الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه
2372 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائيّ وَابْن مَاجَه
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
قوله "كلمتان خفيفتان على اللسان" أي كلامان أي وعدل عنه إلى كلمتان إشارة إلى قلة أحرفهما وجزالة لفظهما والكلمة تطلق على الكلام كما يقال كلمة الشهادة
(2)
.
قوله "ثقيلتان في الميزان" فيه أن الأقوال والأعمال تجسد وتوزن يوم القيامة.
2373 -
وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أخْبرك بِأحب الكَلام إِلَى الله قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِأحب الْكَلَام إِلَى الله فَقَالَ إِن أحب
(1)
البخاري (6682)، ومسلم (2694)، والترمذي (3467)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10666)، وابن ماجه (3806)، وأحمد (7167)، وابن حبان (831).
(2)
الكواكب الدراري (22/ 184).
الْكَلَام إِلَى الله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائيُّ وَالتِّرْمِذِيّ إِلَّا أَنه قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَقَالَ حَدِيث حسن صحِيح
(1)
.
2374 -
وَفِي رِوَايَة مُسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَي الْكَلام أفضل قَالَ مَا اصْطفى الله لملائكته أَو لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ
(2)
.
2375 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ كتب لَهُ مائَة ألف حَسَنَة وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف حَسَنَة وَمن قَالَ لا إِلَه إِلَّا الله كَانَ لَهُ بهَا عهد عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ بِإِسْنَاد فِيهِ نظر
(3)
.
زَاد فِي رِوَايَة لَهُ عَن أَيُّوب بن عتبَة عَن عَطاء عَنهُ بِنَحْوِهِ فَقَالَ رجل كيفَ نهلك بعد هَذَا يَا رَسُول الله قَالَ إِن الرجل ليَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِالْعَمَلِ لَو وضع على جبل لأثقله فتقوم النِّعْمَة من نعم الله تكَاد أَن تستنفد ذَلِك كُله إِلَّا أَن يتطول الله برحمته
(4)
.
2376 -
وَرَوَاهُ الْحَاكم من حَدِيث إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أَبِيه عَن جده وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ لا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة أَو وَجَبت لَهُ
(1)
مسلم (2731)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10661)، والترمذي (3593)،، والبخاري في الأدب المفرد (638).
(2)
مسلم (2731)، وأحمد (21320).
(3)
الطبراني في المعجم الكبير (13597)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 87)، وفيه
النضر بن عبيد، ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا.
(4)
الطبراني في الكبير (13595)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 420)، وفيه أيوب بن عتبة، وهو ضعيف.
الْجنَّة وَمن قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ مائَة مرّة كتب الله لَهُ مائَة ألف حَسَنَة وأربعا وَعشْرين ألف حَسَنَة قَالُوا يَا رَسُول الله إِذا لا يهْلك منا أحد قَالَ بلَى إِن أحدكم ليجيء بِالْحَسَنَاتِ لَو وضعت على جبل أثقلته ثمَّ تَجِيء النعم فتذهب بِتِلْكَ ثمَّ تتَطَاوَل الرب بعد ذَلِك برحمته قَالَ الْحَاكِم صَحِيح الإِسْنَاد
(1)
.
2377 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسول صلى الله عليه وسلم من قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْد غرست لَهُ نَخْلَة فِي الْجنَّة رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد جيد
(2)
.
قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبرك" في ميزان العبد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون وقد أختلف الناس في الميزان وصفته وفي أن كل إنسان له ميزان واحد وفي كيفيته أقوال والأصح أنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين وأنه تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة أو توزن صحف الأعمال وفيه إثبات الميزان
(3)
وفيه صيغة المقابلة بين الخفة والثقل والمقصود أنه عمل يسير وله ثواب كثير
(4)
.
قوله "حبيبتان إلى الرحمن" والحبيبة المحبوبة يقال حبب فلان إلى هذا الشيء أي جعله محبوبا والمراد [ها هنا] محبوبية قائلهما ومحبة الله تعالى
(1)
الحاكم (4/ 251)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2)
البزار (3079)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 94).
(3)
اللامع الصبيح (15/ 433).
(4)
الكواكب الدراري (22/ 185).
العبد إرادة إيجاد الخير له والتكرم فإن قلت لما خص لفظ الرحمن من بين سائر أسماء الله الحسنى قلت لأن المقصود من الحديث بيان سعة الله تعالى على عباده حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير
(1)
.
قوله "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" معناه وبحمده أسبح فإنه تسبيح وتنزيه وتحميد وتعظيم فالتسبيح في اللغة التنزيه ومعنى سبحان الله تنزيه له من النقائص مطلقا ومن صفات المحدثات كلها وهو اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر بفعل المحذوف وتقديره سبحت الله سبحانه ولا يستعمل غالبا إلا مضافا كقوله سبحان الله وهو مضاف إلى المفعول به أي سبحت الله لأنه المسبح المنزه
(2)
.
واعلم أن لله تعالى صفات عدميه مثل أنه لا شريك له ولا جهة له ولا مثل له وسائر التنزيهات وتسمى بصفات الجلال إشارة إلى الثانية وإطلاق اللفظين يعني ترك التقييد بمتعلق يشعر بالعموم فكأنه قال أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بجميع الكمالات، وجاء في القرآن بعبارات متعددة جاء بلفظ المصدر نحو {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ}
(3)
وبلفظ الماضي {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
(4)
وبلفظ المضارع نحو {يُسَبِّحُ
(1)
الكواكب الدراري (22/ 185).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 142).
(3)
سورة الإسراء، الآية:1.
(4)
سورة الحديد، الآية:1.
لِلَّهِ}
(1)
وبلفظ الْأَمر نحو {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)}
(2)
(3)
قال أهل اللغة والتفسير وغيرهم: التسبيح بمعنى الصلاة في قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ}
(4)
أي من المصلين، والسبحة بضم السين صلاة النافلة ومنه سبحة الضحى وغيرها
(5)
والسبحة خرز منظومة يسبح بها معروفة يعتادها أهل الخير مأخوذة من التسبيح، وأما صلاة التسبيح فسميت بذلك لكثرة التسبيح فيها بخلاف العادة في غيرها
(6)
وفي هذا الحديث أن السجع في الدعاء إذ لم يتكلفه الإنسان ليس بمنهي عنه
(7)
واللّه أعلم.
قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى اللّه قلت يا رسول اللّه أخبرني بأحب الكلام إلى اللّه فقال إن أحب الكلام إلى اللّه سبحان اللّه وبحمده" الظاهر أن المراد بأحب الكلام من كلام البشر
(8)
وإنما كان أحب لما فيه من تنزيه للّه تعالى عما يوجب نقصا والثناء عليه
(9)
.
(1)
سورة الجمعة، الآية:1.
(2)
سورة الأعلى: الآية: 1.
(3)
الكواكب الدراري (22/ 184 - 185).
(4)
سورة الصافات، الآية:143.
(5)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 142).
(6)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 143 - 144).
(7)
إكمال المعلم (4/ 455).
(8)
تحفة الأبرار (2/ 61).
(9)
الإفصاح (2/ 194)، وتحفة الأبرار (2/ 62).
قوله: وفي رواية لمسلم "سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل قال ما اصطفاه اللّه" أي ما اجتباه واختاره واستخلصه لملائكته وعباده
(1)
رواه مسلم والنسائي والترمذي إلا أنه قال سبحان ربي وبحمده، وإنما كان أفضل لاشتماله على التنزيه والتوحيد والتمجيد
(2)
وهذا وما أشبهه محمول على كلام الآدميين وإلا فالقرآن أفضل وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل
(3)
وهو منصوب على المصدر، يقال: سبحته أسبحه تسبيحا وسبحانا كغفر غفرانا وشكر شكرانا وقيل معناه التسرع إليه والخفة في طاعته وقيل معناه السرعة إلى هذه اللفظة وقد يطلق التسبيح
(4)
على غيره من أنواع الذكر مجازا كالتحميد والتمجيد وغيرهما
(5)
.
2378 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَالَ سُبْحَانَ اللّه الْعَظِيم وَبِحَمْدِهِ غرست لَهُ نَخْلَة فِي الْجنَّة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنه قَالَ غرست لَهُ شَجَرَة فِي الْجنَّة.
وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي موضِعين بِإِسْنَادَيْنِ قَالَ فِي أَحدهمَا على شَرط مُسلم وَقَالَ فِي الآخر على شَرط البُخَارِيّ
(6)
.
(1)
مشارق الأنوار (2/ 50).
(2)
تحفة الأبرار (2/ 62).
(3)
شرح النووي على مسلم (17/ 49).
(4)
اللوحة 239 تكرار للوحة 238.
(5)
المجموع المغيث (2/ 48)، والنهاية (2/ 331).
(6)
الترمذي (3464)، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وفي (3465)، قال حسن =
قوله: وعن جابر، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان اللّه العظيم وبحمده كرست له نخلة في الجنة" [يعنى بكل مرة قالها، وإنما خص النخل من الأشجار؛ لأنها أنفع الأشجار وأطيبها
(1)
].
2379 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من هاله اللَّيْل أَن يكابده أَو بخل بِالْمَالِ أَن يُنْفِقهُ أَو جبن عَن الْعَدو أَن يقاتله فليكثر من سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْد فَإِنَّهَا أحب إِلَى اللّه من جبل ذهب يُنْفِقهُ فِي سَبِيل اللّه عز وجل رَوَاهُ الْفرْيَابِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَهُوَ حَدِيث غَرِيب وَلَا بَأْس بِإِسْنَادِهِ إِن شَاءَ اللّه
(2)
.
قوله: وعن أبي أمامة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من هاله الليل أن يكابده" إلى قوله "وجبن عن العدو أن يجاهده" الحديث، الجبن هو الخوف وعدم الإقدام على الشيء وتقدم ذلك.
= غريب، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10663)، وابن حبان (826)، والحاكم (1/ 501)، والبيهقي في الدعوات الكبير (127)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6429).
(1)
المفاتيح (3/ 163).
(2)
الطبراني في المعجم الكبير (7800)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 94)، وفيه سليمان بن أحمد الواسطي، وثقه عبدان وضعفه الجمهور، والغلب على بقية رجاله التوثيق، وقال البخاري: فيه نظر، وقال ابن عدي: هو عندي ممن يسرق الحديث وله أفراد، وقال صالح جزرة: كان يتهم في الحديث، وقال مرة كذاب.
قوله: رواه الفريابي: بكسر الفاء وسكون الراء وفتح الياء آخر الحروف وبعد الألف باء موحّدة، هذه النسبة بإرياب بليدة بنواحي بلخ، ويقال في النسبة إليها الفاريابي أيضًا على الأصل، والفيريابي أيضًا بزيادة المثناة تحت نسب إليها جماعة منهم أبو عبد اللّه محمد بن يوسف الفريابي سكن قيسارية مدينة على ساحل الشام، رحل الناس إليه روي عنه البخاري وأبو محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن السمرقندي وغيرهما، وكان ثقة ومنهم أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض الفريابي أحد الأئمة رحل إلى الشرق والغرب وولي قضاء الدينور مدّة، وسكن بغداد وحدّث فأكثر وكتب الناس عنه
(1)
أ. هـ.
2380 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ وَمن قَالَ سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ في يَوْم مائَة مرّة غفرت لَهُ ذنُوبه وَإِن كَانَت مثل زبد الْبَحْر رَوَاهُ مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي آخر حَدِيث يَأْتِي إِن شَاءَ اللّه تَعَالَى
(2)
.
وَفِي رِوَايَة للنسائي من قَالَ سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدهِ حط اللّه عَنهُ ذنُوبه وَإِن كَانَت أَكثر من زبد الْبَحْر لم يقل فِي هَذِه فِي يَوْم وَلم يقل مائَة مرّة وإسنادهما مُتَّصِل ورواتهما ثِقَات
(3)
.
(1)
اللباب (2/ 427).
(2)
مسلم (2691)، والترمذي (3466)، وقال: حديث حسن صحيح، وعزاه للنسائي وليس عنده هذه الزيادة، إنما اشترك معهم في أصل الحديث.
(3)
النسائي في عمل اليوم والليلة (10662).
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان اللّه وبحمده في يوم مائة مرة غفرت له ذنوبه" الحديث، وفي رواية:"من قال حين يصبح وحين يمسي مائة مرة سبحان اللّه وبحمده لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال ما قال أو زاد عليه" فهذه الأحاديث دالة على عدم اعتبار منع الزائد والناقص وإن أصل السنة يحصل بدون المائة وإن الأكمل مائة بعدد أسمائه الحسنى وما زاد عليها أفضل
(1)
واللّه أعلم.
تنبيه: وفي حديث التهليل من قال لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير مائة مرة كتب له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به" الحديث، وفي حديث التسبيح من قال سبحان اللّه وبحمده مائة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر، ظاهره أن التسبيح أفضل وقد قال في حديث التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به
(2)
، قال القاضي
(3)
: الجواب عن هذا أن التهليل المذكور أفضل ويكون ما فيه من زيادة الحسنات ومحو السيئات وما فيه من عتق الرقاب وكونه حرزا من الشيطان زائدة على فضل التسبيح وتكفير الخطايا لأنه قد ثبت أن من أعتق رقبة أعتق اللّه بكل عضو منها عضوا منه من النار فقد حصل بعتق رقبة واحدة تكفير
(1)
غمز عيون البصائر (4/ 173).
