الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيقال: تُقدَّم رواية نافع؛ إذ هو أعلم الناس بعلم ابن عمر من غيره، هذا من وجه، ومن وجه آخر؛ فإن عطاء بن أبي رباح رأى ابن عمر ولم يسمع منه، ورأى أبا سعيد الخدري يطوف بالبيت ولم يسمع منه، فصار أثر ابن عمر وأبي سعيد منقطعًا [انظر: المراسيل (565 و 567)، تحفة التحصيل (228)]؛ فلا يصح عنهما.
وعليه: فهذا الأثر موقوف على ابن عباس وابن الزبير بإسناد صحيح.
* وروى ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس، يقول: من صلى المكتوبة ثم بدا له أن يتطوع فليتكلم، أو فليمش، وليصلِّ أمام ذلك. قال: وقال ابن عباس: إني لأقول للجارية: انظري كم ذهب من الليل؟ ما بي إلا أن أفصل بينهما.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 416/ 3914).
وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح.
* وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو [هو: ابن دينار]، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أنه كان يأمر إذا صلى المكتوبة فأراد أن يتنفل بعدها أن لا يتنفل حتى يتكلم أو يتقدم. وربما حدثه فقال: إذا صلى أحدكم المكتوبة ثم أراد أن يصلي بعدها فلا يصلي حتى يتقدم أو يتكلم.
أخرجه الشافعي في السنن (288)، ومن طريقه: البيهقي في المعرفة (2/ 522/ 1798)[وانظر: الاستذكار (2/ 93)، الفتح لابن رجب (5/ 265)].
قال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح؛ يعني: موقوفًا على ابن عباس، وهو كما قال.
* وبهذا يكون قد اختلف الصحابة في تحول المأموم عن مكانه الذي صلى فيه الفريضة، فصح عن ابن عمر أنه كان يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة، ويحمل هذا على الفصل بالذكر، وقال بالتحول فقط: ابن الزبير، وقال بمثل حديث معاوية: ابن عباس، فخيره بين الكلام والتحول.
[وقد روي عن ابن مسعود مثل قول ابن عمر، ولا يصح عنه][رواه عبد الرزاق (2/ 419/ 3924 و 3925)، وابن أبي شيبة (2/ 23/ 6015)، والبيهقي (2/ 192)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 183)].
قلت: والأمر في ذلك واسع، والعمدة فيه على حديث معاوية الذي أخرجه مسلم، فإن اكتفى بالذكر الوارد دبر الصلاة، فقد حصل المقصود، ويغنيه عن التحول، وإن تحول فلا بأس بذلك، والله أعلم.
* * *
195 - باب السهو في السجدتين
1008 -
. . . حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - الظهر أو العصر -، قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلَّم، ثم قام إلى خشبةٍ في مُقدَّم المسجد، فوضع يديه عليها، إحداهما
على الأخرى، يُعرف في وجهه الغضبُ، ثم خرج سَرَعانُ الناسِ وهم يقولون: قُصِرَتِ الصلاة! قُصِرَتِ الصلاة! وفي الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلِّماه، فقام رجل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله! أنسيتَ أم قُصِرت الصلاة؟ قال: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، قال: بل نسيتَ يا رسول الله! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، فأومؤوا؛ أي: نعم، فرجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه، فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلَّم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر.
قال: فقيل لمحمد: سلَّم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة، ولكن نُبِّئتُ أنْ عمران بن حصين قال: ثم سلم.
* حديث صحيح
أخرجه مسلم (573/ 98)، وأبو عوانة (1/ 512/ 1915)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 173/ 1265)، وابن حبان (6/ 405/ 2688)، والطحاوي (1/ 444)، والدارقطني (1/ 366)، وابن حزم في المحلى (4/ 169)، والبيهقي في السنن (2/ 357)، وفي المعرفة (2/ 184/ 1156)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 358)، وفي الاستذكار (1/ 550).
رواه عن حماد بن زيد: محمد بن عبيد الطنافسي [وهذا لفظه]، وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني [ومن طريقه أخرجه مسلم، ولم يسق لفظه]، وسليمان بن حرب، وأسد بن موسى، وحجاج بن إبراهيم الأزرق [وهم جميعًا ثقات].
قال أبو الربيع [عند ابن حبان]: إحدى صلاتي العشي - إما قال: الظهر، وإما قال: العصر، قال: وأكبر ظني أنها العصر -، وقال أيضًا: قال [يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم]: "أكذلك؟ "، قالوا: نعم، قال: فرجع فصلى بنا ركعتين، هكذا قال، ولم يقل: فأومؤوا.
وقال أسد في روايته [عند الطحاوي]: إحدى صلاتي العشي - الظهر أو العصر، وأكثر ظني أنه ذكر الظهر -، وقال أيضًا: فقال: "أصدق ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم.
وعلى هذا فقد تفرد محمد بن عبيد الطنافسي عن حماد بلفظة: فأومؤوا، دون بقية أصحاب حماد الذين رووا هذا الحديث.
كما اختلفت الرواية عن حماد في تعيين الصلاة فيما يغلب على الظن.
* * *
1009 -
. . . مالك، عن أيوب، عن محمد، بإسناده، وحديث حماد أتم، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يقل: بنا، ولم يقل: فأومؤوا، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع، ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع، وتم حديثه، ولم يذكر ما بعده.
ولم يذكر: فأومؤوا إلا حمادُ بن زيد.
قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر، ولا ذكر: رجع.
* حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 147/ 247)، ومن طريقه:
البخاري (714 و 1228 و 7250)، وأبو داود (1009)، والترمذي (399)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 335/ 382)، والنسائي في المجتبى (3/ 22/ 1225)، وفي الكبرى (1/ 303/ 577) و (2/ 47/ 1149)، وأبو عوانة (1/ 512/ 1915)، وابن حبان (6/ 26/ 2249) و (6/ 403/ 2686)، والشافعي في الأم (2/ 280/ 259 - ط. الوفاء)، وفي اختلاف الحديث (10/ 225/ 264 - الأم)، وفي المسند (184)، وإسماعيل بن إسحاق القاضي في الخامس من مسند حديث مالك (64)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 231/ 1569)، والطحاوي (1/ 444)، والجوهري في مسند الموطأ (299)، والبيهقي في السنن (2/ 356)، وفي المعرفة (2/ 183/ 1154).
رواه عن مالك: الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (256)، ومعن بن عيسى، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وأبو مصعب الزهري (470)، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم (128 - تلخيص القابسي)، ويحيى بن يحيى الليثي (247)، ومطرف بن عبد الله اليساري، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وإسماعيل بن أبي أويس، وسويد بن سعيد الحدثاني (149)[وهم ثقات في الجملة، عدا الأخير].
ولفظه بتمامه: مالك بن أنس، عن أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة، أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أصدق ذو اليدين؟ "، فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع.
* هكذا ذكر مالك التكبير في سجود السهو، فلم يذكر التكبير مع الرفع، وإنما ذكره مع السجود فقط، هكذا عند أكثر الرواة عنه، إلا رواية موهمة عند الترمذي من طريق معن، وذلك لا يقدح في ثبوته، فقد أثبت التكبير مع الرفع: حماد بن زيد [وهو أثبت الناس في أيوب]، وتابعه عليه: ابن عيينة، وعبد الوهاب الثقفي، كما سيأتي.
* ورواه أيضًا عن أيوب:
1 -
سفيان بن عيينة: حدثنا أيوب، قال: سمعت محمد بن سيرين، يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي؛ إما الظهر، وإما العصر [وفي رواية أحمد والحميدي وابن المقرئ: وأكثر ظني أنها العصر]، فسلم في ركعتين، ثم
أتى جِذعًا في قبلة المسجد، فاستند إليها مغضبًا [وفي رواية أحمد: ثم أتى جذعًا في القبلة كان يسند إليه ظهره، فأسند إليه ظهره، وقال مرة: ثم أتى جذعًا كان يصلي إليه]، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلما، وخرج سَرَعانُ الناس: قصرت الصلاة! فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالًا، فقال:"ما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين وسلم، ثم كبر، ثم سجد [وفي رواية الحميدي: كسجوده أو أطول]، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع، قال: وأُخبِرتُ عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم.
أخرجه مسلم في الصحيح (573/ 97)، وفي التمييز (46)، وأبو عوانة (1/ 511/ 1913)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 173/ 1264)، وابن خزيمة (2/ 117/ 1035)، وا بن حبان (6/ 30/ 2255)، وابن الجارود (243)، وأحمد (2/ 247 و 248)، والحميدي (983)(1013 - ط. المأمون)، والبزار (17/ 191/ 9825)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 292/ 1679)، وقال:"هذا خبر ثابت، والقول به يجب"، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (305)(1324 - المخلصيات)، والبيهقي في السنن (2/ 354)، وفي المعرفة (2/ 183/ 1155).
رواه عن ابن عيينة: أحمد بن حنبل، والحميدي، وزهير بن حرب، وعمرو بن محمد الناقد، وابن المقرئ محمد بن عبد الله بن يزيد، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وإبراهيم بن بشار الرمادي [وهم ثقات، وأثبتهم فيه: أحمد والحميدي]، وغيرهم.
2 -
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة، من أصحاب أيوب]، قال: حدثنا أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - وأظن أنها الظهر - ركعتين، ثم قام إلى خشبة في قبلة المسجد، فوضع يديه عليها، إحداهما على الأخرى، وخرج سرعان الناس، وقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، فهابا أن يكلماه، قال: وفي القوم رجل إما قصير اليدين، وإما طويلهما، يقال له: ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله، أم نسيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"لم تقصر الصلاة، ولم أنس"، فقال: بل نسيت، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم، فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، قال: ونبئت عن عمران بن حصين أنه قال: ثم سلم.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 36/ 860)، وابن حبان (6/ 396/ 2675)، والبزار (17/ 190/ 9824).
وهو حديث صحيح.
3 -
معمر بن راشد [ثقة، وحديثه عن أهل البصرة فيه ضعف]، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فسلم في الركعتين،
ثم انصرف، فخرج سرعان الناس، فقالوا: خففت الصلاة، فقال ذو الشمالين: أخففت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: صدق، فصلى بهم الركعتين اللتين ترك، ثم سجد سجدتين وهو جالس، بعدما سلم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 299/ 3447)، ومن طريقه: أحمد (2/ 284)، واللفظ له.
وهذا الحديث لم يضبط معمر لفظه عن أيوب، كما رواه حماد ومالك وابن عيينة والثقفي من أصحاب أيوب الثقات عنه، وقد وهم فيه معمر في قوله: فقال ذو الشمالين.
* وروي أيضًا: من حديث عبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد التسليم". هكذا مختصرًا.
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 78/ 4723)، وتمام في الفوائد (381).
بإسناد فيه جهالة إلى العمري.
° ورواه مختصرًا بآخره من مرسل عمران:
عبد الرزاق: أخبرنا معمر وابن عيينة، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عمران بن الحصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"التسليم بعد سجدتي السهو".
أخرجه عبد الرزاق (2/ 301/ 3453).
وهذه الرواية وهم، ولعلها من قبل راوي المصنف، إسحاق بن إبراهيم الدبري، فقد استصغر في عبد الرزاق، وسمع منه بأخرة بعدما أضر وعمي، والمعروف في هذا: ما رواه الثقات عن أيوب فيما تقدم، وفيه قول ابن سيرين: وأُخبِرتُ عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم، يعني: من فعله صلى الله عليه وسلم، لا من قوله، وأن ابن سيرين لم يسمعه من عمران، فهو منقطع [انظر: صحيح مسلم (218/ 371) و (57/ 1668) و (1673/ 21)، التتبع للدارقطني (47 - 49)، بيان الوهم (2/ 553/ 556)، تحفة التحصيل (278)].
وانظر أيضًا في الأوهام على أيوب: علل الدارقطني (10/ 10/ 1819).
* قال أبو داود: "ولم يذكر: فأومؤوا إلا حمادُ بن زيد".
قال البيهقي معقبًا: "ولم يبلغنا إلا من جهة أبي داود عن محمد بن عبيد عن حماد بن زيد، وهم ثقات أئمة".
وقال الدارقطني في العلل (10/ 11/ 1819): "كل من رواه عن أيوب، وعن غير أيوب، عن ابن سيرين، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "أصدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم؛ إلا حماد بن زيد؛ فإنه رواه عن أيوب، وقال فيه: فأومؤوا [أي:] نعم، واختلف عن حماد".
قلت: هي لفظة شاذة، انفرد بها الطنافسي عن حماد بن زيد، دون بقية أصحاب حماد، كما تقدم بيانه في الحديث السابق، وقد رواه بلفظ:"قالوا: نعم"، جماعة الرواة عن أيوب السختياني: مالك، وابن عيينة، وعبد الوهاب الثقفي، ومعمر بن
راشد، ومما يؤكد شذوذ هذه اللفظة، رواية ابن عيينة، حيث قال:"قالوا: صدق، لم تصلِّ إلا ركعتين"، فهي لا تحتمل التأويل من جهة تصرف الرواة فيها، حتى يقال: عبروا عن الإيماء بالقول؛ لأن قوله: لم تصل إلا ركعتين، ليس تعبيرًا عن إشارتهم برؤوسهم بموافقة ذي اليدين، وإنما يعبَّر عن إشارة الموافقة بنعم وصدق، ولكن هذه العبارة الزائدة تؤكد أن الصحابة رضي الله عنهم أجابوا النبي صلى الله عليه وسلم بألسنتهم، لا بمجرد الإشارة، لا سيَّما مع مجيء الأدلة الدالة على وجوب إجابة النبي صلى الله عليه وسلم، مثل قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]، وكما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلى، قال: كنت أصلي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أجبه، [ثم أتيت، فقال: "ما منعك أن تأتيني"]، فقلت: يا رسول الله! إني كنت أصلي، فقال:"ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} "
…
الحديث [أخرجه البخاري (4474 و 4647 و 4703 و 5006)، ويأتي عند أبي داود برقم (1458)]، والله أعلم.
• وبهذا البيان يتبين ضعف قول القائل: أما كلام القوم للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن سمعوه يقول: "لم تقصر الصلاة، ولم أنس"، فمختلف فيه، ولا حجة لمن نزع به؛ لأن حماد بن زيد، وهو أثبت الناس في أيوب، روى حديث ذي اليدين عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال فيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحق ما يقول ذو اليدين؟ "، فأومؤوا؛ أي: نعم، فبان بهذا أنهم لم يتكلموا بعد أن سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"لم تقصر الصلاة، ولم أنس"، ولكنهم أومؤوا؛ أي: نعم، فعبر المحدث عن الإيماء بالقول [معالم السنن (1/ 203)، الاستذكار (1/ 542)، المجموع (4/ 99)، الفتح لابن حجر (3/ 102)].
* كذلك فإن الرواة اختلفوا على حماد بن زيد في تعيين الصلاة، وأما رواية ابن عيينة عن أيوب فوقع فيها: وأكثر ظني أنها العصر، بينما وقع في رواية الثقفي: وأظن أنها الظهر، ووقع في رواية معمر على الشك، دون ظن غالب، وأما مالك فلم يذكر في روايته كونها من صلاة العشي أصلًا، وهذه الروايات لا تجعل النفس تميل إلى ترجيح شيء من هذه الظنون؛ إلا أن اتفاق أكثر الرواة عن أيوب على أنها إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، مما لا شك فيه، والله أعلم.
* * *
1010 -
. . . بشر - يعني: ابن المفضل -: حدثنا سلمة - يعني: ابن علقمة -، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى حماد كلِّه إلى آخر قوله: نُبِّئتُ أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.
قال: قلت: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد، وأحبُّ إليَّ أن يتشهد، ولم
يذكر: كان يسميه ذا اليدين، ولا ذكر: فأومؤوا، ولا ذكر الغضب، وحديث [حماد عن] أيوب أتم.
* حديث صحيح
أخرجه ابن خزيمة (2/ 117/ 1035)، وعنه: ابن حبان (6/ 30/ 2254).
وقد رواه ابن خزيمة من طريق بشر بن المفضل عن سلمة بن علقمة به، مقرونًا بعدة أسانيد عن ابن سيرين، ثم ساق لفظ بشر بن المفضل عن ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، صلى ركعتين ثم سلم، فأتى خشبة معروضة في المسجد، فقال بيديه عليها كأنه غضبان، قال: وخرجت السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، وفي القوم رجل في يديه طولٌ، فكان يسمى ذا اليدين، فقال: يا رسول الله! أنسيت، أم قصرت الصلاة؟ فقال:"لم أنس، ولم تقصر الصلاة"، فقال:"أكما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، قال: فجاء فصلى ما كان ترك، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر.
قال: فكان ربما قالوا له: ثم سلم؟ فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم.
وعلى هذا فإن لفظ سلمة قريب جدًّا من لفظ ابن عون، وسيأتي لسلمة بن علقمة طريق أخرى في ذكر من جمع الأسانيد عن ابن سيرين يؤكد ذلك، وذلك في رواية: وهيب بن خالد، عن أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، والله أعلم.
° وعليه: فإنه يغلب على الظن أن رواية سلمة بن علقمة [وهو: ثقة حافظ، من أثبت أصحاب ابن سيرين، شرح علل الترمذي (2/ 689)]، توافق رواية حماد عن أيوب، في إثبات رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقامه الذي صلى فيه، وكذلك في إثبات التكبير عند رفع الرأس من السجود، وهي رواية الجماعة من أصحاب أيوب، وهي أيضًا تؤكد شذوذ رواية الإيماء، والله أعلم.
* ورواه سليمان بن حرب: حدثنا حماد [هو: ابن زيد]، عن سلمة بن علقمة، قال: قلت لمحمد: في سجدتي السهو تشهد؟ قال: ليس في حديث أبي هريرة [وقال في رواية: ليس في حديث أبي هريرة تشهد، وأحبُّ إليَّ أن يتشهد].
أخرجه البخاري (1228 م)، والبيهقي (2/ 355)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (1/ 472/ 782 و 783).
* ورواه ابن علية، عن سلمة بن علقمة، قال: سُئلَ محمد بن سيرين عن سجدتي الوهم: فيهما تشهُّد؟ قال: أحبُّ إليَّ أن يتشهد فيهما.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 388/ 4461).
وهو حديث صحيح.
* * *
1011 -
قال أبو داود: حدثنا علي بن نصر: حدثنا سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، وهشام، ويحيى بن عتيق، وابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين؛ أنه كبر وسجد، وقال هشام - يعني: ابن حسان -: كبر، ثم كبر وسجد.
قال أبو داود: روى هذا الحديث أيضًا حبيب بن الشهيد، وحميد، ويونس، وعاصم الأحول، عن محمد، عن أبي هريرة، لم يذكر أحدٌ منهم ما ذكر حماد بن زيد، عن هشام؛ أنه كبر، ثم كبر [وسجد].
وروى حماد بن سلمة، وأبو بكر بن عياش، هذا الحديث عن هشام؛ لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد؛ أنه كبر، ثم كبر.
* حديث صحيح، ما عدا زيادة التكبير في رواية هشام بن حسان؛ فإنها شاذة أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 354).
قال البيهقي: "تفرد به حماد بن زيد عن هشام، وسائر الرواة عن ابن سيرين ثم سائر الرواة عن هشام بن حسان لم يحفظوا التكبيرة الأولى، وحفظها حماد بن زيد رحمه الله".
* ورواه الإمام أحمد، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، في حديث ذي اليدين؛ أنه قال في سجدتي الوهم: كبر، ثم كبر، ثم كبر، قال: سمعت أيوب، قال: كبر تكبيرة واحدة، ويسمعت يحيى بن عتيق وابن عون، قال: كبر تكبيرة واحدة.
أخرجه أحمد في العلل ومعرفة الرجال (2/ 174/ 1910).
* ورواه البزار (17/ 282/ 9991)، قال: حدثنا روح بن حاتم أبو غسان [ثقة مشهور، من شيوخ البزار، الجرح والتعديل (3/ 500)، وقال: "روى عنه أبي، وسئل عنه؟ فقال: صدوق". مسند البزار (15/ 253/ 8715)، وقال: "وكان من الفهماء الثقات"، الثقات (8/ 244)، وقال: "مستقيم الحديث"، وصحح له (6533)]: نا سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين؛ أنه صلى بهم، ثم ذكر نحو حديث أيوب.
قال البزار بأنه لم يروه إلا حماد، ولا عنه إلا سليمان بن حرب.
وقال الدارقطني في الأفراد (2/ 323/ 5429 - أطرافه): "غريب من حديث يحيى بن
عتيق عن محمد، تفرد به حماد بن زيد عن يحيى، ورواه حماد بن زيد عن جماعة فيهم يحيى".
* ثم وجدت له متابعًا:
فقد رواه معلَّى بن مهدي الموصلي: حدثنا حماد بن زبد، عن أيوب وابن عون وهشام وسلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في الصلا ناسيًا، فبنى على ما صلى".
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 162/ 1582)، قال: حدثنا أحمد [يعني: ابن حمدون الموصلي، أبو نصر الخفاف، وهو: صدوق. تاريخ الإسلام (21/ 55)]، قال: نا معلى به.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حماد إلا معلى".
قال ابن رجب في الفتح (6/ 466): "وهذا مروي بالمعنى، مختصرًا من قصة ذي اليدين".
قلت: وهي متابعة ساقطة؛ لجزم الحفاظ بتفرد سليمان بن حرب به عن حماد، ومعلى بن مهدي الموصلي، قال عنه أبو حاتم:"يحدث أحيانًا بالحديث المنكر"[الجرح والتعديل (8/ 335)، اللسان (8/ 113)]، وهذا من مناكيره.
وعلى هذا فقد تفرد سليمان بن حرب بهذا الحديث عن حماد بن زيد، ولا يضره تفرده، فهو ثقة حافظ، لزم حماد بن زيد تسع عشرة سنة [التهذيب (2/ 88)].
