الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترغيب في ذكر اللّه تعالى في الأسواق ومواطن الغفلة]
النوم مستحيل في حق اللّه تعالى فالباري سبحانه وتعالى لا يجوز عليه النوم لوجوه، أحدها: لئلا يرجع الداعي عن بابه خائبا، والثاني:[لأن النوم كفلة والباري] سبحانه وتعالى [منزه] عنه، والثالث: لأنه تعالى يمسك السماء بغير عمد ولا علاقة، فلو نام لوقعت على الأرض
(1)
، وقال أبو إسحاق الثعلبي عن [عكرمة] عن أبي هريرة قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه الصلاة والسلام على [على المنبر] قال: "وقع في نفس موسى علي الصلاة والسلام: هل ينام اللّه تعالى فأرسل اللّه إليه ملكا فأرقه ثلاثًا وأعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة وأمره أن يتحفظ بهما، قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان فيحبس إحداهما على الأخرى حت نام نومة فاصطكت يداه فانكسر القارورتان" قال: فضرب اللّه مثلا أنه لو نام لم تستمسك السموات والأرض
(2)
، الرابع: لأن النوم آفة ويزيل العقل والقوة ويقهرهما واللّه تعالى لا يجوز عليه ذلك
(3)
، والخامس: لأن النوم استراحة واللّه تعالى لا يأخذه تعب فيستريح
(4)
، وقال أبو إسحاق الثعلبي [بإسناده عن محمد بن المنكدر] عن
(1)
المفاتيح (1/ 195).
(2)
تفسير الثعلبي (2/ 231).
(3)
قاله البغوى (1/ 346)، والثعلبي (2/ 231)، والنووي شرح النووي على مسلم (3/ 13).
(4)
تفسير الثعلبي (2/ 231).
جابر بن اللّه سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أينام أهل الجنة؟ قال: "لا، لأن النوم أخو الموت وأهل الجنة لا يموتون" واللّه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم [ولا يتوجه عليه سبة ولا لوم]، السنة: النوم الخفيف وهو النعاس، قال [الزجاج] هي ريح تجيء من قبل [الرأس] لينة فتغشى العين [قال]، والوسنان بين النائم واليقظان، [فإن قيل:] فالملائكة [لا تنام أفهم يشابهون] الباري في هذه [الحالة]؟ فالجواب: أن الملائكة [لا تنام ويجوز عليها النوم والبارئ سبحانه لا يجوز عليه ذلك"
(1)
.
2619 -
عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ من دخل السُّوق فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللّه وَحده لا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيى وَيُمِيت وَهُوَ حَيّ لَا يَمُوت بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كلّ شَيْء قدير كتب اللّه لَهُ ألف ألف حَسَنَة ومحا عَنهُ ألف ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف ألف دَرَجَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب.
قَالَ المملي وَإِسْنَاده مُتَّصِل حسن وَرُوَاته ثِقَات أثبات وَفِي أَزْهَر بن سِنَان خلاف وَقَالَ ابْن عدي أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ
(2)
.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَة لَهُ مَكَان وَرفع لَهُ ألف ألف دَرَجَة وَبنى لَهُ بَيْتا فِي
(1)
مرآة الزمان (1/ 19 - 20) وكنز الدرر (1/ 16 - 17).
(2)
الترمذي (3428)، والدارمي (2734)، والحاكم (1/ 538)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 355)، والطبراني في الدعاء (792)، قال ابن عدي في الكامل (2/ 374 ت 239)، ولأزهر بن سنان غير ما ذكرت أحاديث وليس بالكثير، وأحاديثه صالحة ليست بالمنكرة جدًّا، وأرجوا لأنه لا بأس به، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6231).
الْجنَّة وَرَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ ابْن مَاجَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ كلهم من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار قهرمان آل الزبير عَن سَالم بن عبد اللّه عَن أَبِيه عَن جدّه
(1)
.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضًا من حَدِيث عبد اللّه بن عمر مَرْفُوعا أَيْضًا وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد كَذَا قَالَ وَفِي إِسْنَاده مَرْزُوق بن الْمَرْزُبَان يَأْتِي الْكَلام عَلَيْهِ
(2)
.
