المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌190 - باب الرد على الإمام - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ١١

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌190 - باب الرد على الإمام

- ‌(1/ 471).* * *191 -باب التكبير بعد الصلاة

- ‌192 - باب حذف التسليم

- ‌193 - باب إذا أحدث في صلاته يستقبل

- ‌194 - باب في الرجل يتطوع في مكانه الذي صلى فيه المكتوبة

- ‌195 - باب السهو في السجدتين

- ‌196 - باب إذا صلى خمسًا

- ‌197 - باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال: يلقي الشك

- ‌198 - باب من قال: يتمُّ على أكبر ظنه

- ‌199 - باب من قال: بعد التسليم

- ‌200 - باب من قام من ثنتين ولم يتشهد

- ‌201 - باب من نسي أن يتشهد وهو جالس

- ‌ 273).***202 -باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم

- ‌203 - باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

- ‌204 - باب كيف الانصراف من الصلاة

- ‌205 - باب صلاة الرجل التطوعَ في بيته

- ‌206 - باب من صلى لغير القبلة ثم علِم

- ‌تفريع أبواب الجمعة

- ‌207 - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة

- ‌(2/ 733).208 -باب الإجابة أيةُ ساعةٍ هي في يوم الجمعة

- ‌209 - باب فضل الجمعة

- ‌210 - باب التشديد في ترك الجمعة

- ‌211 - باب كفارة من تركها

- ‌212 - باب من تجب عليه الجمعة

- ‌(2/ 266).213 -باب الجمعة في اليوم المطير

- ‌214 - باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو الليلة المطيرة

- ‌215 - باب الجمعة للمملوك والمرأة

- ‌216 - باب الجمعة في القُرى

- ‌(2/ 0 56).***217 -باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد

- ‌(24/ 211)].***218 -باب ما يُقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة

- ‌219 - باب اللُّبس للجمعة

- ‌220 - باب التحلُّق يومَ الجمعة قبلَ الصلاة

- ‌221 - باب في اتخاذ المنبر

- ‌222 - باب موضع المنبر

- ‌223 - باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال

- ‌224 - باب في وقت الجمعة

- ‌225 - باب النداء يوم الجمعة

- ‌(24/ 193)].***226 -باب الإمام يكلِّم الرجلَ في خطبته

- ‌227 - باب الجلوس إذا صعِد المنبر

- ‌228 - باب الخطبة قائمًا

- ‌2).***229 -باب الرجل يخطب على قوس

الفصل: ‌190 - باب الرد على الإمام

‌190 - باب الرد على الإمام

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال:"أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نردَّ على الإمام، وأن نتحابَّ، وأن يسلِّمَ بعضُنا على بعض".

* حديث ضعيف

أخرجه من طريق أبي الجماهر [وهو: ثقة]: ابن خزيمة (3/ 104/ 1711)، والحاكم (1/ 270)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 75)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 29/ 2643)، والبيهقي (2/ 181)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 208/ 700)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 233).

أتبعه يعقوب بن سفيان بقوله: "وقال [يعني: أبا الجماهر]: وسألت أبا مسهر عن سعيد بن بشير؟ قال: لم يكن في جندنا أحفظ منه، وهو ضعيف، منكر الحديث".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، وسعيد بن بشير: إمام أهل الشام في عصره؛ إلا أن الشيخين لم يخرجاه بما وصفه أبو مسهر من سوء حفظه، ومثله لا ينزل بهذا القدر".

وقال ابن مفلح في المبدع (1/ 471): "إسناده ثقات".

قلت: سعيد بن بشير: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات [تقدم ذكره تحت الأحاديث المتقدمة برقم (3 و 27 و 180 و 306 و 490 و 570 و 671 و 675) وغيرها]، وأكثر الأئمة على تضعيفه، وحديثه صالح في المتابعات [انظر: التهذيب (2/ 8)، الميزان (2/ 128)].

* ورواه الوليد بن مسلم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم الإمام أن نرُدَّ عليه".

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 214/ 6890)، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي: ثنا محمد بن مصفى: ثنا الوليد به.

قلت: ولا أظنه يثبت من حديث الوليد بن مسلم؛ لأنه لو كان مشتهرًا من حديث الوليد، لما تركوه وذهبوا لحديث أبي الجماهر، لشهرة الوليد وكثرة حديثه، وشيخ الطبراني: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن عرق: مجهول الحال، قال الذهبي:(شيخ للطبراني غير معتمد" [الميزان (1/ 63)، اللسان (1/ 355)].