* وأما بالنسبة لزيادة التكبير بعد السلام من الصلاب والفراغ منها، وقبل التكبير لسجود السهو؛ كالتحريم له:
* أما حديث أيوب السختياني [ثقة ثبت إمام، وهو أثبت أصحاب ابن سيرين]، فقد تقدم معنا، ولفظه في موضع الشاهد بعد أن فرغ صلى الله عليه وسلم من الركعتين:"ثم سلَّم، ثم كبر وسجد"، هكذا رواه عن أيوب: حماد بن زيد، ومالك، وابن عيينة، وعبد الوهاب الثقفي، بألفاظ متقاربة، والحاصل: أنهم قد اتفقوا على تكبيرة واحدة للسجود، ولا تحريم قبلها.
* وأما حديث عبد الله بن عون:
فقد رواه النضر بن شميل، ويزيد بن زريع، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وبشر بن المفضل، ومعاذ بن معاذ، ويزيد بن هارون، وابن أبي عدي، والحسين بن الحسن بن يسار [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ أثبات]، وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي [لا بأس به]، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [صدوق]:
عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا [وفي رواية ابن أبي عدي: ذكرها أبو هريرة، ونسيها محمد] [وفي رواية يزيد بن زريع: قال أبو هريرة: ولكني
نسيت]- قال: فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على اليسرى، وشبَّك بين أصابعه، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى، وخرجت السَرَعانُ من أبواب المسجد [وفي رواية للنضر: وخرج سرعان الناس، قال النضر: يعني: أوائل الناس]، فقالوا: قَصُرت الصلاة! وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وفي القوم رجلٌ في يديه طولٌ، يقال له: ذو اليدين، قال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال:"لم أنْسَ، ولم تُقصَر"، فقال:"أكما يقول ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، فربما سألوه [وفي رواية للنضر: فربما سألوا محمدًا]: ثم سلم؟ فيقول: نُبِّئتُ أن عمران بن حصين قال: ثم سلم. لفظ النضر [عند البخاري].
أخرجه البخاري (482)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 173/ 1264)، والنسائي في المجتبى (3/ 20/ 1224)، وفي الكبرى (1/ 303/ 578) و (2/ 46/ 1148)، وابن ماجه (1214)، والدارمي (1/ 419/ 1496)(2/ 938/ 1537 - ط. المغني)، وابن خزيمة (2/ 117/ 1035)، وابن حبان (6/ 29/ 2253) و (6/ 31/ 2256)، وأحمد (2/ 37) مقرونًا بهشام، و (2/ 234)، والبزار (17/ 237/ 9910)، وإسماعيل الصفار في الفوائد المنتقاة من حديثه (24 - رواية ابن رزقويه)، والطبراني في الأوسط (3/ 76/ 2538)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (230)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1030/ 2612)، والبيهقي في المعرفة (2/ 184/ 1157)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 358)، وابن البطر في فوائده بانتقاء أبي الحسن بن فنون (3)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 292/ 760).
وراجع الحديث المتقدم برقم (562)، في جواز تشبيك الأصابع في المسجد، وكونه محفوظًا في هذا الحديث.
• تنبيهان:
الأول: قد يقال بأن تفسير صفة الاتكاء والتشبيك مدرج في الحديث، وأنه ليس من كلام أبي هريرة، وإنما من كلام ابن عون، فقد قال يزيد بن هارون في روايته: وأرانا ابن عون، ووضع كفيه إحداهما على ظهر الأخرى، [وفي رواية: وأرانا يزيد] وأدخل أصابعه العليا في السفلى واضعًا [وفي رواية: وأصغى]، ورواه معاذ بن معاذ بنحوه، فيقال: الأقرب أن ابن عون أراد زيادة إيضاح في بيان الصفة، فبينها بفعله، مع نقلها في متن الحديث، وقد رواها جماعة الحفاظ من قول أبي هريرة، كما هو مبين في الروايات عن ابن سيرين، ولذا فقد أخرجها من هذا الوجه البخاريُّ في صحيحه.
الثاني: أدرج بعضهم قوله في آخر الحديث: ثم سلم، في حديث أبي هريرة، وإنما هو من حديث عمران، كما جاء في رواية الجماعة [انظر: سنن ابن ماجه]، وقال يزيد بن
هارون في آخر روايته: ثم رفع رأسه وانصرف، ولم يذكر حديث عمران، وأظنه مدرجًا أيضًا، والله أعلم.
• ورواه أهل الشام عن شعبة عن ابن عون مختصرًا:
رواه بقية بن الوليد، قال: حدثنا شعبة، قال: وحدثني ابن عون، وخالد الحذاء، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في وهمه بعد التسليم".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 26/ 1235)، وفي الكبرى (2/ 50/ 1159)، وأبو عوانة (1/ 515/ 1925)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (503)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 97).
وهذا إسناد حسن غريب.
• والحاصل: فإن رواية ابن عون قد اشتملت على أمور، منها:
أن نسيان تعيين الصلاة وقع من ابن سيرين، أو من أبي هريرة.
وفيها ذكر الهيئة التي قام عليها النبي صلى الله عليه وسلم مغضبًا، بعدما سلم من الركعتين.
وفيها التصريح بتكليم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: فقالوا: نعم.
وفيها إثبات رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقامه الذي صلى فيه، حيث قال:"فتقدم فصلى ما ترك"، والتقدم هنا لا ينافي الرجوع، فإنه صلى الله عليه وسلم كان مواجهًا للقوم مستدبرًا للقبلة، فتقدم ومشى أمامه حتى وصل إلى مقامه، فصلى بهم، وتؤيدها رواية يزيد بن زريع وبشر بن المفضل وابن أبي عدي: فجاء فصلى، بل أصرح منها رواية معاذ بن معاذ [عند البزار]: فرجع فصلى الذي كان ترك.
وفيها إثبات تكبيرة واحدة للسجود، حيث قال:"ثم سلم، ثم كبر وسجد".
وفيها إثبات التكبير عند الرفع من السجود.
وكل هذا ثابت صحيح من حديث ابن سيرين عن أبي هريرة، وابن عون: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين [شرح علل الترمذي (2/ 689)].
* وأما حديث بن عتيق:
فقد رواه البزار كما تقدم، وذكر بأنه نحو حديث أيوب.
* وأما حديث هشام بن حسان:
فقد رواه أبو أسامة حماد بن أسامة، وهشيم بن بشير، ووهب بن جرير، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وعبد الله بن بكر السهمي، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وحماد بن سلمة، وأبو بكر بن عياش [وهم ثمانية من الثقات]:
عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما بعد السلام". لفظ هشيم [عند الترمذي]، وفي رواية لأبي خالد:"بعد ما سلَّم وكلَّم"، وقد فرَّقه أحاديث.
ورواه عبد الله بن بكر وعبد الأعلى، عن هشام به مطولًا، ولفظ عبد الأعلى [عند
البزار]: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشاء، وأكبر ظني أنها الظهر، ثم انصرف إلى خشبة في مقدَّم المسجد فوضع يديه عليها، إحداهما على الأخرى، قال: وفي الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، قال: وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، قال: فقام رجل طويل اليدين، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: "لم أنس، ولم تقصر الصلاة"، قال: بلى يا رسول الله! قال: "أصدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فرجع فصلى بنا الركعتين الباقيتين ثم سلم، ثم كبر وهو جالس، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر.
أخرجه الترمذي (394)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 173/ 1265)، وأحمد (2/ 37) مقرونًا بابن عون، وابن أبي شيبة (1/ 386/ 4439) و (1/ 388/ 4467) و (7/ 289/ 36163)، والبزار (17/ 303/ 10050)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 311/ 1706) و (3/ 316/ 1171)، والطحاوي (1/ 444)، وهلال الحفار في جزئه عن الحسين بن يحيى القطان (78)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 273)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 351).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، قلت: وهو كما قال.
هكذا وقعت رواية الجماعة عن هشام بن حسان، متابعة لرواية الجماعة من أصحاب ابن سيرين؛ مثل: أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وعاصم بن سليمان الأحول، وغيرهم؛ إلا أنه قال: وأكبر ظني أنها الظهر.
* وعلى هذا؛ فإن رواية سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان، والتي زاد فيها التكبير بعد السلام من الركعتين، وقبل التكبير لسجود السهو، والذي وقع في الرواية كالتحريم للسجود، فإنها رواية شاذة، والله أعلم.
* وممن جمع أصحاب ابن سيرين في إسناد واحد:
1 -
وهيب بن خالد [ثقة ثبت]، رواه عن أيوب، وابن عون، وسلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، قال: وأكبر ظني أنه قد ذكر الظهر، فصلى ركعتين، ثم قام إلى خشبة في مقدَّم المسجد، فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يُعرَف في وجهه الغضب، قال: وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، فقام رجل طويل اليدين، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: "لم أنس، ولم تقصر الصلاة"، فقال: بل نسيت يا رسول الله! فأقبل على القوم، فقال:"صدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فجاء فصلى بنا الركعتين الباقيتين، ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر، وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر.
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 444)، وفي أحكام القرآن (1/ 215/ 405)، بإسناد لا بأس به إلى وهيب.
وهذا حديث صحيح.
وفي هذه الرواية تغليب الظن أنها الظهر، فوافق بذلك رواية هشام بن حسان، ورواية الثقفي عن أيوب، ولم يشذ وهيب بن خالد في روايته عن بقية أصحاب أيوب وابن عون وسلمة بن علقمة [فيما تقدم من الطرق السالفة]، وهو متابع لرواية هشام بن حسان ويزيد بن إبراهيم وعاصم الأحول.
2 -
حماد بن سلمة [وعنه: موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي، وهو: ثقة ثبت، من أروى الناس عن حماد]، عن يونس وهشام وأيوب [وفي رواية بإسناد صحيح: عن أيوب وهشام ويونس، أحسبه قال: وحميد وغيرهم]، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي فسلم في الركعتين، ثم خرج إلى خشبة معترضة في المسجد، وخرج سرعان الناس، فقام إليه رجل يقال له: ذو اليدين، فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: "لم تقصر، ولم أنس،، قال: إنك سلمت في الركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فرجع فصلى ركعتين، ثم تشهد ثم سلم، وسجد سجدتين.
أخرجه البزار (17/ 225 و 226/ 9891 و 9892).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نحفظه من حديث يونس إلا عن حماد بن سلمة؛ إلا شيخًا كان عندنا بالبصرة يكنى أبا محمد كان صاحب حديث حدث به، عن أبيه، عن مبارك بن فضالة، عن يونس، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه".
هكذا جمع حماد بن سلمة في هذا الحديث بين أيوب وهشام ويونس وحميد، وحديث أيوب وهشام مشهور، قد رواه عنهما جمع من أصحابهما، وتفرد حماد هنا بحديث يونس بن عبيد [وهو ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين. شرح علل الترمذي (2/ 689)]، وبحديث حميد الطويل [ثقة، وحماد بن سلمة أثبت الناس فيه، شرح علل الترمذي (2/ 782)]، وكان حماد بن سلمة إذا جمع الشيوخ حمل ألفاظهم على لفظ واحد منهم، ولم يميز بينها [شرح علل الترمذي (2/ 815)]، لكنه هنا لم يأت بما ينكر، فهو حديث صحيح، والله أعلم.
والحاصل: فإننا لا نستطيع أن ننسب إلى يونس بن عبيد أو إلى حميد الطويل قولًا بهذه الرواية؛ كأن نقول بأن أحدهما ذكر تكليم الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، أو رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقامه، أو زاد ذكر التشهد، ونحو ذلك، وذلك لأن هذه الألفاظ منسوبة بمجموعها إلى مجموع رواتها عن ابن سيرين، فلم نعد نميز لفظ أيِّ منهم، لكن يمكن الجزم بما جزم به أبو داود؛ بأن حميدًا ويونس بن عبيد لم يذكرا التكبير الزائد قبل تكبير سجود السهو، المذكور في رواية حماد بن زيد عن هشام بن حسان، وهي رواية شاذة، كما سبق تقريره، والله أعلم.
• ولم أقف على رواية حبيب بن الشهيد عن ابن سيرين مسندة، ويكفي في ثبوتها استشهاد أبي داود بها معلقة، وذكرها أيضًا الدارقطني في العلل (7/ 10/ 1819) في سياق ذكر من روى هذا الحديث عن ابن سيرين.
* وممن رواه أيضًا عن ابن سيرين غير من تقدم ذكرهم:
1 -
رواه يزيد بن إبراهيم التستري [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب ابن سيرين]، عن محمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي - قال محمد: وأكثر ظني العصر - ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدَّم المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذو اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: "لم أنس، ولم تقصر"، قال: بلى؛ قد نسيت، فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر.
أخرجه البخاري (1229 و 6051)، وأبو عوانة (1/ 512/ 1914)، والطحاوي (1/ 445)، والبيهقي (2/ 346 و 353)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (1/ 778/470).
أخرجه البخاري في الموضعين بإسناد واحد، قال: حدثنا حفص بن عمر: حدثنا يزيد بن إبراهيم به، وهذا لفظه في الموضع الأول، وهو في الموضع الثاني بتصرف يسير في ألفاظه، لكنه قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، فجزم بكونها الظهر بعدما كان أكثر ظنه أنها العصر، وزاد قوله صلى الله عليه وسلم:"صدق ذو اليدين؟ "، ولم يأت بها في الموضع الأول؛ فهل هذا التصرف من البخاري نفسه، أم أنه تحمله عن شيخه مرتين، مرة هكذا، ومرة هكذا، أم هذا من رواة الصحيح؟ والأخير مستبعد لكون هذين الموضعين وضع عليهما علامة التصحيح:(صح)[(2/ 68 - اليونينية ط. المنهاج) و (8/ 16 - اليونينية ط. المنهاج)]، إشارة للوقوف على هذا الاختلاف الواقع في الصحيح، وهو صحيح ثابت من جهة الرواية في صحيح البخاري، فبقي الاحتمالان الأولان، ولم أجد لابن حجر كلامًا على هذا الموضع، والله أعلم.
هكذا وقع الاختلاف في رواية أبي عمر الحوضي حفص بن عمر عند البخاري، ومن طريق حفص بن عمر هذا أخرجه أيضًا أبو عوانة؛ إلا أنه لم يسق متنه، ورواه الطحاوي من طريق الحجاج بن المنهال عن يزيد به، ولم يسق متنه أيضًا، ورواه البيهقي في الموضع الأول من طريق سليمان بن حرب والحجاج مقرونين، قالا: ثنا يزيد بن إبراهيم به، وقال: صلى إحدى صلاتي العشي - الظهر أو العصر، وأكبر ظني أنه قال: الظهر -، وزاد أيضًا:"صدق ذو اليدين؟ "، وبمثله رواه أبو نعيم الحداد، ورواه البيهقي بمثل ذلك في الموضع الثاني من طريق سليمان بن حرب وحده.
فلعل الراجح في طريق يزيد بن إبراهيم، أنه قال: وأكبر ظني أنه قال: الظهر، وأيًا
كانت تلك الصلاة؛ فإن المقصود أنها كانت إحدى صلاتي النهار الرباعية الظهر أو العصر، ومثل هذا الاختلاف لا يؤثر، وقد قضى الله تعالى على رواة هذا الحديث نسيان تعيين هذه الصلاة، حيث إنه لا فائدة ترجع على المكلف من تعيين هذا الإبهام، كما وقع كثيرًا في القرآن والسُّنَّة من إبهام أشخاص أو أزمان أو أماكن أو أوصاف لا ينتفع المكلف بتعيينها، وأن العبرة في مثل ذلك بعموم المعنى المراد، والله أعلم.
2 -
ورواه عاصم بن سليمان الأحول [ثقة]، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم سلم، فانطلق سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمود فوضع يده عليه، فعرف الغضب في وجهه، وفي القوم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه، فقال ذو اليدين: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "ما قصرت، وما علمت أني نسيت"، فقال: بلى يا رسول الله! فقال للقوم، فقالوا: صدق، قال: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه، فصلى ركعتين، ثم سلم عن يمينه وعن يساره، وسجد سجدتين، وجلس قليلًا، قال عاصم: قال أبو قلابة: ثم سلم.
أخرجه البزار (17/ 256/ 9941)، قال: وحدثنا عبد الله بن سعيد الأشج [ثقة، مذكور بالحفظ]: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي [لا بأس به، كان يدلس]: حدثنا عاصم به.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عاصم إلا المحاربي".
وقال الدارقطني في العلل (10/ 11/ 1819): "وأما عاصم الأحول؛ فرواه عنه جماعة، واتفقوا على لفظ متقارب، وزاد عليهم المحاربي في روايته عن عاصم الأحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عن يمينه وعن يساره، ولم يُذكر هذا عن ابن سيرين".
قلت: فهي زيادة شاذة، تفرد بها المحاربي، والمحفوظ من حديث عاصم الأحول بدونها.
3 -
ورواه أهل الشام عن شعبة عن خالد الحذاء مختصرًا:
رواه بقية بن الوليد، قال: حدثنا شعبة، قال: وحدثني ابن عون، وخالد الحذاء، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، "أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في وهمه بعد التسليم".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 26/ 1235)، وفي الكبرى (2/ 50/ 1159)، وأبو عوانة (1/ 515/ 1925)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (503)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 97).
وهذا إسناد حسن غريب.
4 -
ورواه ابن وهب، قال: أنبأنا عمرو بن الحارث، قال: حدثنا قتادة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثله.
يعني: بمثل حديث عراك بن مالك عن أبي هريرة؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 26/ 1234)، وفي الكبرى (1/ 302/ 576) و (2/ 50/ 1158)، وابن خزيمة (2/ 118/ 1036)، والبزار (17/ 274/ 9974)، والدارقطني (1/ 371).
• تابع ابن وهب عليه:
يحيى بن أيوب [الغافقي المصري: لا بأس به، يخطئ إذا حدث من حفظه]، عن عمرو بن الحارث، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
أخرجه البزار (17/ 278/ 9982)، بإسناد جيد إلى يحيى بن أيوب.
قلت: هذا إسناد بصري، ثم مصري، رجاله ثقات مشهورون، لكن نقل الأثرم عن أحمد، قال:"عمرو بن الحارث روى عن قتادة مناكير"[شرح علل الترمذي (2/ 699)]، وقال أيضًا:"يروي عن قتادة أشياء يضطرب فيها ويخطئ"[التهذيب (3/ 262)].
فإن قيل: هو حديث منكر؛ لتفرد عمرو بن الحارث به عن قتادة، دون أصحاب قتادة المكثرين عنه، فيقال: عمرو بن الحارث: إمام فقيه، ثقة حافظ، قال فيه أبو حاتم على تعنته في الرجال:"كان أحفظ الناس في زمانه، ولم يكن له نظير في الحفظ في زمانه"[الجرح والتعديل (6/ 225)، التهذيب (3/ 262)]، وقد أخرج له البخاري ومسلم عن قتادة ما توبع عليه [انظر: صحيح البخاري (1756 و 1764 و 5600)، صحيح مسلم (1269 و 1981)]، وحديثه هنا قد توبع عليه، فهو حديث محفوظ، والله أعلم.
• قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن قتادة إلا عمرو بن الحارث، ورواه سعيد بن أبي عروبة عن محمد بن سيرين نفسه".
5 -
ثم قال البزار (17/ 274/ 9975): ونا به محمد بن الأسود العمي: نا إبراهيم بن صدقة: نا سعيد بن أبي عروبة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قصة ذي اليدين.
قلت: ابن أبي عروبة إنما يروي عن ابن سيرين بواسطة قتادة، وإبراهيم بن صدقة: بصري صدوق، معروف بالرواية عن يونس بن عبيد وسفيان بن حسين، ولا يُعرف في أصحاب ابن أبي عروبة، لا سيما من روى عنه قبل اختلاطه، وإن كان قيل بأن عنده كتاب الطلاق عن ابن أبي عروبة [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 319/ 555)]، ومحمد بن الأسود العمي: شيخ للبزار، مقل من الحديث، لم أقف له على ترجمة.
فهو إسناد غريب جدًّا.
* وقد وهم فيه سعيد بن بشير [ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات، والإسناد إليه لا يصح، فيه: عبد الله بن الحسين بن جابر المصيصي: اتهمه ابن حبان بسرقة الحديث وقلب الأسانيد، اللسان (4/ 456)]، فرواه عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن خرباق السلمي،
…
فساق الحديث بنحوه.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 43/ 2683). وعنه: أبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1005/ 2564).
قال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 458): (ورواه أيوب السختياني وهشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، ولم يذكروا خرباقًا، وإنما أحفظ ذكر الخرباق من حديث عمران بن الحصين في قصة ذي اليدين، قال: فقام رجل يقال له: الخرباق، طويل اليدين".
قلت: هو حديث باطل.
6 -
وروى ابن وهب [ثقة حافظ]، عن سعيد بن عبد الرحمن [الجمحي: ليس به بأس، يروي أحاديث لا يتابع عليها. التهذيب (2/ 30)]، عن عبد الله بن محمد بن سيرين [فيه جهالة، ذكره ابن حبان في الثقات، وليس له غير هذا الحديث، الجرح والتعديل (5/ 157)، الثقات (7/ 41)، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (6/ 111)]، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ "أنه سجد سجدتي السهو يوم جاءه ذو البدين بعد السلام".
أخرجه ابن حبان في الثقات (7/ 41 - 42)[وفي إسناد المطبوعة خطأ]، والدارقطني في السنن (1/ 370)، وفي الأفراد (2/ 323/ 5429 - أطرافه)، وأبو محمد الخلال في ذكر من لم يكن عنده إلا حديث واحد (33).
قال الدارقطني: "غريب من حديث عبد الله بن محمد بن سيرين عن أبيه، وتفرد به سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عنه، ولا نعلم حدث به عنه غير عبد الله بن وهب".
وقال الخلال: "لم يرو عبد الله بن محمد بن سيرين عن أبيه إلا هذا الحديث".
قلت: هو حديث غريب.
