الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في كثرة الدعاء وما جاء في فضله
2514 -
عَن أبي ذَر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيمَا يروي عَن ربه عز وجل أَنه قَالَ يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي وَجَعَلته بَيْنكُم محرما فَلَا تظالموا يَا عبَادي كلكُمْ ضال إِلَّا من هديته فاستهدوني أهدكم يَا عبَادي كلكُمْ جَائِع إِلَّا من أطعمته فاستطعموني أطْعمكُم يَا عبَادي كلكُمْ عَار إِلَّا من كسوته فاستكسوني أكسكم يَا عبَادي إِنَّكُم تخطئون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَأَنا أَغفر الذُّنُوب جَمِيعًا فاستغفروني أَغفر لكم يَا عبَادي إِنَّكُم لن تبلغوا ضري فتضروني وَلنْ تبلغوا نفعي فتنفعوني يَا عبَادي لَو أَن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كَانُوا على أتقى قلب رجل وَاحِد مِنْكُم مَا زَاد ذَلِك فِي ملكي شَيْئا يَا عبَادي لَو أَن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كَانُوا على أفجر قلب رجل وَاحِد مِنْكُم مَا نقص ذَلِك من ملكي شَيْئا يَا عبَادي لَو أَن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قَامُوا فِي صَعِيد وَاحِد فسألوني فَأعْطيت كل إِنْسَان مِنْهُم مَسْأَلته مَا نقص ذَلِك مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا ينقص الْمخيط إِذا أَدخل الْبَحْر يَا عبَادي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصيها لكم ثمَّ أوفيكم إِيَّاهَا فَمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه قَالَ سعيد كَانَ أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث جثا على رُكْبَتَيْهِ رَوَاهُ مُسلم وَاللَّفْظ لَهُ
(1)
.
(1)
مسلم (2577).
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن شهر بن حَوْشَب عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم عَنهُ وَلَفظ ابْن مَاجَه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله تبارك وتعالى يَقُول يَا عبَادي كلكُمْ مذنب إِلَّا من عافيته فاسألوني الْمَغْفِرَة أَغفر لكم وَمن علم مِنْكُم أَنِّي ذُو قدرَة على الْمَغْفِرَة واستغفرني بِقُدْرَتِي غفرت لَهُ وكلكم ضال إِلَّا من هديت فاسألوني الْهدى أهدكم وكلكم فَقير إِلَّا من أغنيت فاسألوني أرزقكم وَلَو أَن حيكم وميتكم وأولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم اجْتَمعُوا فَكَانُوا على قلب أتقى عبد من عبَادي لم يزدْ فِي ملكي جنَاح بعوضة وَلَو اجْتَمعُوا فَكَانُوا على قلب أَشْقَى عبد من عبَادي لم ينقص من ملكي جنَاح بعوضة وَلَو أَن حيكم وميتكم وأولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم اجْتَمعُوا فَسَأَل كل سَائل مِنْهُم مَا بلغت أمْنِيته مَا نقص من ملكي إِلَّا كَمَا لَو أَن أحدكُم مر بشفة الْبَحْر فَغَمسَ فِيهَا إبرة ثمَّ نَزعهَا ذَلِك بِأَنِّي جواد ماجد عطائي كَلَام إِذا أردْت شَيْئا فَإِنَّمَا أَقُول لَهُ كن فَيكون وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِنَحْوِ ابْن مَاجَه
(1)
. وَتقدم لَفظه فِي الْبَاب قبله.
الْمخيط بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت هُوَ مَا يخاط بِهِ الثَّوْب كالإبرة وَنَحْوهَا.
قوله: عن أبي ذر رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي" معناه: تقدست عنه وتعاليت فهو في حقه سبحانه وتعالى
(1)
الترمذي (2495)، وابن ماجه (4257)، والبيهقي في شعب الإيمان (7089)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه.
كالشيء المحرم على الناس فالظلم مستحيل في حق الله تعالى وهذا قول الجمهور، وقد ذهب قوم إلى أنه عز وجل قادر على الظلم وهو متصور منه لكنه يفعله عدلا منه وجودا وكرما وإحسانا إلى عباده واحتجوا بقوله عز وجل {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
(1)
{وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ}
(2)
ومثل هذا في القرآن كثير والله أعلم.
قوله تعالى: "وجعلته بينكم محرما" أي كرمته عليكم ومنعتكم منه شرعا، والظلم لغة وضع الشيء في غير موضعه، وشرعا: التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وقد نقل هذا عن إياس بن معاوية وغيره والله أعلم.
قوله تعالى: "فلا تظالموا" هو بفتح التاء، أصله: تتظالموا أي فلا يظلم بعضكم بعضا وهذا توكيد لقوله: "وجعلته بينكم محرما" ومعناه: أنه تعالى حرم الظلم على عباده ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم فنهاهم، فحرام على كل عبد أن يظلم غيره مع أن الظلم نفسه محرم مطلقا، وهو نوعان، أحدهما: ظلم النفس وأعظمه الشرك كما قال عز وجل {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
(3)
، والثاني: ظلم العبد لغيره وهو المذكور في هذا الحديث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع "إن دمماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"
(4)
.
(1)
سورة ق، الآية:29.
(2)
سورة غافر، الآية:31.
(3)
سورة لقمان، الآية:13.
(4)
أخرجه البخاري في التفسير (4406)(3197)(105)، والحج (1741)، ومسلم (1679).
قوله صلى الله عليه وسلم: عن الله عز وجل "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته" هذا كقوله عز وجل {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي}
(1)
ونحوها {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)}
(2)
.
قوله: "فاستهدوني" أي: اسألوني الهداية واعتقدوا أنها لا تكون إلا من فضلي وبأمري أهدكم، قاله الطوفي
(3)
، وقال النووي في شرح مسلم
(4)
: ظاهر هذا الكلام يقتضي أنهم خلقوا على الضلالة إلا من هداه الله، قال المازري ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى وفي الحديث المشهور كل مولود يولد على الفطرة قال فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا وهذا الثاني أظهر وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله وبهدي الله اهتدى وبإرادة الله تعالى ذلك وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين ولو أرادها لاهتدوا خلافا للمعتزلة
(5)
.
(1)
سورة الكهف، الآية:17.
(2)
سورة الضحى، الآية:7.
(3)
التعيين (ص 186).
(4)
شرح النووي على مسلم (16/ 132 - 133).
(5)
شرح مسلم (16/ 133).
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: "يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم" وذلك أن الناس عبيد الله لا يملكون شيئا وخزائن الرزق بيد الله عز وجل فمن لا يطعمه بفضله بقى جائعا بعدله إذ ليس عليه إطعام أحد.
فإن قلت: كيف هذا مع قوله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}
(1)
؟
قلنا: هذا التزام منه تفضلا لا أن عليه للدابة حقا بالأصالة، وشبيه بهذا قوله عز وجل {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}
(2)
الآية، أي ذلك واجب منه تفضلا التزاما عليه لزوما قاله الطوفي
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار" وهذا من باب مقابلة الجمع بالجمع أي تصدر منكم الخطيئة ليلا ونهارا، من بعضكم ليلا، ومن بعضكم نهارا، الرواية المشهور:"تخطئون" بضم التاء وسكون الخاء وكسر الطاء وضبطه بعض الفضلاء بفتح التاء والطاء على وزن تفترون من الافتراء يقال: خطئ يخطئ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ ويقال في الإثم أيضا أخطا وهما صحيحان ومنه قوله تعالى
(1)
سورة هود، الآية:6.
