف فيه).

(3)

حياة الحيوان (1/ 307).

(4)

أخرجه ابن قانع (2/ 221 - 222)، وابن حبان في المجروحين (3/ 148)، والطبراني في=

ص: 30

حياة الحيوان

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر" فأخبر أن الفاجر يقرؤه وقال الإمام مالك قد يقرأ القرآن من لا خير فيه

(2)

وأخبر الحق سبحانه بأن المنافق في الدرك الأسفل من النار، وكثير من اليهود والنصارى يقرؤونه قال الإمام القرطبي ومن دخل النار من القراء الموحدين فإنه يخرج بالشفاعة ثم يدخل الجنة

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها" والحنظلة بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة معروفة.

قوله صلى الله عليه وسلم "ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه

= الكبير (22/ 339 رقم 850)، وأبو نعيم في الطب (216)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 452).

قال ابن حبان أبو سفيان الأنماري شيخ يروي الطامات من الروايات لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

وقال الدارقطني في أطراف الغرائب والأفراد: تفرد به بفية بن الوليد عن أبي سفيان الأنماري عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة عن أبيهه عن جده.

وقال الهيثمي في المجمع 4/ 67: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو سفيان الأنماري، وهو ضعيف. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (1393).

(1)

حياة الحيوان (1/ 307).

(2)

التذكار (ص 55).

(3)

التذكار (ص 61 - 62).

ص: 31

شيء أصابك من ريحه" الحديث وسيأتي الكلام على ذلك في بابه.

2192 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الماهر بِالْقُرْآنِ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة وَالَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن ويتتعتع فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ.

وَفِي رِوَايَة وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ وَهُوَ يشْتَد عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: وعن عائشة رضي الله عنها تقدم الكلام على عائشة.

قوله صلى الله عليه وسلم "الماهر بالقرآن" الحديث، الماهر بالقرآن الحاذق بالقراءة الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا تشق عليه القراءة لجوده حفظه وإتقانه والماهر مأخوذ من المهارة قال أبو العباس القرطبي: المهارة في القراءة جودة التلاوة كجودة الحفظ فلا يتردد فيه لأنه يسره الله عليه كما يسره على الملائكة فهو على مثلها في الحفظ والدرجة اهـ

والمهارة الحذق في الشيء وقد مهر يمهر مهارة قاله في النهاية.

قوله: "السفرة الكرام البررة" والسفرة جمع سافر وهم ملائكة الوحي ككاتب والسافر السول والسفارة الرسل لأنه يسفرون إلى الناس برسالات الله تعالى وقيل السفرة الكتبة جمع سافر أيضا من السفر وأصله الكشف فإن الكاتب يبين ما يكتب ويوضحه ومنه قيل للكتاب سفر بالكشف لأنه يكشف

(1)

البخاري (4937)، ومسلم (798)، وأبو داود (1454)، والترمذي (2904)، والنسائي (8047)، وابن ماجه (3779)، وأحمد (6/ 48).

ص: 32

عن الحقائق ومنه أسفار الكتب

(1)

وعلى هذا فيكون [وجه] كونهم مع الملائكة أن حملة [القرآن يبلغون] كلام الله إلى خلقه فهم سفراء بين رسل الله وبين خلقه فهم معهم أي في مرتبتهم في هذه العبادة و [يستفيد] من هذا حملة القرآن التحرز في التبليغ [والتعليم والاجتهاد في] في تحصيل [الصدق] والإخلاص في النية لله تعالى حتى تصح لهم المناسبة بينهم وبين الملائكة

(2)

اهـ.

"الكرام البررة" والبررة جمع بار وهو المطيع مأخوذ من البر وهو الطاعة وقيل الإحسان، قال القاضي عياض

(3)

يحتمل أن يكون ممعن كونه مع السفرة الكرام البررة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة لاتصافه بصفاتهم من حمل كتاب الله قال ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم والمراد بهؤلاء الملائكة الذين هم حملة اللوح المحفوظ كما قال الله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}

(4)

سموا بذلك لأنهم ينقلون الكتب الإلهية المنزلة إلى الأنيباء فإنهم يستنسخونها والماهر بالقرآن من حيث أنه حامل للقرآن حافظ له أمين عليه يؤديه إلى المؤمنين ويكشف لهم ما يلتبس عليهم مع السفرة ومعدود من أعدادهم فإنهم الحاملون لأصله الحافظون له ينزلون به على رسل الله تعالى ويؤدون

(1)

كشف المشكل (4/ 365)، وتحفة الأبرار (1/ 519).

(2)

المفهم (7/ 58).

(3)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 166).

(4)

سورة عبس، الآيتان: 15 - 16.

ص: 33

إليهم ألفاظه ويكشفون عليهم معانيه

(1)

ذكره في شرح مشارق الأنوار

(2)

.

فائدة: قال الإمام القرطبي في كتابه التذكار: ولا يكون ماهرا بالقرآن إلا حتى يكون عالما بالقرآن وذلك بأن يتعلم أحكامه فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه ويعرف المكي من المدني ليفرق بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبهم إليه في آخر الإسلام وما افترض في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره ويعرف الإعراب والغريب كذلك يسهل عليه معرفة ما يقرأ ويزيل عنه الشك فيما يملو ثم ينظر في السور المأثورة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه وهي تفتح له أحكام قد قال الضحاك في قول الله عز وجل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ}

(3)

حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيها فإذا حصلت هذه المراتب لقارئ القرآن كان ماهرا وهو الكمال والماهر الحاذق بالشيء والعالم به

(4)

اهـ.

قوله صلى الله عليه وسلم "والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه" الحديث، التعتعة في الكلام التردد في تلاوته لضعف حفظه

(5)

ومعناه يقف في قراءته

(6)

.

(1)

تحفة الأبرار (1/ 519).

(2)

حدائق الأزهار للأرزنجاني (لوحة 168/ خ 87781 كتابخانة).

(3)

سورة آل عمران، الآية:79.

(4)

التذكار (ص 68).

(5)

شرح النووي على مسلم (6/ 85).

(6)

تحفة الأبرار (1/ 520).

ص: 34

قوله صلى الله عليه وسلم "له أجران" أي أجر القرأءة وأجر ما يعتريه من المشقة في قراءته ودرجة الماهر فوق ذلك كله لأنه قد كان قرأ القرآن متتعتعا عليه ثم ترقى عن ذلك إلى أن شبه بالملائكة

(1)

.

قال القاضي عياض

(2)

وغيره من العلماء: وليس معناه الذي يتتعتع عليه له من الأجر أكثر من الماهر به، بل الماهر أفضل وأكثر أجرًا لأنه مع السفرة، وله أجور كثيرة، ولم يذكر هذه المنزلة لغيره وكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله تعالى وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه قاله في الديباجة

(3)

.

2193 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله أوصني قَالَ عَلَيْك بتقوى الله فَإِنَّهُ رَأس الأمر كُله قلت يَا رَسُول الله زِدْنِي قَالَ عَلَيْك بِتِلَاوَة الْقُرْآن فَإِنَّهُ نور لَك فِي الأَرْض وَذخر لَك فِي السَّمَاء رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي حَدِيث طَوِيل

(4)

.

(1)

المفهم (7/ 58).

(2)

مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 123) ونصه: قَوْله وَالَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن يتتعتع فِيهِ يَعْنِي فِي الْقُرْآن مَعْنَاهُ يترَدَّد فِي تِلَاوَته عيا والتعتعة فِي الْكَلَام العي والتردد فِيهِ وأصل التعتمة الْحَرَكَة.

(3)

كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، لا يزال مخطوطًا كما سبق الإشارة إلى هذا.

(4)

ابن حبان (361)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 166)، والطبراني في الكبير (1651)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 216)، وفيه إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3746).

ص: 35

قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله "قلت يا رسول الله زدني قال عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء" الذخر بالذال المعجمة.

2194 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الْقُرْآن شَافِع مُشَفع وَمَاحِل مُصدق من جعله أَمَامه قَادَهُ إِلَى الْجنَّة وَمن جعله خلف ظَهره سَاقه إِلَى النَّار رَوَاه ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

ماحل بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة أَي ساع وَقيل خصم مجادل.

قوله: وعن جابر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "القرآن شافع مشفع وماحل مصدق" المشفع بفتح الحاء المقبول الشفاعة والمراد بذلك أنه يشفع يوم القيامة في كل من آمن به واتبعه.

قوله "وماحل مصدق" الماحل بكسر الهاء المهملة أي ساع وقيل خصم مجادل اهـ. قاله المنذري وقال في النهاية

(2)

: وقيل: ساع مصدق، من قولهم: محل بفلان، إذا سعى به إلى السلطان يعني أن من اتبعه وعمل بما فيه فإنه شافع له مقبول الشفاعة، ومصدق عليه فيما يرفع من مساويه إذا ترك العمل به.

ومنه حديث الدعاء "لا تجعله ماحلا مصدقا". اهـ

قوله "مصدق" يروى بفتح الدال وكسرها ومعنى الفتح أنه سبب إعجازه

(1)

ابن حبان (124)، والبزار (122)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 117)، رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4443).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 303).

ص: 36

شاهد للنبي صلى الله عليه وسلم بصحة نبوءته وصحة رسالته والمؤمنون في هذه الشهادة ومعنى الكسر أنه شاهد على جميع الأمم الماضية مصدق لسائر الكتب المنزلة قبله كما قال تعالى مصدقا لما بين يديه.

قوله صلى الله عليه وسلم "من جعله أمامه قاده إلى الجنة" بفتح الهمزة أي قدامه والمراد بجعله أمامه اتباعه والاقتداء به.

قوله "ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار" والمراد بجعله خلف ظهره الإعراض عنه وترك العمل به قال الله تعالى: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ}

(1)

الآية قاله الأصبهاني في شرح الأربعين الودعانية

(2)

.

وقال في النهاية

(3)

: وفي حديث الأشعري "اتبعوا القرآن ولا يتبعنكم" أي اجعلوه أمامكم ثم اتلوه، وأراد: لا تدعوا تلاوته والعمل به فتكونوا قد جعلتموه وراءكم. وقيل معناه لا يطلبنكم لتضييعكم إياه كما يطلب الرجل صاحبه بالتبعة. اهـ

2195 -

وَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اقرؤوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة شَفِيعًا لأصحابه الحَدِيث رَوَاه مسلم وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله

(4)

.

(1)

سورة آل عمران، الآية:187.

(2)

شرح الأربعين الودعانية (ص 212/ الحديث الخامس).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 179).

(4)

مسلم (804).

ص: 37

قوله: وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" الحديث، وفيه إظهار العناية لحامله وتكريمه بنصبه شافعا له بعد تحقق خوفه قاله صاحب حدائق الأولياء

(1)

.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يجيء القرآن يوم القيامة، فيشفع لصاحبه، فيكون قائدا إلى الجنة، أو يشهد عليه، فيكون سائقا إلى النار

(2)

.