7 -
ورواه طلحة بن النضر الحداني [قال أحمد: "ما أرى به بأسًا"، وقال أبو داود: "ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، العلل ومعرفة الرجال (2/ 529/ 3493)، سؤالات الآجري (582)، الجرح والتعديل (4/ 479)، الثقات (6/ 489)، تاريخ أسماء الثقات (607)، تاريخ الإسلام (10/ 283)، الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة (5/ 392)]، قال: سمعت محمد بن سيرين، سأله رجل عن الوهم، فقال: حدثنا أبو هريرة؛ أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة من صلاة النهار، وأنه صلى ركعتين ثم سلم، فخرج سرعان الناس، فقالوا: يا رسول الله! أقصرت الصلاة؟ وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "لم تقصر، ولم أنس"، فقال رجل: بأبي وأمي نسيت، إنما صليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحق ما يقول ذو اليدبن؟ "، فقالوا: صدق يا رسول الله، فقام فركع ركعتين إلى ركعتيه الأوليين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين نحوًا من سجوده في صلاته، أو أطول.
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 117/ 5972)، قال: حدثنا محمد بن علي الأحمر
الناقد [غلام طالوت: روى عنه جماعة من الأئمة المصنفين، منهم ابن حبان في صحيحه، ولم يذكره أحد بجرح، وسكت عليه أبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه، وقال الدارقطني: "ما علمت إلا خيرًا". سؤالات حمزة السهمي (81)، معجم الإسماعيلي (77)]، قال: نا نصر بن علي [الجهضمي: ثقة ثبت]، قال: أخبرني أبي [علي بن نصر بن علي الجهضمي: ثقة]، عن طلحة به.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن طلحة بن نضر الحداني إلا علي بن نصر، ويحيى بن أبي بكير الكرماني".
وهذا إسناد جيد؛ وقد أخطأ في قوله: فخرج سرعان الناس، فقالوا: يا رسول الله! أقصرت الصلاة؟، وإنما رواه ثقات أصحاب ابن سيرين، فقالوا فيه: وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة!، يعني: أنهم لم يواجهوا النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال، وإنما خرجوا من المسجد، وهم يقولون ذلك ظانين وقوع النسخ، والله أعلم.
(8 - 12) وممن رواه أيضًا عن ابن سيرين عن أبي هريرة بنحوه مرفوعًا:
قرة بن خالد السدوسي [ثقة ثبت]، وسعيد بن عبد الرحمن [أخو أبي حرة: ثقة. الجرح والتعديل (4/ 40)، اللسان (4/ 62)،، وهارون بن إبراهيم الأهوازي [ثقة][روي عن الثلاثة مقرونين بإسناد حسن غريب، وروي عن أبي حرة وحده بإسناد صحيح غريب]، ومعاوية بن عبد الكريم الضال [صدوق، ولا يصح عنه]، وأشعث بن سوار [ضعيف، وهو منكر من حديث أبي إسحاق السبيعي عنه].
أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (293 و 310)، وفي الأوسط (3/ 242/ 3040) و (3/ 329/ 3310)، وابن عدي في الكامل (2/ 431)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 590) و (4/ 32 و 266)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (1/ 331)، والخطيب في الموضح (1/ 477)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 184).
وانظر أيضًا: علل الدارقطني (10/ 7/ 1819).
* هكذا روى هذا الحديث عن ابن سيرين جماعة من الثقات، وفيهم أثبت أصحابه: أيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وسلمة بن علقمة، ويزيد بن إبراهيم التستري، وحبيب بن الشهيد، وهشام بن حسان، ويحيى بن عتيق، ويونس بن عبيد، وعاصم بن سليمان الأحول، وحميد الطويل، وقتادة، وخالد الحذاء، وطلحة بن النضر الحداني، وسعيد بن عبد الرحمن أخو أبي حرة، وقرة بن خالد السدوسي، وهارون بن إبراهيم الأهوازي، وجماعة آخرون سبق ذكرهم.
* وخالفهم فوهم في إسناده:
أبو خلدة [خالد بن دينار: ثقة]، قال: سألت ابن سيرين، قلت: أصلي وما أدري ركعتين صليت أو أربعًا؟ قال: حدثني أبو العريان؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يومًا ودخل البيت، وكان في القوم رجل طويل اليدين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذو اليدين،
…
،
وذكر الحديث بنحوه، وقال في آخره: ولم يحفظ لي أحد سلم أم لا.
أخرجه العقيلي (1/ 360 - التمهيد)، والطبراني في الكبير (22/ 371/ 930)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2978/ 6934).
هكذا رواه عن أبي خلدة: أبو نعيم الفضل بن دكين [وهو: ثقة ثبت].
قال الدارقطني في العلل (10/ 13/ 1819): "وخالفه عبد الصمد بن عبد الوارث، رواه عن أبي خلدة، عن أبي العريان، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ابنَ سيرين، وقولُ عبد الصمد: أشبه بالصواب".
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1713) عن أبي العريان: "روى عنه محمد بن سيرين مثل حديثه عن أبي هريرة في يوم ذي اليدين، وقيل: إنه أبو هريرة، وأبو العريان غلط، لم يقله إلا خالد وحده"[وانظر أيضًا: التمهيد (1/ 360)].
والحاصل: فإن حديث أبى العريان هذا حديث شاذ.
* وانظر بقية الأوهام على ابن سيرين: علل الدارقطني (10/ 12 و 13/ 1819).
قال الشافعي في الأم (2/ 282 - ط. الوفاء)، وفي اختلاف الحديث (10/ 227 - الأم):"حديث ذي اليدين: حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
* * *
1012 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وعبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة، بهذه القصة، قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقَّنه الله ذلك.
* حديث وهمٌ، غير محفوظ
أخرجه من طريق محمد بن يحيى بن فارس [الحافظ الذهلي: إمام ثقة]:
ابن خزيمة (2/ 124/ 1040).
ولفظه عند ابن خزيمة: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ركعتين، فقال له ذو الشمالين، من خزاعة حليف لبني زهرة: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال: "كل لم يكن"، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فأتم ما بقي من صلاته، ولم يسجد سجدتي السهو حين يقَّنه الناس.
* ورواه أبو جعفر بن البختري في الحادي عشر من حديثه (12)(508 - مجموع مصنفاته)، قال: حدثنا محمد بن الهيثم بن حماد [وهو إمام حافظ ثبت. التقريب (904)، السير (13/ 156)]، قال: حدثنا محمد بن كثير به، وقال فيه: فقام عبد بن عمرو بن نضلة من خزاعة حليف لبني زهرة، وغاير في بعض ألفاظه.
ثم رواه ابن البختري بعده بعدة أحاديث مرتين (19 و 20) بنفس إسناده، فقال في إسناده مرة: عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وقال في متنه مرة: فقام ذو الشمالين عمرو بن نضلة، وقال مرة:"كلا لم يكن"، وقال أخرى:"كل ذاك لم يكن"، وقال في المواضع الثلاثة:"أصدق ذو الشمالين؟ "، ومرة يذكر: فلما يقَّنه الناس، ومرة لا يذكرها، وكل هذا الاختلاف إنما هو من محمد بن كثير، كما أشار إلى ذلك شيخ ابن البختري: محمد بن الهيثم بن حماد، وقد رواه من طريقه أيضًا بأحد الوجوه المتقدم ذكرها؛ إلا أنه قال: ابن عبد عمرو بن نضلة من خزاعة:
ابن عبد البر في التمهيد (11/ 202).
وهذا مما يدل على أن ابن كثير هذا لم يكن يضبط هذا الحديث، وأنه كان يضطرب فيه، والله أعلم.
ومحمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة، صاحب الأوزاعي؛ إلا أنه لم يكن يفهم الحديث، وهو صدوق كثير الغلط، وهو ضعيف الحديث في معمر خاصة [تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (236)، وفي الحديث (386)]:
وقد ترجم ابن خزيمة لهذا الحديث بقوله: "باب ذكر خبر روي في قصة ذي اليدين، أدرج لفظه الزهري في متن الحديث، فتوهم من لم يتبحر العلم ولم يكتب من الحديث إلا نتفًا أن أبا هريرة قال تلك اللفظة التي قالها الزهري في آخر الخبر، وتوهم أيضًا أن هذا الخبر الذي زاد فيه الزهري هذه اللفظة خلاف الأخبار الثابتة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد يوم ذي اليدين بعدما أتم صلاته".
ثم قال في موضع آخر (2/ 127): "فقوله في خبر محمد بن كثير عن الأوزاعي في آخر الخبر: ولم يسجد سجدتي السهو حين لقنه الناس؛ إنما هو من كلام الزهري، لا من قول أخبرنا هريرة".
* قلت: تابع ابن كثير على وصله:
1 -
الوليد بن مسلم: نا عبد الرحمن بن عمرو، قال: سألت الزهري عن رجل سها في صلاته فتكلم، فقال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، وعبيد الله بن عبد الله؛ أن أبا هريرة قال: ثم ذكر نحو حديثهم في قصة ذي اليدين.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 125 - 126/ 1044)، قال: حدثنا محمد [يعني: ابن يحيى الذهلي: ثقة حافظ إمام]: نا سليمان بن عبد الرحمن: نا الوليد به.
قلت: هو حديث غريب من حديث الوليد بن مسلم، إن كان تفرد به سليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل، وهو دمشقي صدوق، إلا أن له مناكير، وقد أنكر عليه بعض الحفاظ حديثه عن الوليد في الدعاء لحفظ القرآن [انظر: جامع الترمذي (3570)، تذكرة الحفاظ (2/ 438)، السير (11/ 136)، الميزان (2/ 213)، التهذيب (2/ 101)]،
لا سيما ولم يذكر الدارقطني في العلل (9/ 375/ 1810) طريق الوليد بن مسلم هذه أثناء سرده الاختلاف على الأوزاعي في هذا الحديث.
ب - مبشر بن إسماعيل الحلبي [ثقة]، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في الركعتين، فقال له ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة - وهو رجل من خزاعة حليف لبني زهرة -: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال: "لم تقصر، ولم أنس"، قال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على من صلى معه، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة، ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان في وهم الصلاة حين لقنه الناس.
أخرجه أبو يعلى (10/ 244/ 5860)، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي [ثقة حافظ]: حدثنا مبشر به.
* خالفهم فأرسله:
محمد بن يوسف الفريابي [ثقة، مكثر عن الأوزاعي]، وعمر بن عبد الواحد [السلمي، أبو حفص الدمشقي: ثقة، من أثبت أصحاب الأوزاعي، قال مروان بن محمد الطاطري: "نظرنا في كتب أصحاب الأوزاعي فما رأينا أحدًا أصح حديثًا عن الأوزاعي من عمر بن عبد الواحد". التهذيب (3/ 242)]، وعبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين [كاتب الأوزاعي، صدوق، لينه جماعة، وكان يخالف في حديثه، ويخطئ في حديث الأوزاعي، لكن ذهب هشام بن عمار إلى القول بأنه أثبت أصحاب الأوزاعي. تاريخ دمشق (34/ 57)، شرح علل الترمذي (2/ 730)، التهذيب (2/ 474)، التقريب (564)]:
قال الفريابي: نا الأوزاعي: حدثني الزهري: حدثني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، بهذه القصة، ولم يذكروا أبا هريرة، وانتهى حديث الفريابي عند قوله: فأتم ما بقي من صلاته.
وقال فيه ابن أبي العشرين: فأتم ما بقي من الصلاة، لم يسجد السجدتين اللتين يسجدان في وهم الصلاة حين ثبته الناس.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 124/ 1041)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 203).
قال الدارقطني في العلل (9/ 375/ 1810): "وخالفه [يعني: محمد بن كثير]: عمر بن عبد الواحد، والفريابي، وابن أبي العشرين، فرووه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن الثلاثة مرسلًا".
قلت: وهذا هو الأشبه عن الأوزاعي مرسلًا، وإن كان يحتمل أن الأوزاعي حدث به الآخرين موصولًا أيضًا.
والأوزاعي: قال فيه الجوزجاني: "ربما يهم عن الزهري"، وقال ابن معين:"الأوزاعي في الزهري: ليس بذاك أخذ كتاب الزهري من الزبيدي"، وقال يعقوب بن
شيبة: "الأوزاعي: ثقة ثبت، إلا روايته عن الزهري خاصة فإن فيها شيئًا"، وقال عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي:"ودفع إليَّ الزهري صحيفة، وقال: اروها عني"[شرح علل الترمذي (2/ 674)، التهذيب (2/ 538)].
* * *
1013 -
. . . يعقوب - يعني: ابن إبراهيم -، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره؛ أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر، قال: ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شكَّ حين لقَّاه الناس.
قال ابن شهاب: وأخبرني بهذا الخبر سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.
قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله.
قال أبو داود: رواه يحيى بن أبي كثير، وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، [والعلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، جميعًا]، عن أبي هريرة، بهذه القصة، ولم يذكر أنه سجد السجدتين.
قال أبو داود: ورواه الزبيدي، عن الزهري، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال فيه: ولم يسجد سجدتي السهو.
* حديث وهمٌ، غير محفوظ
أخرجه مسلم في التمييز (44 و 45)، والنسائي في المجتبى (3/ 25/ 1231)، وفي الكبرى (1/ 301/ 571) و (2/ 49/ 1155)، وابن خزيمة (2/ 126/ 1048) و (2/ 127/ 1051)، والبيهقي (2/ 358).
رواه عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري [وهو: ثقة]: حجاج بن أبي يعقوب [واللفظ له]، وأبو داود سليمان بن سيف الحراني، ومحمد بن يحيى الذهلي، والحسن بن علي بن محمد الحلواني، والعباس بن محمد الدوري [وهم ثقات حفاظ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، نسبه حجاج إلى جده].
ولفظ الدوري والحسن الحلواني [عند مسلم والبيهقي]: عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب الزهري؛ أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره؛ أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين ثم سلم، فقال ذو الشمالين ابن عبد [عمرو]: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تقصر الصلاة، ولم أنس"، فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم، فقال:"أصدق ذو الشمالين؟ "[وفي رواية الحلواني: ذو اليدين]، فقالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من
الصلاة، ولم يسجد السجدتين اللتين تسجدان إذا شك الرجل في صلاته، حين لقَّاه الناس.
قال ابن شهاب: أخبرني هذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه.
قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبيد الله بن عبد الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
° قلت: اختلف على الزهري في هذا الحديث:
1 -
فرواه الأوزاعي: حدثني الزهري: حدثني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، بهذا الحديث، ولم يذكر أبا هريرة، وروي عنه موصولًا أيضًا، والمرسل أشبه.
2 -
ورواه صالح بن كيسان، عن الزهري، عن ابن أبي حثمة مرسلًا، وعن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وعبيد الله بن عبد الله، موصولًا.
3 -
ورواه مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار: الظهر أو العصر، فسلم من اثنتين، فقال له ذو الشمالين - رجلٌ من بني زهرة بن كلاب -: أقصرت الصلاة يا رسول الله! أم نسيت؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قصرت الصلاة، وما نسيت"، فقال ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين؟ "[وفي رواية: "ذو الشمالين"]، فقالوا: نعم يا رسول الله! فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة، ثم سلم.
ثم رواه مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، مثل ذلك.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 148 و 149/ 249 و 250 - رواية يحيى بن يحيى الليثي)، (258 - رواية القعنبي)، ومن طريقه: ابن خزيمة (2/ 1126 / 1047 و 1050)، والبيهقي في المعرفة (2/ 185/ 1159).
قلت: هكذا رواه مالك عن الزهري عن شيوخه الثلاثة مرسلًا، ووهم بعض الضعفاء فوصله عن مالك به.
قال ابن عبد البر في التمهيد (7/ 55): "ولم يسند هذا الحديث فيما علمت أحدٌ من الرواة عن مالك؛ إلا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح بن سليمان، فإنه رواه عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
ثم أسنده ابن عبد البر من طريق عبد الحميد هذا، وهو: ضعيف.
قال الدارقطني: "تفرد به عبد الحميد بن سليمان عن مالك مسندًا، ورواه أصحاب الموطأ عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكروا أبا هريرة".
4 -
ورواه شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: أخبرني أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في صلاته". هكذا مرسلًا مختصرًا.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 126/ 1049).
5 -
ورواه معمر بن راشد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبي هريرة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فسلم [وفي المصنف: فسها] في ركعتين وانصرف، فقال له ذو الشمالين ابن عمرو [وفي المصنف: ابن عبد عمرو، وكان حليفًا لبني زهرة]: أنقصت [وفي المصنف: أخُفِّفت] الصلاة أم نسيت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يقول ذو اليدين؟ "، فقالوا: صدق يا نبي الله، فأتم بهم الركعتين اللتين نقص [ثم سلم]. [وفي المصنف: قال الزهري: وكان ذلك قبل بدر، ثم استحكمت الأمور بعدُ]، وانتهت رواية أحمد وابن رافع إلى قوله: نقص، وهما أثبت من رواه عن عبد الرزاق، وأقدمهم منه سماعًا.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 296/ 3441)، ومن طريقه: النسائي في المجتبى (3/ 24/ 1230)، وفي الكبرى (1/ 301/ 570) و (2/ 49/ 1154)، وابن خزيمة (2/ 126/ 1046)، وابن حبان (6/ 402/ 2685)، وأحمد (2/ 271)، والبزار (14/ 288/ 7893)، والبيهقي (2/ 341 و 358).
رواه عبد الرزاق عن معمر به، ورواه عن عبد الرزاق: أحمد بن حنبل، ومحمد بن يحيى الذهلي [وهما ثقتان حافظان]، ومحمد بن رافع [ثقة مأمون، مكثر عن عبد الرزاق، رحل مع أحمد]، وإسحاق بن إبراهيم الدبري [راوي مصنف عبد الرزاق، وهو: صدوق؛ إلا أن سماعه من عبد الرزاق متأخر جدًّا، وقد سمع منه بعد ما عمي، وروى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة. انظر: اللسان (2/ 36)].
هكذا رواه الجماعة عن عبد الرزاق، وفيهم الإمام أحمد، وهو ممن سمع من عبد الرزاق قبل ذهاب بصره، وقد صحبه ابن رافع في الرحلة، وأما الذهلي، فقال فيه أحمد:"قدم على عبد الرزاق مرتين، إحداهما بعدما عمي"، وأما الدبري فإنه ممن تأخر سماعه.
• وشذ أحمد بن منصور الرمادي [وهو ثقة حافظ][وروايته عند البزار والبيهقي]، فزاد فيه قول الزهري السابق ذكره عند عبد الرزاق في مصنفه، وزاد أيضًا: قال الزهري: ثم سجد سجدتين بعدما فرغ.
وهذه الزيادة الأخيرة لا تصح من حديث الزهري؛ فإن أصحاب الزهري قد رووا عنه أنه كان ينفي وقوع سجود السهو في هذه الصلاة، معللًا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك السجود حين استيقن، كما سبق بيان ذلك في رواية صالح بن كيسان.
وأخاف أن يكون هذا بسبب تأخر سماع الرمادي من عبد الرزاق، فإنه متأخر الوفاة عن طبقة الذين سمعوا من عبد الرزاق قبل ذهاب بصره، والله أعلم.
6 -
ورواه يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة، عن أبى هريرة، قال: نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم في سجدتين، فقال له ذو الشمالين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أصدق ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 1229/24)، وفي الكبرى (1/ 569/301) و (2/ 48/ 1153).
هكذا رواه أبو ضمرة [أنس بن عياض، وهو: ثقة]، عن يونس به مختصرًا.
° ورواه بتمامه: الليث بن سعد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني ابن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أن أبا هريرة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فسلم في ركعتين من إحداهما، فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وهو حليف بني زهرة: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم أنس، ولم تقصر"، قال ذو الشمالين: قوإن بعض ذلك، فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، يا رسول الله! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة، ولم يحدثني أحد منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين وهو جالس في تلك الصلاة، وذلك فيما نرى - والله أعلم - من أجل أن الناس يقنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استيقن.
أخرجه الدارمي (1/ 420/ 1497)(2/ 939/ 1538 - ط. المغني)، وابن خزيمة (2/ 125/ 1042)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 351/ 951)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 35).
قال البغوي: "ولا أعلم أسنده عن أبى هريرة غير ليث عن يونس عن الزهري".
قلت: تابعه على وصله معمر وعقيل بن خالد وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي، ووصله صالح بن كيسان عن الأربعة وأرسله عن ابن أبى حثمة، واختلفت الرواية على الأوزاعي والمرسل أشبه.
° هكذا رواه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث عن الليث به، وتابعه عليه:
ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر،. . . بمثل حديث أبى صالح، إلى قوله: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة؛ فلم يذكر كلام الزهري في آخر الحديث.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 125/ 1043)، وابن حبان (6/ 28 - 29/ 2252) و (6/ 401 - 402/ 2684)، والبيهقي (2/ 362 - 363).
قلت: ورواية أبى ضمرة أنس بن عياض، وعبد الله بن وهب أولى بالصواب، من
رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث؛ وأظن الوهم منه في هذه الزيادة؛ فإنه كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة، وله رواية أخرى عن الليث يأتي ذكرها تدل على عدم ضبطه لهذا الحديث.
° ورواه عن يونس فخلط فيه وأدرج:
أيوبُ بن سويد الرملي [وهو: ضعيف، صاحب مناكير. انظر: التهذيب (1/ 204). الميزان (1/ 287)]، قال: حدّثنا يونس بن يزيد به؛ إلا أنه زاد في آخره: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة، وسجد سجدتين وهو جالس.
أخرجه البزار (14/ 136/ 7653) و (14/ 356/ 8056)، قال: حدثنا أحمد بن الفرج، قال: نا أيوب به.
وأحمد بن الفرج، أبو عتبة الحجازي الحمصي: ضعفه أهل بلده: محمد بن عوف، وابن جوصاء، وغيرهما، وخفي أمره على الغرباء؛ فحسنوا الرأي فيه، وأهل بلد الرجل أعلم بحاله من غيرهم [انظر: اللسان (1/ 575) وغيره].
هكذا أُدرج بعض كلام الزهري في المرفوع، على عكس ما قال الزهري؛ فإن الزهري نفى وقوع سجود السهو، وهذا أدرجه مثبتًا.
