الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإسحاق وأبو ثور، وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي، وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه؛ لأن الجماعة تجب عليه فالجمعة أولى.
ولنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره، وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعة، فصلى الظهر والعصر وجمع بينهما، ولم يصل جمعة، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم كانوا يسافرون في الحج وغيره، فلم يصل أحد منهم الجمعة في سفره، وكذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم"، ثم نقل فعل بعض الصحابة، ثم قال: "وهذا إجماع، مع السُّنَّة الثابتة، فلا يسوغ مخالفته".
وقال النووي في المجموع (4/ 403): "فالجمعة فرض عين على كل مكلف؛ غير أصحاب الأعذار والنقص المذكورين"، ثم ذكر منهم ممن لا تجب عليه الجمعة: المرأة، والصبي، والمجنون، والمغمى عليه، وسائر من زال عقله أو انغمر بسبب غير محرم، والمسافر، والعبد، والمريض، والأعمى الذي لم يجد قائدًا، ولا يحسن المشي وحده بالعصا، والله أعلم.
***
216 - باب الجمعة في القُرى
1068 -
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله المخَرِّمي، لفظه، قالا: حدثنا وكيع، عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: إنَّ أوَّلَ جمعة جُمِّعَت في الإسلام بعد جمعة جُمِّعَت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، لجمعةٌ جُمِّعت بجُواثا، قريةٍ من قرى البحرين. قال عثمان: قريةٍ من قرى عبد القيس.
• حديث صحيح
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي في المعرفة (2/ 463/ 1667).
• ورواه أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو [ثقة]، وزيد بن الحباب [صدوق]، وحفص بن عبد الله بن راشد النيسابوري [كاتب إبراهيم بن طهمان، وراوي حديثه بنسخة عنه، وهو: صدوق]، وعبد الله بن المبارك [ولا أراه يثبت عنه، وعنه: رجاء بن سلمة بن رجاء التميمي، لم أقف له على ترجمة، وأخشى أن يكون هو المترجم له في اللسان، وقد تحرف اسمه في سنن البيهقي إلى: جابر بن سلمة، والتصحيح من الدلائل، وانظر: الموضوعات (1/ 355)، اللسان (3/ 465)]:
عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أول جمعة جمِّعت بعد جمعة جمِّعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مسجد عبد القيس بجُواثَى، يعني: قريةً من البحرين. لفظ أبي عامر العقدي [عند البخاري].
أخرجه البخاري (892 و 4371)، وابن خزيمة (3/ 113/ 1725)، وابن أبي عاصم
في الآحاد والمثاني (3/ 257/ 1623)، وفي الأوائل (41)، وأبو بكر المروزي في الجمعة وفضلها (2)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 26/ 1746)، والطبراني في الكبير (12/ 226/ 12958)، والبيهقي في السُّنن (3/ 176)، وفي الدلائل (5/ 328)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 218/ 1055)، وقال:"حديث صحيح"، وفي التفسير (4/ 343).
• هكذا روى هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان: أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، ووكيع بن الجراح، وزيد بن الحباب، وحفص بن عبد الله النيسابوري، وابن المبارك [ولا يثبت عنه].
• خالفهم في إسناده ومتنه: المعافى بن عمران الموصلي [ثقة فقيه]، فرواه عن إبراهيم بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال: إن أول جمعة جمِّعت بعد جمعة جمِّعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، جمِّعت بجواثا بالبحرين، قرية لعبد القيس.
أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 258/ 1667).
وهذا حديث شاذ سندًا ومتنًا.
قال صالح جزرة: "والغلط فيه من غير إبراهيم؛ لأن جماعة رووه عنه عن أبي جمرة عن ابن عباس، وكذا هو في تصنيفه، وهو الصواب، وتفرد المعافى بذكر محمد بن زياد، فعلم أن الغلط منه، لا من إبراهيم"[التهذيب (1/ 70)، هدي الساري (388)، الفتح (2/ 380)].
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 329): "فتبين بذلك: أن المعافى وهم في إسناد الحديث ومتنه، والصواب: رواية الجماعة عن إبراهيم بن طهمان".
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 380): "وهو خطأ من المعافى".
• تابع ابن طهمان عليه [على الوجه المحفوظ عنه]:
أبو سلمة محمد بن أبي حفصة [صالح الحديث]، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: أول جمعة جمِّعت جمعة بالمدينة، ثم جمعة بالبحرين. وفي رواية: أول جمعة جمِّعت بعد جمعة بالمدينة، جمعة بالبحرين، في قرية لعبد القيس، يقال لها: جواثى.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 268 / 35966)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 257/ 1622)، وفي الأوائل (42)، وبدر بن الهيثم في جزء من حديثه (5)، والطبراني في الكبير (12/ 226/ 12957)، وفي الأوائل (29)، وابن المقرئ في المعجم (719)، والخطيب في الموضح (2/ 404).
• قال ابن رجب في الفتح (5/ 329): "ومعنى الحديث: أن أول مسجد جمِّع فيه بعد مسجد المدينة: مسجد جواثاء، وليس معناه: أن الجمعة التي جمِّعت بجواثاء كانت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جمِّعت بالمدينة، كما قد يُفهم من بعض ألفاظ الروايات؛ فإن عبد القيس إنما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح،
…
، وليس المراد به أيضًا: أن أول جمعة في الإسلام في مسجد المدينة، فإن أول جمعة جمِّعت بالمدينة في نقيع
الخضِمات، قبل أن يَقدَم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبل أن يبني مسجده، يدل على ذلك: حديث كعب بن مالك،
…
"، وهو الحديث الآتي.
وقال في موضع آخر (5/ 388): "معناه: أنه لم يجمع في الإسلام بعد التجميع بالمدينة إلا في مسجد عبد القيس بالبحرين، فكان أول بلد أقيمت الجمعة فيه المدينة، ثم بعدها قرية جواثاء بالبحرين، وهذا يدل على أن عبد القيس أسلموا قبل فتح مكة، وجمعوا في مسجدهم، ثم فتحت مكة بعد ذلك، وجمع فيها، والمقصود: أنهم جمعوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قرية جواثاء، وإنما وقع ذلك منهم بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وأمره لهم؛ فإن وفد عبد القيس أسلموا طائعين، وقدموا راغبين في الإسلام، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن مهمات الدين، وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم قواعد الإيمان وأصوله،
…
، فيدل ذلك على جواز إقامة الجمعة بالقرى، وأنه لا يشترط لإقامة الجمعة المصر الجامع، كما قاله طائفة من العلماء".
وقال ابن حجر في الفتح (1/ 132): "وإنما جمعوا بعد رجوع وفدهم إليهم، فدل على أنهم سبقوا جميع القرى إلى الإسلام".
