الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في حضور مجالس الذكر والاجتماع على ذكر الله تعالى
2316 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لله مَلَائِكَة يطوفون فِي الطّرق يَلْتَمِسُونَ أهل الذّكر فَإِذا وجدوا قوما يذكرُونَ الله تنادوا هلموا إِلَى حَاجَتكُمْ فيحفونهم بأجنحتهم إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ فيسألهم رَبهم وَهُوَ أعلم بهم مَا يَقُول عبَادي قَالَ يَقُولُونَ يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قَالَ فَيَقُول هَل رأوني قَالَ فَيَقُولُونَ لا وَالله يَا رب مَا رأوك قَالَ فَيَقُول فكيف لَو رأوني قَالَ يَقُولُونَ لَو رأوك كَانُوا أَشد لَك عبَادَة وَأَشد لَك تمجيدا وَأكْثر لَك تسبيحا قَالَ فَيَقُول فَمَا يَسْألوني قَالَ يَقُولُونَ يَسْألُونَك الْجنَّة قَالَ فَيَقُول وَهل رأوها قَالَ يَقُولُونَ لا وَالله يَا رب مَا رأوها قَالَ فَيَقُول فَكيف لَو رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَو أَنهم رأوها كَانُوا أَشد عَلَيْهَا حرصا وَأَشد لهَا طلبا وَأعظم فِيهَا رَغْبَة قَالَ فمم يتعوذون قَالَ يتعوذون من النَّار قَالَ فَيَقُول وَهل رأوها قَالَ يَقُولُونَ لا وَالله مَا رأوها قَالَ فَيَقُول فَكيف لَو رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَو رأوها كانُوا أَشد مِنْهَا فِرَارًا وَأَشد لَهَا مَخَافَة قَالَ فَيَقُول أشهدكم أنِّي قد غفرت لَهُم قَالَ يَقُول ملك من الْمَلَائِكَة فيهم فلَان لَيْسَ مِنْهُم إِنَّمَا جَاءَ لحَاجَة قَالَ هم الْقَوْم لا يشقى بهم جليسهم رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ
(1)
.
(1)
البخاري (6408)، والبيهقي في شعب الإيمان (531).
وَمُسلم وَلَفظه قَالَ إِن لله تبارك وتعالى مَلَائِكَة سيارة فضلاء يَبْتَغُونَ مجَالِس الذّكر فَإِذا وجدوا مَجْلِسا فِيهِ ذكر قعدوا مَعَهم وحف بَعضهم بَعْضًا بأجنحتهم حَتَّى يملؤوا مَا بَينهم وَبَين السَّمَاء فَإِذا تفَرقُوا عرجوا وصعدوا إِلَى السَّمَاء قَالَ فيسألهم الله عز وجل وَهُوَ أعلم من أَيْن جئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا من عِنْد عِبَادك فِي الأرْض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك قَالَ فَمَا يَسْألونِي قَالُوا يَسْألُونَك جنتك قَالَ وَهل رَأَوْا جنتي قَالُوا لا يَا رب قَالَ وَكيف لَو رَأَوْا جنتي قَالُوا ويستجيرونك قَالَ ومم يستجيروني قَالُوا من نارك يَا رب قَالَ وَهل رَأَوْا نَارِي قَالُوا لا يَا رب قَالَ فَكيف لَو رَأَوْا نَارِي قَالُوا ويستغفرونك قَالَ فَيَقُول قد غفرت لَهُم وأعطيتهم مَا سَألوا وأجرتهم مِمَّا استجاروا قَالَ يَقُولُونَ رب فيهم فلأن عبد خطاء إِنَّمَا مر فَجَلَسَ مَعَهم قَالَ فَيَقُول وَله غفرت هم الْقَوْم لا يشقى بهم جليسهم
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر" والذكر متناول للصلاة وقراءة القرآن وتلاوة الحديث وتدريس العلم ومناظرة العلماء ونحوها اهـ.
قوله "فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم" الحديث، والتنادي تفاعل من النداء ومعنى هلموا أقبلوا وهلم يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث والمذكر عند الحجازيين وبنو تميم تؤنث وتجمع
(1)
مسلم (2689)، والبيهقي في الدعوات الكبير (7).
قاله جار الله
(1)
.
قوله "فيحفونهم بأجنحتهم" الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم "فتحف الملائكة أهل الذكر" بمعني يحدقون بهم أي يطوفون حولهم ويستديرون بهم ويحف بعضهم بعضا وفي الحديث الآخر "إلا حفتهم الملائكة" والحفة الكرامة التامة
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم ما يقول عبادي" و (ما) في "ما يقول عبادي" للاستفهام بمعنى التقرير.