• ثم وجدت الدارقطني أخرجه في العلل (9/ 379/ 1810)، قال: ثنا المحاملي: ثنا أحمد بن الفرج به، بمثل حديث أبى صالح عن الليث بن سعد؛ فالله أعلم.
7 -
ورواه ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، عن أبى بكر بن سليمان بن أبى حثمة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عمن يقنعان بحديثه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في صلاة العصر أو صلاة الظهر، ثم سلم، فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو: يا نبي الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم تقصر، ولم أنس"، فقال له ذو الشمالين: بلى، بأبي يا نبي الله، قد كان بعض ذلك، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم يا نبي الله، فقام إلى الصلاة حين استيقن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 297/ 3442). وعلقه ابن عبد البر في التمهيد (1/ 366).
هكذا أدرج ابن جريج آخره في الحديث، وإنما هو من قول الزهري.
8 -
ورواه عقيل بن خالد، قال: حدثني ابن شهاب، عن سعيد، وأبي سلمة، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن أبى حثمة، عن أبى هريرة؛ أنه قال:"لم يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ قبل السلام ولا بعده".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 25/ 1232)، وفي الكبرى (1/ 301 - 302/ 572) و (2/ 49/ 1156).
من طريق شعيب بن الليث [ثقة نبيل فقيه، من أثبت الناس في أبيه. التقريب (438)، سؤالات ابن بكير (53)]، عن أبيه الليث بن سعد، عن عقيل به.
هكذا رواه الليث بن سعد عن يونس بن يزيد مطولًا، وعن عقيل بن خالد مختصرًا،
ويحتمل من الليث مثل ذلك، لسعة مروياته وحفظه وإتقانه، لا سيما مع اختلاف المتن، وشعيب وأبو صالح من خاصة أصحابه، ومن المكثرين عنه، والله أعلم.
9 -
ورواه الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وابن أبى حثمة، عن أبى هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد يوم ذي اليدين.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 126/ 1045)، والطبراني في الأوسط (8/ 295/ 8681).
من طريق أبى صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد سبق الكلام عليه، وهذا عندي من تخليط أبى صالح في إسناد هذا الحديث ومتنه، وهو هنا اختصر الحديث، وأدرج قول الزهري، فجعله من كلام أبى هريرة، وأسقط من إسناده يونس بن يزيد بين الليث وابن شهاب.
قال ابن خزيمة (2/ 127) عن أبى صالح: (فإنه سها في الخبر وأوهم الخطأ في روايته، فذكر آخر الكلام الذي هو من قول الزهري مجردًا عن أبى هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد يوم ذي اليدين، ولم يحفظ القصة بتمامها، والليث في خبره عن يونس قد ذكر القصة بتمامها، وأعلم أن الزهري إنما قال: لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، أنه لم يحدثه أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد يومئذٍ، لا أنهم حدثوه عن أبى هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد يومئذٍ".
10 -
ورواه ابن أبى ذئب، عن الزهري، قال: سألت أهل العلم بالمدينة، فما أخبرني أحد منهم أنه صلاهما؛ يعني: سجدة السهو يوم ذي اليدين.
أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (2851)، والطحاوي (1/ 453).
11 -
ورواه عبد الرحمن بن نمر اليحصبي، قال: وسألت الزهري عن رجل سهى في صلاته؟ فقال: أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود؛ أن أبا هريرة قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنتين، فقال ذو الشمالين بن عبد بن عمرو بن نضلة: قصرت الصلاة أم نسيت؟. . .، فساق الحديث بنحوه؛ إلى أن قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من صلاته.
أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 120/ 2886)، وشيخ الطبراني: أبو عامر محمد بن إبراهيم بن أبى عامر النحوي الصوري: فيه جهالة.
12 -
قال أبو داود: "ورواه الزبيدي، عن الزهري، عن أبى بكر بن سليمان بن أبى حثمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال فيه: ولم يسجد سجدتي السهو".
وقال الدارقطني في العلل (9/ 378/ 1810): "ورواه الزبيدي وعبد العزيز بن الماجشون، عن الزهري، عن أبى بكر بن سليمان بن أبى حثمة مرسلًا".
* قلت: وحاصل الاختلاف على الزهري في إسناد هذا الحديث أنه قد:
• رواه مالك، والزبيدي، وشعيب بن أبى حمزة، عن الزهري به مرسلًا.
• ورواه معمر بن راشد، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي، والليث بن سعد أولا يصح عنه،، عن الزهري به موصولًا.
ورواه صالح بن كيسان موصولًا عن الأربعة، وأرسله عن ابن أبى حثمة.
واختلفت الرواية على الأوزاعي والمرسل أشبه.
ورواه ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، عن أبى بكر بن سليمان بن أبى حثمة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عمن يقنعان بحديثه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم.
هكذا اختلف أصحاب الزهري عليه اختلافًا شديدًا، والأقرب أن هذا الاختلاف إنما هو من الزهري نفسه، كما جزم بذلك الحفاظ، وأنه قد اضطرب في إسناده، وغلط في متنه، والله أعلم.
* فحديث الزهري هذا قد تكلم فيه الأئمة من أوجه، وأنه قد غلط فيه في مواضع منه:
° قال الشافعي في الأم (2/ 283 - ط. الوفاء)، وفي اختلاف الحديث (10/ 229 - الأم):"قال [يعني: المخالف]: أفذو اليدين الذي رويتم عنه؛ المقتول ببدر؟ قلت: لا؛ عمران يسميه الخرباق، ويقول: قصير اليدين، أو مديد اليدين، والمقتول ببدر ذو الشمالين، ولو كان كلاهما ذو اليدين؛ كان اسمًا يشبه أن يكون وافق اسمًا كما تتفق الأسماء".
وأنكر أحمد أن يكون ذو اليدين قتل ببدر [قاله ابن رجب في الفتح (6/ 466)].
وقال مسلم في التمييز ص (183): "وخبر ابن شهاب هذا في قصة ذي اليدين: وهمٌ، غير محفوظ؛ لتظاهر الأخبار الصحاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا. [ثم ذكر حديث ابن سيرين عن أبى هريرة، وحديث ابن عمر، وحديث عمران بن حصين، ثم قال:] كل هؤلاء ذكروا في حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سها في صلاته يوم ذي اليدين سجد سجدتين بعد أن أتم الصلاة"، ثم قال:"فقد صح بهذه الروايات المشهورة المستفيضة في سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين: أن الزهري واهمٌ في روايته؛ إذ نفى ذلك في خبره من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقد نقل بعضهم في ذلك عن مسلم قوله: "قول ابن شهاب: إنه [صلى الله عليه وسلم]، لم يسجد يوم ذي اليدين: خطأ وغلط، وقد ثبت سجوده من رواية الثقات ابن سيرين وغيره"[شرح البخاري لابن بطال (3/ 222)، الفتح لابن رجب (6/ 458)، البدر المنير (4/ 217)].
وقال محمد بن يحيى الذهلي: "وهذه الأسانيد عندنا محفوظة عن أبى هريرة؛ إلا حديث أبى بكر بن سليمان بن أبى حثمة؛ فإنه يتخالج في النفس منه أن يكون مرسلًا؛ لرواية مالك، وشعيب، وصالح بن كيسان، وقد عارضهم معمر، فذكر في الحديث أبا هريرة، والله أعلم"[عند ابن خزيمة (2/ 127)].
وقال ابن خزيمة: "فقوله في خبر محمد بن كثير عن الأوزاعي في آخر الخبر: ولم
يسجد سجدتي السهو حين لقنه الناس، إنما هو من كلام الزهري، لا من قول أبى هريرة، ألا ترى محمد بن يوسف لم يذكر هذه اللفظة في قصته، ولا ذكره ابن وهب عن يونس، ولا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن عمرو، ولا أحد ممن ذكرت حديثهم، خلا أبى صالح عن الليث عن ابن شهاب؛ فإنه سها في الخبر وأوهم الخطأ في روايته، فذكر آخر الكلام الذي هو من قول الزهري مجردًا عن أبى هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد يوم ذي اليدين، ولم يحفظ القصة بتمامها، والليث في خبره عن يونس قد ذكر القصة بتمامها، وأعلم أن الزهري إنما قال: لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، أنه لم يحدثه أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد يومئذ، لا أنهم حدثوه عن أبى هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد يومئذ، وقد تواترت الأخبار عن أبى هريرة من الطرق التي لا يدفعها عالم بالأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو يوم ذي اليدين"، ثم قال ابن خزيمة: "قد أمليت خبر شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وطرق أخبار يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وطرق أخبار محمد بن سيرين عن أبى هريرة، وخبر داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو".
وقال أبو عوانة (1/ 513): "قال بعض الناس: ذو اليدين وذو الشمالين واحد، ويحتجون بحديث رواه الزهري، فقال فيه: فقام ذو الشمالين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ ويطعنون في هذا الحديث بأن ذا الشمالين قتل يوم بدر، وأن أبا هريرة لم يدركه؛ لأنه أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين أو أربع، وليس كما يقولون؛ وذلك: أن ذا اليدين ليس هو ذو الشمالين؛ لأن ذا اليدين رجل قد سماه بعضهم الخرباق، عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات بذي خشب على عهد عمر، وذو الشمال هو ابن عمرو حليف لبني زهرة، وقد صح في هذه الأحاديث أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة".
وقال ابن بطال في شرح البخاري (3/ 222): "وقد اضطرب الزهري في رواية حديث ذي اليدين، فجعله ذا الشمالين المقتول ببدر، وترك العلماء حديثه".
وقال البيهقي في السنن (2/ 358): "وهذا حديث مختلف فيه على الزهري، فرواه صالح بن كيسان هكذا، وهو أصح الروايات فيما نرى، حديثه عن ابن أبى حثمة مرسل، وحديثه عن الباقين موصول، وأرسله مالك بن أنس عنه عن ابن أبى حثمة وابن المسيب وأبي سلمة، وأسنده يونس بن يزيد عنه عن جماعتهم دون روايته عن ابن أبى حثمة، وأسنده معمر عنه عن أبى سلمة وأبي بكر بن سليمان بن أبى حثمة"، قلت: بل هو اضطراب من الزهري نفسه.
ثم قال بعد ذلك: "قال الزهري: ثم اسجد سجدتين بعد ما تفرغ، وهذا يدل على أنه لم يسمعهم ذكروا له سجدتيه وقد سجدهما، حتى أخبر به عن نفسه، واختلف على ابن أبى ذئب عن سعيد المقبري عن أبى هريرة رضي الله عنه في هذه القصة، وقد ثبت عن محمد بن
سيرين عن أبى هريرة رضي الله عنه، ثم عن سعد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما".
وقال في المعرفة (2/ 186): "وهذا حديث مختلف فيه على الزهري، فرواه عنه مالك هكذا مرسلًا عن هؤلاء الثلاثة، وأسنده معمر بن راشد عنه عن أبى سلمة وأبي بكر بن سليمان عن أبى هريرة، وأسنده يونس بن يزيد عنه عن سعيد وأبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله أن أبا هريرة قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه صالح بن كيسان فأرسل حديثه عن أبى بكر بن أبى حثمة وأسند إليه حديثه عن الباقين، وكان محمد بن يحيى الذهلي يميل إلى تصحيح هذه الرواية.
وفي متن هذا الحديث تقصير من وجهين: إحداهما: في ذكر ذي الشمالين، وإنما هو ذو اليدين، ذو الشمالين تقدم موته فيمن قتل ببدر، وذو اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال. والآخر: في ترك ذكر سجدتي السهو فيه، وكان الزهري لا يحفظهما في حديثهم، وكان قد بلغه ذلك من وجه آخر، روى عنه معمر هذا الحديث ثم قال في آخره: قال الزهري: ثم اسجد سجدتين بعدما تفرغ، ورواه سعد بن إبراهيم وهو من الأثبات عن أبى سلمة عن أبى هريرة، قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فذكره، وقال فيه: ذو اليدين، وقال في آخره: ثم سجد سجدتي السهو، وأخرجه البخاري في الصحيح، ورواه يحيى بن أبى كثير عن أبى سلمة عن أبى هريرة، قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فذكره، وقال فيه: ذو اليدين رجل من بني سليم، ثم لم يحفظ يحيى السجود فيه عن أبى سلمة، فقال: وحدثني ضمضم أنه سمع أبا هريرة يقول: ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين، والحديث مخرج في كتاب مسلم دون سياق تمام متنه، وفي هذا كل دلالة على شهود أبى هريرة القصة، وأن قول من قال: قوله: صلى بنا، يعني: صلى بالمسلمين؛ إن جاز ذلك فيه مع ترك الظاهر لم يجز في قوله: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما ذكرنا دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو في قصة ذي اليدين، ولا يفعلان إلا بعد تحريم الكلام، والسلام بمنزلة الكلام إذا وقع في غير موضعه، وفيه دلالة على أن الذي أخبره إنما هو ذو اليدين، ومن قال فيه: ذو الشمالين، فقد وهم، والله أعلم".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 343): "وليس في حديث مالك هذا السلام من سجدتي السهو، وذلك محفوظ في غيره،. . .، وقد كان ابن شهاب ينكر أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد يوم ذي اليدين، ولا وجه لقوله ذلك؛ لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره؛ أنه سجد يومئذ بعد السلام".
وقال في التمهيد أيضًا (1/ 363)، وفي الاستذكار (1/ 551):"وممكن أن يكون رجلان أو ثلاثة يقال لكل واحد منهم: ذو اليدين وذو الشمالين، ولكن المقتول يوم بدر غير الذي تكلم في حديث أبى هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين سها فسلم من اثنتين، وهذا قول أهل الحذق والفهم من أهل الحديث والفقه"، ثم أسند إلى مسدد بن مسرهد قوله: "الذي
قتل يوم بدر إنما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو، حليف لبني زهرة، وهذا ذو اليدين رجل من العرب كان يكون بالبادية فيجيء فيصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقال أيضًا (1/ 364): "وأما قول الزهري في هذا الحديث أنه ذو الشمالين؛ فلم يتابع عليه، وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر، وقد اضطرب على الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابًا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته خاصة"، ثم ذكر الاختلاف عليه فيه، ثم قال: وهذا اضطراب عظيم من ابن شهاب في حديث ذي اليدين، وقال مسلم بن الحجاج في كتاب التمييز له: قول ابن شهاب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو خطأ وغلط، وقد ثبت عن النبي عليه السلام أنه سجد سجدتي السهو ذلك اليوم من أحاديث الثقات ابن سيرين وغيره.
قال أبو عمر: لا أعلم أحدًا من أهل العلم والحديث المنصفين فيه عوَّل على حديث ابن شهاب في قصة ذي اليدين لاضطرابه فيه، وأنه لم يقم له إسنادًا ولا متنًا، وإن كان إمامًا عظيمًا في هذا الشأن، فالغلط لا يسلم منه أحد، والكمال ليس لمخلوق، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم، فليس قول ابن شهاب أنه المقتول يوم بدر حجة؛ لأنه قد تبين غلطه في ذلك،. . .
قال أبو عمر: ذو الشمالين المقتول يوم بدر: خزاعي، وذو اليدين الذي شهد سهو النبي عليه السلام: سلمي" [وقال نحوه في الاستذكار (1/ 552)، وانظر أيضًا: الاستيعاب (2/ 476)].
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 515): "وفي رواية ابن شهاب: ذو الشمالين رجل من بني زهرة، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، قالوا: لأن ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير، وهو من بني سليم، فهو ذو اليدين المذكور في الحديث، وهذا لا يصح لهم، وإن كان قُتلَ ذو الشمالين يوم بدر فليس هو بالخرباق، هو رجل آخر حليف لبني زهرة، اسمه: عمير بن عبد عمرو من خزاعة؛ بدليل رواية أبى هريرة حديث ذي اليدين ومشاهدته خبره، ولقوله: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، واسلام أبى هريرة بخيبر بعد يوم بدر بسنين، فهو غير ذي الشمالين المستشهد يوم بدر، وقد عدوا قول ابن شهاب فيه هذا من وهمه".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 458): "الذي يظهر - والله أعلم -: أن الزهري روى هذا الحديث عن سعيد وأبي سلمة وغيرهما، من غير ذكر سجود السهو بنفي ولا إثبات، وأن الزهري أتبع ذلك بقوله من عنده: لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ للسهو، فهذا مما أرسله الزهري وأدرجه في الحديث، فمن اقتصر على هذا القدر من حديث الزهري ووصله فقد وهم؛ لأنه أسند المدرج بانفراده، وقد ذكر الزهري أنه لم يخبره بالسجود أحدٌ من أهل العلم بالمدينة، فكان ينفي السجود لهذا، وهذا بمجرده لا يبطل رواية الحفاظ الأثبات للسجود".
ثم قال: "وقد روي عن الزهري أنه حمل ترك السجود للسهو في هذه القصة على أحد وجهين: أحدهما: أنه قال: كان هذا قبل أن يشرع سجود السهو، فروى عنه معمر أنه قال: كان هذا قبل بدر ثم استحكمت الأمور، والثاني: أنه كان يرى أنه لم يسجد يومئذٍ للسهو؛ لأن الناس يقَّنوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى استيقن، وكلا الوجهين ضعيف، أما الأول؛ فلأن أبا هريرة شهد هذه القصة، وكان إسلامه بعد بدر بكثير،. . .، وأما الثاني؛ فمضمونه أنه إنما يسجد للسهو إذا استدام الشك، فأما إذا تيقن الأمر، وعمل عليه، فإنه لا يسجد، وإن كان قد زاد في الصلاة، وهذا مذهب غريب".
[وانظر أيضًا: الجرح والتعديل (3/ 447)، خلاصة الأحكام للنووي (2193 - 2195)، رياض الأفهام للفاكهاني (2/ 357)، الفتح لابن حجر (3/ 96)].
° وحديث يحيى بن أبى كثير:
رواه علي بن المبارك، وشيبان بن عبد الرحمن النحوي، وأبان بن يزيد العطار، وحرب بن شداد [وهم ثقات]:
عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر؛ فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ركعتين، فقام رجل من بني سليم [وفي رواية أبان: يقال له ذو اليدين، وكان طويل اليدين]، فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تقصر، ولم أنس"[وفي رواية أحمد: ولم أنسه، بهاء السكت]، فقال: يا رسول الله! إنما صليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فقام فصلى بهم ركعتين [آخرتين]، وهذا لفظ شيبان.
أخرجه مسلم (573/ 99 و 100)، وأبو عوانة (1/ 513/ 1919 و 1920)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 268/ 1174)، والنسائي في الكبرى (1/ 300/ 567 و 568)، واللفظ له، وابن خزيمة (2/ 119/ 1038)، وأحمد (2/ 423)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (59)، والطحاوي (1/ 445)، وابن حزم في المحلى (4/ 5)، والبيهقي (2/ 357)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 357).
قلت: جاء في حديث يحيى بن أبى كثير هذا تعيين هذه الصلاة بأنها الظهر، جزمًا بغير شك، وقد سبق بيان أنه لم يترجح عندي شيء في حديث ابن سيرين عن أبى هريرة، وأن المحفوظ فيه: إحدى صلاتي العشي، بغير تعيين، وإن كان جاء في بعض الطرق الثابتة عن ابن سيرين تغليب الظن بأنها الظهر، فيعتضد غلبة الظن هذا بجزم يحيى بن أبى كثير بأنها الظهر، وكذلك بروايتي سعد بن إبراهيم ومحمد بن عمرو بن علقمة الآتيتين، والله أعلم.
° وحديث عمران بن أبى أنس:
رواه جماعة من الثقات، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن عمران بن
أبى أنس، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يومًا فسلم في ركعتين، ثم انصرف، فأدركه ذو الشمالين، فقال: يا رسول الله! أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "لم تُنقَصِ الصلاة، ولم أنْس"، قال: بلى؛ والذي بعثك بالحق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أصدق ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، فصلى بالناس ركعتين.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 23/ 1228)، وفي الكبرى (1/ 300/ 566) و (2/ 48/ 1152)، وابن أبى شيبة (1/ 392/ 4510)، والبزار (15/ 230/ 8657)، والطحاوي (1/ 445).
وهذا إسناد مدني ثم مصري صحيح، ووهم في قوله: ذو الشمالين.
***
1014 -
. . . شعبة، عن سعد [بن إبراهيم]، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، عن أبى هريرة؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فسلم في الركعتين"، فقيل له: نقصت الصلاة؟ "فصلى ركعتين، ثم صجد سجدتين".
* حديث صحيح
أخرجه البخاري (715 و 1227)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 174/ 1267)، والنسائي في المجتبى (3/ 23/ 1227)، وفي الكبرى (1/ 299/ 565) و (2/ 48 / 1151)، وأحمد (2/ 386 و 468)، والطيالسي (4/ 110/ 2474)، وابن أبى شيبة (1/ 392/ 4511)، والبزار (15/ 223/ 8643)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2391)، والطحاوي (1/ 445)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (46)(715 - مجموع مصنفاته)، والبيهقي (2/ 250 و 357)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (1/ 779/471).
رواه عن شعبة: معاذ بن معاذ [وهذا لفظه]، وأبو الوليد الطيالسي، وآدم بن أبى إياس، وأبو داود الطيالسي، وغندر محمد بن جعفر، ووهب بن جرير، وبهز بن أسد، وسليمان بن حرب، وبشر بن عمر الزهراني.
ولفظ أبى الوليد [عند البخاري]، وبنحوه بهز بن أسد [عند النسائي وأحمد]: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين [وفي رواية بهز: "ثم سلم"]، فقيل: صليت ركعتين! [وفي رواية بهز: فقالوا: أقصرت الصلاة؟]، "فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين"[زاد بهز: "بعد ما سلم"]. وبنحوها رواية وهب وأبي داود.
ولفظ آدم [عند البخاري والبيهقي]: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، أو العصر [ركعتين]، فسلم، فقال له ذو اليدين: الصلاة يا رسول الله! أنقصت؟ [وفي رواية البيهقي: أقصرت
الصلاة يا رسول الله! أم نسيت؟]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:"أحق ما يقول؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعتين أخريين، ثم سجد سجدتين.