وقال أيضًا (2/ 380): "الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، لما عُرِف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن".
وهذا المعنى قد سبقه إليه البيهقي فقال في الخلافيات (2/ 330 - مختصره): "وكانوا لا يستبدون بأمور الشرع، فالأشبه أنهم لم يقيموها في هذه القرية إلا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
1069 -
. . . محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك - وكان قائد أبيه بعدما ذهب بصره -، عن أبيه كعب بن مالك، أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحَّم لأسعد بن زُرارة، فقلتُ له: إذا سمعتَ النداء ترحَّمْتَ لأسعد بن زرارة، قال: لأنه أوَّلُ من جمَّع بنا في هَزْمِ النَّبِيتِ من حَرَّة بني بَياضة في نقيعٍ، يقال له: نقيعُ الخضِمات، قلت: كم أنتم يومئذ؛ قال: أربعون.
• حديث حسن
أخرجه ابن ماجه (1082)، وابن خزيمة (3/ 112 - 113/ 1724)، وابن حبان (15/ 477/ 7013)، وابن الجارود (291)، والحاكم (1/ 281) و (3/ 187)، وابن هشام في السيرة (2/ 282)، والفاكهي في أخبار مكة (4/ 233/ 2541)، وأبو بكر المروزي في الجمعة وفضلها (1)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (4/ 242/ 2844 و 2845)،
وابن المنذر في الأوسط (4/ 30/ 1749)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 156/ 243)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (106)، والطبراني في الكبير (1/ 305/ 900) و (19/ 91/ 176)، والدارقطني (2/ 5 و 6)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 281/ 929)، والبيهقي في السُّنن (3/ 176 - 177 و 177)، وفي المعرفة (2/ 1668/464 و 1669)، وفي الدلائل (2/ 441)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (50/ 186).
رواه عن محمد بن إسحاق: عبد الله بن إدريس [ثقة ثبت][وهذا لفظه]، وجرير بن حازم، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، ويحيى بن سعيد الأموي [وهم ثقات]، وبونس بن بكير [كوفي، صدوق]، وزياد بن عبد الله البكائي [ثقة ثبت في مغازي ابن إسحاق، وفي غيره فيه لين]، وسلمة بن الفضل [الأبرش: ثبت في ابن إسحاق، وفي غيره يخطئ ويخالف]، وصدقة بن سابق [أبو عمرو الزمن، ويقال له: المقعد، مولى بني هاشم: كوفي، روى عنه جماعة من الثقات والحفاظ، وقال ابن معين: "كان يروي المغازي عن ابن إسحاق؛ ليس بشيء"، ولعل ذلك يحمل على قلة مروياته عند ابن معين، حيث يندر أن تجد له رواية عن غير ابن إسحاق، وقال أبو طاهر المخلص في التاسع من فوائده (93): "حدثنا ابن منيع، قال: حدثنيه زهير بن محمد بن قمير المروزي، قال: أخبرنا صدقة بن سابق الزمن، وكان ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي:، وما علمت أحدًا ضعفه"، ووثقه الهيثمي. التاريخ الكبير (4/ 298)، الجرح والتعديل (4/ 434)، الثقات (8/ 320)، تاريخ أسماء الضعفاء لابن شاهين (308)، المخلصيات (3/ 50/ 1980)، الأنساب (3/ 165)، تاريخ الإسلام (14/ 196)، المجمع (7/ 205) و (10/ 393)، الثقات لابن قطلوبغا (5/ 321)].
وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية ابن إدريس [عند ابن الجارود والطحاوي]، وجرير بن حازم، ويونس بن بكير، وبحيى بن سعيد، وزياد البكائي، وصدقة بن سابق، وسلمة بن الفضل.
وقال عبد الله بن إدريس وزياد البكائي: هزم النبيت.
وانفرد عنهم سلمة بن الفضل، فقال: عبد الله بن كعب؛ ووهم، إنما هو عبد الرحمن بن كعب.
ولفظ عبد الأعلى [عند ابن ماجه]: عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة، ودعا له، فمكثت حينًا أسمع ذلك منه، ثم قلت في نفسي: والله إن ذا لعجزٌ؛ أني أسمعه كلما سمع أذان الجمعة يستغفر لأبي أمامة ويصلي عليه، ولا أسأله عن ذلك لم هو؟ فخرجت به كما كنت أخرج به إلى الجمعة، فلما سمع الأذان استغفر كما كان يفعل، فقلت له: يا أبتاه! أرأيتك صلاتَك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة، لم هو؟ قال: أي بني! كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل مَقدَم
رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، في نقيع الخضِمات، في هزمٍ من حرة بني بياضة، قلت: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلًا.
• خالفهم: إسماعيل بن علية [ثقة ثبت]، فرواه عن محمد بن إسحاق، عن رجل، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت معه إلى الجمعة
…
، فذكر الحديث.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 248/ 35746).
قلت: والذي أبهمه ابن علية، صُرِّح به في رواية الجماعة، فلا تعلُّ بها.
• وحديث ابن إسحاق هذا: حديث حسن؛ صححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود، وقال الحاكم:"حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، وليس كما قال؛ فإن مسلمًا لم يحتج بابن إسحاق في الأصول، وإنما أخرج له في المتابعات.
وصححه أيضًا ابن حزم في المحلى (5/ 47).
وقال البيهقي:" ورواه جرير بن حازم ومحمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي أمامة، كما قال يونس بن بكير، ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه في الرواية، وكان الراوي ثقة: استقام الإسناد، وهذا حديث حسن الإسناد، صحيحًا.
وكان ابن الصلاح تبعه على ذلك فقال في شرح الوسيط (2/ 276): "وهو حسن الإسناد، صحيح".
وصححه النووي في الخلاصة (2/ 768/ 2686)، وفي المجموع (4/ 423).
• قال ابن حزم (5/ 48) في الرد على من خالفه ممن احتج بهذا الحديث في اشتراط الأربعين: "ولا حجة له في هذا؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: إنه لا تجوز الجمعة بأقلَّ من هذا العدد، نعم؛ والجمعة واجبة بأربعين رجلًا، وبأكثر من أربعين، وبأقلَّ من أربعين".
• والهزم من الأرض: هو ما تهزَّم منها؛ أي: تكسر وتشقق، ويجوز أن يكون جمع هزمة، وهو المتطامن من الأرض [غريب الحديث للخطابي (1/ 211)، النهاية (5/ 262)، معجم البلدان (5/ 405)]، والنقيع موضع اجتماع الماء من الأرض [النهاية (5/ 107)]، ونقيع الخضمات: موضع بنواحي المدينة، وقال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة [معالم السُّنن (1/ 1 21)، المغني (2/ 90)، المجموع (4/ 423)، تهذيب الأسماء (3/ 352)].
