المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة وما جاء في فضلها - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٧

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب قراءة القرآن

- ‌الترغيب في قراءة القرآن في الصلاة وغيرها وفضل تعلمه وتعليمه والترغيب في سجود التلاوة

- ‌الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمه وما جاء فيمن ليس في جوفه منه شيء

- ‌الترغيب في دعاء يدعى به لحفظ القرآن

- ‌الترغيب في تعاهد القرآنه وتحسين الصوت به

- ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة البقرة وآل عمران وما جاء فيمن قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيها

- ‌الترغيب في قراءة آية الكرسي وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قراءة سورة الكهف أو عشر من أولها أو عشر من آخرها

- ‌التَّرْغِيب فِي قِرَاءَة سُورَة يس وَمَا جَاءَ فِي فَضلهَا

- ‌الترغيب في قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك

- ‌الترغيب في قراءة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وما يذكر معها

- ‌الترغيب في قراءة إذا زلزلت وما يذكر معها

- ‌الترغيب في قراءة ألهاكم التكاثر

- ‌الترغيب في قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌الترغيب في قراءة المعوذتين

- ‌كتاب الذكر والدعاء

- ‌الترغيب في الإكثار من ذكر الله سرا وجهرا

- ‌الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى

- ‌الترهيب من أن يجلس الإنسان مجلسا لا يذكر الله فيه ولا يصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الترغيب في كلمات يكفرنا لغط المجلس

- ‌الترغيب في قول لا إله إلا الله وما جاء في فضلها

- ‌الترغيب في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له

- ‌الترغيب في التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد على اختلاف أنواعه

- ‌الترغيب في جوامع من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

- ‌الترغيب في قول لا حول ولا قوة إلا بالله

- ‌الترغيب في أذكار تقال بالليل والنهار غير مختصة بالصباح والمساء

- ‌الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات

- ‌الترغيب فيما يقوله ويفعله من رأى في منامه ما يكره

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن من يأرق أو يفزع بالليل

- ‌الترغيب فيما يقول إذا خرج من بيته إلى المسجد وغيره وإذا دخلهما

- ‌الترغيب فيما يقوله من حصلت له وسوسة في الصلاة وغيرها

- ‌الترغيب في الاستغفار والإكثار منه في الليل والنهار

- ‌الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في كلمات يستفتح بها الدعاء وبعض ما جاء في اسم الله الأعظم

- ‌الترغيب في الدعاء في السجود ودبر الصلوات وجوف الليل الأخير

- ‌[الترهيب من استبطاء الإجابة وقوله دعوت فلم يستجب لي]

- ‌الترهيب من رفع المصلي رأسه إلى السماء وقت الدعاء وأن يدعو الإنسان وهو غافل

- ‌الترهيب من دعاء الإنسان على نفسه وولده وخادمه وماله

- ‌الترغيب في إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترهيب من تركها عند ذكره صلى الله عليه وسلم كثيرا دائما

- ‌كتاب البيوع(1)وغيرها

- ‌مشروعية البيع:

- ‌التَّرْغِيب فِي الاكْتِسَاب بِالْبيع وَغَيره

- ‌الترغيب في البكور في طلب الرزق وفيه وما جاء في نوم الصبحة

- ‌[الترغيب في ذكر اللّه تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة]

الفصل: ‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة وما جاء في فضلها

‌الترغيب في قراءة سورة الفاتحة وما جاء في فضلها

2237 -

عَن أبي سعيد بن الْمُعَلَّى رضي الله عنه: قَالَ كنت أُصَلِّي بِالْمَسْجِدِ فدعاني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم أجبه ثمَّ أَتَيْته فَقلت يَا رَسُول الله إِنِّي كنت أُصَلِّي فَقَالَ ألم يقل الله تَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}

(1)

ثمَّ قَالَ لأعلمنك سُورَة هِيَ أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن قبل أَن تخرج من الْمَسْجِد فَأخذ بيَدي فَلَمَّا أردنَا أَن نخرج قلت يَا رَسُول الله إِنَّك قلت لأعلمنك أعظم سُورَة فِي الْقُرْآن قَالَ الْحَمد لله رب الْعَالمين هِيَ السَّبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أُوتِيتهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه

(2)

.

قَالَ الْحَافِظ أَبُو سعيد: هَذَا لَا يعرف اسْمه وَقيل اسْمه رَافع بن أَوْس وَقيل الْحَارِث بن نفيع بن الْمُعَلَّى وَرجحه أَبُو عمر النمري وَقيل غير ذَلِك وَالله أعلم

(3)

.

قوله: عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه، قال الحافظ: أبو سعيد هذا قيل لا يعرف اسمه، وقيل: اسمه رافع بن أوس، وقيل: الحارث بن نفيع، ورجحه أبو عمر النمري وقيل: غير ذلك والله أعلم أ. هـ.

(1)

سورة الأنفال، الآية:24.

(2)

البخاري (4474)، وأبو داود (1458)، وابن ماجه (3785)، وابن خزيمة (862)، وأحمد (15730)، وابن حبان (777).