* ورواه عبد الأعلى بن القاسم أبو بشر صاحب اللؤلؤ [بصري، صدوق]: ثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلِّمَ على أئمتنا،

ص: 5

وأن يسلِّمَ بعضُنا على بعض". وفي رواية [عند ابن خزيمة]: قال همام: يعني: في الصلاة.

أخرجه ابن ماجه (922)، وابن خزيمة (3/ 104/ 1710)(3/ 193/ 1710 - ط. الميمان)، وابن حبان في وصف الصلاة بالسُّنَّة (6/ 21/ 6064 - إتحاف المهرة)، والبزار (10/ 418/ 4566)، والروياني (829)، والطبراني في الكبير (7/ 218/ 6906)، والدارقطني (1/ 360)، والبيهقي (2/ 181).

تنبيهات:

الأول: وقع في أكثر نسخ ابن ماجه، وكذا في التحفة (3/ 591/ 4595 - ط. الغرب): علي بن القاسم، بدل: عبد الأعلى، وهو على الصواب في نسخة مكتبة باريس، وقال المزي في التحفة:"كذا وقع عنده، والصواب: عبد الأعلى بن القاسم"، وقال في التهذيب (21/ 109):"هكذا وقع عنده في جميع الروايات عنه، والصواب عبد الأعلى بن القاسم"، وانظر أيضًا: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (5/ 1586).

الثاني: وقع في مطبوعة البزار: هشام بدل همام، وهو تصحيف، وجاء على الصواب عند ابن القطان في بيان الوهم (5/ 232/ 2442) [ونقله عنه: ابن الملقن في البدر المنير (4/ 67)]، فيما نقله من مسند البزار، ويؤيده قوله بعد ذلك (5/ 233):"وهو أيضًا أحسن إسنادًا؛ فإن همام بن يحيى لا يفاضَل بينه وبين سعيد بن بشير في قتادة"، وانظر أيضًا: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (5/ 1586).

الثالث: جاءت زيادة في آخر الحديث عند البزار: "وأن يسلِّمَ بعضُنا على بعض في الصلاة"، وقوله: في الصلاة؛ إنما هو من قول همام، أدرجه بعضهم في الحديث، وفصله إبراهيم بن المستمر، وهو صدوق، وقد رواه جماعة من الثقات عن عبد الأعلى بدونها.

الرابع: وقع عند ابن خزيمة والطبراني: "أن نسلم على أيماننا"، بدل:"أئمتنا"، وهي شاذة، تفرد بها إبراهيم بن المستمر العروقي، وهو صدوق، وقد رواه عمرو بن علي الفلاس، وعبدة بن عبد الله الصفار، ومحمد بن يزيد بن عبد الملك الأسفاطي، وعمر بن شبة النميري [وهم ثقات]، فقالوا:"أئمتنا".

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى إلا عن سمرة".

وجوَّد إسناده ابن القطان في بيان الوهم (5/ 232/ 2442)، وصححه أو حسنه في آخر الكتاب (5/ 615/ 2835)، وانظر أيضًا:(3/ 15/ 656).

وحسن إسناده النووي في المجموع (3/ 443)، وقال:"واعتضدت طرق هذا الحديث فصار حسنًا أو صحيحًا".

وقال في الخلاصة (1469): "حديث حسن أو صحيح".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 271/ 421): "إسناده حسن".

قلت: هو أمثل إسناد لهذا الحديث، وهو إسناد بصري حسن غريب، ووجه غرابته:

ص: 6

تفرد عبد الأعلى بن القاسم به عن همام، دون بقية أصحاب همام الثقات على كثرتهم.

° فإن قيل: تابع عبد الأعلى عليه:

محمد بن سعيد بن زياد القرشي: حدثنا همام بن يحيى: حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال:"أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن يسلِّمَ بعضنا على بعض، وأن نسلِّمَ على أئمتنا".

أخرجه يعقوب بن سفيان في مشيخته (19 - الثاني)، والخطيب في التاريخ (5/ 305).

فيقال: هي متابعة واهية، لا تغني شيئًا؛ فإن محمد بن سعيد بن زياد القرشي الكريزي: منكر الحديث، واتهم بالكذب [اللسان (7/ 155)].

* ورواه عثمان بن مقسم، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلِّم على نسائنا، وأن يردَّ بعضنا على بعض".