قال بعض السلف: ما جالس أحد القرآن، فقام عنه سالما؛ بل إما أن يربح أو أن يخسر، ثم تلا هذه الآية {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}

(3)

(4)

ذكره ابن رجب الحنبلي

(5)

.

2196 -

وَعَن سهل بن معَاذ عَن أَبِيه رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَرَأَ الْقُرْآن وَعمل بِهِ ألبس والداه تاجا يَوْم الْقِيَامَة ضوؤه أحسن من ضوء الشَّمْس فِي بيُوت الدُّنْيَا فَمَا ظنكم بِالَّذِي عمل بِهَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَكِلَاهُمَا عَن زبان عَن سهل وَقَالَ الْحَاكِم صحِيح الْإِسْنَاد

(6)

.

(1)

حدائق الأولياء (2/ 83).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 131 (30053)، والدارمي (3325).

(3)

سورة الإسراء، الآية:82.

(4)

أخرجه الدارمي (3387) عن قتادة، والطبري في التفسير (13/ 426) عن الحسن.

(5)

جامع العلوم والحكم (2/ 26).

(6)

أبو داود (1453)، والحاكم (1/ 567)، وأبو يعلى (1493)، والبيهقي في شعب الإيمان (1948)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5762).

ص: 38

قوله: وعن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن وعمل به ألبس والداه تاجا يوم القيامة" أي تاج التوقير والكرامة فالعلماء مجمعون على القول به وأن المطلوب العمل بما يقرأ ويتلو وقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن من شر الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن لا يرعوي إلى شيء منه" وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "شر الناس: رجل يقرأ كتاب الله عز وجل لا يرعوي إلى شيء منه" أي لا ينكف ولا ينزجر [من رعا يرعو] إذا كف عن الأمور وقد ارعوى عن القبيح يرعوي ارعواء والاسم الرعياء بالفتح والضم وقيل الارعواء الندم على الشيء والانصراف عنه والترك

(1)

اهـ.

وفي حديث الخوارج يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع معناه أن قوما ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل إلى قلوبهم وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب اهـ.

والتراقي جمع ترقوة وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجنبين والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها فكأنها لم تجاوز حلوقهم وقيل المعنى إنهم لا يعملون بالقرآن فلا [يثابون] على قراءته فلا يحصل لهم غير القراءة قاله في النهاية

(2)

.

(1)

النهاية (2/ 236).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 187).

ص: 39

فبين صلى الله عليه وسلم أن المقصود العمل كما بينا وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف ولكن بإقامة حدوده

(1)

، وروى شريك عن ابن إسحاق عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة كرباء: قرآن في قلب رجل فاجر، ومصحف في بيت لا يقرأ فيه، وصالح مع الظالمين"

(2)

، وروي أبو داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد أسلم عن أبيه عن عمر قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتدرون أي الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا: الملائكة، قال: وحق لهم بل غيرهم، قلنا: الأنبياء، قال:"وحق لهم، بل غيرهم"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني يجدون ورقا فيعملون بما فيها فهم أفضل الخلق إيمانًا"

(3)

، قال القرطبي: قال العلماء رحمة الله عليهم: حملة

(1)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (2/ 57).

(2)

أخرجه الدينوري في المجالسة (2568). وفيه نعيم بن مورع قال ابن عدى: يروي عن الثقات العجائب لا يجوز الاحتجاج به بحال فقد قال البخاري: حديثه غير محفوظ إلا، عَن أبي معشر. وقال فيه أيضا: عامة ما يرويه غير محفوظ. وذكره العقيلي في الضعفاء ونقل عن البخاري أنه قال: منكر الحديث.

وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش: روى عن هشام أحاديث موضوعة. وقال أبو نعيم: روى عن هشام مناكير.

(3)

أخرجه إسحاق كما في إتحاف الخيرة 1/ 106 (1/ 73) والمطالب العالية (1/ 2922)، وأبو يعلى (160)، والبغوي في حديث مصعب الزبيري (127)، والحاكم في المستدرك (4/ 86 - 85). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: فيه محمد بن أبي حميد وقد ضعفوه. وضعفه الحافظ في الفتح (7/ 6)، واستغربه في الأمالي المطلقة (2/ 37). وقال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (648): ضعيف جدًّا.

ص: 40

القرآن وقراؤه هم العالمون بأحكامه وحلاله وحرامه والعاملون بما فيه

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فما ظنكم بالذي عمل بهذا" أي: بالقرآن.

2197 -

وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا أذن الله لعبد فِي شَيْء أفضل من رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهمَا وَإِن الْبر ليذر على رَأس العَبْد مَا دَامَ فِي صلَاته وَمَا تقرب الْعباد إِلَى الله بِمثل مَا خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب

(2)

.

قوله: وروي عن أبي أمامة، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وما تقرب العباد إلى الله تعالى بمثل ما خرج منه" الحديث، قال أبو النضر

(3)

: يعني القرآن، وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: رأيت رب العزة عز وجل في المنام فقلت يا رب: ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؛ فقال: بكلامي يا أحمد. فقلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم. نقل هذه الرؤيا عنه كبار العلماء.

واعلم أنك لن تتقرب إلى الله بشيء أفضل من كلامه لا شيء عند المحبين أحلى من كلام الله محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم

(4)

، قال

(1)

تفسير القرطبي (1/ 26) والتذكار (ص 148) ونسبه فيهما لابن عبد البر وهو في التمهيد (17/ 430).

(2)

الترمذي (2911)، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأحمد (22306)، والطبراني في الكبير (7657)، وابن الضريس في فضائل القرآن (141)، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (178)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4993).

(3)

هو هاشم بن القاسم.

(4)

جامع العلوم والحكم (2/ 342).

ص: 41

عثمان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم

(1)

، وقال ابن مسعود: من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله

(2)

، وقال بعض العارفين لمريد: أتحفظ القرآن، قال: لا، فقال: واغوثاه بالله، مريد لا يحفظ القرآن فبما يتنغم فيما يترنم فبما يناجي ربه عز وجل

(3)

، كان بعضهم يكثر تلاوة القرآن ثم اشتغل عنه بغيره فرأى في المنام:

إن كنت تزعم حبي

فلم جفوت كتابي

أما تأملت ما فيه

من لطيف عتابي

ذكره ابن رجب الحنبلي

(4)

.

2198 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَجِيء صَاحب الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول الْقُرْآن يَا رب حلّه فيلبس تَاج الْكَرَامَة ثمَّ يَقُول يَا رب زده فيلبس حلَّة الْكَرَامَة ثمَّ يَقُول يَا رب ارْض عَنهُ فيرضى عَنهُ فَيُقَال لَهُ اقْرَأ وارق ويزداد بِكُل آيَة حَسَنَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(5)

.

(1)

فضائل الصحابة (775) والحلية (7/ 300).

(2)

التفسير من سنن سعيد بن منصور (1/ 12) سنن الدارمي (3366) أمالي ابن سمعون الواعظ (171) بلفظ مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ.

(3)

صفة الصفوة (1/ 518) وجامع العلوم والحكم (2/ 343).

(4)

جامع العلوم والحكم (2/ 342 - 343).

(5)

الترمذي (2915)، والحاكم (1/ 552)، وقال: صح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو نعيم في الحلية (7/ 206)، وأحمد (10087)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (8030).

ص: 42

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة" الحديث، وفي حديث آخر:"يعطي صاحب القرآن الملك بيمينه والخلد بشماله" الحديث

(1)

، قال ابن الأثير في النهاية

(2)

معناه: لم يرد أن شيئا يوضع في يديه، وإنما أراد أن الخلد والملك يجعلان له في مملكته، فلما كانت اليد على الشيء سبب الملك له والاستيلاء عليه، فاستعير اليمين والشمال لأن الأخذ والقبض بهما.

2199 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُقَال لصَاحب الْقُرْآن اقْرَأ وارق ورتل كمَا كنت ترتل فِي الدُّنْيَا فَإِن مَنْزِلك عِنْد آخر آيَة تقرؤها رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث صَحِيح

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 129 رقم 30045)، وأحمد 5/ 348 (22950)، والدارمي (3434)، وابن الضريس في فضائل القرآن (99)، والبيهقي في الشعب (3/ 374 - 375 رقم 1835)، والبغوي (1190) عن بريدة. قال البغوي: هذا حديث حسن غريب. وقال الهيثمي في المجمع 7/ 159: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وقال البوصيري في الإتحاف 6/ 330: هذا إسناد حسن. وحسنه ابن حجر في المطالب (3478). وصححه الألباني في الصحيحة (2829).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 502).

(3)

الترمذي (2914)، وأبو داود (1464)، وابن حبان (766)، والنسائي (8056)،=

ص: 43

قَالَ الْخطابِيّ جَاءَ فِي الْأَثر أَن عدد آي الْقُرْآن على قدر درج الْجنَّة فَيُقَال للقارئ ارق فِي الدرج على قدر مَا كنت تقْرَأ من آي الْقُرْآن فَمن استوفى قِرَاءَة جَمِيع الْقُرْآن استولى على أقْصَى درج الْجنَّة فِي الْآخِرَة وَمن قَرَأَ جُزْءا مِنْهُ كَانَ رقِيه فِي الدرج على قدر ذَلِك فَيكون مُنْتَهى الثَّوَاب عِنْد مُنْتَهى الْقِرَاءَة

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها" الحديث، قال الخطابي رحمه الله

(2)

: جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة فيقال للقارئ ارق في الدرج على قدر ما كنت تقرأمن آي القرآن فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة ومن قرأ جزءا منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة، أ. هـ.

وقالت عائشة رضي الله عنها: إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة فليس أحد دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن، ذكره مكي مرفوعا

(3)

، وفي المسند عن

= والحاكم (1/ 553)، وأحمد (6799)، وابن الضريس في فضائل القرآن (111)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (8122).

(1)

معالم السنن (2/ 136).

(2)

معالم السنن (1/ 289).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6/ 120 رقم 29952) موقوفًا. وأخرجه البيهقي في الشعب (3/ 380 رقم 1843) مرفوعًا. وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح ولم يكتب هذا المتن إلا بهذا الإسناد وهو من الشواذ. وقال الألباني: منكر الضعيفة (3858).

ص: 44

أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مائة درجة ولو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم".

(1)

وفي المسند أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيء معه"

(2)

وهذا صريح في [أن درج الجنة تزيد] على مائة وأما حديث أبي هريرة الذي في البخاري

(3)

عن النبي قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله" الحديث، فإما أن تكون هذه المائة درجة من جملة الدرج وإما أن تكون من نهايتها [هذه المائة] وفي ضمن من كل درجة دونها قاله في حادي الأرواح

(4)

. وروى الترمذي عن عبادة بن الصامت مرفوعا "في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام"، وقال: حسن غريب [ولا] تناقض بين تقدير ما بين الدرجتين بالمائة وتقديرها بالخمسمائة لاختلاف السير في السرعة والبطيء والنبي صلى الله عليه وسلم هذا تقريبا للإفهام وإعلاء درجات الجنة

(5)

، الوسيلة وهي منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا لأنه أعظم الخلق عبودية

(1)

أخرجه الترمذي (2532) وأحمد (11236)، وأبو نعيم في صفة الجنة (231) و (232)، والبيهقي في البعث والنشور (262) عبد بن حميد (922).