فإن قلت: ما وجه السؤال وهو أعلم به؟ قلت: فيه فوائد من جملتها الإظهار على الملائكة أن في بني آدم من المسبحين والمقدسين وفيه شرف أصحاب الأذكار وأهل التصرف الذين يلازمونها ويواظبون عليها وكثرة أعداد الملائكة وشهادتهم على بين آدم بالخيرات، وفيه مع شرف أصحاب الأذكار استلال لما سبق منهم من قولهم:{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}
(3)
، وفيه إثبات الجنة والنار، وفيه: أن النصيحة لها تأثير عذظيم وأن جلساء السعداء سعداء والتحريض على صحبة أهل الخير
(4)
والله أعلم.
(1)
الكشاف (2/ 77).
(2)
إكمال المعلم (8/ 188 - 189)، والمشارق (1/ 193).
(3)
سورة البقرة، الآية:30.
(4)
الكواكب الدرار (22/ 187 - 188).
قوله: "قال يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك" أي يعظمونك بالثناء عليك والتحميد التعظيم
(1)
.
قوله: "فمم يتعوذون؟ " أصله من أي شيء يتعوذون.
وقوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم: "إن لله تعالى ملائكة سيارة فضلاء يبتغون مجالس الذكر" الحديث. قوله سيارة معناه سياحون في الأرض.
قوله فضلاء قال في النهاية
(2)
أي زيادة عن الملائكة المرتبين مع الخلائق
(3)
، قال النووي في شرح مسلم
(4)
: وأما فضلا فضبطوه على أوجه أحدها وهو أرجحها وأشهرها في بلادنا فضلا والثانية فضلا ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب والثالثة فضلا قال القاضي هكذا الرواية عند جمهور شيوخنا في البخاري ومسلم والرابعة فضل على أنه خبر مبتدأ محذوف والخامسة فضلاء جمع فاضل قال العلماء معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر (يتبعون) أي يتتبعون من التتبع وهو البحث عن الشيء والتفتيش والوجه الثاني يبتغون من الابتغاء وهو الطلب وكلاهما صحيح (وحف) هكذا هو في كثير من نسخ
(1)
مطالع الأنوار (4/ 17).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 455).
(3)
النهاية (3/ 455).
(4)
شرح النووي على مسلم (17/ 14).
بلادنا حف وفي بعضها حض أي حث على الحضور والاستماع وحكى القاضي عن بعض رواتهم وحط واختاره القاضي قال ومعناه أشار إلى بعض بالنزول ويؤيد هذه الرواية قوله بعده في البخاري هلموا إلى حاجتكم ويؤيد الرواية الأولى وهي حف قوله في البخاري يحفونهم بأجنحتهم ويحدقون بهم ويستديرون حولهم ويحف بعضهم بعضا وحفاف الشيء جانباه.
قوله صلى الله عليه وسلم "فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء" العروج الارتقاء.
قوله صلى الله عليه وسلم "ويستجيرونك قال ومم يستجيروني قالوا من نارك يا رب" الحديث أي يطلبون الأمان منه
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "قال يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم" أي كثير الخطايا
(2)
وفي هذا المعنى أنشدوا:
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع
…
ولو لم يكن ذنب لما وقع العفو
(3)
قوله صلى الله عليه وسلم "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" الحديث، الجليس بمعنى المجالس كالعشير بمعنى المعاشر في هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم.
قال القاضي عياض رحمه الله
(4)
: وذكر الله تعالى ضربان ذكر بالقلب
(1)
شرح النووي على مسلم (17/ 15).
(2)
شرح النووي على مسلم (17/ 15).
(3)
الأذكار (ص 398).
(4)
إكمال المعلم بفوائد مسلم (8/ 189).