(2)
شرح النووي على مسلم (17/ 18).
(3)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 191).
جميع الخطايا مع ما يبقى له من زيادة عتق الرقاب الزائدة على الواحدة ومع ما فيه من زيادة مائة درجة وكونه حرزا من الشيطان، ويؤيده ما جاء في الحديث بعد هذا أن أفضل الذكر التهليل مع الحديث الآخر أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له له الملك وله الحمد" الحديث، وقيل: إنه اسم اللّه الأعظم وهي كلمة الإخلاص وقد سبق أن معنى التسبيح التنزيه عما لا يليق به سبحانه وتعالى من الشريك والولد والصاحبة والنقائص مطلقا وسمات المحدّث مطلقا
(1)
، أ. هـ.
2381 -
وَعَن سُلَيْمَان بن يسَار رضي الله عنه عَن رجل من الأَنْصَار أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ نوح لابْنِهِ إِنِّي مُوصِيك بِوَصِيَّة وقاصرها لكَي لَا تنساها أوصيك بِاثْنَتَيْنِ وأنهاك عَن اثْنَتَيْنِ أما اللَّتَان أوصيك بهما فيستبشر اللّه بهما وَصَالح خلقه وهما يكثران الولوج على اللّه أوصيك بِلَا إِلَه إِلَّا اللّه فَإِن السَّمَوَات وَالأرْض لَو كَانَتَا حَلقَة قصمتهما وَلَو كَانَتَا فِي كفة وزنتهما وأوصيك بسبحان اللّه وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهُمَا صَلَاة الْخلق وَبِهِمَا يرْزق الْخلق وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لا تفقهون تسبيحهم إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا وَأما اللَّتَان أَنهَاك عَنْهُمَا فيحتجب اللّه مِنْهُمَا وَصَالح خلقه أَنهَاك عَن الشّرك وَالْكبر رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
(2)
. وَالْبَزَّار
(3)
. وَالْحَاكِم من حَدِيث عبد اللّه بن عَمْرو وَقَالَ
(1)
شرح النووي على مسلم (17/ 18).
(2)
النسائي في عمل اليوم والليلة (10668).
(3)
البزار (3069).
الْحَاكِم صحِيح الإِسْنَاد
(1)
.
الولوج الدُّخُول.
قوله: وعن سليمان بن يسار رضي الله عنه[أحد الفقهاء السبعة، هو أبو أيوب، ويقال: أبو عبد الرحمن، وأبو عبد اللّه سليمان بن يسار الهلالى أخو عطاء، وعبد الملك، وعبد اللّه موالى ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، رضى اللّه عنه. قال ابن سعد: ويقال: إن سليمان بنفسه كان مكاتبا لها.
سمع ابن عباس، وابن عمر، وجابرا، وحسان بن ثابت، وأبا رافع، وزيد بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وأبا سعيد، وأبا واقد، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة، رضي الله عنهم، وسمع خلائق من التابعين. روى عنه جماعات من التابعين، منهم عمرو بن دينار، ونافع، وعمرو بن ميمون، وصالح بن كيسان، والزهري، ويحيى الأنصاري، وقتادة، وآخرون، رحمة اللّه عليهم.
قال محمد بن سعد: كان ثقة، عالما، رفيعا، فقيها، كثير الحديث. واتفقوا على وصفه بالجلالة وكثرة العلم، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وقد سبق بيانهم في ترجمة خارجة بن زيد. قال أبو زرعة الرازى: سليمان بن يسار مدني، ثقة، مأمون، فاضل، عابد. قال ابن سعد: توفى سنة تسع ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وقيل: توفى سنة ثلاث ومائة، واللّه أعلم
(2)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "قال قال نوح لابنه [إني موصيك بوصية وقاصرها لكي لا
(1)
الحاكم (1/ 48)، وأحمد (6583)، والبخاري في الأدب المفرد (548)، وابن عساكر في التاريخ (62/ 285).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 234 - 235 ترجمة 232).
تنساها أوصيك باثنتين وأنهاك عن اثنتين أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر اللّه بهما وصالح خلقه]، وهما يكثران الولوج على اللّه" قال الحافظ
(1)
: الولوج الدخول وتقدم هذا الحديث.
2382 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللّه الْعَظِيم أسْتَغْفر اللّه وَأَتُوب إِلَيْهِ من قَالهَا كتبت لَهُ كمَا قَالهَا ثمَّ علقت بالعرش لَا يمحوها ذَنْب عمله صَاحبهَا حَتَّى يلقى اللّه يَوْم الْقِيَامَة وَهِي مختومة كمَا قَالهَا رَوَاهُ الْبَزَّار
(2)
. وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا يحيى بن عمر بن مَالك النكري.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان اللّه وبحمده سبحان اللّه العظيم أستغفر اللّه وأتوب إليه" الحديث.
قوله: رواه البزار ورواته ثقات إلا يحيى بن عمرو بن مالك النكري، النكري: هو يحيى بن أبي مالك عمرو بن مالك النكري بضم النون وإسكان الكاف وكسر الراء العبدي البصري، يروي عن أبي الجوزاء روي عنه حمَّاد بن زيد وغيره، مات سنة سبع وعشرين ومائة، انتهي، مذكور في الأنساب
(3)
.
(1)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 119).
(2)
البزار (3081)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 94)، وفيه يحيى بن عمرو بن مالك النكري، وهو ضعيف، وقال الدَّارقُطْنِي: صويلح يعتبر به، وبقية رجاله ثقات.
(3)
اللباب (3/ 324 - 325).
2383 -
وَعَن مُصعب بن سعد رضي الله عنه قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ كنَّا عِنْد رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَيعْجزُ أحدكُم أَن يكْسب كلّ يَوْم ألف حَسَنَة فَسَأَلَهُ سَائل من جُلَسَائِهِ كَيفَ يكْسب أَحَدنَا ألف حَسَنَة قَالَ يسبح مائَة تَسْبِيحَة فتكتب لَهُ ألف حَسَنَة أَو تحط عَنهُ ألف خَطِيئَة رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ
(1)
.
قَالَ الْحميدِي رحمه الله كَذَا هُوَ فِي كتاب مُسلم فِي جَمِيع الرِّوَايَات أَو تحط قَالَ البرقاني وَرَوَاهُ شُعْبَة وَأَبُو عوَانَة وَيحيى الْقطَّان عَن مُوسَى الَّذِي رَوَاهُ مُسلم من جِهَته فَقَالُوا وتحط بِغَيْر ألف انْتهى.
قَالَ الْحَافِظ هَكَذَا رِوَايَة مُسلم وَأما التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَإِنَّهُمَا قَالا وتحط بِغَيْر ألف وَاللّه أعلم.
2384 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لأن أَقُول سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر أحب إِلَيّ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
(2)
.
قوله: وعن مصعب بن سعد رضي الله عنه[مصعب - بضم الميم - ابن سعد بن أبي وقَّاص الزهري، وهو مدنى سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر.
(1)
مسلم (2698)، والترمذي (346)، والنسائي في عمل اليوم والليل (9980)، والحمدي (80)، وأحمد (1496)، وأبو يعلى (723)، وابن حبان (825)، والبيهقي في شعب الإيمان (600)، والطبراني في الدعاء (1702).
(2)
مسلم (2695)، والترمذي (3597)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10671)، وابن حبان (834).
روى عنه مجاهد، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وآخرون. واتفقوا على توثيقه. قال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث. توفي سنة ثلاث ومائة
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيعجز أحدكم أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة" تقدم الكلام على قوله "أيعجز أحدكم" وأن اللغة الفصحى كسر الجيم ومعنى "أن يكسب كلّ يوم ألف حسنة" أي: ألف خصلة حسنة.
قوله: فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة فتكتب له ألف حسنة أو تحط عنه ألف خطيئة" قال الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم في جميع الروايات "أو تحط".
فائدة: الحميدي اسمه عبد الله بن الزبير هو شيخ البخاري ومسنده مجلد واحد والله أعلم.
2385 -
وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أحب الْكَلَام إِلَى الله أَربع سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لا يَضرك بأيهن بدأت رَوَاه مسلم وَابْن مَاجَة وَالنَّسَائِيّ وَزَاد وَهن من الْقُرْآن
(2)
.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
(3)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 95 - 96 ترجمة 577).
(2)
مسلم (2137)، وابن ماجه (3811)، والنسائي في اليوم والليلة (10681)، والنسائي (10683)، وأحمد (20107)، وابن حبان (835).
(3)
النسائي في اليوم والليلة (10677)، وابن حبان (836).
قوله: وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه[جندب بضم الدال وفتحها، هو أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الرحمن، وأبو عبد اللّه، وأبو سليمان، وأبو محمد، سمرة بن جندب بن هلال بن حريج، بحاء مهملة مفتوحة، ثم راء مكسورة، ثم مثناة تحت، ثم جيم، ابن مرة بن حزن بن عمرو بن جابر بن خشين، بخاء مضمومة وشين معجمتين، ابن لأى بن عصم بن شمخ ابن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان الفزارى.
توفى أبوه وهو صغير، فقدمت به أمه المدينة، فتزوجها أنصاري، وكان في حجره حتى كبر، قيل: أجازه النبي صلى الله عليه وسلم في المقاتلة يوم أحد، وغزا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غزوات، ثم سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها إذا سار إلى الكوفة، ويستخلفه على الكوفة إذا سار إلى البصرة، وكان يكون في كلّ واحدة منهما ستة أشهر، وكان شديدا على الخوارج، ولهذا تبغضه الحرورية ومن قاربهم في مذهبهم. وكان الحسن وابن سيرين وفضلاء البصرة يثنون عليه. قال ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير.
روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثًا، اتفاقا منها على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأربعة. روى عنه أبو رجاء العطاردي، وعبد الله بن بريدة، والحسن البصري، والشعبي، وابن سيرين، وابن أبي ليلي، وعلي بن ربيعة، وأبو نضرة، وآخرون.
توفى بالبصرة سنة تسع، وقيل: ثمان وخمسين. وقال البخاري: توفى سمرة بعد أبي هريرة، يقال: آخر سنة تسع وخمسين، ويقال: سنة ستين. وفى
صحيحي البخاري ومسلم، عن سمرة، قال: لقد كنت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غلاما، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعنى من القول إلا أن هاهنا رجالا هم أسن منى
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى اللّه أربع سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر لا يضرك بأيهن بدأت" وزاد النسائي "وهن من القرآن" الحديث، وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما أنفق عبد نفقة أفضل عند اللّه من قول ليس من القرآن وهو من القرآن سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر"
(2)
.
لطيفة: في قوله "سبحان اللّه والحمد للّه واللّه أكبر" الحديث، أعطى اللّه تعالى حملة العرش قوة جميع الخلائق وأمرهم بحمل العرش فحملوه لم يطيقوا فقال لهم اللّه عز وجل قولوا: سبحان اللّه فقالوها فرفعوا بعضه حتى بلغ إلى ركبهم ووضعوا فقال لهم اللّه تعالى قولوا الحمد للّه، فقالوها فرفعوه إلى أوساطهم ووقفوا فقال لهم اللّه عز وجل قولوا لا إله إلا اللّه فقالوها فحملوه على أكتافهم ووقفوا فقال لهم اللّه عز وجل قولوا اللّه أكبر فرفعوه على رءوسهم فرءوسهم ناشبة فيه وأقدامهم على الأرض السفلى
(3)
، أ. هـ.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 235 - 236 ترجمة 233).
(2)
لطائف المعارف (ص 248).
(3)
كنز الدرر (1/ 66).
2386 -
وَعَن رجل من أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أفضل الْكَلَام سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(1)
.
قوله: وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "أفضل الكلام سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر" وتقدم معنى أفضل الكلام.
2387 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مر بِهِ وَهُوَ يغْرس غرسا فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَة مَا الَّذِي تغرس قلت غراسا قَالَ أَلا أدلك على غراس خير من هَذَا سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر تغرس لَك بِكُل وَاحِدَة شَجَرَة فِي الْجنَّة رَوَاهُ ابْن مَاجَة بِإِسْنَاد حسن وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(2)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "ألا أدلك على غراس خير من هذا، سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر تغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة" الحديث، وتقدم له نظائره في المعنى.
(1)
أحمد (16412)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 88)، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1127).
(2)
ابن ماجه (3807)، والحاكم (1/ 512)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3069).