(3)

الاستيعاب (4/ 1669)، والإصابة (12/ ت 10050).

ص: 129

أبو سعيد هذا: أنصاري واسمه رافع بن أوس بن المعلى، وقيل: الحارث بن أوس المعلى ورجحه ابن عبد البر وكان من جلة الأنصار وساداتهم، توفي سنة أربع وتسعين وهو أول من صلى إلى القباء حين حولت وليس له في الصحيح سوى هذا الحديث وروى له النسائي حديثا آخر من حديث رواية عبيد بن حنين عنه، وقال أبو عمر بن عبد البر: لا يعرف في الصحابة إلا بحديثين فذكرهما قاله صاحب سلاح المؤمن

(1)

.

قوله: كنت أصلي بالمسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه ثم أتيته فقلت يا رسول الله: إني كنت أصلي، فقال: "ألم يقل الله تعالى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}

(2)

" الحديث، أجمعت الأمة على بطلان الصلاة بالكلام العمد الذي يصلح لخطاب الآدميين من غير عذر إذا لم يكن من مصلحة الصلاة لما روى مسلم عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}

(3)

فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام

(4)

، ثم الكلام المبطل هو المسموع [المهجى] وهو حرفان أو حرف مفهم فإذا نطق بحرفين بطلت صلاته سواء أفهما معنى أم لا، والحرف

(1)

سلاح المؤمن (ص 83).

(2)

سورة الأنفال، الآية:24.

(3)

سورة البقرة، الآية:238.

(4)

النجم الوهاج (2/ 216).

والحديث أخرجه مسلم (35 - 539).

ص: 130

الواحد إذا أفهم أبطل مثل: (ق) و (ع) و (ش) فإن لم يفهم لم تبطل وإن كان [قبل] الحرف [همزة] مثل آه بطلت سواء كان من خوف النار أو من غيره، وقال المحاملي: إن كان من خوف النار لم تبطل والمشهور الأول

(1)

.

فروع: الفرع الأول: لو دعا النبي صلى الله عليه وسلم مصليا في عصره لزمه إجابته على الأصح ولا تبطل صلاته به وما ذكرناه من وجوب الإجابة وعدم البطلان هو مذهب الشافعي وبه جزم الرافعي أنها تبطل بخطاب الملائكة وبقية الأنبياء، وحكى ابن الرفعة وجها إن إجابته لا تجب وتبطل به الصلاة والأول أصح

(2)

واللّه أعلم.

فرع في إجابة الأبوين: ثلاثة أوجه، أصحهما أن الإجابة لا تجب، وثانيهما: تجب وتبطل الصلاة، وثالثهما: تجب ولا تبطل الصلاة وأختار الشيخ أن الصلاة إن كانت نفلا قطعها وأجاب، وإن كانت فرضا لا يقطعها ولا يجيب والأصح البطلان ولا يجيب، وروينا في معجم ابن قانع من حديث حوشب الفهري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو كان جريج الراهب فقيها عالما لعلم أن إجابة أمه أفضل من عبادة ربه لأن الكلام الذي يحتاج إليه كان مباحا في ذلك، وكذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ وإشارة الأخرس المفهمة لا تبطل صلاته على الأصل قاله الكمال الدميري

(3)

.

(1)

كفاية النبيه (3/ 406 - 407)، والنجم الوهاج (2/ 217).

(2)

كفاية النبيه (3/ 407)، والنجم الوهاج (2/ 218)، وطرح التثريب (3/ 14).

(3)

النجم الوهاج (2/ 218).

ص: 131

الفرع الثاني: لو رأى صغيرا أو أعمى أو نحوهما مشرفا على الهلاك وأمكن إنذاره بغير الكلام كفعل أو فعلين فتكلم بطلت صلاته وإن لم يمكن إلا بالكلام فقيل: لا يجب إنذاره فإن فعل بطلت صلاته، والمذهب الوجوب فإن فعل بطلت صلاته والمذهب الوجوب فعلى هذا لا تبطل صلاته على الأصح لأنه قد لا يقع فيما يخاف منه، لكنه في الروضة تبع الرافعي فصحح البطلان لأنه قد لا يقع فيما يخاف منه

(1)

.

الفرع الثالث: قراءة الآية المنسوخة في الصلاة تبطلها، وفيه درجه أنها لا تبطل بآية الرجم والقراءة بالشواذ لا تبطل لكن تكره، قاله القاضي حسين، واشترط الرافعي أنه لا يكون فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصانه فتجوز

(2)

، ولا تبطل الصلاة كاللحن الذي لا يغير المعنى وإن كان فيها زيادة حروف أو تغيير معنى امتنع وتبطل الصلاة به إذا تعمده كقوله ثلاثة أيام [متتابعات] وقوله [فاقطعوا] أيمانهم وقوله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}

(3)

و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

(4)

برفع الله ونصب العلماء

(5)

وجزم النووي

(6)

في كتبه بتحريم القراءة بالشواذ من غير تفصيل، وحكى

(1)

روضة الطالبين (1/ 291)، وكفاية النبيه (3/ 407 - 408)، والنجم الوهاج (2/ 217 - 218).

