الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْغِيب فِي الاكْتِسَاب بِالْبيع وَغَيره
عَن الْمِقْدَام بن معديكرب رضي الله عنه: عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا أكل أحد طَعَاما قطّ خيرا من أَن يأْكُل من عمل يَده وَإِن نَبِي اللّه دَاوُد عليه الصلاة والسلام كَانَ يَأْكُل من عمل يَده رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره
(1)
.
وَابْن مَاجَة وَلَفظه قَالَ مَا كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يَده وَمَا أنفق الرجل على نَفسه وَأَهله وَولده وخادمه فَهُوَ صَدَقَة
(2)
.
قوله: عن المقدام بن معديكرب رضي الله عنه، هو الكندي مات سنة سبع وثمانين من الهجرة تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده" الحديث. الطعام عام في كلّ ما يقتات من الحنطة والشعير والتمر وغير ذلك، وقال الخليل: إن [العالي] في كلّ العرب أن الطعام هو البر خاصة واللّه أعلم. قاله في النهاية
(3)
.
قوله: "وإن نبي اللّه داود عليه الصلاة والسلام كان يأكل من عمل يده" تقدم الكلام على داود صلى الله عليه وسلم، ففي هذا الحديث أن أفضل الكسب عمل اليد قال أبو الزاهرية كان نبي اللّه داود يعمل القفاف ويأكل منها، وقال ابن
(1)
البخاري (2072)، وأحمد (17181).
(2)
ابن ماجة (2138)، والطبراني في الكبير (632)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5660).
(3)
النهاية (3/ 127).
المنذر
(1)
: إنما فُضل عمل اليد على سائر المكاسب إذا نصح العامل بيده، وروي أبو سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير الكسب [كسب] يد العامل إذا نصح" رواه أحمد في مسنده
(2)
وذلك أن فيه أيضًا [إيصال النفع] إلى المكاسب وغيره وللسلامة عن البطالة المؤدية إلى [الفضول ولكسر النفس به وللتعفف] بذلك عن ذل السؤال
(3)
ذكر معتمر عن [سليمان] أنه كان يعمل في الخوض فقيل له أتعمل هذا وأنت أمير المدائن فقال إني [أحب أن آكل] من عمل يدي
(4)
وقد ثبت أن التوكل فعل القلب فلا ينافي حركة الجوارح ولو كان كلّ كاسب ليس بمتوكل كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير [متوكلين فقد كان آدم عليه السلام، حراثا، ونوح، وزكريا نجارين، وإدريس خياط وإبراهيم ولوط زراعين وصالح تاجرا وكان سليمان يعمل الخوص، وداود يصنع الدرع ويأكل من [ثمنه] وكان موسى وشعيب صلوات اللّه وسلامه عليهم رعاة وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: "كنت أرعى غنما لأهل مكة بالقراريط فلما أغناه اللّه تعالى بما فرض له من الفيء لم يحتج إلى الكسب" وقد كان أبو بكر الصديق وعثمان وعبد الرحمن وطلحة ومحمد بن سيرين وميمون بن مهران بزازين، وكان الزبير بن العوام وعمرو بن
(1)
الإقناع (2/ 555)، وشرح الصحيح (6/ 210) لابن بطال.
(2)
أحمد (8412)، والبيهقي في شعب الإيمان (1236)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (774).
(3)
الكواكب الدراري (9/ 198).
(4)
شرح الصحيح (6/ 210) لابن بطال.
العاص وعامر بن [كريز] خرازين وكان سعد بن أبي وقَّاص يبري النبل وكان عثمان بن طلحة خياطا وما زال أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم والتابعون من بعدهم يكتسبون ويأمرون بالكسب وبالقدرة بهم، وقال أبو قلابة: لأن أراك ان تطلب معاشاك أحب إليّ من أن أراك في زاوية المسجد، قال عطاء بن السائل: لما استخلف أبو بكر الصديق أصبح غاديا إلى السوق ومعه أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقا لا: أين تريد؟ قال: السوق، قالا:[تصنع] ماذا وقد وليت أمور المسلمين، قال: فمن أين أطعم عيالي؟
وعن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة فزادوه خمسمائة، وعن محمد بن عاصم قال: بلغني أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى فتى فأعجبه حاله سأل عنه هل له حرفة، فإن قيل: لا قال سقط من عيني، قاتل في الإحياء: وسئل الإمام أحمد بن حنبل ما تقول في رجل جالس في بيته أو في مسجده، وقال لا أعمل شيئًا حتى يأتيني رزقي، قال الإمام أحمد: هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: " [جعل اللّه رزقي تحت، ظل رمحي" يإسناد صحيح، والحديث الآرخ:"لو توكلتم على اللّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا" فذكر انها تغدوا وتروح في طلب الرزق، قال اللّه تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}
(1)
(1)
سورة المزمل، الآية:20.