نكتة لطيفة: قال محيي السنة في السنة أن رجلًا مر بأبي الدرداء وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهذه لا تطعم إلا في كذا عام، فقال وما علي أن يكون لي أجرها ويأكل مهنأها غيري
(1)
، وذكر أبو الوفاء البغدادي أنه مر أنو شروان على شيخ يغرس شجر الزيتون ليس هذا أوان غرسك الزيتون وهو شجر بطيء الإثمار فأجاب: غرس من قبلنا فأكلنا ونغرس ليأكل من بعدنا، فقال أنوشروان: زه أي أحسنت وكان إذا قال زه يعطي من قيل له أربعة آلاف درهم فقال: أيها الملك، كيف تتعجب من غرسي وإبطاء ثمري فما أسرع ما أثمرت، فقال: زه فزيد أربعة آلاف أخري، فقال الشيخ: كلّ شجرة تثمر في العام مرة وقد أثمرت شجرتي في ساعة مرتين، فقال: زه فزيد مثلها، ومضى أنوشروان، وقال: إن وقفنا عليه لم يكفه ما في خزائننا
(2)
، أ. هـ.
2388 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لقِيت إِبْرَاهِيم عليه السلام لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّد أقرئ أمتك مني السَّلَام وَأخْبرهمْ أَن الْجنَّة طيبَة التربة عذبة المَاء وَأنَّهَا قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط وَزَاد وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه
(3)
.
(1)
شرح السنة (6/ 151).
(2)
الكواكب الدراري (10/ 148 - 149).
(3)
الترمذي (3462)، والطبراني في الصغير (530)، والأوسط (4170)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5150).
وروياه عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب من هَذَا الْوَجْه من حَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه.
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد اللّه بن مَسْعُود وَعبد الرَّحْمَن هَذَا لم يسمع من أَبِيه وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق هُوَ أَبُو شيبَة الْكُوفِي واه.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضًا بِإِسْنَاد واه من حَدِيث سلمَان الْفَارِسِي وَلَفظه قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن فِي الْجنَّة قيعانا فَأَكْثرُوا من غرسها قَالُوا يَا رَسُول اللّه وَمَا غرسها قَالَ سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر
(1)
.
قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال يا محمد أقرئ أمتك مني السَّلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر" الحديث، والقيعان بكسر القاف جمع قاع وهي الأرض المستوية الواسعة لا نبات بها ولا غراس، وقال ابن فارس: القاع الأرض الملساء
(2)
، قال الأصمعي قاعة الدار ساحتها
(3)
.
تتمة: معشر الأمة وصلت إليكم رسالة من أبيكم إبراهيم عليه السلام مع نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، وعن الحسن قال: الملائكة يعملون لبني آدم بها الجنان يغرسون
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (6105)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 90)، وفيه: الحُسين بن علوان وهو ضعيف.
(2)
مجمل اللغة (ص 738).
(3)
تهذيب اللغة (3/ 23)، والصحاح (3/ 1274)، وشرح النووي على مسلم (15/ 47).
ويبنون فيها فربما أمسكوا فيقال لهم قد أمسكتم:
أرض الجنة لها قيعان
…
والأعمال الصالحة لها عمران
بها تبنى القصور
…
وتغرس أرض الجنان
فإذا تكامل الغراس والبنيان
…
انتقل إليه السكان
وعن الحسن قال: الملائكة يعملون لبني آدم في الجنان يغرسون ويبنون فربما أمسكوا فيقال لهم: قد أمسكتم فيقولون حتى تأتينا النفقات، قال الحسن: فابعثوهم بأبي أنتم وأمي على العمل، قال بعض السلف: بلغني أن دور الجنة تبنى بالذكر فغذا أمسك عن الذكر أمسكوا عن البناء فيقال لهم فيقولون حتى تأتينا نفقة، رأى بعضهم أنه أدخل الجنة وعرض عليه منازله وأزواجه فلما أراد أن يخرج تعلق به أزواجه وقالوا باللّه حسن عملك فكلما حسنت عملك ازددنا نحن حسنا، قاله ابن رجب في اللطائف
(1)
.
2389 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من قَالَ سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر غرس لَهُ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُنَّ شَجَرَة فِي الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَإِسْنَاده حسن لا بَأْس بِهِ فِي المتابعات
(2)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر غرس له بكل واحدة منهن شجرة في الجنة" تقدم له نظائره.
(1)
اللطائف (ص 58 - 59).
(2)
الطبراني في الأوسط (8475)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 91)، ورجاله موثقون.
فائدة: روى عبد الرزاق في كتابه عن معمر عن قتادة، قال قال ناس من فقراء المؤمنين يا رسول اللّه، ذهب أهل الدثور بالأجور يتصدقون ولا نتصدق وينفقون ولا ننفق، فقال:"أرأيتم لو أن مال الدنيا وضع بعضه على بعض أكان بالغا السماء" قالوا: لا يا رسول اللّه، قال:"أفلا أخبركم بشيء أصله في الأرض وفرعه في السماء أن تقولوا دبر كلّ صلاة لا إله إلا اللّه واللّه أكبر وسبحان اللّه والحمد للّه عشر مرات، فإن أصلهن في الأرض وفرعهن في السماء"
(1)
الدثور جمع دثر وهو المال الكثير
(2)
وقد كان بعض الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تختص بالمال وإن الذكر وسائر المعروف صدقة كما في حديث الدثر وكل تسبيحة صدقة
(3)
وسيأتي الحديث في أحاديث الباب.
لطيفة: تصدق بعض الأغنياء بمال كثير فبلغ ذلك طائفة من الصالحين فاجتمعوا في مكان وحسبوا ما تصدق به من الدراهم وصلوا بدل كلّ درهم تصدق به للّه ركعة، هكذا يكون استباق الخيرات والتنافس في علو الدرجات:
كذاك الفخر يا همم الرجال
…
تعالى فانظري كيف التغالي
(4)
(1)
المصنف (3188).
(2)
معالم السنن (1/ 295)
(3)
لطائف المعارف (ص 248).
(4)
لطائف المعارف (ص 249).
2390 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ من هلل مائَة مرّة وَسبح مائَة مرّة وَكبر مائَة مرّة كَانَ خيرا لَهُ من عشر رِقَاب يعتقهن وست بدنات ينحرهن.
وَفِي رِوَايَة وَسبع بدنات رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سَلمَة بن وردان عَنهُ وَهُوَ إِسْنَاد مُتَّصِل حسن
(1)
.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من هلل مائة مرة وسبح مائة مرة وكبر مائة مرة كان خيرا له من عشر رقاب يعتقهن وست بدنات ينحرهن" وفي رواية: "وسبع بدنات" الحديث، البدنة: قال أهل اللغة سميت البدنة لعظمها وتطلق على الذكر والأنثى وتطلق على الإبل والبقر والغنم، هذا قول أكثر اللغة ولكن معظم استعمالها في الأحاديث وكتب الفقه في الإبل خاصة
(2)
، وفي الحديث دليل على أن ما ذبح قربة إلى اللّه تعالى لا يجوز بيع شيء منه
(3)
واللّه أعلم.
قوله: رواه ابن أبي الدنيا عن سلمة بن وردان [ضعف، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، عامة ما عنده عن أنس منكر، وقال معاوية بن صالح عن يحيى ليس حديثه بذاك وحسن الترمذي حديثه].
(1)
البخاري في الأدب المفرد (636).
(2)
النهاية (1/ 108).
(3)
شرح السنة (7/ 188).
2391 -
وَعَن أم هانئ رضي الله عنهما. قالَت مرَّ بِي رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذَات يَوْم فَقلت يَا رَسُول اللّه قد كبرت سني وضعفت أَو كمَا قَالَت فمرني بِعَمَل أعمله وَأَنا جالسة قَالَ سبحي اللّه مائَة تَسْبِيحَة فَإِنَّهَا تعدل لَك مائَة رَقَبَة تعتقينها من ولد إِسْمَاعِيل واحمدي اللّه مائَة تَحْمِيدَة فَإِنَّهَا تعدل لَك مائَة فرس مسرجة ملجمة تحملين عَلَيْهَا فِي سَبِيل اللّه وكبري اللّه مائَة تَكْبِيرَة فَإِنَّهَا تعدل لَك مائَة بَدَنَة مقلدة متقبلة وهللي اللّه مائَة تَهْلِيلَة قَالَ أَبُو خلف أَحْسبهُ قَالَ تملأ مَا بَين السَّمَاء وَالأرْض وَلَا يرفع يَوْمئِذٍ لأحد عمل أفضل مِمَّا يرفع لَك إِلَّا أَن يَأْتِي بِمثل مَا أتيت رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَلم يقل وَلَا يرفع إِلَى آخِره وَالْبَيْهَقِيّ بِتَمَامِهِ.
وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فَجعل ثَوَاب الرّقاب فِي التَّحْمِيد وَمِائَة فرس فِي التَّسْبِيح وَقَالَ فِيهِ وهللي اللّه مائَة تَهْلِيلَة لا تذر ذَنبا وَلَا يسبقها عمل.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَة بمَعْنَاهُ بِاخْتِصَار وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِنَحْوِ أَحْمد وَلم يقل أَحْسبهُ وَرَوَاهُ فِي الأَوْسَط بِإِسْنَاد حسن إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ قَالَت قلت يَا رَسُول اللّه قد كبرت سني ورق عظمي فدلني على عمل يدخلني الْجنَّة قَالَ بخ بخ لقد سَأَلت وَقَالَ فِيهِ وَقَوْلي لا إِلَه إِلَّا اللّه مائَة مرّة فَهُوَ خير لَك مِمَّا أطبقت عَلَيْهِ السَّمَاء وَالأرْض وَلَا يرفع يَوْمئِذٍ عمل أفضل مِمَّا يرفع لَك إِلَّا من قَالَ مثل بها قلت أَو زَاد.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم بِنَحْوِ أَحْمد وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد وَزَاد قولي وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه لا تتْرك ذَنبا وَلَا يشبهها عمل
(1)
.
(1)
أحمد (26911)، والنسائي في اليوم والليلة (10680)، والبيهقي في شعب الإيمان (621)، وابن ماجه (3810)، والطبراني في الكبير (24/ رقم 1008)، وفي الأوسط =
قوله: وعن أم هانئ رضي الله عنهما، أم هانئ بنت أبي طالب، كنيت باسم ابنها واسمها فاختة، وقيل: هند، وقيل: عاتكة، وقيل: فاطمة، وهي أخت علي رضي الله عنه روى لها ستة وأربعون حديثًا خطبها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت: واللّه إني لأحبك في الجاهلية فكيف في الإسلام ولكني امرأة مصبية فسكت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم هانئ: "وسبحي اللّه مائة تسبيحة فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل" تقدم الكلام على ذلك في الباب قبله.
قوله: "وكبري اللّه مائة تكبيرة فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة" البدنة تقدم الكلام عليها في الحديث قبله.
قوله: "وهللي اللّه مائة تهليلة" أي: قولي لا إله إلا اللّه، قال أبو خلف: أحسبه قال تملأ ما بين السماء والأرض" الحديث، قال سلمان الفارسي وغيره من الصحابة والتابعين: إن الذكر أفضل من الصدقة بعدده من المال، وعن أبي الدرداء قال: لأن أقول لا إله إلا اللّه واللّه أكبر مائة مرة أحب إليّ من من أن أتصدق بمائة دينار.
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية الطبراني
(1)
: "بخ بخ "تقدم الكلام عليه في الصوم وغيره.
= (6313)، والحاكم (1/ 513)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 92)، رواه أحمد والطبراني في الكبير، ولم يقل أحسبه، ورواه في الأوسط، وأسانيدهم حسنة.
(1)
سبق تخريجه.
2392 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من قَالَ سُبْحَانَ اللّه وَبِحَمْدِهِ كَانَ مثل مائَة بَدَنَة إِذا قَالهَا مائَة مرّة وَمن قَالَ الْحَمد للّه مائَة مرّة كَانَ عدل مائَة فرس مسرج ملجم فِي سَبِيل اللّه وَمن قَالَ اللّه أكبر مائَة مرّة كَانَ عدل مائَة بَدَنَة تنحر بِمَكَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ ورواة إِسْنَاده رُوَاة الصَّحِيح خلا سليم بن عُثْمَان الفوزي يكْشف حَاله فَإِنَّهُ لا يحضرني الْآن فِيهِ جرح وَلَا عَدَالَة
(1)
.
قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى الحديث
(2)
.
قوله: ورواة إسناده رواة الصحيح خلا سليم
(3)
.
2393 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رضي الله عنهما عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن اللّه اصْطفى من الْكَلَام أَرْبعا سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر فَمن قَالَ سُبْحَانَ اللّه كتبت لَهُ عشرُون حَسَنَة وحطت عَنهُ عشرُون سَيِّئَة وَمن قَالَ اللّه أكبر فَمثل ذَلِك وَمن قَالَ لا إِلَه إِلَّا اللّه فَمثل ذَلِك وَمن قَالَ الْحَمد للّه رب الْعَالمين من قبل نَفسه كتبت لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَة وحطت عَنهُ ثَلَاثُونَ سَيِّئَة رَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكم بِنَحْوِهِ وَقَالَ صحِيح على شَرط مُسلم.
وَالْبَيْهَقِيّ وَفِي آخِره وَمن أَكثر ذكر اللّه فقد برئ من النِّفَاق
(4)
.
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (7534).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سبق.