(2)

كفاية النبيه (3/ 408)، والنجم الوهاج (2/ 116).

(3)

سورة البقرة، الآية:96.

(4)

سورة فاطر، الآية:28.

(5)

النجم الوهاج (2/ 116).

(6)

شرح النووي على مسلم (4/ 106): وقال وَيَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا يَجُوزُ

ص: 132

البغوي

(1)

في أول تفسيره الاتفاق على جواز القراءة بما يقرأ يعقوب وأبو جعفر لاستفاضها وصوبه الشيخ واختاره في فتاوي قاضي القضاة صدر الدين موهوب الجزري: أن القراءة بالشواذ جائزة مطلقا إلا في الفاتحة للمصلي، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ ولا الصلاة خلف من يقرأ بها وقال العجلي: تكره الصلاة بها وتجزئ الصلاة أ. هـ، قاله الكمال الدميري

(2)

.

الفرع الرابع: التلفظ بالنذر عامدا لا يبطل الصلاة على الأصح في شرح المهذب

(3)

لأنه مناجاة لله تعالى

(4)

، ويجب أن يكون محل هذا الخلاف فيما إذا قال لله على كذا فلو علق كإن شفى الله زيدًا [ونحوها] من صيغ التعليق [فلا وجه إلا] البطلان

(5)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم قال لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" الحديث، ومعنى قوله "أعظم سورة في القرآن" أراد به في الأجر لا أن بعض القرآن أفضل من بعض كما سيأتي بيانه

(6)

إنما قال أعظم سورة في

= بِالشَّوَاذِّ وفي المجموع شرح المهذب (2/ 165) وَتَجُوزُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا تَجُوزُ بِالشَّوَاذِّ.

(1)

تفسير البغوي - طيبة (1/ 37)

(2)

النجم الوهاج (2/ 116 - 117).

(3)

المجموع (4/ 85).

(4)

طرح التثريب (6/ 39).

(5)

النجم الوهاج (2/ 218).

(6)

التذكار (ص 41)، وتفسير القرطبي (1/ 110).

ص: 133

القرآن اعتبارا بعظم قدرها وتفردها بالخاصية التي لا يشاركها فيها سورة ولاشتمالها على فوائد ومعاني كثيرة مع قصرها ووجازة ألفاظها، ولذلك سميت أم القرآن

(1)

، وسميت فاتحة الكتاب لافتتاح القرآن بها، وسميت أم الكتاب لأنها أوله وأصله ولذلك شما مكة أم القرى لأنها أول الأرض وأصلها ومنها دحيت وحكي في التحرير لها عشرة أسماء: الحمد وفاتحة الكتاب وأم الكتاب وأم القرآن والسبع المثاني لأنه سبع آيات وتثني في الصلاة والوافية والكافية والشفاء والأساس وزاد الكاشغرى في غريبه الكنز، قال في الإكمال وكره قوم منهم ابن سيرين تسميتها بأم القرآن ولا وجه له لصحة الأحاديث به

(2)

.

قوله: "الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" الحديث، وسميت بذلك لأنها سبع آيات بالاتفاق

(3)

غير أن منهم من عد أنعمت عليهم دون التسمية ومنهم من عكس

(4)

، وقال عمرو بن عبيد ثمان آيات وجعل إياك نعبد آية

(5)

، وأجمعت الأمة على أنها قرآن ولم يكتبها ابن مسعود في مصحفه كما لم يكتب المعوذتين اكتفاء بحفظ الناس لذلك

(1)

شرح المشكاة (5/ 1639).

(2)

النجم الوهاج (2/ 11 أ - 112).

(3)

معاني القرآن (1/ 45)، وتفسير الكشاف (1/ 99)، وتفسير الماوردى (1/ 46)، وتفسير العز بن عبد السلام (1/ 88)، وتحفة الأبرار (1/ 521)، وجمال القراء (1/ 190) للسخاوى.

(4)

تحفة الأبرار (1/ 521).

(5)

المحرر الوجيز (1/ 58 - 59)، وتفسير ابن كثير (1/ 101).

ص: 134

واختلفوا هل مكية أو مدنية، فقيل: مكية، وقيل: مدنية، وقيل: نصفها مكي ونصفها مدني، حكاه أبو الليث السمرقندي في تفسيره

(1)

، والصواب الأول لأن الله تعالى قال:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)}

(2)

وسورة الحجر مكية بالإجماع ولا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة وما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة بغير فاتحة

(3)

أ. هـ.

وهي مثنى في الصلاة أو الإنزال فإنها نزلت بمكة حينما فرضت الصلاة وبالمدينة لما حولت القبلة

(4)

، أ. هـ.

وقال بعض العلماء: السبع المثاني من أسماء سورة الفاتحة لأنها تثنى في كل ركعة أو لأنها مثنى نصفها ثناء العبد للرب ونصفها إعطاء الرب للعبد

(5)

، وليس عطف القرآن على السبع المثاني من باب عطف الشيء على نفسه وإنما هو من باب ذكر الشيء بوصفين أحدهما معطوف على الأخرى أي هي الجامع لهذين الوصفين

(6)

.