(2)
سورة النساء، الآية:17.
(3)
التعيين (ص 186).
{اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}
(1)
والخطأ من غير قصد معفو عنه لا يعتد به أصلا ذنبا لقوله صلى الله عليه وسلم: "عفي لأمتي الخطأ والنسيان".
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: "وأنا أغفر الذنوب جميعا" هو كقوله عز وجل في التنزيل {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}
(2)
.
قوله تعالى: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني" الحديث، اعلم أن الإجماع والبرهان على أن الله عز وجل منزه مقدس غني بذاته لا يلحقه ضر ولا نفع ولا يحتاج إلى ذلك وظاهر هذا الحديث أن لضره ونفعه غاية لكن لا يبلغها العباد والله أعلم، قاله الطوفي
(3)
، ومعناه: أن العباد لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله تعالى نفعا ولا ضرا فإن الله تعالى في نفسه غني حميد لا حاجة له بطاعات العباد ولا يعود نفعها إليه، وإنما هم ينتفعون بها ولا يتضرر بمعاصيهم وإنما هم يتضررون بها قال الله تعالى:{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا}
(4)
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته "ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا" قال الله عز وجل: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}
(5)
وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا
(1)
سورة يوسف، الآية:97.
(2)
سورة الزمر، الآية:53.
(3)
التعيين (ص 189).
(4)
سورة آل عمران، الآية:176.
(5)
سورة النساء، الآية:131.
وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}
(1)
والمعنى: أنه تعالى يحب من عباده أن يتقوه ويطيعوه كما أنه قد يكره منهم أن يعصوه ولهذا يفرح بتوبة التائبين أشد من فرح من ضلت راحلته التي عليها طعامه وشاربه بفلاة من الأرض وطلبها حتى يعي وأيس منها واستسلم للموت وأيس من الحياة ثم غلبته عينه فنام فاستيقظ وهي قائمة عنده وهذا أغلى ما يتصوره المخلوق من الفرح هذا كله مع غناه عن طاعات عباده وتوبتهم وأنه إنما يعود نفعها إليهم دونه ولكن هذا من كمال جوده وإحسانه إلى عباده ومحبته لنفعهم ودفع الضرر عنهم فهو يحب من عباده أن يعرفوه ويحبوه ويخافوه ويتقوه ويطيعوه ويتقربوا، ويحب أن يعلموا أنه لا يغفر الذنوب غيره وأنه قادر على مغفرة ذنوب عباده والله أعلم قاله ابن رجب
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني" الحديث، أي: في أرض واحدة فالصعيد وجه الأرض، والمراد بقوله "في صعيد واحد" في مقام واحد قيد السؤال بالاجتماع لأن تزاحم السؤال وازدحامهم مما يدهش المسئول عنه ويعسر عليه إنجاح مآربهم
(3)
والله أعلم قاله في شراح مشارق الأنوار.
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: "ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" المخيط بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح
(1)
سورة الحج، الآية:37.
(2)
جامع العلوم والحكم (2/ 43).
(3)
تحفة الأبرار (2/ 70)، وشرح المشكاة (6/ 1839).
الياء المثناء تحت وهو ما يخاط به الثوب كالإبرة ونحوها قاله الحافظ المنذري، قال العلماء: هذا تقريب إلى الأفهام ومعناه لا ينقص شيئا كما قال في الحديث الآخر "يد الله ملئى لا يغيضها نفقة" أي لا تنقصها لأن ما عند الله تعالى لا يدخله نقص وإنما يدخل النقص المحدود الفاني وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة والمقصود التقريب إلى الأفهام مما يشاهدوه فإن البحر أعظم المرئيات عيانا وأكبرها، والإبراة من أصغر الموجودات مع أنها صقلية لا يتعلق بها
(1)
والله أعلم أ. هـ.
وقال ابن رجب: تحقيق لأن ما عند الله لا ينقص البتة كما قال تعالى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}
(2)
فإن البحر إذا غمس فيه إبرة ثم أخرجت لم ينقص من البحر بذلك شيء وكذلك لو فرض أنه شرب منه عفور مثلا فإنه لا ينقص البتة، ولهذا ضرب الخضر لموسى صلى الله عليه وسلم هذا المثل في نفسه في نسبة علمهما إلى علم الله عز وجل وهذا لن البحر لا يزال تمده مياه الدنيا وأنهارها الجارية فمهما أخذ منه لم ينقصه شيء لأنه يمده ماء هذا هذا زيد مما أخذ منه، وهكذا طعام الجنة وما فيها فإنه لا ينفد كما قال الله تعالى {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)}
(3)
وقد جاء أنه كلما
(1)
شرح النووي على مسلم (16/ 133).
(2)
سورة النحل، الآية:96.
(3)
سورة الواقعة، الآيتان: 32 - 33.
نزعت تمرة عاد مكانها مثلها، ووري مثلاها فهي لا تنقص أبدا وكذلك الشراب، يشرب حتى ينتهي نفسه ثم يعود مكانه، ورئى بعض العلماء الصالحين بعد موته بمدة في المنام فقال ما أكلت منذ فارقتكم إلا بعض فرخ أما علمتم أن طعام الجنة لا ينفد، أ. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها" بالجزاء عليها، وهذا كقوله عز وجل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
(1)
فالشر يجازى به مثله من غير زيادة إلا أن يعفو الله عنه، والخير يضاعف الحسنة منه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلم قدرها إلا الله تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
(2)
(3)
.
فائدة: قوله في الحديث "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم" أي: بعلمي وملائكتي الحفظة.
فإن قيل: ما الحاجة إلى الحفظة مع علمه؟ قيل: ليكونوا شهداء بين الخالق والمخلوق ولهذا يقال لبعض الناس يوم القيامة كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا، وقيل فيه: غير ذلك والله تعالى أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل
(1)
سورة الزلزلة، الآية: 7 - 8.
(2)
سورة الزمر، الآية:10.
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 49 - 52) باختصار.
ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" الحديث، إن كان المراد من وجد ذلك في الدنيا كما قال الله عز وجل:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}
(1)
الآية، ويكون مأمورًا يلوم نفسه على ما فعلت من الذنوب الذي وجد عاقبتها في الدنيا كما قال الله تعالى:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى}
(2)
الآية، فالمؤمن إذا أصابه في الدنيا بلاء رجع على نفسه ودعاه ذلك إلى الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار، فيه إشارة إلى أن الخير كله فضل من الله على بعده من غير استحقاق والشر كله من عند ابن آدم من اتباع هوى نفسه كما قال عز وجل {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}
(3)
والله أعلم قاله ابن رجب
(4)
.
قوله: قال سعيد، وسعيد هذا هو ابن عبد العزيز التنوخي.
قوله: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه، وأبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله بالهمز وبالذال المعجمة بن عبد الله بن عمرو على المشهور، الخولاني: بالخاء المعجمة الشامي التابعي الجليل القدر الكبير الشأن ولاه معاوية القضاء بدمشق وكان من عبادة الشام وقرائهم، ولد يوم حنين، توفي سنة ثمانين والله أعلم.
