الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمران وما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها
2243 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تجْعَلُوا بُيُوتكُمْ مَقَابِر إِن الشَّيْطَان يفر من الْبَيْت الَّذِي تقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر" أي: اجعلوا لبيوتكم حصة من ذكركم وتلاوتكم وصلاتكم لئلا تكون كالمقابر التي تورط أهلها في مهاوي الفناء فقصرت مقدرتهم عن العمل.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة" هكذا رواه بعض رواة مسلم "يفر" وضبطه الجمهور "ينفر" وكلاهما صحيح وإذا كان هذا شان البيت فما ظنك بالقارئ قاله في حدائق الأولياء
(2)
، وفي الحديث جواز أن يقال سورة البقرة
(3)
وسيأتي الكلام على ذلك في هذا الباب وفيه أيضا دليل على الحث على قراءة سورة البقرة.
(1)
مسلم (780)، والترمذي (2877)، والنسائي (8015)، وأحمد (7821)، وابن حبان (783).
(2)
حدائق الأولياء (2/ 89).
(3)
إحكام الأحكام (2/ 94).
2244 -
وَعَن معقل بن يسَار رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَقَرَة سَنَام الْقُرْآن وذروته نزل مَعَ كل آيَة مِنْهَا ثَمَانُون ملكا واستخرجت {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(1)
من تَحت الْعَرْش فوصلت بهَا أَو فوصلت بِسُورَة الْبَقَرَة وَيس قلب الْقُرْآن لَا يقْرؤهَا رجل يُرِيد الله وَالدَّار الْآخِرَة إِلَّا غفر لَهُ رَوَاهُ أَحْمد عَن رجل عَن معقل
(2)
وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مِنْهُ ذكر يس
(3)
.
قوله: وعن معقل بن يسار رضي الله عنه[هو أبو عبد الله، ويقال: أبو يسار، وأبو على معقل بن يسار بن معبر بن حراق بن لأى بن كعب بن عبيد بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان المزنى البصرى، ومعبر بضم الميم، وفتح العين المهملة، وكسر الموحدة المشددة، وقيل: معير بكسر الميم، وإسكان العين، وفتح المثناة تحت، وحراق بضم الحاء المهملة، وقيل: حسان بدل حراق، ويقال لأولاد عثمان وأوس ابنى عمرو: بنو مزينة، نسبوا إلى أمهم مزينة بنت كلب بن وبرة، وكان معقل هذا من مشهورى الصحابة، شهد بيعة الرضوان، ونزل البصرة، وبها توفى في آخر خلافة معاوية، وقيل: توفى أيام يزيد. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وثلاثون حديثا، اتفقا على حديث، وانفرد البخاري
(1)
سورة البقرة، الآية:255.
(2)
أحمد (20300)، والنسائي (10914)، والطبراني في الكبير (511)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 311)، رواه أحمد وفيه رجل لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3)
أبو داود (3121)، والنسائي (10913)، وابن ماجه (1448)، وأحمد (20301)، وابن حبان (3002)، وقال الألباني في إسناده جهالة كما يأتي.
بحديث، ومسلم بحديثين. روى عنه عمرو بن ميمون، وأبو عثمان النهدى، والحسن البصرى، قال أحمد بن عبد الله العجلى: ليس في الصحابة من يكنى أبا على غير معقل بن يسار هذا، وهذا الذي قال مردود، فقد سبق أن طلق بن على كنيته أبو علي. وذكر الحاكم أبو أحمد وغيره أن قيس بن عاصم كنيته أبو علي، وقيل: أبو قبيصة، وكان لمعقل دار بالبصرة، وإليه ينسب نهر معقل الذي في البصرة، وإليه أيضا ينسب التمر المعقلى الذي بالبصرة، وروينا في صحيح مسلم، عن معقل بن يسار هذا، قال: لقد رأيتنى يوم الشجرة والنبى صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشر مائة، ولم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا" سنام كل شيء أعلاه مأخوذ من سنام البعير.
تتمة: سورة البقرة فسطاط القرآن وسنامه ولبابه تعلمها عمر بفقهها وما تحتوي عليه في اثنى عشر سنة وابنه عبد الله في ثمانين سنة، قال ابن العربي
(2)
: فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة وهم السحرة لمجيئهم بالباطل إذا قرئت في بيت لم تدخله مردة الشياطين ثلاثة أيام، أ. هـ.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 106 ترجمة 593).