قوله: عن عمر [بن الخطاب]رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من دخل السوق فقال لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير، كتب اللّه له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة" الحديث، وإنما حصل هذا الثواب العظيم للذاكر في السوق لأنه كالحي بين الأموات، وفي بعض طرق هذا الحديث أن محمد بن واسع - أحد رواته - قال: قدمت خراسان فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت له: أتيتك جهدية فحدّثته فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتي السوق فيقولها ثم ينصرف، قال الحاكم: هذا حديث له طرق كثيرة.
وقتيبة بن مسلم الباهلي كان أمير خراسان وليها عشر سنين وكان بطلا
(1)
الترمذي (3429)، وابن ماجة (2235)، وأحمد (327)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (182).
(2)
الحاكم (1/ 539)، وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والله أعلم، وقال الذهبي: مسروق بن المرزبان ليس بحجة.
شجاعا هزم الكفار غير مرة، وأفتتح عدة مدائن ولي خراسان أيام عبد الملك بن مروان من جهة الحجَّاج بن يوسف الثقفي لأنه كان أمير العراقين وكل من كان يليهما كانت خراسان مضافة إليه، وكان قبلها على الري وتولي خراسان بعد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وهو الذي افتتح خوارزم وسمرقند في عام واحد، وافتتح كثير من بلاد الترك [وبخارى]، وكان والده مسلم كبير القدر عند يزيد بن معاوية فلما مات الوليد سنة ست وتسعين وتولى الْأَمر أخوه سليمان وكان يكره قتيبة وخلع بيعة سليمان وأخرج عليه وأظهر الخلاف فلم يوافقه أكثر الناس فخرج عليه طائفة من جنده يقرعانه وقتلوه في آخر الحجة سنة ست وتسعين وقيل في سنة سبع وتسعين.
ومولده سنة تسع وأربعين وفي قتله يقول جرير:
نَدِمْتُمْ عَلَى قَتْلِ الأَغَرِّ بْنِ مُسْلِمِ
…
وَأَنْتُمْ إِذَا لَاقَيْتُمُ اللّهَ أَنْدَمُ
لَقَدْ كنْتُمُ مِنْ غَزْوهِ فِي غَنِيمَةٍ
…
وَأَنْتُمْ لِمَنْ لاقَيْتُمُ الْيَوْمَ مَغْنَمُ
عَلَى أَنَّهُ أَفْضَى إِلَى حُورِ جَنَّةٍ
…
وَتُطْبِقُ بِالْبَلْوَى عَلَيْكُمْ جَهَنَّمُ
وقتل أبو مسلم مع مصعب بن الزبير سنة اثنين وسبعين للهجرة
(1)
، أ. هـ قاله في الديباجة.
فائدة: وروى الحاكم في المستدرك عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: بسم اللّه اللهم إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها وأعوذ بك
(1)
وفيات الأعيان (4/ 86 - 91) باختصار.
من شهرا وشر ما فيها اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة
(1)
[قال الغزالى في الإحياء:] الأحياء التي بناها السلاطين بالأموال الحرام تحرم التجارة فيها وسكناها فإن سكنها فاجرة وكسب شيئًا بطريق غير شرعي كان عاصيا لسكناه ولا يحرم كسبه وللناس أن يشتروا منه ولكن إن وجد سوقا أخرى فالشراء منها أولى لأن الشراء في الأولى إهانة لسكانها وترغيب في سكناها وكثرة أجرتها
(2)
.
2620 -
وَعَن أبي قلَابَة رضي الله عنه قَالَ التقى رجلَانِ فِي السُّوق فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر تعال نَسْتَغْفِر اللّه فِي غَفلَة النَّاس فَفعل فَمَاتَ أَحدهمَا فَلَقِيَهُ الآخر فِي النّوم فَقَالَ علمت أَن اللّه غفر لنا عَشِيَّة الْتَقَيْنَا فِي السُّوق رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيره
(3)
.
قوله: وعن أبي قلابة رضي الله عنه، أبو قلابة اسمه عبد اللّه بن زيد الجرمي اتفقا على الإخراج عنه لثقته وحفظه.