(1)
سورة غافر، الآية:40.
(2)
سورة السجدة، الآية:21.
(3)
سورة النساء، الآية:79.
(4)
جامع العلوم والحكم (2/ 53).
2515 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله عز وجل يَقُول أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه إِذا دَعَاني رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ ابْن مَاجَه
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني" الحديث، للدعاء شرط وآداب منها: أن يحسم الداعي ظنه بالإجابة لهذا الحديث المذكور.
2516 -
وَعَن النُّعْمَان بن بشير رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة ثمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}
(2)
" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(3)
.
قوله: وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة، ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ".
(1)
البخاري (7405)، وفي الأدب المفرد (616)، ومسلم (2686)، والترمذي (3603)، والنسائي (7730)، وابن ماجه (3822)، وأحمد (7422)، وابن حبان (811).
(2)
سورة غافر، الآية:60.
(3)
أبو داود (1479)، والترمذي (3372)، والنسائي في اليوم والليلة (11464)، وابن ماجه (3828)، وابن حبان (890)، والحاكم (1/ 490)، وأحمد (18352)، والبخاري في الأدب المفرد (714)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3407).
قوله: "هو العبادة" أي معظمها كقولهم "الحج عرفة".
قوله تعالى: {ادْعُونِي} قال ابن عباس: يريد وحدوني أغفر لكم، وكذا قال مجاهد ويدل على صحة هذا التفسير حديث النعمان هذا، والدعاء بمعنى العبادة في القرآن كثير ولما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة لتجانس اللفظ وعن الثوري أنه قيل له: ادع الله قال: إن ترك الذنوب هو العبادة
(1)
، وفي الحديث "إذا شغل عبدي طاعتي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"
(2)
وقيل: الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، وعن كعب: إعطى الله هذه الأمة ثلاث خلال لم يعطهن إلا نبيا مرسلا: كان يقول لكل نبيّ أنت شاهدي على خلقي، وقال لهذه الأمة لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وكان يقول: ما عليك من حرج، وقال لنا ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وكان يقول: ادعني أستجب لك، وقال لنا {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}
(3)
. وهذا [الوعد مقيد بشرط] المشيئة وينبغي للداعي أن يفرغ قلبه مما سوى الله تعالى فلا يكون فيه ذرة اعتماد على غيره من مال أو جاه أو قريب أو صديق أو جد واجتهاد فإذا لم يبق في القلب التفات إلى شيء من ذلك فالمرجو
(1)
أورده الطبري في التفسير (20/ 354).
(2)
أخرجه الترمذي (2926) وإسناده ضعيف جدًّا. قال أبو حاتم في العلل (1738): منكر. وفي إسناده عطية وهو العوفي قال عنه الحافظ في التقريب صدوق يخطيء كثيرًا وكان شيعيًّا مدلسًا (ت 4649). وانظر: الضعيفة (1335).
(3)
ذكره الزمخشري في التفسير (4/ 175)، والماوردي في النكت والعيون (5/ 162 - 163).
من الله سبحانه وتعالى القبول وإذا حصل الرد والعياذ بالله تعالى فلعله لفوات بعض هذه الأمور وعدم صدق الالتجاء والله أعلم، وقال الله عز وجل:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} أي: صاغرين، جعل الله الدعاء عبادة ولأن الداعي إنما هو يدعوا الله عز وجل عند انقطاع أمله مما سواه وذاك حقيقة التوحيد والإخلاص، ولا عبادة فوقها فالدعاء مخ العبادة من هذا الوجه ومخ الشيء خالصه وإنما كان مخها لأمرين، أحدهما: أنه امتثال لأمر الله عز وجل حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فهو محض العبادة وخالصها، والثاني: إنه إذا رأى نجاح الأمور من الله عز وجل قطع أمله ممن سواه ودعاه لحاجته موحدا وهذا هو أصل العبادة أ. هـ، فإن الغرض من العبادة الثواب عليها وهو المطلوب بالدعاء قاله في النهاية
(1)
قال النووي
(2)
: اعلم المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء أن الدعاء مستحب قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآية، والآيات في هذا الباب كثيرة مشهورة، وأما الأحاديث الصحيحة فكذلك وروينا رسالة الإِمام أبي القاسم القشيريّ رضي الله عنه قال: اختلفَ الناسُ في أن الأفضل الدعاء، أم السكوت والرضى؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة، للحديث السابق "الدُّعاءُ هُوَ العبادة" ولأنَّ الدعاءَ إظهارُ الافتقار إلى الله تعالى.
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 305).
(2)
الأذكار (ص 395).
وقالت طائفة: السكوت والخمودُ تحت جريان الحكم أتمّ، والرضا بما سبق به القدر أولي، وقال قوم: يكون صاحبُ دعاءٍ بلسانه ورضا بقلبه ليأتيَ بالأمرين جميعًا.
قال الإمام القشيري: والأولى أن يقال إِن الأوقات مختلفة ففي بَعْض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت وَهُوَ الأدب وَفِي بَعْض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وَهُوَ الأدب وإنما يعرف ذَلِكَ فِي الوقت، لأن علم الوقت إِنَّمَا يحصل فِي الوقت فَإِذَا وجد بقلبه إشارة إِلَى الدعاء فالدعاء لَهُ أولى وإذا وجد إشارة إِلَى السكوت فالسكوت لَهُ أتم، أ. هـ
(1)
، قال الإمام السبكي: والصواب أن الدعاء أولى مطلقا لما في الحديث الذي رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يدع الله غضب عليه" قال: ومن شروط الدعاء أن يكون مطعمه حلالا ومن آدابه حضور القلب، وقال الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه الإحياء: آداب الدعاء عشرة، الأول: أن يترصد الأزمان الشريفة كيوم عرفة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار؛ والثاني: أن يغتنم الأحوال الشريفة كحالة السجود والتقاء الجيوش ونزول الغيث وإقامة الصلاة وبعدها وبين الأذان والإقامة وعند فطر الصائم، قلت: وحالة رقة القلب، الثالث: أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع اليدين ويمسح بهما وجهه في آخره، الرابع: خفض الصوت بين المخافتة والجهر، الخامس: أن لا يتكلف السجع في الدعاء، وقد فسر به
(1)
الرسالة للقشيري (2/ 422).
الاعتداء في قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
(1)
فقيل: معناه التكلف بالأسجاع والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عليه الاعتداء، وقال بعضهم: ادع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق ويقال إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات ويشهد له ما ذكره سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا}
(2)
إلى آخرها، لم يخبر سبحانه وتعالى في موضع عن داعية عباده بأكثر من ذلك، قلت: ومثله قول الله سبحانه في سورة إبراهيم {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}
(3)
إلى آخره، قلت: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حجر في ذلك ولا تكره الزيادة على السبع بل يستحب الإكثار من الدعاء مطلقا، السادس: التضرع والخشوع والرهبة قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}
(4)
الآية، وقال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}
(5)
، السابع: أن يجزم بالطلب ويوقن بالإجابة ويدق رجاؤه فيها ودلائله كثيرة مشهورة، قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من
(1)
سورة الأعراف، الآية:55.
(2)
سورة البقرة، الآية:286.
(3)
سورة إبراهيم، الآية:35.
(4)
سورة الأنبياء، الآية:90.