وذكر باللسان وذكر القلب نوعان أحدهما وهو أرفع الأذكار وأجلها الفكر في عظمة الله تعالى وجلاله وجبروته وملكوته وآياته في سممواته وأرضه ومنه الحديث خير الذكر الخفي والمراد به هذا والثاني ذكره بالقلب عند الأمر والنهي فيمتثل ما أمر به ويترك ما نهي عنه ويقف عما أشكل عليه وأما ذكر اللسان مجردا فهو أضعف الأذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به الأحاديث قال وذكر بن جرير الطبري وغيره اختلاف السلف في ذكر القلب واللسان أيهما أفضل قال القاضي والخلاف عندي إنما يتصور في مجرد ذكر القلب تسبيحا وتهليلا وشبههما وعليه يدل كلامهم لا أنهم مختلفون في الذكر الخفي الذي ذكرناه وإلا فذلك لا قاربه ذكر اللسان فكيف يفاضله وإنما الخلاف في ذكر القلب بالتسبيح المجرد ونحوه والمراد بذكر اللسان مع حضور القلب فإن كان لاهيا فلا واحتج من رجح ذكر القلب بأن عمل السر أفضل ومن رجح ذكر اللسان قال لأن العمل فيه أكثر فإن زاد باستعمال اللسان اقتضى زيادة أجر قال القاضي واختلفوا هل تكتب الملائكة ذكر القلب فقيل تكتبه ويجعل الله تعالى لهم علامة يعرفونه بها وقيل لا يكتبونه لأنه لا طلع عليه غير الله قلت الصحيح أنهم يكتبونه وأن ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من القلب وحده
(1)
والله أعلم.
2317 -
وَعَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلقَة من أَصْحَابه فَقَالَ مَا أجلسكم قَالُوا جلسنا نذْكر الله ونحمده على مَا هدَانَا لِلإِسْلامِ وَمن بِهِ
(1)
شرح النووي على مسلم (17/ 15 - 16).
علينا قَالَ اللهُ مَا أجلسكم إِلَّا ذَلِك قَالُوا اللهُ مَا أجلسنا إِلَّا ذَلِك قَالَ أما إِنِّي لم أستحلفكم تُهْمَة لكم وَلكنه أَتَانِي جِبْرَائِيل فَأَخْبرنِي أَن الله عز وجل يباهي بكم الْمَلَائِكَة رَوَاه مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائيُّ
(1)
.
قوله: وعن معاوية رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما أجلسكم قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا" الحلقة بسكون اللام على اللغة الفصحى المشهورة وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا وكذا حلقة الحديد والجمع حلق مثل بدرة وبدر والحلقة الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره وقال الجوهري
(2)
جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير القياس وحكي عن أبي عمرو إن الواحد حلقة بالتحريك والجمع حلق بالفتح وقال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه وقال الشيباني: ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا جمع حالق قاله في النهاية
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "آلله ما أجلسكم إلا ذلك" بالمد والجر على القسم وبالنصب من غير مد على حذف حرف المد وأعمال فعل القسم كقوله فذاك أمانة الله.
(1)
مسلم (2701)، والترمذي (3379)، وابن حبان (318)، وأحمد (16835)، وابن المبارك في الزهد (1120)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (529).
(2)
الصحاح (4/ 1461 - 1462).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 426).
وقوله صلى الله عليه وسلم "قالوا آلله ما أجلسنا إلا ذلك" بالجر والنصب من غير مد فيهما على ما مر.
قوله صلى الله عليه وسلم "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم" تهمة هي بفتح الهاء وإسكانها وهي فعلة وفعلة من الوهم ونصبها على أنه مفعول لها والتاء بدل الواو واتهمته إذا ظننت به ذلك
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولكنه أتاني جبرائيل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة" المباهاة المفاخرة فهذا أفصح بالمراد في الجميع وكيف كان اجتماعهم لأنهم كانوا يذكرون الله جهرا لم يحتج عليه السلام أن يستفهمهم فلما استفهمهم دل على أن ذكرهم كان سرا وكذلك كان جوابهم له جلسنا نذكر الله أدل دليل على أنهم كانوا يذكرون الله سرا إذا لو كان جهرا لما كان لإخبارهم بذلك معنى وقد قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}
(2)
وقد جاء أنهم قالوا "جلسنا نحمد الله على ما هدانا للإسلام ومن به علينا" وقد كانوا يجلسون بعد صلاة الصبح فيذكرون ما كانوا فيه في الجاهلية ثم يحمدون الله الذي هداهم والنبي صلى الله عليه وسلم يتبسم فجاز أن يكون جلوسهم لذلك فحصل لهم ما حصل من المباهاة لأنهم إذا تذاكروا ذلك فيه يعرفون قدر نعمة الله عليهم وأن ما من به عليهم ليس بأيديهم ولا بقدرتهم فتعظم نعمة الله عليهم أن هداهم وأنقذهم من الضلالة وأضل غيرهم
(1)
شرح النووي على مسلم (17/ 23).
(2)
سورة الأعراف، الآية:55.