وقد كان إبراهيم بن أدهم يحصد وسليمان الخواص يلقط، وحذيفة المرعشي يضرب اللبن، قال ابن عقيل: فالتسبب لا يقدح في التوكل ولما قيل لموسى عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}
(1)
خرج، ولما جاع واحتاج إلى عفة نفسه أجر نفسه ثمان سنين [وقال اللّه] تعالى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}
(2)
الآية، وهذا لأن الحرفة استعمال لنعمة اللّه تعالى وهي القوى فاستعمل ما عندك ثم اطلب [ما عنده وقد يطلب الإنسان من ربه وينسى ما له عنده من الذخائر فإذا تأخر عنه ما يطلبه يسخط] أ. هـ قاله ابن الجوزي
(3)
.
2603 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لِأن يحتطب أحدكُم حزمة على ظَهره خير لَهُ من أَن يسْأَل أحدا فيعطيه أَو يمنعهُ رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيِّ
(4)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره" الحديث، يحتطب بتاء الافتعال، وفي رواية "فيحطب" بغير تاء وهو صحيح، وروي البزار عن أبي هريرة أيضًا أن رجلين أتيا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: اذهبا إلى هذه
(1)
سورة القصص، الآية:20.
(2)
سورة الملك، الآية:15.
(3)
تلبيس إبليس (ص 250 - 254) باختصار.
(4)
البخاري (2074)، ومسلم (1042)، ومالك في الموطأ (2853)، والترمذي (680)، وأحمد (10151).
الشعاب فاحتطبا وبيعاه فذهبا فاحتطبا ثم جاء جياعا فأصابا طعاما ثم ذهبا أيضًا فجاء فلم يزالا حتى ابتاعا ثوبين ثم ابتاعا حمارين فقال: قد بارك اللّه لنا في أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
، ففي الحديث الحث على الأكل من عمل يده والاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في موات
(2)
واللّه أعلم.
فغاية ما في هذا فضيلة الاحتطاب على السؤال وليس فيه أنه أفضل المكاسب فلعله ذكره لتيسره لا سيما في بلاد الحجاز لكثرة ذلك فيها
(3)
، وأشار في رواية مسلم على العلة في تفضيل الاكتساب على السؤال وهي أن اليد العليا أفضل من اليد السفلي، يده عليا عن تصد وكذا عن لم يتصدق، وفسرنا العليا بالمتعففة عن السؤال
(4)
، أ. هـ.
2604 -
وَعَن الزبير بن الْعَوام رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لِأن يَأْخُذ أحدكم أحبله فيَأْتِي بحزمة من حطب على ظَهره فيبيعها فيكف اللّه بهَا وَجهه خير لَهُ من أَن يسْأَل النَّاس أَعْطوهُ أم منعُوا رَوَاهُ البُخَارِيّ
(5)
.
قوله: وعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره
(1)
أخرجه البزار (9508).
قال الهيثمي في المجمع 3/ 94: رواه البزار، وفيه بشر بن حرب، وفيه كلام، وقد وثق.
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 131).
(3)
طرح التثريب (4/ 84).
(4)
طرح التثريب (4/ 85).
(5)
البخاري (1471).
فيبيعها فيكف اللّه بها وجهه" أحبله بفتح الهمزة وإسكان الحاء المهملة وضم الباء الموحّدة، والأحبل جمع الحبل نحو الفلس والأفلس ويجمع أيضًا على حبال يعني أخذ الحبل للاحتطاب خير من السؤال
(1)
.
وقوله "فيأتي بحزمة" والحزمة بضم الحاء المهملة وإسكان الزاي أي ما تُسمّى بالفارسية (دستة)
(2)
، وقوله "فيكف بها وجهه" أي فيمنع اللّه بها وجهه أن يريق ماءه بالسؤال عن الناس أي إن لم يجد إلا الاحتطاب من الحرف
(3)
ففي هذا الحديث ترجيح الاكتساب على السؤال ولو كان بعمل شا [ق كا] لاحتطاب ولو لم [يقدر علي] بهيمة بحتطب الحطب عليها بل حمله على ظهره
(4)
وفي الاكتساب فائدتان: الاستغناء عن الناس والتصدق، وقد ذكرهما في قوله في رواية مسلم "فيتصدق ويستغني من الناس" كذا هو في أكثر نسخ مسلم بالميم وفي بعضها عن الناس بالعين
(5)
، قال النووي
(6)
: وكلاهما صحيح والأول محمول على الثاني، وفيه فضيلة الاكتساب بعمل اليد، وقد ذكر بعضهم أنه أفضل المكاسب
(7)
ففيه التحريض على الاكتساب كما تقدم
(1)
الكواكب الدراري (9/ 199)، وطرح التثريب (4/ 83).