(5)
الأعراف، الآية:55.
الدعاء ما يعلمه من نفسه فإن الله تعالى أجاب شر المخلوقين إبليس إذ قال: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37)}
(1)
، الثامن: أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثا ولا ولا يستبطئ الإجابة، وقال بعضهم إنني أسأل الله حاجة منذ عشرين سنة وما أجابني وأنا أرجوا الإجابة، التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله، قلت: وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد والثناء ويختمه بذلك كله أيضا، قال سلمة بن الأكوع سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح الدعاء بقوله سبحان ربي العلي الأعلي الوهاب، وقال أبو سليمان الداراني: من أراد أن يسأل الله تعالى فليبتدئ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم أن يدع ما بينهما، العاشر: وهو أهمها والأصل في الإجابة وهو التوبة ورد المظالم والإقبال على الله تعالى والله أعلم
(2)
.
2517 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من سره أَن يستجيب الله لَهُ عِنْد الشدائد فليكثر من الدُّعَاء فِي الرخَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيثه وَمن حَدِيث سلمَان وَقَالَ فِي كل مِنْهُمَا صَحِيح الْإِسْنَاد
(3)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
(1)
سورة الحجر، الآيتان: 36 - 37.
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 306). وينظر تخريج الأحاديث في المغني للعراقي.
(3)
الترمذي (3382)، وقال: حديث غريب، والحاكم (1/ 544)، وأبو يعلى (6396)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6290).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء" الحديث، والرخاء سعة العيش، ومنه الحديث "ليس كل الناس مرخي عليه"
(1)
أي: موسعا عليه في رزقه ومعيشته.
قوله: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجر من بلاد الشام إلى المدينة ولا يصحب القوافل توكلا منه على الله فبينما هو جاء إلى الشام يريد المدينة إذ عرض له لص على فرس فصاح بالتاجر: قف! قال: فوقف له التاجر وقاله له شأنك بمالي وخل سبيلي، قال: فقال له اللص المال مالي وإنما أريد نفسك، فقال له ثانيا وثالثا وهو يأبي، فقال التاجر: أنظرني حتى أتوضأ وأصلي وأدعوا ربي عز وجل، قال: افعل ما بدا لك، فتوضأ التاجر وصلى أربع ركعات ورفع يده إلى السماء فكان من دعائه: يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد يا فعال لما يريد أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شيء لا إله إلا أنت يا مغيث أغثني ثلاث مرات، فلما فرغ من دعائه إذا بفارس على فرس أشهب عليه ثياب خضر بيده حربة من نور فلما رأى اللص إلى الفارس ترك التاجر ومر نحو الفارس فلما دنا منه شد الفارس على اللص فطعنه طعنة أرداه عن فرسه ثم جاء إلى التاجر فقال له قم فاقتله فقال له التاجر من أنت، فما قتلت أحدا قط ولا تطيب نفسي بقتله فرجع الفارس إلى اللص وقتله ورجع إلى التاجر
(1)
أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 56).
وقال: اعلم أني ملك من السماء الثالثة حين دعوت الأولى سمعنا لأبواب السماء قعقعة فقلنا أمر حدث ثم دعوت الثانية ففتحت أبواب السماء ولها شرر كشرر النار ثم دعوت الثالثة فهبط جبريل عليه السلام علينا وهو ينادي: من لهذا المكروب فدعوت ربي أن يوليني قتلهن واعلم يا عبد الله أن من دعا بدعائك هذا في كل كربة وشدة وكل نازلة فرج الله عنه وأغاثه، قال: وجاء التاجر إلى المدينة سالما وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالحال والدعاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لقنك الله أسماءه الحسنى الذي إذا دعي بها أجاب وإذا سئل بها أعطى" والله أعلم
(1)
.
2518 -
وَعنهُ رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَيْسَ شَيْء أكْرم على الله من الدُّعَاء فِي الرخَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ غَرِيب وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(2)
.
قوله: وعنه رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في (مجابوا الدعوة 63)، وفي (الهواتف 24) ومن طريقه: اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (كرامات الأولياء 5/ 166، 111) وعبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (104) وذكره ابن حجر في الإصابة (12/ 24). وفي الإسناد الكلبي مجهول، وليس هو صاحب التفسير كما ورد في الأسانيد السابقة وكما يلاحظ، فقد اضطرب فيها فالقصة ليست بثابتة فيما أري، والعلم عند الله.
(2)
الترمذي (3370)، وقال: حديث غريب، وابن ماجه (3829)، وابن حبان (870)، والحاكم (1/ 490)، والبخاري في الأدب المفرد (712)، وأحمد (8748)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5392).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء" وقال في حديث آخر "الدعاء هو العبادة" قال الفقيه أبو الليث: ينبغي أن يدعو الله تعالى في كل وقت ويرفع جميع حوائجه فإن ذلك علامة العبودية فإن أحب عباد الله إلى الله من يسأله وأبغض الناس إلى الله من استغنى عنه وأحب الناس إلى الناس من استغنى عنهم ولا يسألهم شيئا وأبغض الناس إلى الناس من يسألهم انتهي، قال الحليمي
(1)
: اعلم أن للدعاء أركانا وآدابا وقد ذكرت من كلام الغزالي في الأحاديث المقتدمة لكن الحليمي ذكر أشياء زائدة وأنا أذكر شيئا مما قاله الحليمي بحروفه فمن أركانه: أن لا يكون عليه في سؤال ما سأل حرج، ومنها: أن يكون له في السؤال غرض صحيح، ومنها: أن يكون حسن الظن بالله عز وجل فتكون الإجابة أغلب على قلبه من الرد، ومنها: أن يدعو الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلي، ومنها: أن يسأل جدا وحقيقة ولا يأخذ دعاء مؤلفا فيسرده سردا وهو عن حقائقه غافل، ومنها: أن لا يشغله الدعاء عن فريضة لله تعالى حاضرة فيفوتها، ومنها: أن يكون دعاؤه سؤالا بالحقيقة لا اختبارا للرب تعالي، ومنها: أن يصلح لسانه إذا دعا ولا يخاطب ربه تعالى بما لو خاطب به كفؤه وقريبه لنسبه إلى قلة الحياء أو سوء الأدب أو ركاكة العقل، ومنها: أن لا يدعو ضجرا مستعجلا، ومنها: أن حاجته إذا عظمت لم يسألها الله تعالى مستعظما إياها في ذات الله تعالى بل يسأله الحاجة الصغيرة والكبيرة سؤالا واحدا ويرى منه المحافظة على الدعاء في الرخاء دون تخصيص الشدة والبلاء، ومنها: أن يقتصر على جوامع الدعاء ما لم تعرض
(1)
المنهاج (1/ 522 - 523).