(4)
أحمد (8012)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10676)، والحاكم (1/ 512).
قوله: وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه اصطفى من الكلام أربعا" أي: اختار وأستخلص، وفي أثر عن ابن عمرو قال: سبحان اللّه هي صلاة الخلق والحمد للّه كلمة الشكر ولا إله إلا اللّه كلمة الإخلاص تملأ ما بين السماء والأرض وإذا قال العبد لا حول ولا قوة إلا باللّه قال اللّه أسلم عبدي واستسلم
(1)
وأشار ابن عمر بقوله إنها صلاة الخلق إلى قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}
(2)
أ. هـ.
ولما عظم قدر الحمد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان اللّه كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة، فإذا قال اللّه أكبر فمثل ذلك وإذا قال لا إله إلا اللّه فمثل ذلك، وإذا قال الحمد للّه رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة ومحيت عنه ثلاثون سيئة"
(3)
فجعل ثواب الحمد مضاعفا على سائر الأذكار، وقد اختلف العُلماء في أي الكلمتين أفضل كلمة الحمد أم كلمة
(1)
عبد الرزاق في المُصَنّف (20579)، والطبرى في التفسير (14/ 606 - 607)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 17).
(2)
سورة الإسراء، الآية:44.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 104 (29827)، وأحمد 2/ 302 (8012) و 2/ 310 (8093) و 3/ 35 (11304) و 3/ 37 (11327) والبزار (3074 - كشف الأستار)، والنسائي في اليوم والليلة (840) والكبرى (10608)، والطبراني في الدعاء (1681)، والحاكم 1/ 512.
قال البزار: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد، وأبو صالح الحنفي، اسمه: ماهان، ولا نعلم روى عنه إلا أبو سنان، وهو عابد ثقة. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1554).
التهليل وقد حكي هذا الاختلاف ابن عبد البر وغيره وقال النخعي كانوا يرون أن الحمد أكثر تضعيفا، وقال الثورى: ليس يضاعف من الكلام مثل الحمد للّه والحمد يتضمن إثبات جميع أنواع الكمال للّه فيدخل فيه التوحيد
(1)
.
قوله: "من قبل نفسه" أي: صادقا للثناء لربه دون سبب يطرأ عليه ولا منة تتوجه إليه إلا كما يستحقه الرب جل جلاله من الحمد فبهذا يكون ثوابها مضاعفا على سائر الأذكار، أ. هـ.
وقال بعضهم قوله: "من قبل نفسه" أي: من غير إكراه ولا إجبار
(2)
.
قال ابن رجب: وقد روي هذا الحديث عن كعب من قوله وقيل إنه أصح من المرفوع
(3)
واللّه أعلم.
2394 -
وَعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الطّهُور شطر الإِيمَان وَالْحَمْد للّه تملأ الْمِيزَان وَسُبْحَان اللّه وَالْحَمْد للّه تملآن أَو تملأ مَا بَين السَّمَاء وَالأرْض وَالصَّلَاة نور وَالصَّدَقَة برهَان وَالصَّبْر ضِيَاء وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك كلّ النَّاس يَغْدُو فبائع نَفسه فمعتقها أَو موبقها رَوَاهُ مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ
(4)
.
(1)
جامع العلوم والحكم (2/ 20 - 21).
(2)
مبارق الأزهار (1/ 456).
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 21).
(4)
مسلم (223)، والترمذي (3517)، وأحمد (22902)، وابن ماجة (280)، والدارمي (679)، وابن حبان (844)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1718).
قوله: وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان" المراد بالطهور الوضوء، وأصل الوضوء من الوضاءة وهي الحسن والنظافة وسمي وضوء الصلاة وضوءا لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه وكذلك الطهارة أصلها النظافة والتنزه.
قوله: "شطر الإيمان" يحتمل أن يكون معناه: الطهارة شطر الصلاة فإن الإيمان ورد في كتاب اللّه تعالى بمعنى الصلاة قال اللّه تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}
(1)
أي صلاتكم إلى بيت المقدس فالشطر النصف والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا، وهذا القول أقرب الأقوال، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شرطان للإيمان والطهارة متضمنة للصلاة فهي انقياد في الظاهر
(2)
واللّه أعلم.
ويحتمل أنه جعله شطر الإيمان على وجه الاتساع لأن الإيمان هو الداعي إلى الصلاة والباعث عليها والطهور هو السبيل إليها ولأن الطهور يطهر الأعضاء الظاهرة عن الأحداث كما أن الإيمان يطهر القلب عن الشرك فهي طهارتان إحداهما تختص بالظاهر والأخرى بالباطن
(3)
.
(1)
سورة البقرة، الآية:143.
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 100 - 101).
(3)
إحياء علوم الدين (1/ 126)، وشرح الأربعين (ص 68 - 69) للنووي، والمفاتيح (1/ 346) والتحفة الربانية (ص 50).
قوله صلى الله عليه وسلم: "والحمد للّه تملأ الميزان" أي: التلفظ بهذه الكلمة يملأ ميزان قائلها
(1)
، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وسبحان اللّه والحمد للّه تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض" ضبطناه بالتاء المثناة من فوق، وفي (تملأن وتملأ) وهو صحيح والأول ضمير مؤنثين اثنتين، والثاني ضمير هذه الجملة من الكلام، قال صاحب التحرير: يجوز في تملأن التأنيث والتذكير جميعا فالتأنيث على ما ذكرنا، والتذكير على إرادة النوعين من الكلام أو الذكر يوشك الراوي في أنه عليه السلام قال:"تملأن أو تملأ" فعلى الرِّواية "تملأن" ثنى الضمير لأنهما شيئان وعلى رواية "تملأ" معناه تملأ كلّ واحدة من هذين اللفظين قال: وأما "تملأ" فمذكر على إرادة الذكر، وأما معناه يحتمل أن يقال لو قدر ثوابهما أجساما لملأت تلك الأجسام كفة الحسنات وملأت ما بين السموات والأرض كلّ ذلك عبارة عن فور الثواب وسبب عظم فضلهما ما اشتملنا عليه من التنزيه للّه تعالى بقوله والحمد للّه سبحان اللّه والتفويض والافتقار إلى اللّه تعالى بقوله الحمد للّه
(3)
واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والصلاة نور" فمعناه أنها تمنع من المعاصي كما أن النور
(1)
المفاتيح (1/ 346).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 101).
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 101).
يستضاء به، وقيل: الصلاة نور يعني للمصلي في الدنيا والعقبى إما في الدنيا فإنه يهتدي بها من ظلمات الهوى إلى سعة أنوار الهدي، قال اللّه تعالى إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وأما في الآخرة فهي نور يسعي بين يديه يهتدي بها إلى الوصول إلى أعلاء المقامات، وقيل: معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة، وقيل: معناه أنها تكون نورًا ظاهرًا على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضًا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والصدقة برهان" قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول: تصدقت به، قيل: ويجوز أن يوسم المتصدق بسيما يعرف بها فتكون برهانا له على حاله ولا يئل عن مصرف ماله، وقال عن صاحب التحرير: ومعناه أن الصدقة حجة على إيمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها، فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه
(2)
واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء" فمعناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة اللّه تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضًا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا، والمراد أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئًا مهتديا مستمرًا على الصواب، قال إبراهيم الخواص: الصبر هو الثبات على
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 101).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 101).
الكتاب والسنة، وقال ابن عطاء الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب وقال الأستاذ أبو علي الدقاق: حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور فإما إظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر قال اللّه تعالى {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}
(1)
مع أنه قال {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ}
(2)
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك" فمعناه ظاهر أي تنتفع به أن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك، وقال الإمام القرطبي في كتابه التذكار: القرآن حجة لمن عمل به واتبع ما فيه وحجة لمن لم يعمل به ولم يتبع ما فيه، وخرج ابن شاهين عن عمرو بن شعيب عن أبي عن جدّه قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي القرآن إلى الذي حمله فأطاعه في صورة حسنة فيأخذ بيده حتى يأتي ربه عز وجل فيصير خصيما من دونه فيقول أي رب حفظته إياي خير حامل حفظ حدودي وعمل بفرئضي وعمل بطاعتي واجتنب معصيتي فلا يزال يقذف دونه بالحجج حتى يقال له فشأنك به" قال: "فيأخذ بيده لا يدعه حتى يسقيه بكأس الخلد ويتوجه تاج الملك".
قال: "ويأتي صاحبه الذي حمله فأضاعه فيأخذ بيده حتى يأتي به ربه عز وجل فيصير له خصيما فيقول يا رب حملته إياي فشر حامل ضيع حدودي وترك فرائضي واجتنب طاعتي وعمل بمعصيتي فلا يزال يقذف عليه
(1)
سورة ص، الآية:44.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:83.
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 101 - 102).
بالحجج حتى يقال له فشأنك به فيأخذ بيده فلا يدعه حتى يكبه على منخره في نار جهنم"
(1)
أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كلّ الناس يغدو فبائع نفسه" معناه كلّ إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها للّه تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبعيها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها بسخط اللّه عز وجل
(2)
،
2395 -
وَعَن رجل من بني سليم قَالَ عدهن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فِي يَدي أَو فِي يَده قَالَ التَّسْبِيح نصف الْمِيزَان وَالْحَمْد للّه تملؤه وَالتَّكبِير يمْلأ مَا بَين السَّمَاء وَالأرْض وَالصَّوْم نصف الصَّبْر وَالطهُور نصف الإِيمَان رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن
(3)
.
وَرَوَاهُ أَيْضًا من حَدِيث عبد اللّه بن عَمْرو بِنَحْوِهِ وَزَاد فِيهِ وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه لَيْسَ لَهَا دون اللّه حجاب حَتَّى تخلص إِلَيْهِ
(4)
.
قوله: وعن رجل من بني سليم، بنو سليم: اسم قبيلة [نسبة إلى سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر وهي قبيلة مشهورة والمنتسب إليها لا يحصون منهم مجاشع بن مسعود السلمي والعرباض بن سارية السلمي والعباس بن مرداس السلمي روى عن عثمان وعلي رضي الله عنهما روى
(1)
التذكار (ص 69 - 70).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 102).
(3)
الترمذي (3519)، وأحمد (18287)، والدرامي (680)، والبيهقي في شعب الإيمان (631)، والطبراني في الدعاء (1734).
(4)
الترمذي (3518)، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3228)
عنه الناس وأبو عبد الرحمن محمد بن الحُسين بن محمد بن موسى السلمي الصوفي وهو ابن بنت أبي عمرو بن نجيد السلمي له تصانيف في علوم الصوفية لم يسبق إليها وكان مكثرا من الحديث روى عنه الحاكم أبو عبد اللّه ومات قبله بسبع سنين وتوفي ثالث شعبان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة بنيسابور
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح نصف الميزان والحمد للّه تملؤه والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض والصوم نصف الصبر والطهور نصف الإيمان" تقدم الكلام على الألفاظ في الحديث قبله وفي غيره وتقدم الكلام على قوله "والصوم نصف الصبر" في كتاب الصيام.
2396 -
وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عليه وسلم يَا رَسُول اللّه ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ يصلونَ كَمَا نُصلي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُوم وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُول أَمْوَالهم قَالَ أوليس قد جعل اللّه لكم مَا تصدقُونَ بِهِ إِن بِكُل تَسْبِيحَة صدَقَة وكل تَكْبِيرَة صدَقَة وكل تَحْمِيدَة صدَقَة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ صدَقَة وَنهي عَن مُنكر صَدَقَة وَفِي بضع أحدكُم صَدَقَة قَالُوا يَا رَسُول اللّه أَيَأتِي أَحَدنَا شَهْوَته وَيكون لَهُ فِيهَا أجر قَالَ أَرَأَيْتُم لَو وَضعهَا فِي حرَام كَانَ عَلَيْهِ وزر فكَذَلِك إِذا وَضعهَا فِي الْحَلَال كَانَ لَهُ أجر رَوَاهُ مسلم وَابْن مَاجَة
(2)
.
الدُّثُور بِضَم الدَّال جمع دثر بِفَتْحِهَا وَهُوَ المَال الْكثير.
والبضع بِضَم الْمُوَحدَة هُوَ الْجِمَاع وَقيل هُوَ الْفرج نَفسه.
(1)
اللباب (2/ 128 - 129).
(2)
مسلم (1006)، وابن ماجة (927)، وأحمد (21473)، وابن حبان (838)، والبخاري في الأدب المفرد (227).
قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: "أن ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول اللّه ذهب أهل الدثور بالأجور" الدثور جمع دثر وهو المال الكثير قاله المنذري.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أوليس قد جعل اللّه لكم ما تصدقون به" الرواية فيه بتشديد الصاد والدال جميعا، ويجوز في اللغة تخفيف الصاد أي: ما تتصدقون به.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة" قال النووي
(1)
: فرويناه بوجهين رفع صدقة ونصبه فالرفع على الاستئناف والنصب عطف على أن بكل تسبيحة صدقة، قال القاضي عياض
(2)
: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجرا كما أن للصدقة أجرا وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام، وقيل: معناه أنها صدقة على نفسه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة" فيه إشارة إلى ثبوت حكم الصدقة في كلّ فرد من أفراد الْأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أكثر منه في التسبيح والتحميد والتهليل لأن الْأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وزقد يتعين ولا يتصور وقوعه نفلا والتسبيح والحميد والتهليل نوافل، ومعلوم أن أجر الفرض أكثر من أجر النفل لقوله تعالى في الحديث: "وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 91).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 526).