2238 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله خرج على أبي بن كَعْب فَقَالَ يَا أبي وَهُوَ يُصلِّي فَالْتَفت أبي فَلم يجبهُ وَصلى أبي فَخفف ثمَّ انْصَرف

(1)

بحر العلوم (1/ 15).

(2)

سورة الحجر، الآية:87.

(3)

التذكار (ص 171).

(4)

تحفة الأبرار (1/ 521)، وشرح أبي داود للعينى (5/ 371).

(5)

نوادر الأصول (6/ 365)، وتفسير الثعلبى (5/ 350)، والميسر (1/ 239)، وتفسير النيسابورى (1/ 83).

(6)

الميسر (2/ 491).

ص: 135

إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السَّلام عَلَيْك يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْك السَّلام مَا مَنعك يَا أبي أَن تُجِيبنِي إِذْ دعوتك فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي كنت فِي الصَّلَاة قَالَ فَلم تَجِد فِيمَا أوحى الله إِلَيّ أَن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}

(1)

قَالَ بلَى وَلا أعُود إِن شَاءَ الله قَالَ أَتُحِبُّ أن أعلمك سُورَة لم ينزل فِي التَّوْرَاة وَلا فِي الإِنْجِيل وَلا فِي الزبُور وَلا فِي الْفرْقَان مثلهَا قَالَ نعم يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كيفَ تقْرَأ فِي الصَّلَاة قَالَ فَقَرَأَ أم الْقُرْآن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أنزل الله فِي التَّوْرَاة وَلا فِي الإِنْجِيل وَلا فِي الزبُور وَلا فِي الْفرْقَان مثلهَا وَإِنَّهَا سبع من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم الَّذِي أَعْطيته رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(2)

.

وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم بِاخْتِصَار عَن أبي هُرَيْرَة عَن أبي وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام عليه.

قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أبي بن كعب، تقدم الكلام على أبي بن كعب، وتقدم الكلام أيضا على إجابته صلى الله عليه وسلم في الصلاة في الحديث أول الباب.

قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: "أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل مثلها" الحديث، ومعنى قوله عليه السلام: "ما في التوراة ولا في الإنجيل

(1)

سورة الأنفال، الآية:24.

(2)

الترمذي (2875)، وأحمد (9345).

(3)

ابن خزيمة (861)، ابن حبان (775)، والحاكم (1/ 557)، والترمذي (3125)، وأحمد (8682)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي.

ص: 136

مثلها" أن الله تعالى لا يعطي لقارئ التوراة والإنجيل من الثواب مثل في يعطي لقارئ أم القرآن لأن الله تعالى بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه وهو فضل منه لهذه الأمة، وقال ابن العربي

(1)

: قوله صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزيور ولا في الفرقان مثلها" الفرقان من أسماء سور القرآن أي أنه فارق بين الحق والباطل والحلال والحرام يقال: فرقت بين الشيئين أفرق فرقا وفرقانا ومنه الحديث محمد فرق بين الناس، أي: يفرق بين المؤمنين والكافرين بتصديقه وتكذيبه قاله في النهاية

(2)

.

قوله: "وأنها سبع من المثاني والقرآن الذي أعطيته" الحديث، قيل: هي الفاتحة لكونها سبع آيات وقيل: السبع الطول بالضم جمع الطولي مثل الكبر في الكبرى وهذا البناء يلزمه الألف واللام أو الإضافة، والسبع الطوال هي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة

(3)

على أن تحسب التوبة والأنفال بسورة واحدة ولهذا لم يفصل بينهما في المصحف بالبسملة ومن في قوله من المثاني لتبيين الجنس ويجوز أن تكون للتبعيض أي سبع آيات أو سبع سورة من جملة ما يثنى به على الله من الآيات

(4)

، أ. هـ.

(1)

أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (1/ 14).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 439)

(3)

النهاية (3/ 144).

(4)

النهاية (2/ 335).

ص: 137

وسكت عن سائر الكتب كالصحف المنزلة وغيرها لأن هذه المذكورة أفضلها وإذا كان الشيء أفضل الأفضل كان أفضل الكل كقولك زيد أفضل العلماء فهو أفضل الناس وفي الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها حتى قيل إن جميع القرآن فيها وهي خمس وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن قاله القرطبي في كتابه التذكار

(1)

..

قوله صلى الله عليه وسلم: "كيف تقرأ في الصلاة؟ قال: تقرأ أم القرآن" سميت الفاتحة أم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله والتعبد بالأحكام والترغيب والترهيب بالوعد والوعيد وقصة الغابرين من العصاة والمطيعين

(2)

، قال ابن عرفة: سميت أم القرآن لأن السور تضاف إليها ولا تضاف إلى شيء من السور

(3)

، أ. هـ.