له حاجة يعنيها فينص عليها، ومنها: أن يدعو وهو طاهر، ومنها: أن يستقبل القبلة ويسن في الدعاء مستقبل القبلة وهو أفضل، قال النووي
(1)
: يلحق بالدعاء الوضوء والغسل والأذكار والقراءة وسائر الطاعات إلا ما خرج بالدليل كالخطبة ونحوها، ومنها: أن يدعو في دبر كل صلاة، ومنها: أن يرفع يديه حتى يحاذي بهما المنكبين إذا دعا [لأن في رفع اليدين الضراعة إلى الله تعالى والتذلل قاله الكرماني
(2)
. أ. هـ من خط المصنف رحمه الله]، ومنها: أن يخفض صوته بالدعاء، ومنها: أن يمسح بيديه وجهه إذا فرغ من الدعاء، ومنها: أن يحمد الله تعالى إذا عرف الإجابة، ومنها: أن لا يخلى يوما وليلة من الدعاء [ومنها: أن يختم بآمين للحديث "واختم بآمين وأبشر"، ومنها: يكره أن يرفع الداعي بصره إلى السماء]، ويتحري للدعاء الأوقات والأحوال والمواطن التي ترجي فيها الإجابة فأما الأوقات فمنها ما بين الظهر والعصر من يوم الأربعاء ومنها ما بين زوال الشمس من يوم الجمعة على أن تغرب الشمس، ومنها عند اجتماع المسلمين على الدعاء ومنها عند القيام من المجلس وأما المواطن فالموقفان والجمرتان وعند البيت والملتزم خاصة وعلى الصفا والمروة.
فائدة: ومن آداب الدعاء فيما ذكره الغزالي وغيره أن يمسح الداعي يديه على وجهه إذا فرغ من الدعاء، فقد روي أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا الله ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم
(1)
شرح النووي على مسلم (6/ 189).
(2)
الكواكب الدراري (6/ 42).
فامسحوا بها وجوهكم"
(1)
انتهى.
2519 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول قَالَ الله تَعَالَى يَا ابْن آدم إِنَّك مَا دعوتني ورجوتني غفرت لَك على مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي الحَدِيث رَوَاهُ التّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي الاسْتِغْفَار
(2)
.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى الحديث قبله مطولا، وفيه:"يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة" قراب الأرض بضم القاف ما يقارب ملؤها، وفي الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه
(3)
، فالسنة لمن دعا برفع بلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء ولمن دعا بتحصيل شيء أن يجعل بطنهما إليها، قاله الرافعي وغيره في باب الاستسقاء، وكان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء وبطونهما إلى الأرض قال النووي
(4)
: أما رفع اليدين خارج الصلاة في الدعاء فمستحب فقد ثبت رفع اليدين في الاستسقاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة، وأما مسح الوجه فلا يسن في قنوت الصلاة، قال البيهقي لأنه لم يثبت فيه خبر ولا أثر ولا قياس فلا يستحب قطعا بل نص جماعة على
(1)
أخرجه عبد بن حميد (715)، وأبو داود (1485)، والحاكم (1/ 536). وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (262).
(2)
الترمذي (2698)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2324).
(3)
أخرجه الترمذي (3386). وضعفه الألباني في المشكاة (2245)، الإرواء (433).
(4)
شرح النووي على مسلم (6/ 190).
كراهته، قال: وإنما روي ذلك في الدعاء خارج الصلاة من رواية ابن عباس بإسناد ضعيف ورود في الحديث حكمته وهو الإفاضة عليه مما أعطاه الله فإن قلنا لا يرفع لم يشرع المسح بلا خلاف وإن قلنا يرفع فوجهان أشهرهما عند جماعة من الأصحاب أنه مستحب، والثاني: لا يمسح وهو الصحيح عند المحققين، والحاصل للأصحاب ثلاثة أوجه الصحيح يستحب رفع يديه دون مسح الوجه، الثاني: لا يستحب، والثالث: يستحبان، وأما غير الوجه والصدر وغيره فاتفقوا على أنه لا يستحب بل قال ابن الصباغ وغيره من العلماء أنه مكروه، والله أعلم.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى الحديث قبله مطولا، وفيه:"يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لأتيتك بقرابها مغفرة" قراب الأرض بضم القاف، وحكي صاحب المطالع الكسر ما يقارب مثلها.
2520 -
وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا على الأَرْض مُسلم يَدْعُو الله بدعوة إِلَّا آتَاهُ الله تَعَالَى إِيَّاهَا أَو صرف عَنهُ من السوء مثلهَا مَا لم يدع بإثم أَو قطيعة رحم فَقَالَ رجل من الْقَوْم إِذا نكثر قَالَ الله أَكثر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم كِلَاهُمَا من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد
(1)
. قَالَ الجراحي يَعْنِي الله أَكثر إِجَابَة.
(1)
الترمذي (3573)، وقال: حديث حسن صحيح ريب من هذا الوجه، وأبو نعيم في الحلية (5/ 137)، وعبد الله بن أحمد في زيادته على المسند (22785)، والطبراني في الأوسط =
قوله: وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله تعالى إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم" من شروط الداعي أن الداعي لا يدعوا بمعصية كالإثم وقطيعة الرحم، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن العبد لا يخطئه من العبادة إحدى ثلاث إما ذنب يغفر أو خير يعجل أو خير يدخر له" رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس
(1)
، وروي الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا "سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وأفضل العبادة انتظار الفرج"
(2)
أ. هـ.
قوله: من رواية عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان [صدوق رمي بالقدر وثقه ابن المديني وأبو حاتم ودحيم وابن معين وقال صالح جزرة قدري صدوق، وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي وصحح له الترمذي وغيره].
2521 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من مُسلم ينصب وَجهه لله عز وجل فِي مَسْأَلَة إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاه إِمَّا أَن يعجلها لَهُ وَإِمَّا أَن يدخرها
= (147)، وفي الدعاء (86)، والبيهقي في شعب الإيمان (1131)، والبغوي (1387)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5638).
(1)
أخرجه الديلمي كما في الغرائب الملتقطة (876). وضعفه العراقى في تخريج الإحياء (ص 361).
(2)
أخرجه الترمذي (3571)، وابن أبي الدنيا في الفرج (2). وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (492).
لَهُ فِي الْآخِرَة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم ينصب وجهه لله عز وجل في مسألة إلا أعطاها إياه إما أن يعجلها له وإما أن يدخرها له في الآخرة" الحديث.
فائدة فيها بشرى: قال هلال بن يساف رضي الله عنه بلغني أن المسلم إذا دعا الله تعالى فلم يستجب له كتب له حسنة يعني جزاء لمصيبة رده، خرجه ابن أبي شيبة والله أعلم.
2522 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من مُسلم يَدْعُو بدعوة لَيْسَ فِيهَا إِثْم وَلَا قطيعة رحم إِلَّا أعطَاهُ الله بهَا إِحْدَى ثَلَاث إِمَّا أَن يعجل لَهُ دَعوته وَإِمَّا أَن يدخرها لَهُ فِي الْآخِرَة وَإِمَّا أَن يصرف عَنهُ من السوء مثلهَا قَالُوا إِذا نكثر قَالَ الله أَكثر رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى بأسانيد جَيِّدَة وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(2)
.
قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
(1)
أحمد (9785)، والحاكم (1/ 497)، والبخاري في الأدب المفرد (711)، والبيهقي في شعب الإيمان (1126).
(2)
أحمد (11133)، والبزار (3144)، وأبو يعلى (1019)، والحاكم (1/ 493)، والبخاري في الأدب المفرد (710)، والبيهقي في الشعب (1130)، وعبد بن حميد (937)، وابن أبي شيبة (29170)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 148)، رواه أحمد، أبو يعلى بنحوه، والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي، وهو ثقة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث" فذكره إلى أن قال "وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" قالوا: إذا تكثر قال الله أكثر، قال الجراحي: يعني الله أكثر إجابة.