وأصمهم وأعماهم وقد ورد أن الذكر الخفي فضل الجلي بسبعين درجة ومحال في حقهم أن يتركوا ما هو أفضل ويفعلون المفضول ومحال في حقه عليه السلام أن يراهم يفعلون المفضول ولا يرشدهم إلى الأفضل وينبههم عليه
(1)
والله أعلم. انتهى ذكره في تهذيب النفوس.
وقال القرطبي: قال علماؤنا الذكر والمجالس المذكورات في هذا الحديث مجالس العلم وهي مجالس الحلال والحرام ما يجوز ولا يجوز كيف يتوضأ وما يجب فيه ويسن ويستحب ويكره ويمنع وكيف ينكح وما يمنع إلى غير ذلك حتى الحركات و السكنات والنطق والصمت تعرف الأحكام عليك في ذلك كله ولهذا أشار بل صرح أبو هريرة رضي الله عنه حين خرج إلى الناس بسوق المدينة فنادى فيهم: ما بالكم ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد بين أمته وأنتم مشغولون في الأسواق فتركوا السوق أتوا المسجد فوجدوا الناس حلقا حلقا لتعلم القرآن والحديث والحلال والحرام فقالوا: أين ما ذكرت يا أبا هريرة؟ فقال: هذا ميراث نبيكم إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم وها هو ذا أو كما قال، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر الله عند أمره ونهيه أفضل من ذكره باللسان
(2)
اهـ.
لأنه ليس المقصود الذكر باللسان خاصة بل المقصود معرفة الإيمان وأحكامه وفروعه والمشي على تلك الأحكام ويتعين عليه من ذلك ما
(1)
المدخل (1/ 92 - 93) لابن الحاج.
(2)
المدخل (1/ 87).
يخصه في نفسه من الأحكام التي هو محتاج إليها يتصرف بها وما عدا ذلك يكون من باب فرض الكفاية إن قام به فقد حصل له الأجر الجزيل وإن عجز عنه فقد أتى بما تعين عليه فإذا حصل ذلك يكون الذكر باللسان فرعا على هذا الأصل الذي حصل
(1)
اهـ.
2318 -
عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَقُول الله عز وجل يَوْم الْقِيَامَة سَيعْلَمُ أهل الْجمع من أهل الْكَرم فَقيل وَمن أهل الْكَرم يَا رَسُول الله قَالَ أهل مجَالِس الذّكر رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم
(2)
.
قوله: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل يوم القيامة سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم فقيل ومن أهل الكرم يا رسول الله قال أهل مجالس الذكر" قال عطاء بن أبي رباح: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام. كيف تشتري وتبيع. وتصلى وتصوم، وتنكح وتطلّق. وأشباه هذا
(3)
اهـ.
2319 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ كَانَ عبد الله بن رَوَاحَة إِذا لَقِي الرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: تعال نؤمن بربنا سَاعَة فَقَالَ ذَات يَوْم
(1)
المدخل (1/ 87 - 88).
(2)
أحمد (11652)، وأبو يعلى (1042)، وابن حبان (816)، والبيهقي في شعب الإيمان (535)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 76)، رواه أحمد بإسنادين وأحدهما حسن، في الإسناد الأول دراج، وفي الثاني دراج وابن لهيعة.
(3)
الأذكار (ص 10).
لرجل فَغَضب الرجل فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله أَلا ترى إِلَى ابْن رَوَاحَة يرغب عَن إيمانك إِلَى إِيمَان سَاعَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يرحم الله ابْن رَوَاحَة إِنَّه يحب الْمجَالِس الَّتِي تتباهى بهَا الْمَلَائِكَة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
2320 -
وَعنهُ أَيْضا رضي الله عنه: عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من قوم اجْتَمعُوا يذكرُونَ الله عز وجل لا يُرِيدُونَ بذلك إِلَّا وَجهه إِلَّا ناداهم مُنَاد من السَّمَاء أَن قومُوا مغفورا لكم قد بدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح إِلَّا مَيْمُون الْمرَائِي وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانيُّ
(2)
.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُغفل
(3)
.
قوله: وعن أنس بن مالك، تقدم الكلام عليه.
قوله: كان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعال نؤمن بربنا ساعة، الحديث، هو: عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الحارثي المدني وهو أحد الأمراء في غزوة مؤتة وهو خال النعمان بن بشير وكان أو خارج إلى الغزوات وآخر قادم وكان أحد الشعراء المحسنين الذي يردون الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام والمسلمين، وعن أبي الدرداء قال: أعوذ بالله أن يأتي يوم لا أذكر فيه عبد الله
(1)
أحمد (13796).