(1)
أخرجه الروياني (40)، والطبراني في الدعاء (795) والأوسط (5/ 354 رقم 5534) والكبير (2/ 21 رقم 1157)، وابن السنى (181)، والحاكم (1/ 539).
وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: فيه أبو عمرو لا يعرف، ومحمد بن عيسى المدائيني وهو متروك.
وقال الهيثمي في المجمع 10/ 129: رواه الطبراني، وفيه محمد بن أبان الجعفي، وهو ضعيف. والحديث ضعفه الألباني في الكلم الطيب (ص 118).
(2)
إحياء علوم الدين (2/ 150).
(3)
البيهقي في شعب الإيمان (677).
قوله: التقى رجلان في السوق فقال أحدهما للآخر نستغفر اللّه في غفلة الناس [لأن السوق وقت غفلة الناس عن اللّه عز وجل واشتغالهم بهموم الدنيا فالقلب المتفرغ لخدمة ربه عند إعراض العبيد عن بابه جدير بأن يزكيه اللّه تعالى ويصطفيه لقربه ومعرفته].
2621 -
وَعَن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لرجل لا تزَال مُصَليا قَانِتًا مَا ذكرت اللّه قَائِما أَو قَاعِدا أَو فِي سوقك أَو فِي ناديك رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مُرْسلا وَفِيه كَلام
(1)
.
قوله: وعن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه[هو يحيى بن أبي كثير الطائي، مولاهم، أبو نصر اليمامي، واسم أبي كثير صالح بن المتوكل، وقيل: يسار، وقيل: نشيط، وقيل دينار، وكان مولى لطي، رأى أنس بن مالك، وسمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، وعبد اللّه بن أبي قتادة، روى عنه أيوب، وهشام الدستوائي، وعكرمة، والأوزاعي، قال أيوب قال: ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير، وقال شعبة: يحيى بن أبي كثير أحسن حديثا من الزهري، وقال أحمد بن حنبل: إذا خالفه الزهري فالقول قول يحيى، وقال أبو حاتم الرازي: هو إمام، لا يروي إلا، عن ثقة وقد نالته محنة وضرب لكلامه في ولاة الجور، قال حسين المعلم: قلنا ليحيى بن أبي كثير: هذه المرسلات عمن؟ قال أترى رجلا أخذ مدادا وصحيفة فكتب على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الكذب؟ قال: فقلت: إذا جاء مثل هذا فأخبرنا قال إذا قلت بلغني
(1)
البيهقي في شعب الإيمان (569).
فإنه من كتاب، وقال يحيى القطَّان: مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح، وقال الفلاس: ما حدّثنا يحيى القطَّان لقتادة، ولا ليحيى بن أبي كثير بشيء مرسل إلا حديثًا واحدا، قال عمرو بن علي: مات سنة تسع وعشرين ومئة وقال غيره: مات باليمامة سنة اثنتين وثلاثين ومائة].
قول صلى الله عليه وسلم لرجل: "لا تزال مصليا قانتا ما ذكرت اللّه قائما أو قاعدا أو في سوقك أو في ناديك" الحديث، نادي القوم هو الموضع الذي يجتمع فيه الناس يتحدّثون، والمراد بالقنوت هنا هو القيام في الصلاة [والقنوت يستعمل في معنى الطاعة، وفي معنى الإقرار بالعبودية، والخضوع والدعاء، وطول القيام والسكوت. وفي كلام بعضهم ما يفهم منه: أنه موضوع للمشترك. قال القاضي عياض: وقيل: أصله الدوام على الشيء. فإذا كان هذا أصله، فمديم الطاعة قانت، وكذلك الداعي والقائم في الصلاة، والمخلص فيها، والساكت فيها كلهم فاعلون للقنوت].
قوله: رواه البيهقي مرسلا، وتقدم الكلام على الحديث المرسل.
2622 -
وَعَن مَالك رضي الله عنه قَالَ بَلغَنِي أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كانَ يَقُول ذَاكر اللّه فِي الغافلين كالمقاتل خلف الفارين وذاكر اللّه فِي الغافلين كغصن أَخْضَر فِي شجر يَابِس.