(2)
أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (1/ 15).
قوله صلى الله عليه وسلم: "واستخرجت {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}
(1)
من تحت العرش فوصلت بها" سيأتي الكلام على آية الكرسي في باب مفرد إن شاء الله تعالى.
2245 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَمَا جِبْرَائِيل عليه السلام قَاعد عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فَوْقه فَرفع رَأسه فَقَالَ هَذَا بَاب من السَّمَاء فتح لم يفتح قطّ إِلَّا الْيَوْم فَنزل مِنْهُ ملك فَقَالَ هَذَا ملك نزل إِلَى الأَرْض لم ينزل قطّ إِلَّا الْيَوْم فَسلم وَقَالَ أبشر بنورين أُوتِيتهُمَا لم يؤتهما نَبِي قبلك فَاتِحَة الْكتاب وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة لن تقْرَأ بِحرف مِنْهُمَا إِلَّا أَعْطيته رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَتقدم
(2)
.
قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ابن عباس.
قوله: فقال هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال:"أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة" الحديث، فهذا الحديث يدل على أنها مدنية وأن جبريل لم ينزل بها وليس كذلك بل نزل بها جبريل عليه السلام نزل بتلاوتها بمكة ونزل الملك بفضلها وثوابها بالمدينة فتتفق الآثار وقد قيل إنها مكية مدنية نزل بها جبريل عليه السلام مرتين حكاه الثعلبي وغيره وما ذكرناه أولى
(3)
، وأنزلت بالمدينة قال القرطبي وهو قول مجاهد وأبي هريرة وعطاء بن يسار والزهري، وقيل:
(1)
سورة البقرة، الآية:255.
(2)
مسلم (806)، والحاكم (1/ 558).
(3)
التذكار (ص 172).
نزلت بمكة، قال ابن عباس وقتادة وأبو العالية وهو أصح لقوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}
(1)
، والحجر مكية بإجماع ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة وما حفظ أنه كان في الإسلام صلاة قط بغير الحمد لله رب العالمين ذكره في التذكار
(2)
.
2246 -
وَعَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اقرؤوا الْقُرْآن فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة شَفِيعًا لاصحابه اقرؤوا الزهراوين الْبَقَرَة وَسورَة آل عمرَان فَإِنَّهُمَا يأتيان يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو غيايتان أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف تحاجان عَن أصحابهما اقرؤوا سُورَة الْبَقَرَة فَإِن أَخذهَا بركَة وَتركهَا حسرة وَلَا تستطيعها البطلة قَالَ مُعَاوِيَة بن سَلام بَلغنِي أَن البطلة السَّحَرَة رَوَاهُ مُسلم
(3)
.
الغيايتان مثنى غياية بغين مُعْجمَة وياءين مثناتين تَحت وَهِي كل شَيْء أظل الْإِنْسَان فَوق رَأسه كالسحابة والغاشية وَنَحْوهمَا.
وفرقان أَي قطعتان.
قوله: وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران" الحديث، الزهراوين أي المنيرتين كما سمي القرآن نورا وهو كله راجع إلى البيان قاله
(1)
سورة الحجر، الآية:87.
(2)
التذكار (ص 171).
(3)
مسلم (804).
عياض
(1)
، قالوا: سميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما
(2)
، والزهراوين واحدتهما زهراء مأخوذ من الزهر والزهرة وهي البياض [النير] وهو أحسن الألوان
(3)
، وفيه تنبيه على أن مكان السورتين مما عداهما من سور القرآن مكان القمرين من سائر النجوم
(4)
ونصب البقرة وآل عمران على البدل من الزهراوين أو عطف البيان لهما. [وفي تسمية البقرة وآل عمران بالزهراوين ثلاثة أقوال: الأول أنهما النيرتان مأخوذ من الزهر والزهرة، فأما لهدايتهما قارئهما بما يزهران من أنوارهما أي من معانيهما وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة وهو القول الثاني. الثالث سميتا بذلك لأنهما اشتركتا فيما تضمنه اسم الله الأعظم كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}
(5)
والتي في آل عمران: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}
(6)
"، أخرجه ابن ماجه أيضًا في التفسير والغمام: السحاب الملتف، وهو الغياية إذا كانت قريبا من الرأس، وهي الظلة أيضا. والمعنى: إن قارئهما في ظل ثوابهما، كما جاء
(1)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 173)، مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 312).