(2)
أحمد (12453)، وأبو يعلى (4141)، والبزار (3061)، والطبراني في الأوسط (1579)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 76)، وفيه ميمون المرائي وثقه جماعة وفيه ضعيف، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(3)
البيهقي في شعب الإيمان (534)، والطبراني في الأوسط (3743).
بن رواحة كان إذا لقيني يقول: يا عويمر اجلس ساعة فلنؤمن فيجلس فيذكر الله ما شاء الله ثم يقول يا عويمر هذه الإيمان، وهو الذي شجع المسلمين [في] غزوة مؤتة على لقاء الكفار وكان المسلمون ثلاثة آلاف والكفار مائتي ألف، وقيل: غير ذلك
(1)
، وتقدم الكلام عليه ومناقبه كثيرة.
2322 -
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن لله سيارة من الْمَلائِكَة يطْلبُونَ حلق الذّكر فَإِذا أَتَوا عَلَيْهِم حفوا بهم ثمَّ يقفون وأيديهم إِلَى السَّمَاء إِلَى رب الْعِزَّة تبارك وتعالى فَيَقُولُونَ رَبنَا أَتَيْنَا على عباد من عِبَادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك وَيصلونَ على نبيك مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويسألونك لآخرتهم ودنياهم فَيَقُول الله تبارك وتعالى غشوهم رَحْمَتي فهم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم رَوَاهُ الْبَزَّار
(2)
.
قوله: وعن أنس بن مالك، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه" الحديث، اعلم أن العلماء أجمعوا على جواز الذكر بالقلب واللسان كما تقدم للمحدث والجنب والحائض والنفساء وذلك في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء وغير ذلك
(3)
، وينبغي أن يكون الذكر على أكمل الصفات فإن كان جالسا في موضع استقبل القبلة وجلس
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 265).
(2)
البزار (3062)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 77)، رواه البزار من طريق زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النميري، وكلاهما وثق على ضعفه، فعاد هذا إسناده حسن.
(3)
الأذكار (ص 11).
متذللا متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه لكن أن كان بغير عذر كان تاركا الأفضل، والدليل على عدم الكراهة قوله عز وجل {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)}
(1)
الآية، وثبت عن عائشة قالت: كان رسول الله يتكيء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن رواه البخاري ومسلم
(2)
، وفي رواية:"ورأسه في حجري"
(3)
وجاء عن عائشة أنها قالت: إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعة على السرير
(4)
والمراد من الذكر حضور القلب فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله ويتدبر ما يذكر وتعقل معناه فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود، وينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار أو عقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركهما ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت وإذا تساهل في قضائها يسهل عليه تضييعها في وقتها
(5)
والله أعلم.
(1)
سورة آل عمران، الآية:190.
(2)
أخرجه البخاري (297)، ومسلم (15 - 301).
(3)
أخرجه البخاري (7549).
(4)
الأذكار (ص 12). وخبر عائشة: أخرجه ابن أبي شيبة (8571) و (30182)، والفريابي في فضائل القرآن (154).
(5)
الأذكار (ص 12 - 13).
قوله: ورواته محتج بهم في الصحيح إلا ميمون المرائي [هو ميمون بن موسى المرائي: قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسا، كان يدلس، وقال أبو حاتم: صدوق وقال أبو داود: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال عمرو بن علي: صدوق ولكنه ضعيف، ووثقه ابن حبان].
2321 -
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ عَن سهل ابْن الحنظلية رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا جلس قوم مَجْلِسا يذكرُونَ الله عز وجل فِيهِ فَيقومُونَ حَتَّى يُقَال لَهُم قومُوا قد غفو الله لكم وبدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات
(1)
.
قوله: ورواه الطبراني عن سهل ابن الحنظلية رضي الله عنه.
فائدة: عن هارون بن عبد الله الحمال عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو عن عشام بن سعد عن قيس بن بشر الثعلبي قال: أخبرني أبي وكان جليسا لأبي الدرداء قال: كان بدمشق رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له ابن الحنظلي وكان رجلا متوحدا قلما يجالس الناس إنما هو في صلاة فإذا فرغ يسبح ويكبر حتى يأتي أهله
(2)
وابن الحنظلية هو سهل بن
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (6039)، والبيهقي في شعب الإيمان (695)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1311)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 76)، فيه المتوكل بن عبد الرحمن والد محمد بن أبي السري لم أعرفه وبقية رجاله ثقات.