عليه" رواه البخاري من رواية أبي هريرة وقد قال إمام الحرمين من أصحابنا: عرف بعض العُلماء أن ثواب الفرض يزيد علي ثواب النافلة بسبعين درجة واستأنسوا فيه بحديث واللّه أعلم، قاله النووي
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة" الحديث، البضع هي الجماع، وقيل: الفرج نفسه، أ. هـ، قاله المنذري.
وكلاهما تصح إرادته هنا
(2)
، وهو بضم الباء والبضع المباضعة اسم للجماع أيضًا والبضع أيضًا مهر المرأة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "استأمروا النساء في أبضاعهن" قال الأصمعي: يقال ملك فلان بضع فلانه إذا ملك عقد نكاحها وهو كناية عن موضع الغشيان والمباضعة المباشرة والاسم البضع
(3)
، وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصالحات والجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر اللّه تعالى به أو طلب ولدا صالحا أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة ومنعها جميعا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به أو مكابدة المشاق بالصبر أو غيره ذلك من المقاصد الصالحة
(4)
.
قوله: قالوا يا رسول اللّه أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، إلى قوله: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر، وفي هذا الحديث فضيلة التسبيح
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 92).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 92).
(3)
الغريبين (1/ 186).
(4)
شرح النووي على مسلم (7/ 92).
وسائر الأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضار النية في المباحات وذكر العالم دليلا لبعض المسائل التي تخفي، وتنبيه المفتي على مختصر الأدلة وجواز سؤال المستفتي عن بعض ما يخفي من الدليل إذا علم من حال المسؤل أنه لا يكره ذلك ولم يكن فيه سوء أدب واللّه أعلم
(1)
.
فائدة: في رواية الإمام أحمد
(2)
مطولة وفيها "ولك في جماع زوجك أجر، قلت: كيف يكون لي أجر في شهوتي، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره فمات أكنت تحتسب به قلت: نعم" الحديث، فظاهر هذا السياق يقتضي أنه يؤجر على جماعه لأهله بنية طلب الولد الذي يترتب الأجر على تربيته وتأديبه وحياته ويحتسبه عند موته وأما إذا لم ينو شيئًا فقضى شهوته، فهذا قد تنازع الناس في دخوله في هذا الحديث
(3)
، واللّه أعلم.
2397 -
وَعَن أبي سلمى رضي الله عنه راعي رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول بخ بخ لخمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان لا إِلَه إِلَّا اللّه وَسُبْحَان اللّه وَالْحَمْد للّه وَاللّه أكبر وَالْولد الصَّالح يتوفى للمرء الْمُسلم فيحتسبه رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَصححهُ
(4)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 93).
(2)
سبق تخريجها.
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 62).
(4)
النسائي في عمل اليوم والليلة (9995)، وابن حبان (833)، الحاكم (1/ 511)، والطبراني في الكبير (22/ رقم 873)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2817).
وَرَوَاهُ الْبَزَّار بِلَفْظِهِ من حَدِيث ثَوْبَان وَحسن إِسْنَاده
(1)
.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث سفينة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح
(2)
.
قوله: وعن أبي سلمى رضي الله عنه راعي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأبو سلمى قيل اسمه حريث، قال بقي بن مخلد الأندلسي له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان، وقال البرقي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديث واحد وليس كما قال، فقد روي له ابن ماجه في الدعاء من سننه حديث "ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح رضيت باللّه ربا" الحديث وأبو سلام هو [ممطور] الحبشي وليس هو من بلاد الحبشة ولكن منسوب إلى حبشي حي من [حمير] وقيل: من خثعم
(3)
أ. هـ.
قوله: "بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان" تقدم الكلام على ذلك في كتاب الصيام وغيره.
قوله: ورواه الطبراني في الأوسط
(4)
من حديث سفينة هو صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مولاه يقال اسمه مهران بن فروخ ويقال اسمه نجران وقيل عمير، وقيل: رومان، وقيل: قيس، وقيل: سفينة، بإسكان النون بعد السين وبعدها
(1)
البزار (3072)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 88)، رواه البزار وحسن إسناده، إلا أن شيخه العبَّاس بن عبد العظيم لم أعرفه.
(2)
الطبراني في الأوسط (5152)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 88)، ورجاله رجال الصحيح.
(3)
سلاح المؤمن (ص 75 - 76).
(4)
سبق تخريجها.
باء موحّدة كنيته المشهورة أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو البخترى قيل سبب تسميته سفينة أنه حمل متاعا كثيرًا لرفقته في الغزو فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "أنت سفينة"
(1)
.
2398 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ خلق كلّ إِنْسَان من بني آدم على سِتِّينَ وثلاثمائة مفصل من كبر اللّه وَحمد اللّه وَهَلل اللّه وَسبح اللّه واستغفر اللّه وعزل حجرا عَن طَرِيق الْمُسلمين أَو شَوْكَة أَو عظما عَن طَرِيق الْمُسلمين أَو أَمر بِمَعْرُوف أَو نهى عَن مُنكر عدد تِلْكَ السِّتين والثلاثمائة فَإِنَّهُ يُمْسِي يَوْمئِذٍ وَقد زحزح نَفسه عَن النَّار قَالَ أَبُو تَوْبَة وَرُبَّمَا قَالَ يمشي يَعْنِي بالشين الْمُعْجَمَة رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ
(2)
.
قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خلق كلّ إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل" الحديث، المفصل بفتح الميم وكسر الصاد وتقدم الكلام عليه في الوضوء أو كتاب الصلاة، وقد ذكر علماء الطب أن جميع عظام البدن مائتان وثمانية وأربعون عظما سوى السمسمانيات، وبعضهم يقول هي ثلاثمائة وستون عظما يظهر منها للحس مائتان وخمسة وستون عظما والباقية صغار لا تظهر تُسمّى السمسمانية وهذه الأحاديث تصدق على هذا القول ومعنى الحديث أن تركيب هذه العظام وسلامتها من أعظم نعم اللّه على عبده فيحتاج كلّ
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 225 ترجمة 217).
(2)
مسلم (1007)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10673).
عضو منها إلى صدقة يتصدق ابن آدم عنه فيكون ذلك شكرا لهذه النعمة وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في الصلاة واللّه أعلم. ذكره ابن رجب الحنبلي
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه يمسي يومئذ" قال أبو توبة: وربما قال "يمشي" يعني بالشين المعجمة، ا. هـ.
ووقع لأكثر رواة مسلم الأول "يمشي" بفتح الياء والشين المعجمة، والثاني بضمها وبالسين المهملة ولبعضهم عكسه وكلاهما صحيح، وأما قوله في رواية الدارمي
(2)
وقال: "فإنه يمسي يومئذ" فبالمهملة لا غير وأما قوله في حديث أبي بكر بن نافع وقال: "فإنه يمسي يومئذ" فبالمعجمة لا غير باتفاقهم
(3)
.
تنبيه: قوله "أبو توبة" أبو توبة هذا أحد رواة الحديث واسمه الربيع بن نافع ذكره النووي في شرح مسلم
(4)
واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وقد زحزح نفسه عن النار" أي: باعدها.
2399 -
وَعَن ابْن أبي أوفى رضي الله عنه قَالَ قَالَ أَعْرَابِي يَا رَسُول اللّه إِنِّي قد عَالَجت الْقُرْآن فَلم أستطعه فعلمني شَيْئًا يجزئ من الْقُرْآن قَالَ قل سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه
(1)
جامع العلوم والحكم (2/ 74).
(2)
سبق تخريجها.
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 93 - 94).
(4)
شرح النووي على مسلم (7/ 93).
وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر فَقَالهَا وأمسكها بأصابعه فَقَالَ يَا رَسُول اللّه هَذَا لرَبي فَمَا لي قَالَ تَقول اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني وَعَافِنِي وارزقني وَأَحْسبهُ قَالَ واهدني وَمضى الْأَعرَابِي فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ذهب الْأَعرَابِي وَقد مَلأ يَدَيْهِ خيرا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة عَن إِبراهِيم السكْسكِي عَنهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُخْتَصرا وَزَاد فِيهِ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه وَإِسْنَاده جيد
(1)
.
قوله: وعن ابن أبي أوفى رضي الله عنه، وابن أبي أوفى اسمه عبد اللّه واسم أبي أوفى [علقمة] بن خالد الأسلمي أبو إبراهيم، وقيل: أبو محمد وقيل غير ذلك، ولابنه صحبة ولأخيه، شهد بيعة الرضوان وله عدة أحاديث نزل الكوفة، ومات سنة ست وثمانين وقيل سنة تسع، وقيل ثمان وهو آخر من مات بها من الصحابة
(2)
وتقدم الكلام عليه في الآذان وفي غيره مبسوطا.
قوله: قال أعرابي: يا رسول اللّه إني قد عالجت القرآن فلم أستطعه، الأعرابي: بفتح الهمزة هو الذي يسكن البادية.
قوله: فعلمني شيئًا يجزئ من القرآن، الحديث، فيجزئ بفتح الياء وسكون الجيم يغير همز أي يكفي ومنه قوله تعالى:{لَا يَجْزِي وَالِدٌ}
(3)
ويجوز ضمها من الإجزاء وأراد بالقرآن الفاتحة.
(1)
البيهقي (2/ 381)، وأحمد (19110)، وأبو داود (832)، وابن خزيمة (544)، وابن حبان (1809)، والحاكم (1/ 241).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 261).
(3)
سورة لقمان، الآية:33.
قوله: رواه ابن أبي الدنيا
(1)
عن الحجَّاج بن أرطاة.
فائدة: الحجَّاج بن أرطاة، بفتح الهمزة هو أبو أرطأة الحجَّاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة بن شراحيل بن كعب بن سلامان بن عامر بن حارثة بن سعد بن مالك بن النخعي الكوفي الفقيه أحد الأئمة في الحديث والفقه وهو من تابعي التابعين، سمع عطاء والشعبي والزهري وقتادة وغيرهم من التابعين وثقه شعبة وقليلون وكان بارعا في الحفظ والعلم، قال النووي
(2)
: وروينا عن سفيان الثوري أنه قال لطلبة العلم عليكم بالحجاج فما بقي أحد أعرق بما يخرج من رأسه منه، قال: وما رأيتُ أحفظ منه، وكان قاضي البصرة توفي بالري [قاله النووى
(3)
].
قوله: عن إبراهيم السكسكي عنه [هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسماعيل السكسكي، أبو إسماعيل الكوفي، مولى صخير قال أحمد ضعيف وقال النسائي ليس بذاك القوي ولينه شعبة وأخرج له البخاري، وقال ابن عدي لم أر له حديثًا منكرا].
2400 -
وَعَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَلمنِي كلَاما أقوله قَالَ قل لا إِلَه إِلَّا اللّه وَحده لا شريك لَهُ وَاللّه أكبر كبِيرا وَالْحَمْد للّه كثيرًا وَسُبْحَان اللّه رب الْعَالمين وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه
(1)
سبق تخريجها.
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 153).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 152 - 153 ترجمة 112).
الْعَزِيز الْحَكِيم قَالَ هَؤُلاءِ لرَبي فَمَا لي قَالَ قل اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحمني واهدني وارزقني وَزَاد من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ وَعَافني وَفِي رِوَايَة قَالَ فَإِن هَؤُلاءِ تجمع لَك دنياك وآخرتك رَوَاهُ مُسلم
(1)
.
قوله: وعن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال علمني كلاما أقوله، الحديث، تقدم الكلام على الأعرابي مرارا.
2401 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه: قَالَ جَاءَ رجل بدوي إِلَى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول اللّه عَلمنِي خيرا قَالَ قل سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر قَالَ وَعقد بِيَدِهِ أَرْبعا ثمَّ ذهب فَقَالَ سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر ثمَّ رَجَعَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُول اللّه تَبَسم وَقَالَ تفكر البائس فَقَالَ يَا رَسُول اللّه سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر هَذَا كُله للّه فَمَا لي فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِذا قلت سُبْحَانَ اللّه قَالَ اللّه صدقت وَإِذا قلت الْحَمد للّه قَالَ اللّه صدقت وَإِذا قلت لا إِلَه إِلَّا اللّه قَالَ اللّه صدقت وَإِذا قلت اللّه أكبر قَالَ اللّه صدقت فَتَقول اللَّهُمَّ اغْفِر لي فَيَقُول اللّه قد فعلت فَتَقول اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي فَيَقُول اللّه قد فعلت وَتقول اللَّهُمَّ ارزقني فَيَقُول اللّه قد فعلت قَالَ فعقد الأعرَابِي سبعا فِي يَده رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ
(2)
.