(2)

أخرجه ابن ماجه (3780) وأحمد (11360)، وأبو يعلى (1094) عن أبي سعيد وهو في المسند عن أبي هريرة (10087) صحيح الجامع الصغير وزيادته (8121 - 3200).

(3)

صحيح البخاري (2790).

(4)

حادى الأرواح (ص 79).

(5)

حادى الأرواح (ص 80).

ص: 45

لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية وأعظمهم له محبة فلذلك كانت هذه منزلة وأمر صلى الله عليه وسلم أمته أن يسألوها له لتنال الأمة بهذا الدعاء [زلفى من الله وزيادة الإيمان]

(1)

، وروي عن ابن عباس [قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:] قال: "درج الجنة على قدر آي القرآن لكل آية درجة فتلك ستة آلاف ومائتا آية وستة وعشرون آية بين كل درجتين مقدار ما بين السماء والأرض"

(2)

أ. هـ.

وكلمات القرآن [سبع] وسبعون ألفا وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة وحروفه ثلاثمائة [ألف] وثلاثة وعشرون ألفا وخمسة عشر حرفا على اختلاف في ذلك بين أهل المدينة وأهل الكوفة

(3)

.

2200 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله هَذَا الْكتاب فَقَامَ بِهِ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار وَرجل أعطَاهُ الله مَالا فَتصدق بِهِ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(4)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليهما.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين" الحديث، الحسد: تمني زوال النعمة عن غيره، والغبطة تمني مثلها من غير زوالها، والحسد حرام والغبطة في الخير

(1)

حادى الأرواح (ص 83).

(2)

أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (206)، والديلمي كما في الغرائب الملتقطة (1606). وقال الألباني: موضوع الضعيفة (5718).

(3)

انظر: تفسير القرطبي (1/ 65)، والبرهان في علوم القرآن (1/ 249).

(4)

البخاري (5025)، ومسلم (815)، والنسائي في الكبرى (8072)، وابن ماجه (4209).

ص: 46

محبوبة، والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا حسد إلا في اثنتين" أي: لا غبطة محبوبة يتأكد الاهتمام بها إلا في اثنتين

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "رجل آتاه الله هذا الكتاب فقام به آناء الليل وآناء النهار" يحتمل أن يراد بالقيام تلاوته، وعليه يدل قوله في حديث أبي هريرة فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ويحتمل أن يراد بالقيام به تفهمه والاستنباط منه والتفقه فيهن وعليه يدل قوله في حديث ابن مسعود:"ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" قال النووي

(2)

: والحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح

(3)

، أ. هـ.

وتقدم الكلام على الحكمة مبسوطًا في العلم وغيره.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل أتاه الله مالا فتصدق به آناء الليل وآناء النهار" آناء: بالمد أي ساعاته وواحد الآناء إناء مثل معي، وإناء: بفتح الهمزة وكسرها وانو وأنى بالواو والياء مع كسر الهمزة فيهما أربع لغات

(4)

.

2201 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل علمه الله الْقُرْآن فَهُوَ يتلوه آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار فَسَمعهُ جَار لَهُ فَقَالَ لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتِيَ فلَان فَعمِلت مثل مَا يعْمل وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ

(1)

التبيان في آداب حملة القرآن (ص 205).

(2)

شرح النووي على مسلم (6/ 98).

(3)

طرح التثريب (4/ 73).

(4)

طرح التثريب (4/ 74).

ص: 47

يهلكه فِي الْحق فَقَالَ رجل لَيْتَني أُوتيت مثل مَا أُوتِيَ فلَان فَعمِلت مثل مَا يعْمل رَوَاهُ البُخَارِيّ

(1)

.

قَالَ المملي وَالْمرَاد بِالْحَسَدِ هُنَا الْغِبْطَة وَهُوَ تمني متل مَا للمحسود لَا تمني زَوَال تِلْكَ النِّعْمَة عَنهُ فَإِن ذَلِك الْحَسَد المذموم.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل" الحديث، وقال النووي

(2)

: قال العلماء: الحسد قسمان حقيقي ومجازي، فالحقيقي: تمني زوال النعمة عن صاحبها وهو حرام بإجماع المسلمين مع النصوص الصريحة الصحيحة، وأما المجازي: فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمى التي على غيره من غير تمني زوالها عن صاحبها، فإن كانت في أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد بالحديث: لا غبطة محمودة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما أ. هـ، فأشار إلى أن إطلاق الحسد في هذا الحديث مجاز وأنها اغتباط ويدل على أنه ليس المراد في هذا تمني زوال نعمة الإنفاق والقراءة على صاحبها، وإنما المراد أن يكون له مثلها

(3)

.

(1)

البخاري (5026).

(2)

شرح النووي على مسلم (6/ 97).

(3)

طرح التثريب (4/ 72).

ص: 48

2202 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا يهولهم الْفَزع الْأَكبَر وَلَا ينالهم الْحساب هم على كثيب من مسك حَتَّى يفرغ من حِسَاب الْخَلَائق رجل قَرَأَ الْقُرْآن ابْتِغَاء وَجه الله وَأم بِهِ قوما وهم بِهِ راضون وداع يَدْعُو إِلَى الصَّلَوَات ابْتِغَاء وَجه الله وَعبد أحسن فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَفِيمَا بَينه وَبَين موَالِيه رَوَاهُ الطَّبْرَانِيّ فِي الأوْسَط وَالصَّغِير بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ

(1)

.

وَرَوَاهُ فِي الْكَبير بِنَحْوِهِ وَزَاد فِي أَوله قَالَ ابْن عمر رضي الله عنه لَو لم أسمعهُ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا مرّة وَمرَّة حَتَّى عد سبع مَرَّات لما حدثت بِهِ

(2)

.

قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب" تقدم الكلام على الفزع الأكبر في الأذان وقريبا في في أواخر كتاب الجهاد أنه إطباق النار على أهلها.

2203 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذَوُو عدد فاستقرأهم فاستقرأ كل رجل مِنْهُم يَعْنِي مَا مَعَه من الْقُرْآن فَأتى على رجل من أحدثهم سنا فَقَالَ مَا مَعَك يَا فلَان قَالَ معي كَذَا وَكَذَا وَسورَة الْبَقَرَة فَقَالَ أَمَعَك سُورَة الْبَقَرَة قَالَ نعم قَالَ اذْهَبْ فَأَنت أَمِيرهمْ فَقَالَ رجل من أَشْرَافهم وَالله مَا مَنَعَنِي أَن أتعلم الْبَقَرَة إِلَّا خشيَة أَلا أقوم بهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعلمُوا

(1)

الطبراني في الأوسط (9280)، وفي الصغير (1088)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 328)، فيه عبد الصمد بن عبد العزيز المقرئ؛ ذكره ابن حبان في الثقات (8/ 415).

(2)

الطبراني في الكبير (13584)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 318)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 327)، وفيه بحر بن كنيز السقاء، وهو ضعيف.

ص: 49

الْقُرْآن واقرؤوه فَإِن مثل الْقُرْآن لمن تعلمه فقرأه كمثل جراب محشو مسكا يفوح رِيحه فِي كل مَكَان وَمن تعلمه فيرقد وَهُوَ فِي جَوْفه فَمثله كمثل جراب أوكئ على مسك رَوَاهُ التِّرْمِذِي وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث حسن وَابْن مَاجَه مُخْتَصرا وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا وهم ذوو عدد، فذكر الحديث إلى أن قال: فأتى على رجل من أحدثهم سنا فقال ما معك يا فلان قال معي كذا وكذا وسورة البقرة فقال "أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: "اذهب فأنت أميرهم" الحديث.

قوله: "كمثل جراب أوكئ على مسك" الجراب، فيه وجهان فتح الكاف وكسرها.

وقوله: "أوكئ على مسك" الوكاء الرباط.

2204 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَرَأَ الْقُرْآن فقد استدرج النُّبُوَّة بَين جَنْبَيْهِ غير أَنه لَا يُوحى إِلَيْهِ لَا يَنْبَغِي لصَاحب الْقُرْآن أَن يجد مَعَ من وجد وَلَا يجهل مَعَ من جهل وَفِي جَوْفه كَلَام الله رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(2)

.

(1)

الترمذي (2876)، وابن ماجه في المقدمة (217)، وابن خزيمة (1509)، وابن حبان (2126)، والنسائي في الكبرى (8749)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2452).

(2)

الحاكم (1/ 552)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 50

قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله" الحديث، وعن عبد الله بن مسعود قال: ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مقيلون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس [يختالون] وبحزنه إذا الناس [يفرحون]

(1)

، وفي الحلية في ترجمة الفضيل بن عياض أنه قال: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو ولا يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو، وينبغي لحامل القرآن أن لَا يكون له إلى الناس حاجة وأن تكون حوائج الخلق إليه

(2)

أ. هـ.

2205 -

وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الصّيام وَالْقُرْآن يشفعان للْعَبد يَقُول الصّيام رب إِنِّي منعته الطَّعَام وَالشرَاب بِالنَّهَارِ فشفعني فِيهِ وَيَقُول الْقُرْآن رب منعته النّوم بِاللَّيْلِ فشفعني فِيهِ فيشفعان رَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْجُوع وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(3)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 231 رقم 35584)، وأحمد في الزهد (898)، وأبو داود في الزهد (173)، والدينوري في المجالسة (2300)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 129 - 130).

(2)

حلية الأولياء (8/ 92).

(3)

أحمد (6626)، والطبراني في الكبير (14674)، والحاكم (1/ 554)، والبيهقي في شعب الإيمان (1994)، ونعيم بن حماد في زوائد الزهد (385)، وأبو نعيم في الحلية =

ص: 51

قوله: وعنه رضي الله عنه أيضًا، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة" الحديث.

إن قال قائل: كيف يشفع القرآن والصيام وإنما ذلك عمل العاملين؟ قيل له: يجيء القرآن فيقول أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك الحديث كالرجل الشاحب

(1)

أي المتغير اللون والجسم بعارض من مرض [أو سفر ونحوهما] والشحوب [الهزال] أي: يجيء ثواب قراءة القرآن.

وقد جاء في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان قال: "يؤتى بالقرآن وأهله الذين يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران يحاجان عن صاحبهما" وسيأتي الحديث قريبا، قال العلماء: قوله "يحاجان عن صاحبهما" أي: يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما ملائكة كما جاء في بعض الحديث "أن من قرأ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}

(2)

الآية خلق الله سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة"، قلت: فكذلك يخلق الله من ثواب قراءة القرآن والصيام ملكين كريمين يشفعان له وكذلك سائر الأعمال الصالحة إن شاء الله تعالى كما ذكره ابن المبارك في حديث مطول، ذكره القرطبي في التذكرة

(3)

.