لطيفة: ذكر بعض العلماء أن في سورة الفاتحة اثنى عشر اسما من أسماء الله تعالى ولم يشرحها، قال الإقليش

(4)

فتأملت ما قال فوجدت فيها ثلاثة عشر اسما من أسماء الله تعالى طريقة من يجيز أن يشتق من الأفعال أسماء وأن يسمي الله تعالى بكل ما كان كمالا في حقه فمنها حميد من قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، ومنها الله وهو الاسم الأعظم الخاص لله عز وجل، ومنها

(1)

التذكار (ص 43).

(2)

تحفة الأبرار (1/ 286).

(3)

الميسر (1/ 238).

(4)

الانباء في شرح الصفات والأسماء (لوحة 8/ مخ 28924 أزهرية).

ص: 138

الرب، ومنها الرحمن، ومنها الرحيم، ومنها مالك، ومنها الديان من قوله:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ومنها المعبود من قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ومنها: المستعان من قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} وفي القرآن {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ}

(1)

، ومنها: الهادي من قوله: {اهْدِنَا} وقد ورد الهادي في القرآن في قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا}

(2)

الآية، ومنها: المنعم من قوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ولم يرد المنعم في القرآن ولا عند الترمذي في الأسماء المعدودة ووري في حديث لم يخرجه الترمذي وخرجه غيره في الأسماء المعدودة فعد منها المنعم ومنها المضل ولم يرد هذا الاسم في القرآن العزيز ولكن إجماع أهل الحق قد انعقد على أن الله تعالى يضل من يشاء ويهدي من يشاء فهو الهادي والمضل لا إله إلا هو.

ومن شرف الفاتحة أن الله تعالى قسمها بينه وبين عبده ولا تصح الصلاة إلا بها ولا يلحق عمل بثوابها وبهذا المعنى صارت أم القرآن العظيم كما صارت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن إذ القرآن تعدل ثلث القرآن إذ القرآن توحيد وأحكام ومواعظ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيها التوحيد كله، وبهذا المعنى وقع البيان في قوله عليه السلام لأبيّ:"أي آية في القرآن أعظم؟ " قال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وإنما كانت أعظم آية لأنها توحيد كلها كما صار قوله عليه الصلام "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا

(1)

سورة الأنبياء، الآية:112.

(2)

سورة الحج، الآية:54.

ص: 139

إله إلا الله وحده لا شريك له" أفضل الذكر لأنها كلمات حولت جميع العلوم في التوحيد والفاتحة تضمنت التوحيد والعبادة والتذكير ولا يستبعد ذلك في قدرة الله تعالى ذكره القرطبي في كتاب التذكار في أفضل الأذكار

(1)

.

2239 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم في مسير فَنزل وَنزل رجل إِلَى جَانِبه قَالَ فَالْتَفت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَلا أخْبرك بِأَفْضَل الْقُرْآن قَالَ بلَى فَتلا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(2)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بأفضل القرآن".

تتمة: اختلف العلماء في تفضيل بعض سور القرآن على بعض والآي على بعض وتفضيل بعض أسماء الله الحسنى على بعض فقال قوم: لا تفضيل لبعض على بعض لأن الجميع كلام الله تعالى وكذلك أسماء الله تعالى لا مفاضلة بينها وإلى هذا ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر بن الطيب وأبو حاتم البستى وجماعة من الفقهاء، وروي جماعة معناه عن مالك واحتج هؤلاء بأن الأفضل يؤذن بنقص المفضول والذاتية في الكل واحدة وقال قوم بالتفضيل وأن ما تضمنه قوله تعالى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}

(3)

الآية، وآية الكرسي وآخر

(1)

التذكار (ص 43).

(2)

ابن حبان (774)، والحاكم (1/ 560)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2592).

(3)

سورة البقرة، الآية:163.

ص: 140

سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانية الله وصفاته ليس موجودًا في [تبت يدا أبي لهب][وما كان] مثلها وهذا هو الحق، وقال بذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين [وهو اختيار القاضي أبي بكر بن العربي وابن الحصار لحديث أبي سعيد بن المعلى خرجه البخاري. قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه، فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال:"ألم يقل الله استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم" ثم قال: "لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد" ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن؟ قال: "الحمد لله رب العالمين وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل"

(1)

، والله أعلم.

قوله: قال بلى، فتلا {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} ، في معنى الرب أربعة أقوال حكاها الماوردي وغيره، المالك والسيد والمدبر والمربي الأولان من صفات الذات والأخيران من صفات الأفعال، فإن وصف الله تعالى برب لأنه مالك أو سيد فهو من صفات الذات، وإن وصف به لأنه مدبر خلقه ومربيهم فهو من صفات فعله، ومتى دخلت الألف واللام فقيل الرب اختص بالله تعالى، وان حذفتا جاز إطلاقه على غيره فقيل: رب المال ورب الدار ونحو ذلك والعالمين

(1)

تفسير القرطبي (1/ 109 - 110)، والتذكار (ص 41 - 42).