وَفِي رِوَايَة مثل الشَّجَرَة الخضراء فِي وسط الشّجر الْيَابِس وذاكر اللّه فِي الغافلين مثل مِصْباح فِي بَيت مظلم وذاكر اللّه فِي الغافلين يرِيه اللّه مَقْعَده من الْجنَّة وَهُوَ حَيّ وذاكر اللّه فِي الغافلين يغْفر لَهُ بِعَدَد كلّ فصيح وأعجم.
والفصيح بَنو آدم والأعجم الْبَهَائِم ذكره رزين وَلم أره فِي شَيْء من نسخ الْمُوَطَّأ.
إِنَّمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عباد بن كثير وَفِيه خلاف عَن عبد اللّه بن دِينَار عَن عبد اللّه بن عمر قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَذكره بِنَحْوِهِ
(1)
.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَن عباد بن كثير عَن مُحَمَّد بن جحادة عَن سَلمَة بن كهيل عَن ابْن عمر وَزَاد فِيهِ وذاكر اللّه فِي الغافلين ينظر اللّه إِلَيْهِ نظرة لا يعذبه بعْدهَا أبدًا وذاكر اللّه فِي السُّوق لَهُ بِكُل شَعْرَة نور يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَكَذَا وجدته لَيْسَ بَين سَلمَة وَبَين ابْن عمر أحد وَهُوَ مُنْقَطع الإِسْنَاد غير قوي
(2)
.
قوله: وعن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام على الإمام مالك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وذاكر اللّه في الغافلين كغصن أخضر في شجر يابس" الحديث، وفي حديث ابن عمر "وذاكر اللّه في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي تحات ورقه من الصرير" والصرير البرد الشديد، وقيل: الصقيع قاله في النهاية
(3)
، ولهذا ورد في فضل الذكر في الأسواق ما ورد من الحديث المرفوع والآثار الموقوفة حتى قال أبو صالح: إن اللّه تعالى ليضحك ممن يذكر اللّه في الأسواق.
(1)
البيهقي في شعب الإيمان (565)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 181 ب)، والحين بن عرفة في جزئه (45).
(2)
البيهقي في شعب الإيمان (567).
(3)
النهاية (1/ 337) و (3/ 21).
ضحك اللّه تعالى رضاه بفعل عبده ورحمته وإرادة الخير لمن يشاء رحمته من عباده
(1)
، وسبب ذلك أنه ذكر في مواطن الغافلين بين أهل
(1)
صفة الضحك ثابته على ما يليق بجلال اللّه تعالى قال الشيخ: علوي السقاف في كتاب صفات اللّه عز وجل ما نصه: الضَّحِكُ: صفةٌ من صفات اللّه عز وجل الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالأحاديث الصحيحة. الدليل:
1 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: (يضحك اللّه إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة) رواه: البخاري (2826)، ومسلم (1890).
2 -
حديث عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه عند البخاري ومسلم، وقد تقدم في صفة السخر.
اعلم أنَّ أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة وغيرها من صفات اللّه عز وجل الثابتة له بالكتاب أو السنة الصحيحة؛ من غير تمثيل ولا تكييف، ويسلمون بذلك، ويقولون: كلٌّ من عند ربنا.
قال الإمام ابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/ 563): "باب: ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل: بلا صفةٍ تصفُ ضحكه جلَّ ثناؤه، لا ولا يشبَّه ضَحِكُه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ونسكت عن صفة ضحكه جلَّ وعلا، إذ الله عز وجل استأتر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك؛ فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، مصَدِّقون بذلك، بقلوبنا منصتون عمَّا لم يبين لنا مما استأثر اللّه بعلمه". ومعنى قوله: "بلا صفةٍ تصفُ ضحكه" أي بلا تكييف لضحكه.
وقال أبو بكر الآجري في الشريعة (ص 277): "باب الإيمان بأن اللّه عز وجل يضحك: اعلموا - وفقنا اللّه وإياكم للرشاد من القول والعمل - أنَّ أهل الحق يصفون اللّه عز وجل بما وصف به نفسه عز وجل، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم. وهذا مذهب العُلماء مِمَّن اتّبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له، والإيمان به؛ أنَّ اللّه عز وجل يضحك، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم، فلا ينكر هذا إلا من لا يحمد حاله عند أهل الحق" اهـ. =
الغفلة
(1)
، وبها الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم آخر ليلةً صلاة العشاء إلى نصف الليل وإنما علل ترك ذلك بخشية المشقة على الناس ولما خرج علي أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء قال لهم:"ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم"
(2)
وبها هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر اللّه تعالى في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكرٌ له
(3)
. أ. هـ.