= (8/ 161)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 181)، رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال الطبراني رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3882).

(1)

هو جزء من حديث بريدة وقد مر تخريجه.

(2)

سورة آل عمران، الآية:18.

(3)

التذكرة (ص 788 - 789).

ص: 52

2206 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن أسيد بن حضير بَيْنَمَا هُوَ فِي لَيْلَة يقْرَأ فِي مربده إِذْ جالت فرسه فَقَرَأَ ثمَّ جالت أُخْرَى فَقَرَأَ ثمَّ جالت أُخْرَى أَيْضا قَالَ أسيد فَخَشِيت أَن تطَأ يحيى فَقُمْت إِلَيْهَا فَإِذا مثل الظلة فَوق رَأْسِي فِيهَا أَمْثَال السرج عرجت فِي الجو حَتَّى مَا أَرَاهَا قَالَ فَغَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقلت يَا رَسُول الله بَيْنَمَا أَنا البارحة فِي جَوف اللَّيْل أَقرَأ فِي مربدي إِذْ جالت فرسي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقْرَأ ابْن حضير قَالَ فَقَرَأت ثمَّ جالت أَيْضا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقْرَأ ابْن حضير قَالَ فَقَرَأت ثمَّ جالت أَيْضا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقْرَأ ابْن حضير قَالَ فَانْصَرَفت وَكَانَ يحيى قَرِيبا مِنْهَا خشيت أَن تطأه فَرَأَيْت مثل الظلة فِيهَا أَمْثَال السرج عرجت فِي الجو حَتَّى مَا أَرَاهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْمَلَائِكَة تستمع لَك وَلَو قَرَأت لأصبحت يَرَاهَا النَّاس مَا تستتر مِنْهُم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

.

وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِنَحْوِهِ بِاخْتِصَار وَقَالَ فِيهِ فَالْتَفت فَإِذا أَمْثَال المصابيح قَالَ مدلاة بَين السَّمَاء وَالأرْض فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا اسْتَطَعْت أَن أمضي فَقَالَ تِلْكَ الْمَلائِكَة نزلت لقِرَاءَة الْقُرْآن أما إِنَّك لَو مضيت لرأيت الْعَجَائِب وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(2)

.

الظلة بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام هِيَ الغاشية وَقيل السحابة.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري، تقدم الكلام عليه.

(1)

البخاري (5018)، ومسلم (796).

(2)

الحاكم (1/ 554).

ص: 53

قوله: أن أُسَيد بن حُضير، أسيد بضم الهمزة وفتح السين وبالياء المثناة تحت آخر الحروي وبالدالى، وحضير بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة والياء آخر الحروف ثم بالراء المهملة وفي الحديث

(1)

أن عيينة بن حصن الفزاري مد رجله بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسيد بن حضير: يا عين الهجرس أتمد رجلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم[ولد الثعلب والجمع هجارس] قيل [للأصمعي]: ما الهجرس؟ قال: الثعلب، وقيل: ولد الثعلب، وقيل: هو ولد الدب، وقال [أبو زيد:] هو القرد وفي الاستيعاب

(2)

في ترجمة أسيد بن حضير قال: جاء عامر بن الطفيل وأربد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه أن يجعل له نصيبا من [تمر المدينة] فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عامر بن الطفيل أملأنها عليك خيلا جردا ورجلا مردا فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اكفني عامر بن الطفيل" فأخذ أسيد بن حضير الرمح وجعل [يقرع رؤوسهما] ويقول اخرجا أيها الهجرسان قال عامر: من أنت قال: أسيد بن حضير قال أبوك خير منك، قال: بل أنا خير منك ومن أبي مات أبي وهو كافر فلما رجع عامر وأربد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ببعض الطريق أرسل الله تعالى على أربد صاعقة أحرقته وأحرقت بعيره وبعث الله على عامر الطاعون في عنقه فقتله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول: يا بني عامر أغدة كغدة [وموتا في سلولية] هنا فلما [كان زمن معاوية أراد] أن ينقصه الخمس مائة فقال له

(1)

ذكره ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 247).

(2)

الاستيعاب (1/ 93 - 94).

ص: 54

كلاما مشهورا في موضعه لم أذكره فرق له معاوية وتركها له فمات لبيد بعد ذلك بأيام قليلة [وقد قيل: إنه قال] في الإسلام واحدا وهو:

الْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي

حَتَّى لَبِسْتُ مِنَ الْإِسْلَامِ سِرْبَالَا

وقيل قال:

وَلَقَدْ سَئِمتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا

وَسُؤَالِ هَذَا النَّاسِ كَيفَ لَبيدُ

أ. هـ، قاله في حياة الحيوان

(1)

.

كغدة البعير وموتا في بيت سلولية، وقيل: عامر بن الطفيل أسلم [والصواب أن عامر بن الطفيل] لم يؤمن بالله طرفة عين لم يختلف أحد من أهل النقل في ذلك، وأما أربد المذكور فهو أخو لبيد الشاعر الذي عاش في الإسلام ستين سنة لم يقل فيها شعرًا، سأله عمر عن تركه الشعر، فقال: ما كنت لأقول شهرا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران، فزاد عمر في عطائه خمسمائة درهم من أجل هذا القول، فكان عطاؤه ألفين وخمسمائة

(2)

.

قوله: بينما هو في ليلة يقرأ في مربده، المربد بكسر الميم وإسكان الراء وفتح الباء الموحدة المهملة وهو الموضع الذي تحبس فيه الإبل وهو مثال الحظيرة للغنم، ومربد البصرة سوق الإبل التي تحبس فيه للبيع وأهل المدينة يسمون الموضع الذي ييبس فيه التمر إذا طرح كالبيدر للحنطة ونحوها مربدا

(3)

.

(1)

حياة الحيوان (2/ 514).

(2)

حياة الحيوان (2/ 513 - 514).

(3)

مشارق الأنوار (1/ 394 - 395)، والنهاية (2/ 182).

ص: 55

قوله: إذ جالت فرسه فقرأ ثم جالت أخرى فقرأ ثم جالت أيضًا، الحديث؛ قوله: جالت: أي نفرت عن مكانها بمعنى دارت ووثبت يقال: جال واجتال إذا ذهب وجاء ومنه الجولان في الحرب، والجائل [الزائل عن] مكانه ويقال جال يجول [جولة] إذا دار قاله في النهاية

(1)

وقال: هنا جالت فأنث الفرس، وفي بعض الروايات: وعنده فرسه [مربوط] فذكره، وهما صحيحان والفرس يقع على الذكر والأنثى

(2)

.

قوله: فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج عرجت في الجو حتى ما أراها، الحديث، الظلة هي الغاشية، وقيل: السحابة قاله المنذري.

تنبيه: وقد عذب الله تعالى قوم شعيب بالظلة، يروى أنه حبس عليهم الريح وسلط عليهم الحر فأخذ بأنفاسهم فاضطروا إلى أن خرجوا من البيوت إلى الصحراء فأظلتهم سحابة فوجدوا لها بردا [ونسيما] فاجتمعوا تحتها كلهم فأمطرت عليهم نارا فأحرقوا كلهم وكان شعيب مبعوثا إلى أصحاب مدين وأصحاب الأيكة فأهلكت مدين بصيحة جبريل وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة، قاله الكرماني

(3)

وكل هذه عقوبات بسبب المعاصي ذكره ابن رجب

(4)

.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 317).

(2)

شرح النووي على مسلم (6/ 83).

(3)

الكواكب الدراري (14/ 62)

(4)

لطائف المعارف (ص 324).

ص: 56

قوله: "تلك الملائكة نزلت لقراءة القرآن" قراءة القرآن كرامة أكرم الله بها بني آدم والملائكة لم يعطوا هذه الفضيلة وهي حريصة على استماعه من الإنس كذا أفتى ابن الصلاح وقد يتوقف فيه من جهة أن جبريل عليه السلام هو النازل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الله تعالى في وصف الملائكة {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)}

(1)

أي: يتلوا القرآن ذكره ابن الأثير في النهاية

(2)

.

قوله: عرجت في الجو، وعرجت بعين وراء مهملتين وجيم مفتوحات أي: ارتفعت والجو بفتح الجيم وتشديد الواو ما بين السماء والأرض.

قوله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير قال: فقرأت ثم جالت أيضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقرأ ابن حضير" وفي الرواية الأخرى: اقرأ ثلاث مرات واقرأ يا بلال معناه: كان ينبغي أن تستمر على القراءة وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة، وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائها

(3)

وكان أسيد بن حضير من أحسن الناس صوتا بالقرآن

(4)

.

قوله: "تلك الملائكة تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم" وفي الرواية الأخرى: "تلك السكينة نزلت لقراءة القرآن"، قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء المختار منها أنها شيء من

(1)

سورة الصافات، الآية:3.

(2)

ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 129).

(3)

شرح النووي على مسلم (6/ 82).

(4)

الكواكب الدراري (18/ 98).

ص: 57

مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة يستمعون القرآن وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة، وفيه فضيلة قراءة القرآن وانها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة، وفيه فضيلة استماع القرآن

(1)

.

2207 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّكُم لَا ترجعون إِلَى الله بِشَيْء أفضل مِمَّا خرج مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآن رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن جُبَير بن نفير

(2)

.

قوله: وعن أبي ذر، تقدم الكلام عليه.

قوله: "إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه"[يعني القرآن، لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم، فهو لذة قلوبهم، وغاية مطلوبهم].

2208 -

وَعَن عبد الله يَعْنِي ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته مَا اسْتَطَعْتُم إِن هَذَا الْقُرْآن حَبل الله والنور الْمُبين والشفاء النافع عصمَة لمن تمسك بِهِ وَنَجَاة لمن اتبعهُ لَا يزِيغ فيستعتب وَلَا يعوج فَيقوم وَلَا تَنْقَضِي عجائبه وَلَا يخلق من كثْرَة الرَّد اُتْلُوهُ فَإِن الله يَأْجُركُمْ على تِلَاوَته كل حرف عشر حَسَنَات أما إِنِّي لَا أَقُول الم حرف وَلَكِن ألف حرف وَلام حرف وَمِيم حرف رَوَاهُ الْحَاكِم من رِوَايَة

(1)

شرح النووي على مسلم (6/ 82).

(2)

الحاكم (1/ 555)، وأبو داود في المراسيل (538)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2042).

ص: 58

صَالح بن عمر عَن إِبْرَاهِيم الهجري عَن أبي الأحْوَص عَنهُ وَقَالَ تفرد بِهِ صَالح بن عمر عَنهُ وَهُوَ صَحِيح

(1)

.