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 218/ 6907)، قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي [ثقة حافظ]: ثنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني [شيخ، قاله أبو زرعة. الجرح والتعديل (5/ 267)]: ثنا عثمان به.

وهذا إسناد واهٍ بمرة، وحديث منكر؛ أبو سلمة الكندي عثمان بن مقسم البري: متروك، كذبه جماعة [راجع الحديث السابق برقم (132)].

* ورواه إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سلَّم الإمام فردُّوا عليه".

أخرجه ابن ماجه (921)، والطبراني في الكبير (7/ 216/ 6899)، وابن عدي في الكامل (3/ 324).

قال ابن عدي: "رواه عن قتادة مع أبي بكر الهذلي: سعيد بن بشير".

قلت: وهذا حديث منكر بهذا السياق؛ وإسناده واهٍ بمرة؛ أبو بكر الهذلي: متروك الحديث، عامة ما يرويه لا يتابع عليه، وهو بصري، وحديث إسماعيل بن عياش عن أهل العراق والحجاز فيه ضعف، وهذا منه، وقد خالف فيه همام بن يحيى، وتقدم لفظه.

* وقد اختلفت الأقوال في معنى الحديث، فذهب أكثر الفقهاء إلى كونه في التسليم من الصلاة، لكن قال العيني في شرح سنن أبي داود (4/ 286):"قوله: "أن نردَّ على الإمام" أراد به: أن يفتح على إمامه إذا استفتح في الصلاة"، قلت: وهو معنى يحتمله النص لو بقي هكذا بلا قيد، لكن جاء عند ابن خزيمة (1711):"أن نردَّ على أئمتنا السلام"، فزال بذلك الإشكال وترجح ما ذهب إليه جماعة الفقهاء.

كما يمكن لقائل أن يقول: إن رواية سعيد بن بشير، ورواية الجماعة لحديث همام، هي في عموم رد السلام وإفشائه، والذي يؤدي إلى غرس جذور المحبة في قلوب المؤمنين، لكن رواية ابن خزيمة والبزار فيها التصريح بكونه في الصلاة، بهذا صرح راويه همام بن يحيى، وأدرجها بعضهم في المرفوع، والله أعلم.

ص: 7

* والحاصل: فإن أصح ما روي به هذا الحديث:

ما رواه عبد الأعلى بن القاسم: ثنا همام، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلِّمَ على أئمننا، وأن يسلِّمَ بعضُنا على بعض".

وتابعه: سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال:"أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نردَّ على الإمام، وأن نتحابَّ، وأن يسلِّمَ بعضُنا على بعض".

* وقد صحح حديث سمرة هذا: ابن خزيمة والحاكم، وقال ابن حبان في كتابه "وصف الصلاة بالسُّنّة" بعد أن أخرجه:"أنا عائذ بالله أن نحتج في شيء سنن كتبنا بالمقاطيع والمراسيل، والحسن لم يسمع من سمرة شيئًا، لكن ظاهر الكتاب يوجب رد السلام على المسَلِّم مطلقًا، سواء كان في صلاة أم غيرها".

* وقد سبق تحقيق القول في سماع الحسن من سمرة عند الحديث رقم (354)[وراجع أيضًا: الأحاديث رقم (27) و (777 - 780)]، وخلاصة ما قلت هناك: أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، والباقي كتاب غير مسموع؛ إلا أنه وجادة صحيحة معمول بها عند الأئمة.

وعليه: فإنه إذا صح الإسناد إلى الحسن البصري؛ فحديثه عن سمرة محمول على الاتصال، وهو صحيح.

إلا أن الوجادة قد يدخلها شيء من الوهم بالتصحيف وغيره، وظاهر هذا الحديث أن المأموم يسلم ثلاث تسليمات، اثنتان عن يمينه وشماله، والثالثة على الإمام، وطالما أن الإمام ينتهي من تسليمه قبل أن يشرع المأموم في التسليم، فعلى المأموم أن يرد السلام على الإمام، وعندئذٍ يكون قد تكلم بكلام أجنبي عن الصلاة مخاطبًا به آدميًا أثناء الصلاة.