2523 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ يَدْعُو الله بِالْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يوقفه بَين يَدَيْهِ فَيَقُول عَبدِي إِنِّي أَمرتك أَن تَدعُونِي ووعدتك أَن أستجيب لَك فَهَل كنت تَدعُونِي فَيَقُول نعم يَا رب فَيَقُول أما إِنَّك لم تدعني بدعوة إِلَّا استجبت لَك أَلَيْسَ دعوتني يَوْم كَذَا وَكَذَا لغم نزل بك أَن أفرج عَنْك ففرجت عَنْك فَيَقُول نعم يَا رب فَيَقُول إِنِّي عجلتها لَك فِي الدُّنْيَا وَدَعَوْتنِي يَوْم كَذَا وَكَذَا لغم نزل بك أَن أفرج عَنْك فَلم تَرَ فرجا قَالَ نعم يَا رب فَيَقُول إِنِّي ادخرت لَك بهَا فِي الْجنَّة كَذَا وَكَذَا وَدَعَوْتنِي فِي حَاجَة أقضيها لَك فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا فقضيتها فَيَقُول نعم يَا رب فَيَقُول إِنِّي عجلتها لَك فِي الدُّنْيَا وَدَعَوْتنِي يَوْم كَذَا وَكَذَا فِي حَاجَة أقضيها لَك فَلم تَرَ قضاءها فَيَقُول نعم يَا رب فَيَقُول إِنِّي ادخرت لَك بهَا فِي الْجنَّة كَذَا وَكَذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلَا يدع الله دَعْوَة دَعَا بهَا عَبده الْمُؤمن إِلَّا بَين لَهُ إِمَّا أَن يكون عجل لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَن يكون ادخر لَهُ فِي الْآخِرَة قَالَ فَيَقُول الْمُؤمن فِي ذَلِك الْمقَام يَا ليته لم يكن عجل لَهُ شَيْء من دُعَائِهِ رَوَاهُ الحَاكِم
(1)
.
(1)
الحاكم (/ 494)، وقال: هذا الحديث تفرد بالفضل بن عيسى الرقاشي عن محمد بن المتكدر، ومحل الفضل بن عيسى محل من لا يتهم بالوضع، والبيهقي في شعب الإيمان (1133).
قوله: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه، ومعنى الحديث واضح.
2524 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تعجزوا فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ لن يهْلك مَعَ الدُّعَاء أحد رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(1)
.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد" قال العلماء رضي الله عنهم: ومن أهمِّ ما يسألُ العبد ربَّه مغفرةُ ذنوبه، أو ما يستلزم ذلك كالنجاة من النار، ودخول الجنة، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: حولَها نُدنْدِن
(2)
يعني: حول سؤال الجنة والنجاة من النار والله أعلم
(3)
.
2525 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الدُّعَاء سلَاح الْمُؤمن وعماد الدّين وَنور السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَرَوَاهُ أَبُو يعلى من حَدِيث عَليّ
(4)
.
(1)
ابن حبان (871)، والحاكم (1/ 493). وقال الألباني ضعيف جدا، في ضعيف الجامع (5638).
(2)
أخرجه: ابن ماجه (910) و (3847)، وابن حبان (868) من حديث أبي هريرة، به، وهو حديث صحيح.
(3)
النهاية 2/ 137.
(4)
الحاكم (1/ 492)، وأبو يعلى (439)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 147)، وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد، وهو متروك. وقال الألباني موضوع في ضعيف الجامع (3001).
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه:، تقدم الكلام عليه رضي الله تعالى عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء سلاح المؤمن" الحديث.
2526 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما. قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من فتح لَهُ مِنْكُم بَاب الدُّعَاء فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَمَا سُئِلَ الله شَيْئا يَعْنِي أحب إِلَيْهِ من أَن يسْأَل الْعَافِيَة وَقَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل فَعَلَيْكُم عباد الله بِالدُّعَاءِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم كِلَاهُمَا من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الْمليكِي وَهُوَ ذَاهِب الحَدِيث عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَنهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد
(1)
.
قوله: عن ابن عمر رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة" الحديث.
قوله: من رواية عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي [وهو ذاهب الحديث].
2527 -
وَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله حييّ كريم يستحي إِذا رفع الرجل إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَن يردهما صفرا خائبتين رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ
(2)
.
(1)
الترمذي (3548)، وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو المكي المليكي، وهو ضعيف في الحديث، قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه، والحاكم (1/ 498)، وقال: صحيح الإسناد، وقال الذهبي: المليكي ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5720).
(2)
أبو داود (1488)، والترمذي (3556)، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه (3865)، وابن حبان (876)، والحاكم (1/ 497)، وأحمد (23715)، والطبراني في =
الصفر بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَإِسْكَان الْفَاء هُوَ الفارغ.
قوله: وعن سلمان رضي الله عنه، أسلم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان عبدا لبني قريظة فكاتبوه فادى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابته، كان مسافر لطلب الدين فأخذه العرب فباعوه ويقال أنه تداوله بضعة عشر ربا حتى أفضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وساعده في العتق، وقال صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت
(1)
".
حين قال المهاجرون يوم حفر الخندق سلمان منا. وقال الأنصار سلمان منا وهو أحد الذين اشتاقت لهم الجنة
(2)
عاش مائتين وخمسين سنة وقيل
= الدعاء (203)، والبيهقي في الدعوات الكبير (180)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757).
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 212)(6040)، والحاكم (3/ 691)، وانظر: قول الهيثمي في المجمع (6/ 130)، وله شاهد في حديث علي أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 56) وإسناد رجاله كلهم ثقات، وراجع: كشف الخفا (2/ 490)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (3272)، والضعيفة (3704): ضعيف جدًا.
(2)
ورد من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت وإن الجنة تشتاق إلى أربعة". أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (1/ 205). وكثير بن عبد الله ضعيف جدًا عن عبد الله بن عباس. رواه محمد بن مصبح البزاز، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا قيس، عن أبان بن تغلب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تشتاق الجنة إلى أربعة إلى علي وأبي ذر وعمار والمقداد". أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 176 - 177). قيس هو: ابن الربيع، وهو ضعيف. ومحمد بن مصبح وأبوه لا يعرفان، (انظر: الميزان 6/ 433، واللسان 7/ 102).
وحديث علي بن أبي طالب رواه إبراهيم بن عامر، عن عامر بن إبراهيم، قال: سمعت =
ثلثماثة وخمسين وقيل أنه أدرك وصى عيسىى عليه السلام وكان يأكل من عمل يده ولاه عمر المدائن ومات بها قاله الكرماني
(1)
وتقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين" الحديث، الصفر الفارغ قاله المنذري، وقال في سلاح المؤمن: الشيء الخالي الفارغ يقال صفر الشيء بكسر الفاء إذا خلا
(2)
أ. هـ.
قوله: "كريم" من أسمائه تعالى الكريم وهو الجامع لأنواع الخير والشرف المعطي الذي لا ينفد عطاؤه، وفي الحديث: "إن الله كريم يحب مكارم الأخلاق
(3)
" عن الحسن -رحمة الله عليه-، قال: قال الله عز وجل: "أنا أكرم
= نهشل بن سعيد، يُحدّث عن الضحاك بن مزاحم، عن الأعمش، عن باذام، عن قنبر، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إلا إن الجنة اشتاقت إلى أربعة من أصحابي، فأمرني ربي أن أحبهم
…
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (7569)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 177).