قوله: وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن مأدبة الله" والمأدبة لفتح الدال وضمها والمشهور الضم هو الطعام الذي يدعى إليه فكل طعام عمل لدعوة فهو مأدبة.

قوله: "فاقبلوا مأدبته ما استطعتم" وفي رواية: "مأدبة الله في الأرض" يعني مدعاته وهو صنيع يصنعه الرجل يدعو إليه الناس شبه القرآن بصنيع يصنعه الله للناس لهم فيه خير ومنافع وسمي الأدب أدبا لأنه يدعو إلى المحامد

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين" وفي حديث: "هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض"[أي نور ممدود، يعني نور هداه] والعرب تشبه النور الممتد بالحبل والخيط ومنه قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

(3)

يعني نور الصبح من ظلمة الليل، وفي رواية:"حبل الله المبين" يعني: نور هداه وفي حديث الدعاء ["يا ذا الحبل الشديد"] والمراد به القرآن [، أو الدين]، أو السبب

(1)

الحاكم (1/ 555)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، تفرد به صالح بن عمر عنه وهو صحيح، وقال الذهبي: صالح ثقة أخرج له مسلم ولكن إبراهيم بن مسلم ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2024).

(2)

الغريبين (1/ 55 - 56).

(3)

سورة البقرة، الآية:187.

ص: 59

ومنه قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}

(1)

ووصفه بالشدة لأنها من صفات الحبال والشدة في الدين الثبات والاستقامة، وفي حديث الأقرع والأبرص والأعمى:"انقطعت بي الحبال في سفر" أي: انقطعت بي الأسباب

(2)

، أ. هـ.

والحبل العهد والميثاق، ومنه حديث ابن مسعود "عليكم بحبل الله" أي: كتابه ويجمع الحبل على حبال قاله في النهاية

(3)

.

قوله: "والشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه" الحديث، الاعتصام بحبل الله هو اتباع القرآن وترك الفرقة

(4)

فالاعتصام بالحبل تمثيل الوثوق المعتصم بحماية المعتصم به بإمساك المتدلي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه أو استعارة بعهده

(5)

.

قوله: "لا يزيغ" يقال: زاغ إذا مال وعدل

(6)

.

قوله: "فيستعتب" أي: يدخل عليه العتب والضرر والمشقة وأصل العتب الشدة ذكره البوصيري.

(1)

سورة آل عمران، الآية:103.

(2)

النهاية (1/ 332 - 333).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 332).

(4)

الغريبين (2/ 401)، وشرح السنة (1/ 189)، ومشارق الأنوار (1/ 176) ومطالع الأنوار (2/ 217).

(5)

تفسير الكشاف (1/ 394).

(6)

تفسير غريب ما في الصحيحين (ص 240) للحميدي.

ص: 60

قوله: "ولا يخلق من كثرة الرد" بضم اللام ويجوز فتحها والياء فيهما مفتوحة ويجوز ضم الياء مع كسر اللام يقال: خلق الشيء يخلق إذا بلى والمراد هنا لا تذهب جلالته، وحلاوته استظهره حفظه ظاهرًا

(1)

.

قوله: "رواه الحاكم من رواية صالح بن عمر عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص"[إبراهيم الهجرى هو ابن مسلم الهجري: ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بقوي ووثقه ابن حبان وابن خزيمة وأخرجا له في صحيحيهما غير ما حديث عن أبي الأحوص، وقال ابن عدي إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبي الأحوص عن عبد الله وعامتها مستقيمة، وأبو الأحوص هو عوف بن مالك بن نضلة الأشجعي، أبو الأحوص الكوفي، من بني جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، روى عن ابن مسعود وعلى وغيرهما ثقة مشهور قتلته الخوارج في أيام الحجاج بن يوسف].

2209 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لله أهلين من النَّاس قَالُوا من هم يَا رَسُول الله قَالَ أهل الْقُرْآن هم أهل الله وخاصته رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم كلهم عَن ابْن مهْدي حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن بديل عَن أَبِيه عَن أنس وَقَالَ الْحَاكِم يرْوى من ثَلَاثَة أوجه عَن أنس هَذَا أَجودهَا

(2)

.

(1)

التبيان في آداب حملة القرآن (ص 201).

(2)

النسائي (8031)، وابن ماجه في المقدمة (215)، والحاكم (1/ 556)، وأحمد (12279)، وابن الضريس في فضائل القرآن (75)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 63)، والبيهقي في شعب الإيمان (2988)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (179).

ص: 61

قَالَ المملي الْحَافِظ عبد الْعَظِيم: وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله أهلين من الناس" قالوا: من هم يا رسول الله؟ الحديث، أي: حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله والمختصون به اختصاص أهل الإنسان به وكانوا يسمون أهل مكة أهل الله تعظيما لهم كما يقال بيت الله، ويجوز أن يكون المراد أهل بيت الله لأنهم كانوا سكان بيت الله قاله في النهاية

(1)

، وسئل أبو بكر الوراق عنه فقال: أهل القرآن من يحوطه القرآن ولا يسلمه الشيطان ولا يسلك به غير طريق الرحمن هل رأيتم أحدا أسلم أهله إلى أعدائه فانظر أسلمك القرآن إلى عمل الشيطان أم إلى عبادة الرحمن؟ فإن أسلمك إلى عبادة الشيطان فلست من أهل القرآن وإن أسلمك إلى عبادة الرحمن فأنت من أهل القرآن ذكره صاحب المغيث

(2)

.

قوله: حدثنا عبد الرحمن بن بديل عن أبيه عن أنس [عبد

الرحمن بن بديل بن ميسرة العقيلي البصري قال يحيى بن معين وأبو داود والنسائي: ليس به بأس، وقال الطيالسي: حدثنا عبد الرحمن بن بديل العقيلي، وكان ثقة، صدوقا، وأبوه ثقة وثقه يحيى بن معين والنسائي وابن سعد].

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 84).

(2)

المجموع المغيث (1/ 114).

ص: 62

2210 -

وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنهما أنه مر على قارئ يقْرَأ ثمَّ سَأَلَ فَاسْتَرْجع ثمَّ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من قَرَأَ الْقُرْآن فليسأل الله بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ أَقوام يقرؤون الْقُرْآن يسْأَلُون بِهِ النَّاس رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن

(1)

.

قوله: وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله: أنه مر على قارئ يقرأ ثم سأل فاسترجع، يعني: قال عمران بن حصين إنا لله وإنا إليه راجعون، يقال: منه رجع واسترجع.

قوله: ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس" الحديث، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"تعلموا القرآن واسألوا الله به الجنة قبل أن يجيء أقوام يسألون به الدنيا وإن القرآن يتعلمه ثلاثة رجل يباهي به ورجل يستأكل به ورجل يقرؤه لله"

(2)

وقال عبد الله بن مسعود: سيجيء على الناس زمان يسأل فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم

(3)

، وقال ميمون بن مهران: لا تتخذوا القرآن

(1)

الترمذي (2917)، وقال: حديث حسن، زاد في طبعة د. بشار: حديث حسن ليس إسناده بذاك، وأحمد (19917)، والطبراني في الكبير (370)، وسعيد بن منصور (1/ 187)، والبيهقي في شعب الإيمان (2628)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6467).

(2)

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (348)، والمروزي في مختصر قيام الليل (ص 179 - 180)، والبيهقي في الشعب (2/ 16 رقم 2389)، والبغوي (1182). وصححه الألباني في الصحيحة (258).

(3)

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (359).

ص: 63

بضاعة تلتمسوا به الشف في الدنيا، يعني الربح واطلبوا الدنيا بالدنيا والآخرة بالآخرة

(1)

، وروي عن عبد الله بن عمرو أنه جاء من المسجد الجامع حتى إذا بلغ أصحاب الدر إذا رجل والناس مجتمعون عليه، نظر فإذا رجل يقرأ ويسأل الناس فالتمس سوطا فوجده ثم أتى الناس فقال: افرجوا فعلا رأسه ضربا حتى سبقه عدوا فقال: يا لعباد الله ما كنت أرى أن أبقى حتى أرى أحدا يسأل بكتاب الله

(2)

، قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: فلا ينبغي لمن حفظ القرآن أن يسأل به غير الله تعالى وكان بعض السلف إذا ختم القرآن يقول: اللهم اغفر لي بالقرآن اللهم ارحمني بالقرآن اللهم اهدني بالقرآن اللهم عافني بالقرآن وإنما كان هذا لأن القرآن كلامه سبحانه وتعالى فلا ينبغي أن ينال به غيره ذكره القرطبي في كتابه التذكار

(3)

..

2211 -

وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ الْقُرْآن وَتعلم وَعمل بِهِ ألبس والداه يَوْم الْقِيَامَة تاجا من نور ضوؤه مثل ضوء الشَّمْس ويكسى والداه حلتين لَا يقوم لَهما الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ بِمَ كسينا هَذَا فَيُقَال بِأخذ ولدكما الْقُرْآن رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(4)

.

قوله: وعن بريدة رضي الله عنه[هو أبو عبد الله، ويقال: أبو سهل، ويقال: أبو الحصيب، ويقال: أبو ساسان بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، ابن

(1)

تاريخ ابن عساكر (61/ 354)، وتهذيب الكمال (29/ 219).

(2)

المنهاج (2/ 360).

(3)

التذكار (ص 97 - 98).

(4)

الحاكم (1/ 568)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 64

عبد الله بن الحرب بن الأعرج بن سعد بن رزاح الأسلمي. سكن المدينة، ثم البصرة، ثم مرو، وتوفى بها سنة اثنتين وستين، وهو آخر من توفى من الصحابة، رضى الله عنهم، بخراسان. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأحد عشر. أسلم بريدة قبل بدر، ولم يشهدها، وقيل: أسلم بعدها. روى عنه ابناه عبد الله، وسليمان

(1)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجا من نور" الحديث، وذكر أبو بكر الأنباري فذكر الحديث إلى أن بلغ إلى العوام بن حوشب أن أبا عبد الرحمن السلمي كان إذا ختم عليه الخاتم القرآن أجلسه بين يديه ووضع يده على رأسه وقال له: يا هذا اتق الله فما أعرف. أحدا خيرا منك إن عملت بالذي علمت

(2)

، وروي سفيان عن حبيب بن أبي عمرة قال: إذا ختم الرجل القرآن قبل الملك بين عينيه، حدث به أحمد بن حنبل فاستحسنه وقال هذا من مخبئات سفيان

(3)

ذكره القرطبي في كتابه التذكار

(4)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 133 ترجمة 81).

(2)

تفسير القرطبي (1/ 13 - 14) والتذكار (ص 67).

(3)

المجالسة (395 و 3380)، وشعب الإيمان (3/ 423 رقم 1910)، وتاريخ بغداد (13/ 44).

(4)

التذكار (ص 88).

ص: 65

2212 -

وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ الْقُرْآن فاستظهره فأحل حَلَاله وَحرم حرَامه أدخلهُ الله بِهِ الْجنَّة وشفعه فِي عشرَة من أهل بَيته كلهم قد وَجَبت لَهُم النَّار رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب

(1)

.