قوله: "وذاكر اللّه في الغافلين يغفر له بعدد كلّ فصيح وأعجمي" الحديث، وأراد بالفصيح بني آدم وبالأعجمي البهائم كما فسر في الحد، وقيل: أراد بعدد كلّ آدمي وبهيمة، والفصيح بها اللغة المنطلق اللسان بها [القول] الذي يعرف جيد الكلام من رديئه يقال: رجل فصيح وكلام فصيح و [لسان] فصيح وقد أفصح فصاحة، وأفصح، عن الشيء إفصاحا إذا بينه وكشفه، والعجماء
= وقال أبو عبيد الاسم بن سلام لما قيل له: هذه الأحاديث التي تروى؛ في: الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وإن جهنم لتمتلئ
…
وأشباه هذه الأحاديث؟ قال رحمه الله: "هذه الأحاديث حقٌّ لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض" انظر: التمهيد (7/ 149 - 150).
راجع لهذه الصفة: كتاب الحجة في بيان المحجة لقوَّام السُّنَّة الأصبهاني (1/ 429، 2/ 456)، المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (1/ 315)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/ 121)، شرح الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/ 104).
(1)
لطائف المعارف (ص 131).
(2)
أخرجه البخاري (566) و (569) و (862) و (864)، ومسلم (218 - 638).
(3)
لطائف المعارف (ص 131).
البهيمة سميت بذلك لأنها لا تتكلم وكل من لا يقدر على الكلام فهو أعجمي ومستعجم قاله في النهاية
(1)
، واللّه أعلم.
ومنه الحديث "إذا ركبتم هذه الدواب العجم" وخصها هنا بهذه الصفة لأنها لا تتكلم [فتشكو والأعجم] الذي لا يفصح بكلام والذي في لسانه لكنة وإن كان عربيا
(2)
انتهى.
2623 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه: عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاكر اللّه فِي الغافلين بِمَنْزِلَة الصابر فِي الفارين رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ
(3)
.
قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه وتقدم معنى أيضًا معنى الحديث في الأحاديث قبله.
2624 -
وَرُوِيَ عَن عصمَة صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أحب الْعَمَل إِلَى اللّه عز وجل سبْحَة الحَدِيث وَأبْغض الأعْمَال إِلَى اللّه عز وجل التحريف فَقُلْنَا يَا رَسُول اللّه وَمَا سبْحَة الحَدِيث قَالَ يكون الْقَوْم يتحدّثون وَالرجل يسبح قُلْنَا يَا رَسُول اللّه وَمَا التحريف قَالَ الْقَوْم يكونُونَ بِخَير فيسألهم الْجَار
(1)
النهاية (3/ 450).
(2)
مشارق الأنوار (2/ 68).
(3)
البزار (3060)، والطبراني في الكبير (9797)، وفي الأوسط (271)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 268)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 80)، رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار، ورجال الأوسط وثقوا. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3036).
والصاحب فَيَقُولُونَ نَحن بشر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
(1)
.
قوله: وروي عن عصمة رضي الله عنه، هو: عصمة بن [بن مالك بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، كذا نسبه أبو نعيم ونسبه ابن منده مثله، إلا أنه قال: الخثعمي وقول ابن منده إنه خثعمي، وهم منه، فإن هذا النسب الذي ساقه مشهور من الأنصار لا شبهة فيه].
قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب العمل إلى الله عز وجل سبحة الحديث وأبغض الأعمال إلى الله عز وجل التحريف" وقد فسر في الحديث سبحة الحديث، والتحريف. [النهاية] انتهى هذا الجزء بحمد الله تعالى.
* * *
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (17/ رقم 469)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 81)، فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف، قتل: بل في إسناده أحمد بن رشدين شيخ الطبراني: كذبوه وأنكرت عليه أشياء.