الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره
2476 -
عَن جَابر رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِذا رأى أحدكُم الرُّؤْيَا يكرهها فليبصق عَن يسَاره ثَلَاثًا وليستعذ بِالله من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثَلَاثًا وليتحول عَن جنبه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَوَاه مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(1)
.
قوله: عن جابر رضي الله عنه، هو جابر بن عبد الله تقدم الكلام عليه مرات.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها" أي: في المنام، فإذا رأى الإنسان ما يكره بصق عن يساره ثلاثا قائلا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين لقوله صلى الله عليه وسلم:"فمن رأى شيئا كرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل فإذا فعل ذلك فقد عمل بالأحاديث" قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: والأمر بالبصق ثلاثا طرد الشيطان الذي حضر رؤياه المكروه وتحقيرا له واستقذارا، وخصت اليسار بذلك لأنها محل الأقذار والمكروهات ونحوها واليمين ضدها
(2)
.
فائدة: عن ابن سيرين رحمه الله تعالى وهو محمد بن سيرين الأنصاري مولى أنس بن مالك وهو من سبي عين التمر الذين أسرهم خالد بن الوليد
(1)
مسلم (2262)، وأبو داود (5022)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10747)، وابن ماجه (3908)، وأحمد (14780)، وأبو يعلى (2263)، وابن حبان (6060)، والبيهقي في شعب الإيمان (4761).
(2)
شرح النووي على مسلم (15/ 18).
أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ثقة عاليا مأمونا رفيعا فقيها أو إمام كثير العلم ورعا وكان به صمم، قال [الحميري] كنا عند محمد بن سيرين فلما أردنا القيام قلنا دعوة يا أبا بكر فقال اللهم تقبل منا وتجوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة، وقال أبو عوانة رأيت ابن [سيرين] في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى، وكان ابن سيرين إذا ذكر الموت مات كل عضو منه على حدته، وذكر المدائني أنه اشترى زيتا بأربعين ألفا فوجد فيه فأرة فبذره وركبه بسبب ذلك الدين، وكان يصوم يوما ويفطر يوما
(1)
.
فائدة: أخرى أيضًا: إذا رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاث مرات ثم ليقل اللهم إني أعوذ بك من عمل الشيطان وسيئات الأحلام فإنها لا تكون شيئا
(2)
، أ. هـ والله أعلم.
2477 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا رأى أحدكُم الرُّؤْيَا يُحِبهَا فَإِنَّمَا هِيَ من الله فليحمد الله عَلَيْهَا وليحدث بِمَا رأى وَإِذا رأى غير ذَلِك مِمَّا يكره فَإِنَّمَا هِيَ من الشَّيْطَان فليستعذ بِالله من شَرها وَلَا يذكرهَا لاحَدَّ فَإِنَّهَا لَا تضره رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح
(3)
.
قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
(1)
شرح الإلمام (1/ 340 - 345) باختصار.
(2)
أخرجه ابن السنى (775) وانظر الأذكار (ص 99) للنووى.
(3)
الترمذي (3453)، وقال: حدي حسن صحيح غريب من هذا الوجه، ولم يعزه للبخاري وهو عنده في التغبير (6985)، وأحمد (11054)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10729)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (550).
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بما رأى" قال النووي
(1)
وغيره إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف بخلاف المكروه وإن كانتا جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيها لكنه يحضر الرؤيا المكروهة ويرتضيها ويسر بها، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى
(2)
: قال كثير من العلماء أن للرؤيا ملكا وكل بها يرى الرائي من ذلك ما فيه تنبهه على ما يكون له أو يقدر عليه من خير أو شر والله أعلم، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الرؤيا ثلاث فبشرى من الله وحديث النفس وتخويف من الشيطان فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء وإن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي"، انفرد به ابن خزيمة، فالرؤيا على ثلاثة أقسام رؤيا من الله ورؤيا من الشيطان وحديث النفس، والرؤيا الصحيحة أقسام منها إلهام يلقيها الله تعالى في قلب العبد وهو كلام يكلم به الرب عبده في المنام كما قال عبادة بن الصامت وغيره، ومنها: مثل يضربه له ملك الرؤيا الموكل بها، ومنها: التقاء روح النائم بأرواح الموتى من أهله وأقاربه وأصحابه وغيرهم، ومنها: مثل عروج روحه إلى الجنة ومشاهدتها وغير ذلك فالتقاء أرواح الأحياء والأموات نوع من أنواع الرؤيا الصحيحة التي هي عند الناس من جنس المحسوسات وهذا نوع اضطرب فيه الناس أ. هـ.
(1)
شرح النووي على مسلم (15/ 17).
(2)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 215).
قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا رأى غير ذلك مما يكره [فإنما هي من الشيطان] فليستعذ بالله من شرها ولا يذكرها لاحد فإنها لا تضره" الحديث فسببه أنه ربما فسرها تفسيرا نكروها على ظاهر صورتها وكان ذلك محتملا فوقعت كذلك بتقدير الله تعالى العزيز العليم، فإن الرؤيا على رجل طائر، ومعناه: إذا كانت محتملة وجهين فسرت بأحدهما وقعت على قرب تلك الصفة قالوا: وقد يكون ظاهر الرؤيا مكروها، وتفسر بمحبوب وعكسه وهذا معروف لأهله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الرؤيا المحبوبة الحسنة لا يخبر بها إلا من يحب" فسببه أيضًا إذا أخبر بها من لا يحب ربما حمله البغض أو الحسد على تفسيرها بمكروه فقد يقع على تلك الصفة وإلا فيحصل له في الحال حزن وند من سوء تفسيرها أ. هـ والله أعلم.