وبهذا يكون ظاهر هذا الحديث معارضًا لما ثبت من حديث ابن مسعود، في النهي عن الكلام في الصلاة برد السلام وغيره، كما صح ذلك في حديث ابن مسعود، فيما رواه عاصم، عن شقيق، عن عبد الله، قال: كنا نتكلم في الصلاة، ويسلم بعضنا على بعض، ويومئ أحدُنا بالحاجة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمتُ عليه وهو يصلي، فلم يردَّ عليَّ، فأخذني ما قدُم وما حدُث، فلما صلَّى قال:"إن الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء، وإنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"[حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (924)]، وعلى هذا فإن من تكلم في صلاته، وقبل أن يسلم منها بكلام يخاطب به آدميًا كرد السلام على الإمام ونحوه فإنه تبطل به صلاته، وهذا بخلاف ما إذا نوى بتسليمتيه التحلل من الصلاة، والسلام على مَن على يمينه، وعلى مَن على يساره، لحديث جابر بن سمرة، والله أعلم.

• فإن قيل: ألا يشهد له حديث سمرة الذي رواه بنوه عنه:

فقد روى محمد بن داود بن سفيان: حدثنا يحيى بن حسان: حدثنا سليمان بن موسى أبو داود: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب: أما بعدُ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط

ص: 8

الصلاة، أو حين انقضائها:"فابدؤوا قبل التسليم، فقولوا: التحيات الطيبات، والصلوات والملك لله، ثم سلِّموا على اليمين، ثم سلموا على قارئكم، وعلى أنفسكم".

تقدم برقم (975)، والشاهد منه: قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم سلِّموا على اليمين، ثم سلِّموا على قارئكم، وعلى أنفسكم".

وهذه الرواية تؤكد أن هذا الحديث قد أخذه الحسن من كتاب سمرة الذي رواه بنوه، فتزيد من ثقتنا بثبوت الحديث عن سمرة.

فيقال: ليس الأمر كذلك؛ فإن المحفوظ في لفظ هذا الحديث:

ما رواه دحيم: ثنا يحيى بن حسان: ثنا سليمان بن موسى: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان، عن سمرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في وسط الصلاة، أو في حين انقضائها:"فابدؤوا قبل التسليم، بقول: التحيات الطيبات الصلوات، والسلام والملك لله، ثم سلِّموا على النبيين، ثم سلِّموا على أقاربكم، وعلى أنفسكم".

وما رواه مروان بن جعفر السَّمُري: ثنا محمد بن إبراهيم: ثنا جعفر بن سمرة، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان حين التسليم في وسط الصلاة، أو حين انقضائها، فابدؤوا قبل التسليم، فقولوا: التحيات الطيبات، والصلوات والسلام والملك لله، ثم سلِّموا على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سلِّموا على أقاربكم، وعلى أنفسكم".

وعلى هذه الرواية المحفوظة: فحديث سمرة هذا إنما جاء في بيان صيغة التشهد، وليس فيه بيان التسليم من الصلاة، فلم يعد متابعًا لحديث الحسن عن سمرة.

وقوله هنا: "وسط الصلاة"؛ يعني: في التشهد الأوسط، ولا يعارضه قوله:"إذا كان حين التسليم"؛ لأنه يراد به التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الداخل في التحيات، ففي حديث كعب بن عجرة: فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ [تقدم برقم (977)، وهو حديث متفق عليه]، فأطلقوا التسليم على التحيات، وأما قوله بعد ذلك:"فابدؤوا قبل التسليم"، فهو متعلق بآخر مذكور، وهو قوله:"أو حين انقضائها"، يعني التسليم والخروج من الصلاة حين انقضائها، وعلى هذا فيكون المعنى: بيان صيغة التشهد المشتمل على التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم سواء في وسط الصلاة، أو حين انقضائها قبل التسليم والخروج منها.

وهذا كله يؤكد وقوع التحريف في رواية أبي داود: "ثم سلِّموا على اليمين، ثم سلِّموا على قارئكم، وعلى أنفسكم"؛ لأنه بذلك لم يذكر التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الثابت في الرواية الأخرى كما ترى.

والحاصل: فإن المحفوظ في ألفاظ حديث بني سمرة عن أبيهم، يدل على أن رواية الحسن، والتي أخذها من هذه الصحيفة نفسها، قد وقع فيه تحريف، ورواية بالمعنى،

ص: 9

ومعلوم ما يدخل الكتب والصحف والوجادات ما يدخلها من التحريف والتصحيف، لا سيما، ولم أجد السلام على الإمام إلا في هذه الرواية، ولم أجد ما يشهد لها، والله أعلم.