وَهُوَ فِي الْمسند وَسنَن النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ
(3)
.
(1)
مسلم (2696).
(2)
البيهقي في شعب الإيمان (619).
(3)
النسائي في عمل اليوم والليلة (9860).
قوله: وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: جاء رجل بدوي إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام على البدوي.
قوله: فلما رآه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تبسم وقال: "تفكر البائس" البائس: هو الذي عليه أثر البؤس، وهو: الفقر والقلة نعوذ باللّه منهما
(1)
.
قوله: علمني كلاما أقوله، قال:"قل لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له اللّه أكبر كبيرا والحمد للّه كثيرا وسبحان اللّه بكرة وأصيلا رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا باللّه العزيز الحكيم" الحديث، وفيه إشارة إلى التحريض على ذكر اللّه تعالى بالألفاظ التي علمه إياها أولا وعلى الدعاء بالألفاظ التي علمه إياها ثانيا، فجعل التهليل والتكبير والتسبيح والحول والقوة للّه تعالى وجعل طلب المغفرة والرحمة والهدى والرزق للعبد ولذلك بعدما علمه الألفاظ الأولى هؤلاء لربي وأقره على ذلك وإقراره عليه الصلاة والسلام على الشيء دليل على [صحته]، وهذا يدلّ على أن الثناء على اللّه تعالى لا يكتفي به عن المسألة لأن الثناء عليه يقصد به تحصيل مثوبته مطلقا والدعاء يتعين به مطلوب الداعي وقد قال اللّه عز وجل:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}
(2)
الآية، ينبغي للداعي أن يبتدأ بالثناء على اللّه عز وجل والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم يدعوا كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يدعو لم يحمد اللّه ولم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال عجل هذا ثم دعاه فعلمه وقد احتج ابن عيينة في
(1)
شرح النووي على مسلم (11/ 79).
(2)
سورة غافر، الآية:60.
الاكتفاء عن المسألة بالثناء بحديث مالك بن الحارث "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" وأنشد قول الشاعر:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
…
وفاؤك إن شيمتك الوفاء
إذا أثنى عليك المرء يوما
…
كفاه من تعرضه الثناء
وطريق الجمع بينهما هو أنه إذا أشغل نفسه بالثناء قاصدا به التعرض للدعاء [قام] مقامه وناب منابه وكان أبلغ منه وإن قصد الثناء لثوابه كان له ثوابه ولم يدلّ بمطلقه على أن له مطلق ما معينا دنيويا كان أو أخرويا ولهذا قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء لربي فما لي أي إن هؤلاء الكلمات تتضمن تعظيم الرب عز وجل فما يكون مطلوبي فعلمه الكلمات الأخر، ومعنى قوله سبحان اللّه أي تنزيه اللّه.
قوله: "ولا حول ولا قوة إلا باللّه" وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة كنزا من كنوز الجنة في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى هل أدلك على كنز من كنوز الجنة فذكرها وبإجماع المسلمين على إطلاقها يستدل على المعتزلة في قولهم أن أفعال العبد مخلوقة لهم واللّه تعالى خالق كلّ شيء كما قال سبحانه وتعالى ممتدحا {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}
(1)
، تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرًا واللّه تعالى أعلم قاله في الديباجة
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ولا حول ولا
(1)
سورة فاطر، الآية:3.
(2)
كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، لا يزال مخطوطًا كما سبق الإشارة إلى هذا.
قوة إلا باللّه" وقد اختلف العُلماء رضي الله عنهم في وجوب الذكر لمن لم يحسن شيئًا من القرآن في الصلاة فقال أبو حنيفة ومالك لا يجب، وذهب الشافعي وأحمد إلى وجوب الذكر إذا عجز المصلي عن قراءة الفاتحة بالعربية وتعليمها أو تلقينها بسبع آيات لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر كما أمرك اللّه فإن كان معك قرآن فاقرأ أولا فاحمد اللّه تعالى وهلل وكبر والمعنى فيه أن القرآن بالقرآن أشبه، وإذا أوجبنا سبع آيات لأن هذا العدد مرعي في الفاتحة لأنه السبع المثاني، قال الشافعي: ثمان آيات لتكون الآية الثامن بدلا عن السورة وأن تكون الآيات متوالية لأنه أشبه بالفاتحة فإن عجز فمتفرقة ولا المقدور عليه، قال النووي في المنهاج
(1)
: الصحيح المنصوص جواز المتفرقة أي من سورة أو سورة مع حفظه متوالية، فإن عجز عن المتوالية والمتفرقة أتى بالذكر المذكور في هذا الحديث وهو سبحان اللّه والحمد للّه إلى اَخره، ويضيف إلى ذلك كلمتين من الذكر ليكمل سبعا وعلى هذا فالأولى أن يكون ما شاء اللّه كان وما لم يشأ لم يكن لأنهما رويا في بعض الأخبار، وقيل: لا يلزمه أن يضيف إلى الكلمات لأنه صلى الله عليه وسلم اقتصر عليهم لما سئل عما يجزئ من القرآن ولأنه بدل من غير الجنس ولا يتعين هذا الذكر كما في القنوت ونحوه، فإنه يحصل بما في معناه ولكن لابد من سبعة بعدد حروف الفاتحة، وقال الرافعي: الأقرب سبعة أنواع من الذكر ليكون كلّ نوع مقام آية والحديث يرد ذلك لاقتصاره على ما
(1)
منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه (ص: 26).
ذكر، ولو دعا بدله قال النووي في التحقيق
(1)
الأقوى إجزاء دعاء محض يتعلق بالآخرة وكذا قال الإمام والغزالي وخالفهم السبكيين ولا يتعين الذكر المذكور في الحديث وهذا هو المرجح وفي كلّ وقت يجب عليه أن يتعلم الفاتحة ولا تسقط إلا بالعجز ومن لم يحسن شيئًا أو ضاق الوقت عن التعلم وقف بقدر قراءة الفاتحة عندنا وفي هذا الحديث وجوب الفاتحة في الصلاة، فإن أحسن بعض الفاتحة ولم يحسن بدلا وجب تكرير ما أحسنه قدر الفاتحة وإلا فالأصح أن يأتي به ويبدل الباقي فلو أحسن النصف الثاني من الفاتحة أتى بالذكر بدلا عن الأول ثم يأتي بالنصف الباقي فلو عكس لم يجزئ على الأصح الصحيح
(2)
واللّه أعلم.
[وفي هذا خروج عن الحديث بالكلية، والمختار: أنه لا يقوم مقام الذكر و] يشترط في الذكر المأتي به أن لا يقصد به غير البدلية، وفي اشتراط قصد البدلية وجهان أصحهما لا يشترط ولو أتى بدعاء الاستفتاح والتعوذ وقصد به البدلية أجزأه عن الفاتحة وإن لم يقصد شيئًا أجزأه على الأصح
(3)
واللّه أعلم.
قوله: قال يا رسول اللّه هذا لربي، فما لي؟ قال: "تقول اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني، وفي حديث رواه الحاكم: الخمس المذكورة في حديث ابن أبى أوفي، وفي حديث سعد بن أبي وقَّاص الذي يأتي
(1)
التحقيق (ص 205).
(2)
انظر التحقيق (ص 204 - 205)، وعمدة السالك (ص 49)، والنجم الوهاج (2/ 121).
(3)
النجم الوهاج (2/ 121).
بعده هذا، وزاد الحاكم "واجبرني وارفعني" هذه الألفاظ السبعة رواها الحاكم بإسناد صحيح وذكرها النووي
(1)
في منهاجه فقال: ويجلس بين سجدتيه مطمئنا قائلا رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني.
قوله: "وارزقني" والأرزاق نوعان ظاهرة للأبدان كالأقوات، وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم
(2)
، أ. هـ.
2402 -
وَعَن سلمى أم بني أبي رَافع رضي الله عنهما مولى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول اللّه أَخْبرنِي بِكَلِمَات وَلَا تكْثر عَليّ فَقَالَ قولي اللّه أكبر عشر مَرَّات يَقُول اللّه هَذَا لي وَقَوْلِي سُبْحَانَ اللّه عشر مَرَّات يَقُول اللّه هَذَا لي وَقَوْلِي اللَّهُمَّ اغْفِر لي يَقُول قد فعلت فتقولين عشر مَرَّات وَيَقُول قد فعلت رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(3)
.
قوله: وعن سلمى أم [بني] أبي رافع رضي الله عنهما مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم[وهي بفتح السين بلا خلاف، وقد غلط بعض المصنفين، حيث قال: هي بالضم، وهي مولاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقيل: مولاة صفية بنت عبد المطلب، وهي امرأة أبي رافع مولى النبي وأم ولده، وكانت قابلة بنى فاطمة بنت رسول اللّه
(1)
راجع الموضع السابق المشار إليه.
(2)
النهاية (2/ 219).
(3)
الطبراني في المعجم الكبير (24/ رقم 766)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 92)، ورجاله رجال الصحيح.
- صلى الله عليه وسلم وقابلة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم].
2403 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ استكثروا من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات قيل وَمَا هن يَا رَسُول اللّه قَالَ التَّكْبِير والتهليل وَالتَّسْبِيح وَالْحَمْد للّه وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالنَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد
(1)
.
قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هن يا رسول اللّه قال التكبير والتهليل والتسبيح والحمد للّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه" الحديث، والحكمة في تسمية هذه الكلمات بالباقيات الصالحات دون غيرها أنها تبقى في الجنة يكتمونها كما يلهمون النفس بخلاف بقية الأعمال الصالحات فإنها تنقطع بالموت ولا تعوذ في الآخرة.
2404 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ خُذُوا جنتكم قَالُوا يَا رَسُول اللّه عَدو حضر قَالَ لا وَلكِن جنتكم من النَّار قُولُوا سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر فَإِنَّهُنَّ يَأْتِين يَوْم الْقِيَامَة مجنبات ومعقبات وَهن
(1)
أحمد (11713)، وأبو يعلى (1384)، وابن حبان (840)، والحاكم (1/ 512)، والطبراني في الدعاء (1696)، والبيهقي في شعب الإيمان (605)، والطبري في التفسير (15/ 255)، وابن أبي حاتم في التفسير (12830)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1087)، رواه أحمد وأبو يعلي، وإسنادهما حسن، وعزاه المنذري، وكذلك المزي في الأطراف للنسائي ولم أجده، والله أعلم، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (828).
الْبَاقِيَات الصَّالِحَات رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم
(1)
.
جنتكم بِضَم الْجِيم وَتَشْديد النُّون أَي مَا يستركم ويقيكم.
ومجنبات بِفَتْح النُّون أَي مُقَدمَات أمامكم وَفِي رِوَايَة الْحَاكِم منجيات بِتَقْدِيم النُّون على الْجِيم وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَزَاد وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه
(2)
.
وَرَوَاهُ فِي الصَّغِير من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَجمع بَين اللَّفْظَيْنِ فَقَالَ ومنجيات ومجنبات.
(3)
وَإِسْنَاده جيد قوي.
ومعقبات بِكَسْر الْقَاف الْمُشَدّدَة أَي تتعقبكم وَتَأْتِي من وَرَائِكُمْ.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا جنتكم" أي: ما يستركم ويقيكم قاله المنذري.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنهن يأتين يوم القيامة مجنبات ومعقبات" مجنبات أي مقدمات أمامكم ومعقبات أي تعقبكم، وتأتي من وراءكم قاله المنذري.
(1)
النسائي في عمل اليوم والليلة (10684)، والحاكم (1/ 541)، والبيهقي في شعب الإيمان (606)، والطبراني في الأوسط (4027)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3214).
(2)
الطبراني في الأوسط (3179)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 89)، وفيه كثير بن سليم، وهو ضعيف.
(3)
قال الهيثمي في المجمع (10/ 89): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ فِي الصَّغِيرِ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ دَاوُدَ بْنِ بِلَالٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ.
2405 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قل سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه فَإِنَّهُنَّ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات وَهن يحططن الْخَطَايَا كَمَا تحط الشَّجَرَة وَرقهَا وَهِي من كنوز الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادَيْنِ أصلحهما فِيهِ عمر بن رَاشد وَبَقِيَّة رُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَلَا بَأْس بِهَذَا الإِسْنَاد فِي المتابعات
(1)
.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَة من طَرِيق عمر أَيْضًا بِاخْتِصَار
(2)
.
قوله: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "قل سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر" الحديث، تقدم الكلام عليه.
قوله: رواه الطبراني بإسنادين أصلحهما فيه عمر بن راشد [عمر بن راشد اليماني: ضعفه الجمهور وقال أبو زرعة لين وقال العجلي: لا بأس به].
2406 -
وَعَن النُّعْمَان بن بشير رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن مِمَّا تذكرُونَ من جلال اللّه التَّسْبِيح والتهليل والتحميد ينعطفن حول الْعَرْش لَهُنَّ دوِي كدَوِيِّ النَّحْل تذكر بصاحبها أما يحب أحدكم أَن يكون لَهُ أَو لا يزَال لَهُ من يذكر بِهِ رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مَاجَة وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح
(1)
الطبراني في الكبير، كما في مجمع الزوائد (10/ 90)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما عمر بن راشد اليمامي، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله جال الصحيح.