(2)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (853)، وأحمد 4/ 179 (17622)، وأبو داود (4089)، والحكيم الترمذي (1438)، والطبراني في الكبير (6/ 94 رقم 5616) والحاكم (4/ 183). وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبى. قال ابن حجر في الأمالى المطلقة (ص 36): هذا حديث حسن. وضعفه الألباني في الارواء (7/ 209).
الربيع بن عمرو، ويقال له: سهل بن عمرو أنصاري حارثي سكن الشام والحنظلية أمه وقيل هي أم جده وهي من بني حنظلة بن تميم
(1)
وتقدم الكلام عليه.
قوله: إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، تقدم الكلام على السيارة من الملائكة في الحديث أول الباب وحلق الذكر بفتح الحاء وكسرها لغتان.
اعلم أنه كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت الأدلة على ذلك ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا"
(2)
وسيأتي الكلام على الرتع ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء بل يذكر بهما جميعا ويقصد به وجه الله تعالى وقد قال السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه "ترك العمل لأجل الناس رياء والعمل لأجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما" ولو فتح الإنسان عليه ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم الباطلة لانسد عليه أكثر أبواب الخير وضيع
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 211)، وتهذيب الكمال (12/ 181 - 183 ترجمة 2609).
(2)
أخرجه الترمذي (3510) وأبو يعلى (3432) عن أنس. وأخرجه (3559) عن أبي هريرة. وأخرجه أبو نعيم (6/ 354) عن ابن عمر وقال: غريب من حديث مالك لم نكتبه إلا من حديث محمد بن عبد الله بن عامر. وضعفه الألباني في المشكاة (729) وعاد فحسنه في الصحيحة (2562).
على نفسه شيئا عظيما من مهمات الدين وليس هذا طريقة العارفين
(1)
.
واعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها بل كل عامل لله بطاعة فهو ذاكر لله تعالى كذا قاله سعيد بن جبير وغيره من العلماء
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "فإذا أتوا عليهم حفوا بهم" الحديث وتقدم معنى الحفاف.
2323 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ مر النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعَبْد الله بن رَوَاحَة وَهُوَ يذكر أَصْحَابه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أما إِنَّكُم الْمَلأ الَّذين أَمرنِي الله أَن أَصْبِر نَفسِي مَعكُمْ ثمَّ تَلا هَذِه الآيَة {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} إِلَى قَوْله {أَمْرُهُ فُرُطًا} [الْكَهْف:82] أما إِنَّه مَا جلس عدتكم إِلَّا جلس مَعَهم عدتهمْ من الْمَلائِكَة إِن سبحوا الله تَعَالَى سبحوه وَإِن حمدوا الله حمدوه وَإِن كبروا الله كبروه ثمَّ يصعدون إِلَى الرب جلّ ثَنَاؤُهُ وَهُوَ أعلم بهم فَيَقُولُونَ يَا رَبنَا عِبَادك سبحوك فسبحنا وكبروك فكبرنا وحمدوك فحمدنا فَيَقُول رَبنَا جل جلاله يَا ملائكتي أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم فَيَقُولُونَ فيهم فلَان وَفُلَان الخطاء فَيَقُول هم الْقَوْم لا يشقى بهم جليسهم رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ فِي الصَّغِير
(3)
.
(1)
الأذكار (ص 9).
(2)
الأذكار (ص 9).
(3)
الطبراني في المعجم الصغير (1047)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 76)، وفيه محمد بن حماد الكوفي، وهو ضعيف.
قوله: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما تقدم الكلام عليه.
قوله "قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن رواحة وهو يذكر أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنكم الملأ الذين أمرني الله أن أصبر نفسي معكم ثم تلا هذه الآية واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الآية فالصبر في اللغة الحبس ومنه قوله تعالى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ}
(1)
أي احبسها فالصبر حبس النفس عن الجزع والسخط وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن التشويش وهو ثلاثة أنواع صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على امتحان الله تعالى
(2)
.
قوله "فيقولون فيهم فلان وفلان الخطاء فيقول هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" يقال رجل خطاء إذا كان ملازما للخطايا غير تارك لها
(3)
.
2324 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا غنيمَة مجَالِس الذّكر قَالَ غنيمَة مجَالِس الذّكر الْجنَّة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن
(4)
.
قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما تقدم الكلام عليه.
قوله "ما غنيمة مجالس الذكر قال غنيمة مجالس الذكر الجنة" والغنيمة معروفة وهي [ما أصيب من أموال أهل الحرب، وأوجف عليه المسلمون
(1)
سورة الكهف، الآية:28.
(2)
مدارج السالكين (2/ 155).
(3)
النهاية (2/ 45).