هذا من جهة مخالفة رواية الحسن لصحيفة سمرة التي رواها بنوه، وأما هذا الحديث بعينه من صحيفة سمرة، فقد ختمت كلامي عليه في الموضع المشار إليه بقولي:

وقد سبق تفصيل الكلام عن هذا الإسناد عند الحديث السابق برقم (456)، وذكرت هناك كلام العلماء في هذه الصحيفة وإسنادها، والحاصل:

أن الذي يترجح عندي في هذا الإسناد - والله أعلم -: أنه إسناد صالح في الشواهد والمتابعات، لا ينهض على انفراده بإثبات حكم، أو تثبت به سُنَّة، فإن جاء بمخالفة ما صح فهو منكر.

وعليه: فإن التشهد بهذا اللفظ منكر؛ لمخالفته الأحاديث الصحيحة في الباب [حديث ابن مسعود، وحديث أبي موسى، وحديث ابن عباس].

وبذا تسقط الرواية من أصلها لمخالفتها الأصول الصحيحة، وهذا الحكم يعود عندئذٍ على الفرع الذي اعتمد عليها بالإبطال، وهي رواية الحسن عن سمرة لهذا الحديث، فإذا كان الحديث المروي في الصحيفة قد دخله ما دخله مما عاد عليه بالرد وعدم القبول؛ فيقال مثله فيمن رواه من طريقه أيضًا، وذلك لأن الحسن لم يسمع هذا الحديث من سمرة، وإنما استعار الحسن الصحيفة من بني سمرة فرواها، فوقع له حينئذ من الوهم ما وقع في أصل الصحيفة، والله أعلم.

* هذا إذا قلنا بأن هذا الحديث من صحيفة سمرة هو أصل حديث الباب الذي رواه الحسن عن سمرة، لكن يبدو لي - والله أعلم - أن حديث الحسن عن سمرة هذا له أصل آخر في صحيفة سمرة:

فقد روى الطبراني في الكبير (7/ 250/ 7017)، قال: حدثنا موسى بن هارون: ثنا مروان بن جعفر السَّمُري: ثنا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن سمرة؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن يحب بعضنا بعضًا، وأن يسلم بعضنا على بعض إذا التقينا".

شيخ الطبراني هو: الحمَّال، الحافظ الكبير الحجة الناقد، مشهور بالحفظ والإتقان ونقد الرجال.

ومروان بن جعفر السَّمُري: روى صحيفة سمرة، روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، وقال أبو حاتم:"صدوق، صالح الحديث"، فلا عبرة بعد ذلك بقول الأزدي:"يتكلمون فيه"[الجرح والتعديل (8/ 276)، طبقات ابن سعد (6/ 417)، تاريخ الإسلام (17/ 360)، الميزان (4/ 89)، اللسان (8/ 28)].

ومحمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة: ترجم له البخاري وابن أبي حاتم

ص: 10

بروايته لرسالة سمرة بهذا الإسناد، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات؛ إلا أنه قال:"لا يعتبر بما انفرد به من الإسناد"[التاريخ الكبير (1/ 26)، الجرح والتعديل (7/ 186)، الثقات (9/ 58)، المؤتلف للدارقطني (2/ 632)، اللسان (6/ 477)]، وعلى هذا فهو صالح فيما رواه بهذا الإسناد وتوبع عليه.

وفي الجملة: فهو إسناد جيد في المتابعات.

• وقد وجدت له طريقًا أخرى:

قال البزار في مسنده (10/ 448/ 4605): وحدثنا خالد بن يوسف، قال: حدثني أبي يوسف بن خالد، قال: نا جعفر بن سعد بن سمرة، قال: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب، أنه كتب إلى بنيه: من سمرة بن جندب، سلام عليكم، فإنى أحمد إليكم الله، الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة

إلخ.

ثم سرد البزار سبعة وسبعين حديثًا بهذا الإسناد، منها طرف من هذا الحديث (10/ 450/ 4609): قال: "وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسلم بعضنا على بعض إذا التقينا".

ويوسف بن خالد، هو: السمتي، متروك، ذاهب الحديث، كذبه غير واحد [انظر: التهذيب (4/ 454) وغيره]، وابنه خالد: أصلح حالًا منه؛ فقد ضُعِّف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه"[انظر: اللسان (3/ 350) وغيره]، فهذه الطريق لا يعتمد عليها، ولا تصلح للاعتبار، والعمدة على الأول.