قلت: نهشل بن سعيد متروك، وقد اضطرب فيه، فرواه مرة أخرى بإسقاط الضحاك.
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 177).
(1)
الكواكب الدراري (6/ 9).
(2)
سلاح المؤمن (ص 36).
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (10)، والخطيب البغدادي في المتفق والمفترق (1810) عن يونس بن عبيد الله العميري أنا مبارك بن فضالة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى يحب مكارم الأخلاق ويبغض سفسافها.
قلت: رجاله ثقات وهو شاهد قوي للحديث مبارك بن فضالة صدوق لكنه مدلس.
وأعظم عفوا من أن يبسط العبد يده إلى ما عندي فأرده خائبا فقالت الملائكة يا إلا هنا ليس لذلك بأهل فيقول الله تعالى لكني أهل التقوى وأهل المغفرة
(1)
" وأما حياء الرب من عبده فذاك نوع لا تدركه الأوهام ولا تكيف العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا خائبتين ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت في الإسلام وروي الحاكم في تاريخ نيسابور من حديث مجاهد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن ربكم حيي كريم يستحي أن يرفع العبد يديه فيردهما صفرا خائبتين لا خير فيهما فإذا رفع أحدكم يديه فيلقل يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا أرحم الراحمين ثلاث مرات، ثم ليفرغ ذلك الخير على وجهه
(2)
وفيه دليل على مسح الوجه باليد عقب الدعاء، وفي التاريخ المذكور عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعوت الله فادع ببطون كفك ولا تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك"
(3)
وكان يحيى بن معاذ يقول: سبحان من
(1)
أخرجه الحكيم (2/ 34) عن الحسن، وأخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 144)، وابن عدي في الكامل (1/ 357) عن أنس، وانظر الميزان (1/ 456)، واللسان (1/ 480)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4046)، والضعيفة (4036).
(2)
أخرجه أبي عبد الله بن منده في الفوائد (37) وقال: غريب من حديث عمر بن ذر تفرد به الجارود، وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه الجارود بن يزيد، وهو متروك. (مجمع الزوائد 10/ 169).
(3)
أخرجه أبو داود (1485)، وابن ماجه (3866) وإسناده ضعيف كما ذكر الحافظ في الإصابة (2/ 412)(3/ 140). فيه صالح بن حسيان المدني الأنصاري منكر الحديث =
يذنب عبده ويستحي هو، وفي أثر: من استحيي من الله استحيي الله منه، قال أبو حاتم
(1)
الواجب على العاقل لزوم الحياء لأنه أصل العقل وبذر الخير وتركه أصل الجهل وبذر الشر والحياء يدل على العقل كما أن عدمه دال على الجهل وأنشدني محمد بن عبد الله البغدادي:
حَياءُكَ فَاِحفَظه عَلَيكَ فَإِنَّما
…
يَدل عَلى فَضلِ الكَريم حَياؤُه
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤهُ
…
ولا خير في وجه إذا قلّ ماؤه
2528 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله رَحِيم كريم يستحي من عَبده أَن يرفع إِلَيْهِ يَدَيْهِ ثمَّ لَا يضع فيهمَا خيرا رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَفِي ذَلِك نظر
(2)
.
قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وعلى الحديث في الحديث الذي قبله.
2529 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِالنَّاسِ لم تسد فاقته وَمن نزلت بِهِ فاقة فأنزلها بِالله فيوشك الله لَهُ
= قاله البخاري. (التهذيب 4/ 8)، والميزان (2/ 291)، وكذلك وهيب بن خالد وإن كان ثقة كما قال الحافظ في التقريب (7537) إلا أنَّه قال لكنه تغير قليلًا بآخره.
والحمل فيه على سعيد بن هبيرة فإنَّه كان يحدث بالموضوعات عن الثقات لا يحل الاحتجاج به (المجروحين 1/ 326)، الميزان (2/ 162).
(1)
روضة العقلاء (ص 56 - 57).
(2)
الحاكم (1/ 497)، وقال الذهبي: عامر بن يساف ذو مناكير، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1768).
برزق عَاجل أَو آجل رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صحِيح ثَابت
(1)
.
يُوشك بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة أَي يسْرع وَزنه وَمَعْنَاهُ.
قوله: وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وفي الحديث:"تمسكوا بعهد ابن أم عبد" أي: ما يوصيكم به ويأمركم يدل علي حديثه الآخر "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد" لمعرفته شفقته عليهم ونصيحته لهم، وابن أم عبد هو ابن مسعود، قاله في النهاية
(2)
، وتقدم الكلام عليه وعلى الحديث في باب [ترغيب من] من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزلها بالله تعالى.
2530 -
وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر وَإِن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه.
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(3)
.
قوله: وعن ثوبان رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القدر إلا الدعاء" الحديث، قال الغزالي
(4)
: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له، فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء
(1)
أبو داود (1645)، والترمذي (2326)، والحاكم (1/ 408)، وأحمد (3696)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6566).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 326).
(3)
ابن حبان (872)، والحاكم (1/ 493)، وابن ماجه (4022)، وأحمد (22386)، والطبراني في الكبير (1442)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، دون قوله: "وإن الرجل ليحرم
…
إلخ" (7687)، وضعيف الجامع (1452).
(4)
الإحياء (1/ 329).
فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح والماء سبب لخروج النبات من الأرض، وثوبان هو: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عبد الله فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه ولم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحول إلى الشام فنزل حمص وله بها دار ومات بها في سنة أربع وخمسين، وقيل: إنه سكن الرملة وله [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وسبعة وعشرون حديثا، روى له مسلم منها عشرة أحاديث] فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان فكذلك الدعاء والبلاء وليس من شرك الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح وقد قال الله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}
(1)
فقدر الله تعالى الأمر وقدر سببه، وفيه من الفوائد ما ذكرناه وهو حضور القلب والافتقار وهما نهاية العبادة والمعرفة والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه" سيأتي الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.
2531 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يُغني حذر من قدر وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل وَإِن الْبلَاء لينزل فيلقاه الدُّعَاء فيعتلجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(2)
.
يعتلجان أَي يتصارعان ويتدافعان.
(1)
سورة النساء، الآية:102.
(2)
البزار (2165)، والطبراني في المعجم الأوسط (2498)، والحاكم (1/ 492)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: زكريا مجمع على ضعفه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 209)، رواه البزار، وفيه زكريا بن منظور، وثقه أحمد بن صالح المصري وضعفه الجمهور، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7739).
2532 -
وَعَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(1)
.
قوله: وعن عائشة رضي الله عنها، تقدم الكلام عليها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغني حذر من قدر" إلى قوله "وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة" يعتلجان أي يتصارعان ويتدافعان قاله المنذري، وفي حديث آخر:"لا يرد القضاء إلا الدعاء" وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا ينفع الحذر من القدر ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر، وعنه أيضا رضي الله عنه قال: الدعاء يرفع القدر وهو إذا دفع القدر فهو من القدر وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأدوية والرقي، هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال:"هي من قدر الله تعالى"
(2)
.