(2)
شرح النووي على مسلم (6/ 89 - 90).
(3)
النهاية (2/ 321).
(4)
الميسر (2/ 492).
(5)
سورة البقرة، الآية:163.
(6)
سورة آل عمران، الآية:2.
"الرجل في ظل صدقته"
(1)
وفيه جواز قول سورة آل عمران وسورة النساء وسورة المائدة وشبهها ولا كراهة في ذلك وكرهه بعض المتقدمين وقال إنما يقال السورة التي يذكر فيها آل عمران والصواب الأول وبه قال الجمهور لأن المعنى معلوم
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان الحديث قال أبو عمرو: الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة والغبرة والظلمة ونحو ذلك، والغيايتان مثنى غياية بغين معجمة وياءين مثناتين تحت وهي كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه كالسحابة والغاشية ونحوهما قاله المنذري.
قوله صلى الله عليه وسلم أو كأنما فرقان من طير صواف الفرقان بكسر الفاء وإسكان الراء وفي الرواية الأخرى كأنهما حزقان من طير صواف والحزقان بكسر الحاء المهملة وإسكان الزاي ومعناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد فرق وحزق وحزيقة أي جماعة
(3)
وقوله: "حزقان" ذكره الحميدي فقال: خرقان بالخاء المعجمة مع الراء المهملة، وقال: إن كان محفوظا فالخرق ما انخرق من الشيء وبان منه، والصواب حزقان بالحاء المهملة والزاي المعجمة. قال ابن قتيبة: الحزق والحزيق والحزيقة والحازقة:
(1)
التذكار (ص 182 - 183)، وتفسير القرطبي (4/ 3).
(2)
شرح النووي على مسلم (6/ 90).
(3)
شرح النووي على مسلم (6/ 90 - 91).
الجماعة من الطير والناس
(1)
وقيل للجماعة حزقة، لانضمام بعضهم إلى بعض
(2)
.
وقوله: صواف جمع صافة يقول صففت القوم إذا أقمتهم في الحرب على خط مستو، وصفت الإبل قوائمها فهي صافة وصواف قال الله تعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}
(3)
أي قائمات. وقد صففن أيديهن وأرجلهن. وطير صواف: يصففن أجنحتهن في الهواء ومنه قوله سبحانه {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}
(4)
(5)
.
وفيه (تحاجان عن صاحبهما) الأصل في المحاجة أن يطلب كل واحد من المتخاصمين أن يرد صاحبه عن حجته ومحجته وأريد ها هنا مدافعة السورتين عن صاحبهما والذب عنه. وذلك داخل في المعنى المراد من المثل المضروب؛ لأنه إنما ضرب مثل السورتين مرة بغمامتين وكرة بغيايتين وتارة بفرقين من طير لينبه على أنهما يظللان صاحبهما عن حر الموقف وكرب يوم القيامة، وإنما بنى الأمر في بيان المراد على الأنواع الثلاثة ترتيبا لطبقات أهل الإيمان وتمييزا بين درجاتهم، فإن العباد وإن تباعدت منازلهم
(1)
كشف المشكل (4/ 201 - 202).
(2)
النهاية (1/ 378).
(3)
سورة الحج، الآية:35.
(4)
سورة النور، الآية:41.
(5)
الميسر (2/ 492).