(2)
ابن ماجه (3812).
على شَرط مُسلم
(1)
.
قوله: وعن النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أبو عبد اللّه المدني الأمير هو وأبوه وأمه عمرة بنت رواحة صحابيون، وشهد أبوه بشير العقبة الثانية وبدرا وأحدا والمشاهد بعدها، واستشهد مع خالد بعين التمر سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وولد بشير على رأس أربعة شهرا من الهجرة والنعمان أول مولود ولد للأنصار وبعد الهجرة، قتل بالشام بقرية من قرى حمص سنة أربع وستين وكان كريمًا جوادًا شجاعًا شاعرًا
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن مما تذكرون من جلال اللّه التسبيح والتهليل والتحميد" الجلال العظمة ومنه [ألظوا بيا] الجلال والإكرام، ومن أسمائه تعالى الجليل وهو منعوت بنعوت الجلال وهو راجع إلى كمال الصفات كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات والعظيم راجع إلى كمال الذات والصفات
(3)
فإجلال اللّه سبحانه وتعالى قد يكون بالأفعال وقد يكون بالأقوال فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم "إن من إجلال اللّه تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن"
(1)
ابن ماجه (3809)، والحاكم (1/ 500)، وأحمد (18362)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 269)، والطبراني في الدعاء (1693)، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: موسى بن سالم قال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال البوصيري في الزوائد (3/ 193)، هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3071).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 129).
(3)
النهاية (1/ 287 - 288).
الحديث، ومن إجلاله بالأقوال التسبيح والتحميد والتهليل، أ. هـ.
قوله: "ينعطفن حول العرش" أي: يملن ويدرن بالحضرة القدسية.
قوله: "لهن دوي كدوي النحل تذكر بصاحبها" الحديث، الدوي صوت ليس بالعالي كصوت النحل وغيره، وفي حديث الإيمان: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، وفي هذا الحديث الصحيح حث على ذكر اللّه، من ذكر اللّه تعالى ذكره، قال اللّه تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
(1)
فذكر العبد يذكر به، ولذلك سمي ذكرًا، حكي القشيري عن أبي سليمان الداراني أنه قال: إن في الجنة قيعانًا فإذا أخذ الذاكر في الذكر أخذت الملائكة في غرس الأشجار فربما يقف بعض الملائكة فيقال له لم وقفت فيقول: فتر صاحبي
(2)
، وقال أبو علي الدقاق: الذكر منشور الولاية فمن وفق للذكر فقد أعطي منشورا الولاية ومن سلب الذكر فقد عزب
(3)
.
قوله: "أما يحب أحدكم أن يكون له [أو لا يزال له] من يذكر به" وفي رواية الحاكم "أيحب أحدكم أن يكون له عند الرحمن شيء يذكر به" لأنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى مذكر ولا يغفل ولا ينسى تنزه وتقدس سبحانه، ولكن هذا يدلّ على عادة العرب في التوسع في الخطاب والمجاز، قاله في الديباجة
(4)
،
(1)
سورة البقرة، الآية:152.
(2)
الرسالة (2/ 378).
(3)
الرسالة (2/ 375).
(4)
كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، لا يزال مخطوطًا كما سبق الإشارة إلى هذا.
فالأعمال تشفع لصاحبها عند اللّه وتذكر به إذا وقع في الشدائد، قال اللّه تعالى عن ذي النون عليه السلام {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)}
(1)
(2)
، وفي الشعب للبيهقي عن مجاهد قال: صاحبت [ابن] عمر من مكة إلى المدينة فما سمعته يحدّث عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث: "إن مثل المؤمن كمثل النخلة، إن صاحبته نفعك، وإن شاورته نفعك، وإن جالسته نفعك، وكل شأنه منافع، وكذلك النخلة كلّ شأنها منافع" قال ابن الأثير
(3)
: ووجه المشابهة بين المؤمن والنخلة حذق النحل وفطنته، وقلة أذاه وحقارته ومنفعته، وقنوعه وسعيه في الليل، وتنزهه عن الأقذار، وطيب أكله، وأنه لا يأكل من كسب غيره، ونحوله وطاعته لأميره، وأن للنحل آفات تقطعه عن عمله. منها الظلمة والغيم، والريح والدخان، والماء والنار. وكذلك المؤمن له آفات تفتره عن عمله: ظلمة الغفلة، وغيم الشك، وريح الفتنة، ودخان الحرام، وماء السعة، ونار الهوى. أ. هـ.
2407 -
وَعَن عبد اللّه بن مَسْعُود رضي الله عنه: قَالَ إِذا حدّثتكم بِحَدِيث أَتَيْنَاكُم بِتَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب اللّه إِن العَبْد إِذا قَالَ سُبْحَانَ اللّه وَالْحَمْد للّه وَلَا إِلَه إِلَّا اللّه وَاللّه أكبر وتبارك اللّه قبض عَلَيْهِنَّ ملك فَضَمَّهُنَّ تَحت جنَاحه وَصعد بِهن لا يمر بِهن على جمع من الْمَلَائِكَة إِلَّا اسْتَغْفرُوا لِقَائِلِهِنَّ حَتَّى يحيا بِهن وَجه
(1)
سورة الصافات، الآية:143.
(2)
مدارج السالكين (1/ 337 - 338).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 29).
الرَّحْمَن ثمَّ تَلا عبد اللّه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}
(1)
رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد
(2)
.
قَالَ الْحَافِظ كَذَا فِي نُسْخَتي يحيا بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمُثَنَّاة تَحت وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فَقَالَ حَتَّى يَجِيء بِالْجِيم وَلَعَلَّه الصَّوَاب.
قوله: وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: ثم تلا عبد اللّه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} الحديث، نقل القرطبي عن الحسن البصري في معنى قوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} قال: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى اللّه تعالى فإذا كان كلم طيّب وعمل شيء رد العمل على القول وكان العمل أحق بذلك من القول
(3)
، قال القرطبي: وقد يجمع هذه الخصال قوله صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان" والذوق هنا عبارة عما يجده المؤمن المحقق في إيمانه المطمئن القلب به من إنشراح صدره وتنويره بمعرفة اللّه تعالى ومعرفة رسوله ومعرفة من اللّه تعالى عليه في أن أنعم اللّه عليه بالإسلام ونظمه في سلك أمة محمد خير الأنام وحبب إليه الإيمان
(1)
سورة فاطر، الآية:10.
(2)
الحاكم (2/ 425)، والبيهقي في شعب الإيمان (625)، والطبراني في الكبير (9144)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 90)، رواه الطبراني وفيه المسعودي؛ وهو ثقة ولكنه اختلط وبقية رجاله ثقات.
(3)
تفسير القرطبي (14/ 331).
والمؤمنين والكفر والكافرين وأهل البدع والمبتدعين وأنجاه من قبح أفعالهم وركاكة أحوالهم وعند مطالعة هذه المنن والوقوف على تفاصيل تلك النعم يطير القلب فرحا وسرورا ويمتلأ إشراقا ونورا ويجد تلك الحلاوة واللذة ويزول عنه كل هوى وشهوة فيالها من حلاوة وما ألذها وحالة ما أشرفها نسأل الله المنعم أن يتفضل علينا بها ولا يحرمنا إياها بمنه وكرمه
(1)
انتهى.
2408 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا على الأَرْض أحد يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِالله إِلَّا كفرت عَنهُ خطاياه وَلَو كانَت مثل زبد الْبَحْر رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث حسن وروى شُعْبَة هَذَا الحَدِيث من أبي بلج بِهَذَا الْإسْنَاد نَحوه وَلم يرفعهُ انْتهى.
وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَزَادا وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَقَالَ الْحَاكِم حَاتِم ثِقَة وزيادته مَقْبُولَة يَعْنِي حَاتِم بن أبي صَغِيرَة
(2)
.
2409 -
وَعَن أنس رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ غصنا فنفضه فَلم ينتفض ثمَّ نفضه فَلم ينتفض ثمَّ نفضه فانتفض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن سُبْحَانَ الله
(1)
المفهم (1/ 127 - 128).
(2)
النسائي في عمل اليوم والليلة (10658)، والترمذي (3460)، وقال: حديث حسن غريب، وأحمد (6479)، والبيهقي في الدعوات (121)، والحاكم (1/ 503)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5636).
وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر تنفض الْخَطَايَا كَمَا تنفض الشَّجَرَة وَرقهَا رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح
(1)
.
وَالتِّرْمِذِيّ وَلَفظه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مر بشجرة يابسة الْوَرق فضربها بعصا فَتَنَاثَرَ وَرقهَا فَقَالَ إِن الْحَمد لله وَسُبْحَان الله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لتساقط من ذنُوب العَبْد كَمَا تساقط ورق هَذِه الشَّجَرَة وَقَالَ حَدِيث غَرِيب وَلَا نَعْرِف للأعمش سَمَاعا من أنس إِلَّا أَنه قد رَآهُ وَنظر إِلَيْهِ انْتهى
(2)
.
قَالَ الْحَافِظ لم يروه أَحْمد من طَرِيق الْأَعْمَش.
قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض أحد يقول لا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله إلا كفرت عنه خطاياه" المراد بذلك الصغائر وأما الكبائر فلا تغفر إلا بالتوبة كما تقدم في نظائره وتقدم الكلام عليه.
قوله: وروى شعبة هذا الحديث من [أبي] بلج.
قوله: ورواه ابن أبي الدنيا والحاكم، وقال الحاكم: حاتم ثقة وزيادته مقبولة يعني حاتم بن أبي صغيرة، أ. هـ، وقال الحافظ الدمياطي في كتابه المتجر الرابح في العمل الصالح: قلت: حاتم ثقة كما ذكر ومن حفظ حجة على من لم يحفظ وأراه قد توبع على هذه الزيادة والله أعلم.
(1)
أحمد (12534)، والبخاري في الأدب المفرد (634)، والطبراني في الدعاء (1688)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2089).
(2)
الترمذي (3533)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 55)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1601).
2410 -
وَعَن معَاذ بن عبد الله بن رَافع رضي الله عنهم قَالَ كنت فِي مجْلِس فِيهِ عبد الله بن عمر وَعبد الله بن جَعْفَر وَعبد الله بن أبي عميرَة رضي الله عنهم فَقَالَ ابْن أبي عميرَة سَمِعت معَاذ بن جبل يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول كلمتان إِحْدَاهمَا لَيْسَ لَهَا ناهية دون الْعَرْش وَالْأُخْرَى تملأ مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَقَالَ ابْن عمر لِابْنِ أبي عميرَة أَنْت سمعته يَقُول ذَلِك قَالَ نعم فَبكى عبد الله بن عمر حَتَّى اختضبت لحيته بدموعه وَقَالَ هما كلمتان نعلقهما ونألفهما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته إِلَى معَاذ بن عبد الله ثِقَات سوى ابْن لَهِيعَة ولحديثه هَذَا شَوَاهِد
(1)
.
نعلقهما أَي نحبهما ونلزمهما.
قوله: وعن معاذ بن عبد الله بن رافع رضي الله عنهم[هو معاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي المدني أخو عبيد بن رفاعة ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ضعيف وقال الآجري: سألت أبا داود عن معاذ بن رفاعة فقال: ليس به بأس].
قوله: قال كنت في مجلس فيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن أبي عميرة رضي الله عنهم، تقدم الكلام على عبد الله بن عمر في أول الكتاب، وأما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي الصحابي بن الالصحابية
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (20/ 334)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 86)، ومعاذ بن عبد الله بن رافع لم أعرفه، ابن لهيعة حديثه حسن، وبقية رجاله ثقات، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4266).
والصحابية الجواد بن الجواد أمه أسماء بنت عميس الخثعمية وكان أبوه جعفر هاجر بأمه إلى أرض الحبشة فولدت عبد الله هناك وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة باتفاق العلماء، وقدم مع أبيه من الحبشة مهاجرين إلى المدينة وهو أخو محمد بن أبي بكر الصديق ويحيى بن أبي طالب لأمهما، [وذلك] أن أسماء تزوجها جعفر ثم أبو بكر ثم علي رضي الله عنهم، روي لعبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على حديثين وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعبد الله بن جعفر عشر سنين وكان كريما جوادا حليما وكان يسمى بحر الجود، قال الحافظ عبد الغني: لم يكن في الإسلام أسخى منه، وقال ابن قتيبة في المعارف: كان عبد الله بن جعفر أجود العرب وأخبار أحواله في السخاء والجود والحكم مشهورة لا تحصى، وفي صحيح البخاري عن الشعبي أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين، توفي عبد الله بن جعفر بالمدينة سنة ثمانين من الهجرة وهو ابن ثمانين سنة من الهجرة، هذا هو الصحيح وقول الجمهور، صلى عليه أبان بن عثمان وهو والي المدينة وحضر غسله وكفنه وازدحم الناس على حمل سريره وحمل أبان معهم بين العمودين فما فارقه حتى وضعه بالبقيع ودموعه تسيل على خديه ويقول: كنت والله خير لا شر فيك وكنت والله شريفا
(1)
، أ. هـ.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 263 - 264 ترجمة 292).