قوله: وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فاستظهره" أي: حفظه يقول: قرأت القرآن عن ظهر قلبي أي قرأته من حفظي وفيه [ما نزل من] القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، قيل: ظهرها لفظها، وبظنها معناها، قيل: أراد بالظهر ما ظهر تأويله وعرف معناه وبالبطن ما بطن تفسيره، وقيل: قصصه في الظاهر أخبار وفي الباطن عبرة وتنبيه وتحذير وغيره ذلك، قيل: أراد بالظهر التلاوة وبالبطن [التفهيم]

(2)

والتعظيم قاله في النهاية

(3)

.

قوله: "فأحل حلاله وحرم حرامه أدخله الله به الجنة" الحديث، وعن أبي نضرة أن رجلا من التابعين كان إذا جلس إليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبهم مجلسه وحديثه، فقالوا يوما إن مثل القرآن مثل المطر حلو طيب

(1)

الترمذي (2905)، وقال: حديث غريب من هذا الوجه، وليس له إسناد صحيح، وابن ماجه في المقدمة (216)، والطبراني في الأوسط (5126)، وعبد الله بن أحمد في زيادته على المسند (1268)، وقال الألباني ضعيف جدا، في ضعيف الجامع (5761).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 166)[التفهم].

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 166).

ص: 66

طهور مبارك أنزله الله تعالى فأصاب به الشجر حلوه ومره فزاد الحلاوة حلاوة إلى حلاوتها والمرارة مرارة إلى مرارتها وكذلك القرآن هدى وشفاء للذين آمنوا

(1)

.

2213 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}

(2)

قَالَ الَّذين قرؤوا الْقُرْآن رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(3)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}

(4)

قال: الذين قرأوا القرآن.

2214 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا ذَر لِأَن تَغْدُو فتعلم آيَة من كتاب الله خير لَك من أَن تصلي مائَة رَكْعَة وَلِأَن تَغْدُو فتعلم بَابا من الْعلم عمل بِهِ أَو لم يعْمل بِهِ خير من أَن تصلي ألف رَكعَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد حسن

(5)

.

(1)

التذكار (ص 67).

(2)

سورة التين، الآيتان: 5 - 6.

(3)

الحاكم (2/ 528)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في شعب الإيمان (2706).

(4)

سورة التين، الآيتان: 5 - 6.

(5)

ابن ماجه (219)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6373).

ص: 67

قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه، وعلى تفسير الحديث في كتاب العلم وكذلك تقدم الكلام على الحديث الذي بعده في قيام الليل.

فائدة: روى أبو محمد عبد الغني الحافظ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن أو جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة إن شاء عجلها له في الدنيا وإن شاء ادخرها له يوم القيامة"

(1)

، وهذا عام في كل مسلم قرأ القرآن إذ الكافر والمنافق ليست لهما عند الله دعوة مستجابة تدخر والله أعلم، روى ابن لهيعة فذكر الحديث إلى أن قال: سمعت عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كا القرآن في إهاب لم

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 355 رقم 6606)، وابن عدى في الكامل (8/ 188 - 189)، والخولاني في تاريخ داريا (ص 97)، والخطيب في الموضح (2/ 484).

قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن جابر إلا شرحبيل، ولا رواه عن شرحبيل إلا مقاتل ابن دوال دوز، تفرد به المحاربي، ولم يسند مقاتل غير هذا الحديث.

وقال ابن عدي: ولمقاتل غير ما ذكرت من الحديث حديث صالح، وعامة أحاديثه مما لا يتابع عليه، على أن كثيرا من الثقات والمعروفين قد حدث عنه، والشافعي محمد بن إدريس، يقول: الناس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير، وكان من أعلم الناس بتفسير القرآن، وله كتاب الخمسمائة آية، التي يرويها عنه أبو نصير منصور بن عبد الحميد الباوردي، وفي ذلك الكتاب حديث كثير مسند، وهو مع ضعفه يكتب حديثه.

كذا جعله ابن عدى مقاتل بن حيان وهو منصوص عليه كذلك في تاريخ داريا وعند الآخرين ابن سليمان أو ابن دوال دوز وكلاهما معروف بالتفسير.

قال الهيثمي في المجمع 7/ 163: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مقاتل بن دوال دوز، فإن كان هو مقاتل بن حيان كما قيل فهو من رجال الصحيح، وإن كان ابن سليمان فهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات.

ص: 68

تأكله النار" قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وجه هذا عندنا أن يكون أراد بالإهاب قلب المؤمن وجوفه الذي قد وعي القرآن

(1)

، أ. هـ قاله القرطبي في التذكار

(2)

، وفي رواية أخرى:"لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق"

(3)

قيل: كان هذا معجزة القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما تكون الآيات في عصور الأنبياء وقيل: المعنى من علمه الله القرآن لم تحرقه نار الآخرة فجعل جسم حافظ القرآن كالإهاب له والله أعلم قاله في النهاية

(4)

.

2215 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ عشر آيَات فِي لَيْلَة لم يكْتب من الغافلين رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(5)

.

(1)

فضائل القرآن (1/ 244/ ح 14).

(2)

التذكار (ص 62).

(3)

أخرجه أحمد 4/ 154 (17409) و 4/ 155 (17420)، والدارمي (3353)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (ص 220)، وأبو يعلى 3/ 284 (1745)، والطحاوي في المشكل (906) والطبراني 17/ 308 (850).

وقال عبد الله: حدثني أبي قال: حدثنا خالد بن خداش قال: قال لي ابن وهب - ورآني لا أكتب حديث ابن لهيعة: إني لست كغيري في ابن لهيعة، فاكتبها. وقال لي: حديثه عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار، ما رفعه لنا ابن لهيعة قط، أول عمرها لعلل رواية عبد الله (1784)، (5190). وصححه الألباني في الصحيحة (3562).

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 83).

(5)

الحاكم (1/ 555)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخراجه، ووافقه الذهبي، وابن السني في عمل اليوم والليلة (704)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5774).

ص: 69

2216 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من حَافظ على هَؤُلاءِ الصَّلَوَات المكتوبات لم يكْتب من الغافلين وَمن قَرَأَ فِي لَيْلَة مائَة آيَة كتب من القانتين رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

. قَالَ الْحَافِظ وَقد تقدم فِي صَلَاة اللَّيْل أَحَادِيث نَحْو هَذَا.

2217 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَرَأَ ابْن آدم السَّجْدَة فَسجدَ اعتزل الشَّيْطَان يبكي يَقُول يَا ويله.

وَفِي رِوَايَة يَا ويلي أَمر ابْن آدم بِالسُّجُود فَسجدَ فَلهُ الْجنَّة وَأمرت بِالسُّجُود فأبيت فلي النَّار رَوَاه مسلم وَابْن مَاجَه

(2)

.

وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أنس

(3)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أبي إِسْحَاق عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا قَالَ إِذا رأى الشَّيْطَان ابْن آدم سَاجِدا صَاح وَقَالَ يَا ويله يَا ويل الشَّيْطَان أَمر الله ابْن آدم أَن يسْجد وَله الْجنَّة فأطاع وَأَمرَنِي أَن أَسجد فعصيت فلي النَّار

(4)

.

(1)

ابن خزيمة (1142)، والحاكم (1/ 308)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(2)

مسلم (133)، وابن ماجه (1052)، وأحمد (9713)، وابن خزيمة (549)، وابن حبان (2759).

(3)

البزار (754)، وابن عدي (14291)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 284)، وفيه كنانة بن جبلة؛ وثقه أبو حاتم وضعفه غيره، وسهيل بن أبي حزم؛ وثقه ابن معين وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

(4)

الطبراني في الكبير (9463)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 284)، ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا إسحاق لم يسمع من ابن مسعود.

ص: 70

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله" وفي الرواية الأخرى "يا ويلي" يجوز فيه فتح اللام وكسرها، فقوله:"إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد" فمعناه آبة السجدة، فقوله "اعتزل الشيطان يبكي" فقوله "يا ويله" وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على المعنى وعدل عن حكاية قول إبليس يا ويلي كراهة أن يضيف الويل إلى نفسه، وقد يرد الويل بمعنى التعجب، أ. هـ كلامه في النهاية

(1)

.

وقال غيره في قوله: "يا ويله" هو من آداب الكلام وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سوء واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم صرف الحاكي الضممير عن نفسه تصاونا عن صورة إضافة السوء إلى نفسه

(2)

، أ. هـ.

فقوله "ويله" الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، ومعنى النداء فيه: يا حزني ويا هلاكي ويا عذابي أحضر فهذا وقتك وأوانك فكأنه نادي الويل أدن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع وهو الندم على تركه السجود لآدم عليه السلام، أ. هـ كلام النهاية

(3)

.

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 236).

(2)

قاله النووي كما في شرح مسلم (2/ 71)، وعنه ابن مفلح كما في الآداب الشرعية (1/ 36).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 236).

ص: 71

واعلم أن مقصود الإمام مسلم بذكر هذا الحديث هنا أن من الأفعال ما تركه يوجب الكفر إما حقيقة وإما تسمية فأما كفر إبليس بسبب السجود فمأخوذ من قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)}

(1)

قال الجمهور: معناه وكان في علم الله تعالى من الكافرين، وقال بعضهم وصار من الكافرين

(2)

.

فائدة: اعلم أن أول معصية عصى الله بها الحسد، قال الكرابيسي صاحب الشافعي: الحسد أول معصية عصى الله تعالى بها في السماء وهو سابق على الكفر وذلك أن إبليس لعنه الله حسد آدم عليه السلام يسجد له فكفر

(3)

، قال العلماء رضي الله عنهم: وكفر إبليس من ثلاثة أوجه: الأول: أنه استنقص نبيا وهو آدم عليه السلام ومن استنقص نبيا كفر

(4)

، قال صاحب اللمع: عبد إبليس ربه ثمانين ألف سنة ثم كفر نعوذ بالله من ذلك

(5)

.

الثاني: أنه خالف إجماع الملائكة في السجود ومن خالف الإجماع كفر

(6)

.

الثالث: أنه نسب البارئ جل جلاله وتعالى إلى التجوير وعدم الحكمة في

(1)

سورة البقرة، الآية:34.

(2)

شرح النووي على مسلم (2/ 70).

(3)

انظر: نزهة المجالس (2/ 49).

وقال مالك: إن أول معصية عصي الله بها الحسد، حسد إبليس لآدم، وحسد قابيل لهابيل.

القبس (ص 1048)، والمسالك (7/ 268).

(4)

كشف الأسرار (لوحة 12).

(5)

انظر: منهاج العابدين (ص 120).

(6)

كشف الأسرار (لوحة 12)، والبرهان (3/ 49).