في العبودية واختلفت أحوالهم في علوم المعارف لا يتعدون عن الأقسام الثلاثة التي وقع عليها التنصيص في كتاب الله تعالى {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}
(1)
وهم المفتونون الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا والأبرار والمقربون وإدخال (أو) في (غيايتان) و (فرقان) إنما كان] [الوجه الأيمن في هذه اللوحة ممسوح]. [الوجه الأيسر] للتقسيم لا للتردد عن الرواة لاتساق الروايات فيه على منوال واحد
(2)
، وعلى هذا يحتمل أنه ضرب الأول لأدناهم منزلة وهو أدناهم منزلة وهو أن يقرأهما ولا يعرف معناهما، والثاني: لمن وفق للجمع بين تلاوة اللفظ ودراية المعنى والثالث لمن ضم إليهما تعليم المستفيدين وإرشاد الطالبين وبيان حقائقهما ولطائفهما حتى صاروا من حضيض الجهالة إلى درج العرفان واليقين ولا جرم يمثل له يوم القيامة مساعيه طيورا صواف يحرسونه ويحاجون عنه بالدلالة على سعيه في الدين
(3)
، ثم إن الضرب الثاني أرفع وأنفع من الأول والثالث أفضل وأكمل من الثاني لأن قوله فرقان من طير يدل على أن أصحابهما قد بلغ منزلة لم يبلغها غيره، ثم تظليل الطير إياه من عجائب الأمور لأن تظليل الغمام قد كان لكثير من عباد الله تعالى فضلا عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأما تظليل الطير بتصفيف أجنحتها فإنه
(1)
سورة فاطر، الآية:32.
(2)
الميسر (2/ 492 - 493).
(3)
تحفة الأبرار (1/ 523 - 524).
مما أكرم الله تعالى به نبيه عليه الصلاة والسلام الذي أتاه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده
(1)
والله تعالى أعلم قاله شارح الأنوار.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة" قال معاوية بن سلام: بلغني أن البطلة السحرة، أ. هـ.
وعبر عن السحرة بالبطلة لأن ما يأتون له باطل سماهم باسم فعلهم وإنما لم يقدروا على حفظهما ولم يستطيعوا قراءتهما لزيغهم عن الحق واتباعهم للوساوس وانهماكهم ولجاجهم في الباطل
(2)
والله أعلم.
2247 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لكل شَيْء سَنَام وَإِن سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة وفيهَا آيَة هِيَ سيدة آي الْقُرْآن رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن حَكِيم بن جُبَير عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وَقَالَ حَدِيث غَرِيب
(3)
.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم من هَذِه الطَّرِيق أَيْضا وَلَفظه سُورَة الْبَقَرَة فِيهَا آيَة سيدة آي الْقُرْآن لَا تقْرَأ فِي بَيت وَفِيه شَيْطَان إِلَّا خرج مِنْهُ آيَة الْكُرْسِيّ وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(4)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل شيء سنام وإن سنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي
(1)
الميسر (2/ 493).
(2)
تحفة الأبرار (1/ 524).
(3)
الترمذي (2878)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4725).
(4)
الحاكم (1/ 560)، وعبد الرزاق (6019)، والحميدي (994).
سيدة آي القرآن" وفي الرواية الأخرى: "لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه آية الكرسي" تقدم الكلام على السنام وسيأتي الكلام على آية الكرسي.
لطيفة: روى اليافعي [الغافقي]، في كتاب نفحات الأزهار ولمحات الأنوار، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هبط عليّ جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن لكل شيء سيدا، فسيد البشر آدم، وسيد ولد آدم أنت، وسيد الروم صهيب، وسيد فارس سليمان، وسيد الحبش بلال، وسيد الشجر السدر، وسيد الطير النسر، وسيد الشهور رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام العربية، وسيد العربية القرآن، وسيد القرآن سورة البقرة" ذكره في حياة الحيوان
(1)
.
2248 -
وَعَن سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لكل شَيْء سناما وَإِن سَنَام الْقُرْآن سُورَة الْبَقَرَة من قَرَأَهَا فِي بَيته لَيْلًا لم يدْخل الشَّيْطَان بَيته ثَلَاث لَيَال وَمن قَرَأَهَا نَهَارا لم يدْخل الشَّيْطَان بَيته ثَلَاثَة أَيَّام رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
2249 -
وَعَن عبد الله رضي الله عنه قَالَ اقرؤوا سُورَة الْبَقَرَة فِي بُيُوتكُمْ فَإِن الشَّيْطَان لَا يدْخل بَيْتا يقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة رَوَاهُ الْحَاكِم مَوْقُوفا هَكَذَا وَقَالَ
(1)
حياة الحيوان (2/ 475).
(2)
ابن حبان (780)، والطبراني في الكبير (5864)، والعقيلي (2/ 6)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1933).