فائدة: أبان بن عثمان هو أبو سعيد أبان بن عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي المدني التابعي الكبير يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، وأمه أم عمرو بنت جندب الدوسية سمع أباه وزيد بن ثابت، روى عنه الزهري وعمر بن عبد العزيز وخلائق من التابعين وغيرهم، قال عمرو بن شعيب: ما رأيت أحدا أعلم بحديث ولا فقه من أبان بن عثمان، وقال يحيى بن سعيد: كان فقهاء المدينة عشرة سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم وسالم وعروة وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة و [قبيصة] بن ذؤيب وأبان بن عثمان وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار، واتفق العلماء على أنه كان ثقة، وتوفي بالمدينة سنة خمس ومائة
(1)
.
واعلم أن في صرف أبان خلافا مشهورا والصحيح الذي عليه الجمهور الكثرون والمحققون صرفه فإن الهمزة أصل والألف زائدة ووزنه فعال كغزال وعناق ونظائرهما ومن منع صرفه عكس والله أعلم وتقدم الكلام عليه.
أما عبد الرحمن بن أبي عميرة فكنيته [أبو عبد الرحمن وهو أخو محمد بن أبي عميرة. له صحبة، سكن حمص].
قوله: "هما كلمتان تعلقهما وتحبهما" تعلقهما أي تحبهما وتلزمهما قاله المنذري.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 97 ترجمة 31).
2411 -
وَرُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر أعتق الله ربعه من النَّار وَلَا يَقُولهَا اثْنَتَيْنِ إِلَّا أعتق الله شطره من النَّار وَإِن قَالَهَا أَرْبعا أعْتقهُ الله من النَّار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط
(1)
.
وعن عمران، يعني ابن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يستطيع أحدكمْ أن يعمل كلَّ يوم مثل أحدٍ عملًا؟ قالوا: يا رسول الله ومن يستطيع أن يعمل كلَّ يومٍ عملًا مثل أحدٍ؟ قال: كلكمْ يستطيعه. قالوا: يا رسول الله ماذا؟ قال: سبحان الله أعظم من أحدٍ، ولا إله إلا الله أعظم منْ أحدٍ، والحمد لله أعظم من أحد، والله أكبر أعظم من أحدٍ. رواه ابن أبي الدنيا والنسائي، والطبراني والبزار، كلهم عن الحسن عن عمران، ولم يسمع منه، وقيل: سمع، ورجالهم رجال الصحيح إلا شيخ النسائي عمرو بن منصور، وهو ثقة
(2)
.
قوله: وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى معنى الحديث.
قوله: وعن عمران بن حصين، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أما يستطيع أحدكم أن يعمل كل يوم مثل أحد عملا" الحديث أحد جبل [بجنب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم زادها الله فضلا وشرفا على نحو ميلين، وكانت غزوة أحد يوم السبت لإحدى عشرة خلت من شوال على راس اثنين وثلاثين
(1)
الطبراني كما في مجمع الزوائد (10/ 87)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيهما أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف.
(2)
النسائي في عمل اليوم والليلة (10672)، والطبراني في الكبير (18/ رقم 398)، وفي الدعاء (1691)، والبزار (3075)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 91)، رواه الطبراني والبزار ورجالهما رجال الصحيح.
شهرا من الهجرة. وفي الصحيح: "أحد جبل يحبنا ونحبه" وهذا الحديث على ظاهره إذ لا استحالة فيه، ولا يلتفت إلى تأويل من تأوله].
2413 -
وَعَن عبد الله يَعْنِي ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ إِن الله قسم بَيْنكُم أخلاقكم كَمَا قسم بَيْنكُم أرزاقكم وَإِن الله يُؤْتِي المَال من يحب وَمن لَا يحب وَلَا يُؤْتى الْإِيمَان إِلَّا من أحب فَإِذا أحب الله عبدا أعطَاهُ الْإِيمَان فَمن ضن بِالْمَالِ أَن يُنْفِقهُ وهاب الْعَدو أَن يجاهده وَاللَّيْل أَن يكابده فليكثر من قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَالْحَمْد لله وَسُبْحَان الله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته ثِقَات وَلَيْسَ فِي أَصله رَفعه
(1)
.
ضن بالضاد الْمُعْجَمَة أَي بخل.
قوله: وعن عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن ضن بالمال أن ينفقه وهاب العدو أن يجاهده" الحديث، أي: بخل.
2414 -
وَعَن أبي الْمُنْذر الْجُهَنِيّ رضي الله عنه قَالَ قلت يَا نَبِي الله عَلمنِي أفضل الْكَلَام قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذر قل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير مائَة مرّة فِي كل يَوْم فَإنَّك يَوْمئِذٍ
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (8990)، والبخاري في الأدب المفرد (275)، وابن المبارك في الزهد (1134)، واللالكائى في شرح أصول الاعتقاد (1697)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 90)، ورجاله رجال الصحيح، وأبو نعيم في الحلية (5/ 35)، والبيهقي في شعب الإيمان (607). ذكره الألباني في ضعيف الجامع، (1625)، دون "فمن ضمن بالمال
…
إلخ" وقال ضعيف.
أفضل النَّاس عملا إِلَّا من قَالَ مثل مَا قلت وَأكْثر من قَول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِالله فَإِنَّهَا سيد الاسْتِغْفَار وَإِنَّهَا ممحاة للخطايا أَحْسبهُ قَالَ مُوجبَة للجنة رَوَاهُ الْبَزَّار من رِوَايَة جَابر الْجعْفِيّ
(1)
.
قوله: وعن أبي المنذر الجهني رضي الله عنه[روى عنه زيد بن وهب، يعد في أهل الكوفة].
قوله: رواه البزار من رواية جابر الجعفي [هو جابر بن يزيد الجعفي الكوفي: عالم الشيعة ترك يحيى القطان حديثه، وقال النسائي وغيره متروك ووثقه شعبة وسفيان الثوري، وقال وكيع: ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابرا الجحفي ثقة].
2415 -
وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر كتب لَهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ
(2)
.
2416 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول من قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللّه الْعلي الْعَظِيم قَالَ الله أسلم عَبدِي واستسلم" رَوَاهُ الْحَاكم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(3)
.
(1)
البزار (3073)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 88)، وفيه جبار الجعفي، وهو ضعيف.
(2)
الطبراني في الكبير (13435)، والأوسط (6491)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 91)، ورجالهما رجال الصحيح، غير محمد بن منصور الطوسي، وهو ثقة.
(3)
الحاكم (1/ 502)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقة الذهبي.
2417 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا مررتم برياض الْجنَّة فارتعوا قلت يَا رَسُول الله وَمَا رياض الْجنَّة قَالَ الْمَسَاجِد قلت وَمَا الرتع قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب
(1)
.
قَالَ الْحَافِظ وَهُوَ مَعَ غرابته حسن الْإِسْنَاد.
قوله: وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه وعلى معنى الحديث.
2418 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الَّذين يحْمَدُونَ الله عز وجل فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الثَّلَاثَة بأسانيد أَحدهَا حسن وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(2)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله عز وجل في السراء والضراء" الحديث، قال أحمد بن أبي الحواري: ذاكرت أبا سليمان في الخبر
(1)
الترمذي (3507)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (696).
(2)
الطبراني في المعجم الكبير (12345)، وفي الأوسط (3033)، وفي الصغير (280)، والبزار (3114)، والحاكم (1/ 502)، والبيهقي في شعب الإيمان (4373)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 95)، رواه الطبراني في الثلاثة بأسانيد وفي أحدها قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري وغيرهما وضعفه يحيى القطان وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه البزار بنحوه وإسناده حسن.
المروي أول من يدعي إلى الجنة الذين يحمدون الله عز وجل في السراء والضراء فقال: ويحك ليس هو أن يحمده على المصيبة وقلبك يبغض عليه إنما الحمد أن تحمده وقلبك مسلم راض
(1)
.
فائدة: أحمد بن أبي الحواري يقال بفتح الراء وبكسرها والكسر أشهر والفتح سمعته مرات من شيخنا الحافظ أبي البقاء يحكيه عن أهل الإتقان أو عن بعضهم ذكره النووي في بستان العارفين
(2)
، وقال غيره: الحواري بفتح الراء وكسر الراء ومنهم من يفتح الراء وكان شيخنا أبو الوليد هشام بن خالد النابلسي يحكيه وربما اختاره وكان علامة وقته في هذا الفن مع كمال تحقيقه فيه، واسم أبي الحوارى عبد الله بن ميمون بن عباس بن الحارث، والله أعلم.
2419 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ التأني من الله والعجلة من الشَّيْطَان وَمَا أحد أَكثر معاذير من الله وَمَا من شَيْء أحب إِلَى الله من الْحَمد رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرِجَاله رجال الصَّحِيح
(3)
.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "التأني من الله والعجلة من الشيطان وما أحد أكثر معاذير من الله وما من شيء أحب إلى الله من الحمد" الحديث سبب ذلك أن نعم الدنيا
(1)
مدارج السالكين (2/ 210).
(2)
بستان العارفين (ص 32).
(3)
أبو يعلى (4256)، والبيهقي (10/ 104). قوله:"التأني من الله والعجلة من الشيطان" حسنه الألباني في صحيح الجامع (3011).
تفنى وثواب الله باق قال الله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}
(1)
وروى أبو عبد الله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكان الحمد لله أفضل من ذلك
(2)
قال أبو عبد الله معناه عندنا أنه قد أعطى الدنيا ثم أعطى على أثرها هذه الكلمات حتى نطق بها فكانت هذه الكلمات أفضل من الدنيا كلها لأن الدنيا فانية والكلمة باقية وهي من الباقيات الصالحات {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}
(3)
(4)
وفي حديث أبي مالك الأشعري الذي رواه مسلم والنسائي "الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان" والمراد بذلك عظم أجرها وأنها تملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها
(5)
وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض يعني لو قدر ثوابهما أجساما لملأ ما بين السماء والأرض وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله سبحان الله والتفويض والإقبال إلى الله تعالى بقوله الحمد لله
(6)
ولأن الحمد
(1)
سورة النحل، الآية:96.
(2)
أخرجه الحكيم الترمذي في النوادر (930).
(3)
سورة الكهف، الآية:46.
(4)
نوادر الأصول (4/ 227 - 228).
(5)
شرح النووي على مسلم (3/ 101).
(6)
شرح النووي على مسلم (3/ 101).
يرضى به الرب عن العبد لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل اللقمة فيحمده عليهما ويشرب الشربة فيحمده عليها" وما كان سببا لرضوان الله تعالى خير من الدنيا وما فيها
(1)
، أهـ، قاله في الديباجة
(2)
.
2420 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أنعم الله على عبد من نعْمَة فَقَالَ الْحَمد لله إِلَّا أدّى شكرها فَإِن قَالَهَا ثَانِيًا جدد الله لَهُ ثَوَابهَا فَإِن قَالهَا الثَّالِثَة غفر الله لَهُ ذنُوبه رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(3)
.
قَالَ الْحَافِظ فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن قيس أَبُو مُعَاوِيَة الزَّعْفَرَانِي واهي الحَدِيث وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا أنكر عَلَيْهِ.
قوله: وعن جابر رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد من نعمة فقال الحمد لله إلا أدى شكرها" الحديث
2421 -
وَرُوِيَ عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا أنعم الله عز وجل على عبد نعْمَة فَحَمدَ الله عز وجل عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ ذَلِك أفضل من تِلْكَ النِّعْمَة وَإِن عظمت رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِيه نَكَارَة
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (89 - 2734).
(2)
كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، لا يزال مخطوطًا كما سبق الإشارة إلى هذا.
(3)
الحاكم (1/ 507)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إلا أنهما لم يخرجا أبا معاوية، وقال الذهبي: ليس بصحيح، قال أبو زرعة: عبد الرحمن بن قيس كذاب، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5024).
(4)
الطبراني في المعجم الكبير (7794)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 95)، وفيه =
قوله: وروي عن أبي أمامة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى الحديث في الأحاديث قبله.
2422 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كل كَلَام لَا يبْدَأ فِيهِ بِالْحَمْد لله فَهُوَ أَجْذم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أقطع
(1)
.
قَالَ الْحَافِظ وَفِي الْبَاب بعده أَحَادِيث فِي الْحَمد
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم" وأجذم بالذال المعجمة وبالجيم أي ناقص قليل البركة وأقطع بمعناه، وفي الرواية الأخرى "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" ومعنى ذي بال أي له حال يهتم به وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أول الخطبة.
= سويد بن عبد العزيز، وهو متروك، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5562)، ولم يذكر فيه "وإن عظمت".
(1)
أبو داود (4840)، وابن ماجه (1894)، والنسائي في علم اليوم والليلة (10328)، وابن حبان (1، 2) وأحمد (8712)، والبيهقي في الدعوات (1)، والدارقطني (1/ 229)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4216).