• ومما روي مرفوعًا في تعيين عدد من تصح بهم الجمعة:
1 -
عن جابر بن عبد الله:
روى إسحاق بن خالد بن يزيد البالسي: ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي: ثنا خصيف، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، قال: مضت السُّنَّة أن في كل ثلاثة إمامًا، أو في كل أربعين فما فوق ذلك جمعةً وأضحى وفطرًا، وذلك أنهم جماعة.
قال: وكذلك ثنا جعفر بن برقان، عن الزهري.
أخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 138)، والدارقطني (2/ 3 - 4)، والبيهقي (3/ 177).
قلت: هذا حديث باطل كذب؛ خصيف بن عبد الرحمن الجزري: سئ الحفظ، ليس بالقوي، وعبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي الجزري البالسي: قال أحمد لابنه عبد الله: "اضرب على أحاديثه، هي كذب"، أو قال:"موضوعة"، وقال النسائي:"ليس بثقة"، ويأتي كلام ابن حبان فيه، وقال ابن عبدي في ترجمة خصيف:"وإذا حدث عن خصيف ثقة؛ فلا بأس بحديثه وبرواياته؛ إلا أن يروي عنه عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي، يكنى أبا الأصبغ، فإن رواياته عنه بواطيل، والبلاء من عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي، لا من خصيف"، وقال في ترجمة البالسي:"وعبد العزيز هذا: يروي عن خصيف هذا أحاديث بواطيل، يرويها عنه إسماعيل بن زرارة وإسحاق بن خلدون البالسي، وفيها غير حديث: خصيف عن أنس، وسائر ذلك كله ليس لها أصول، ولا يتابعه الثقات عليها"[العلل ومعرفة الرجال (3/ 319/ 5419)، ضعفاء النسائي (394)، الجرح والتعديل (5/ 388)، الكامل (4/ 398 - ط. الرشد) و (8/ 330 - ط. الرشد)، ضعفاء الدارقطني (347)، الأنساب (1/ 268)، اللسان (5/ 211)]، وإسحاق بن خالد بن يزيد البالسي، ويقال: إسحاق بن خلدون: قال ابن عدي: "روى غير حديث منكر عن جماعة من الشيوخ،
…
، ورواياته تدل عمن روى عنه بأنه ضعيف" [الكامل (2/ 188 - ط. الرشد)، اللسان (2/ 55)].
قال ابن حبان بعد أن أخرج هذا الحديث في ترجمة القرشي: "كتبناه عن عمر بن سنان عن إسحاق بن خالد البالسي عنه بنسخةٍ، شبيهًا بمائة حديث مقلوبة، منها ما لا أصل له، ومنها ما هو ملزق بإنسان لم يرو ذلك ألبتة، لا يحل الاحتجاج به بحال"، وكان قال في أول ترجمته:"يأتي بالمقلوبات عن الثقات فيُكثِر، والملزقات بالأثبات فيُفحِش".
وقال البيهقي في السُّنن: "تفرد به عبد العزيز القرشي، وهو ضعيف".
وقال في المعرفة (468/ 2): "وهذا حديث ضعيف، لا ينبغي أن يحتج به".
وقال ابن الصلاح في شرح الوسيط (2/ 274): "ضعيف عند أهل الحديث".
وأورده النووي في فصل الضعيف من الخلاصة (2/ 769/ 2690)، وساق كلام البيهقي، وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 595):"وهذا ضعيف، لا يصح الاحتجاج به"، وقال ابن حجر في الدراية (1/ 216):"إسناده ضعيف"، قلت: بل هو كذب موضوع، كما سبق بيانه.
2 -
عن أبي أمامة:
يرويه جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة على الخمسين رجلًا، وليس على ما دون الخمسين جمعة".
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 244/ 7952)، وابن عدي في الكامل (2/ 135)، والدارقطني (2/ 4) [وفي أسانيد الدارقطني إلى جعفر: ضعف].
وهذا باطل من حديث أبي أمامة، ومن حديث القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي؛ فإن جعفر بن الزبير الباهلي الدمشقي: متروك، ذاهب الحديث، قال ابن حبان: "يروي عن القاسم وغيره أشياء كأنها موضوعة،
…
، وروى جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: نسخة موضوعة" [التهذيب (1/ 304)، المجروحين (1/ 212)].
قال الدارقطني: "جعفر بن الزبير: متروك"، وضعفه ابن حزم في المحلى (5/ 46)، وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 336 - مختصره):"تفرد به جعفر، وهو: متروك الحديث".
وانظر فيمن ضعفه أيضًا: الأحكام الوسطى (2/ 104)، بيان الوهم (3/ 106/ 797).
3 -
عن جابر بن عبد الله:
روى علي بن عاصم [واسطي، صدوق، كثير الغلط والوهم، وقد تركه بعضهم]، عن حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا يوم الجمعة إذ أقبلت عيرٌ تحمل الطعام حتى نزلوا بالبقيع، فالتفتوا إليها، وانفضوا إليها، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معه إلا أربعون رجلًا أنا منهم، فأنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11].
أخرجه الدارقطني (2/ 4)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 182).
قال الدارقطني: "لم يقل في هذا الإسناد: إلا أربعين رجلًا؛ غير علي بن عاصم عن حصين، وخالفه أصحاب حصين، فقالوا: لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلًا".
قلت: وروايته هذه منكرة بذكر الأربعين:
• فقد خالفه وأتى به على الصواب:
هشيم بن بشير، وزائدة بن قدامة، وخالد بن عبد الله الواسطي الطحان، وعبد الله بن إدريس، وجرير بن عبد الحميد، وأبو زبيد عبثر بن القاسم، ومحمد بن فضيل، وعباد بن العوام، وإسرائيل بن أبي إسحاق، وسليمان بن كثير العبدي [وهم ثقات]، وقيس بن الربيع [ليس بالقوي]:
فرووه عن حصين بن عبد الرحمن، عن سالم بن أبي الجعد [قرن هشيمٌ والطحانُ بسالمٍ: أبا سفيان طلحة بن نافع، وربما أُفرد أبو سفيان، أفرده إسرائيل، وقيس، وخالد في رواية]، قال: حدثنا جابر عبد الله، قال: بينما نحن نصلي [الجمعة، مع النبي صلى الله عليه وسلم[وفي رواية هشيم: يخطب يوم الجمعة قائمًا]، إذ أقبلت عيرٌ تحمل طعامًا، فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلًا [زاد هشيم: فيهم أبو بكر وعمر]، فنزلت هذه الآية:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} . لفظ زائدة [عند البخاري].