* وعلى هذا فالأقرب عندي: أن هذا الحديث من صحيفة سمرة هو أصل حديث الباب الذي رواه الحسن عن سمرة، وعليه: فحديث الحسن عن سمرة إنما هو في عموم إفشاء السلام عند اللقاء، وليس في خصوص التسليم للخروج من الصلاة، هذا إذا لم نقل أيضًا بأنه دخل له حديث في حديث، فهو حديث ضعيف بهذا السياق، والله أعلم.

* وفي الباب أيضًا:

حديث علي بن أبي طالب:

رواه جماعة من أصحاب أبي إسحاق، منهم: سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل:

عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال: سألنا عليًّا عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار، فقال: إنكم لا تطيقونه، قال: قلنا: أخبرنا به نأخذ منه ما أطقنا، قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر أمهل، حتى إذا كانت الشمس من هاهنا - يعني: من قبل المشرق - مقدارها من صلاة العصر من هاهنا من قبل المغرب، قام فصلى ركعتين، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا - يعني: من قبل المشرق - مقدارها من صلا الظهر من هاهنا - يعني: من قبل المغرب - قام فصلى أربعًا، وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعًا قبل العصر، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيبن، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين". قال: قال علي: تلك ست عشرة ركعة، تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار، وقلَّ من يداوم عليها.

ص: 11

يأتي تخريجه مفصلًا - إن شاء الله تعالى - في موضعه من السنن برقم (1272/ 1275).

وهذا الحديث قد ضعفه ابن المبارك وغيره [انظر: جامع الترمذي (599)، التهذيب (2/ 254)، الميزان (2/ 353)].

وعلى فرض صحته فإنه ليس دليلًا على أنه ينوي بسلامه الملائكة والنبيين والمؤمنين؛ فإن قوله: يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيبن، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين، إنما أراد به التشهد، ففي تشهد ابن مسعود:"السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين"، قال النبي صلى الله عليه وسلم مفسرًا هذه الجملة:"فإنكم إذا قلتم ذلك أصاب كلَّ عبدٍ صالح في السماء والأرض"، وفي رواية:"إذا قلتَها أصابت كلَّ ملكٍ مقرب، أو نبيٍ مرص، أو عبدٍ صالح"، [تقدم برقم (968)، وهو متفق عليه، دون اللفظ الثاني، وهو صحيح أيضًا].

قال الترمذي في الجامع (429): "واختار إسحاق بن إبراهيم [يعني: ابن راهويه] أن لا يُفصَل في الأربع قبل العصر، واحتج بهذا الحديث، وقال: ومعنى أنه يفصل بينهن بالتسليم، يعني: التشهد"[وقد أطال ابن خزيمة في صحيحه (2/ 219/ 1211) في الرد على هذا القول بما لا طائل تحت؛ فإن نصوص الشريعة وكلام الصحابة لا ينبغي محاكمتها وتنزيلها على اصطلاحات الفقهاء الحادثة، وسبق تقرير هذه المسألة قبل ذلك تحت الحديث رقم (573)].

قلت: ويشهد لهذا المعنى رواية حصين بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق به، وفيها:"كان يصلي حين ترتفع الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات يجعل التسليم في آخر ركعة، وقبل الظهر أربع ركعات يجعل التسليم في آخر ركعة، وبعدها أربع ركعات يجعل التسليم في آخر ركعة"[سنن النسائي الكبرى (1/ 212/ 336)].

• قلت: والذي صح في هذا الباب، وهو أن ينوي المأموم بالسلام شيئًا آخر إضافة إلى التحلل من الصلاة المنصوص عليه في حديث علي بن أبي طالب:"وتحليلها التسليم"[تقدم برقم (61)، وهو حديث صحيح]، هو أن ينوي بسلامه التسليم على من كان عن يمينه وشماله، لحديث جابر بن سمرة مرفوعًا:"علامَ تُومِئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدَكم أن يضع يده على فخِذه، ثم يسلم على أخيه، مَن على يمينه وشماله"[أخرجه مسلم (431/ 120)]، وفي رواية:"ثم يسلم على أخيه، عن يمينه، وعن شماله"، وفي أخرى:"ثم يسلم على صاحبه عن يمينه، وعن شماله"[وقد تقدم تخريجه برقم (998 و 999)].

• وأختم كلامي بنقلٍ عن الإمام أحمد:

قال أبو داود في مسائله لأحمد (556): "قلت لأحمد: الردُّ على الإمام؟ قال: ما أعرف فيه حديثًا - أي: حديث عالي يعتمد عليه -؛ فإن شاء ردَّ.

ص: 12