(2)
الكواكب الدراري (8/ 16).
(3)
الكواكب الدراري (8/ 16).
(4)
طرح التثريب (4/ 83).
(5)
طرح التثريب (4/ 84).
(6)
شرح النووي على مسلم (10/ 153).
(7)
طرح التثريب (4/ 84).
ترك السؤال وتفضيل الاكتساب على السؤال ولو أعطى السائل لما في السؤال من المذلة للسائل والتثقيل على المسؤول
(1)
، وعيّن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الاحتطاب لثلاثة أوجه، أحدها: إنه ذكره لما فيه من المشقة على المترفهين تحصيلا وحملا وبيعا، والثاني: أنه اكتساب بالمباح الذي لا يحتاج إلى تعلم ولا رأس مال بخلاف غيره من المصانع والمتاجر، والثالث: أنه مكسب لا شبهة فيه بخلاف سؤال الناس أن يمكن أن يعطي حياء ونفسه غير طيبة بذلك، أ. هـ.
قال الأوزاعي: لقيت إبراهيم بن أدهم وعلى رأسه حزمة حطب فقلت: يا أبا إسحاق إلى متى هذا [و] إخوانك يكفونك فقال: دعني عن هذا يا أبا عمرو فإنه بلغني أن من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة
(2)
، قال أبو الحسن الماوردي من أصحابنا: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصنعة، وأيها أفضل فيه ثلاثة مذاهب للناس أشبهها بمذهب الشافعي أن التجارة أطيب، قال: والأشبه عندي أن الزراعة أطيبها لأنه أقرب إلى الترك، وذكر الشاشي وصاحب البيان وآخرون نحو ما ذكره الماوردي وأخذوه عنه، قال النووي
(3)
: والصواب ما
(4)
نص عليه رسول اللّه
(1)
انظر: قمع الحرص (ص 170).
(2)
المجالسة (96) و (2993).
(3)
شرح النووي على مسلم (10/ 156).
(4)
اللوحة 255 تكرار للوحة 254.
- صلى الله عليه وسلم، وهو عمل اليد وإن كان زراعا فهو أطيب المكاسب وأفضلها لأنه عمل يده ولأن فيه توكلا كما ذكره الماوردي ولأن فيه نفعا عاما للمسلمين والدواب ولأنه لابد في العادة أن يوكل منه بغير عوض فيحصل له أجر وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل تعمل غلمانه وأجراؤه فاكتسب به فالزراعة أفضل لما ذكرناه، وقد ثبت عن جابر قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقه" وقال في الروضة بعد ذكره الحديث المتقدم: فهذا صريح في ترجيم الزراعة والصنعة لكونهما من عمل يده ولكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها
(1)
واللّه أعلم.
2605 -
وَعَن أنس رضي الله عنه أَن رجلًا من الأنصَار أَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَألَهُ فَقَالَ أما فِي بَيْتك شَيْء قَالَ بلَى حلْس نلبس بعضه ونبسط بعضه وَقَعْب نشرب فِيهِ من المَاء قَالَ ائْتِنِي بهما فَأَتَاهُ بهما فَأَخذهُمَا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ من يَشْتَرِي هذَيْن قَالَ رجل أَنَا آخذهما بدرهم قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من يزِيد على دِرْهَم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالَ رجل أَنا آخذهما بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاه فَأَخذ الدرهمين فَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاما فانبذه إِلَى أهلك واشتر بِالآخرِ قدومًا فائتني بِهِ فَأتَاهُ بِهِ فَشد فِيهِ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم عودا بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ اذْهَبْ فاحتطب وبع وَلَا أرينك خَمْسَة عشر يَوْمًا فَفعل فجَاء وَقد أصَاب عشرَة دَرَاهِم فَاشْترى بِبَعْضهَا ثوبا وببعضها طَعَاما فَقَالَ لَهُ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم هَذَا خير لَك من أَن تَجِيء الْمَسْأَلَة نُكْتَة فِي وَجهك يَوْم الْقِيَامَة الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو
(1)
طرح التثريب (4/ 84).
دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَالتّرمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن
(1)
. وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي الْمَسْأَلَة.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: أن رجلًا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "أما في بيتك شيء" قال: بلي، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، الحديث، قال عبد اللطيف البغدادي في شرح هذا الحديث: الحلس كساء أو بساط أو لبد يلزم البيت ولذلك يقال لمن يلزم بيته فلان حلس بيته أي ملازمه ونحن أحلاس الخيل أي الملازمون لظهورها تشبيها بذلك للكساء في لزوم البيت، وأصل الحلس كساء رقيق يلزم ظهر البعير فيكون تحت الرحل، وقيل: القتب
(2)
.
قوله: "وقعب نشرب فيه من الماء" القعب: القدح من الخشب
(3)
.