ولفظ جرير [عند مسلم]: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائمًا يوم الجمعة، فجاءت عير
من الشام، فانفتل الناس إليها، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} .
ولفظ خالد الطحان [عند مسلم]: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقدمت سويقةٌ، قال: فخرج الناس إليها، فلم يبق إلا اثنا عشر رجلًا، أنا فيهم، قال: فأنزل الله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} إلى آخر الآية.
وفي رواية ابن إدريس [عند ابن أبي شيبة]: أقبلت عيرٌ بتجارةٍ يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فانصرف الناس ينظرون، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر رجلًا، فنزلت هذه الآية:
…
فذكرها.
أخرجه البخاري (936 و 2058 و 2064 و 4899)، ومسلم (863)، وأبو عوانة (3/ 129/ 2661 - إتحاف المهرة)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 451 و 452/ 1943 - 1946)، والترمذي (3311)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في الكبرى (10/ 301/ 11529)، وابن خزيمة (3/ 1823/161) و (3/ 174/ 1852)، وابن حبان (15/ 299/ 6877)، وابن الجارود (292)، وأحمد (3/ 313 و 370)، وابن أبي شيبة (1/ 448/ 5184)، وعبد بن حميد (1110 و 11)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في أحكام القرآن (363 و 364)، وأبو يعلى (3/ 406/ 1888) و (3/ 468/ 1979)، وابن جرير الطبري في تفسيره (28/ 104 و 105)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 111 - 112/ 1860)، والطحاوي في أحكام القرآن (237 - 242)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 25)(1/ 128 و 129 - ط. السرساوي)، والدارقطني (2/ 5)، والبيهقي في السُّنن (3/ 181 و 182 و 197)، وفي المعرفة (2/ 482/ 1703)، وفي الشعب (5/ 234/ 6494)، والواحدي في أسباب النزول (422 و 423)، وفي تفسيره الوسيط (4/ 301)، والبغوي في تفسيره (4/ 345).
• تنبيه: وقع عند أبي يعلى (1979)، وعنه ابن حبان: من رواية زحمويه زكريا بن يحيى بن صبيح [ثقة. التعجيل (339)]، قال: حدثنا هشيم، عن حصين به، وزاد في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحدٌ لسال بكم الوادي النارَ"، ولفظ آخره عند ابن حبان:"لسال لكم الوادي نارًا"، وهي زيادة شاذة، تفرد بها زحمويه دون أصحاب هشيم، مثل: إسماعيل بن سالم الصائغ [ثقة]، وأحمد بن منيع [ثقة حافظ]، وعمرو بن عون الواسطي [ثقة ثبت]، ومحمد بن عيسى بن نجيح [ابن الطباع: ثقة حافظ فقيه، من أعلم الناس بحديث هشيم]، وسريج بن يونس [ثقة]، وعلي بن مسلم الطوسي [ثقة]، ومحمد بن الصباح [أيًا كان الدولابي أو الجرجرائي، فهو ثقة]، وسنيد بن داود [ضعيف]، وقد جاء التصريح بسماع هشيم من حصين في رواية ابن منيع [وانظر: الفتح لابن حجر (2/ 424)].
• خالف الجماعة في متنه، فأدرج فيه ما ليس منه:
أسد بن عمرو البجلي أبو المنذر [ليس بالقوي. اللسان (2/ 90)]، فرواه عن حصين
به؛ إلا أنه سمى مَن بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، واحدًا واحدًا: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا، وطلحة، والزبير، وسعدًا، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الرحمن بن عوف، وبلالًا، وابن مسعود، وأبا عبيدة بن الجراح، أو عمار بن ياسر، شك أسد.
أخرجه الدولابي في الكنى (3/ 1068/ 1878)[بدون تسمية الصحابة]. والعقيلي في الضعفاء (1/ 24)(1/ 127 - ط. السرساوي).
قال العقيلي: "هكذا حدث أسد بهذا الحديث، ولم يبين هذا التفسير ممن هو، وجعله مدمجًا في الحديث، وقد رواه هشيم بن بشير وخالد بن عبد الله عن حصين، ولم يذكرا هذا التفسير كله، وهؤلاء القوم يتهاونون بالحديث، ولا يقومون به، ويصلونه بما ليس منه، فيفسدون الرواية".
• ويحمل قول من قال: نصلي الجمعة، على قول من قال: يخطب قائما يوم الجمعة؛ لأن من كان في انتظار الصلاة مستمعًا للخطبة فهو في صلاة، كما صح الحديث بذلك.
قال الطحاوي في أحكام القرآن: "وكان في حديثي محمد بن علي، وطلحة بن نافع - وهو أبو سفيان، من رواية قيس بن الربيع - أنهم نفروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة، وفي حديث سالم بن أبي الجعد أنهم نفروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصلي الجمعة، فاحتمل قوله: ونحن نصلي الجمعة: ونحن معه لصلاة الجمعة؛ لأن من كان ينتظر صلاة فهو في صلاة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك".
وقال البيهقي: "والأشبه أن يكون الصحيح رواية من روى أن ذلك كان في الخطبة، وقول من قال: نصلي معه الجمعة، أراد به الخطبة، وكأنه عبر بالصلاة عن الخطبة، وحديث كعب بن عجرة يدل على ذلك أيضًا".
• قلت: وهذه واقعة عين، ذكر العدد فيها لا مفهوم له، إنما يحكي واقعة لا تأثير للعدد فيها على حكم وجوب الجمعة على المكلفين، وهل تجزئ بهذا العدد دون ما دونه، فلا دلالة فيها على أن الجمعة لا تجزئ بأقل من هذا العدد، ولو كان انصراف الصحابة مؤثرًا على صحة الجمعة من عدمه؛ لنبه النبي صلى الله عليه وسلم وبين ذلك بيانًا عامًا لا يلتبس على أحد؛ بأن الجمعة لا تجزئ بأقل من عدد الحاضرين، أو: لو زاد عدد الذين انفتلوا واحدًا لما صحت الجمعة، فلما لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من ذلك علمنا أن العدد المذكور لا تأثير له في الحكم، لا سيما مع عدم جواز تأخير البيان عن موضع الحاجة، فإن قيل: ليس فيه بيان أنه أقام الجمعة بهم، وأن الذين انفضوا لم يثوبوا إليه، فيقال: لو أنهم ثابوا إليه لنقل، ولو أنه ترك الجمعة لأجل انفتالهم لنقل، فلما لم ينقل شيء من ذلك علمنا أنه لم يقع، بل ظاهر النص أنه صلى الجمعة بمن بقي معه، وذلك لتوافر الهمم والدواعي على نقله، ولما جرت به العادة؛ من أن انصرافهم لتحصيل مصالحهم من هذه العير لا ينقضي إلا بعد وقت يطول، وتفوت به
الجمعة، فدل مجموع ذلك على عدم رجوعهم، ويبقى أن الحديث لا يكون حجة لاشتراط ذلك العدد دون ما سواه، والله أعلم.