2478 -
وَعَن أبي قَتَادَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الله والحلم من الشَّيْطَان فَمن رأى شَيْئا يكرههُ فلينفث عَن شِمَاله ثَلَاثًا وليتعوذ بِالله من الشَّيْطَان فَإِنَّهَا لَا تضره رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(1)
.
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي سَلمَة وَإِذا رأى مَا يكره فليتعوذ بِالله من شَرها وَشر الشَّيْطَان وليتفل عَن يسَاره ثَلَاثَا وَلَا يحدث بهَا أحدا فَإِنَّهَا لن تضره
(2)
.
(1)
البخاري (6995)، ومسلم (2261)، وأبو داود (5021)، والترمذي (2277)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (10730)، وابن ماجه (3909)، وأحمد (22525).
(2)
مسلم (2261).
وروياه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه فَمن رأى شَيْئا يكرههُ فَلَا يقصه على أحد وليقم فَليصل
(1)
.
الْحلم بِضَم الْحَاء وَسُكُون اللَّام وَبِضَمِّهَا هُوَ الرُّؤْيَا وبالضم والسكون فَقَط هُوَ رُؤْيَة الْجِمَاع فِي النّوم وَهُوَ المُرَاد هُنَا.
قَوْله فليتفل بِضَم الْفَاء وَكسرهَا أَي فليبزق وَقيل التفل أقل من البزدق والنفث أقل من التفل.
قوله: وعن أبي قتادة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله" الرؤيا الصالحة بشارة من الله تعالى يبشر بها عبده فيحسن ظنه ويكثر عليها شكره، وإن الماذبة هي التي يريد بها الشيطان للإنسان ليحزنه وليسيء ظنه بربه ويقل حظه من الشكر، ولذلك أمره أن يبصق ويتعوذ من شره كأنه يقصد به طرد الشيطان عنه أ. هـ[والرؤيا مقصورة مهموزة، ويجوز ترك همزتها كنظائرها].
قوله صلى الله عليه وسلم: "والحلم من الشيطان" الحديث، قال الحافظ
(2)
: الحلم بضم الحاء وسكون اللام وبضمها هو الرؤيا، وبالضم والسكون فقط هو رؤية الجماع في النوم، أ. هـ، فالريا والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء لكن غلبت الرؤيا على ما يراه النائم من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه الناس من الشر والقبيح، ومنه قوله تعالى:{أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ}
(3)
(1)
البخاري (7017)، ومسلم (2263)، وأبو داود (5019)، والترمذي (2270).
(2)
فتح الباري لابن حجر (1/ 389).
(3)
سورة يوسف آيه 44، والأنبياء آيه 5.
ويستعمل كل واحد منهما موضع الآخر قال الإمام المازري رحمه الله تعالى
(1)
: مذاهب أهل السنة في الرؤيا أن الله تبارك وتعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ولا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور أخر تلحقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس هو بطائر فأكثر ما فيه أنه اعتقد أمرا على خلاف ما هو فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يكون خلق الله تعالى الغيم علما على المطر والجميع خلق الله ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغيره حضرة الشيطان وخلق ما هو علم على ما يضر بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازًا لحضوره عندها وإن كان لا فعل له حقيقة وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم "الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان" لا على أن الشيطان يفعل ما يشاء، فالرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه هذا كلام المازري أ. هـ والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا"، وفي رواية "فليتفل عن يساره"، وفي رواية "فليبصق عن يساره"، وفي رواية "فليتحول عن جنبه الذي كان عليه" ينفث بضم الفاء وكسرها، والنفث أقل من التفل ويتفل بضم الفاء وكسرها أيضًا أي يبصق، وقيل: التفل أقل من البصق واليساء بفتح الياء وكسرها.
(1)
المعلم (3/ 201).
فائدة: قال الصاغاني في العباب: التفل شبيه بالبزق وهو أقل، أوله البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ، وقد تفل يتفل ومنه تفل الراقي ذكره في سلاح المؤمن
(1)
فحاصله ثلاثة أنه جاء في الحديث: فلينفث وفليبصق وفليتفل، وأكثر الروايات "فلينفث" وقال بعضهم: إنها بمعنى واحد ولعل المراد بالجميع النفث وهو: نفخ لطيف بلا ريق ويكون التفل والبصق محمول عليه مجازا، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"فإنها لا تضره" فمعناه أن الله تعالى جعل هذا سبيلا لسلامته من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها والله أعلم.
فائدة: وهي خاتمة الباب: من الصغائر أن يقول الإنسان رأيت كذا وكذا ولم يره، وذلك حرام شديد التحريم، ويحتمل أن يكون كبيرة، ويدل عليه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:"من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين" الحديث، يقال حلم يحلم حلما وهذا لما ذكر رؤية ما لم يره كلف فعل ما لا يفعل وهو العقد بين شعيرتين [فإن قال قائل: كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته، فلم زادت عقوبته فيما يتعلق بالنوم؟ فقد أجاب عنه ابن جرير الطبري فقال: قد صح الحديث أن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، والنبوة لا تكون إلا وحيا، والكاذب في الرؤيا يدعي أن الله تعالى أراه] ما لم يره وأعطاه جزءا من النبوءة لم يعطه، والكاذب على
(1)
سلاح المؤمن (ص 288).
الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه، يقال: حلم يحلم حلما إذا رأى وتحلم إذا ادعى كاذبا وهذا شبه قوله صلى الله عليه وسلم: "من صور صورة كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ" الحديث
(1)
انتهى.
(1)
كشف المشكل (2/ 431 - 432).