ص: 72

أمره، بالسجود لآدم عليه السلام وهو خير منه بدعواه لأن الأشرف لا يسجد للأدنى

(1)

[سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته سبحان الحكيم العليم سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا سبحان من لا يسلم قدره غيره ولا يبلغ الواصفون صفته الحمد لله رب العالمين، ينبغي أن تذكر هذه الكلمات في هذا المحل مع حضور قلب والله الموفق] قالوا: وأخطأ إبليس لعنه الله تعالى في دعواه الخيرية بقوله إنه خلق من نار وآدم عليه السلام خلق من طين والنار تأكل الطين فهو خير منه وأخطأ لعنه الله في قياسه من وجهين، الأول: أنه قاس في معرض النص والقياس في معرض النص لا يجوز إلا عند إبليس ومن قاس في معرض النص كان كقياس إبليس؛ الثاني: أن الأصل ممنوع فإن الطين خير من النار لأنه يثبت وينتفع به في غالب الأشياء ومن طبعه الرزانة والسكون، والنار من شأنها الخفة والإحراق والطيش وكذلك إبليس لعنه الله لما خلق منها طاش فقاس

(2)

، قال الكرابيسي: والحسد أيضًا أول معصية عصى الله بها في الأرض وذلك أن قابيل حسد هابيل أخاه حين قربا القربان {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ}

(3)

الآية

(4)

، فهو أول من سن

(1)

كشف الأسرار (لوحة 12) وحياة الحيوان (1/ 302).

(2)

انظر: تفسير الطبري (10/ 86)، والتفسير الوسيط (2/ 353)، وتفسير القرطبي (7/ 171)، وتفسير الخازن (2/ 185)، وكشف الأسرار (لوحة 12).

(3)

سورة المائدة، الآية:27.

(4)

انظر: نزهة المجالس (2/ 49).

ص: 73

القتل في الأرض كما ورد في الحديث المشهور

(1)

، قاله ابن العماد في شرح العمدة.

مسألة: قال القرافي: واتفق الناس على تكفير إبليس بقصته مع آدم عليه السلام، وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا وليس كذلك، ولا كان كفره لكونه حسد آدم عليه السلام على منزلته من الله عز وجل وإلا لكان كل حاسد كافرا، ولا كان كفره لعصيانه. وفسوقه وإلا لكان كل عاص وفاسق كافر، قد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء، وينبغي أن يعلم أنه إنما كفر لنسبته الحق سبحانه وتعالى إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرض، وأظهر ذلك من فحوى كلامه {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}

(2)

ومراده أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير بالسجود للحقير من الجور والظلم، وهذا وجه كفره لعنه الله، وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك كافر، واختلفوا هل كان قبل إبليس كافر أو لا؟ فقيل: لا وأنه أول من كفر، وقيل: كان قبله قوم كفار وهم الجن الذين كانوا في الأرض، واختلفوا أيضًا: هل كفر إبلي جهلا أو عنادًا، على قولين بين أهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره فمن قال كفر جهلا قال: إنه سلب العلم عند كفره، ومن قال: كفر عنادًا ومعه علمه.

قال ابن عطية المفسر: والكفر مع بقاء العلم مستبعد

(3)

، إلا أنه عندي جائز لا

(1)

أخرجه البخاري (3335) و (6867) و (7321)، ومسلم (27 - 1677) عن ابن مسعود.

(2)

سورة الأعراف، الآية:12.

(3)

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (1/ 126).

ص: 74

يستحيل مع خذلان الله تعالى لمن شاء

(1)

[كما خذل سبحانه وتعالى بعدله أحبار اليهود والنصارى عن اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم مع رسوخ قدمهم في معرفته وانكشاف أوصافه الشريفة لديهم انكشاف الشمس لذوي الأبصار، قال جل من قائل:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)}

(2)

فسبحان مقلب القلوب، والله أعلم، قاله كاتبه؛] واختلفوا هل بعث الله تعالى من الجن إليهم رسولا قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال الضحاك: كان منهم رسل لظاهر قوله: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ}

(3)

الآية

(4)

.

وقال المحققون: لم يرسل إليهم منهم رسول ولم يكن ذلك في الجن قط وإنما الرسل من الإنس خاصة وهذا هو الصحيح المشهور

(5)

.

وقد احتج أبو حنيفة وأصحابه بقوله: "أمر ابن آدم بالسجود فسجد" الحديث على أن سجود التلاوة واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض، ومذهب مالك والشافعي والأكثرين أنه سنة، وأجابوا

(1)

حياة الحيوان (1/ 301 - 302).

(2)

سورة البقرة، الآية:146.

(3)

سورة الأنعام، الآية:130.

(4)

تفسير الطبري (9/ 560).

(5)

وهذا قول ابن عباس ومجاهد وابن جريج انظر تفسير الطبري (9/ 561) وتفسير ابن أبي حاتم (4/ 1389 رقم 7903) وتفسير الثعلبي (4/ 191 - 192) والتفسير البسيط (8/ 442 - 444)، وتفسير البغوي (3/ 190) وتفسير القرطبي (7/ 86) و (16/ 217)، وفتاوى السبكى (2/ 609).

ص: 75

عن هذا بأجوبة أحدها: أن تسمية هذا أمرا أنه من كلام إبليس فلا حجة فيها.

فإن قالوا: قد حكاها النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكرها.

قلنا: قد حكى غيرها من أقوال الكفار ولم يبطلها حال الحكاية وهي باطلة، الثاني: أن المراد أمر ندب لا إيجاب، والوجه الثالث: أن المراد المشاركة في السجود لا في الوجوب

(1)

.

ومستند الشافعي والجمهور ما ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء إلى السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأها حتى إذا جاء إلى السجدة قال: "إنما أمرنا بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه" ولم يسجد عمر رضي الله عنه، وروي أنه قال: إن الله لم يفرض السجود إلا لمن شاء.

روى البخاري الروايتين في صحيحه

(2)

ولم ينقل أنهم أنكروا عليه، وهذا من عمر رضي الله عنه في هذا الموطن العظيم دليل على إجماعهم على أنه ليس بواجب

(3)

، فإن قيل: ذم الله تعالى من لم يسجد بقوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)}

(4)

؟ فالجواب: أن الآية في الكافرين بدليل ما قبلها وما بعدها

(5)

والله أعلم.

(1)

شرح النووي على مسلم (2/ 71 - 72).

(2)

أخرجه البخاري (1077).

(3)

المجموع (4/ 62)، والنجم الوهاج (2/ 269 - 270).

(4)

سورة الانشقاق، الآية:21.

(5)

شرح الصحيح (3/ 61 - 62) لابن بطال، والنجم الوهاج (2/ 270).

ص: 76

2218 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنه رأى رُؤْيا أَنه يكْتب ص فَلَمَّا بلغ إِلَى سجدتها قَالَ رأى الدواة والقلم وكل شَيء بِحَضرَتِهِ انْقَلب سَاجِدا قَالَ فقصصتها على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم يزل يسْجد بهَا رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح

(1)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، تقدم.

قوله: أنه رأى رؤيا أنه يكتب ص - يعني سورة ص - فلما بلغ إلى سجدتها قال رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا، فقال فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها، اعلم أن سجود التلاوة مشروع عند قراءة آيات السجدات مطلوب بالإجماع، ففي الصحيحين عن ابن عمر أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقرأ القرآن فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه لا يرى بعضنا موضعًا لمكان جبهته"، وفي رواية لمسلم "في غير صلاة"

(2)

وهو سنة للقارئ والمستمع له، ويستحب أيضا للسامع الذي لا يستمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي، والسجدات في القرآن أربع عشرة سجدة على مذهب الشافعي: سجدة في آخر سورة الأعراف وسجدة في الرعد وسجدة في النحل وسجدة في سبحان وسجدة في مريم وسجدتان في

(1)

أحمد (11741)، والحاكم (2/ 432)، والبيهقي (2/ 320)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 284)، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(2)

أخرجه البخاري (1075) و (1076) و (1079)، ومسلم (103 و 104 - 575) عن ابن عمر.

ص: 77

الحج وسجدة في الفرقان وسجدة في النمل وسجدة في ألم تنزيل وسجدة في حم السجدة وسجدة في النجم وسجدة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)} وسجدة في اقرأ باسم ربك الذي خلق، وموضعها معروف مذكور في كتب الفقه وموضع السجدة في حم السجدة عند قوله:{وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ}

(1)

، وفي سورة النمل عند قوله {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم}

(2)

على الأصح فيهما

(3)

، وأما سجدة سورة ص فسجدة شكر أي لله تعالى على قبول توبة داود عليه الصلاة والسلام ليست من عزائم السجود أي من متأكداته لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال:"سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا" رواه النسائي

(4)

، فإن قرأها الإنسان في الصلاة لم يسجد كما لا يسجد في غيرها من سجود الشكر وهذا هو الأصح، فإن سجد عامدا عالما بالتحريم بطلت صلاته فإن كان ناسيا أو جاهلا فلا

(5)

.

تنبيه: وأما عدد السجدات فمذهب الشافعي الصحيح أن عددها أربع عشرة منها: سجدتا الحج لا ص، وتقدم ذلك، وعن مالك روايتان إحداهما

(1)

سورة فصلت، الآية:38.

(2)

سورة التوبة، الآية:129.

(3)

انظر: التبيان (ص 137 - 139)، والنجم الوهاج (2/ 270 - 271).

(4)

أخرجه النسائي في المجتبى 2/ 375 (969) والكبرى (1031 و 11374)، والطبراني في الأوسط (1/ 301 رقم 1008) والكبير (12/ 34 رقم 12386 و 12387). وصححه الألباني في المشكاة (1038) وصحيح أبي داود (1270).

(5)

التبيان (ص 140).

ص: 78

كمذهبنا وأشهرهما إحدى عشرة أسقط سجدات المفصل، قال: لا سجدة فيه، وعن أحمد روايتان إحداهما كمذهبنا والثانية خمس عشرة بإثبات [ص] وإلى هذا ذهب إسحاق بن راهويه وهو قولى ابن سريج وأبي إسحاق المروزي وأجمعوا على السجدة الأولى من الحج واختلفوا في الثانية

(1)

.

فرع: قال الرافعي: لو سجد أمامه في ص لكونه يرى السجود فيها كالحنفي لم يتابعه بل ينتظره قائما ويفارقه، وإذا انتظره هل يسجد للسهو فيه وجهان قال النووي

(2)

في الروضة: قلت الأصح لا يسجد وهذا الصحيح مشكل لا يمشي على القواعد، والصواب أنه يسجد لأنه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته شيئا جاهلا والاعتبار بنية المقتدي ثم إن تخصيص السجود بحالة الانتظار لا وجه له بل يجزيء مع نية المفارقة أيضًا

(3)

.

فائدة: وسجود التلاوة عندنا وعند الجمهور سنة ليس بواجب وعند أبي حنيفة واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض وهو سنة للقارئ والمستمع له وهو سنة، ويستحب أيضًا للسامع الذي لم يستمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي كما تقدم، وإذا سجد المستمع لقراءة غيره وهما في صلاة لم يرتبط به بل له أن يرفع قبله وله أن يطول السجود بعده وله أن يسجد إن لم يسجد القارئ، وسواء كان

(1)

المجموع (4/ 62).