وقد بوب له البخاري بقوله: "بابٌ: إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة؛ فصلاة الإمام ومَن بقي: جائزةٌ".
وقال ابن المنذر: "وهذا الحديث يدل على إخباره أن تصلى الجمعةُ بأقلَّ من أربعين رجلًا".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 524): "وعلي بن عاصم: ليس بالحافظ، فلا يقبل تفرده بما يخالف الثقات.
وقد استدل البخاري وخلق من العلماء على أن الناس إذا نفروا عن الإمام وهو يخطب للجمعة، وصلى الجمعة بمن بقي، جاز ذلك، وصحت جمعتهم".
4 -
عن أم عبد الله الدوسية:
رواه محمد بن وهب بن عطية [السلمي الدمشقي: قال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال الدارقطني: "ثقة"، ووهم ابن عدي فخلطه بالقرشي الضعيف. تاريخ دمشق (56/ 205 و 207)، السير (10/ 669)، تاريخ الإسلام (16/ 399)، الميزان (4/ 61)، التهذيب (3/ 725)]: ثنا بقية بن الوليد: ثنا معاوية بن يحيى: ثنا معاوية بن سعيد التجيبي: ثنا الزهري، عن أم عبد الله الدوسية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة واجبة على كل قرية، وإن لم يكن فيها إلا أربعة"؛ يعني بالقرى: المدائن.
أخرجه الدارقطني (2/ 7)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 179).
قال الدارقطني: "ولا يصح هذا عن الزهري".
وقال ابن حزم في المحلى (47/ 5): "وهذا لا يجوز الاحتجاج به؛ لأن معاوية بن يحمص ومعاوية بن سعيد: مجهولان".
وقال البيهقي في السُّنن: "وكذلك روي عن الموقري والحكم الأيلي عن الزهري، قال الدارقطني: لا يصح هذا عن الزهري، كل من رواه عنه متروك، والزهري لا يصح سماعه من الدوسية"، ثم قال البيهقي:"وقد قيل: عنه، عن التجبيي، عن الحكم بن عبد الله الأيلي، عن الزهري كذلك، قاله محمد بن المصفى، عن بقية".
وقال في المعرفة (2/ 468): "ضعيف لا يصح".
• قلت: خالفه من هو أعلم بحديث بقية منه، فزاد في الإسناد رجلًا:
رواه محمد بن مصفى [صدوق]: ثنا بقية [ابن الوليد: صدوق]: ثنا معاوية بن يحيى: ثنا معاوية بن سعيد التجيبي، عن الحكم بن عبد الله بن سعد، عن الزهري، عن أم عبد الله الدوسية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام، وإن لم يكونوا إلا أربعة"، حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة.
أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (6/ 173/ 3401)، وابن عدي في الكامل
(2/ 204)(3/ 229 - ط. الرشد)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 7983/3530)، والبيهقي (3/ 179).
وذكر ابن عدي في آخر ترجمة الحكم بأن أحاديثه التي رواها له عن الزهري وغيره [وهذا منها] كلها بواطيل.
قال البيهقي: "الحكم بن عبد الله: متروك، ومعاوية بن يحيى: ضعيف، ولا يصح هذا عن الزهري، وقد روي في هذا الباب حديث في الخمسين: لا يصح إسناده".
قلت: هذا حديث باطل؛ فإن الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي: متروك، منكر الحديث، كذبه جماعة، وقال فيه أحمد:"الحكم بن عبد الله الأيلي: أحاديثه موضوعة"[اللسان (3/ 244)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 453/ 114)، المجروحين (1/ 248)].
ومعاوية بن سعيد بن شريح التجيبي: روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن ماكولا:"عزيز الحديث"[التهذيب (4/ 106)، الإكمال (1/ 526)، توضيح المشتبه (2/ 26)].
ومعاوية بن يحيى الدمشقي، أبو مطيع الأطرابلسي: ليس به بأس، وله مناكير ينفرد بها عن المشاهير [انظر: التهذيب (4/ 114)، الميزان (4/ 139)].
• وروي من وجهٍ آخر واهٍ جدًّا عن الحكم:
رواه مسلمة بن علي [الخشني: متروك، منكر الحديث، حديثه لا شيء، لا يُشتغل به. التهذيب (4/ 76)، الميزان (9/ 104)]، عن محمد بن مطرف، عن الحكم بن عبد الله بن سعد، عن الزهري، عن أم عبد الله الدوسية، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الجمعة واجبة على أهل كل قريةٍ، وإن لم يكونوا إلا ثلاثة، ورابعهم إمامهم".
أخرجه الدارقطني (2/ 9)، قال: حدثنا أبو عبد الله الأبلي [محمد بن علي بن إسماعيل: ضعفه الدارقطني في ضمن رجال إسناد قال فيه: "ومن دون مالك ضعفاء"، ووثقه الخطيب. تاريخ بغداد (3/ 77)، تاريخ دمشق (54/ 248)، تاريخ الإسلام (24/ 273)، اللسان (8/ 475)]: ثنا يحيى بن عثمان بن صالح [مصري، صدوق]: ثنا عمرو بن الربيع بن طارق [كوفي، نزل مصر: ثقة]: ثنا مسلمة به.
قال الدارقطني: "الزهري لا يصح سماعه من الدوسية، والحكم هذا متروك".
وقال ابن القطان في بيان الوهم (3/ 917/202): "فيه جماعة من الضعفاء والمجاهيل، أحدهم: راويه عن الزهري، وهو الحكم بن عبد الله، ورواه عنه مجهول لا يعرف، وهو محمد بن مطرف، وليس بأبي غسان، وعنه مسلمة بن علي الخشني، وهو: متروك، وعنه عمرو بن الربيع بن طارق، ولا تعرف حاله"[تقدم بيان ما فيه].
• ورواه موسى بن محمد بن عطاء: ثنا الوليد بن محمد: ثنا الزهري: حدثتني أم عبد الله الدوسية، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام، وإن لم يكونوا إلا أربعة".
أخرجه الدارقطني (2/ 9).
قال الدارقطني: "الوليد بن محمد الموقري: متروك، ولا يصح هذا عن الزهري، كل من رواه عنه متروك".
قال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 598): "حديث ضعيف".