(4)
أحمد (6651)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 78)، رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3919).
بالخيل والركاب يقال: غنمت أغنم غنما وغنيمة، والغنائم جمعها، والمغانم: جمع مغنم، والغنم بالضم الاسم، وبالفتح المصدر. والغانم: آخذ الغنيمة. والجمع: الغانمون. ويقال: فلان يتغنم الأمر: أي يحرص عليه كما يحرص على الغنيمة، ومنه الحديث "الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة" إنما سماه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب
(1)
].
2325 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن لله سَرَايَا من الْمَلَائِكَة تحل وتقف على مجَالِس الذّكر فِي الأرْض فارتعوا فِي رياض الْجنَّة قَالُوا وَأَيْنَ رياض الْجنَّة قَالَ مجَالِس الذّكر فاغدوا أَو روحوا فِي ذكر الله وذكروه أَنفسكُم من كَانَ يحب أَن يعلم مَنْزِلَته عِنْد الله فَلْينْظر كيفَ منزلَة الله عِنْده فَإِن الله ينزل العَبْد مِنْهُ حَيْثُ أنزلهُ من نَفسه رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانيُّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الإِسْنَاد
(2)
.
قَالَ المملي رضي الله عنه: فِي أسانيدهم كلهَا عمر مولى عفرَة وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَبَقِيَّة أسانيدهم ثِقَات مَشْهُورُونَ مُحْتَج بهم والْحَدِيث حسن وَالله أعلم.
الرتع هُوَ الأكل وَالشرب فِي خصب وسعة.
قوله: وعن جابر رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
(1)
النهاية (3/ 389 - 390).
(2)
أبو يعلى (180، والبزار 3064)، والطبراني في الأوسط (2501)، والحاكم (1/ 494)، والبيهقي في شعب الإيمان (528)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 77)، وفيه عمر بن عبد الله مولى غفرة، وقد وثقه غير واحد، وضعفه جماعة، وبقية رجالهم رجال الصحيح.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله سرايا من الملائكة تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض" الحديث.
فائدة: ويكفي في شرف الذكر أن الله تعالى يباهي بأهله الملائكة كما في صحيح مسلم المطول وفي آخره أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة فالمراد من الذكر حضور القلب فينبغي أن يكون هو مقصود الذكر فيحرص على تحصيله ويتدبر ما يذكره كما تقدم ولهذا كان المذهب الصحيح استحباب من الذاكر قوله لا إله إلا الله لما فيه من التدبر ولما روى الترمذي عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "أفضل الذكر لا إله إلا الله" وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "فارتعوا في رياض الجنة قالوا وأين رياض الجنة قال مجالس الذكر" قال الحافظ: الرتع هو الأكل والشرب في خصب وسعة، والخصب بكسر الخاء المعجمة ضد الجدب أراد برياض الجنة ذكر الله شبه الخوض فيه بالرتع في الخصب قال القسي معناه أن الصلاة والذكر في هذه المواضع يؤديان إلى الجنة وهذا المعنى في الاستعارة من الحديث كثير كقوله عليه السلام "عائض المريض في مخارف الجنة" و"الجنة تحت أقدام الأمهات" و"الجنة تحت بارقة السيوف" يعني أن هذه الأشياء تؤدي إلى الجنة قاله في النهاية
(2)
.
(1)
الأذكار (ص 12 - 13).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 187).
قوله صلى الله عليه وسلم "فاغدوا أو روحوا في ذكر الله" الغدو بضم الغين المعجمة هو السير أول النهار نقيض الرواح.
2326 -
وَعَن عَمْرو بن عبسة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول عَن يَمِين الرَّحْمَن وكلتا يَدَيْهِ يَمِين رجال لَيْسُوا بِأَنبِيَاء وَلا شُهَدَاء يغشى بَيَاض وُجُوههم نظر الناظرين يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء بِمَقْعَدِهِمْ وقربهم من الله عز وجل قيل يَا رَسُول الله من هم قَالَ هم جماع من نوازع الْقَبَائِل يَجْتَمعُونَ على ذكر الله فينتقون أطايب الْكَلَام كَمَا ينتقي آكل التَّمْر أطايبه رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ وَإِسْنَاده مقارب لا بَأْس بِهِ
(1)
.
جماع بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم أَي أخلاط من قبائل شَتَّى ومواضع مُخْتَلفَة.
ونوازع جمع نَازع وَهُوَ الْغَرِيب وَمَعْنَاهُ أَنهم لم يجتمعوا لقرابة بَينهم وَلا نسب وَلا معرفَة وَإِنَّمَا اجْتَمعُوا لذكر الله لا غير.