ص: 141

جمع عالم وليس للعالم واحد من لفظه، وقد اختلف العلماء من أهل اللغة والمتكلمين والمفسرين في حقيقته، قال الأكثرون: على أنه جميع المخلوقات وإنما جمع باعتبار أنواعه، وقال جماعة هم الملائكة والجن والإنس، قيل: والشياطين أيضًا، وقيل: بنو آدم خاصة قاله الحسين بن الفضل و [أبو] معاذ النحوي، وقيل: العالم الدنيا وما فيها [والصحيح] الأول، ثم قيل: هو مشتق من العلامة لأن كل مخلوق علامة على وجود صانعه، وقيل: من العلم فيختص بالعقلاء

(1)

قاله في شرح الإلمام

(2)

أ. هـ، وتقدم الكلام على أفضل.

2240 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول قَالَ الله تَعَالَى قسمت الصَّلَاة بيني وَبَين عَبدِي نِصْفَيْنِ ولعبدي مَا سَأَلَ.

وَفِي رِوَايَة فنصفها لي وَنِصْفهَا لعبدي فَإِذا قَالَ العَبْد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} قَالَ الله حمدني عَبدِي فَإِذا قَالَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} قَالَ أثنى عَليّ عَبدِي فَإِذا قَالَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} قَالَ مجدني عَبدِي فَإِذا قَالَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} قَالَ هَذَا بيني وَبَين عَبدِي ولعبدي مَا سَأَلَ فَإِذا قَالَ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} قَالَ هَذَا لعبدي ولعبدي مَا سَأَلَ رَوَاهُ مُسلم

(3)

.

(1)

النكت والعيون (1/ 54 - 55)، والتفسير البسيط (1/ 489 - 492)، وتفسير القرطبي (1/ 138 - 139)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 64)، وشرح النووي على مسلم (6/ 58).

(2)

سبق وقد أشرنا إلى أن الكتاب لم يطبع بكامله.

(3)

مسلم (394).

ص: 142

قَوْله قسمت الصَّلَاة يَعْنِي الْقِرَاءَة بِدَلِيل تَفْسِيره بهَا وَقد تسمى الْقِرَاءَة صَلَاة لكَونهَا جُزْءا من أَجْزَائِهَا وَالله أعلم.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل" وفي رواية "فنصفها لي ونصفها لعبدي" الحديث، قال الحافظ: قوله "قسمت الصلاة" يعني القراءة بدليل تفسيره بها، وقد تسمى القراءة صلاة لكونها جزء من أجزائها، أ. هـ، وقال غيره: أراد بالصلاة القراءة لكونها جزءا من أجزائها لقوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}

(1)

أي: بقراءتك والمراد بالصلاة قراءة الفاتحة، ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة، قال العلماء: والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن الأول تحميد الله تعالى وتمجيده وثناء عليه وتفويض إليه والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار والمراد أنها مقسومة للعبادة والمسألة فالعبادة حق الرب والمسألة حق العبد، وليس المراد كلماتها على السواء، وقال الخطابي رحمه الله

(2)

: حقيقة التقسيم في قوله: "نصفين" راجعة إلى المعنى لا إلى الألفاظ المتأثرة لأن السورة من جهة المعنى نصفها ثناء ونصفها دعاء، وقسم الثناء ينتهي إلى قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} ، وهذا كما يقال: نصف السنة إقامة ونصفها سفر يريد به أيام السنة مدة للسفر ومدة للإقامة لا على سبيل التعديل

(1)

سورة الإسراء، الآية:110.

(2)

معالم السنن (1/ 203).

ص: 143

والتسوية بينهما حتى لا يزيد أحدهما على الآخر، ثم التنصيف لا يلزم منه التساوي كما سمي الوضوء شطر الإيمان والفرائض نصف العلم، ويؤيده أن النصف باعتبار الحروف والكلمات غير معتبرة، وقال الإمام شهاب الدين التوربشتي

(1)

: الأظهر أن التنصيف ينصرف إلى آيات السورة لأن الفاتحة سبع آيات فثلاث منها ثناء وثلاث منها مسألة والآية المتوسطة بين آيات الثناء وآيات المسألة نصفها ثناء ونصفها دعاء، وهذا التأويل إنما يستقيم على مذهب من لم يجعل التسمية آية من الفاتحة وهو بين واضح والحديث يحكم على من خالفه، وروي أبو عبد الله الحاكم في صحيحه هذا الحديث بإسناده عن أبي هريرة وذكر فيه:"فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم قال الله: ذكرني عبدي" وهذا يؤيد مذهب من جعل التسمية من الفاتحة، وأجاب من جعل البسملة آية من الفاتحة بأجوبة: أحدها: أن التنصيف عائد إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ، والثاني: أن التنصيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة، والثالث: معناه فإذا انتهى العبد في قراءته إلى الحمد لله رب العالمين، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قال العبد {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)}، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)}، قال: أثنى عليّ عبدي" لم يذكر البسملة فاحتج بهذا الحديث من لا يرى البسملة منها، فقال: لو كانت

(1)

الميسر (1/ 239).