قوله: "واشتر بالآخر قدوما" القدوم روى بتخفيف الدال وتشديدها فقالوا: آلة النجار وهي الفأس يقال لها القدوم بالتخفيف لا غير وأما القدوم الذي هو مكان بالشام على ستة أميال من المدينة ففيه التشديد والتخفيف، فمن رواه بالتشديد أراد القرية ومن رواه بالتخفيف يحتمل القرية والآلة
(1)
أبو داود (1641)، والترمذي (1218)، وابن ماجة (2198)، وأحمد (12134)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (213).
(2)
انظر: غريب الحديث (1/ 562) لابن قتيبة، ومشارق الأنوار (1/ 197).
(3)
الصحاح (1/ 204)، والمشارق (2/ 190).
والأكثرون على التخفيف وإرادة الآلة
(1)
أ. هـ قاله الكرماني
(2)
.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" متفق عليه
(3)
، القدوم مخفف الدال قيل أنه اسم موضعين أحدهما جبل بالحجاز قرب المدينة وبه اختتن إبراهيم عليه السلام، والثاني: قرية عند حلب، وقيل: هو بمجلس إبراهيم عليه السلام بحلب، وقيل: القدوم آلة النجار وهي أيضًا مخففة
(4)
، وفي الحديث "الفطرة خمس: الختان"
(5)
فالختان فرض لأنه شعار الدين كالكلمة وبه يتميز المسلم من الكافر، ولولا [أنه فرض] لم يجز كشف العورة ولا النظر إليها والأربعة الباقون المذكورة في الحديث ستة، فإن قلت: فما أوجه الجمع بينهما؟ قلت: لا يمتنع قران الواجب مع غيره كقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}
(6)
(7)
، قال النووي: الختان واجب عند الشافعي وكثيرين من العُلماء وسنة عند مالك وأكثر العُلماء، وهو عند الشافعي واجب للرجال والنساء معا ثم الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي
(1)
شرح النووي على مسلم (15/ 122)، وكشف المناهج (5/ 95).
(2)
الكواكب الدراري (14/ 15).
(3)
أخرجه البخاري (3356) و (6298)، ومسلم (151 - 2370).
(4)
عمدة القاري (15/ 247).
(5)
أخرجه البخاري (5889) و (5891) و (6297)، ومسلم (49 و 50 - 257).
(6)
سورة الأنعام، الآية:141.
(7)
الكواكب الدراري (21/ 110).
تغطي الحشفة واختلف الأصحاب في الخنثى المشكل فقيل: يجب [ختانه في فرجيه بعد البلوغ وقيل لا يجوز حتى يتبين وهو الآظهر وأما من له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما وإن كان أحدهما عاملا دون الآخر ختن العامل وفيما يعتبر العمل به وجهان أحدهما بالبول والآخر بالجماع]
(1)
.
قوله: فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيده، أي سمره فيه [ثم قال اذهب واحتطب وقوله:] "هذا خير لك المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة" والنكتة الأثر [في الشيء. وقال الجوهري: النكتة: النقطة]. بذلك جاء في حديث آخر "فإن مسأله كروحا أو خموشا في وجهه" فيكون سمة الأول وشهرة وصغار في ذلك اليوم.
قال الخطابي رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه جواز بيع المزايدة وأنه ليس بمخالف لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه لأن ذلك إنما هو بعد وقوع العقد ووجوب الصفة وقبل التفرق من المجلس وهذا إنما في حال المراودة والمساومة وقبل تمام المبايعة، وفيه إثبات الكسب والأمر به، وفيه: أنه لم يرد الصدقة تحل له مع القوة على الكسب
(2)
، وأما حكم هذا الحديث فإن النبي صلى الله عليه وسلم أحسن في التعليم وتلطف في الفهم وبالغ في التأكيد، أما إحسانه في التعليم: فإنه ما كهره ولا علمه بعنف، وأما تلطفه في التفهيم: فلأنه دله على طريق واحدة من الغنى
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 148).
(2)
معالم السنن (2/ 69).