صَحِيح على شَرطهمَا
(1)
وَرَوَاهُ عَن زَائِدَة عَن عَاصِم بن أبي النجُود عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله فرفعه
(2)
.
قَالَ الْحَافِظ وَهَذَا إِسْنَاد حسن بِمَا تقدم وَالله أعلم.
قوله: وعن سهل بن سعد رضي الله عنه[هو أبو العباس، وقيل: أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصارى الساعدى المدنى، كان اسمه: حزنا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلا. شهد سهل قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين.
قال الزهرى: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة. وتوفى بالمدينة سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف. وقال غيره: بل فيه خلاف. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثا، اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد البخاري بأحد عشر. روى عنه الزهرى، وأبو حاتم، وغيرهما
(3)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة من قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام" الحديث، قال أبو حاتم: قوله عليه السلام "لم يدخل الشيطان بيته
(1)
الحاكم (1/ 561)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1170).
(2)
الحاكم (1/ 561).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 238 ترجمة 237).
ثلاثة أيام" أراد مردة الشياطين، وخرج الوائلي أبو نصر بإسناده من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة البقرة وآل عمران إيمانا واحتسابا جعل الله له يوم القيامة جناحين مضرجين بالدر والياقوت يطير بهما على الصراط أسرع من البرق" وقال الوائلي: وهذا حديث غريب الإسناد والمتن
(1)
، قول الحافظ: رواه ابن حبان في صحيحه عن زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي الأحوص.
2250 -
وَعَن أسيد بن حضير رضي الله عنه أَنه قَالَ يَا رَسُول الله بَيْنَمَا أَنا أَقرَأ اللَّيْلَة سُورَة الْبَقَرَة إِذْ سَمِعت وجبة من خَلْفي فَظَنَنْت أَن فرسي انْطلق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اقْرَأ أَبَا عتِيك فَالْتَفت فَإِذا مثل الْمِصْبَاح مدلى بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول اقْرَأ أَبَا عتِيك فَقَالَ يَا رَسُول الله فَمَا اسْتَطَعْت أَن أمضي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْمَلَائِكَة تنزلت لقِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة أما إِنَّك لَو مضيت لرأيت الْعَجَائِب رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أبي سعيد بِنَحْوِهِ وَتقدم.
(1)
أخرجه أبو الشيخ كما في الزيادات على الموضوعات (1/ 131 رقم 148) قال: أبو الشيخ: حدثنا سلمة بن عصام حدثنا عبد القدوس بن محمد حدثنا عمي صالح بن عبد الكبير بن شعيب عن عبد الله بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وذكره الذهبى في ترجمة عبد الله بن زياد من الميزان (2/ 381) فقال: عبد الله بن زياد أبو العلاء عن عكرمة بن عمار منكر الحديث، قاله البخاري، روى عبد الله بن زياد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة فذكره.
(2)
ابن حبان (779)، والطبراني في الكبير (566).
قوله: وعن أسيد بن حضير رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى تفسير الحديث قريبا.
2251 -
وَعَن النواس بن سمْعَان صلى الله عليه وسلم قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول يُؤْتى بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة وَأَهله الَّذين كَانُوا يعْملُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا تقدمه سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَضرب لَهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة أَمْثَال مَا نسيتهن بعد قَالَ كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو ظلتان سودوان بَينهمَا شَرق أَو كَأَنَّهُمَا فرقان من طير صواف يحاجان عَن صَاحبهمَا رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(1)
.
وَمعنى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم أَنه يَجِيء ثَوَاب قِرَاءَته كَذَا فسر بعض أهل الْعلم هَذَا الحَدِيث وَمَا يشبه من الْأَحَادِيث أَنه يَجِيء ثَوَاب قِرَاءَة الْقُرْآن وَفِي حَدِيث نواس يَعْنِي هَذَا مَا يدل على مَا فسروا إِذْ قَالَ وَأَهله الَّذين كَانُوا يعْملُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَفِي هَذَا دلَالَة على أَنه يَجِيء ثَوَاب الْعَمَل انْتهى.
قَوْله: بَينهمَا شَرق هُوَ بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَقد تكسر وبسكون الرَّاء بعدهمَا قَاف أَي بَينهمَا فرق يضيء.