ص: 144

منها لذكرها

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)}، قال: مجدني عبدي"؛ اعلم أن قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أن الله تعالى منفرد بالملك ذلك اليوم [وبجزاء] العباد وبحاسبهم، والدين الحساب، وقيل: الجزاء ولا دعوى لأحد ذلك اليوم ولا حقيقة ولا مجازا، وأما في الدنيا فلبعض العباد ذلك مجازي، ويدعى بعضهم دعوى باطلة وكل هذا منقطع في ذلك اليوم هذا معناه وإلا فالله سبحانه وتعالى هو المالك، والمالك على الحقيقة في الدارين وما فيهما ومن فيهما وكل من سواه مربوب له عبد مسخر، ثم في هذا الاعتراف من التعظيم والتمجيد وتفويض الأمر ما لا يخفى

(2)

.

قوله: "مجدني عبدي"، ومعنى "مجدني" شرفني وعظمني ونزهني عما لا ينبغي

(3)

.

قوله: "وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)}، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" معناه أن عبدي توجه إليّ بالعبادة وسألني العون

(1)

شرح النووي على مسلم (4/ 103) وذكر النووي جوابا على ذلك فقال: وأجاب أصحابنا وغيرهم ممن يقول إن البسملة آية من الفاتحة بأجوبة أحدها أن التنصيف عائد إلى جملة الصلاة لا إلى الفاتحة هذا حقيقة اللفظ والثاني أن التنصيف عائد إلى ما يختص بالفاتحة من الآيات الكاملة والثالث معناه فإذا انتهى العبد في قراءته إلى الحمد لله رب العالمين.

(2)

شرح النووي على مسلم (4/ 104).

(3)

النهاية (4/ 298).

ص: 145

عليها فعبادته متقبلة، والعون مني له عليها حتى يوقعها على وجهها، فالعبادة وصف العبد والعون من الله تعالى للعبد، فلذلك قال:"هذا بيني وبين عبدي"

(1)

.

قوله: "فإذا قال: {اهْدِنَا} " هو سؤال رغبة من العبد لربه تعالى في الهداية، وقد أمر الله تعالى كل مكلف أن يسأله الهداية إلى الصراط المستقيم، وهذا السؤال ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون السؤال واقعا لمن ليس بمهتد بعد فيأمرهم بسؤال الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو الإيمان كما أمرهم بالتوحيد فإنه لا خلاف أن الكفار مخاطبون بالإيمان؛ والسؤال الثاني: أن يكون هذا السؤال واقعا من المؤمنين الذين هم مهتدون ولكون معنى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} أي: ثبتنا عليه فإن الله تعالى قد يهب الهداية العبد ما شاء من عمره ثم يسلبها منه إذا شاء [ينبغي أن يدعى هنا بقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}

(2)

]؛ والسؤال الثالث: أن يكون هذا السؤال أيضًا من الأنبياء المهتدين المعصومين من وقوع الضلال بهم أبدًا، ويكون معنى {اهْدِنَا} أي: زدنا هدى فإن هدى الله تعالى لا نهاية له، فالسؤال الأول الهداية ممن ليس بمهتد هو سؤال دخول فيها كما يقول القائل للواقف امش أي تلبس بالمشي، والسؤال الثاني الذي هو

(1)

قاله الاقليشى كما في تفسير ابن عجيبة (1/ 60).

(2)

سورة آل عمران، الآية:8.

ص: 146

طلب الاستدامة هو كقولك للماشي امش أي تماد على مشيك، والسؤال الثالث الذي طلب استزادة هو كقولنا للماشي امش أي زد في المشي وحث سيرك وهدايته تعالى لا نهاية لها {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}

(1)

{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}

(2)

.

قوله: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} والصراط هو الطريق وأما الصراط المستقيم فقد ذكر الزجاج بسنده عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصراط المستقيم كتاب الله تعالى"، وعن ابن مسعود مثله؛ وعن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإسلام، وقاله جماعة من الصحابة، واختار الطبري القول والعمل الموافق للحق وهذا شامل لأن الصراط المستقيم هو صراط الله الذي دعا إليه عباده وهو امتثال أوامره واجتناب نواهيه والله أعلم.

فائدة تتعلق بالفاتحة: قال صاحب الهدى: وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم مدًا يقف عند كل آية ويمد بها صوته، روينا في كتاب الشمائل للترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ الحمد لله رب العالمين ثم يقف ثم يقول الرحمن الرحيم يمد بها صوته

(3)

ثم يقرأ قراءة مفسرة يقف عند كل آية ويمد بها

(1)

سورة محمد، الآية:17.

(2)

سورة مريم، الآية:76.

(3)

أخرجه أبو داود (4001)، والترمذي في السنن (2927) والشمائل (315) و (317) عن أم سلمة. وصححه الألباني في الإرواء (343)، المشكاة (2205)، صفة الصلاة، مختصر الشمائل (270).

ص: 147

صوته، قال صاحب الهدى: فإذا فرغ من قراءة الفاتحة قال آمين

(1)

والله اعلم.

تنبيه: قال الله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} ، افترض الله على عباده أن من يسألوه في كل صلاة الهداية إلى صراط الذين أنعمت عليهم وهم المذكورون في قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}

(2)

(3)

انتهى.