يليق بالأنصاري، وأما كونه بالغ في التوكيد: فلأنه جعل تعليمه بمثال حسي ولم يقصره على القول بل درجه فيه حتى باشر طريق الكسب وشاهد برهان الْأَمر فلم يبق الرجل يسعه إن يتشكك ولم تبق له حجة يحتج بها، فلما صار ذلك محسوسا عد الرجل محققا ومشاهدا عند الصحابة، بينما أتى عليه الصلاة والسلام بعد ذلك بالحكم المحتوم على حكم ثبوته وهو قوله:"هذا خير لك" أي: التكسب خير لك من المسألة ولم يقتصر على ذلك حتى بين غاية المسألة و [عقباها] في الدنيا والآخرة وهي أنها تجيء في وجهه تؤذن بالخزي والمعيرة والصغار والذلة، فينبغي للعزيز النفس السامي الهمة الحر الطباع الكريم الأعراق أن يستعفف ويجتزئ باليسير فإن القناعة شرف في الدينا والآخرة، قال: ومن كان صحيح البدن قادرا على الكسب وترك ذلك وسأل الناس فهو ساقط الهمة مهين النفس عديم الإنسانية عبد بالطبع بل أخس من العبد ومن الكلب أيضًا، فإن الكلب يعطي لحرفة حراسته وهذا المهين يريد أن يعطي ولا شبهة له في الاستحقاق فذلك لا يثيب الله من يرفده ولا يعين من يعينه، وقال ابن بطال
(1)
: اختلف الفقهاء في بيع المزايدة فأجازها مالك والكوفيون والشافعي وأحمد وكان الأوزاعي يكره المزايدة إلا في الغنائم والمواريث وهو قول إسحاق وروي عن أيوب [وربيعة] بن عامر كراهية الزيادة وعن إبراهيم النخعي أنه كره [بيع] من يزيد أ. هـ، وتقدم الكلام على شرح هذا الحديث في [الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره].
(1)
شرح الصحيح (6/ 269).
2606 -
وَعَن سعيد بن عُمَيْر عَن عَمه رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَي الْكسْب أطيب قَالَ عمل الرجل بِيَدِهِ وكل كسب مبرور رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد قَالَ ابْن معِين عَم سعيد هُوَ الْبَراء
(1)
.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن عُمَيْر مُرْسلا وَقَالَ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَأَخْطَأ من قَالَ عَن عَمه
(2)
.
قوله: وعن سعيد بن عمير عن عمه رضي الله عنه، قال ابن مَعين عم سعيد هو: البراء بن عازب [هو بتخفيف الراء وبالمد، هذا هو الصحيح المشهور عند طوائف العُلماء من أهل الحديث، والتاريخ، والأسماء، واللغات، والمؤتلف والمختلف، وغيرهم، وحكى فيه القصر. وهو أبو عمارة، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الطفيل البراء بن عازب بن الحارث بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارى الأوسى الحارثى المدني، أمه أم حبيبة بنت أبي حبيبة، وقيل: أم خالد بنت ثابت، وأبوه عازب صحابي، ذكر محمد بن سعد في الطبقات أنه أسلم. روى للبراء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة حديث وخمسة أحاديث، اتفق البخاري ومسلم منها على اثنين وعشرين، وانفرد البخاري بخمسة عشرة،
(1)
الحاكم (2/ 10)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1033).
(2)
البيهقي في السنن (5/ 263)، وفي الشعب (1228)، وأبو عبيد في غريب الحديث (4/ 469)، وقال البيهقي: هذا هو المحفوظ مرسلا، وقال البخاري: أسنده بعضهم وهو خطأ.
ومسلم بستة. نزل الكوفة وتوفى بها زمن مصعب بن الزبير. استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وأول مشاهده أحد، روينا في صحيح البخاري، عن البر اء، قال: استصغرت أنا وابن عمر يوم بدر. وشهد البراء مع أبي موسى غزوة تستر، وشهد مع علي، رضى الله عنه، الجمل، وصفين، والنهروان، هو وأخوه عبيد بن عازب، وكان للبراء ابنان: يزيد، وسويد، رضى اللّه عنه وعنهما].
قوله: سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ قال: "عمل الرجل بيده وكل [كسب] مبرور"، قال أبو الليث السمرقندي
(1)
: كره بعض الناس الاشتغال بالكسب
(2)
وقالوا: الواجب على الإنسان الاشتغال بعبادة ربه ويتوكل عليه، وقال عامة أهل العلم: الكسب بمقدار ما يطفيه ولعياله واجب
(1)
بستان العارفين (ص 367).
(2)
أما التفرغ لطلب العلم فلا شك أن طلب العلم من أفضل العبادات ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالي، وذلك لما اشتمل عليه من إصلاح للفرد ونفع للمجتمع وإحياء للشرع وعلومه. فقد روى ابن ماجة وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا ذر لأن تغدو فتعلم آية من كتاب خير لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن تغدو فتعلم بابا من العلم عمل به أو لم يعمل خير من أن تصلي ألف ركعة. قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: إسناده حسن.
ويكفي العلم فضلًا وشرفا أن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستزيد من شيء سوى العلم فقال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
فإذا استطاع الإنسان أن يجمع بين طلب العلم والبقاء في العمل فلا شك أن هذا أفضل، وإذا لم تستطع الجمع بينهما ولم تكن تحتاج إلى العمل وكان لديك ما يكفيك أنت ومن تجب عليك نفقته فلا كرهة حينها على من ترك العمل وتفرغ لطلب العلم لأن العمل لا يجب على من لا يحتاج إليه.