قلت: هو حديث باطل؛ الوليد بن محمد الموقري: متروك، يروي عن الزهري ما لا أصل له [التهذيب (4/ 323)]، والراوي عنه: أبو طاهر موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي المقدسي، وهو متهم بوضع الحديث، وقد كذبه جماعة، منهم: أبو زرعة وأبو حاتم، قيل بأنه هو الذي أفسد حديث الموقري [انظر: اللسان (8/ 216)، تاريخ دمشق (61/ 199)].
5 -
عن مصعب بن عمير:
روى النفيلي [عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل، أبو جعفر الحراني: ثقة حافظ]، قال: قرأت على معقل بن عبيد الله [جزري حراني: لا بأس به]، عن الزهري؛ أن مصعب بن عمير حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جمِّع بهم، وهم اثنا عشر رجلًا.
أخرجه أبو داود في المراسيل (53)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 179).
قال البيهقي: "وهذا منقطع، وإن صح فإنما أراد بمعونة الاثني عشر النقباء الذين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحبتهم، أو على أثرهم إلى المدينة، ليقرئ المسلمين، فيصلي بهم، ثم عدد من صلى بهم من المسلمين مذكور في حديث كعب بن مالك حين أقامها مصعب بإشارة أسعد بن زرارة، ونصرته إياه".
قلت: ذكر العدد فيه شاذ؛ على إرساله:
• فقد خالفه فلم يذكر العدد اثنان من أصحاب الزهري:
أ - رواه معمر بن راشد [ثقة ثبت في الزهري، وهو من أثبت أصحابه]، عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بهم، فاذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يومئذ بأمير، ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة.
قال معمر: فكان الزهري يقول: حيثما كان أمير، فإنه يعظ أصحابه يوم الجمعة، ويصلي بهم ركعتين.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 160/ 5146)، وانظر: طبقات ابن سعد (3/ 118).
ب - ورواه يونس بن يزيد الأيلي [ثقة، من أصحاب الزهري]، عن الزهري، قال: بلغنا أن أول ما جمِّعت الجمعةُ بالمدينة قبل أن يَقدَمَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير.
أخرجه أبو عروبة الحراني في الأوائل (54)، والبيهقي (3/ 196).
• خالفهم فوصله، بدون ذكر العدد:
صالح بن أبي الأخضر [ضعيف]، فرواه عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن [بن الحارث بن هشام]، عن أبي مسعود البدري، قال: أوَّلُ من قدم من المهاجرين المدينة: مصعب بن عمير، وهو أول من جمع بها يوم جمعهم، قبل أن يقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم.
أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل (47)، والطحاوي في أحكام القرآن (244)، والطبراني في الكبير (17/ 267/ 733)، وفي الأوسط (6/ 241/ 6294)، وفي الأوائل (28)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (166).
من طريقين عن صالح به.
قال الطبراني في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا صالح بن أبي الأخضر، ولا عن صالح إلا عبد الغفار بن عبيد الله، تفرد به: عباس العنبري".
قلت: عباس بن عبد العظيم العنبري: ثقة حافظ، وقد تابعه عليه: أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي، وهو: صدوق، وعبد الغفار بن عبيد الله الكريزي: لا بأس به [تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (380)]، ولم ينفرد به أيضًا، فقد تابعه: يحيى بن كثير العنبري، وهو: ثقة، فالشأن في صالح؛ إذ هو المتفرد به عن الزهري.
قال ابن صاعد: "وهذا حديث غريب"[المخلصيات (166)].
قلت: هو حديث منكر من حديث أبي مسعود؛ والمعروف من مراسيل الزهري، ومراسيل الزهري: من أوهى المراسيل، وهي شبه الريح، ليست بشيء [انظر: تاريخ ابن معين للدوري (3/ 221/ 1027)، المعرفة والتاريخ (1/ 386)، الجرح والتعديل (1/ 245)، المراسيل لابن أبي حاتم (1 و 2)، سنن البيهقي (1/ 147) و (10/ 307)، الكفاية للخطيب (386)، تاريخ دمشق (368/ 55 و 369)، الفتح لابن رجب (8/ 402) و (4/ 379) و (5/ 410) و (6/ 493)، البدر المنير (9/ 73)].
قال يحيى بن سعيد القطان: "مرسل الزهري شرٌّ من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه"[تاريخ دمشق (55/ 368)، السير (5/ 338)، جامع التحصيل (90)].
وقال الذهبي في السير (5/ 339):" مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه، ولما عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عدَّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما فإنه لم يدر ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه"، ثم ذكر عن الشافعي قوله:"إرسال الزهري ليس بشيء؛ لأنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم".
وعليه: فإن الثابت من حديث كعب بن مالك أن أول من جمع بالمدينة: أسعد بن زرارة، وهو الصحيح، والله أعلم.
• وانظر أيضًا فيما لا يصح من قصة مصعب: الفتح لابن رجب (5/ 330).
• قال ابن حزم في المحلى (47/ 5): "فكل هذه آثار لا تصح، ثم لو صحت لما كان في شيء منها حجة؛ لأنه ليس في شيء منها إسقاط الجمعة عن أقلَّ من العدد المذكور".
وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (2/ 104): "ولا يصح في عدد الجمعة شيء".
• وأما ما يحتج به بعضهم؛ من قول علي بن أبي طالب: لا جمعةَ ولا تشريق إلا في مصرٍ جامعٍ:
فيرويه زبيد بن الحارث اليامي [ثقة ثبت][وعنه: الثوري، وشعبة]، والأعمش [ثقة حافظ] [وعنه: أبو معاوية، وأبو جعفر الرازي]، ومنصور بن المعتمر [ثقة ثبت] [وعنه: جرير بن عبد الحميد]، وجابر بن يزيد الجعفى [متروك، يكذب]:
عن سعد بن عبيدة [السلمي: ثقة]، عن أبي عبد الرحمن السلمي [عبد الله بن حبيب: سمع عليًّا]، عن علي، قال: لا جمعة ولا تشريق؛ إلا في مصر جامع.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 168/ 5176 و 5177)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (4/ 344)، وابن أبي شيبة (1/ 439/ 5064)(4/ 47/ 5106 - ط. عوامة)، وأبو بكر المروزي في الجمعة (71)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2990)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 1748/27)، والطحاوي في المشكل (3/ 188 و 189)، وفي أحكام القرآن (209 و 210)، والبيهقي في السُّنن (3/ 179)، وفي المعرفة (2/ 467/ 1672).
هكذا روى هذا الأثر ولم يختلف عليه فيه: زبيد اليامي وجابر الجعفي.
• واختلف على الأعمش:
فهكذا رواه عنه راويته أبو معاوية محمد بن خازم الضرير [ثقة، من أثبت الناس في الأعمش]، وأبو جعفر الرازي [ليس بالقوي]، ولم أقف على رواية من خالفهما مسندة.