2241 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ بَيْنَمَا جِبْرَائِيل عليه السلام قَاعد عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فَوْقه فَرفع رَأسه فَقَالَ هَذَا بَاب من السَّمَاء فتح لم يفتح قطّ إِلَّا الْيَوْم فَنزل مِنْهُ ملك فَقَالَ هَذَا ملك نزل إِلَى الأَرْض لم ينزل قطّ إِلَّا الْيَوْم فَسلم وَقَالَ أبشر بنورين أُوتِيتهُمَا لم يؤتهما نَبِي قبلك فَاتِحَة الْكتاب وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة لن تقْرَأ بِحرف مِنْهُمَا إِلَّا أَعْطيته رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(4)

.

النقيض بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ الصَّوْت.

قوله: وعن ابن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

(1)

زاد المعاد (1200).

(2)

سورة النساء، الآية:69.

(3)

تفسير القرطبي (1/ 149).

(4)

مسلم (806)، والحاكم (1/ 558).

ص: 148

قوله: بينما جبرائيل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام على جبريل عليه السلام في كتاب الجمعة.

قوله: سمع نقيضا من فوقه؛ قال الحافظ: النقيض هو الصوت أ. هـ، وقال غيره: النقيض هو بالقاف والضاد المعجمة أي صوتا كصوت الباب إذا فتح، وقال في النهاية

(1)

: النقيض الصوت ونقيض المحامل صوتها، ونقيض السقف تحريك خشبه.

[وقوله] أبشر [بنورين] إلى أن قال "فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة" سيأتي الكلام على هذا الحديث في فضل سورة البقرة وآل عمران [سماهما (نورين)؛ لأن كلا منهما يكون لقارئه يوم القيامة نورا يسعى بين يديه، أو لأنه يرشده ويهديه بالتأمل فيه والتفكر في معانيه إلى الطريق القويم].

2242 -

وَعَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَعْطَيْت مَكَان التَّوْرَاة السَّبع وَأعْطيت مَكَان الزبُور المئين وَأعْطيت مَكَان الْإِنْجِيل المثاني وفضلت بالمفصل رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده عمرَان الْقطَّان

(2)

.

قوله: وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه[هو أبو شداد، ويقال: أبو الأسقع،

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 107)

(2)

أحمد (16982)، والطبراني في الكبير (186)، والبيهقي في شعب الإيمان (2484)، والطيالسي (1012)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 46)، رواه أحمد وفيه عمران القطان، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1059).

ص: 149

وقيل: أبو محمد، وقيل: أبو الخطاب، وقيل: أبو قرصافة، بكسر القاف، واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكنانى الليثى، وقيل: إنه واثلة بن عبد الله بن الأسقع، قيل: أسلم والنبى صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، وشهدها معه، وشهد فتح دمشق وحمص، وقيل: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، وكان من أهل الصفة، روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ستة وخمسون حديثا، روى له البخاري حديثا ومسلم آخر، سكن الشام فسكن دمشق، ثم استوطن بيت جبرين، وهي بلدة بقر بيت المقدس، ودخل البصرة، وكان له بها دار. روى عنه عبد الواحد بن عبد الله البصرى، بالصاد المهملة، وشداد بن عبد الله بن عامر اليحصبى، وأبو إدريس الخولانى، ومكحول، وأبو المليح، ويونس بن ميسرة، وخلق سواهم، توفى بدمشق سنة ست أو خمس وثمانين، وهو ابن ثمان وتسعين سنة، قاله أبو مسهر. وقال سعيد بن خالد: توفى سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مائة وخمس سنين، والصحيح الأول

(1)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "مكان التوراة السبع"[وهي: البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة على أن تحسب التوبة والأنفال بسورة واحدة].

قوله: وفي إسناده عمران القطان [هو عمران بن داود القطان: قال عباس عن يحيى ليس بشيء وضعفه أبو داود والنسائي، وقال ابن عدي هو ممن

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 141 - 142 ترجمة 662).

ص: 150

يكتب حديثه وحدث عنه عفان ووثقه ومشاه أحمد واحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهما].

خاتمة: اختلف في وقت نزول فاتحة الكتاب فقيل إنها أول ما نزل من القرآن وقرأها صلى الله عليه وسلم على ورقة بن نوفل، وقيل: نزلت مرتين، قال ابن عطية: ظن بعض العلماء أن جبريل عليه السلام لم ينزل بسورة الحمد، لما روى مسلم عن ابن عباس قال:"بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، وفي آخره: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة"، قال ابن عطية: وليس كما ظنه، فإن هذا الحديث يدل على أن جبريل عليه السلام تقدم الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم معلما به وبما ينزل معه، والصواب أن جبريل نزل بتلاوتها بمكة والملك الآخر نزل بثوابها بالمدينة

(1)

أ. هـ قاله في شرح الإلمام

(2)

.

(1)

تفسير القرطبى (1/ 116).

(2)

سبق وقد أشرنا الى أن الكتاب لم يطبع بكامله.

ص: 151