فإن زاد على ذلك فهو مباح والاشتغال بالعبادة أفضل فإن اشتغل بطلب الزيادة لا يكون حراما إذا لم يرد الفخر والرياء وأما من قال إنه لا يشتغل بالكسب فلأن اللّه تعالى قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}
(1)
وأخبر أنه خلق الخلق لعبادته فينبغي لهم أن يشتغلوا بعبادة ربهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أوحى إليّ بأن أجمع المال ولا أكون من التاجرين ولكنه أوحي إليّ بأن سبح بحمد ربك" وكن من الساجدين {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}
(2)
وأما حجة من قال أن طلب قوته وقوت عياله واجب لأن اللّه تعالى فرض الفرائض ثم لا يتهيأ للعبد أداء الفرائض إلا باللباس وقوت النفس وذلك لا يقدر عليه إلا بالكسب قال اللّه تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}
(3)
وروى النبي صلى الله عليه وسلم[تبايعوا بالبز فإن] أباكم إبراهيم كان بزازًا، وقيل: إذا وجد الرجل ست خصال يكون سيد الرجال ثلاث من خارج البيت وثلاث من داخله، فأما اللواتي من خارج البيت فالأولى الاستفادة من العُلماء، الثاني: مخالطة أهل الورع، الثالثة: أن يطلب قوته وقوت عياله من وجه ما يحل ويحمل، وأما اللواتي من داخل البيت وهي الرابعة المذاكرة مع أهله بما يسمع من العُلماء، الخامسة: استعمال النفس بما [رأي] من أهل الورع، السادسة: أن يوسع على أهله من اللباس والطعام بمقدار، أ. هـ.
(1)
سورة الذاريات، الآية:56.
(2)
سورة الحجر، الآية:99.
(3)
سورة الجمعة، الآية:10.
ومن الآثار قول لقمان: يا بني استغن بالكسب الحلال على الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابته ثلاث خصال رقه في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته، وقال عمر رضي الله عنه: لا يقعد أحدكم عن الرزق ويقول: ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة
(1)
.
2607 -
وَعَن جَمِيع بن عُمَيْر عَن خَاله قَالَ سُئِلَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم عَن أفضل الْكسْب فَقَالَ بيع مبرور وَعمل الرجل بِيَدِهِ رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِاخْتِصَار وَقَالَ عَن خَالِه أبي بردة بن نيار وروى الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد اللّه بن نمير وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيت فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ عَن سعيد بن عُمَيْر
(2)
.
قوله: وعن جميع بن عمير عن [خاله هو سعيد بن عمير بن نيار، ويقال: سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاري، الحارثي، المدني، ابن أخي أبي بردة بن نيار وقال البيهقى: هكذا رواه شريك القاضي، وغلط فيه في موضعين:
أحدهما: في قوله جميع بن عمير وإنما هو سعيد بن عمير. والأخير: في وصله، وإنما رواه غيره عن وائل مرسلا، وهو المحفوظ، وقال شريك، عن وائل بن داود، عن جميع بن عمير عن خاله أبي بردة وجميع خطأ، وقال المسعودي: عن وائل بن داود، عن عباية بن رافع بن خديج [عن أبيه] وهو خطأ، قال: والصحيح: رواية وائل عن سعيد بن عمير، وأما أبو بردة بن نيار اسمه هانئ، بنون بعدها همزة، ابن نيار، بنون مكسورة ثم ياء مثناة تحت
(1)
إحياء علوم الدين (2/ 62).
(2)
أحمد (15836)، والبزار (1258)، والطبراني في الكبير (22/ رقم 520)، والحاكم (2/ 10)، والبيهقي في السنن (5/ 263)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1033).
مخففة بلا همزة، ابن عمرو بن عبيد بن كلاب بن غنم بن هبيرة بن ذهل بن هانى بن بلى بن عمرو بن حلوان بن الحاف بن قضاعة البلوى المدني، وقيل: اسمه الحارث بن عمرو، وقيل: مالك بن هبيرة، والأول أشهر وأصح.
شهد العقبة الثانية مع السبعين، وشهد بدرا، وأحدا، والخندق، وسائر المشاهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم. وروى عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، روى له البخاري ومسلم حديثًا واحدا. روى عنه جابر بن عبد اللّه، ثم جماعة من التابعين. شهد مع علي، رضى اللّه عنه، حروبه، وتوفي سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة إحدى أو اثنتين وأربعين، ولا عقب له، وهو خال البراء بن عازب].
2608 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ سُئِلَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَي الْكسْب أفضل قَالَ عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط وَرُوَاته ثِقَات
(1)
.