قوله: وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه هو أبو نجيح وقيل أبو شعيب عمرو بن عبسة بعين مهملة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم سين مهملة على وزن عدسة وهذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث والأسماء والتواريخ والسير والمؤتلف وغيرهم من أهل الفنون ورأيت جماعة يزيدون فيه نونا وهذا غلط فاحش وعمرو بن عبسة بن عامر بن خالد فذكره السلمي الصحابي
(1)
الطبراني كما في مجمع الزوائد (10/ 77)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، ورجاله موثقون، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3815).
الصالح أسلم قديما وكان أخا لأبي ذر لأمه وقدم المدينة بعد الخندق فسكنها ثم سكن الشام روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثمانون حديث، سكن حمص وتوفي بها ومناقبه كثيرة
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين رجال ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغشى بياض وجوههم نظر الناظرين يغبطهم الناس".
قوله صلى الله عليه وسلم "قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم جماع من نوازع العرب" أو قال "من نوازع قبائل العرب" الحديث، جماع أي أخلاط من قبائل شتى ومواضع مختلفة ونوازع جمع نازع وهو الغريب الذي نزل عن أهله وعشيرته أي بعد وغاب وقيل لأنه ينزع إلى وطنه أي يحدب ويميل وجاء في الحديث "طوبى للغرباء" قيل من هم يا رسول الله قال النزاع إلى القبائل والمراد الأول أي طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم لله تعالى قاله في النهاية
(2)
، ومعناه أنهم لم يجتمعوا لقرابة بينهم ولا نسب ولا معرفة وإنما اجتمعوا لذكر الله لا غير اهـ. قاله المنذري، وقال غيره أي من غربائهم والنازع الغريب يعني إنما جمعهم ذكر الله تعالى مع اختلاف قبائلهم وتباين أماكنهم وغربة بعضهم من بعض اهـ.
2327 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليبْعَثن الله أَقْوَامًا يَوْم الْقِيَامَة فِي وُجُوههم النُّور على مَنَابِر اللُّؤْلُؤ يَغْبِطهُمْ النَّاس لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 31 - 32).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 41).
وَلا شُهَدَاء قَالَ فَجَثَا أَعْرَابِي على رُكبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول الله حلهم لنا نعرفهم قَالَ هم المتحابون فِي الله من قبائل شَتَّى وبلاد شَتَّى يَجْتَمعُونَ على ذكر الله يذكرُونَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانيُّ بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "ليبعثن الله أقواما يوم القيامة" فذكره إلى أن قال "يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء" الغبطة التمني [مثل حال المغبوط من غير أن يريد زوالها عنه، وهي في الحقيقة عبارة عن حسن الحال، ومنه قولهم: اللهم غبطا لا هبطا، أي: نسألك الغبطة ونعوذ بك أن نهبط
(2)
].
2328 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد رضي الله عنه أنَّهُمَا شَهدا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لا يقْعد قوم يذكرُونَ الله إِلَّا حفتهم الْمَلَائِكَة وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَة وَنزلت عَلَيْهِم السكينَة وَذكرهمْ الله فِيمَن عِنْده رَوَاه مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه
(3)
.
2329 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا مررتم برياض الْجنَّة فارتعوا قَالُوا وَمَا رياض الْجنَّة قَالَ حلق الذّكر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(4)
.
(1)
الطبراني، كما في مجمع الزوائد (10/ 77)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، وإسناده حسن.
(2)
الميسر (3/ 1078).
(3)
مسلم (2700)، والترمذي (3378)، وابن ماجه (3791)، وأحمد (11287)، وأبو يعلى (6157).
(4)
الترمذي (3510)، وأحمد (12523)، وأبو يعلى (3432)، والبيهقي في شعب الإيمان =
قوله: وعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنه تقدم الكلام عليهما.
قوله صلى الله عليه وسلم "لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة" الحديث، المراد بالسكينة هنا الرحمة وهو الذي اختاره القاضي، قال النووي
(1)
: وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه وقيل الطمأنينة والوقار هو أحسن وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد.
ومعنى "وذكرهم الله فيمن عنده" أي يباهي بهم الملائكة كما ورد مصرحا به في [الحديث] ومعناه [إثباتهم عنده] وثناؤه [عليهم].
= (529)، والبزار (3063)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 268)، والطبراني في الدعاء (1890)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (699).
(1)
شرح النووي على مسلم (17/ 21).