تنبيه: الأصل في الإجابة رد المظالم، نقل في الآثار أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام إن قل لظلمة بني إسرائيل لا يدعوني فإني آليت على نفسي أن لا يدعوني أحد إلا أجبته، وإني إن دعوني أجبتهم باللعنة، وهذا معنى الرواية والله أعلم، قال سفيان: بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين
(1)
الترمذي (2139)، وقال: حديث حسن غريب، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3068)، والطبراني في الكبير (6128)، والقضاعي (833)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7687).
(2)
لطائف المعارف (ص 76).
حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال وكانوا لذلك يخرجون إلى الجبال ويتضرعون فأوحى الله تعالى إلى أنبيائهم: "لو مشيتم إليّ بأقدامكم حتى تحفى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم عن الدعاء لما استجبت لكم دعاء ولا رحمت لكم باكيا حتى تردوا المظالم إلى أهلها ففعلوا فمطروا في يومهم" أ. هـ
(1)
.
2533 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله من فَضله فَإِن الله يحب أَن يسْأَل وَأفضل الْعِبَادَة انْتِظَار الْفرج رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا
(2)
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا روى حَمَّاد بن وَاقد هَذَا الحَدِيث وَحَمَّاد بن وَاقد لَيْسَ بِالْحَافِظِ وروى أَبُو نعيم هَذَا الحَدِيث عَن إِسْرَائِيل عَن حَكِيم بن جُبَير عَن رجل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَحَدِيث أبي نعيم أشبه أَن يكون أصح.
قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل" الحديث، هو كقوله عز وجل {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}
(3)
الآية، فإن خزائن الوجود بيده وأمرها إليه لا معطي ولا مانع إلا سواه، وروى الترمذي الحكيم
(1)
الإحياء (1/ 307).
(2)
الترمذي (3571)، وابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة (2)، والطبراني في الكبير (10088)، وعبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء (11)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3278).
(3)
سورة النساء، الآية:32.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه"
(1)
ولبعضهم في المعنى:
لا تَسْأَلَنَّ أَخَاكَ يَوْمًا حَاجَةً
…
وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لا تُحْجَبُ
اللّهُ يَغْضَبُ إن تَرَكْتَ سُؤَالَهُ
…
وبُنَيَّ آدمَ حينَ يُسْأَلُ يغضبُ
(2)
2534 -
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الدُّعَاء مخ الْعِبَادَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب
(3)
.
قوله: وروي عن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" ومخ كل شيء خالصه، وتقدم الكلام على هذا الحديث عند قوله صلى الله عليه وسلم:"الدعاء هو العبادة" في هذا الباب.
2535 -
رُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أدلكم على مَا ينجيكم من عَدوكُمْ ويدر لكم أرزاقكم تدعون الله فِي ليلكم ونهاركم فَإِن الدُّعَاء سلاح الْمُؤمن رَوَاهُ أَبُو يعلى
(4)
.
قوله: وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
(1)
أخرجه الترمذي (3373) وفي إسناده أبو صالح وهو الخوزي قال عنه الحافظ في التقريب: لين الحديث ت (8233) وليس له غير هذا الحديث.
(2)
ذكره البيهقي شعب الإيمان (1100).
(3)
الترمذي (3371)، والطبراني في المعجم الأوسط (3196)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3003).
(4)
أبو يعلى (1806)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 147)، وفيه محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما ينجيكم من عدوكم ويدر لكم أرزاقكم تدعون الله في ليلكم ونهاركم فإن الدعاء سلاح المؤمن" الحديث.
قوله: "ويدر لكم أرزاقكم" بالدال المهملة، ومنه قوله تعالى:{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}
(1)
ومعنى الحديث: يكثر لكم الخير.
تتمة: روى الطبراني في كتاب الدعوات
(2)
عن أبي الزاهرية أنه قال: أتيت بيت المقدس أريد الصلاة، فدخلت وغفلت عني سدنة المسجد حتى أطفئت القناديل، وانقطعت الرجل وغلقت الأبواب، فبينا أنا على ذلك إذ سمعت حفيفًا له جناحان قد أقبل، وهو يقول: سبحان الدائم القائم، سبحان الحي القيوم، سبحان الملك القدوس، سبحان رب الملائكة والروح، سبحان الله وبحمده، سبحان العلي الأعلي، سبحانه وتعالى. ثم أقبل حفيفٌ يتلوه يقول مثل ذلك، ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها حتى امتلأ المسجد، فإذا بعضهم قريب مني، فقال: آدمي أنت؟ قلت: نعم. قال: لا روع عليك، هذه الملائكة. قلت: سألتك بالذي قواكم على ما أري، من الأول؟ قال: جبريل عليه السلام. قلت: ثم الذي يتلوه؟ قال: ميكائيل عليه السلام. قلت: ثم الذي يتلوه من بعد؟ [قال]: من الملائكة عليهم السلام. قلت: سألتك بالذي قواكم على ما أري، ما لقائلها من الثواب؟ قال: من قالها سنة في كل يوم مرة، لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة، أو يرى له. قال أبو الزاهرية، قلت: سنة، وسنة كثير، لعلي لا أعيش،
(1)
سورة هود، الآية:55.
(2)
لم أقف عليها عند الطبراني وأوردها أبو المعالي المشرف بن المرجى بن إبراهيم المقدسي في فضائل بيت المقدس (ص 192) وابن عساكر في تاريخ دمشق (23/ 212).
فقلتها في يوم عدد أيام السنة، فرأيت خيرًا. قال سعيد بن سنان: فقلت: سنةً، وسنة كثير، لعلي لا أعيش، فقلتها عدد أيام السنة، فرأيت خيرًا.
وفي كتاب شفاء الصدور لابن سبع
(1)
: أن أبا الزاهرية لما حضرته الوفاة أتاه عبد الأعلى بن عدي فدخل عليه فقال: إني أريد أن أوصيك بوصية فإن نسيتها فلا حرج عليك أن تقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض رأته امرأته بعد ثلاث فقال لها: أتعرفين عبد الأعلى قال: لا قال سلي عنه فأنك ستخبرين عنه وأعلميه أني قد أبلغت رسالته وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليه السلام ثم قال لها: إن ابنتك لاحقة بي فتعينت إلى عبد الأعلى فأخبرته بالذي قال أبو الزاهرية فلم تلبثه ابنته بعده إلا قليلا حتى توفيت وكان أبو الزاهرية أميا لا يكتب، مات سنة مائة، روى له البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام وغيره أ. هـ.
خاتمة يختم بها الباب: قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}
(2)
أجمع المتكلمون على أن من عبد ودعا لأجل الخوف من العقاب والطمع في الثواب لم تصح عبادته
(3)
وجزم في أوائل تفسير سورة الفاتحة بأنه لو قال أصلي لثواب الله أو للهرب من عقابه فسدت صلاته، قاله الدميري في شرح المنهاج
(4)
.
(1)
كتاب شفاء الصدور لأبي الربيع سليمان السبتي المعروف بابن سبع توجد نسخة منه بالمملكة المغربية بالخزانة العامة تحت رقم: 1383.
(2)
سورة الأعراف، الآية:55.
(3)
مفاتيح الغيب (4/ 284).
(4)
النجم الوهاج (2/ 93).