2609 -
وَعَن رَافع بن خديج رضي الله عنه قَالَ قيل يَا رَسُول اللّه أَي الْكسْب أطيب قَالَ عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار
(2)
. وَرِجَال
(1)
الطبراني في الكبير (13939)، وفي الأوسط (2140)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 60)، رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1033).
(2)
أحمد (17265)، والبزار (1257)، والطبراني في الكبير (4411)، وفي الأوسط (7918)، والحاكم (2/ 10)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 60)، رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه اختلط وبقية رجال أحمد رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1033).
إِسْنَاده رجال الصَّحِيح خلا المَسْعُودِيّ فَإِنَّهُ اخْتَلَط وَاخْتلف فِي الاحْتِجَاج بِهِ وَلَا بَأس بِهِ فِي المتابعات.
قوله: وعن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه يحب المؤمن المحترف" الحديث، المحترف الذي يكتسب ويتسبب، وقال سهل: من طعن على الحرفة فقد طعن على الإيمان
(1)
، وقال تعالى:{فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}
(2)
فلابد من طلب المعيشة وقال تعالى في داود عليه السلام {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ}
(3)
(4)
قال العُلماء: أي يحترفون ويتجرون وقال تعالى {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}
(5)
وكانت الصحابة يتجرون ويحترفون في أموالهم يعملون كما تقدم، وأما أصحاب الصفة فإنهم كانوا ضيوف الإسلام عند ضيق الحال فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتته صدقة خصهم بها وإن أتته هدية شاركهم فيها وأكلها معهم وكانوا مع هذا يحتطبون ويسقون الماء إلى آبيات رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كما وصفهم البخاري في كتابه وكانوا سبعين
(1)
تلبيس إبليس (ص 248).
(2)
سورة الجمعة، الآية:10.
(3)
سورة الأنبياء، الآية:80.
(4)
سورة الفرقان، الآية:20.
(5)
سورة الأنفال، الآية:69.
رجلًا فيما قال أبو هريرة وما لهم ذرية، ثم لما فتح اللّه عليهم البلاد ومهد لهم المهاد [تأمروا] وبالأسباب أمروا قال تعالى لمريهم عليها السلام {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)}
(1)
وقد كان قادرًا على سقوط الرطب من غير هز ولا تعب، شعر:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أوْحَى لمريمٍ
…
إليكِ فهُزي الجذعَ تسَّاقَطِ الرُّطَبْ
وَلَوْ شَاءَ أَحْنَى الْجِذْعَ مِنْ غَيْرِ هَزِّهِ
…
وَلَكِنْ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ سَبَبْ
(2)
تنبيه: قال الإمام القرطبي: لعل ظانا يظن أن الأسباب تحط منزلة من استعملها وليس كذلك، فإن استعمال الكسب لا يقدح في التوكل وهو كان دأب الأنبياء والصالحين كما تقدم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"جعل رزقي تحت ظل رمحي" الحديث، رواه البخاري
(3)
، فجعل اللّه تعالى رزق نبيه في أشرف وجوه المكسب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنة واشترى سلمان، وسقا من طعام فقيل له في ذلك فقال: إن النفس إذا أحرزت القوت اطمأنت
(4)
، انتهى.
سؤال: لم وضع اللّه المكاسب في الدنيا؟ قيل: لثلاثة أوجه أحدها [أنه أراد أن يعمر] الآخرة فزينها بشرائع الآخرة وأراد أن يعمر الدنيا [فزينها] بكسب
(1)
سورة مريم، الآية:25.
(2)
قمع الحرص (ص 107).
(3)
البخاري تعليقًا ممرضا (4/ 40).
(4)
قمع الحرص (ص 104).
الدنيا لتكون الداران عامرتين، الثاني: وضع الكسب بين الطاعة والمعصية ليحجبك عن المعصية كي لا تقع سريعا في المعصية وهذه رحمة من اللّه تعالى حتى لو كسلت عن الطاعة فتشتغل بالرخصة ولا تقع في المعصية، الثالث: ليعتبر الأولياء ويقولون إن الدنيا الفانية لا تدرك إلا بالطلب فكيف توجد الآخرة الباقية بغير طلب، قال عطية بن بسر في قوله تعالى {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}
(1)
قال: علمه ألف حرفة ثم قال: قل لأولادك إن أردتم الدنيا فاطلبوها بهذه الحرف ولا تطلبوها بالدين
(2)
، وعن الحسن البصري أنه رأى رجلًا يضرط للناس ويعطونه فقال: هذا رجل يأخذ الريح بالريح، يعني: أن الدنيا ريح
(3)
.
2612 -
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رضي الله عنها. قالَت قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من أَمْسَى كالا من عمل يَده أَمْسَى مغفورا لَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والأصبهاني من حَدِيث ابْن عَبَّاس
(4)
.
وَتقدم من هَذَا الْبَاب غير مَا حَدِيث فِي الْمَسْألة أغْنى عَن إِعَادَتهَا هُنَا.
قوله: وروي عن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام على مناقبها.
(1)
سورة البقرة، الآية:31.
(2)
أخرجه الديلمى كما في (2099) و (2818)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 57).
(3)
الكشكول (ص 366)، وكشف الأسرار (لوحة 10).
(4)
الطبراني في الأوسط (7520)، والأصبهاني في الترغيب (1102)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 63)، وفيه جماعة لم أعرفهم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5485).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له" الحديث، الكلل: ما يحصل للإنسان من التعب من أمور الدنيا الشاقة من عمل يده.
2610 -
وَعَن كَعْب بن عجْرَة رضي الله عنه قَالَ مر على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجل فَرَأى أَصْحَاب رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فَقَالُوا يَا رَسُول اللّه لَو كَانَ هَذَا فِي سَبِيل اللّه فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن كَانَ خرج يسْعَى على وَلَده صَغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيل اللّه وَإِن كَانَ خرج يَسْعَى على أبوين شيخين كبيرين فَهُوَ فِي سَبِيل اللّه وَإِن كَانَ خرج يسْعَى على نَفسه يعفها فَهُوَ فِي سَبِيل اللّه وَإِن كَانَ خرج يسْعَى رِيَاء ومفاخرة فَهُوَ فِي سَبِيل الشَّيْطَان رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرِجَاله رجال الصَّحِيح
(1)
.
2611 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن اللّه يحب الْمُؤمن المحترف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَيْهَقِيّ
(2)
.
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (19/ رقم 282)، وفي الأوسط (6835)، وفي الصغير (922)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 325)، رواه الطبراني في الثلاثة، ورجال الكبير رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1428).
(2)
الطبراني في الكبير (13200)، وفي الأوسط (8934)، والبيهقي في شعب الإيمان (1237)، والقضاعي (1073)، وابن عدي في الكامل (2408)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 589)، قال البيهقي: تفرد به أبو الربيع عن عاصم وليسا بالقويين، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 60)، رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عاصم بن عبيد اللّه وهو ضعيف، وقال ابن عدي: وأبو الربِيع السمان له من الحديث غير ما ذكرت، وفي أحاديثه ما ليس بمحفوظ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وأنكر ما حدّث عنه ما ذكرته.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1704).
قوله: عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: مَرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحابُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مِن جَلَدِه ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل اللّه، الحديث، يقال: رجل جلد ساكن اللاك وجليد بين الجلد والجلادة ومجلود، والجلد بالفتح القوة والشدة والصبر، أي قويا في نفسه وجسمه.
قوله: "إن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل اللّه وإن خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل اللّه" الحديث، وعن عمران بن حصين قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف أبا العيال" انفرد به ابن ماجة، وقال عبد اللّه بن المبارك وهو مع [إخوانه] في [الغزو] وتعلمون عملا أحسن مما نحن فيه، قال: لا نعلم ذلك، قال: أنا أعلم، رجل متعفف ذو عيال قام من الليل فنظر إلى صبيانه يتامى متكشفين فسترهم وغطاهم بثوبه فعمله أفضل ممانحن فيه
(1)
، وقال عليه الصلاة والسلام:"من [حسنت] صلاته وكثرت عياله وقل ماله ولم يغتب المسلمين كان معي في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى" رواه أبو يعلى الموصلي من حديث أبي سعيد الخدري
(2)
، وقال بعض السلف: من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهم بطلب المعيشة، وهذا رواه الطبراني في
(1)
إحياء علوم الدين (2/ 32).
(2)
أخرجه أبو يعلى (990)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 123). وقال الألباني: موضوع الضعيفة (5270) وضعيف الترغيب (1862).
معجمه الأوسط وأبو نعيم في الحلية والخطيب في تلخيص المتشابه من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف
(1)
، وذكر الغزالي في بعض التفاسير أن قوله تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}
(2)
هي الزوجة الصالحة وكان عمر يقول: ما أعطي عبد بعد الإيمان باللّه خيرا من امرأة صالحة
(3)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 38 - 39 رقم 102)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 335)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 124 - 125).
قال الطبراني: لم يروه عن مالك إلا يحيى بن بكير، تفرد به: محمد بن سلام. قال أحمد بن يحيى: فقلت: كيف سمعتُ هذا من ابن بكير ولم يسمعه أحد غيرك؟ فقال: كنت عند ابن بكير جالسا، فجاءه رجل، فذكر ضعف حاله، فقال ابن بكير: حدّثنا مالك، وذكر هذا الحديث. قال الهيثمي في المجمع 4/ 64: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن سلام المصري، قال الذهبي: حدّث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (924).
(2)
سورة النحل، الآية:97.
(3)
الإحياء (2/ 31).