قوله: وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه، بفتح السين وكسرها [وهو النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي كلاب كذا نسبه العلائي عن يحيى بن معين معدود في الشاميين، يقال: إن أباه سمعان بن خالد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له، وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم نعلين،
(1)
مسلم (805)، والترمذي (2883)، وأحمد (17637)، والطبراني في مسند الشاميين (1418).
فقبلهما، وزوج أخته من النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم تعوذت منه، فتركها وهي الكلابية، وقد اختلفوا في المتعوذة كثيرا روى النواس عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه: جبير بن نفير، وبسر بن عبيد الله، وغيرهما].
قوله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله
الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران" الحديث، قال الحافظ: ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم [أنه يجيئ] ثواب القراة القرآن، كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبهه من الأحاديث انه يجيء ثواب قراءة القرآن، وفي حديث نواس يعني هذا ما يدل على ما فسروه إذ قال وأهله الذين يعملون به في الدنيا ففي هذا دلالة على أنه يجيء ثواب العمل أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تقدمه سورة البقرة وآل عمران" وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد قال: كأنهما غمامتان أو ظلتان سودوان، والظلتان مثنى ظلة والظلة كل ما أظلك ومنه عذاب يوم الظلة وهي سحابة أظلتهم فلجئوا إلى ظلها من شدة الحر فأطبقت عليهم وأهلكتهم
(1)
وتقدم ذلك.
وقوله: "بينهما شرق" وهو بفتح المعجمة وقد تكسر وبسكون الراء بعدها قاف أي بينهما برق يضيء قاله الحافظ المنذري، وقال غيره: شرق هو بفتح الراء وإسكانها أي ضياء ونور والشرق ها هنا الشمس والشق أيضا، وممن حكى فتح الراء وإسكانها القاضي وآخرون والأشهر في الرواية واللغة
(1)
النهاية (3/ 160 - 161).
والإسكان
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما" تقدم الكلام على تفسير ذلك في أحاديث الباب.
2252 -
وَعَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه رضي الله عنه مَرْفُوعا تعلمُوا الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَإِنَّهُمَا الزهراوان يظلان صَاحبهمَا يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُمَا غمامتان أَو غيايتان أَو فرقان من طير صواف رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(2)
.
قوله: وعن [ابن] بريدة عن أبيه رضي الله عنه[ابن بريدة هو عبد الله بن بريدة هو أبو سهل، عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، قاضي مرو. تابعي من مشاهير التابعين وثقاتهم، سمع أباه، وسمرة بن جندب، وعمران بن حصين، وعبد الله بن مغفل، روى عنه ابنه سهل، وحسين المكتب، وعبد الله بن مسلم المروزي الأسلمي، مات بمرو، وله عند المراورة حديث كثير، وأبوه هو أبو عبد الله، ويقال: أبو سهل، ويقال: أبو الحصيب، ويقال: أبو ساسان بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، ابن عبد الله بن الحرب بن الأعرج بن سعد بن رزاح الأسلمى. سكن المدينة، ثم البصرة، ثم مرو، وتوفى بها سنة اثنتين وستين، وهو آخر من توفى من الصحابة، رضى الله عنهم، بخراسان. روى له
(1)
مشارق الأنوار (2/ 249 - 250)، ومطالع الأنوار (6/ 38)، والنهاية (2/ 464)، وشرح النووي على مسلم (6/ 91).
(2)
أحمد 5/ 348 (22950)، والدارمى (3434)، والحاكم (1/ 560). وقال الحاكم صحيح على شرطهما. وقال الهيثمي في المجمع 7/ 159: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (1466).
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأحد عشر. أسلم بريدة قبل بدر، ولم يشهدها، وقيل: أسلم بعدها. روى عنه ابناه عبد الله، وسليمان
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة" الحديث تقدم الكلام على ذلك أيضا في أحاديث تقدمت.
2253 -
وَعَن النُّعْمَان بن بشير رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله كتب كتابا قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بألفي عَام أنزل مِنْهُ آيَتَيْنِ ختم بهما سُورَة الْبَقَرَة لَا يقرآن فِي دَار ثَلَاث لَيَال فيقربها شَيْطَان رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم إِلَّا أَن عِنْده وَلَا يقرآن فِي بَيت فيقربه شَيْطَان ثَلَاث لَيَال وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(2)
.