لكن قال إسحاق الكوسج في مسائله لأحمد (3441): "ذكرت له قول علي عليه السلام: لا جمعةَ ولا تشريق إلا في مصرٍ جامعٍ؟ قال: الأعمش لم يسمعه من سعد".
قك: الأعمش قد سمع من سعد بن عبيدة، وروايته عنه في الصحيحين [انظر مثلًا: البخاري (4340 و 4945 - 4947 و 4949 و 6217 و 6605 و 7552)، مسلم (772 و 1446 و 1840 و 2647)]، وهذا الأثر إن لم يسمعه الأعمش من سعد بن عبيدة؛ فقد سمعه من طلحة بن مصرف، وهو: كوفي ثقة فاضل، فاتصل الإسناد برواية الثقات.
قال الدارقطني في العلل (4/ 165/ 489): "يرويه الأعمش، واختلف عنه: فرواه أصحاب الأعمش، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي.
وخالفهم: فضيل بن عياض، وأبو حمزة السكري، فروياه عن الأعمش، عن طلحة بن
مصرف، عن سعد بن عبيدة، ويشبه أن يكون القول قولهما؛ لأنهما زادا، وهما ثقتان".
• واختلف على جرير بن عبد الحميد، راويه عن منصور بن المعتمر:
أ - فرواه أبو عبيد القاسم بن سلام [ثقة مأمون] في غريب الحديث (4/ 344)، قال: حدثناه جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي.
ب - وخالفه: أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ] فرواه في مصنفه (1/ 439/ 5059)(4/ 45 - 46/ 5098 - ط. عوامة)، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن طلحة، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، قال: قال علي: ....
قلت: منصور بن المعتمر قد سمع من سعد بن عبيدة، وروايته عنه في الصحيحين [انظر مثلًا: البخاري (247 و 4948 و 6217 و 6311 و 7552)، مسلم (2647 و 2710)]، وهذا الأثر إن لم يسمعه منصور من سعد بن عبيدة؛ فقد سمعه من طلحة بن مصرف، وهو: كوفي ثقة فاضل، فاتصل الإسناد برواية الثقات.
ثم هو مشهور من حديث زبيد اليامي عن سعد به، ولم يختلف عليه فيه؛ فلا ريب في ثبوته عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قوله.
قال النووي في المجموع (4/ 424) عمن رواه مرفوعًا: "ضعيف متفق على ضعفه، وهو موقوف على علي رضي الله عنه بإسناد ضعيف منقطع".
قلت: نعم؛ لا يُعرف للمرفوع أصل، وأما الموقوف فلا سبيل إلى تضعيفه؛ بل هو موقوف على علي رضي الله عنه بإسناد كوفي صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجا بهذا الإسناد أحاديث، من طريق: زبيد والأعمش ومنصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، عن علي [تحفة الأشراف (7/ 65 - 69/ 10167 و 10168 و 10171)].
• قال البيهقي في الخلافيات (2/ 333 - مختصره): "والأشبه بأقاويل السلف وأفعالهم في إقامة الجمعة في القرى التي أهلها أهل قرار ليسوا بأهل عمود ينتقلون، أن ذلك مراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بما رواه أبو عبد الرحمن السلمي عنه، قال: لا تشريق ولا جمعة إلا في مصر جامع، وهو عنه ثابت، فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم".
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 457): "أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إليه موقوفًا".
وعزاه في الدراية (1/ 214) لعبد الرزاق، وصحح إسناده.
وقال العيني في عمدة القاري (6/ 188) منكرًا على النووي قوله السابق: "كأنه لم يطلع إلا على الأثر الذي فيه الحجاج بن أرطاة، ولم يطلع على طريق جرير عن منصور، فإنه سند صحيح"[وقال نحوه في شرحه لأبي داود (4/ 391)].
• ورواه أيضًا: ومعمر بن راشد [ثقة]، وحجاج بن أرطاة [ليس بالقوي]:
عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي قوله.
وقال حجاج: لا جمعة ولا تشريق، ولا صلاة فطر ولا أضحى؛ إلا في مصر جامع، أو مدينة عظيمة.
أخرجه عبد الرزاق (3/ 167/ 5175) و (3/ 301/ 5719)، وابن أبي شيبة (4/ 46/ 5099 - ط. عوامة)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 188/ 2294).
وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل الحارث الأعور، وأبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث.
• وقد روى أحد الهلكى في هذا الحديث قصة يحكي فيها إنكار شعبة لهذا الحديث بإسناد غير هذين الإسنادين السابقين:
رواها عبد العزيز بن أبان، قال: قلت لشعبة: تحفظ عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي، قال: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع؟ وقال: هذا منكر؛ من حدث به؟ قلت: حدثنا أبو إسرائيل، قال: ومن أبو إسرائيل؟ قلت: شيخ من أهل الكوفة، قال: لا أعرفه، قلت: إن فيه عسرًا، قال: أيشٍ له؟.
رواها ابن عدي في الكامل (1/ 290).
ثم أسنده من طريق قيس بن الربيع [ليس بالقوي]، عن أبي إسرائيل الملائي به.
وقد أنكره أحمد على أبي إسرائيل [موضح أوهام الجمع (1/ 331)].
قلت: هذه القصة لا تثبت؛ فإن عبد العزيز بن أبان الأموي السعيدي: متروك، كذبه ابن نمير وابن معين، وقال:"كذاب خبيث، يضع الحديث"[التهذيب (2/ 581)].
وأبو إسرائيل إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة العبسي الكوفي الملائي: ليس بالقوي، سيئ الحفظ، له أغاليط، يخالف الناس في حديثه، وكان غاليًا في التشيع والرفض، يكفر عثمان رضي الله عنه[التهذيب (1/ 148)، الميزان (1/ 226) و (4/ 490)، إكمال مغلطاي (2/ 165)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1145)، التذييل على التهذيب (61)، الجامع في الجرح والتعديل (1/ 71)].
• والحاصل: فإن أثر علي صحيح ثابت عنه بالطريق الأول، ويمكن حمله على القرى المجتمعة البيوت، التي يقطنها أهلها إقامة دائمة من غير ظعن عنها ولا انتقال، خلافًا لأهل البوادي الذين ينتقلون طلبًا للماء والكلأ، وهو الوصف الذي ينطبق على أهل حرة بني بياضة، الذين أقيمت فيهم الجمعة لأول مرة بالمدينة، فجمعت المسلمين من أهل يثرب قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قرية جواثا من البحرين، ومن ثم فلا تجب الجمعة على أهل البوادي والخيام:
قال ابن القاسم في المدونة (1/ 152): "وقال مالك في القرية المجتمعة التي قد اتصلت دورها: أرى أن يجمِّعوا الجمعة، كان عليهم والٍ، أو لم يكن عليهم.