قال سعد: ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين، فسلم وتكلم، ثم صلى ما بقي، وسجد سجدتين، وقال: هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: رواية الجماعة عن شعبة بتعيين الصلاة بأنها الظهر، أولى من رواية آدم التي شك فيها، فإن مَن حفظ وجزم حجةٌ على من لم يحفظ أو شك، والله أعلم.
• وهذه الزيادة التي أتى بها ابن أبي إياس، لم ينفرد بها عن شعبة:
فقد رواها غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير، أنه صلى مرة المغرب ركعتين، ثم سلم، فكلم قائده، فقال له قائده: إنما صليت ركعتين، فصلى ركعة، ثم سلم وسجد سجدتين، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا.
أخرجه ابن أبى شيبة (1/ 393 / 4520).
وهذا مرسل بإسناد صحيح.
وهو حجة لمن قال بأن الإمام إذا تكلم ساهيًا فلا شيء عليه، ويتم صلاته، ولا يستأنفها، وليس فيه أن الذي رد على عروة كان مأمومًا، لكن السياق يدل على أنهم كانوا يصلون خلفه جماعة؛ لأنهم لن يصلوا المغرب فرادى، والله أعلم.
• وانظر ما يأتي في الشواهد بعد حديث ابن عمر برقم (1017).
قال النسائي: "لا أعلم أحدًا ذكر عن أبى سلمة في هذا الحديث: ثم سجد سجدتين؛ غير سعد".
قلت: هي زيادة ثابتة محفوظة من حديث أبى هريرة، في سجود النبي صلى الله عليه وسلم سجدتي السهو يوم ذي اليدين، كما رواه عنه ابن سيرين وسعيد المقبري وأبو سفيان مولى ابن أبى أحمد، وضمضم بن جوس، وعراك بن مالك، والله أعلم.
* وله طرق أخرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة:
1 -
سفيان بن عيينة [وعنه: الحميدي، وعبد الجبار بن العلاء]، عن ابن أبى لبيد، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،. . . فذكر الحديث بنحو حديث أيوب عن ابن سيرين، وقال فيه: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينًا وشمالًا، وقال:"ما يقول ذو اليدين؟ ". ولم أقف على من ساق لفظه بتمامه.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 117/ 1035)، والحميدي (984)(1014 - ط. المأمون)، والطحاوي (1/ 445)، وعلقه البزار (15/ 230/ 8656).
وهو حديث صحيح، وعبد الله بن أبى لبيد: مدني ثقة، نزل الكوفة، روى له الشيخان.
2 -
محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، قال محمد: حسبته يقول: من الظهر، ثم سلم فانصرف، ثم جلس فجاءه ذو
اليدين، فقال: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "كل ذلك لم يكن"، قال: بلى، والذي هو أنزل عليك الكتاب، قال: ثم أقبل على القوم، فقال:"بقول ذي اليدين تقولون؟ "، قالوا: نعم، قال: فقام فأتم الركعتين الأخيرتين.
أخرجه علي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (180).
وهو حديث حسن، روى محمد بن عمرو بعض حروفه بالمعنى، وقال فيه: ثم سلم فانصرف ثم جلس، بينما قال فيه ابن سيرين عن أبى هريرة: ثم قام إلى خشبة في مقدَّم المسجد، فوضع يده عليها، أو قال: فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، ونحو ذلك من الألفاظ، مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قائمًا ولم يجلس، والله أعلم.
1015 -
قال أبو داود: حدّثنا إسماعيل بن أسد: أخبرنا شبابة: حدثنا ابن أبى ذئب، عن سعيد بن أبى سعيد المقبري، عن أبى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من الركعتين من صلاة المكتوبة، فقال له رجل: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ قال: "كل ذلك لم أفعل"، فقال الناس: قد فعلت ذلك يا رسول الله، فركع ركعتين أخريين، ثم انصرف ولم يسجد سجدتي السهو.
قال أبو داود: رواه داود بن الحصين، عن أبى سفيان مولى أبى أحمد، عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة، قال:"ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم".
* حديث شاذ بنفي السجود، والمحفوظ فيه إثباته
أخرجه من طريق أبى داود: الخطيب في الموضح (1/ 428).
° هكذا رواه شبابة بن سوار [وهو: ثقة حافظ، وهو مدائني، أصله من خراسان، والراوي عنه: إسماعيل بن أبى الحارث البغدادي: ثقة جليل].
° وتابعه عليه: عبد الصمد بن النعمان [بغدادي، صدوق مكثر، وله أوهام. تقدم الكلام عليه مفصلًا تحت الحديث رقم (782)، الشاهد الثاني. وانظر: اللسان (5/ 190)]، أبنا ابن أبى ذئب به؛ إلا أنه قال: فرجع فكبر، وصلى ركعتين أخراوين، إلى آخر الحديث.
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2395).
وهذه زيادة منكرة، والمعروف في حديث أبى هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فصلى الركعتين، ولم يذكروا التكبير كالتحريمة.
° ورواه يزيد بن هارون [واسطي، ثقة متقن]: أنا ابن أبى ذئب، عن المقبري، عن أبى هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من الركعتين في صلاة المكتوبة، فقال له ذو الشمالين:
أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال: "كل ذلك لم يكن"، فقال الناس: قد فعلت يا رسول الله! فرجع، ثم صلى ركعتين أخريين، ثم انصرف.
قال ابن أبى ذئب: قال الزهري: فسألت أهل العلم بالمدينة فلم أجد أحدًا يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى لذلك سجدتي السهو.
أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات (2851).
هكذا رواه يزيد بن هارون، فلم يذكر في آخره نفي سجود السهو.
° خالفهم فأثبت السجود: أبو داود الطيالسي أبصري، ثقة حافظ، فرواه في مسنده (4/ 2438/81)، قال: حدثنا ابن أبى ذئب، عن سعيد بن أبى سعيد، عن أبى هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ثم سلم، فقيل: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم تقصر الصلاة، ولم أنس"، فقال القوم: بلى يا رسول الله! فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، ثم سجد سجدتين.
ومن طريق الطيالسي: أخرجه البزار (15/ 164/ 8512).
° ولم ينفرد الطيالسي بذكر السجود:
فقد رواه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 445)، قال: حدثنا ربيع المؤذن [هو الربيع بن سليمان المرادي: ثقة]، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن [الخراساني أبو الهيثم: لا بأس به]، قال: ثنا ابن أبى ذئب، عن المقبري، عن أبى هريرة رضي الله عنه؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من ركعتين"، فذكر نحو ذلك؛ غير أنه لم يذكر السلام الذي قبل السجود.
* وعلى هذا: فإن إثبات السجود هو المحفوظ من حديث المقبري عن أبى هريرة، إذ قد أثبته ابن سيرين عن أبى هريرة، وسعد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وأبو سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة، وضمضم بن جوس عن أبى هريرة، وعراك بن مالك عن أبى هريرة.
وابن أبى ذئب أثبت الناس في سعيد المقبري، لكن يحتمل أن يكون الاختلاف فيه من قبل ابن أبى ذئب نفسه لما حدث به بالعراق، فإن رواية الحجازيين وسماعهم من ابن أبى ذئب: صحيح؛ وفي حديث العراقيين عنه: وهمٌ كبير، وهذا منه، ولعله كان يلقَّن بالعراق فيتلقن [ذكره مسلم في كتاب التمييز (191)، شرح علل الترمذي (2/ 780)].
° وحديث داود بن الحصين:
رواه مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد، أنه قال: سمعت أبا هريرة، يقول: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن"، فقال: قد كان بعض ذلك، يا رسول الله! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال:"أصدق ذو اليدين؟ "، فقالوا: نعم، يا رسول الله! فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين، وهو جالس، بعد التسليم.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 148/ 248)، ومن طريقه:
مسلم (573/ 99)، وأبو عوانة (1/ 512/ 1916 و 1917)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 174/ 1266)، والنسائي في المجتبى (3/ 22/ 1226)، وفي الكبرى (1/ 304/ 579) و (2/ 47/ 1150)، وابن خزيمة (2/ 119/ 1037)، وابن حبان (6/ 28/ 2251)، وأحمد (2/ 447 و 459 و 532)، والشافعي في الأم (2/ 281/ 260 - ط. الوفاء) و (8/ 479/ 3511) و (8/ 521/ 3619)، وفي اختلاف الحديث (10/ 225/ 265 - الأم)، وفي المسند (184)، وابن وهب في الجامع (459)، وعبد الرزاق (2/ 299/ 3448)، والبزار (15/ 5/ 8164)، والطحاوي (1/ 445)، والجوهري في مسند الموطأ (327)، والبيهقي في السنن (2/ 335 و 358)، وفي المعرفة (2/ 185/ 1158)، وابن عبد البر في التمهيد (2/ 311)، والخطيب في المبهمات (65)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 291/ 759)، وفي الشمائل (611)، والحازمي في الاعتبار (1/ 313/ 78).
رواه عن مالك: الشافعي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي (257)، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وأبو مصعب الزهري (471)، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم (156 - تلخيص القابسي)، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وإسحاق بن عيسى الطباع، ويحيى بن يحيى الليثي (248)، وقتيبة بن سعيد، وعبد الرزاق، وحماد بن خالد، وسويد بن سعيد الحدثاني (149)، ومحمد بن الحسن الشيباني (137).
هكذا جاء تعيين هذه الصلاة بأنها العصر في رواية أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة، بينما جزم بأنها الظهر: يحيى بن أبى كثير وسعد بن إبراهيم ومحمد بن عمرو بن علقمة [وحسبها الظهر]، ثلاثتهم عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وقد جاء في بعض الطرق الثابتة عن ابن سيرين عن أبى هريرة تغليب الظن بأنها الظهر، وهذا الأقرب، والله أعلم.
1016 -
. . . عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جَوْس الهِفَّاني: حدثني أبو هريرة، بهذا الخبر، قال:"ثم سجد سجدتي السهو بعد ما سلم".
* حديث صحيح
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 66/ 1330)، وفي الكبرى (1/ 302/ 573) و (2/ 92/ 1254)، وابن حبان (6/ 404/ 2687)، والبزار (16/ 245/ 9419)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 357).
رواه عن عكرمة بن عمار: هاشم بن القاسم [وهذا لفظه]، وعبد الله بن المبارك، وأبو الوليد الطيالسي، وموسى بن مسعود النهدي.
ولفظ ابن المبارك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، ثم سلم"، قال: ذكره في حديث ذي اليدين.
ولفظ أبى الوليد [عند ابن حبان]، وبنحوه موسى بن مسعود [عند البزار]: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي [وفي رواية البزار: الظهر]، فلم يصل بنا إلا ركعتين، فقال له رجل يقال له: ذو اليدين من خزاعة: يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فقال: "كل ذلك لم يكن"، فقال: يا رسول الله! إنما صليت بنا ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما يقول ذو اليدين؟ "، وأقبل على القوم، فقالوا: يا رسول الله! لم تصل بنا إلا ركعتين، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين وهو جالس [زاد في رواية البزار: ثم سلم].
وهذا إسناد يمامي صحيح؛ وعكرمة بن عمار: إنما تكلم في روايته عن يحيى بن أبى كثير خاصة، فإن روايته عنه مضطربة، وهو ثقة في غيره، وضمضم بن جوس الهفاني اليمامي: ثقة، سمع أبا هريرة [تقدم ذكره عند الحديث رقم (921)].
• ولا يقدح فيه: ما رواه أبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبى الفوارس (360)، قال: حدثنا يحيى [هو: يحيى بن محمد بن صاعد؛ ثقة حافظ إمام]: حدثنا المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن العبدي [ثقة]: حدثنا أبى: حدثنا شعبة، عن عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جَوْس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فأوهم، فقالوا: يا رسول الله! أنسيتَ أم قصرت الصلاة؟ قال: "لا، بل نسيتُ"، فقام فصلى بهم، فلما سلم سجد سجدتين.
قلت: هذه رواية شاذة سندًا ومتنًا، وهو حديث غريب جدًّا من حديث شعبة.
فإن قيل: ألم يحتج البخاري بهذا الإسناد عن شعبة في صحيحه؟ فيقال: إنما أخرج به حديثًا واحدًا (4621)، ثم أتبعه بقوله:"رواه النضر وروح بن عبادة، عن شعبة"؛ يعني: أن الوليد بن عبد الرحمن هذا لم يتفرد به عن شعبة، بل توبع عليه، وقد وصله البخاري نفسه في موضعين آخرين من صحيحه (6486 و 7295) من طريق سليمان بن حرب وروح بن عبادة كلاهما عن شعبة به، ثم إن البخاري قد أخرج الحديث المذكور من طرق كثيرة عن أنس، وهذه أطرافه عنده:(93 و 540 و 749 و 6362 و 6468 و 7089 و 7090 و 7091 و 7294)، وعليه: فإن البخاري إنما أخرج له فيما توبع عليه فقط، ويقبل في المتابعات ما لا يقبل في الأصول.
والوليد بن عبد الرحمن بن حبيب العبدي الجارودي: لم يترجم له البخاري في تاريخه الكبير، ولم يرو عنه سوى ابنه المنذر، ولم يوثقه سوى الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، وهو مقلٌّ جدًّا؛ فضلًا عن كونه لا يُعرف بالرواية عن شعبة، ولا هو من أصحابه المقلين، وهذا ابن حجر يذكره في الفتح (8/ 281) بعد أن تكلم عن ابنه المنذر، فيقول:"وأبوه [يعني: الوليد هذا] ماله في البخاري ذكرٌ إلا في هذا الموضع، ولا رأيت عنه راويًا إلا ولده، وحديثه هذا في المتابعات؛ فإن المصنف أورده في الاعتصام من رواية غيره"[كنى مسلم (2497)، الثقات (9/ 225)، تاريخ الإسلام (14/ 426)، التهذيب (4/ 318)]؛ فمثله إذا انفرد عن شعبة بشيء لم يقبل تفرده، ويُعدُّ غريبًا جدًّا.
وعلى هذا فإن هذه الرواية الغريبة المرسلة لا يُعارض بها رواية جماعة الثقات الموصولة، والله أعلم.
° ولم ينفرد به عكرمة عن ضمضم، بل تابعه عليه يحيى بن أبى كثير:
فقد روى شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة، من أثبت أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبى كثير، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر؛. . . وساق الحديث [وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (1013)].
قال يحيى: حدثني ضمضم بن جوس؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين.
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 302/ 574)، وأحمد (2/ 423)، وأبو بكر النيسابوري في الزيادات على المزني (59)، والبيهقي (2/ 357).
وهذا إسناد يمامي صحيح.
• خالفه: علي بن المبارك [ثقة، من أصحاب يحيى]، عن يحيى بن أبى كثير، عن ضمضم بن جوس، عن أبى هريرة؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر [وفي رواية: صلى بهم صلاة العصر أو الظهر]، فقام في الركعتين الأوليين، فلم يقعد؛ حتى إذا كان في آخر صلاته فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلَّم".
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 313/ 606)، والبزار (1/ 277/ 576 - كشف).
وهذا الحديث ليس في قصة ذي اليدين، وهو حديث شاذ، والمحفوظ رواية شيبان؛ فإنه أثبت في يحيى بن أبى كثير من علي بن المبارك، والله أعلم.
° والحاصل؛ فإن الحديث صحيح، والله أعلم.
قال البيهقي: "ويحيى بن أبى كثير لم يحفظ سجدتي السهو عن أبى سلمة، وإنما حفظهما عن ضمضم بن جوس، وقد حفظهما سعد بن إبراهيم من أبى سلمة، ولم يحفظهما الزهري لا عن أبى سلمة ولا عن جماعة حدثوه بهذه القصة عن أبى هريرة رضي الله عنه".
قلت: هي محفوظة من حديث ابن سيرين عن أبى هريرة، وحديث سعد بن إبراهيم عن أبى سلمة عن أبى هريرة، وحديث أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة، وحديث المقبري عن أبى هريرة، وحديث ضمضم بن جوس عن أبى هريرة، وحديث عراك بن مالك عن أبى هريرة.
* وله طرق أخرى عن أبي هريرة:
1 -
الليث بن سعد، عن يزيد بن أبى حبيب، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن أبى هريرة؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد يوم ذي اليدين سجدتين بعد السلام".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 25/ 1233)، وفي الكبرى (1/ 302/ 575) و (2/ 49/ 1157).
هكذا رواه عمرو بن سوَّاد [العامري المصري، وهو: ثقة، كان راويًا لابن وهب]، عن عبد الله بن وهب، عن الليث به.
وهذا إسناد مدني ثم مصري صحيح غريب، وعراك بن مالك سمع أبا هريرة [التاريخ الكبير (7/ 88)]، وحديثه عنه في الصحيحين [التحفة (10/ 14153 - 14158)].
• وانظر فيمن وهم في إسناده: ما أخرجه الطحاوي (1/ 439)(15/ 367/ 19493 - إتحاف)، وابن عدي في الكامل (4/ 206)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 343).
2 -
إبراهيم بن منقذ، قال: ثنا إدريس، عن عبد الله بن عياش، عن ابن هرمز، عن أبى هريرة رضي الله عنه،. . . فذكر الحديث، وفيه:"وسجد سجدتي السهو بعد السلام".
أخرجه الطحاوي (1/ 445).
وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الله بن عياش بن عباس القتباني: ضعيف [التهذيب (2/ 400)، الميزان (2/ 469)]، وابن هرمز هو: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج صاحب أبى هريرة، وإدريس هو: ابن يحيى الخولاني، وهو: صدوق [الجرح والتعديل (2/ 265)، الثقات (8/ 133)، السير (10/ 165)، تاريخ الإسلام (15/ 56)]، وإبراهيم بن منقذ العصفري الخولاني: ثقة، قاله ابن يونس، وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم: ابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانة في صحيحه، والروياني، وابن المنذر، والطحاوي، وابن صاعد، وأبو العباس الأصم، وأخرج له ابن حبان في صحيحه (3467)، والحاكم في المستدرك [فتح الباب (147 و 191)، الأنساب (4/ 203)، السير (12/ 503)، العبر (2/ 46)، مغاني الأخيار (1/ 20)].
1017 -
. . . أبو أسامة: أخبرني عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صلى [بنا] رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في الركعتين، فذكر نحو حديث ابن سيرين عن أبى هريرة، قال: ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو.
* حديث شاذ، والمحفوظ مرسل
أخرجه مسلم في التمييز (47)، وابن ماجه (1213)، وابن خزيمة (1/ 117/ 1034)، والشافعي في الأم (8/ 479 / 3512)، وابن أبى شيبة (1/ 393 / 4514)، والبزار (12/ 105 - 106/ 5609)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 444)، وفي أحكام القرآن (1/ 226 / 433)، والبيهقي في السنن (2/ 359)، وفي المعرفة (2/ 187 و 188/ 1160 - 1162).
رواه عن أبى أسامة: الإمام الشافعي، وأحمد بن محمد بن ثابت، وأبو كريب محمد بن العلاء، وأبو بكر بن أبى شيبة، وبشر بن خالد العسكري، وعلي بن محمد،
وأحمد بن سنان، وعبد الله بن سعيد بن حصين أبو سعيد الأشج [وهم ثقات، بعضهم حفاظ أئمة].
ولفظه عند ابن ماجه، وبنحوه عند البزار وابن خزيمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[صلى إحدى صلاتي العشي، فـ] سها، فسلم في الركعتين، فقال له رجل يقال له ذو اليدين: يا رسول الله! أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ قال:"ما قصرت الصلاة]، وما نسيت"[وفي رواية البزار: "كل ذلك لم يكن"]، قال: إذًا، فصليت ركعتين، قال:"أكما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو.
قال ابن محرز في كتاب معرفة الرجال (2/ 220/ 745): "سمعت أبا بكر [يعني: ابن أبى شيبة] وحدثنا بحديث أبى أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، في سهو النبي عليه السلام، مثل حديث هشام عن محمد عن أبى هريرة، فقال أبو بكر بن أبى شيبة: لم يحدث بهذا عن عبيد الله غير أبى أسامة، فمن حدث به عن عبيد الله غير أبى أسامة فاكتب بين عينيه الدجال".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر؛ إلا أبو أسامة".
وقال ابن خزيمة: "هذا خبر ما رواه عن أبى أسامة غير أبى كريب، وهذا؛ يعني: بشر بن خالد".
قلت: قد رواه جماعة من الحفاظ عن أبى أسامة، فبقي تفرد أبى أسامة به.
وقال البيهقي: "تفرد به أبو أسامة حماد بن أسامة، وهو من الثقات".
° قلت: نعم؛ أبو أسامة حماد بن أسامة: ثقة ثبت، يحتمل من مثله التفرد؛ لا سيما وإسناده على شرط الشيخين، لكن أبا أسامة وهم في هذا الحديث، لأجل إقرانه حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبى هريرة الموصول، بحديث عبيد الله عن نافع المرسل؛ فوهم أبو أسامة فوصله؛ وإنما يرويه من هو أثبت منه مرسلًا من كتاب عبيد الله بن عمر، هكذا رواه عنه: يحيى بن سعيد القطان.
قال أبو بكر الأثرم: "قلت لأبي عبد الله: حديث السهو؛ حديث ابن عمر يرويه أحد غير أبى أسامة؟ فقال: أبو أسامة وحده، وكأنه ضعفه، قال أبو عبد الله: زعموا أن يحيى بن سعيد قال: إنما هو عبيد الله، عن نافع؛ مرسل"[التنقيح (1/ 438)].
وقال المرُّوذي في العلل ومعرفة الرجال (262): "وقال [يعني: أحمد] في حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر في مثل قصة ذي اليدين، فقال: كان يقول - يعني: أبا أسامة - عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبى هريرة، ثم يقول: عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مثله. وقال: قال يحيى بن سعيد: إنما هو في كتاب عبيد الله مرسل، وما ينبغي إلا كما قال يحيى، وأنكره".
وقال علي بن المديني: "قال يحيى: كان معي في الأطراف حديث عبيد الله بن عمر
موقوفًا على نافع؛ حديث ذي اليدين" [المعرفة والتاريخ (2/ 152)، وقد تصحفت عبيد الله بن عمر، إلى عبيد الله عن عمر].