(2)

روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 319).

(3)

النجم الوهاج (2/ 273).

ص: 79

القارئ متطهرًا أو محدثا امرأة أو صبيا أو غيرهم ولأصحابنا وجه ضعيف أنه لا يسجد لقراءة الصبي والمحدث والكافر والصحيح الأول

(1)

، أ. هـ.

تنبيه: واعلم أنه يشترط لجواز سجود التلاوة وصحته شروط صلاة النفل من الطهارة عن الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة وسائر الشروط ولا يجوز السجود حتى تتم قراءة السجدة ويجوز عندنا سجود التلاوة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لأنها ذات سبب ولا يكره عندنا ذوات الأسباب وفي سجود التلاوة مسائل وتفريعات مشهورة في كتب الفقه لا يحتملها هذا التعليق فمن أراد شيئا من ذلك فليطلبه من مظانه.

2219 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت فِي هَذِه اللَّيْلَة فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي أُصَلِّي خلف شَجَرَة فَرَأَيْت كَأَنِّي قَرَأت سَجْدَة فَرَأَيْت الشَّجَرَة كَأَنَّهَا تسْجد لسجودي فسمعتها وَهِي سَاجِدَة وَهِي تَقول اللَّهُمَّ اكتُبْ لي بهَا عنْدك أجرا وَاجْعَلْهَا لي عنْدك ذخْرا وضع عني بهَا وزرا واقبلها مني كَمَا تقبلت من عَبدك دَاوُد قَالَ ابْن عَبَّاس فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ السَّجْدَة فَسَمعته وَهُوَ ساجد يَقُول مثل مَا قَالَ الرجل عَن كَلَام الشَّجَرَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ

(2)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (5/ 74).

(2)

الترمذي (579)، وابن ماجه (1053)، وابن حبان (2768)، والعقيلي (1/ 243)، وابن خزيمة (563)، والحاكم (1/ 219)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (865).

ص: 80

قَالَ الْحَافِظ رَوَوْهُ كلهم عَن مُحَمَّد بن يزِيد بن خُنَيْس عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي يزِيد عَن ابْن جريج عَن عبيد الله بن أبي يزِيد عَن ابْن عَبَّاس وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه انْتهى وَالْحسن قَالَ بَعضهم لم يرو عَنهُ غير مُحَمَّد بن يزِيد وَقَالَ الْعقيلِيّ لَا يُتَابع على حَدِيثه.

2220 -

وَرَوَاهُ أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي تَحت شَجَرَة وَكَأن الشَّجَرَة تقْرَأ ص فَلَمَّا أَتَت على السَّجْدَة سجدت فَقَالَت فِي سجودها اللَّهُمَّ اغْفِر لي بهَا اللَّهُمَّ حط عني بهَا وزرا وأحدث لي بهَا شكرا وتقبلها مني كَمَا تقبلت من عَبدك دَاوُد سجدته فَغَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ سجدت يَا أَبَا سعيد قلت لَا قَالَ فَأَنت أَحَق بِالسُّجُود من الشَّجَرَة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُورَة ص ثمَّ أَتَى على السَّجْدَة فَسجدَ وَقَالَ فِي سُجُوده مَا قَالَت الشَّجَرَة فِي سجودها وَفِي إِسْنَاده يمَان بن نصر لَا أعرفهُ

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم.

قوله: عن كلام الشجرة "اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عني بها وزرا" إلى آخره يستحب هذا الدعاء في سجود التلاوة، سواء كان السجود في صلاة وغيرها ويستحب أن يقول أيضا: سجد وجهي

(1)

أبو يعلى (1064)، والطبراني في الأوسط (4768)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 285)، وفيه اليمان بن نصر، قال الذهبي: مجهول.

ص: 81

للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته" كذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من رواية عائشة

(1)

وزاد الحاكم: "فتبارك الله أحسن الخالقين"

(2)

فيستحب أن يدعو الساجد للتلاوة جهذه الدعوات الواردة في هذا الحديث لمناسبتها وحسن حديثها.

وفي هذا الحديث المبادرة إلى العمل بما يسمعه الإنسان من العلم فإن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا المنام [قرأه في سجود التلاوة]، قال الأستاذ إسماعيل الضرير في تفسيره عن الإمام الشافعي أنه اختار أن يقول: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا

(3)

، قال في شرح المهذب، وظاهر القرآن يقتضي مدح هذا فيكون حسنا ولو قال ما في حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد قال:"اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت أنت ربي سجد وجهي للذي شق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين" رواه مسلم، ورواه ابن حبان بلفظ:"فتبارك الله" بالفاء

(4)

وكذا ذكره الرافعي وغيره، وذكر

(1)

أخرجه أبو داود (1414)، والترمذي (580) و (3425)، والنسائي في المجتبى 2/ 491 (1140) والكبرى (718)، والدارقطني (1514)، والحاكم (1/ 220). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في المشكاة (1035) وصحيح أبي داود (1273).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 220)، والبيهقي في الكبرى (2/ 460 رقم 3774). وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي.

(3)

المجموع (4/ 65)، والنجم الوهاج (2/ 278).

(4)

أخرجه مسلم (201 و 202 - 771)، وابن حبان (1977).

ص: 82

الإمام الغزالي في الإحياء

(1)

طريقة حسنة في كيفية الدعاء ونحى نحوها الروياني في [البحر

(2)

] فقالا: يستحب أن يقول في سجوده ما يليق بالآية التي قرأ بها فيقول في الفرقان سجدت للرحمن وآمنت بالرحمن فاغفر لي يا رحمان

(3)

، أ. هـ.

قال في التتمة أن الخبر ورد به

(4)

هكذا في مختصر الكفاية وعند قوله تعالى {خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}

(5)

قال: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك أو على أوليائك، وإن قرأ قوله تعالى:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ}

(6)

الآية، فليقل: اللهم اجعلني من الباكين إليك الخاشعين لك

(7)

.

تنبيه: وينبغي أن لا يزيد على مقدار ثلاث تسبيحات في سجود التلاوة إلا برضى الحضور

(8)

.

(1)

إحياء علوم الدين (1/ 277).

(2)

بحر المذهب (2/ 142).

(3)

النجم الوهاج (2/ 278).

(4)

بحر المذهب (2/ 142)، وكفاية النبيه (3/ 384).

(5)

سورة السجدة، الآية:15.

(6)

سورة الإسراء، الآية:109.

(7)

إحياء علوم الدين (1/ 277).

(8)

النجم الوهاج (2/ 278).

ص: 83

2221 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كتبت عِنْده سُورَة النَّجْم فَلَمَّا بلغ السَّجْدَة سجد وسجدنا مَعَه وسجدت الدواة والقلم رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم.

قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنده سورة النجم فلما بلغ السجدة سجد وسجدنا معه وسجدت الدواة والقلم، تقدم الكلام على السجدات وذكرها في السور.

فروع يختم بها الباب: أحدها: إذا سجد في آخر سورة الأعراف ونحوها فيلزمه أن ينتصب بعد السجود ليركع ويستحب أن يقرأ شيئا من سور أخرى وعن العجلي في استحبابه وجهان

(2)

.

الثاني: قال المتولي: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الصلاة يدعون فيه ولا يعرف لهذا أصل، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم فالأولى أن يدعو بعد الفراغ كما وردت به الأخبار

(3)

والله أعلم، ذكره في مختصر الكفاية.

الثالث: لا يقوم الركوع مقام سجدة التلاوة عندنا خلافا لأبي حنيفة والخطابي، ونقل في زيادات الروضة هنا عن البحر وأقره أن الخطيب إذا قرأ آية سجدة يترك السجود لما فيه من الكلفة، وقال في صلاة الجمعة إن أمكنه

(1)

البزار (753)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 285)، ورجاله ثقات.

(2)

كفاية النبيه (3/ 379).

(3)

كفاية النبيه (3/ 386).

ص: 84

السجود على المنبر سجد وإلا نزل وسجد، والإمام الشافعي له في المسألة نصان فالذي قاله هنا موافق لأحدهما الآخر

(1)

.

الرابع: يكره للمأموم قراءة السجدة والإصغاء إلى قراءة غير إمامه ولا يكره للإمام قراءة السجدة في جهرية ولا سرية خلافا لمالك

(2)

.

الخامس: لو سمع في دخوله المسجد قراءة سجدة فهل يسجد أو يصلي التحية فيه احتمال وقال البندنيجي وغيره إذا قرأ أو سمع آية وهو محدث توضأ وسجد وهذا قريب إذا تيسر الوضوء على قرب

(3)

.

فائدة مهمة: قال النووي في زوائد الروضة لم أر نقلا في جمع السجدات لغرض السجود فقط، وفي كراهة ذلك خلاف للسلف، ومقتضى مذهبنا أنه إن كان في غير الوقت المنهي عن الصلاة فيه أو في غير الصلاة لم يكره، وإن كان في الصلاة أو في وقت كراهتها ففيه الوجهان فيمن دخل المسجد في هذه الأوقات لا لفرض سوى التحية والأصح أنه يكره له الصلاة

(4)

، أ. هـ والمسألة ذكرها القاضي حسين والشيخ عز الدين، فأما القاضي فمقتضي كلامه جواز ذلك، وعدم استحبابه وأما الشيخ عز الدين منع ذلك وأفتى ببطلان الصلاة مطلقا وقت الكراهة وغيرها والله أعلم ذكره الشيخ كمال الدين الدميري

(5)

.

(1)

النجم الوهاج (2/ 279).

(2)

النجم الوهاج (2/ 280).

(3)

النجم الوهاج (2/ 280).

(4)

روضة الطالبين (1/ 323 - 324).

(5)

النجم الوهاج (2/ 276).

ص: 85

لطيفة: حكي الشيخ كمال الدين الآدمي في كتابه الطالع السعيد

(1)

في ترجمة محمد بن محمد النصيبي

(2)

القوصي الفاضل المحدث الأديب أنه أخبره أنه حضر مرة عند عز الدين بن البطراوي الحاجب بقوص وكان له مجلس يجتمع فيه الرؤساء والقضاة والأدباء فحضر الشيخ علي الحرم وحكي أنه رأى ذرة تقرأ سورة يس فقال النصيبي وكان غراب يقرأ سورة السجدة فإذا جاء محل السجود سجد ويقول: سجد لم سوادي واطمأن بك فؤادي ذكره الدميري في حياة الحيوان

(3)

والله تعالى أعلم.

(1)

الطالع السعيد (ص 621 - 622).

(2)

هو محمد بن محمد بن عيسى بن نحام بن نجدة بن معتوق الشيباني النصيبيني ثم القوصي.

(3)

حياة الحيوان (1/ 468).

ص: 86