قلت: فهل حدَّ لكم مالك في عظم القرية حدًّا؟ قال: لا، إلا أنه قال: مثل المناهل التي بين مكة والمدينة، مثل الروحاء وأشباهها، قال: ولقد سمعته يقول في القرى المتصلة البنيان التي فيها الأسواق: يجمع أهلها، وقد سمعته يقول غير مرة: القرية المتصلة البنيان يجمع أهلها، ولم يذكر الأسواق".
وقال أبو داود في مسائله (400): "قلت لأحمد: قوله مصر جامع، ما معنى مصر جامع؟ قال: إذا كان فيه الناس يجتمعون".
وقال إسحاق: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، والمصر القرية الجامعة"[الأوسط (4/ 294)].
وقال أيضًا: "القرى إذا كانوا أربعين، فإنه يسعها أن يقال: هذا مصر جامع"[مسائل إسحاق الكوسج (509)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أثر علي هذا: "فلو لم يكن له مخالف؛ لجاز أن يراد به: أن كلَّ قريةٍ مصرٌ جامع، كما أن المصر الجامع يسمى قرية، وقد سمى الله مكة قريةً، بل سماها أمِّ القرى، بل وما هو أكبر من مكة، كما في قوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)} [محمد: 13]، وسمى مصر القديمة قريةً بقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: 82]، ومثله في القرآن كثير، والله أعلم"[مجموع الفتاوى (24/ 209)].
• وعلى هذا فإن قول علي هذا لا يخالف ما صح عن عمر بن الخطاب:
فقد روى شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال: كتبتُ إلى عمر بن الخطاب أسأله عن الجمعة بالبحرين؟ فكتب إليَّ: أن جمِّعوا حيثما كنتم.
أخرجه مسدد بن مسرهد في مسنده (4/ 644/ 680 - مطالب)، وابن أبي شيبة (1/ 440/ 5568)، وابن خزيمة [عزاه إليه البيهقي في المعرفة (2/ 467)]، وابن حزم في المحلى (5/ 50).
هكذا رواه عن شعبة: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وعبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس [وهم ثقات حفاظ، وفيهم اثنان من أثبت أصحاب شعبة].
• وخالفهم: مسلم بن إبراهيم [الفراهيدي: ثقة مأمون]، قال: ثنا شعبة، عن عطاء بن أبي ميمونة، أن أبا هريرة كتب إلى عمر بن الخطاب وهو بالبحرين، يسأله عن الجمعة، فكتب إليه عمر أن: جمعوا حيث ما كنتم.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (4/ 32/ 1750).
والذي يغلب على ظني أن سقوط أبي رافع من إسناد ابن المنذر قد يكون سهوًا من بعض النساخ، وليس وهمًا من مسلم بن إبراهيم، والمحفوظ رواية الجماعة، والله أعلم.
وهذا موقوف على عمر، بإسناد صحيح على شرط الشيخين [انظر: البخاري (6192)، مسلم (2141)].
قال الإمام أحمد: "هذا إسناد جيد"[المغني (2/ 91)، الفتح لابن رجب (5/ 389)].
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 380): "وصححه ابن خزيمة".
• قال البيهقي في المعرفة (2/ 467): "قال الشافعي: إن كان هذا حديثًا - يعني: ثابتًا -، ولا أدري كيف هو كان، فمعناه: في أي قرية كنتم؛ لأن مقامهم من البحرين إنما كان يكون في القرى".
• وانظر أيضًا فيما لا يصح من الموقوف: ما رواه البيهقي (3/ 177).
• ومن فقه حديثي الباب غير ما تقدم ذكره في ثنايا البحث:
قال ابن القاسم في المدونة (1/ 152): "وقال مالك في القرية المجتمعة التي قد اتصلت دورها: أرى أن يجفعوا الجمعة، كان عليهم والٍ، أو لم يكن عليهم.
قلت: فهل حدَّ لكم مالك في عظم القرية حدًّا؟ قال: لا، إلا أنه قال: مثل المناهل التي بين مكة والمدينة، مثل الروحاء وأشباهها، قال: ولقد سمعته يقول في القرى المتصلة البنيان التي فيها الأسواق: يجمع أهلها، وقد سمعته يقول غير مرة: القرية المتصلة البنيان يجمع أهلها، ولم يذكر الأسواق".
وكلامه بعد ذلك إنما هو في هذا السياق في عدم اشتراطه وصفًا زائدًا على القرية المجتمعة التي قد اتصلت دورها، سواء الأسواق، أو الوالي، أو نوع المساكن وبنيانها.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 58): "وأما اختلافهم في العدد الذي تصح به الجمعة؛ فأما مالك فلم يحدَّ فيه حدًا، وراعى القرية المجتمعة المتصلة البيوت".
وقال عبد الله بن أحمد في العلل (2/ 520/ 3430)، وفي مسائله (433 و 462):"سمعت أبي يقول في الجمعة؛ إذا كانوا أربعين رجلًا: جمعوا بإذن السلطان، قد جمع بهم أسعد بن زرارة، وكانت أول جمعة جمعت في الإسلام، وكانوا أربعين".
وقال إسحاق الكوسج في مسائله (509) سائلا أحمد وإسحاق: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع؛ قال: هذا لا شيء.
قال إسحاق: القرى إذا كانوا أربعين، فإنه يسعها أن يقال: هذا مصر جامع".
وقال أيضًا (3441 و 3442): "ذكرت له قول علي عليه السلام: لا جمعةَ ولا تشريق إلا في مصرٍ جامعٍ؟ قال: الأعمش لم يسمعه من سعد. وقال: كتب عمر رضي الله عنه أن جمِّعوا حيث ما كنتم، وأوّل جمعة جمعت بالمدينة، جمع بهم مصعب بن عمير رضي الله عنه فذبح لهم شاة فكفتهم، وكانوا أربعين، وليس ثمَّ أحكامٌ تجري، لكن أهل الشام.
قال أحمد: يقال: أقل ما يكون سبعة نفر. قلت: أليس ترى في قرى مرو؛ لو جمَّعوا؟ قال: نعم" [وانظر: مسائل أبي داود (398 - 401 و 405 - 407)، مسائل ابن هانئ (439)].
وقال ابن المنذر في الأوسط (4/ 29): "أوجب الله على الخلق اتباع كتابه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم، قال الله جل ذكره: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] الآية، وقال الله جل ذكره: "{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] الآية، فاتباع ظاهر كتاب الله يجب، ولا يجوز أن يستثنى من