وقال أبو حاتم: "هذا حديث منكر، أخاف أن يكون أخطأ فيه أبو أسامة"[العلل (1/ 99/ 267)].
° وموصول أبي أسامة لا يقويه ما رواه:
أ - ابن وهب، عن العمري [هو: عبد الله بن عمر العمري، وليس هو بالقوي]، عن نافع، عن ابن عمر؛ "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسجد يوم ذي اليدين سجدتي السهو".
أخرجه ابن معين في سؤالات ابن محرز له (1/ 823/150)، والطبراني في الكبير (12/ 13356/364)، وابن عدي في الكامل (4/ 142 و 204)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (223).
ب - هشام بن عروة، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام.
أخرجه أبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (1/ 170/ 24)، وتمام في الفوائد (1784).
من طريق: إبراهيم بن سلام المكي: ثنا الفضيل بن عياض، عن هشام به.
ولا يثبت من حديث هشام بن عروة، ولا من حديث الفضيل بن عياض؛ بل هو حديث باطل؛ تفرد به: إبراهيم بن سلام المكي، ضعفه الدارقطني، وقال أبو أحمد الحاكم:"ربما روى ما لا أصل له"[للسان (1/ 291)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 303/ 1606)، تاريخ بغداد (4/ 217)].
* وقد رويت قصة ذي اليدين أيضًا عن صحابة آخرين، من طرق لا تسلم من مقال؛ فمنها:
1 -
حديث ذي اليدين [أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 42)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (4/ 77) (7/ 3679/ 16978 و 16979 - ط. المكنز)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 116/ 2655) و (5/ 117/ 2656)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 347/ 948)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 250)، وابن أبى حاتم في الجرح والتعديل (4/ 386)، والطبراني في الكبير (4/ 233/ 4224)، وابن عدي في الكامل (3/ 120) و (6/ 398)، والدارقطني في المؤتلف (3/ 1355 - 1356)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1029/ 2611)، والبيهقي (2/ 367)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 367 و 368)، وفي الاستذكار (1/ 552)، وفي الاستيعاب (2/ 476)، [قال البخاري: "لا يصح حديثه"، وفي رواية: "لم يثبت حديثه"، وفي إسناده: مطير، وابنه شعيث، وهما: مجهولان، ومعدي بن سليمان، وهو: منكر الحديث. التهذيب (4/ 118)، علل الترمذي الكبير (396)].
2 -
حديث أبى العريان [تقدم تحت الحديث رقم (1011)، وهو حديث شاذ].
3 -
حديث ابن مسعدة صاحب الجيوش [أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 7/ 2302)][رجاله ثقات، وهو منقطع، وفي الإسناد غرابة، وانظر ما تقدم تحت الحديث رقم (619)، الشاهد الثالث].
4 -
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [أخرجه البزار (17/ 278/ 9981)، مختصرًا][وفي إسناده: المثنى بن الصباح، وهو: ضعيف، ويحيى بن أيوب الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه، وقد سبق ذكره مرارًا].
* وانظر في مراسيل قصة ذي اليدين في السلام من ركعتين:
ما أخرجه أبو داود في المراسيل (88)، وابن وهب في الجامع (461)، وعبد الرزاق (3443 - 3446).
* ومما روي في السلام من ركعتين:
ما رواه عِسْل بن سفيان، وأشعث بن سوار، ومطر بن طهمان الوراق [وهم ضعفاء]:
عن عطاء بن أبى رباح؛ أن ابن الزبير صلى المغرب بالناس، فسلم في الركعتين، ثم قام إلى الحجر الأسود ليستلمه، فنظر فرأى القوم جلوسًا، [وفي رواية أشعث ومطر: فسبح به القوم، زاد مطر: فقال: ما شأنكم؟، وليس في رواية أشعث أنه تكلم]، قال: فجاء حتى صلى لنا الركعة الباقية، ثم سلم ثم سجد سجدتين، قال: فانطلقت في فورتي إلى ابن عباس فسألته، فقال: أيها لله أبوك! كيف صنع؟ فأعدت عليه، فقال: ما أماط عن سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، وهذا لفظ عسل.
وفي رواية لعسل: فسبحنا، فالتفت إلينا، فقال: ما أتممنا الصلاة؟ فقلنا برؤوسنا: سبحان الله؛ أي: لا، ولم يذكر من قول ابن عباس أكثر من أن قال: ما أماط عن سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أحمد (1/ 351)، والطيالسي (4/ 380/ 2780)، ومسدد في مسنده (2/ 457/ 2101 - إتحاف الخيرة)، وابن أبى شيبة (1/ 392/ 4504)، والحارث بن أبى أسامة في مسنده (186 - بغية الباحث)، والبزار (1/ 278/ 577 - كشف)(11/ 371/ 5199 و 5200)، والطبراني في الكبير (11/ 159/ 11484)، وفي الأوسط (6/ 21/ 5674)، والبيهقي في السنن (2/ 360)، وفي المعرفة (2/ 198/ 1170).
• ورواه عمارة بن غزية [مدني ثقة]، عن عطاء به مطولًا، وفيه: فقال الناس: سبحان الله، فالتفت إليهم، فقال: أما لو أنا أتممنا لكم صلاتكم، فأشاروا إليه: إنك لم تفعل،. . ..
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 53/ 4649).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمارة بن غزية إلا يزيد بن يوسف، تفرد به أبو مسهر".
قلت: هو حديث منكر بهذه الزيادة، يزيد بن يوسف الرحبي الصنعاني الدمشقي: ضعيف، تركه أحمد والنسائي والدارقطني وغيرهم، ولا يحتمل منه تفرده بذلك عن أهل الحجاز، والله أعلم.
• ورواه بنحوه مختصرًا عامر بن عبد الواحد الأحول عن عطاء به.
أخرجه البيهقي (2/ 360).
ثم قال البيهقي: "وابن الزبير هذا: عبد الله بن الزبير".
قلت: عامر بن عبد الواحد الأحول البصري: ليس بالقوي، وثقه أبو حاتم [انظر: التهذيب (2/ 269)، الميزان (2/ 362)، وراجع الحديث المتقدم برقم (02 5)]، والراوي عنه: الحارث بن عبيد، أبو قدامة الإيادي: بصري، ليس بالقوي [انظر: التهذيب (1/ 334)، الميزان (1/ 438)، تاريخ ابن معين للدوري (4199 و 4296)، ضعفاء أبى زرعة الرازي (607)، ضعفاء العقيلي (1/ 213)، الكامل (2/ 189)، وتقدم ذكره في الحديث رقم (500)].
° والمحفوظ في هذه القصة أن ابن الزبير لم يتكلم، وإنما أتم الصلاة دون أن يستفهم أحدًا منهم، والله أعلم:
فقد روى ابن جريج، وهمام بن يحيى [وهما ثقتان، وابن جريج أثبت الناس في عطاء بن أبى رباح]:
قال ابن جريج: قال عطاء: صلى بنا ابن الزبير ذات يوم المغرب، فقلتُ [القائل هو ابن جريج]: وحضرتَ ذلك؟ قال: نعم، فسلم في ركعتين، قال الناس: سبحان الله، سبحان الله، فقام فصلى الثالثة، فلما سلم سجد سجدتي السهو، وسجدهما الناس معه، قال: فدخل أصحاب لنا على ابن عباس، فذكر له بعضهم ذلك؛ كأنه يريد أن يعيب بذلك ابن الزبير، فقال ابن عباس: أصاب وأصابوا.
ولفظ همام: أن ابن الزبير صلى المغرب، فسلم في ركعتين، ثم قام ليستلم الركن، فسبح به القوم، فرجع فصلى ركعة، قال: فأتيت ابن عباس، فأخبرته بذلك، فقال: ما أماط عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 312/ 3492)، وأبو يعلى (4/ 466/ 2597)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 237/ 1573)، والضياء في المختارة (11/ 222 - 224/ 217 و 218) [وقع في مسند أبى يعلى ومن طريقه الضياء: هشام، بدل: همام، لكن هشام هذا لا يُعرف، والأقرب أنه تصحف عن همام، كما قال محقق المسند].
وصرح ابن المنذر بأن ابن الزبير هنا هو عبد الله.
هذا هو المحفوظ، وهو حديث صحيح.
وليس فيه حجة لمن تكلم في الصلاة ساهيًا.
***
1018 -
. . . خالد الحذاء: حدثنا أبو قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين، قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم دخل - قال عن مسلمة [أحد رواة الحديث]: - الحُجَر، فقام إليه رجل، يقال له: الخِرباق، كان طويلَ اليدين، فقال [له]: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مُغضَبًا يجرُّ رداءه، فقال:"أصدق؟ "، قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة، ثم سلم، ثم سجد سجدتيها، ثم سلم.
* حديث صحيح
أخرجه مسلم في الصحيح (574/ 101 و 102)، وفي التمييز (48)، وأبو عوانة (1/ 1922/ 514 - 1924)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 1269/174) و (2/ 175/ 1270)، والنسائي في المجتبى (3/ 237/ 126) و (3/ 66/ 1331)، وفي الكبرى (1/ 304/ 580) و (1/ 314/ 610) و (2/ 50/ 1161) و (2/ 92/ 1255)، وابن ماجه (1215)، وابن خزيمة (2/ 130/ 1054) و (2/ 133/ 1060)، وابن حبان (6/ 379/ 2654) و (6/ 393/ 2671) و (6/ 394/ 2673)، وابن الجارود (245)، وأحمد (4/ 427 و 431 و 440 - 441)، والشافعي في الأم (2/ 281/ 261 - ط. الوفاء) و (8/ 479/ 3513)، وفي اختلاف الحديث (10/ 226/ 266 - الأم)، وفي المسند (184)، والطيالسي (2/ 182/ 887)، وابن أبى شيبة (1/ 385/ 4416) و (1/ 386 / 4440) و (1/ 393/ 4513) و (7/ 289 / 36164)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 326/ 373 - 377)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (202)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 1707/312)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 443)، وفي أحكام القرآن (1/ 227/ 434)، والطبراني في الكبير (4/ 219/ 4182) و (4/ 234/ 4225) و (18/ 194 و 195/ 464 - 468 و 470)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 1004/ 2563)، والبيهقي في السنن (2/ 335 و 354 و 359)، وفي المعرفة (2/ 188/ 1163 و 1164)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 361 - 362)، والخطيب في المبهمات (66)، وأبو نعيم الحداد في جامع الصحيحين (1/ 471/ 780)، والحازمي في الاعتبار (1/ 314/ 79).
رواه عن خالد الحذاء: شعبة، ويزيد بن زريع، وحماد بن زيد، ووهيب بن خالد، وإسماعيل بن علية، وهشيم بن بشير، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وخالد بن عبد الله الواسطي، والمعتمر بن سليمان، ومسلمة بن محمد [وهم ثقات، عدا الأخير فإنه لين الحديث].
قال ابن علية [عند مسلم]، ويزيد بن زريع [عند النسائي]: ثم دخل منزله، وقال الثقفي [عند مسلم]: ثم قام فدخل الحجرة، وقال في آخره: ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم.
وفي رواية هشيم [عند الطبراني والبيهقي، واللفظ له]: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر أو العصر ثلاث ركعات، فقال له رجل يقال له الخرباق: يا رسول الله! إنما صليت ثلاث ركعات، قال:"كذلك؟ "، قالوا: نعم، قال: فقام فصلى، ثم سجد ثم تشهد وسلم، وسجد سجدتي السهو، ثم سلم.
ووقع الشك أيضًا في كونها الظهر أو العصر في رواية شعبة [عند أحمد والطيالسي].
تنبيه: هكذا وقع فيما وقفت عليه من نسخ أبى داود: "قال عن مسلمة"، لكنه وقع عند أبى عوانة (1/ 514) وقد رواه عن أبى داود به، فقال:"قال غير مسلمة"، وهو الأقرب.
* هكذا روى حديث عمران بن حصين جماعةٌ من الحفاظ عن خالد الحذاء:
وروى جماعة من الثقات بعضهم أئمة حفاظ، منهم: أبو حاتم الرازي، ومحمد بن يحيى الذهلي:
عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري [ثقة، تُكُلِّم فيه]: حدثني أشعث - هو: ابن عبد الملك الحمراني -[ثقة]، عن محمد بن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران بن حصين؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم".
وفي رواية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد في سجدتي السهو، وسلم". وفي أخرى: "إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام". وفي أخرى: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد ثم سلم". فلم يذكر التشهد.
أخرجه أبو داود (1039)، والترمذي (395)، والنسائي في المجتبى (3/ 26/ 1236)، وفي الكبرى (1/ 314/ 609) و (2/ 50/ 1160)، وأبو عوانة (1/ 515/ 1926)، وابن خزيمة (2/ 134/ 1062)، وابن حبان (6/ 392/ 2670) و (6/ 394/ 2672)، وابن الجارود (247)، والحاكم (1/ 323)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 316/ 1712)، والطبراني في الكبير (18/ 195/ 469)، وابن حزم في المحلى (4/ 170)، والبيهقي (2/ 354 و 355)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 297/ 761).
° وهذا حديث شاذ، تفرد به الأنصاري، وليس بذاك الحافظ، وحديث الجماعة هو المحفوظ، ورواية هشيم تؤكد وهم الأنصاري فيه، حيث اختصر الحديث وأخر ذكر التشهد فجعله بعد سجود السهو، وكان أحيانًا لا يذكره، والحمل فيه على الأنصاري، وقد أعلَّ هذا الحديث جماعة من الأئمة، وضعفوه:
قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، ثم قال:"وقد روى عبد الوهاب الثقفي وهشيم وغير واحد هذا الحديث، عن خالد الحذاء، عن أبى قلابة بطوله، وهو حديث عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم في ثلاث ركعات من العصر، فقام رجلٌ يقال له: الخِرباق".
وقال ابن المنذر: "وقد تكلم في هذا الحديث بعض أصحابنا، وقال: روى هذا الحديث غير واحد من الثقات عن خالد، فلم يقل فيه أحد: ثم تشهد"، ثم قال:"ولا أحسب يثبت".
وقال ابن حبان: "تفرد به الأنصاري، ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث، وخالد تلميذه".
وقال البيهقي: "تفرد به أشعث الحمراني، وقد رواه شعبة ووهيب وابن علية والثقفي وهشيم وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وغيرهم عن خالد الحذاء، لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه، ورواه أيوب عن محمد قال: أخبِرتُ عن عمران فذكر السلام دون التشهد، وفي رواية هشيم ذكر التشهد قبل السجدتين، وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه"، ثم أسنده من طريق هشيم باللفظ المذكور آنفًا، ثم قال:"هذا هو الصحيح بهذا اللفظ، والله أعلم"؛ يعني: ذكر التشهد في موضعه قبل السلام، لا بعد سجدتي السهو.
ثم قال بعد كلام: "والأخبار الصحيحة في ذلك تدل على أنه وإن سجدهما بعد السلام لم يتشهد لهما، وبالله التوفيق".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 481): "وضعفه آخرون، وقالوا: ذكر التشهد فيه غير محفوظ، منهم: محمد بن يحيى الذهلي، والبيهقي، ونسبا الوهم إلى أشعث، وأشعث هو: ابن عبد الملك الحمراني، ثقة، وعندي أن نسبة الوهم إلى الأنصاري فيه أقرب، وليس هو بذاك المتقن جدًّا في حفظه، وقد غمزه ابن معين وغيره، ويدل على هذا: أن يحيى القطان رواه عن أشعث، عن ابن سيرين، عن خالد، عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران في السلام خاصة، كما رواه عنه الإمام أحمد، ذكره ابنه عبد الله عنه في مسائله، فهذه رواية يحيى القطان - مع جلالته وحفظه وإتقانه -، عن أشعث، إنما فيها ذكر السلام فقط، وخرجه النسائي، عن محمد بن يحيى بن عبد الله، عن الأنصاري، عن أشعث، ولم يذكر التشهد، فإما أن يكون الأنصاري اختلف عليه في ذكره، وهو دليل على أنه لم يضبطه، وإما أن يكون النسائي ترك ذكر التشهد من عمد؛ لأنه استنكره، وقد روى معتمر بن سليمان، وهشيم، عن خالد الحذاء حديث عمران بن حصين، وذكرا فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعة، ثم تشهد وسلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم، فهذا هو الصحيح في حديث عمران، ذكر التشهد في الركعة المقضية، لا في سجدتي السهو، وأشار إلى ذلك البيهقي".
وقال الذهبي في تهذيب سنن البيهقي (2/ 788): "ولا رواه عن أشعث سوى الأنصاري، فلعل الخطأ منه".
* وحاصل كلام الأئمة: أن حديث الأنصاري معلول من ثلاثة أوجه:
الأول: مخالفة جماعة الحفاظ الذين رووه عن خالد الحذاء بدون ذكر التشهد بعد سجود السهو.
الثاني: مخالفة أصحاب ابن سيرين الذين رووه عنه مرسلًا من حديث عمران بن حصين، مقتصرًا على ذكر السلام، كما تقدم تفصيل ذلك في طرق حديث ابن سيرين عن أبى هريرة.
الثالث: مخالفة الأنصاري ليحيى بن سعيد القطان؛ الثقة الحافظ الثبت المتقن؛ حيث رواه القطان عن أشعث، عن ابن سيرين، عن خالد، عن أبى قلابة، عن أبى المهلب، عن عمران في السلام خاصة، بدون ذكر التشهد، رواه عنه الإمام أحمد، وذكره ابنه عبد الله عنه في مسائله [ذكره ابن رجب في الفتح (6/ 481)].
* ومما يؤكد أن هذه الرواية وهمٌ على ابن سيرين:
ما رواه سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: قلت: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد، وأحبُّ إليَّ أن يتشهد [تقدم برقم (1010)].
قال ابن رجب في الفتح (6/ 483): "وهذه الرواية: تدل على أن رواية أشعث عنه في التشهد لا أصل لها؛ لأن ابن سيرين أنكر أن يكون سمع في التشهد شيئًا".
ويأتي الكلام عن أحاديث التشهد بعد سجدتي السهو وفقه المسألة في موضعه من السنن، عند الحديث رقم (1039) إن شاء الله تعالى.
* وفي السلام من ثلاث، أو من بقيت من صلاته ركعة:
1 -
حديث ابن عباس:
• روى جابر بن يزيد الجعفي [متروك، يكذب]، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثًا ثم سلم، فقال له ذو الشمالين: أنقصت الصلاة يا رسول الله؟ قال: "أفكذلك يا ذا اليدين؟ "، قال: نعم، فركع ركعة وسجدتين.
أخرجه البزار (1/ 279/ 579 - كشف)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 226/ 432)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (19)(688 - مجموع مصنفاته)، والطبراني في الكبير (11/ 241/ 11809).
• ورواه إسماعيل بن أبان: حدثنا إسماعيل بن أبى خالد [ثقة ثبت]، عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله الأصبهاني [ثقة]: ثنا عكرمة، عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم العصر ثلاثًا، ونسي واحدةً فانصرف، فدخل على بعض نسائه،. . . فذكر الحديث بطوله، وفيه بعض الزيادات.
أخرجه البزار (1/ 278/ 578 - كشف)، والطبراني في الكبير (11/ 207/ 11673)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (12/ 129/ 154).
وهذا الإسناد ليس أحسن حالًا من سابقه، والمتفرد به: إسماعيل بن أبان؛ ليس هو الوراق الثقة، كما ذهب إلى ذلك الضياء، وإنما هو الغنوي، كما ذهب إلى ذلك الهيثمي في المجمع (2/ 152)، والغنوي هذا: متروك، كذبه ابن معين وأبو داود وغيرهما، واتهمه جماعة بالوضع [التهذيب (1/ 138)، الميزان (1/ 211)].
° فهذا الحديث لا يصح وصله؛ إنما هو عن عكرمة مرسل:
فقد رواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، عن إسماعيل، عن ابن الأصبهاني، عن عكرمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر ركعتين، ثم سلم ودخل، فدخل عليه رجل من أصحابه، يقال له: ذو الشمالين، فقال: يا رسول الله! قصرت الصلاة؟ قال: "ماذا؟ "، قال: صليت ركعتين فخرج، فقال:"ما يقول ذو اليدين؟ "، فقالوا: يا رسول الله نعم، فصلى بهم ركعتين، وسجد سجدتين.
أخرجه ابن أبى شيبة (1/ 393/ 4518).
° ورواه محمد بن فضيل [ثقة]، عن حصين بن عبد الرحمن [ثقة]، عن عكرمة، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس ثلاث ركعات ثم انصرف، فقال له بعض القوم: حدث في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذاك؟ "، قالوا: لم تصل إلا ثلاث ركعات، فقال:"أكذلك يا ذا اليدين؟ "، وكان يسمى ذو الشمالين، قال: نعم، قال: فصلى ركعة وسجد سجدتين.
أخرجه ابن أبى شيبة (1/ 392/ 4512).
هكذا صح عن عكرمة مرسلًا، بإسنادين صحيحين.
2 -
حديث معاوية بن حديج:
يرويه الليث بن سعد [ثقة ثبت، إمام فقيه]، ويحيى بن أيوب [الغافقي المصري: صدوق سيئ الحفظ، يخطئ كثيرًا، له غرائب ومناكير يتجنبها أرباب الصحاح، وينتقون من حديثه ما أصاب فيه، وقد سبق ذكره مرارًا]:
عن يزيد بن أبى حبيب؛ أن سويد بن قيس أخبره، عن معاوية بن حديج؛ "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يومًا [فسها] فسلم [في ركعتين، ثم انصرف]، وقد بقيت من الصلاة ركعة، فأدركه رجلٌ، فقال: نسيتَ من الصلاة ركعةً، فرجع فدخل المسجد، وأمر بلالًا فأقام [الصلاة]، فصلى للناس ركعةً.
قال: فأخبرت بذلك الناس، فقالوا: تعرف الرجل؟ قلت: لا، إلا أن أراه، فمرَّ بي، فقلت: هو هذا، فقالوا: هذا طلحة بن عبيد الله.