قوله: وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما[هو أبو عبد الله النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس، بضم الجيم وتخفيف اللام، كذا قيده الحافظ عبد الغنى المقدسى وغيره. وقال ابن ماكولا: هو خلاس، بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام، ابن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصارى،
(1)
انظر: جامع الأصول (12/ 656)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 133 ترجمة 83)، وتهذيب الكمال (14/ ترجمة 3179).
(2)
الترمذي (2882)، وقال: حديث غريب، كذا في طبعة د. بشار، والنسائي (10803)، وابن حبان (782)، والحاكم (1/ 562)، وأحمد (18414)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1179).
وهو وأبوه وأمه صحابيون، اسم أمه عمرة بنت رواحة، شهد بشير العقبة الثانية، وبدرا، وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول أنصارى بايع أبا بكر الصديق، رضى الله تعالى عنهما، واستشهد مع خالد بن الوليد بعين التمر سنة اثنتى عشرة من الهجرة بعد انصرافه من اليمامة، روى عنه أبنه النعمان، وجابر بن عبد الله، وروى عنه أيضا عروة، والشعبى مرسلا، فإنهما لم يدركاه، وولد النعمان على رأس أربعة عشر شهرا من الهجرة، وهو أول مولود من الأنصار بعد الهجرة، وقيل في مولده غير ما ذكرنا، لكن ما ذكرناه هو الأصح الأشهر، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربعة عشر حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بأربعة. روى عنه ابناه بشير ومحمد، وعروة بن الزبير، والشعبى، وآخرون. قتل بالشام بقرية من قرى حمص في ذي الحجة سنة أربع وستين. وقال ابن أبي خيثمة: سنة ستين، استعمله معاوية على حمص، ثم على الكوفة، واستعمله عليها بعده يزيد بن معاوية، وكان كريما، جوادا، شاعرا، رضى الله تعالى عنه
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان" الحديث، وروي الدارمي في مسنده عن الشعبي قال عبد الله: من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل البيت شيطان تلك الليلة حتى
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 129 - 130 ترجمة 633).
يصبح أربعا من أولها وآية الكرسي وآية بعدها وثلاث خواتيمها أولها {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ}
(1)
(2)
وعن الشعبي عنه "من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة، وآية الكرسي، وآيتان بعد آية الكرسي، وثلاثًا من آخر سورة البقرة، لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان، ولا شيء يكرهه، ولا يقرأن على مجنون إلا أفاق"
(3)
.
2254 -
وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله ختم سُورَة الْبَقَرَة بآيتين أعطانيهما من كنزه الَّذِي تَحت الْعَرْش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم فَإِنَّهُمَا صَلَاة وَقُرْآن وَدُعَاء رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ
(4)
.
قَالَ الْحَافِظ مُعَاوِيَة بن صَالح لم يحْتَج بِهِ البُخَارِيّ إِنَّمَا احْتج بِهِ مُسلم وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن جُبَير بن نفير
(5)
.
قوله: وعن أبي ذر رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش" الحديث، أما إعطاء خواتيم سورة البقرة من كنزه الذي تحت عرشه
(1)
سورة البقرة، الآية:284.
(2)
أخرجه الدارمي (3425).
(3)
أخرجه الدارمي (3426).
(4)
الحاكم (1/ 562)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1610).
(5)
أبو داود في المراسيل (91).
فمعناه أنها ذخرت له وكنزت له فلم يؤتها أحد من قبله.
فإن قلت: الكلمة كيف كانت من الكنز؟ قلت: إنها كالكنز في كونها ذخيرة يتوقع الانتفاعات منها
(1)
وذلك أن كثيرا من آي القرآن منزل في الكتب السابقة منه ما هو باللفظ ومنها ما هو بالمعنى وهذه الآيات لم يؤتها أحد وإن كان فيه أيضًا ما لم يؤته غيره إلا أن في هذه الآيات خصوصية لهذه الأمة وهو وضع الإصرار الذي كان على الأمم المتقدمة فقال تعالى: {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}
(2)
فناسب ذكرها من الخصائص
(3)
والله أعلم.