وقال يحيى بن أيوب في روايته: عن معاوية بن حديج، قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فسها فسلم في الركعتين"،. . . وذكر الحديث بنحوه.
أخرجه أبو داود (1023)، والنسائي في المجتبى (2/ 18/ 664)، وفي الكبرى (2/ 246/ 1640)، وابن خزيمة (2/ 128 / 1052 و 1053)، وابن حبان (6/ 395/ 2674)، والحاكم (1/ 261 و 323)، وأحمد (6/ 401)، وابن أبى شيبة (1/ 392/ 4509)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر (71 و 209)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 403 و 404/ 2452 و 2453) و (5/ 314/ 2850)، والطحاوي (1/ 448)، وابن قانع في المعجم (3/ 76)، والطبراني في الكبير (19/ 431/ 1048)، والبيهقي (2/ 359).
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين".
قال الأثرم: "سمعت أبا عبد الله يُسأل: يُروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين أو ثلاث من غير أبى هريرة وعمران؟ فقال: لا، فقلت: حديث معاوية بن حديج؟ فقال لى أبو عبد الله: لم يسمع هذا من النبي صلى الله عليه وسلم"، فلما ذكر له رواية يحيى بن أيوب، قال:"هذا كان يحدث من حفظه فيخطئ خطأ كثيرًا"، ثم استدل على عدم سماعه بأنه يروي عن معاوية بن أبى سفيان عن أم حبيبة [تاريخ دمشق (59/ 17)].
قال ابن رجب في الفتح (3/ 461): "وسويد هذا: وثقة النسائي وابن حبان، ومعاوية بن حديج: أثبت البخاري وغيره له صحبة، وأنكرها الإمام أحمد في رواية الأثرم، فيكون حديثه هذا مرسلًا عنده".
وقال في موضع آخر (6/ 472): "وقد أنكر الإمام أحمد أن يكون لمعاوية بن حديج صحبة، وأثبته البخاري والأكثرون".
قلت: هذا إسناد مصري رجاله ثقات؛ ومعاوية بن حديج: مختلف في صحبته، نفاها أحمد، فقال:"ليس لمعاوية بن حديج صحبة"، وذكره يعقوب بن سفيان في الثقات من تابعي أهل مصر، وحكى ابن عبد الحكم الخلاف في صحبته في الفتوح، وأثبتها له الجمهور، منهم: البخاري، وأبو حاتم، وابن حبان، وابن سعد، والمفضل الغلابي، وأبو القاسم البغوي، وابن البرقي، وابن يونس، وعامة المصنفين في الصحابة والمشتبه [التاريخ الكبير (7/ 328)، التاريخ الأوسط (1/ 140/ 627) و (1/ 151/ 674)، الجرح والتعديل (8/ 377)، المراسيل (739 و 740)، الثقات (3/ 374)، مشاهير علماء الأمصار (384)، تاريخ دمشق (59/ 15)، الإنابة (2/ 190)، السير (3/ 37)، تحفة التحصيل (309)، الإصابة (6/ 147)، التهذيب (4/ 105). وغيرها كثير ومن كتب الصحابة والمشتبه].
ولا أعرف لسويد بن قيس سماعًا من معاوية بن حديج، إلا من طرق غير محفوظة [انظر: التاريخ الكبير (4/ 143)، علل الدارقطني (6/ 266/ 1123)، مستدرك الحاكم (2/ 92)، السنن الكبرى للبيهقي (6/ 330)، [وتقدم معنا هذا الإسناد تحت الحديث رقم (267)، وبرقم (366)].
نعم؛ قد احتج به: أبو داود، والنسائي، وصححه: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم.
لكن عدم ثبوت سماع سويد من معاوية، ونفي أحمد الصحبة عن معاوية؛ مع عدم ثبوت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو الشهود والصحبة من طريق ثابت يعتمد عليه، مع إثبات واقعة جديدة غير واقعتي أبى هريرة وعمران بن حصين، وفيها أن السائل هو طلحة بن عبيد الله، وأن بلالًا قد أقام الصلاة، ثمِ كيف لا يعرف معاويةُ بن حديج أحدَ أشهرِ الصحابة، وأقدمِهم إسلامًا، وأعلاهم كعبًا ومناقبًا، لا سيما منقبته في أحد؟! ثم يغفل عموم الصحابة عن نقل هذه الواقعة المشتملة على ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، لا سيما وهي متعلقة بمنقبة لأحد العشرة المبشرين بالجنة، وبإقامة الصلاة لمن سلم من الصلاة ساهيًا
قبل إتمامها، "كل هذه القرائن تجعل النفس لا تطمئن لثبوت حديث معاوية بن حديج".
* والحاصل: فإنه لا يثبت في قصة سهو النبي صلى الله عليه وسلم وسلامه قبل إتمام الصلاة، من ركعتين أو من ثلاث، سوى حديث أبي هريرة، وحديث عمران بن حصين، والله أعلم.
° وقد اختلف أهل العلم في قصة ذي اليدين؛ أهي واقعة واحدة، اختلف الصحابة في روايتها، أم هي وقائع مختلفة؟
فذهب طائفة من أهل العلم إلى أنها واقعة واحدة، وخالفهم آخرون، فقالوا: بل هي وقائع متعددة، وهو الصواب، وقد قال بالأول جماعة، وممن قال بالثاني:
قال ابن رجب في الفتح (6/ 461): "وقال طائفة: هما رجلان، وواقعتان متعددتان، ونص على ذلك الإمام أحمد".
وقال أيضًا (6/ 471): "وقد نص أحمد على أنهما حديثان، وليسا بقصة واحدة، نقله عنه علي بن سعيد".
وقال ابن خزيمة (2/ 128) بعد حديث معاوية بن حديج [وهو حديث لا يثبت]: "هذه القصة غير قصة ذي اليدين؛ لأن المعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سها في هذه القصة طلحة بن عبيد الله، ومخبر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك القصة ذو اليدين، والسهو من النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذو اليدين إنما كان في الظهر أو العصر، وفي هذه القصة إنما كان السهو في المغرب؛ لا في الظهر ولا في العصر، وقصة عمران بن حصين قصة الخرباق: قصة ثالثة؛ لأن التسليم في خبر عمران من الركعة الثالثة، وفي قصة ذي اليدين من الركعتين، وفي خبر عمران دخل النبي صلى الله عليه وسلم حجرته ثم خرج من الحجرة، وفي خبر أبى هريرة قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى خشبة معروضة في المسجد، فكل هذه أدلة أن هذه القصص هي ثلاث قصص، سها النبي صلى الله عليه وسلم مرة فسلم من الركعتين، وسها مرة أخرى فسلم في ثلاث ركعات، وسها مرة ثالثة فسلم في الركعتين من المغرب، فتكلم في المرات الثلاث ثم أتم صلاته".
وقال ابن حبان في الصحيح (6/ 397): "هذه الأخبار الثلاثة قد توهم غير المتبحر في صناعة العلم أنها متضادة؛ لأن في خبر أبى هريرة أن ذا اليدين هو الذي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وفي خبر عمران بن حصين أن الخرباق قال للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وفي خبر معاوية بن حديج أن طلحة بن عبيد الله قال له ذلك، وليس بين هذه الأحاديث تضاد ولا تهاتر، وذلك أن خبر ذي اليدين: سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين من صلاة الظهر أو العصر، وخبر عمران بن حصين: أنه سلم من الركعة الثالثة من صلاة الظهر أو العصر، وخبر معاوية بن حديج: أنه سلم من الركعتين من صلاة المغرب، فدل مما وصفنا على أنها ثلاثة أحوال متباينة في ثلاث صلوات؛ لا في صلاة واحدة"، وفرق في الثقات (3/ 114) بين الخرباق وذي اليدين.
وقال ابن حجر في النكت على ابن الصلاح (2/ 792): "فإن هذه الأحاديث الثلاثة: ليس الواقعة واحدة؛ بل سياقها يشعر بتعددها، وقد غلط بعضهم فجعل حديث أبى هريرة
وعمران بن حصين رضي الله عنهما بقصة واحدة، ورام الجمع بينهما على وجه من التعسف الذي يستنكر، وسببه الاعتماد على قول من قال أن ذا اليدين اسمه الخرباق، وعلى تقدير ثبوت أنه هو فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين، لا سيما وفي حديث أبى هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين، وفي حديث عمران أنه صلى الله عليه وسلم سلم من ثلاث، إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين، وكذا حديث معاوية بن حديج ظاهر في أنه قصة ثالثة؛ لأنه ذكر أن ذلك في المغرب، وأن المنبه على السهو طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه".
° قلت: قصة ذي اليدين كانت في الظهر على الراجح، حيث سلم فيها من ركعتين، ولم يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد، وإنما قام إلى خشبةِ في مُقدَّم المسجد، فوضع يديه عليها، وفي رواية: أتى جِذعًا في قبلة المسجد، فاستند إليها مغضبًا، بينما قصة الخرباق كانت في العصر، حيث سلم فيها من ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فلما كلمه الخرباق خرج مُغضَبًا يجرُّ رداءه، والله أعلم.
فإن قيل: إن محمد بن سيرين كان يرى حديث أبى هريرة وحديث عمران واقعة واحدة؛ بدليل قوله في آخر حديث أبى هريرة: نُبِّئتُ أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، فيقال: إنما استشهد من حديث عمران بذكر السلام فيه؛ لاتحاد موضوع الواقعتين، وهو السهو في الصلاة، في السلام منها قبل انتهائها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد فيهما بعد السلام، ثم سجد سجدتي السهو، فزاد السلام من حديث عمران، ولم يُذكر في حديث أبى هريرة.
وانظر: رياض الأفهام للفاكهاني (2/ 356)، الفتح لابن حجر (3/ 100).
° مسألة: من تكلم في الصلاة عامدًا أو جاهلًا أو ناسيًا، هل تبطل صلاته؟
وقد أرجأت الكلام على هذه المسألة إلى هذا الموضع، وذلك عند الأحاديث السابقة برقم (924 و 930 و 931 و 949).
وقبل الشروع في المقصود، وذكر كلام الأئمة في هذه المسألة، أود التنبيه على أني قد بحثت مسألة نسخ الكلام في الصلاة تحت الحديث رقم (949).
* وخلاصة ما قلت هناك:
أنه قد دل مجموع روايات حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم وكلام جماعة من المحققين من العلماء: أن نسخ الكلام في الصلاة إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة وقبل غزوة بدر، وهو وقت الرجوع الثاني لابن مسعود من الحبشة بعد أن كان قد هاجر إليها ثانية، والله أعلم.
وأما حديث أبى هريرة في قصة ذي اليدين؛ فإنها متأخرة عن ذلك بكثير، ودعوى أن حديث أبى هريرة منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم فهي دعوى لا برهان عليها إلا بتأويل النصوص، فإن أبا هريرة متأخر الإسلام، أسلم عام خيبر، وهو القائل في الحديث: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية لمسلم: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، وهذا اللفظ صريح في الدلالة على شهوده الصلاة يوم ذي اليدين.
قال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (143): "وسألت أبى، قلت: قصة ذي اليدين كانت قبل بدر، أو بعد بدر؟ فقال: أبو هريرة يحكيه، وإنما كان إسلامه بعد بدر، عند فتح خيبر، وإنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين وشيئًا".
وقال البيهقي في المعرفة (2/ 187) بعد كلام طويل: "وفي هذا كل دلالة على شهود أبى هريرة القصة، وأن قول من قال: قوله: صلى بنا؛ يعني: صلى بالمسلمين؛ إن جاز ذلك فيه مع ترك الظاهر لم يجز في قوله: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 356)، وفي الاستذكار (1/ 549):"وحضور أبى هريرة يوم ذي اليدين محفوظ من رواية الحفاظ الثقات، وليس تقصير من قصر عن ذلك بحجة على من علم ذلك وحفظه"، ثم قال (1/ 357):"وشهود أبى هريرة لذلك، وقوله: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى بنا رسول الله، وبينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك في قصة ذي اليدين محفوظ عند أهل الإتقان".
وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (2/ 515): "وفي رواية ابن شهاب: ذو الشمالين رجل من بني زهرة، وبسبب هذه الكلمة ذهب الحنفيون إلى أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود، قالوا: لأن ذا الشمالين قتل يوم بدر فيما ذكره أهل السير، وهو من بني سليم، فهو ذو اليدين المذكور في الحديث، وهذا لا يصح لهم، وإن كان قُتلَ ذو الشمالين يوم بدر فليس هو بالخرباق، هو رجل آخر حليف لبني زهرة، اسمه: عمير بن عبد عمرو من خزاعة؛ بدليل رواية أبى هريرة حديث ذي اليدين ومشاهدته خبره، ولقوله: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، وإسلام أبى هريرة بخيبر بعد يوم بدر بسنين، فهو غير ذي الشمالين المستشهد يوم بدر، وقد عدوا قول ابن شهاب فيه هذا من وهمه".
وانظر أيضًا في هذا المعنى: كلام الشافعي في الأم (2/ 282 - ط. الوفاء)، وفي اختلاف الحديث (10/ 227 - الأم)، صحيح ابن خزيمة (2/ 118)، شرح البخاري لابن بطال (3/ 221)، الحاوي للماوردي (2/ 180)، المحلى (4/ 6)، الإعراب عن الحيرة والالتباس الموجودين في مذاهب أهل الرأي والقياس (2/ 468 و 609)، الاعتبار للحازمي (1/ 315)، الفتح لابن رجب (6/ 465).
* فأما من تكلم جاهلًا بتحريم الكلام، فهذا لا تبطل صلاته، وإنما ينبه على ذلك في الصلاة، ثم يعلَّم بعد الصلاة تحريم ذلك، كما جاء في ذلك صريحًا: حديث معاوية بن الحكم السلمي، وقد تقدم برقم (930 و 931)، ومما قلته هناك:
فإن شمته أحدٌ جاهلًا بتحريم الكلام أو ناسيًا، فهو داخل في عموم هذا الحديث؛ فإن معاوية بن الحكم قد تكلم في الصلاة بعد أن نزل التحريم، بدليل إنكار الصحابة عليه، وكان جاهلًا بالحكم، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (363): "سألت أبى عن حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ أنه تكلم في الصلاة؟ فقال أبى: ليس فيه بيان أن النبي [صلى الله عليه وسلم]، أمره أن يعيد الصلاة".
وقال الأوزاعي: "كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، فمن تكلم في صلاته ساهيًا أو جاهلًا مضت صلاته، ومن تكلم متعمدًا استأنف الصلاة"[سنن البيهقي (2/ 365). المجموع شرح المهذب (4/ 99)].
وقال ابن خزيمة في صحيحه (2/ 121): "ومعاوية بن الحكم السلمي إنما تكلم وهو لا يعلم أن الكلام في الصلاة محظور، فقال في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم لما شمت العاطس ورماه القوم بأبصارهم: واثُكل أمِّياه ما لكم تنظرون إليَّ، فلما تكلم في الصلاة بهذا الكلام، وهو لا يعلم أن هذا الكلام محظور في الصلاة، علمه صلى الله عليه وسلم أن كلام الناس في الصلاة محظور غير جائز، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة تلك الصلاة التي تكلم فيها بهذا الكلام".
وقال الماوردي في الحاوي (2/ 180): "لأنه تكلم جاهلًا بتحريم الكلام فلم تبطل صلاته، ولا أمره بإعادتها، والجاهل بتحريم الكلام في حكم المتكلم ناسيًا".
وانظر أيضًا: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 160)، الفتح لابن رجب (6/ 374).
* وأما من تكلم ناسيًا: فلا تبطل صلاته أيضًا، والحجة في ذلك قصة ذي اليدين، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم مع ذي اليدين على أنه قد فرغ من الصلاة، وقال له:"لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، فلما راجعه ذو اليدين وقال: بل نسيتَ يا رسول الله! عندئذ أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة، فقال لهم مستثبتًا من صحة دعوى ذي اليدين:"أصدق ذو اليدين؟ "، فلما استيقن أتم بهم الصلاة، فصلى ركعتين فقط، وبنى على صلاته الأولى، ولم يُعِدِ الصلاة من أولها.
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 364) - وهو متصل بإسناده إلى الأثرم -: "قال أبو بكر الأثرم: حدثني سليمان بن حرب، قال: حدثني حماد بن زيد، قال: ذكر لأيوب البناء بعد الكلام؟ فقال: أليس قد تكلم النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين؟ ".
وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 293): "فأما الكلام ساهيًا في الصلاة فليس من هذا الوجه [يعني: ليس داخلًا في أحاديث النهي عن الكلام]، ولا يجوز أن يقع على الكلام ساهيًا في الصلاة النهي، إذ غير جائز أن يدعي أحدٌ أن الله نهى من لا يعلم أنه في الصلاة عن الكلام فيها في الحال التي هو غير عالم بأنه في الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما تكلم وهو غير عالم بأنه في الوقت الذي تكلم فيه في الصلاة، بل كان عنده أنه قد أدَّى فرض الصلاة بكماله، بيَّن ذلك في قوله: "ما قصرت ولا نسيت".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 368)، وفي الاستذكار (1/ 553):"لأن النهي عن الكلام في الصلاة إنما توجه إلى العامد القاصد؛ لا إلى الناسي؛ لأن النسيان متجاوز عنه، والناسي والساهي ليسا ممن دخل تحت النهي؛ لاستحالة ذلك في النظر".
وانظر أيضًا: شرح البخاري لابن بطال (3/ 219).
وقد سبق نقل كلام بعض الأئمة في ذلك في المسألة السابقة، ويأتي نقل بقية كلامهم في المسألة الآتية.
* وأما من تكلم عامدًا في الصلاة عالمًا بتحريم الكلام:
• فهذا على قسمين: الأول: أن يتكلم بكلام ليس فيه مصلحة الصلاة، ولا هو من شأنها؛ فهذا تبطل صلاته؛ لحديث ابن مسعود:
الذي رواه عاصم بن أبى النجود، عن أبى وائل، عن ابن مسعود، قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيردُّ علينا [إذا كنا بمكة] قبل أن نأتي أرض الحبشة، فلما رجعنا من عند النجاشي، أتيته وهو يصلي فسلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ السلام، فأخذني ما قرُب وما بعُد، فجلست أنتظره، فلما قضى الصلاة، قلت: يا رسول الله! سلمتُ عليك وأنت تصلي فلم تردَّ عليَّ السلام، فقال:"إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وقد أحدث [من أمره] أن لا نتكلم في الصلاة".
تقدم برقم (924)، وهو حديث صحيح.
وما رواه الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نُسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلَّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، وقال:"إن في الصلاة لشُغُلًا".
تقدم برقم (923)، وهو حديث متفق على صحته.
ولحديث زيد بن أرقم، قال: إن كنا لنتكلَّم في الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكلِّم أحدُنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)} [البقرة: 238]، "فأُمِرنا بالسكوت"؛ لفظ البخاري، وزاد عند مسلم:"ونهينا عن الكلام"[وهو حديث متفق عليه، تقدم تخريجه برقم (949)].
ولحديث معاوية بن الحكم السلمي مرفوعًا: "إن هذه الصلاة لا يحلُّ فيها شيءٌ من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"[تقدم برقم (930)، وهو حديث صحيح].
قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (364): "قال أبى: إذا تكلم الرجل في الصلاة عامدًا وتكلم بشيء لا تكمل به الصلاة، ليس هو من شأن الصلاة؛ أعاد الصلاة، إذا قال: يا جارية اسقني ماءً، أو كلمه رجلٌ فكلمه؛ أعاد الصلاة، والذي هو من شأن الصلاة: مثل قول ذي اليدين: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، فهذا من شأن الصلاة".
وقال النووي في المجموع (4/ 95): "يتكلم عامدًا لا لمصلحة الصلاة: فتبطل صلاته بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره".
* وأما من تكلم عامدًا قاصدًا تنبيه الإمام، ولم يجد بدًا من ذلك؛ كمن سبح بالإمام فلم يفهم المراد من التسبيح، فكلامه لمصلحة الصلاة وإتمامها، فهل تصح صلاته؟ فهذا قد اختلفت فيه أنظار الأئمة:
قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 234): "أجمع أهل العلم على أن من تكلم في
صلاته عامدًا لكلامه، وهو لا يريد إصلاح شيء من أمرها، أن صلاته فاسدة.
واختلفوا فيمن تكلم في صلاته عامدا يريد به إصلاح صلاته، فقالت طائفة: عليه الإعادة، وممن هذا قوله: الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. . .
وقالت طائفة: من تكلم في صلاته في أمر عذر فليس عليه شيء"، وذكر قول الأوزاعي ومالك.
° قلت: روى سحنون، عن ابن القاسم، عن مالك، قال:"لو أن قومًا صلى بهم رجل ركعتين، وسلم ساهيًا، فسبحوا به فلم يفقه، فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلاة: إنك لم تتم فأتم صلاتك، فالتفت إلى القوم فقال: أحق ما يقول هذا؟ فقالوا: نعم، قال: يصلي بهم الإمام ما بقي من صلاتهم، ويصلون معه بقية صلاتهم، من تكلم منهم ومن لم يتكلم، ولا شيء عليهم، ويفعلون في ذلك ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين"[المدونة (1/ 133)][قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 344) وفي الاستذكار (1/ 542): "هذا قول ابن القاسم في كتب المدونة، وروايته عن مالك، وهو المشهور من مذهب مالك، وإياه يقلد إسماعيل بن إسحاق، واحتج له في كتاب رده على محمد بن الحسن، وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم"][وقد قام ابن عبد البر بتوجيه قول مالك هذا، والتدليل على صحته فذهب إلى: "أن النهي عن الكلام في الصلاة على ما ورد في حديث ابن مسعود وغيره: إنما خرج على رد السلام في الصلاة، وعلى مجاوبة من جاء فسأل بكم سُبق من الصلاة، وعلى من عرضت له حاجة فأمر بها وهو في صلاة، وقد كان في مندوحة عن ذلك؛ حتى يفرغ من صلاته، فعلى هذا خرج النهي عن الكلام في الصلاة، وجاء خبر ذي اليدين بجواز الكلام في إصلاح الصلاة إذا لم يوجد بدٌّ من الكلام، فوجب استعمال الأخبار كلها، وألا يُسقَط بعضُها ببعض، ولا سبيل إلى ذلك إلا بهذا التخريج والتوجيه، والله أعلم". التمهيد (1/ 348)][وقال أيضًا القرطبي في المفهم (2/ 189): "حصل من مجموع هذا الحديث: أن الكلَّ تكلموا في الصلاة بما يصلحها، ثم من بعد كلامهم كمل الصلاة، وسجد، ولغا كلامهم، ولم يضر، فصار هذا حجة لمالك"، إلى أن قال: "والصحيح: ما ذهب إليه مالك تمسكًا بالحديث، وحملًا له على الأصل الكلي؛ من تعدي الأحكام، وعموم الشريعة، ودفعًا لما يتوهم من الخصوصية؛ إذ لا دليل عليها، ولو كان شيء مما ادعي لكان فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولا يجوز إجماعًا، ولكان بيَّنه كما فعل في حديث أبى بردة بن نيار حيث قال: "ضح بها، ولن تجزئ عن أحد بعدك"، والله تعالى أعلم"][وانظر أيضًا: شرح البخاري لابن بطال (3/ 222)].
قلت: وما ذهب إليه مالك هو الصواب في هذه المسألة، وفيه استعمال جميع الأدلة، وعدم ضرب بعضها ببعض.
• وقال الشافعي في الأم (2/ 281 - ط. الوفاء)، وفي اختلاف الحديث (10/ 226 - الأم)، بعد أن أسند حديث ابن مسعود في النهي عن الكلام، وحديث ابن سيرين عن
أبى هريرة، وحديث أبى سفيان عن أبى هريرة، وحديث عمران بن حصين في قصة ذي اليدين، قال:"فبهذا كله نأخذ، فنقول: إن حتمًا أن لا يعمد أحدٌ الكلامَ في الصلاة وهو ذاكر لأنه فيها، فإن فعل انتقضت صلاته، وكان عليه أن يستأنف صلاةً غيرها لحديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما لا أعلم فيه مخالفًا ممن لقيت من أهل العلم".
قال: "ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها، أو نسي أنه في صلاة، فتكلم فيها بنى على صلاته وسجد للسهو، ولحديث ذي اليدين، وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى أنه في غير صلاة، والكلام في غير الصلاة مباح، وليس يخالف حديث ابن مسعود حديث ذي اليدين، وحديث ابن مسعود في الكلام جملة، ودل حديث ذي اليدين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين كلام العامد والناسي؛ لأنه في صلاة، أو متكلمٌ وهو يرى أنه أكمل الصلاة"[وانظر أيضًا: الأم (2/ 283 - ط. الوفاء)، اختلاف الحديث (10/ 228 - الأم). جامع الترمذي (399)، المعرفة (2/ 190)].
وقال في موضع آخر [الأم (2/ 285 - ط. الوفاء)، اختلاف الحديث (10/ 231 - الأم)]: "قال [يعني: المخالف]: ما تقول في إمام انصرف من اثنتين، فقال له بعض من صلى معه: قد انصرفت من اثنتين، فسأل آخرين، فقالوا: صدق؟ قلت [القائل الشافعي]: أما المأموم الذي أخبره، والذين شهدوا أنه صدق، وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته؛ فصلاتهم فاسدة"[وقد أطال ابن خزيمة في بيان هذا المعنى في صحيحه (2/ 121 - 124)].
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 350): "وإنما الخلاف بين مالك والشافعي: أن مالكًا يقول: لا يُفسد الصلاةَ تعمد الكلام فيها إذا كان في إصلاحها وشأنها، وهو قول ربيعة وابن القاسم إلا ما روي عنه في المنفرد، وقال الشافعي وأصحابه ومن تابعهم من أصحاب مالك وغيرهم: أنه إن تعمد الكلام وهو يعلم أنه لم يتم الصلاة وأنه فيها أفسد صلاته، وإن تكلم ساهيًا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلاة لأنه قد أكملها عند نفسه فهذا يبني، ولا يفسد عليه كلامه هذا صلاته.
وأجمع المسلمون طُرًّا أن الكلام عامدًا في الصلاة إذا كان المصلى يعلم أنه في صلاة ولم يكن ذلك في إصلاح صلاته يفسد الصلاة؛ إلا ما روي عن الأوزاعي أنه من تكلم لإحياء نفس أو مثل ذلك من الأمور الجسام لم تفسد بذلك صلاته، وهو قول ضعيف في النظر" [وقال نحوه في الاستذكار مفرقًا (1/ 540 و 544)].
قلت: قول مالك هو الصواب، ويرد قول الشافعي أن ذا اليدين حين قال: بل نسيت يا رسول الله، كان قد علم أنه في الصلاة، فصار متكلمًا عامدًا وهو يعلم أنه لم تتم صلاته، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، وكذلك من لم يجد بدًا من تنبيه الإمام إلا بالكلام، فلا إعادة عليه، وكذلك فإن عموم حديث ابن مسعود وما كان في معناه من المنع من عمد الكلام؛ مستثنى منه عمد الكلام لإصلاح الصلاة بحديث ذي اليدين، والله أعلم.
° واختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة:
فذكر الأثرم عنه أنه قال: "ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها لم تفسد عليه صلاته، فإن تكلم بغير ذلك فسدت عليه [التمهيد (1/ 348)].
وقول أحمد في مسائل ابنه عبد الله (364) كأنه يميل إلى هذا القول، وسبق نقله قبل قليل في المسألة السابقة، والشاهد منه قوله:"والذي هو من شأن الصلاة: مثل قول ذي اليدين: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، فهذا من شأن الصلاة".
قلت: بل الدليل قول ذي اليدين: بل نسيت يا رسول الله، فإنه هنا قد تكلم عامدًا في الصلاة لمصلحة الصلاة" فلم تبطل صلاته.
لكن المشهور عن الإمام أحمد في هذا التفريق بين الإمام والمأموم، فقد قال أبو داود في مسائله (374):"سمعت أحمد سئل عن رجل صلى ركعتين فسلم، فلما سلم أُخبِر أنه صلى ركعتين؟ قال: كل من تكلم وراء الإمام يعيد، قيل لأحمد: فتكلم الإمام، فقال: ما لكم، صليت ركعتين؟ فأشاروا إليه برؤوسهم؟ قال: يبني على صلاته، قال أحمد: تكلم ذو اليدين وهو لا يدري أقصرت الصلاة أم لا، واليوم لا تقصر الصلاة"[وانظر أيضًا (372 و 372)].
° قلت: نعم؛ قول ذي اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ لم يكن يدري حينها أوقع النسخ أم لا، لكنه حين قال: بل نسيت يا رسول الله، كان متيقنًا عدم وقوع النسخ، متيقنًا أنه في صلاة، وقد تعمد الكلام حينئذ لإصلاح الصلاة عالمًا بأنه في صلاة؛ ولم يؤمر بإعادتها، فدل على جواز الاقتداء بفعله؛ إذ لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بعد ذلك عدم جواز وقوع ذلك من أحد بعد ذي اليدين، كما قال لأبي بردة بن نيار:"ضح بها، ولن تجزئ عن أحد بعدك"، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وقال في مسائل ابنه صالح (949):". . . الإمام لا يعيد صلاته، ومن كلمه أعاد صلاته، قلت: فقد كلم النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بالإعادة؟ قال: لأن ذا اليدين كانت الصلاة عنده مقصورة ثم تمت، فخاف أن يكون رجعت إلى القصر، فقال: أنسيت يا رسول الله أم قصرت الصلاة؟ فقال: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، واليوم قد كملت، فهذا لا يشبه حال ذي اليدين"[وانظر أيضًا: مسائل صالح (1083)، مسائل ابن هانئ (203)].
وقال في مسائل الكوسج (268) نحوًا مما تقدم في كون النبي صلى الله عليه وسلم تكلم وهو على يقين أنه قد كملت صلاته، وذو اليدين كان على شكٍ؛ لعل الصلاة قد قصرت وعادت كما كانت، إلى أن قال:"والقوم لما أجابوا النبي صلى الله عليه وسلم وجب عليهم أن يجيبوه بسؤاله إياهم، وليس يجب اليوم على أحد أن يجيب أحدًا، فإذا فعل الإمام مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم بمثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لما كان من شأن الصلاة أتم، وإن تكلم غيره يعيد؛ لأنه لا يكون اليوم في معنى ذي اليدين أحد"، قال الكوسج:"قال إسحاق كما قال سواء"[وانظر أيضًا: جامع الترمذي (399)].
° قلت: تقدم الرد على ذلك، وأن الحجة هي في قول ذي اليدين الثاني: بل نسيت يا رسول الله، وأما الصحابة: فكان بإمكانهم أن يجيبوا بالإشارة والإيماء لا بصريح العبارة، فلما أجابوا بصريح العبارة، كانوا في ذلك في معنى ذي اليدين: تكلموا جميعًا عامدين لمصلحة الصلاة، وبقدر الضرورة، فلم تبطل صلاتهم، ولم يؤمروا بالإعادة.
• وأما العراقيون: أبو حنيفة وأصحابه والثوري، فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة يفسدها، على أي حالٍ كان سهوًا أو عمدًا، لصلاح الصلاة كان أو لغير ذلك [التمهيد (1/ 351)].
وقد قال بقول الشافعي وأحمد في استثناء الإمام دون المأموم، وأن المأموم تبطل صلاته بكل حال إذا تكلم وهو يعلم أنه لم يزل في صلاة: ابن خزيمة، وابن المنذر [الأوسط (3/ 235)].
وقال أبو عوانة (1/ 513): "والطاعن في هذا الحديث يحتج أيضًا: بأن الكلام منسوخ في الصلاة، وأنه يعيد الصلاة إذا كان ذلك منه مثل ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وليس كما يقول؛ إذ حظر الكلام في الصلاة إذا تعمد، وقد كان مباحًا فنسخ بمكة، وما ذكر من حديث ذي اليدين كان بالمدينة؛ فلا ينسخ الأولُ الآخرَ، والذي يجب: اتباع الحديثين كلاهما في العمد على إعادة الصلاة؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مما أحدث الله أن لا يتكلموا في الصلاة"، وقال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"، فإذا تكلم في صلاته عمدًا ولم يعلم أنه لا يجوز، أو أخطأ المتكلم بعد ما يستيقن أنه قد أتم الصلاة ولم يتمها من إمام أو مأموم، أو المأموم إذا ذكَّر الإمامَ بكلامه، أو إجابة الإمام على ما أجابوا النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه مباحٌ له أن يبني على صلاته، ولا يكون عليه إعادة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نسيت فذكروني".
قلت: وهو الصواب، فإن قيل: التذكير المأمور به هنا قد بينه في حديث أبى هريرة وسهل بن سعد المتفق عليهما: "فليسبح الرجال، وليصفق النساء"، فيقال: إذا لم ينتبه الإمام إلى مراد المأموم من التسبيح وأشكل عليه تسبيحه، والتبس عليه الحال، لم يكن بد حينئذ من التذكير بالكلام لإصلاح الصلاة، فهو داخل في عموم التذكير، وإلا فسدت الصلاة لا سيما مع فشو الجهل.
وقال ابن حبان (6/ 406): "أخبار ذي اليدين معناها: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تكلم في صلاته على أن الصلاة قد تمت له، وأنه قد أدَّى فرضه الذي عليه، وذو اليدين قد توهم أن الصلاة قد ردت إلى الفريضة الأولى، فتكلم على أنه في غير الصلاة، وأن صلاته قد تمت، فلما استثبت صلى الله عليه وسلم أصحابه، كان من استثباته على يقين أنه قد أتم صلاته، وأما جواب الصحابة رضوان الله عليهم له أن: نعم، فكان الواجب عليهم أن يجيبوه، وإن كانوا في نفس الصلاة، لقول الله جل وعلا:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ، فأما اليوم فقد انقطع الوحي، وأقرت الفرائض، فإن تكلم الإمام وعنده أن
الصلاة قد تمت بعد السلام لم تبطل صلاته، وإن سأل المأمومين فأجابوه بطلت صلاتهم، وإن سأل بعض المأمومين الإمام عن ذلك، بطلت صلاته لاستحكام الفرائض، وانقطاع الوحي، والعلة في سهو النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته أنه صلى الله عليه وسلم بعث معلمًا قولًا وفعلًا، فكانت الحال تطرأ عليه في بعض الأحوال، والقصد فيه إعلام الأمة ما يجب عليهم عند حدوث تلك الحالة بهم بعده صلى الله عليه وسلم".
قلت: وهذا بيِّنٌ في وقوع ذلك له صلى الله عليه وسلم، لكي يكون تشريعًا للأمة بعده، إذا سها الإمام فسلم قبل أن يفرغ من صلاته ظانًا أنه قد فرغ منها، فإن تكلم الإمام على هذا الحال لم تبطل صلاته، حتى يستيقن أنه قد سها؛ فإذا استيقن لم يجز له التمادي، ووجب عليه البناء على ما صلى، وكذلك المأمومون إذا تكلموا بقدر الحاجة لإصلاح الصلاة، كما فعل ذو اليدين في قوله: بل نسيت يا رسول الله، وقد علم أنه في صلاة، ولم يؤمر بالإعادة، وأما الصحابة فكان يكفيهم الإجابة بالإشارة والإيماء دون صريح العبارة؛ فلما أجابوا بصريح العبارة، كانوا في ذلك في معنى ذي اليدين.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 343): "وفيه أيضًا دليل على: أن الكلام في الصلاة إذا كان فيما يصلحها، وفيما هو منها؛ لا يفسدها، عمدًا كان أو سهوًا؛ إذا كان فيمايصلحها،. . .
وفيه: أن من تكلم في الصلاة وهو يظن أنه قد أتمها، وهو عند نفسه في غير صلاة؛ أنه يبني، ولا تفسد صلاته"، ثم نقل كلام مالك فيما رواه عنه أصحابه.
ثم قال بعد كلام طويل في هذه المسألة (1/ 369): "وقد تدخل على أبى حنيفة وأصحابه مناقضة في هذا الباب؛ لقولهم أن المشي في الصلاة لإصلاحها عامدًا جائزٌ، كالراعف ومن يجرى مجراه عندهم؛ للضرورة إلى خروجه وغسل الدم عنه ووضوئه عندهم، وغير جائز فعل مثل ذلك في غير إصلاح الصلاة وشأنها، فكذلك الكلام يجوز منه لإصلاح الصلاة وشأنها ما لا يجوز لغير ذلك؛ إذ الفعلان منهي عنهما، والله أعلم".
وقال النووي في المجموع (4/ 95): "مذهبنا ومذهب جمهور العلماء: أنه تبطل الصلاة، وقال الأوزاعي: لا تبطل، وهي رواية عن مالك وأحمد".
قال ابن رجب في الفتح (3/ 461) بعد حديث معاوية بن حديج [ولا يثبت]: "فهذا يدل على أن إقامة الصلاة لا يبطلها، وفيها الحيعلتان، ويزيد على الأذان بقوله: قد قامت الصلاة أيضًا؛ ولهذا بنى على ما مضى من صلاته هو ومن صلى معه، وهذا قد يبني على أصول مالك وأحمد - في رواية عنه - على قوليهما: إن كلام العامد في الصلاة لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة".
وانظر: الأوسط لابن المنذر (3/ 292)، سنن البيهقي (2/ 364)، القبس في شرح الموطأ (1/ 247)، المسالك في شرح الموطأ لابن العربي (2/ 406 و 414)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (21/ 164)، رياض الأفهام للفاكهاني (2/ 362)].
° ومن فوائد هذا الحديث أيضًا:
قال ابن عبد البر في التمهيد (1/ 341 - 343): "وفي هذا الحديث وجوه من الفقه والعلم:
منها: أن النسيان لا يُعصم منه أحدٌ نبيًّا كان أو غير نبي، قال صلى الله عليه وسلم:"نسي آدم فنسيت ذريته".
وفيه: أن اليقين لا يجب تركه للشك حتى يأتي يقين يزيله؛ ألا ترى أن ذا اليدين كان على يقين من أن فرض صلاتهم تلك أربع ركعات، وكانت إحدى صلاتي العشي كما روي، فلما أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير تمامها وأمكن في ذلك القصر من جهة الوحي، وأمكن الوهم، لزمه الاستفهام؛ ليصير إلى يقينٍ يقطع به الشك.
وفيه: أن الواحد إذا ادَّعى شيئًا كان في مجلس جماعة لا يمكن في مثل ما ادعاه أن ينفرد بعلمه دون أهل المجلس؛ لم يقطع بقوله حتى تستخبر الجماعة، فإن خالفوه سقط قوله، أو نُظِر فيه بما يجب، وإن تابعوه ثبت،. . .
وفيه دليل على: أن المحدث إذا خالفته جماعة في نقله أن القولَ قولُ الجماعة، وإن القلب إلى روايتهم أشد سكونًا من رواية الواحد.
وفيه: أن الشك قد يعود يقينًا بخبر أهل الصدق، وأن خبر الصادق يوجب اليقين، والواجب إذا اختلف أهل مجلس في شهادة وتكافؤوا في العدالة أن تُؤخذ شهادةُ من أثبتَ علمًا دون من نفاه.
وفيه: أن من سلَّم ساهيًا في صلاته لم يضره ذلك، وأتمها بعد سلامه ذلك، وسجد لسهوه، ولم يؤمر باستئناف صلاته؛ بل يبني على ما عمل فيها ويتمها.
وفيه: السجود بعد السلام لمن عرض له مثل هذا في صلاته، أو لمن زاد فيها ساهيًا؛ قياسًا عليه،. . .
وفيه: أن سجدتي السهو يكبر فيهما، وأنهما على هيئة سجود الصلاة،. . .
وقد زعم بعض أهل الحديث أن في هذا الحديث دليلًا على قبول خبر الواحد، وقد ادعى المخالف أن فيه حجة على من قال بخبر الواحد، والصحيح: أنه ليس بحجة في قبول خبر الواحد، ولا في رده".
ثم تكلم وأوعب في ذكر المسألة السابقة، ثم قال (1/ 370): "وفيه: إثبات سجود السهو على من سها في صلاته.
وفيه: أن السجود يكون بعد السلام إذا زاد الإنسان في صلاته شيئًا سهوًا، وبه استدل أصحابنا على أن السجود بعد السلام فيما كان زيادة من السهو في الصلاة.
وفيه: أن سجدتي السهو يسلَّم منهما، ويكبر في كل خفص ورفع فيهما، وهذا موجود في حديث أبى هريرة وعمران بن حصين في قصة ذي اليدين من وجوه ثابتة،. . .
واختلف المتأخرون من الفقهاء في رجوع المسَلِّم ساهيًا في صلاته إلى تمام ما بقي عليه منها هل يحتاج في ذلك إلى إحرام أم لا؟
فقال بعضهم: لا بد أن يحدث إحرامًا يجدده لرجوعه إلى تمام صلاته، وإن لم يفعل لم يجزه.
وقال بعضهم: ليس ذلك عليه، وإنما عليه أن ينوي الرجوع إلى تمام صلاته، فإن كبر لرجوعه فحسن؛ لأن التكبير شعار حركات المصلي، وإن لم يكبر فلا شيء عليه؛ لأن أصل التكبير في غير الإحرام إنما كان لإمام الجماعة، ثم صار سنة بمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقي الله،. . .
وإنما قلنا أنه إذا نوى الرجوع إلى صلاته ليتمها فلا شيء عليه، وإن لم يكبر؛ لأن سلامه ساهيًا لا يخرجه عن صلاته، ولا يفسدها عليه عند الجميع، وإذا كان في صلاة يبني عليها، فلا معنى للإحرام ها هنا؛ لأنه غير مستأنف لصلاته، بل هو متمٌ لها، بانٍ فيها، وإنما يؤمر بتكبيرة الإحرام المبتدئ وحده، وبالله التوفيق" [وانظر: شرح البخاري لابن بطال (3/ 218)، الاستذكار (1/ 554)، إكمال المعلم (2/ 520)، المفهم للقرطبي (2/ 190)، رياض الأفهام للفاكهاني (2/ 345 و 360)].
قلت: البناء بغير تكبير هو الموافق لظاهر الحديث، ففي روايةٍ: فرجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه، فصلى الركعتين الباقيتين، وفي أخرى: فجاء فصلى ما كان ترك، وفي أخرى: فتقدم فصلى ما ترك، لم ينقل أنه كبر لإتمام الركعتين، فإن كبر للإتيان بتكبيرة الانتقال التي لم يأت بها، فلا بأس، والله أعلم.
ومنها أيضًا: أن حديث ذي اليدين يصلح دليلًا على أن الأفعال الكثيرة التي ليست من جنس الصلاة إذا وقعت سهوا؛ فإنها لا تبطل الصلاة [انظر مثلًا: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 281)].
ومنها أيضًا: جواز تشبيك الأصابع في المسجد، وبه احتج البخاري على الإباحة أراجع الحديث المتقدم برقم (562)].
قال ابن حجر في الفتح (3/ 101): "وفيه: العمل بالاستصحاب؛ لأن ذا اليدين استصحب حكم الإتمام، فسأل مع كون أفعال النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع، والأصل عدم السهو والوقت قابل للنسخ، وبقية الصحابة ترددوا بين الاستصحاب وتجويز النسخ فسكتوا، والسرعان هم الذين بنوا على النسخ، فجزموا بأن الصلاة قصرت، فيؤخذ منه جواز الاجتهاد في الأحكام".
وانظر: معالم السنن (1/ 203)، شرح البخاري لابن بطال (3/ 218 - 226)، الحاوي للماوردي (2/ 183)، المحلى (4/ 5)، شرح السُّنَّة (3/ 293)، المسالك في شرح الموطأ لابن العربي (2/ 402 - 416)، المجموع شرح المهذب (4/ 95)، شرح النووي على مسلم (5/ 71)، الفتح لابن رجب (4/ 239) و (6/ 473 و 483)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 240 - 292)، الفتح لابن حجر (3/ 101). وغيرها كثير.