2255 -
وَعَن عبيد بن عُمَيْر رضي الله عنه أَنه قَالَ لعَائِشَة رضي الله عنها أخْبِرِينَا بِأَعْجَب شَيْء رَأَيْته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَسَكَتَتْ ثمَّ قَالَت لما كَانَ لَيْلَة من اللَّيَالِي قَالَ يَا عَائِشَة ذَرِينِي أَتَعبد اللَّيْلَة لرَبي قلت وَالله إِنِّي أحب قربك وَأحب مَا يَسُرك قَالَت فَقَامَ فَتطهر ثمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَت فَلم يزل يبكي حَتَّى بل حجره قَالَت وَكَانَ جَالِسا فَلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حَتَّى بل لحيته قَالَت ثمَّ بَكَى حَتَّى بل الأَرْض فجَاء بِلَال يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يبكي قَالَ يَا رَسُول الله تبْكي وَقد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر قَالَ أَفلا أكون عبدا شكُورًا لقد نزلت عَليّ اللَّيْلَة آيَة ويل لمن قَرَأَهَا وَلم يتفكر فِيهَا {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
(1)
الكواكب الدراري (22/ 189).
(2)
سورة البقرة، الآية:286.
(3)
طرح التثريب (2/ 114).
وَالْأَرْضِ}
(1)
الْآيَة كلهَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَغَيره
(2)
.
2256 -
وروى ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سُفْيَان يرفعهُ قَالَ من قَرَأَ آخر آل عمرَان وَلم يتفكر فِيهَا ويله فعد بأصابعه عشرا
(3)
.
قوله: وعن عبيد بن عمير [هو أبو عاصم، عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر الليثي الحجازي، قاضي أهل مكة، قال مسلم: ولد في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: رآه، وهو معدود في كبار التابعين، سمع عمر، وأبا ذر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة. ولم يسمع من أبيه شيئا، ولا يذكره، روى عنه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، ومجاهد، مات قبل ابن عمر وقال شهاب بن خراش، قال العوام بن حوشب: رأى ابن عمر في حلقة عبيد بن عمير وكان من أبلغ الناس يبكي حتى بل الحصى بدموعه، وقال غيلان بن جرير عن عبيد بن عمير أنه كان إذا آخى في الله استقبل به القبلة وقال: اللهم اجعلنا سعداء بما جاء به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعل محمدا شهيدا علينا بالإيمان وقد سبقت لنا منك الحسنى غير متطاول علينا الأمد ولا قاسية قلوبنا ولا قائلين ما ليس لنا بحق ولا سائليك ما ليس لنا به علم
(4)
].
(1)
سورة البقرة، الآية:164.
(2)
ابن حبان (620)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (561)، وابن أبي الدنيا في التفكير، وابن المنذر، وابن عساكر، والأصبهاني في الترغيب، وصححه الألباني في صحيح الجامع (68).
(3)
ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر، كما في الدر المنثور (2/ 195).
(4)
جامع الأصول (12/ 696)، وتهذيب الكمال (19/ الترجمة 3730).
قوله: في حديث عمير قالت عائشة رضي الله عنها: فتطهر ثم قام يصلي، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي حتى بلَّ حجره؛ الحجر: يجوز فيه الفتح والكسر.
قوله: فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، أي: يعلمه بها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد نزلت عليّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
(1)
الآية كلها"، ويل: اسم واد في جهنم، وقيل: اسم حجر فيها يصعد عليه العرفاء وينزلون وتقدم الكلام على كلمة ويل في تخليل الأصابع في الوضوء مبسوطا وكذا في سجود التلاوة.
فائدة يختم بها الباب: تستحب قراءة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر إذا تكرر نومه واستيقاظه وخروجه، يستحب تكريره قراءة الآيات لحديث ورد في ذلك
(2)
والله أعلم.
(1)
سورة البقرة، الآية:164.
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 145 - 146). والحديث أخرجه البخاري (6215)، ومسلم (48 - 256) عن ابن عباس أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [البقرة: 164] حتى بلغ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] ثم رجع إلى البيت فتسوك وتوضأ، ثم قام فصلى ثم اضطجع ثم قام، فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى.